النّجم الثاقب - ج ١

صلاح بن علي بن محمّد بن أبي القاسم

النّجم الثاقب - ج ١

المؤلف:

صلاح بن علي بن محمّد بن أبي القاسم


المحقق: الدكتور محمّد جمعة حسن نبعة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٥
الجزء ١ الجزء ٢

قوله : (وا متنع وا زيد الطويلاه ، خلافا ليونس) (١) هذا كلام في إلحاق ألف الندبة في التوابع ، وأنت تقول : إن كان التابع بدلا ، أو معطوفا بحرف ، أو توكيدا لفظيا ، جاز إلحاق ألف الندبة فيه ، لأن حكمها حكم المستقل فتقول : (وا زيد أخاناه) (وا زيد وعمراه) (وا زيد زيداه) قال :

[١٩٤] ألا يا عمر وعمراه (٢)

 ...

وأما عطف البيان والتوكيد المعنوي والصفة ، فأجازها يونس (٣) وكثير من الكوفيين (٤) ، لأنها هي الأول في المعنى وحكمها حكمه فتقول : (وا زيد الطويلاه) ، (وا زيد يسراه) ، (وا زيد نفسكاه) ومنعها سيبويه والخليل (٥) لأن الصفة منفصلة عن الموصوف ، بدليل أنه يجوز الاقتصار عليه دونها ، بخلاف المضاف إليه.

حذف حرف النداء

قوله : (ويجوز حذف حرف النداء) وذلك في ثلاثة أشياء : في العلم سواء كان مفردا نحو : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) أو مضافا نحو (عبد الله) قال :

[١٩٥] حار بن كعب ألا أحلام

 ...

__________________

(١) ينظر رأي يونس بن حبيب في الكتاب ٢ / ٢٢٦ ، وشرح المفصل ٢ / ١٤ ، والإنصاف ١ / ٣٦٣ ، وشرح التسهيل السفر الثاني ٢ / ٨٢٦ ، وهمع الهوامع ٣ / ٧٠.

(٢) سبق تخريجه في الصفحة السابقة.

(٣) ينظر الكتاب ٢ / ٢٢٦ ، وهمع الهوامع ٣ / ٦٩.

(٤) ينظر شرح المصنف ٣٤ ، وشرح الرضي ١ / ١٥٩.

(٥) ينظر الكتاب ٢ / ٢٢٠ وما بعدها.

(٦) سبق تخريج البيت برقم ١٩٠.

٣٦١

وفي المضاف إلى المعرفة وهو [و ٤٥] كثير في القرآن نحو (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا)(١)(رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٢) وفي أي نحو (أيها الرجل) في (يا أيها الرجل) وكقوله : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) وقوله :

[١٩٦] أيها المنكح الثريا سهيلا (٣)

 ...

وإنما جاز حذفه للاختصار ، لأنه قائم مقام الفعل ، وقد جاز حذف الفعل فيجوز حذفه إلا أنه يؤدي إلى بقائه بلا تعريف كالنكرة ، أو اجحافه ، أو الباسة ، فإنه لا يحذف ، وكان القياس أن لا يجوز حذفه لأنه نائب مناب الفعل للاختصار ، وهو يؤدي إلى اختصار المختصر.

قوله : (إلا مع اسم جنس ، واسم الإشارة ، والمستغاث والمندوب) أي لا يجوز حذفه مع هذه ، هذا مذهب البصريين (٤) ، ومراده باسم الجنس ما كان نكرة قبل النداء سواء تعرف بالنداء نحو (يا رجل) أو لم كـ (يا رجلا) وسواء كان مفردا ، أو مضافا إلى نكرة ، نحو (يا غلام الرجل) أو مشبها به

__________________

(١) البقرة ٢ / ٢٨٦ (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا).

(٢) يوسف ١٢ / ١٠١ ، وفي الآية نقص وهي : (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض).

(٣) صدر بيت من الخفيف ، وعجزه :

عمرك الله كيف يلتقيان

وهو لعمر بن أبي ربيعة في ملحق ديوانه ٥٠٣ ، والأغاني ١ / ٢١٩ ، والشعر والشعراء ٢ / ٥٦٢ وفيه يجتمعان بدل يلتقيان ، والمقتضب ٢ / ٣٢٩ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤١٣ واللسان مادة (عمر) ٤ / ٣١٠٠. ويروى يجتمعان (في اللسان).

والشاهد فيه قوله : (أيها) حيث حذف حرف النداء جوازا لأنه يقوم مقام الفعل. وقد حذف الفعل كما ذكر الشارح.

(٤) ينظر رأي البصريين في شرح الرضي ١ / ١٥٩.

٣٦٢

ك (يا طالعا جبلا) و (يا ضاربا زيدا) وإنما لم يجز حذفه مع اسم الجنس (١) ، لأن قولك (يا رجل) أصله (يا أيهذا الرجل) و (يا أيها الرجل) فحذف الألف واللام اشتغناء عنها بـ (يا) وحذفت أي واسم الإشارة ، لأنه إنما أتى بهما وصلة إلى ما فيه الألف واللام ، وقد زال المتوصل إليه ، فلا حاجة إلى التوصل فبقي (يا رجل) فكرهوا أن يحذفوا حرف النداء ، فبخلوا بحذف أشياء كثيرة ، في العلم المضاف إلى معرفة و (أي) لم يحذف إلا حرف النداء فقط ، ورجع فيها التعريف بخلاف (رجل) فإنه بعد الحذف لا تعريف فيه ، فأدى إلى بقائه فيها. قوله : (والإشارة) يعني كذلك لا يجوز حذف حرف النداء معها ، لا تقول : (هذا) ، لئلا يلتبس بالمبتدأ ، ولزوال التعريف ، فإن قيل إنه يرجع إلى ما كان من قبل ، وهو تعريف الإشارة ، فجوابه : أن تعريف الإشارة مبهم ، وتعريف النداء قصد ، فاختلف التعريفان ، قوله : (والمستغاث والمندوب) يعني لا تقول : (زيدا) بحذف حرف النداء ، لأن المراد بهما التطويل ، والجواز ، ولهذا زيد في آخرهما ألف ، ولم يرخما ، فلو حذفت حرف النداء تنافى معناهما ، وأما الكوفيون (٢) فأجازوا حذف حرف النداء من المنادى مطلقا ، واحتجوا بقوله تعالى في الإشارة : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ)(٣) وفي الجنس يقول النبي صلّى الله عليه وعلى آله : «اشتدي أزمة تنفرجي» (٤).

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ٣٤ ، وشرح الرضي ١ / ١٥٩.

(٢) ينظر رأي الكوفيين في شرح الرضي ١ / ١٦٠. وقال ابن مالك في ألفيته مشيرا إلى هذا :

وذلك في اسم الجنس والمشار له قلّ ومن يمنعه فانصر عاذله.

(٣) آل عمران ٣ / ١١٩ ، وتمامها : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ.)

(٤) ينظر الجامع الصغير ١ / ٤٢ ، وكنز العمال ٣ / ٢٧٤ ، وقد صاغها الشيخ يوسف التوزي شعرا ـ وجعلها صدرا لبيت وعجزه هو :

قد آذن ليلك بالبلج

ينظر الدرر ١ / ١٤٩.

٣٦٣

وقوله في المثل : (وشذ : أصبح ليل (١) وأطرق كرا (٢) ، وافتد مخنوق) والبصريون يتأولون الآية ، بأنه مبتدأ ، بأن الحديث يروى بالمعنى ، وأما الأمثال فشاذة ، وقال بعضهم : إنهم يشهرونها بالشذوذ لتسير في الآفاق ، وأصل المثل ، في (أصبح ليل) لأم جندب زوج امرئ القيس تبرما به ، لأنه كان مبغضا للنساء ، وهو يضرب مثلا في شدة طلب الشيء ، وروي أنه سألها عن سبب فركهنّ له (٣) فقالت له : لأنك ثقيل الصدر خفيف العجر ، سريع الإراقة ، بطيء الإفاقة ، وأما (أطرق كرا) ففيه شذوذان ؛ أحدهما : أنه حذف حرف النداء من اسم الجنس ، والثاني ترخيم النكرة ، لأن أصله (كراون) فرخم بحذف الألف والنون ، وقلبت الواو ألفا على اللغة القليلة ، وقد قيل إن (كرا) غير مرخم وهو اسم لذكر (الكروان) وأصل المثل (٤) أنه رقية لصيد (الكرا) يقولون : (أطرق كرا إن النعام في القرى) (٥) ما إن رأى هذا (كرى) وصار مثلا لمن

__________________

(١) ينظر مجمع الأمثال ١ / ٤٠٣ ، والكتاب ٢ / ٢٣١ ، وشرح المفصل ٢ / ١٦ ، وشرح الرضي ١ / ١٦٠.

(٢) ينظر اللسان مادة (طرق) ٤ / ٢٦٦٤ ، ومجمع الأمثال ١ / ٤٣١. وقال : أطرق كرا إن النعامة في القرى ، والكتاب ٢ / ٢٣١ ، وشرح المفصل ٢ / ١٦ ، وتذكرة النحاة ٥٣٤.

(٣) الفرك معناه الكره.

(٤) ينظر شرح الرضي ١ / ١٦٠.

(٥) وفي اللسان ٤ / ٢٦٦٤ ، ويروى فيه شعرا ، وهو من مجزوء السريع هو مثل على صيغة شعر ويروى هكذا :

أطرق كرا أطرق كرا

إن النعام في القرى

ويضرب مثلا للمعجب بنفسه.

٣٦٤

يتكلم وفي المحضر من هو أفصح منه ، وأما (افتد مخنوق) (١) [ظ ٤٥] فهو مثل للحث على تخليص النفس من الشدائد ، وأصله : أن شخصا وقع بالليل على سيليك بن سلكة التميمي ، وهو نائم مستلق فخنقه ، وقال : افتد مخنوق ، فقال له سليك الليل طويل وأنت مقمر أي أتت من ما ذا عنى لك ففيم استعجالك في الأسر ، ثم ضغطه سليك فضرط فقال له سليك : (أضريطا وأنت الأعلى) (٢) فذهبت كلها أمثالا.

قوله : (وقد يحذف المنادى) قد للتقليل (ولا يحذف إلا جوازا مع قرينة) وهي وقوع الأمر والنهي بعدهما وغيرهما ، وإنما جاز حذفه لأنه مفعول والمفعول فضلة يجوز حذفه (٣).

قوله : (مثل ألا يا اسجدوا (٤) على الكسائي بتخفيف حرف التنبيه وهي (ألا) و (يا) للنداء وقوله تعالى : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ)(٥) وكذلك قوله :

__________________

(١) ينظر مجمع الأمثال ٢ / ٧٨.

(٢) ينظر مجمع الأمثال ١ / ٤٢٠. ويروى فيه أضرطا وأنت الأعلى.

(٣) ينظر شرح الرضي ١ / ١٦٠.

(٤) النمل ٢٧ / ٢٥ ، وقرأ الكسائي والزهري وغيرهما : ألا يسجدوا لله بمعنى ألا يا هؤلاء اسجدوا) لأن يا ينادى بها الأسماء دون الأفعال وحكى بعضهم سماعا عن العرب : ألا يا ارحموا ألا يا اصدقوا يريدون ألا يا قوم ارحموا ... فعلى هذه القراءة في موضع جزم بالأمر والوقف على ألا يا ، ثم تبتدئ فتقول اسجدوا. قال الكسائي ما كنت أسمع الأشياخ يقرأونها إلا بالتخفيف على نية الأمر ... ينظر تفسير القرطبي ٦ / ٤٩٠١ وما بعدها ، وتفسير فتح القدير للشوكاني ٤ / ١٣٣ ، والبحر المحيط ٧ / ٦٥ ـ ٦٦ والسبعة ٤٨٠ ، وحجة القراءات ٥٢٦ ـ ٥٢٧ ، والكشف ١٥٦ ـ ١٥٧.

(٥) يس ٣٦ / ٣٠ وتمامها : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ.)

٣٦٥

[١٩٧] يا لعنة الله والأقوام كلهم

والصالحين على سمعان من جار (١)

تقديره : (يا قوم اسجدوا) و (يا قوم تحسروا حسرة) و (يا قوم لعنة الله والأقوام) وروي برفع لعنة ونصبها ، فالرفع على أنه خبر مبتدأ ، والمنادى محذوف ، أي (يا قوم) والنصب يحتمل أن اللعنة منادى مضاف ويحتمل أن المنادى محذوف وتقديره (يا قوم العنوا لعنة الله ولعنة الصالحين) بالإضافة ، وإن رفعت الصالحين ، فتقديره (ولعن الصالحون) ومنع أبو حيان (٢) وجماعة من حذف المنادى ، وتأولوا ما ورد على أن (يا) فيه حرف تنبيه ، والأمر والنهي يقعان كثيرا بعد التنبيه نحو :

[١٩٨] ألا لا يجهلن أحد علينا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا (٣)

ورد بأن نحو (ألا يا اسجدوا) وفيه حرف تنبيه ، وهم لا يجمعون بين حرفين بمعنى واحد ، ولا ضرورة في القرآن.

__________________

(١) البيت من البسيط وهو بلا نسبة في الكتاب ٢ / ٢١٩ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣١ ، وشرح المفصل ٢ / ٢٤ ، والإنصاف ١ / ١١٨ ، والجنى الداني ٣٥٦ ، وشرح الحماسة للمرزوقي ١٥٩٣ ، ومغني اللبيب ٤٨٨ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٩٦ ، والبحر المحيط ٧ / ٦٧ ، وخزانة الأدب ١١ / ١٩٧.

والشاهد فيه قوله : (يا لعنة الله) يريد يا قوم أو يا هؤلاء لعنة الله) فحذف المنادى ولذلك رفع على الابتداء ، ولو كانت منادى لنصبها لأنها منادى مضاف ، و (يا) عند أبي حيان للتنبيه حيث جاء بعده المبتدأ وهو (لعنة) ولذلك فهي مرفوعة في هذه الحال

(٢) ينظر رأي أبي حيان في البحر ٧ / ٦٦.

(٣) البيت من الوافر وهو لعمرو بن كلثوم كما في شرح القصائد السبع الطوال لابن الأنباري ٤٢ ، والبحر المحيط ٥ / ٢١٩.

والشاهد فيه قوله : (ألا لا يجهلن) وألا حرف تنبيه وقع بعدها لا الناهية.

٣٦٦

الاشتغال

قوله : الثالث : (ما أضمر عامله على شريطة التفسير) أي الثالث ، مما حذف فعله وجوبا وهو ثاني القياسية وإنما وجب الإضمار ، لأن المفسر كالعوض من الناصب ، وهو لا يصح الجمع بين العوض والمعوض منه كما في (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ)(١) ويعني شريطة التفسير ، أن المقدر موافق للمفسر على ما يأتي ، وحقيقته ما ذكر.

قوله : (كل اسم جنس) لأنه لا بد أن يكون اسما لأنه مفعول به. قوله : (بعده فعل) خرج ما قبله فعل ، نحو (ضربت زيدا) فإنه ليس من هذا ، وما بعده اسم ، نحو (زيد قائم) أو حرف نحو (زيد في الدار).

قوله : (أو شبهه) يعني اسما الفاعلين والمفعولين اللذين يصح أن يتقدم معمولهما عليهما ، نحو (زيدا أنا ضاربه) (وزيدا أنت محبوس عليه) ولا بد

__________________

(١) التوبة ٩ / ٦ وتمامها : (فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ.)

قال الرضي فيما ينقله عن الكسائي والفراء في ١ / ١٦٣ : (وهذا عند الكسائي والفراء ليس مما ناصبه مضمر بل الناصب لهذا الاسم عندهما لفظ الفعل المتأخر عنه إما لذاته إن صح المعنى ، واللفظ بتسليطه عليه نحو : زيدا ضربته. فضربت عامل في زيدا ، كما أنه عامل في ضميره ، وأما إن اختل المعنى بتسليطه عليه فالعامل فيه ما دل عليه ذلك الظاهر). وينظر معاني القرآن للفراء ١ / ٤٢٢.

٣٦٧

فيهما من الاعتماد ، أو الهمزة ، أو ما يحترز مما فيه الألف واللام مبهما ، والصفة المشبهة ، واسم الفعل ، والمصدر ، وأفعل التفضيل ، فإن هذه لا يصح تقديم معمولها عليها (١).

قوله : (مشتغل عنه بضميره) يحترز مما لا يشتغل ، نحو (زيدا ضربت) فإنه العامل بنفسه ، ومما لا مفعول له ، نحو (زيد قام) فإنه وإن اشتغل بمعموله ، فليس ينتصب (زيدا) ومن حق المعمول أن يكون مما يصح إضماره ، فيخرج ما يمتنع فيه الإضمار كالحال والتمييز ونحوهما.

قوله : (أو متعلقة) بكسر اللام وفتحها ، والمراد هنا بالتعلق الارتباط ، فإن فتحتها رددت ضمير المتعلق إلى الاسم ، وإن كسرتها رددته إلى الضمير في قوله (بضميره) ويعني أن يكون مشتغلا بالضمير وبما يتعلق بضمير الاسم [و ٤٦] نحو (زيدا ضربت غلامه) متعلقة ، ما أضيف إليه نحو (زيدا ضربت غلامه) أو إلى صلته ، نحو (زيدا ضربت الذي يحبه) أو صفته ، نحو (زيدا ضربت رجلا يحبه) (٢).

قوله : (لو سلط عليه هو أو مناسبة لنصبه) (٣) يعني لو سلط الفعل

__________________

(١) ينظر شرح الرضي ١ / ١٦٣ ـ ١٦٤.

(٢) ينظر شرح الرضي ١ / ١٦٤.

(٣) قال الرضي في ١ / ١٦٨ : ليس في أكثر النسخ هذه اللفظة أعني أو (مناسبه) ، والظاهر أنها ملحقة ولم تكن في الأصل إذ المصنف لم يتعرض لها في الشرح والحق أنه لا بد منها ، وإلا خرج نحو (زيدا مررت به) ، وأيضا نحو : (زيدا ضربت غلامه) ، لأنه لا بد هاهنا من مناسب حتى ينصب زيدا ، لأن التسليط يعتبر فيه صحة المعنى ، ولو سلطت (ضربت) على (زيدا) في هذا الموضع لنصبه لكن لا يصح المعنى ، لأنك لم تقصد أنك ضربت زيدا نفسه ، بل قصدت إلى أنك أهنته بضرب غلامه ، فالمناسب إذا يطلب في موضعين : أحدهما : أن يكون الفعل أو شبهه واقعا على ذلك الاسم ، والثاني أن لا يكون الفعل الظاهر أو شبههة واقعا عليه بل على متعلقه ...).

٣٦٨

الموجود على الاسم الذي قبله ، أو مناسبه ، نحو (زيدا مررت به) و (زيدا ضربت غلامه) و (زيدا حبست عليه) فإن هذه الأفعال مناسبة للمقدر ، قوله : (لنصبه) يحترز مما لو سلط لرفع ، وهو غير المتعدي ، وهو (زيد قام) وكلها له صدر الكلام نحو (زيدا هل ضربته)؟ و (زيدا أين ضربته)؟ وغير ذلك مما له الصدر ، فإنه لا يتقدم ما بعده عليه وما لا يتقدم معموله نحو :فعل التعجب ، والمصدر ، واسم الفعل ، والصفة المشبهة واسم الفاعل والمفعول باللام ، ومما يحول بين الاسم وبينه بأجنبي ، نحو (زيدا أنت تضربه) فلا يجوز في هذا الاسم عند سيبويه (١) النصب وأجازه الكسائي قياسا على اسم الفاعل.

قوله : (مثل : زيدا ضربته) هذا مثال ما يسلط بنفسه مما وافقه في المعنى الخاص والتعدي.

قوله : (وزيدا مررت به) مثال لما يرافقه في المعنى الخاص دون التعدي ، قوله : (وزيدا ضربت غلامه) هذا مثال لما يوافقه في التعدي فقط.

قوله : (وزيدا حبست عليه) هذا مثال لما يوافقه في المعنى العام دون الخاص والتعدي ، ولا خلاف في قوة الأول وضعف الرابع وإنما الخلاف في الوسطين ، فاختار المصنف : (٢) أن المعنى الخاص أقوى لأن اعتبار المعنى أقوى ، واختار طاهر (٣) أن الموافق في التعدي أولا ، لأنه قد وافق في التعدي أصل المعنى الخاص.

__________________

(١) ينظر الكتاب ١ / ٨٢ ـ ٨٣ ، وشرح الرضي ١ / ١٦٥.

(٢) ينظر شرح المصنف ٣٥.

(٣) ينظر همع الهوامع ٥ / ١٥٤.

٣٦٩

قوله : (ينصب بفعل يفسره ما بعده) يعني أن كل واحد من معمولات هذه الأقسام ينصب بفعل يفسره ما بعده ، فإن أمكن تقدير مثل الفعل المذكور موافقا له في المعنى الخاص والتعدي كان أولى (١) نحو : زيدا ضربته ، فإنك تقول : (ضربت زيدا ضربته) ، فضربت المقدر وافق المفسر في المعنى الخاص والتعدي ، وإن لم يمكن فمعناه الخاص دون التعدي على كلام المصنف (٢) نحو (تجاوزت زيدا) في قولك (زيدا مررت به) فإن معنى المجاوزة والمرور واحد ، والتعدي مختلف ، فالمقدر متعد بنفسه ، والمفسر بحرف جر ، وإن لم يكن ، فالتعدي والمعنى العام ، نحو (أهنت زيدا) في (زيدا ضربت غلامه) ، فإن المقدر وافق المفسر في المعنى العام ، وهو أن من ضرب غلامه فقد أهين ، دون المعنى الخاص ، لأنه ليس نفسه الضرب الواقع في الغلام في زيد ، وإن لم يمكن المعنى الخاص ولا المتعدي ، فالمعنى العام نحو (لا بست زيدا في زيد حبست عليه) فإن التعدي في المقدر بنفسه ، وفي المفسر بحرف وبين الفعلين معنى عام وهو أن سبب الحبس الملابسة والمخالطة وتقدير هذه الأفعال مذهب البصريين ، ومذهب الكوفيين (٣) ، أن العامل في المفعول المقدم الفعل الموجود ، وإنما جاز أن يعمل في الظاهر والمضمر في حالة واحدة ، لأن الضمير في المعنى هو الظاهر ، وتكون فائدة تسليطه على المضمر بعد الظاهر المقدم ، كالتأكيد لإيقاع الفعل ، ولا يقال : إن الضمير من أي التوابع الخمسة ، لأن إعرابه وإعراب الظاهر يختلف ، والتابع يجب موافقته للمتبوع في

__________________

(١) ينظر شرح الرضي ١ / ١٦٩.

(٢) ينظر شرح المصنف ٣٥.

(٣) ينظر شرح المفصل ٢ / ٣٠.

٣٧٠

الإعراب ، وقال آخرون : إن زيدا بدل من الضمير أو بيان له ، تقدم على الفعل ، والأصل (ضربته زيدا) [ظ ٤٦]

قوله : (ويختار الرفع) مسائل هذا الباب تنقسم إلى خمسة أقسام مختار الرفع ومختار النصب ، ومستوى الأمرين ، وواجب النصب ، وواجب الرفع ، وهذا الخامس مختلف فيه (١) هل هو من هذا الباب أم لا؟ وسيأتي ، أما اختيار الرفع ففي موضعين.

الأول : قوله : (ويختار الرفع بالابتداء عند عدم قرينه خلافه) (٢) يعني أنه يختار رفع الاسم الذي بعده فعل مستقل عنه بضميره أو متعلقه ، عند عدم قرينه النصب وغيره من الأقسام خلاف قرينة الرفع ، وذلك مثل (زيدا ضربته) ، والرفع أولى لأنه لا يحتاج إلى تقدير (٣) ، ولا قرينة للنصب تدل على التقدير ومنه قوله تعالى : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ)(٤) و (سُورَةٌ أَنْزَلْناها)(٥) قال سيبويه : النصب عربي كثير والرفع أجود (٦) ، وإنما كان أجود لأنه أخصر لا يحتاج إلى تقدير ، ولأن الجملة مع الرفع لها موضع من الإعراب ، لأنها خبر لها ، ولا موضع مع النصب لأنها مفسرة ، لأن الجمل التي لا موضع لها من الإعراب ؛ أربع : (٧) المفسرة والصلة والاستئنافية

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ٣٥ ، وينظر شرح الرضي ١ / ١٧٠.

(٢) قال الرضي : الضمير في خلافه للرفع ، وخلاف الرفع النصب لأن هذا الاسم المذكور إما أن يرتفع بالابتداء أو ينتصب بفعل مقدر أما الجر فلا يدخله إلا بجار) ... ينظر شرح الرضي ١ / ١٧٠.

(٣) ينظر شرح المصنف ٣٥.

(٤) يس ٣٦ / ٣٩ وتمامها : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ.)

(٥) النور ٢٤ / ١ وتمامها : (سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.)

(٦) ينظر الكتاب ١ / ١٤٣ وما بعدها.

(٧) الجمل التي لا محل لها من الإعراب من حيث أصليتها أربع كما ذكرها الشارح لكنها من ـ حيث التفصيل ثمان ، الأربع المذكورة وهذه التي لم يذكرها :

ـ الابتدائية وهي من أنواع الاستئنافية.

ـ جملة جواب الشرط غير الجازم.

ـ والمعطوف على جملة لا محل لها من الإعراب.

ينظر المغني ٥٣٦ وما بعدها.

٣٧١

والاعتراضية ، والتي لها موضع من الإعراب أربع (١) ، وهي حيث تكون خبرا لمبتدأ ، أو صفة لموصوف ، أو حالا لذي حال أو مضافا إليها أسماء الزمان ، وضابطه ما وقعت الجملة فيه موقع المفرد ، فلها محل ، وما لم فلا محل لها.

الثاني : قوله : (أو عند وجود أقوى منها) (٢) يعني أن الرفع يختار ، وإن وجدت قرينة النصب ، إذا كانت قرينة الرفع أقوى منها وذلك مع (أما) إذا كانت لغير الطلب ومع (إذا). التي للمفاجأة ، مثل (أما) نحو : أن تعطف على جملة فعلية مع (أما) نحو : (جاء زيد وأما عمرو فقد ضربته) فإنه قد حصلت قرينة النصب ، وهي العطف على جملة فعلية ، وقرينة الرفع وهي أن أكثر ما يقع بعد (أما) المبتدأ فغلبت قرينة الرفع من حيث أنها لا تحتاج إلى التقدير.

قوله : (مع غير الطلب) يحترز من أن (٣) تكون معه طلبية ، فإن قرينة

__________________

(١) وكذلك الحال بالنسبة للجمل التي لها موضع من الإعراب وهي إلى جانب ما ذكره الشارح يتفرع عن خبر المبتدأ وخبر كان وأخواتها في محل نصب ، وخبر إنّ وأخواتها في محل رفع والجملة المعطوفة على جملة لها محل من الإعراب. وجملة جواب الشرط الجازم المقترنة بالفاء أو إذا ، والجملة الواقعة مفعولا به للفعل المتعدي وهي في محل نصب. ينظر المغني ٥٠٠ وما بعدها.

(٢) قال الرضي : أي عند وجود قرينة للرفع هي أقوى من قرينة النصب وقرينة الرفع التي تجامع قرينة النصب وتكون أقوى منها شيئان فقط على ما ذكروا (أما) و (إذا) المفاجأة. ينظر الرضي ١ / ١٧١.

(٣) زيادة يقتضيها السياق.

٣٧٢

النصب أرجح ، لأن الإنشاء لا يقع خبرا إلا بتأويل ، وهو (مقول) (١) مثاله (جاء زيد وأما عمرا فاضربه).

قوله : (وإذا للمفاجأة) يحترز من الشرطية مثاله (جاء زيد وإذا عمرو يضربه بكر) ، فإن قرينة الرفع أرجح لأن أكثر ما يقع بعدها المبتدأ ، هذا مذهب سيبويه (٢) ، وذهب كثير من المحققين إلى وجوب الرفع فيما بعدها ، لأنه لا يقع بعدها إلا المبتدأ فقط ، فرقا بينها وبين إذا الشرطية.

قوله : (ويختار النصب) هذا القسم الثاني وهو المختار فيه النصب وذلك في مواضع ثمانية : الأول قوله : (بالعطف على جملة فعلية) [للتناسب](٣) يعني حيث يعطف جملة فعلية على جملة فعلية نحو (لقيت زيدا وعمرا أكرمته) ولا فرق في الجملة المعطوف عليها ، بين أن يتقدم معمولها على فعله نحو (زيدا لقيت وعمرا أكرمته) أولا ، وأما المتعدي فاشترطه بعضهم ، لأنهما إذا لم يتفقا فيه فلا مناسبة ، وبعضهم لم يشترط فتقول (قام زيد وعمرا أكرمته) وإنما رجحت قرينة النصب على الرفع مع احتياجها إلى التقدير بخلاف الرفع لأن التناسب في كلام العرب مهم مقصود ، والحذف وإن كان مكروها فهو كثير في كلامهم.

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ٣٥. قال المصنف قال أبو علي كلاما ما معناه : إنه كان يظن أنه لا يقع الأمر خبرا للمبتدأ البتة لما بينهما من المناقضة ، حتى وجدت ذلك في كلامهم فوجب تأويله بتقدير مقول فيه وإذا كان الأمر كذلك كان النصب أولى ، وإن وجدت ، وإن وجدت قرائن الرفع.

(٢) ينظر رأي سيبويه وهي المسألة الزنبورية إذ هي متعلقة بذلك ، وهذا ما ذهب إليه كثير من المحققين كما ذكر الشارح ، والمغني ١٢١ و ١٢٢ ، والإنصاف والرضي والمفصل وشروحه.

(٣) ما بين الحاصرتين زيادة من الكافية المحققة.

٣٧٣

الثاني قوله : (وبعد حرف النفي) وهي (ما) و (لا) و (إن) نحو (ما زيدا ضربته) و (لا زيدا ضربته) قال :

[١٩٩] فلا حسبا فخرت به لتيم (١)

 ...

و (إن) نحو (إن زيدا ضربت) وإنما اختير النصب مع جواز الرفع لأن النفي في الحقيقة [و ٤٧] لمضمون الفعل ، ما تلاه إياه لفظا وتقديرا أولى ، وليس (لم) و (لما) و (لن) من هذا الباب لأنها عاملة في المضارع ، ولا يقدر معمولها لضعفها في العمل لا يقال : (لم زيدا تضربه) كما يقال (إن زيدا تضربه أو ضربته) لقوة (إن) في أنها تدخل على المضارع والماضي وتجزم الشرط والجزاء ، بخلاف هذه فإنها لا تجزم إلا فعلا واحدا وهي لازمة للفعل فيجب فيما بعدها النصب لاختصاصها بالفعل ، وأما (ليس) فليس من هذا الباب ، لأنه يقع ما بعدها مرفوعا بكل حال ، فيمن قال بفعليتها وحرفيتها ، فإن كانت فعلية ، فهو اسمها وإن كانت حرفية فمبتدأ.

الثالث : قوله : (وألف (٢) الاستفهام) يعني الهمزة ولم يقل والاستفهام ، ليحترز من (هل) وأسماء والاستفهام (٣) ، وحاصل الكلام أن الاستفهام على ثلاثة أضرب يختار فيه النصب ، وهو حيث يأتي بالهمزة ، نحو (أزيدا

__________________

(١) صدر بيت من الوافر ، وعجزه :

ولا جدا إذا ازدحم الجدود

وهو لجرير في ديوانه ٣٣٢ ، والكتاب ١ / ١٤٦ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٨٣ ، ٥٦٨ ، وشرح المفصل ١ / ١٠٩ ، ٢ / ٣٦ ، والخزانة ٣ / ٢٥ وبلا نسبة في شرح الرضي ١ / ١٧٣.

والشاهد فيه قوله : (حسبا) حيث نصبه بفعل يدل على الفعل المفسر والتقدير ولا ذكرت حسبا.

(٢) في الكافية المحققة : حرف بدل ألف.

(٣) ينظر شرح المصنف ٣٥.

٣٧٤

ضربته؟) ويختار الرفع ، والنصب جائز ، وهو الاستفهام بالأسماء والمعمولة نحو (أيهم ضربته؟) و (من حدثته؟) وضرب يحتم إما الجملة الفعلية ، وإلا الاسمية الصدر والعجز ، ولا يجوز اسمية الصدر فعلية العجز وذلك مع (هل) وأسماء الاستفهام الداخلة على المعمول نحو (هل زيد قائم؟) و (هل ضربت زيدا؟) و (متى زيد قائم؟) (ومتى زيدا ضربت؟) ولا يجوز (هل زيد قام) ولا (متى زيد قام) إلا على قبح ، وذلك لأن أصلها الدخول على الجملة الفعلية ، فإذا عدمت جاز دخولها على الاسمية لأجل عدم الفعلية ، فكأنها عند دخولها على الاسمية ، قد نسبت صحة الفعلية ، فإذا جئت باسمية الصدر فعلية العجز ، تذكرت صحة القديمة ، فلا ترضى إلا باتصالها بها وبمعانيها ، فيجب أن توليها إياها ، تخالف الهمزة ، فإنها تدخل عليها ، تقول (أزيد قام؟) لاختصاصها بالاستفهام وتوغلها فيه ، وعلة اختيار النصب مع الاستفهام كعلته مع النفي.

الرابع قوله : (وإذا الشرطية) يعني مما يختار بعدها النصب نحو (إذا زيدا ضربته ضربته) قال :

[٢٠٠] إذا ابن أبى موسى بلالا بلغته (١)

 ...

__________________

(١) صدر بيت من الطويل ، وعجزه :

فقام بفأس بين وصليك جازر

وهو لذي الرمة في ديوانه ١٠٤٢ ، والكتاب ١ / ٨٢ ، وشرح أبيات سيبويه لابن السيرافي ١ / ١٦٦ ، وشرح المفصل ٢ / ٣٠ ، وشرح الرضي ١ / ١٧٤ ، وخزانة الأدب ٣ / ٣٢ ـ ٣٧ ، ويروى ينصب بلال ورفعه.

والشاهد فيه قوله : (إذا ابن أبي بلال بلغته حيث يجوز في ابن الرفع على الابتداء ، والنصب على إضمار فعل يفسره المذكور الظاهر.

٣٧٥

وهذا مذهب الأخفش والكسائي والمصنف (١) ، أعني اختيار الفعلية لأن الشرط بالفعل أولى ، كالنفي والاستفهام ، وإنما لم تجب الفعلية بعدها كحروف الشرط لأنها ليست شرطا محققا لأنها واقعة فيما يتحقق وقوعه ، والشرط مشكوك فيه ، وأما مذهب سيبويه (٢) والبصريين فيجب بعدها النصب لأنه لا يقع بعدها إلا الفعل ظاهرا أو مقدرا ، نحو : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ)(٣).

الخامس قوله : (وحيث) نحو (حيث زيدا تجده فأكرمه) (٤) لأنها في معنى الشرط فهي تقتضي الفعل غالبا.

السادس قوله : (وفي الأمر والنهي) نحو (زيدا (أضربه) وعمرا لا تضربه) وإنما اختبر النصب لأن الإنشاء لا يقع خبرا (٥).

السابع قوله : (إذا هي مواقع الفعل) هذا تعليل لاختيار النصب في هذه الأقسام السبعة.

الثامن قوله : (وعند خوف [لبس](٦) المفسر بالصفة) يعني إذا خيف التباس الفعل المفسر بالصفة اختير النصب لزوال اللبس وذلك في مثل :

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ٣٥ ، وشرح الرضي ١ / ١٧٤.

(٢) ينظر الكتاب ١ / ٨٢ ، وشرح المفصل ٢ / ٣٢.

(٣) الانشقاق ٨٤ / ١.

(٤) ينظر شرح الرضي ١ / ١٧٤ قال الرضي حيث دالة على المجازاة في المكان كـ (إذا) في الزمان مثل : حيث زيدا تجده أكرمه. وينظر شرح المصنف ٣٦.

(٥) وبعض النحاة يجيزون وقوع الخبر إنشاء ، ينظر شرح الرضي ١ / ١٧٤ وما بعدها.

(٦) ما بين الحاصرتين زيادة من الكافية المحققة.

٣٧٦

قوله تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ)(١) فإنك إذا رفعته اختل العموم وهو مراده ، وهو حيث يجعل خلقناه الخبر ، وبقدر متعلق به ، ويحتمل أن يكون خلقناه صفة للمبتدأ ، وهو كل شيء ، وبقدر الخبر ، فلا يفيد العموم ، ويعلق محذوف وليس ذلك مراد المصنف ، لأن الجبرية (٢) يضيفون الأفعال كلها إلى الله ، وأما إذا نصب تحتم العموم في المخلوقات أنها من الله تعالى. فقال المصنف : (٣) ما أجمعت القراء على النصب مع ضعفه إلا لغرض مهم ، وهو العموم في المخلوقات أنها من الله تعالى. قال الوالد جمال الإسلام : والجواب عما ذكره من وجهين ؛ الأول : إنا لا نسلم أن هذه الآية من هذا الباب ، بل انتصاب (كلّ شيء) على بدل الاشتمال من اسم (إنّ) وقد حكى هذا القول طاهر (٤).

الثاني : سلمنا أنه من هذا الباب لكن لا نسلم أنه عدل إلى النصب لإفادة العموم ، في أنه خلق كل شيء ، وإنما عدل إليه لأحد أمور ؛ [ظ ٤٧] أحدهما : أن اطلاق اسم الأكثر على الكل بمكان من الفصاحة ، لأن الله

__________________

(١) القمر ٥٤ / ٤٩ قال القرطبي : قراءة العامة (كل) بالنصب وقرأ أبو السمال كل بالرفع على الابتداء ، فمن نصب فبإضمار فعل وهو اختيار الكوفيين لأن إن تطلب الفعل فهي به أولى ، والنصب أدل على العموم) ينظر تفسير القرطبي ١٨٢ ، وإعراب القرآن للنحاس ٤ / ٣٠٠.

(٢) الجبرية فرقة إسلامية تقول بأن الإنسان مجبر على القيام بالأفعال دون اختيار فيه لأن الله خلقه وخلق علمه وهم يقولون إن الإنسان كالريشة في مهب الريح تميله كما تشاء وأن فعل العبد بمنزلة طوله ولونه ، وأصل قولهم الجهم بن صفوان أو جهم. والذين يقولون إن الإيمان من الله والكفر من الله والعبد لا خيرة له في ذلك ، ينظر شرح العقيدة الطحاوية ٢ / ٧٩٧.

(٣) ينظر شرح المصنف ٣٦ ، وأمالي ابن الحاجب ٢ / ٥٠٥ ـ ٥٠٦ وقراءة النصب هي المشهورة وقدروا خلقنا ينظر إعراب القرآن للنحاس ٣ / ٢٩٨ ، والكشاف ٤ / ٤١ ، والرضي ١ / ٧٥.

(٤) ينظر شرح المقدمة المحسبة ٤٢٧.

٣٧٧

تعالى خالق لأكثر الأشياء (١) ، ومقدورات العباد بالنسبة إلى مقدوراته قليلة جدا ، وورود ذلك كثير في القرآن. قال تعالى : (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ.) و (أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)(٢) إلى غير ذلك من الآيات الكريمة ، وهي أكثر من أن تحصى وتخصيص ذلك بدلالة العقل (٣). الثاني : أن هذا من إيراد المتشابه (٤) في القرآن ، وهو كثير نحو : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)(٥) والوجه في إيراد المتشابه الحث على النظر والزجر عن تتبع أدلة السمع فقط (٦) إذ هي محتملة للتأويل والزيادة في التكليف والثواب ،

__________________

(١) العبارة فيها نظر ، فالله خالق للأشياء جميعا ليس لأكثرها.

(٢) النمل ٢٧ / ٢٣ ، وتمامها : (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ.)

(٣) والمعنى في الشاهدين أنها تدمر كل شيء يقع عليه التدمير فالحجارة والأشجار والجبال والأنهار أشياء ولكن لا يقع عليها التدمير وليست المقصودة به. وكذلك أوتيت من كل شيء مما يحتاجه الملك والعظمة ...

(٤) المتشابه : هو الذي استأثر الله عنده ولم يطلع عليه أحدا من خلقه ... وخاصة مما لا سبيل للعقل البشري الإحاطة به ومعرفته معرفة يقينية مثل البحث في الأسماء والصفات إذ لا يجوز أن تبنى على الظن بل تحتاج إلى اليقين ، واليقين إما بالمشاهد المحسوس أو بالنقل المتواتر وليس هناك طريق آخر لذلك وبالتالي لا يجوز الخوض وبناء العقيدة المتعلقة بالأسماء والصفات على خبر الآحاد لأنه يفيد الظن والعقيدة تحتاج إلى الدليل القطعي اليقيني ولا يجوز بناء العقيدة على الظن ... قال تعالى في سورة النساء : (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ، ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً) فالنصارى بنوا عقيدتهم في صلب عيسى على الظن وهذا ما أدى بهم إلى الكفر.

(٥) طه ٢٠ / ٥.

(٦) قوله يحتاج إلى تفصيل ، إذ الأدلة السمعية ، إما أن تكون قطعية كالقرآن والحديث المتواتر ، أو ظنية كخبر الآحاد ... فإذا ورد دليل سمعي قطعي الثبوت قطعي الدلالة غير محتمل للتأويل أو محتمل نسلم به تسليما مطلقا كالآيات المتعلقة بالأسماء والصفات. أما إذا ورد ـ دليل قطعي الثبوت ظني الدلالة فلا يجوز بناء بحث الأسماء والصفات عليه. لأنه إذا صح الاحتمال سقط الاستدلال.

٣٧٨

والأغلب أن كل موضع في القرآن وردت فيه (كل) فإنها للخصوص إلا قوله تعالى : (اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(١).

الثالث التأويل (٢) وهو أن المراد خالق كل شيء في ابتداء الخلق من بسط الرزق لمن يشاء ، وإنزال الغيث على حسب ما يشاء ، وتحسين صورة وتقبيح أخرى ، ومدّ قامة ، ونقص أخرى على حسب الحكمة والمصلحة ، وقد يكون بقدر متعلقا بخلقنا في حال النصب تقديره : خلقنا بقدر كل شيء ومن أمثلة لبس المفسر بالصفة ، أنك إذا أردت أن تخبر أن كل واحد من مماليكك اشتريته بعشرين درهما ، وأنك لم تملك أحدا منهم إلا بهذا الثمن ، فإذا نصبت قلت : كل واحد من مماليكي اشتريته بعشرين درهما ، تنصب كل ، فهو نص في المعنى المقصود ، وهو العموم ، وإن رفعت (كل) فإن جعلت شريت الخبر ، وبعشرين متعلقا له وهو المعنى المقصود في العموم ، وإن جعلت شريته صفة لكل واحد ، وبعشرين الخبر ، أي كل مشتري لي من المماليك ، فهو بعشرين لم يفد العموم.

قوله : (ويستوي الأمران) يعني الرفع والنصب ، وهذا القسم الثالث.

__________________

(١) البقرة ٢ / ٢٨٢.

(٢) التأويل : قال علماء الأصول في تعريف : التأويل هو بيان يلحق المجمل والمشكل والخفي من أنواع الدلالة.

والتأويل هو ما يتعلق بالدراية ، وهو ملحوظ فيه ترجيح أحد محتملات اللفظ بالدليل والترجيح في ذلك يعتمد على الاجتهاد.

وقيل فيه : التأويل : هو صرف اللفظ عن الاحتمال الظاهر إلى احتمال مرجوح به لاعتضاده بدليل يصير به أغلب الظن من المعنى الذي دل عليه الظاهر) ينظر أصول التفسير (خالد عبد الرحمن ٥١) وإرشاد الفحول للشوكاني ـ ١٧٧ ـ.

٣٧٩

قوله : (في مثل زيد قام ، وعمرو أكرمته) يعني إن من شرط الجملة المعطوف عليها أن تكون اسمية الصدر فعلية العجر ، فهذه جائز في المعطوف عليها الوجهان ، الرفع بالنظر إلى العطف على الجملة الكبرى ، وهي المبتدأ ، والنصب بالنظر إلى العطف على الجملة الصغرى ، وهي الفعل ، والفاعل مستتر فيه فإن رجحت الرفع على الجملة الكبرى لعدم التقدير عارضه الصغرى بالقرب ، وإن رجحت النصب على الضغرى للقرب عارضه الكبرى لعدم التقدير فتساويا ، وهذا المثال الذي مثل به المصنف ، مثال سيبويه (١) ، وقد اعترض عليه بأنه لا يجوز فيه العطف [إلا](٢) أن يكون فيه عائدا إلى المبتدأ وليس في عمرا أكرمته) عائدا إلى زيد ، فلا بد أن يقال : (زيد قام وعمرا أكرمته في داره) واعتذر لسيبويه باعتذارين ؛ أحدهما : للسيرافي (٣) أن غرض سيبويه بالمثال تبيين جملة اسمية الصدر فعلية العجز ، معطوف عليها أو على الجزء منها ، لا تصحيح المثال ، فإنه لا بد فيه من زيادة ضمير ، الثاني : ليفهم أنا لا نسلم أن حكم المعطوف حكم المعطوف عليه فيما يجب ويمتنع ، ألا ترى إلى قولهم : (رب شاة وسخلتها بدرهم) (٤) فإنه عطف المعرفة على النكرة ، ورب لا تدخل على سخلتها ، لأنها لا تدخل إلا على النكرات.

قوله : (ويجب النصب) هذا القسم الرابع وذلك في موضعين :

__________________

(١) ينظر الكتاب ١ / ٩١ وما بعدها ، وشرح الرضي ١ / ١٧٥.

(٢) ما بين الحاصرتين زيادة يقتضيها السياق.

(٣) ينظر رأي السيرافي في اعتذاره لسيبويه في شرح الرضي ١ / ١٧٦ وهذان الاعتذاران مثبتان في الرضي وقد نقلهما الشارح دون أن يسندهما إلى الرضي ١ / ١٧٦ ، والكتاب ١ / ٩١ وما بعدها.

(٤) هذا المثل يتكرر كثيرا في كتب النحو وهو كما قال الشارح من باب عطف المعرفة وهو (سخلتها) على (شاة) النكرة التي سبقتها رب. ينظر شرح الرضي ١ / ١٧٦.

٣٨٠