النّجم الثاقب - ج ١

صلاح بن علي بن محمّد بن أبي القاسم

النّجم الثاقب - ج ١

المؤلف:

صلاح بن علي بن محمّد بن أبي القاسم


المحقق: الدكتور محمّد جمعة حسن نبعة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٥
الجزء ١ الجزء ٢

الألفاظ مثناة عند سيبويه (١) ، والكاف ضمير بدليل سقوط النون ، واختلف في تثنيتها ، فعند السهيلي (٢) وغيره ، تثنية حقيقية ، أي إجابة في الأوامر ، وإجابة في النواهي ، وإسعادا في الأوامر ، واسعادا في النواهي ، وخفافا في الدنيا ، وخفافا في الآخرة. وهذّا منهم ، ومداولة منها ، وعند السيرافي (٣) أنها ليست بحقيقية ، وإنما يرادبها التكثير ، أي إجابة بعد إجابة إلى آخرها ، كقوله تعالى : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ)(٤) وذلك لا يكون من كرتين ، وقال يونس : (٥) إنها مفردة ، وأصلها (لبى) قلبت ألفها مع المضمر كـ (على) و (لدى) وضعف بقوله :

[١٤٠] دعوت لما نا بنى مسورا

فلبّى فلبّى يدي مسور (٦)

__________________

دواليك حتى ليس للبرد

والشاهد فيه قوله : (دواليك) حيث أضيف إلى ضمير المخاطب على أنه مفعول مطلق خلافا لسيبويه فهو يجوّز فيها الحال (الكتاب ١ / ٣٥٠).

(١) ينظر الكتاب ١ / ٣٥١ ، وشرح الرضي ١ / ١٢٥ ، وشرح المفصل ١ / ١١٩.

(٢) ينظر رأي السهيلي في الهمع ٣ / ١١٢.

(٣) ينظر رأي السيرافي في حاشية الكتاب ١ / ٣٥٢.

(٤) سورة الملك ٦٧ / ٤.

(٥) ينظر الكتاب ١ / ٣٥١ ، وابن يعيش ١ / ١١٩ ، وشرح الرضي ١ / ١٢٥ ، وهمع الهومع ٣ / ١١٢.

(٦) البيت من المتقارب ، وهو لرجل من بني أسد كما في شرح شواهد المغني ٢ / ٩١٠ ، واللسان مادة (لبى) ٥ / ٣٩٩٣ وبلا نسبة في الكتاب ١ / ٣٥٢ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٣٧٩ ، وشرح المفصل ١ / ١١٩ ، وشرح الرضي ١ / ١٢٥ ، ومغني اللبيب ٧٥٣ ، وشرح ابن عقيل ٢ / ٥٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ١١٣.

والشاهد فيه قوله : (لبّي) وهو شاهد على أن (لبيك) تثنية ، وليس كما زعم يونس أن (لبيك) أصلها لبى قلبت ألفها ياء لاتصالها بالضمير فصارت لبيك فالياء عند يونس

٣٠١

فإن ياءه بقيت مع إضافته إلى المظهر ، وزعم الأعلم (١) ، أن الكاف للخطاب ، كالتي في (ذلك) وحذفت النون معا تشبيها لها بكاف (٢) الضمير ، وهذه الألفاظ إذا ثنيت لزمت النصب ، وحذف فعلها قياسا ، وإنما حذف لأن التثنية في المعنى تكرير ، فاستغنوا بذكر أحد المتكررين عن الفعل.

__________________

منقلبة عن ألف ، وسيبويه يرى أنها ياء التثنية. وفي الشاهد رد على يونس ، كما قال الشارح.

(١) الأعلم الشنتمري يوسف بن سليمان بن عيسى النحوي الشنتمري المعروف بالأعلم عالما بالعربية واللغة ومعاني الأشعار ، ولد ٤١٠ ه‍ ، ومات سنة ٤٧٦ ه‍ ، ينظر ترجمته في البغية ٢ / ٣٥٦. وينظر رأيه في همع الهوامع ٢ / ١١٣.

(٢) وهذا ما ذهب إليه يونس بن حبيب ، ينظر الكتاب ١ / ٣٥١.

٣٠٢

المفعول به

قوله : (المفعول به : ما وقع عليه فعل الفاعل) قال الشيخ : والمراد بالوقوع تعلقه بما لا يفعل إلا به (١) ، حقيقة نحو (ضربت زيدا) ومجازا نحو (رأيت زيدا) وهذا يدخل فيه المتعدي بحرف لأن مفعوله لا يفعل إلا به ، ومطلق لفظ المفعول به ، لا يقع على المتعدي بحرف في الاصطلاح ، قال في البرود : فالأولى ما يفعل به الفعل المتعدي خاصة. والعامل عند البصريين الفعل أو شبهه (٢) ، وقال الفراء : (٣) الفعل والفاعل ، وهشام : (٤) الفاعل ، وقال خلف من الكوفيين : (٥) كونه مفعولا ، والضمير في قوله : (المفعول به) راجع إلى الألف واللام ، أي الذي يفعل به فعل ، وكذا الضمير في المفعول فيه ، وله ، ومعه.

قوله : (وقد يتقدم على الفعل) الأصل تأخره بعد الفعل والفاعل لأنه فضلة ، وقد يتقدم ، وذلك لقوة عامله ، لأنه إذا تصرف في نفسه

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ٢٩. قال الرضي في شرحه ١ / ١٢٧ : فعلى تفسيره (أي المصنف) ينبغي أن تكون المجرورات في مررت بزيد وقربت من عمرو وبعدت من بكر وسرت من البصرة إلى الكوفة مفعولا بها ولا شك أنه يقال أنها مفعولا بها لكن بواسطة حرف جر).

(٢) ينظر شرح الرضي ١ / ١٢٨ ، والهمع ٣ / ٧.

(٣) ينظر الهمع ٣ / ٧.

(٤) ينظر المصدر السابق.

(٥) ينظر المصدر السابق.

٣٠٣

تصرف في معموله بخلاف (إنّ) وأخواتها (١) وتقدم المفعول على الفعل واجب وممتنع وجائز.

أما الواجب فحيث يكون له الصدر كالاستفهام ، والشرط (٢) ، وكم الخبرية ، والمضاف إلى أحدهما ، أو ينصبه فعل دوما مع (أما) أو مع عدمها نحو : (أيهم ضربت)؟ و (من تضرب أضرب) و (كم ضربت) ، و (غلام من تضرب أضرب) و (غلام كم رجل لقيت)؟ (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)(٣) و (زيدا فاضرب).

وأما الممتنع ، فمع فعل التعجب نحو : (ما أحسن زيدا) والذي نزله نون التوكيد نحو (اضربن زيدا) والموصول بـ (إنّ) نحو (إن ضربت زيدا) وحيث يلتبس نحو (ضرب موسى عيسى) (٤) كذلك كل حرف له الصدر لا يفصل بينه وبين الفعل ، ولا يتقدم عليه معمول الفعل ، كـ (إن) الشرطية و (لم) و (لما) ، والداخل عليه لام الابتداء ، مثل (لسوف أضرب) ما لم يكن في خبر أن نحو (كرهت أنك قائم) أو (أن) نحو (كرهت أن تخرج) فحصل من هذا ، أنه يجب التأخير لضعف العامل ، وأداؤه إلى تأخير ما له الصدر ، أو إلى الجمع بين مثلين كـ (علمت أنك قائم) لأنك لو قدمته جاز دخول العوامل عليه نحو (إلى أنك قائم علمت) أو إلى اللبس ، وزاد الكوفيون (٥) عوده إلى غير مذكور.

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ٢٩.

(٢) ينظر شرح الرضي ١ / ١٢٨ ، وشرح المصنف ٢٩.

(٣) سورة الضحى ٩٣ / ٩.

(٤) ينظر شرح الرضي ١ / ١٢٨.

(٥) ينظر رأي الكوفيين في شرح الرضي ١ / ١٢٨.

٣٠٤

وأما الجائز ففي ما عدا الواجب والممتنع [و ٣٨].

قوله : (وقد يحذف الفعل لقيام قرينة جوازا ووجوبا) والجواز قرينة حالية نحو : (مكة وربّ الكعبة) لمن عليه أهبة السفر ولرائي الرؤيا (خيرا وما شرا) (١) وخيرا لنا ، وشرا لعدونا ، ولمن يسدد سهما (القرطاس والله) (٢) أي قصد مكة ، ورأيت خيرا ، وما رأيت شرا ، وأصبت القرطاس والله. ومقالية في جواب الاستفهام نحو (زيدا ، لمن قال : من أضرب) وكذلك ، نعم زيدا لمن قال : (أضربت أحدا) والنفي نحو (بلى زيدا) ، لمن قال : (ما ضربت).

(والوجوب في أربعة أبواب. قوله : (فالأول سماعي) وذلك فيما كان محذوف الفعل من مثل ، أو جار مجراه في كثرة الاستعمال ، فالمثل قولهم (كلّ شيء ولا شتيمة حر) (٣) أي ارتكب. (وكليهما وتمرا) (٤) أي أعطيك

__________________

(١) قال في الكتاب ١ / ٢٨٣ : وإنما نصبت خبرا لك وأوسع لك ، لأنك حين قلت انته ، فأنت تريد أن تخرجه من أمر وتدخله في آخر.

وقال الخليل في الصفحة نفسها : كأنك تحمله على ذلك المعنى كأنك قلت : انته وادخل فيما هو خير لك ، فنصبته لأنك قد عرفت أنك إذا قلت له : انته. أنك تحمله على أمر آخر فلذلك انتصب ، وحذفوا الفعل لكثرة استعمالهم إياه في الكلام ، ولعلم المخاطب أنه محمول على أمر حين قال له : انته ، فصار بدلا من قوله :

ائت خيرا لك وادخل فيما هو خير لك.

(٢) ينظر الكتاب ١ / ٢٩٥.

(٣) كل شيء ولا شتيمة حر أي اصنع كل شيء ولا ترتكب شتيمة حر. ينظر شرح الرضي ١ / ١٣٠ و ١٣١ ، واللسان مادة (شتم) ٤ / ٢١٩٤ ، وشرح المفصل لابن يعيش ٢ / ٢٧.

(٤) كلاهما وتمرا ويروى كليهما ، فمن رواه بالرفع على أنه مبتدأ مؤخر وخبره محذوف ، تقديره لك كلاهما وأضمر أزيدك تمرا. فتمرا مفعول به لفعل محذوف ، ينظر مجمع الأمثال ٢ / ١٥١ ـ ١٥٢.

٣٠٥

كليهما وأزيدك تمرا ، و (الكلاب على البقر) (١) أي أرسل ، و (أهلك والليل) (٢) أي الحق أهلك مع الليل لا يسبقك إليهم ، إن كانت الواو بمعنى (مع) ، وإن كانت عاطفة ، قدر لليل فعل آخر ، أي الحق أهلك واسبق الليل ، والجاري مجراه مما ذكره الشيخ.

قوله : (مثل امرءا ونفسه) أي دع امرءا ونفسه ، والواو تحتمل العطفية أي ودع نفسه ، ويحتمل المعية ، وهي الناصبة نفسه.

قوله : و (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ)(٣) تقديره : واتقوا خيرا لكم. قاله سيبويه (٤) والجمهور ، وقال الكسائي : (٥) إنه خبر (كان) تقديره يكن خيرا لكم.

وقال الفراء : (٦)

إنه صفة مصدر محذوف ، أي انتهاء خيرا لكم ، وقال بعض الكوفيين (٧) انتصابه على الحال.

__________________

(١) الكلاب على البقر : يضرب عند تحريش بعض القوم على بعض من غير مبالاة يعني لا ضرر عليك فخلّهم. ينظر مجمع الأمثال ٢ / ١٤٢ ونصب الكلاب على معنى أرسل كما ذكر الشارح.

(٢) ينظر شرح المصنف ٢٩ ، وشرح الرضي ١ / ١٢٩ ، وشرح المفصل ٢ / ٢٦.

(٣) النساء ٤ / ١٧١.

(٤) ينظر الكتاب ١ / ٢٨٢ ، وشرح الرضي ١ / ١٢٩ ، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٣ / ٢٠٢١ ، وشرح المفصل ٢ / ٢٦.

(٥) ينظر رأي الكسائي في شرح الرضي ١ / ١٢٩ ، وحاشية السيرافي على الكتاب ١ / ٢٨٤. قال الكسائي : معناه (انتهوا يكن الانتهاء خيرا لكم) ينظر شرح الرضي ١ / ١٢٩.

(٦) ينظر معاني القرآن للفراء ١ / ٢٩٥.

(٧) ينظر رأي بعض الكوفيين في شرح الرضي ١ / ١٣٠.

٣٠٦

قوله : (وأهلا وسهلا ومرحبا) تقديره أتيت أهلا لا أجانب ووطئت سهلا من البلاد ولا حزنا ولقيت مرحبا ، أي مكانا رحبا ، وقيل : يقدر لها فعل واحد أي صادفت ، وقال المبرد : (١) إنها من المفعول المطلق ، أي أهلت أهلا ، وسهل موضعك سهولة ، وضع سهلا موضع سهولة ، ورحبت بلادك مرحبا (٢) أي رحبا.

وقد يحذف المفعول ، ولم يذكره المصنف ، فخلاف مفعول أفعال القلوب على ما يأتي في بابها ، ومفعول فعل التعجب ، لأنه لا فائدة في التعجب دون المتعجب منه ، إلا أن تقوم قرينة على تعيينه ، جاز حذفه نحو (ما أحسنك وأجمل).

وحذف المفعول على ضربين ، منه ما يراد وينوى كـ (أعطيت وضربت) (وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ)(٣) و (ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ)(٤). ومنه ما لا يراد ، وإما لتضمن فعله اللزوم ، نحو (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي)(٥) وقوله :

[١٤١] ...

إلى الضيف يجرح في عراقيبها نصلي (٦)

__________________

(١) ينظر المقتضب ٣ / ٢٨٣ ، وشرح الرضي ١ / ١٣٠.

(٢) ينظر الكتاب ١ / ٢٩٥ وعنده : (رحبت بلادك وأهلت).

(٣) يس ٣٦ / ٣٥ وتمامها : (لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ.)

(٤) الزخرف ٤٣ / ٧١ ، وتمامها : (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ.)

(٥) الأحقاف ٤٦ / ١٥ (قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ.)

(٦) عجز بيت من الطويل وهو لذي الرمة في ديوانه ١٥٦ ، وصدره :

وإن تعتذر بالمحل من ذي ضروعها

وينظر أساس البلاغة مادة (عذر) ٢٩٦ ن وشرح المفصل لابن يعيش ٢ / ٣٩ ، وأمالي ابن الحاجب ١ / ٢٥١ ، وشرح الرضي ١ / ١٣١ ، ومغني اللبيب ٦٧٦ ، وخزانة الأدب ٢ / ١٢٨.

والشاهد فيه قوله : (يجرح) وفيه حذف المفعول به ليجرح لتضمنه معنى يؤثر في الجرح أو ينزل كما ذكره الشارح.

٣٠٧

فضمن أصلح معنى بارك ، ويجرح معنى ينزل ، والعموم والمبالغة نحو (فلان يعطي ويمنع ، ويقطع ويعقد ويحل ، ويأمر وينهى) (وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ)(١) و (يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ)(٢) وقوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى)(٣).

وكذلك فواصل الآي نحو : (لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ)(٤) و (تَعْقِلُونَ)(٥) و (تَتَّقُونَ)(٦).

__________________

(١) آل عمران ٣ / ١٥٦ ، وتمامها : (لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.)

(٢) البقرة ٢ / ٢٤٥ وتمامها : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.)

(٣) الليل ٩٢ / ٥.

(٤) يوسف ١٢ / ٤٦ (وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ.)

(٥) آيات كثيرة آخرها لعلكم تعقلون منها البقرة ٢ / ٧٣ (كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.)

(٦) آيات كثيرة تنتهي بقوله : لعلكم تتقون منها : البقرة ٢ / ٢١ (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.)

٣٠٨

المنادى

قوله : (الثاني المنادى) وهو ثاني ما حذف فعله وجوبا ، وأول القياسية.

قوله : (وهو المطلوب إقباله) (١) : جنس دخل فيه (أنا أطلب إقبالك) قوله : (بحرف نائب مناب أدعو) أخرج أنا طالب إقبالك ، والنائب مناب (أدعو) حروف النداء (٢).

وقوله : (لفظا أو تقديرا) تقسيم بعد تمام الحد فاللفظ : نحو (يا زيد) والتقدير : (٣)(يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا)(٤).

وعامل المنادى هو (أدعو) عند سيبويه (٥) ، لكن حذف حذفا لازما لكثرة استعماله ، ولدلالة حرف النداء عليه ، وإفادته فائدته ، وعند الزمخشري (٦) ، (يا) لازمة مع الفعل وتقديره (يا) أدعو زيدا ، وإنما قدرها مع الفعل لتبقى

__________________

(١) قال الرضي في شرحه ١ / ١٣١ ، قال المصنف المطلوب إقباله أخرج المندوب لأنه المتفجع عليه لا المطلوب إقباله.

(٢) وحروف النداء هي (يا) و (أيا) و (هيا) و (أي) و (الهمزة).

(٣) ينظر شرح المصنف ٢٩ ، وشرح الرضي ١ / ١٣١.

(٤) يوسف ١٢ / ٢٩ وتمامها : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ).

(٥) ينظر الكتاب ٢ / ١٨٢ ، وشرح المفصل لابن يعيش ١ / ١٢٧ ، وشرح الرضي ١ / ١٣١.

والإنصاف ١ / ٣٢٣.

(٦) ينظر المفصل ٣٥.

٣٠٩

الجملة على الإنشاء (١) ، وقيل حرف النداء هو العامل. فقال الفارسي : لنيابتها عن الفعل (٢) ، وهي حرف وضعف بلزوم اتصال الضمير بها ، وبأنها قد تحذف ، وهم لا يحذفون العوض والمعوض منه جميعا ، وقيل لأنها اسم فعل بدليل تمام الكلام بقولك (يا زيد) ورد بأن من حروف من النداء الهمزة ، وليس من أسماء الأفعال [ظ ٣٨] حرف واحد ، وبأنه كان يلزم الاقتصار عليه ، كأسماء الأفعال.

قوله : (ويبنى على ما يرفع به) [إن كان مفردا معرفة](٣) إنما لم يقل على الضم ، ليعم علامات الرفع (٤) ، وهي الضمة والألف والواو.

والمنادى ينقسم إلى مبني ومعرب. والمعرب منصوب ومجرور ، والمبني له شرطان : أن يكون مفردا ومعرفة ، وأراد بالمفرد هنا غير المضاف والمشبه به ، دون المثنى والمجموع ، وبالمعرفة ما كان معرفة قبل النداء وبعده ، وهو النكرة المقصودة.

قوله : (مثل : يا زيد ، ويا رجل ، ويا زيدان ، ويا زيدون) فـ (يا زيد) ، مثال المفرد المعرفة ، و (يا رجل) النكرة المقصودة ، و (يا زيدان) للمثنى ، و (يا زيدون) للمجموع ، وفيه سؤال وهو ، لم بني على حركة؟ ولم خصّ بحركة دون حركة؟ أما لم بني؟ فقال الفراء : (٥) لتضمنه الألف والهاء ، لأن أصله

__________________

(١) ينظر شرح المفصل ١ / ١٢٧ لابن يعيش.

(٢) ينظر رأي أبي علي الفارسي في شرح المفصل لابن يعيش ١ / ١٢٧ وشرح الرضي ١ / ١٣٢ ، وهمع الهوامع ٣ / ٣٣.

(٣) ما بين حاصرتين زيادة من الكافية المحققة.

(٤) ينظر شرح الرضي ١ / ١٣٢ فالعبارة منقولة عنه بتصرف يسير.

(٥) ينظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٣١٩ ، وشرح الرضي ١ / ١٢٣.

٣١٠

(يا زيداه) وبني على الضم ، كـ (قبل) و (بعد) ، قال المصنف وكثير من المتأخرين : لوقوعه موقع الكاف الاسمية. وهي (أدعوك) المشابهة لكاف الخطاب الحرفية لفظا أو معنى (١) ، أما اللفظ ، فلأنه مفرد غير مضاف ، ولا مشبه به كالضمير المخاطب ، وأما المعنى : فالأقبال والإدبار ، التعريف والخطاب لأن المنادى مخاطب ، وأما بناؤه على حركة فقيل : لئلا يجمع بين ساكنين في بعض المواضع ، نحو (يا زيد) وحمل باقي الباب عليه ، وقيل لأن بناءه عارض ، والأصل فيه التمكين في الإعراب ، وإنما خص بالضم لأنه لو بني على الكسر لالتبس بالمضاف إلى ياء المتكلم ، ولو بني على الفتح لا لتبس بنكرة المعرب فيه ، فخصّوه بالضم خوف اللبس ، وأما إذا اضطر الشاعر إلى تنوينه ، فالخليل يبقيه على الضم (٢) ، وأبو عمرو ينصبه (٣) ، لأنه لما دخل التنوين عاد الإعراب ، وأصله النصب لأن (يا زيد) بمنزلة (أدعو زيدا) وقد روي الوجهان في :

[١٤٢] سلام الله يا مطر عليها

وليس عليك يا مطر السّلام (٤)

__________________

(١) ينظر شرح الرضي ١ / ١٣٣.

(٢) ينظر رأي الخليل في الكتاب ١ / ٣١٣. ولم ينسبه سيبويه إليه ، والهمع ٣ / ٤١ ، وشرح التسهيل السفر الثاني ٢ / ٧٩٦ ، والأصول لابن السراج ١ / ٣٣٦.

(٣) ينظر رأي أبي عمرو في الهمع ٣ / ٤٢.

(٤) البيت من الوافر ، وهو للأحوص في ديوانه ١٨٩ ، والكتاب ٢ / ٢٠٢ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٥ ، ٦٠٥ ، والأصول ١ / ٣٤٤ ، والإنصاف ١ / ٣١١ وشرح التسهيل السفر الثاني ٢ / ٧٩٦ ، وشرح الرضي ١ / ١٣٣ والجني ١٤٧ ، وأوضح المسالك ٤ / ٢٨ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٦٦ ، وشرح ابن عقيل ٢ / ٢٦٢ ، والخزانة ٢ / ١٥٠ ـ ١٥٢.

والشاهد فيه قوله : (يا مطر) حيث نون مطر الأول وهو مفرد علم للضرورة وأبقى الضم في الثاني للضرورة الشعرية.

٣١١

[١٤٣] ...

يا عديا لقد وقتك الأواقى (١)

قوله : (ويخفض بلام الاستغاثة) هذا أحد قسمي المعرب. قوله : (مثل يا لزيد) (٢) وإنما خفض معها لأن حرف الجر لا يمكن إلغاؤه فكان اعتباره أولى ، وقد اختلف في الاستغاثة ، فحكى الفراء عن بعضهم أنها محذوفة من (آل) (٣) ولهذا صح الوقف عليها قال :

[١٤٤] ...

إذا الداعى المثوب قال يا لا (٤)

أي يالا فلان ، وذهب الأكثرون إلى أنها لام الجر ، فقيل إنها زائدة لأنه

__________________

(١) عجز بيت من الخفيف ، وصدره :

رفعت رأسها إلي وقالت

وهو للمهلهل بن ربيعة وله ولغيره ، ينظر سمط اللالئ ١ / ١١١ ، وشرح المفصل لابن يعيش ١٠ / ١٠ ، وشرح التسهيل السفر الثاني ٢ / ٧٩٧ ، وشرح شذور الذهب ١٤٥ ، وشرح ابن عقيل ٢ / ٢٦٣ ، والهمع ٣ / ٤١ ، والخزانة ٢ / ١٦٥ ،

ويروى : وضربت صدرها.

والشاهد فيه قوله : (يا عديا) حيث اضطر إلى تنوين المنادى فنوّنه نصبا ليشابه به النكرة غير المقصودة.

(٢) قال الرضي في شرحه ١ / ١٣٣ ما نصه : (هذه اللام المفتوحة تدخل المنادى إذا استغيث به نحو يا الله أو تعجب منه نحو : يا للماء يا للدواهي وهي لام التخصيص أدخلت علامة للاستغاثة والتعجب).

(٣) ينظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٣٢٠ ، وشرح الرضي ١ / ١٣٤.

(٤) عجز بيت من الوافر ، وصدره :

فخير نحن عند الناس منكم

وهو لزهير بن مسعود الضبي في خزانة الأدب ٢ / ٦ ، وينظر الخصائص ١ / ٢٧٦ ، واللسان مادة (يا) ٦ / ٤٩٧٦ ، ومغني اللبيب ٢٨٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٩٥ ، وشرح ابن عقيل ١ / ١٩٤.

الشاهد فيه قوله : (يا لا) يريد يا لفلان أو لا فرار أو لا نفر فحذف ما بعد الحرف وقد استدل بذلك الفراء كما ذكر الشارح أن اللام في المستغاث بقية اسم وهو (أل) والأصل يا آل زيد ثم حذفت همزة أل للتخفيف وإحدى الألفين لالتقاء الساكنين.

٣١٢

لا متعلق لها إلا (يا) أو (أدعو) ولا يتعلق بـ (يا) لأنه غير عامل. ولا بـ (أدعو) لأنه غير متعد بنفسه ، والصحيح أنه لام التخصيص ، وهي تكون في المستغاث نحو (يا الله) والمتعجب نحو (يا للماء) و (للدواهي) (١) دون غيرها وشذّ :

[١٤٥] يا لبكر انشروا لي كليبا

يا لبكر أين أين الفرار (٢)؟

وقيل هو مستغاث ، ولا يدخل إلا على (يا) دون أخواتها ، وإنما قلنا : إنها للتخصيص للمناسبة بينها وبين المستغاث والمتعجب ، لأن المستغاث مخصوص من بين أمثاله بالدعاء ، والمتعجب مخصوص باستحضاره لغرابته من بين أمثاله ، وهي المعدية لـ (أدعو) المقدر عند سيبويه أو لحرف النداء القائم مقامه عند المبرد إلى المفعول ، وإنما جاز ذلك مع أن أدعو متعد بنفسه لضعفه بالإضمار ، أو لعطف النائب منابه ، ألا ترى أنك تقول : (ضربي لزيد حسن) و (أنا ضارب لزيد) ولا يجوز (ضربت لزيد) وإنما فتحت لام الجر مع المستغاث إما للفرق بينها وبين المستغاث له ، أو لوقوع المستغاث موقع المضمر ، تقديره (أدعوك) و (أستغيثك) ولام الجر مفتوحة معه ، ما خلا ياء المتكلم ، فحصل من هذا أن اللام مفتوحة ، ما لم

__________________

(١) ينظر الكتاب ٢ / ٢١٧ ، وابن يعيش ١ / ١٢٨ ، وشرح الرضي ١ / ١٣٤.

(٢) البيت من المديد وهو للمهلهل بن ربيعة يرثي أخاه كما في الكتاب ٢ / ٢١٥ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٦٦ ، وشرح التسهيل السفر الثاني ٢ / ٨٢٢ ، وشرح الرضي! / ١٣٤ ، وخزانة الأدب ٢ / ١٦٠.

والشاهد فيه قوله : (يا لبكر) حيث أدخل لام الاستغاثة مفتوحة على بكر للفرق بينها وبين المستغاث من أجله وكانت أولى بالفتح لوقوع المنادى موقع الضمير ، ولام الجر تفتح مع الضمائر.

٣١٣

يكن مجازا نحو (يا للعجب) فإنه يجوز فتحها على أنه مستغاث ، وكسرها على أنه مستغاث له ، والمستغاث به مفتوح محذوف تقديره (يا للناس للعجب) [و ٣٩] وأما لام المستغاث له فهي حرف جر مكسورة على قياسها ، ما لم تدخل على مضمر غيرها متعلقة بـ (يا) أو (أدعو) وقيل :

بمحذوف ، ويكونان جملتين ، وقيل بحال محذوفة ، فيكون جملة واحدة ، تقديره داعيا أو مستغيثا ، وأما المعطوف على المستغاث ، فإن أعدت معه حرف النداء فتحتها نحو :

[١٤٦] يا لعطّافنا ويا لرياح

وأبى الحشرج الفتى النفّاح (١)

وإن لم تعد فهي مكسورة ما لم تدخل على مضمر غير يا ، نحو :

[١٤٧] يبكين ناء بعيد الدار مغترب

يا للكهول وللشبان للعجب (٢)

قوله : (ويفتح لإلحاق ألفها) يعني أن المنادى يفتح لإلحاق ألف

__________________

(١) البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في الكتاب ٢ / ٢١٦ ، ٢١٧ ، والمقتضب ٢ / ٢٥٧ ، والمفصل ٣٧ ، وابن يعيش ١ / ١٣١ ، وشرح الرضي ١ / ١٣٤ ، وهمع الهوامع ١ / ١٨٠ ، والخزانة ٢ / ٢٥٥.

الشاهد فيه قوله : (يا لرياح) حيث فتحت اللام لتكرار (يا) وكذلك وأبي الحشرج حيث حذف اللام في المعطوف والأصل أن يقول ويا لأبي الحشرج ، ويروى الوضاح من الوضح وهو البياض ـ النفاح الكثير العطاء.

(٢) البيت من البسيط وهو بلا نسبة في المقتضب ٤ / ٢٥٦ ، والجمل للزجاجي ١٦٧ ، وشرح شواهد الإيضاح ٢٠٣ ، والمقتصد في شرح الإيضاح ٢ / ٧٨٨ وشرح الرضي ١ / ١٣٣ ، ورصف المباني ٢٩٦ ، وهمع الهوامع ١ / ١٨٠ ، وخزانة الأدب ٢ / ١٥٤.

والشاهد فيه قوله : (للشبان) حيث كسر لام المستغاث به لكونه معطوفا ولم تتكرر معه ياء ، وللعجب حيث جاءت لام المستغاث من أجله مكسورة

٣١٤

الاستغاثة ، كقولك (يا زيدا) ، ويجوز إلحاق هاء الوقف بعد ألف الاستغاثة ، فتقول (يا زيداه) وحذفها نحو (يا زيدا).

قوله : (فلا لام [فيه مثل : يا زيداه](١) أي لا تدخل اللام مع دخول الألف ، لأنه يؤدي إلى الجمع بين ضدين ، وأن اللام تطلب الآخر المكسر ، والألف الفتح ، واختلف هل الأصل اللام أو الألف؟ فقيل اللام وهو المفهوم من المصنف وغيره (٢) ، والألف تلحقها ، وقيل الألف الأصل لأنها للمد ، وتعاقب الألف في المد ، والواو والياء نحو (يا غلا مكيه) و (يا غلا مكموه) كالمندوب.

قوله : (وينصب ما سواهما) (٣) هذا الثاني من قسمي المعرب وهو المنصوب ، ويعني ما سوى المبني ، وهو المفرد المعرفة والنكرة المقصودة ، وما سوى المستغاث ، والمنصوب ثلاثة أقسام : المضاف ، والطويل ، والنكرة غير المقصودة.

قوله : (مثل يا عبد الله) هذا مثال المضاف وهو منصوب سواء أضبف إلى معرفة نحو (يا عبد الله) أو إلى نكرة نحو (يا غلام رجل) معنوية (يا عبد الله) أو لفظية نحو (يا ضارب زيد) خلافا لثعلب فإنه أجاز في اللفظية الضم ، لأنها في نية الانفصال (٤).

__________________

(١) ما بين حاصرتين زيادة من الكافية المحققة.

(٢) ينظر شرح المصنف ٢٩.

(٣) قال المصنف في شرحه ٢٩ (يعني ما سوى المفرد المعرفة والمستغاث وهو المضاف والمشبه به والنكرة ، لأن علة البناء مفقودة).

(٤) ينظر رأي ثعلب في شرح الرضي ١ / ١٣٦ ، والهمع ٣ / ٣٧ ـ ٣٨.

٣١٥

قوله : (ويا طالعا جبلا) هذا هو الطويل ، وهو ثلاثة أقسام :

الأول : أن يكون معمولا للمنادى نحو (يا طالعا جبلا) و (يا رفيقا بالعباد) و (يا عشرين رجلا).

الثاني : أن يكون معطوفا عليه بحرف نحو : أن يسمى بثلاثة وثلاثين علما (١) ، وإما إن كان غير علم فلا يطول ، وحكمه حكم المعطوف والمعطوف عليه ، نحو (يا زيد وعمرو) بالرفع ، إن كان معنيا وحكم (يا رجلا ويا غلاما) بالنصب ، إن كان غير معين ، وقال سيبويه : (٢) إن أردت نداء جماعة هذه عدتها ، نصبت ، لأنه قد طال فصار كالاسم الواحد ، وإن أردت نداء كل واحد على حدته ، كان كالمعطوف (٣).

والثالث : أن يكون نعتا له بجملة أو ظرف نحو (يا حليما لا يعجل) و (يا كريما لا يبخل) ، قال :

[١٤٨] أيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله

جرير ولكن في كليب تواضع (٤)

__________________

(١) ينظر شرح المفصل ١ / ١٢٨ ، وشرح الرضي ١ / ١٣٥.

(٢) ينظر الكتاب ٢ / ٢٣٦ ، ٢٣٧ ، وشرح الرضي ١ / ١٣٤.

(٣) ينظر شرح الرضي ١ / ١٣٤.

(٤) البيت من الطويل ، وهو للصلتان العبدي كما في الكتاب ٢ / ٢٣٧ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٦٥ ، ٥٦٨ ، والمقتضب ٤ / ١٥ ، والإيضاح في شرح المفصل ١ / ٢٥٨ ، وشرح الرضي ١ / ١٣٥ ، واللسان (كرب) ٥ / ٣٨٤٦ ، وخزانة الأدب ٢ / ١٧٤.

والشاهد فيه قوله : (أيا شاعرا) حيث نصب المنادى من قبيل الشبيه بالمضاف لأنه موصوف بجملة. قال سيبويه : وسألت الخليل رحمه الله ويونس عن نصب قول الصلتان العبدي يا شاعرا ... فزعما أنه غير منادى وإنما انتصب على إضمار ، كأنه قال : يا قائل الشعر شاعرا ، وفيه معنى حسبك به شاعرا. الكتاب ١ / ٢٣٦ ، ٢٣٧.

٣١٦

وقال :

[١٤٩] أعبدا حل في شعبى غريبا

ألؤما لا أبا لك واغترابا (١)

وقال :

[١٥٠] أدارا بحزوى هجت للعين

 ...

وقال :

[١٥١] ألا يا نخلة من ذات عرق

عليك ورحمة الله السّلام (٢)

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو لجرير في ديوانه ٦٥٠ ، والكتاب ٢ / ١٨٣ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٨٩ ، وشرح التسهيل السفر الثاني ٢ / ٧٩٨ ، وشرح الرضي ١ / ١٣٥ ، واللسان (شعب) ٤ / ٢٢٧١ ، وأوضح المسالك ٢ / ٢٢١ والخزانة ٢ / ١٨٣.

الشاهد فيه قوله : (ألؤما واغترابا) فقدا اشتملت هذه العبارة على مصدر واقع بعد همزة الاستفهام دال على التوبيخ والعامل في هذا المصدر محذوف وجوبا.

(٢) صدر بيت من لطويل ، وعجزه :

فماء الهوى يرفض أو يترقرق

وهو لذي الرمة في ديوانه ٤٥٦ ، وينظر الكتاب ٢ / ١٩٩ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٨٨ ، والمقتضب ٢ / ٢٠٣ ، وشرح التسهيل السفر الثاني ٢ / ٧٩٨ ، وشرح الرضي ١ / ١٣٥ ، وأوضح المسالك ٤ / ٣٨٨ ، والخزانة ٢ / ١٩٠.

حزوى : موضح في ديار بني تميم ، وأراد بماء الهوى : الدمع.

والشاهد فيه قوله : (أدرا) حيث نصب المنادى النكرة المقصودة بالنداء ، والقياس فيه البناء على الضم ، ومسوغ نصبه أنه منكور في اللفظ لاتصافه بالمجرور ، ووقوعه موقع صفة.

(٣) البيت من الوافر ، وهو للأحوص في هامش ديوانه ١٩٠ ، وينظر الخصائص ٢ / ٣٨٦ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ٨٥٠ ، وشرح الرضي ١ / ١٣٥ ، واللسان (شيع) ٤ / ٢٣٧٨ ويروى فيه برود الظل شاعكم السّلام ، والمغني ٤٦٧ ، وشرح شواهد المغني ٧٧٧ ، وهمع الهوامع ٣ / ٣٩ ، وخزانة الأدب ٢ / ١٩٢ ، ٣ / ١٣١. والشاهد فيه قوله : (يا نخلة) حيث نصب المنادى لأنه نكرة موصوفة بالجار والمجرور.

٣١٧

وهذا مذهب البصريين (١) والمصنف (٢) ، وشرطه عندهم ، أن يكون المنادى نكرة ، لأن الجملة لا تكون صفة للمعرفة ، وأما إذا كان معرفة لم يطل خلافا لابن كيسان (٣) فإن قال : يطول واحتج بقوله :

[١٥٢] ...

بأكرم منك يا عمر الجوادا (٤)

ورد بأن أصله يا عمراه ، فحذفت الهاء للوصل ، والألف للساكنين ، واختار الكوفيون (٥) طول النكرة الموصوف بمفرد كان أو جملة ، ذكر الموصوف نحو (يا رجلا راكبا) أو لم يذكر نحو : [ظ ٣٩]

[١٥٣] فيا راكبا إما عرضت فبلّغن

نداماي من نجران أن لا تلاقيا (٦)

__________________

(١) ينظر رأي البصريين في الأصول لابن السراج ١ / ٣٩٦.

(٢) ينظر شرح المصنف ٢٩.

(٣) ينظر همع الهوامع ٢ / ٥٣.

(٤) عجز بيت من الوافر وهو لجرير في ديوانه ١٣٥ ، وصدره :

فما كعب بن مامة وابن سعدى

ينظر المقتضب ٤ / ٢٠٨ وشرح التسهيل السفر الثاني ٢ / ٧٩٢ ، والمغني ٢٨ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٥٦ ، وهمع الهوامع ٣ / ٥٤ ، والخزانة ٤ / ٤٤٢.

والشاهد فيه قوله : (يا عمر الجوادا) والقياس الرفع ، وقد استدل الكوفيون على أن المنادى يجوز فيه الفتح سواء كان الوصف لفظ (ابن) أم لم يكن ، وعند البصريين محمول على أن (عمر) حذفت منه الألف وأصله (يا عمرا) فهو كالمندوب.

(٥) ينظر رأي الكوفيين في الأصول لابن السراج ١ / ٣٦٩ ، والهمع ٢ / ٥٤.

(٦) البيت من الطويل وهو لعبد يغوث بن وقاص كما في الكتاب ٢ / ٢٠٠ ، والمفصل ٣٦ ، وشرح المفصل لابن يعيش ١ / ١٢٨ ، وشرح التسهيل السفر الثاني ٢ / ٧٩٨ ، وشرح الرضي ١ / ١٣٥ ، وشرح شذور الذهب ١٤٤ ، ولسان العرب مادة (عرض) ٤ / ٢٨٨٩ ، وخزانة الأدب ٢ / ١٩٤ ـ ١٩٥.

والشاهد فيه قوله : (أيا راكبا) حيث نصب المنادى وهو نكرة غير مقصودة ، ولو قصد راكبا بعينه لبناه على الضم وهو لا يقصده لأنه كان أسيرا.

٣١٨

قوله : (ويا رجلا لغير معين) (١) هذا القسم الثالث من أقسام المنصوب وهو النكرة المقصودة ، نحو (يا رجلا) و (يا غلاما) وإذا لم تعين شخصا بعينه ، ومنع المازني (٢) من نداء النكرة غير المقصودة ، قال : لأن من المحال أن ينادي الإنسان ما لا يقبل عليه ، وما ورد فتنوينه للضرورة ورد بقول الأعمى (يا رجلا خذ بيدي).

توابع المنادى

قوله : (وتوابع المنادى المبني [المفردة](٣)) سواء بني على الضم ، نحو (يا زيد) أو على الكسر نحو (يا حذام) أو (يا هؤلاء) فإنه يجوز في تابعه الضم والفتح ، يحترز من توابع المعرب كالمضاف ، فإنه يعرب على اللفظ فقط ، تقول : (يا عبد الله الظريف) بالنصب فقط ، ومن المستغاث فإنه يعرب بالجر نحو (يا لزيد وعمرو) قال :

[١٥٤] يا لعطافنا ويا لرياح

وأبي الحشرج الفتى النفاح (٤)

وبالنصب أيضا دون الرفع ، وأجاز بعضهم في تابع المستغاث الذي في آخره زيادة ، الاستغاثة نحو (يا زيدا وعمرا) فإن المتبوع مبني على الفتح ، وليس يجوز في تابعه إلا النصب على المحل.

__________________

(١) قال الرضي في شرحه ١ / ١٣٦ ولا يرى البصريون بأسا بكون المنادى نكرة غير موصوفة لا في اللفظ ولا في التقدير إذ لا مانع من ذلك.

(٢) ينظر مناقشة رأي المازني في الأصول لابن السراج ١ / ٣٧١ ، ٣٧٢ ، وهمع الهومع ٣ / ٤١.

(٣) ما بين حاصرتين زيادة من الكافية المحققة.

(٤) سبق تخريجه في الصفحة ٣١٤ وبرقم ١٤٦.

٣١٩

قوله : (من التأكيد) نحو (ما تميم (١) أجمعين وأجمعون) ومراده بالتأكيد المعنوي ، وأما اللفظي نحو (يا زيد زيد) فحكمه حكم المستقل كالبدل. قاله نجم الدين (٢) (والصفة) نحو (يا زيد الطويل والطويل) (وعطف البيان) نحو (يا غلام بشر وبشرا) والمعطوف عليه بحرف نحو (يا زيد والحارث والحارث) قال تعالى : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ)(٣)

قوله : (الممتنع دخول (يا) عليه) يعني ما فيه الألف واللام نحو (الحسن) و (الصعق) و (الرجل).

قوله : (ترفع على لفظه ، وتنصب على محله) [يا زيد العاقل العاقل](٤) فالرفع بتقدير أنت والنصب بتقدير (أدعو) كأنه في معناه ، واختار سيبويه (٥) والمبرد (٦) والجرمي (٧) ، الرفع ، لأنه أكثر في كلامهم للمشاكلة ، وقال بعضهم : النصب قياسا على المبنيات ، وبعضهم منع في

__________________

(١) في هامش الرضي ١ / ١٣٦ : يا تميما أجمعين ولا يجوز أجمعون ويا زيدا الظريف بالنصب فقط ، وعند الرضي يا تميم أجمعون أجمعين وهي في التأكيد المعنوي كما ذكر الشارح. وقال الرضي : وأما التوكيد اللفظي فإن حكمه في الأغلب حكم الأول إعرابا وبناء (ينظر شرح الرضي ١٣٧. وقال أبو بكر بن السراج في الأصول ١ / ٣٣٤ ما نصه : (فأما يا تميم أجمعون فأنت فيه بالخيار وإن شئت رفعت وإن شئت نصبت ، حكم التأكيد حكم النعت إلا أن الصفة يجوز فيها النصب على إضمار (أعني) ولا يجوز في أجمعين ذلك).

(٢) ينظر شرح الرضي ١ / ١٣٦.

(٣) سبأ ٣٤ / ١٠.

(٤) ما بين حاصرتين زيادة من الكافية المحققة.

(٥) ينظر الكتاب ٢ / ١٦٨ ، وفي حاشية الكتاب قال السيرافي : فالرفع اختيار الخليل ، وذكر أبو العباس المبرد أنك إذا قلت يا زيد والرجل فالنصب هو الاختيار ، وفرق بينه وبين النضر حيث جعل الاختيار فيه الرفع.

(٦) ينظر المقتضب ٤ / ٢١٢ ـ ٢١٣.

(٧) ينظر شرح المفصل لابن يعيش ٢ / ٢ ـ ٣ ، وشرح الرضي ١ / ١٣٦ ، والهمع ٣ / ٤٢.

٣٢٠