النّجم الثاقب - ج ١

صلاح بن علي بن محمّد بن أبي القاسم

النّجم الثاقب - ج ١

المؤلف:

صلاح بن علي بن محمّد بن أبي القاسم


المحقق: الدكتور محمّد جمعة حسن نبعة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٥
الجزء ١ الجزء ٢

الأول : الضمير نحو : (زيد ضربته ، وزيد قائم ، وزيد قائم أبوه).

الثاني : الإشارة إلى المبتدأ ، نحو : (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ)(١)(الم ، ذلِكَ الْكِتابُ)(٢) على أنه اسم للسورة. [ظ ٢٩]

الثالث : تكرير لفظ المبتدأ ، نحو : (الْحَاقَّةُ ، مَا الْحَاقَّةُ)(٣)(الْقارِعَةُ ، مَا الْقارِعَةُ)(٤) وأكثر ما يكون في مواضع التعظيم ، والتهويل ، وأما تكرير معناه ، نحو : (زيد جاء أبو محمد) ، فأجازه الأخفش (٥) ، ومنعه الأكثرون.

الرابع : العموم ، نحو (نعم الرجل زيد) وأما ما يحتاج من الأخبار إلى العائد فإن كان الخبر مفردا مشتقا ، فلا بد من عائد نحو (زيد قائم) والمراد بالمشتق ما يصح أن يعمل فيلحقه أسماء الزمان والمكان ، والآلة ، والصفة غير المشبهة ، وإن كان جامدا ، نحو : (زيد أبوك) فلا يحتاج إلى عائد ، وأوجب الكوفيون (٦) العائد ، ويقدرونه بالمشتق ، أي والدك أو شقيقك في (زيد أخوك وإن كان ظرفا ، فلا بد من عائد سواء قيل : إنه يتعلق بمفرد أو بفعل ، وعائد ضمير فاعل مستتر ، وإن كان جملة ، فإن كانت هي المبتدأ في المعنى ، لم يحتج إلى عائد لضمير الشأن ، و (نعم الرجل زيد) في أحد القولين وإن لم ، فلا بد من عائد.

__________________

(١) الأعراف ٧ / ٢٦ وتمامها : (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ.)

(٢) البقرة ٢ / ١ ـ ٢ وتمامها : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ.)

(٣) الحاقة ٦٩ / ١.

(٤) القارعة ١٠١ / ١.

(٥) ينظر شرح الرضي ١ / ٩٢.

(٦) ينظر الإنصاف في مسائل الخلاف مسألة رقم ٩ ، ١ / ٦٥ ، وشرح المفصل ١ / ٩١ ـ ٩٢.

٢٤١

قوله : (وقد يحذف) يعني عائد الجملة ، وفيه تفصيل ، إن كان في مفرد أو ظرف لم يجر حذفه لأنه فاعل ، وإن كان في جملة ، فإن كان مرفوعا لم يجز حذفه ، سواء كان مبتدأ أو فاعلا ، إلا في نحو (زيد ما قام وقعد إلا هو) فإنه حذف الأول لدلالة الثاني عليه ، واجاز بعضهم حذف العائد المبتدأ نحو :

[١٠٣] إن يقتلوك فإن قتلك لم يكن

عار عليك وربّ قتل عار (١)

أي هو عار ، وإن كان منصوبا منفصلا لم يجز حذفه ، نحو (زيد ما ضربت إلا إياه) فإنه حذف العائدين لدلالة الآخر عليه ، وإن كان متصلا فإن كان بفعل غير متصرف ، أو ناقص أو مشبه ، لم يجز حذفه ، نحو (زيد ما أحسنه) و (زيد كأنه أسد) و (القائم كأنه زيد) وإن كان غير ذلك وهو الفعل المتصرف ، فمنع الجمهور حذفه مطلقا (٢) ، وأجازه هشام (٣) مطلقا ، نحو (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى)(٤) وقال بعضهم : إن لزم منه إعمال الفعل

__________________

(١) هذا البيت من البحر الكامل وهو لثابت قطفة في ديوانه ٤٩ ، وينسب لخبيب بن خدرة الهلالي ، وينظر المقتضب ٣ / ٦٦ ، والحماسة البصرية ١ / ٢٧٦ ، وأمالي ابن الشجري ٢ / ٣٠١ ، وشرح التسهيل السفر الثاني ١ / ٤٤٩ ، والجنى الداني ٣٤٩ ، ومغني اللبيب ، ٢١ ـ ١٤١ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٨٩ ـ ٣٩٣ والهمع ٢ / ١٦ ، والخزانة ٩ / ٥٧٦ ،

ويروى في البيان والتبيين ١ / ٢٩٣ ، والأغاني ١٤ / ٢٧٩ وبعض قتل عار وعليها يفوت الاستشهاد.

والشاهد فيه قوله : (رب قتل عار) حيث جاز حذف العائد وهو الضمير (هو) وهو مبتدأ والتقدير : (هو عار) وقيل (رب) مبتدأ و (عار) خبر وهذا ما ذهب إليه الكوفيون (ينظر شرح التسهيل).

(٢) ينظر شرح المفصل ١ / ٩٢.

(٣) ينظر رأي هشام في الهمع ٢ / ١٦.

(٤) النساء ٤ / ٩٥ وتمامها : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ... أَجْراً عَظِيماً.)

٢٤٢

في المبتدأ ، نحو (زيد ضربت) لم يجز ، وإن لم ، نحو : (زيد إني ضربت) جاز بشرط الدلالة على حذفه ، يحترز من نحو (زيد إني ضربته في داره) وإن كان مجرورا بالإضافة لم يجز ، نحو : (زيد غلامه في داره) وإن كان بحرف ، فإن كان محصورا غير مكرر ، لم يجز نحو : (زيد ما مررت إلا به) وكذلك إذا أدى إلى تهيؤ الفعل ليعمل نحو : (زيد مررت به) لم يجز وإن لم يكن على حذفه دليل ، نحو (زيد مررت به في داره) وإن لم يكن (إيّها) فمنع الأكثر ، ولا يقاس على ما جاء لقلته ، وأجاز بعضهم محتجا بقوله تعالى : (إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)(١) أي منه و (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً)(٢) أي منهم و (السمن منوان بدرهم) أي منه (٣) ، وحذف الضمير في الخبر قليل ، لأنه أجنبي يحتاج إلى رابط ، وهو أجود في الحال نحو (مررت بزيد يضرب عمرا أي يضربه عمرو ، لأنه صفة للفعل فهو في حكم الراجع إلى ما قبله ، وأجوز منه الموصوف ، نحو : (الناس رجلان رجل أكرمت ، ورجل أهنت) وقوله :

[١٠٤] أبحت حمى تهامة بعد نجد

وما شيء حميت بمستباح (٤)

__________________

(١) الشورى ٤٢ / ٤٣. وتمامها : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ.)

(٢) الكهف ١٨ / ٣٠ وهي بتمامها : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً.)

(٣) ينظر شرح الرضي ١ / ٩٢.

(٤) البيت من البحر الوافر ، وهو لجرير في ديوانه ١ / ٨٩ وينظر الكتاب ١ / ٨٧ ـ ١٣٠ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٤٠٥ وأمالي ابن الشجري ١ / ٧٨ ـ ٣٢٦ ، وشرح التسهيل السفر الثاني ٢ / ٦٧٠ ، ومغني اللبيب ٦٥٣ ـ ٧٩٩ ـ ٨٢٩ ، وخزانة الأدب ٦ / ٤٢.

والشاهد فيه قوله : (حميت) حيث جاءت الجملة الموصوف بها مربوطة بالضمير المقدر المنصوب المحذوف وتقديره : حميته.

٢٤٣

لأن الصفة جزء جملة من الموصوف ، وأجوز منه الموصول نحو : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً)(١) لأن ملازمة الصلة للموصول أكثر من الصفة للموصوف (٢) ، لأنها لا تفارقه بخلاف الصفة.

قوله : (وما وقع ظرفا) أي ظرف مكان ، لأنه أعم من حيث أنه يخبر به عن الجثة والمعنى لإفادتها ، من حيث إن الشخص يختص بمكان دون مكان ، فنقول (زيد أمامك) و (الفضل أمامك) وإن توغل ظرف المكان في الإبهام لم يخبر به ، فلا نقول : (زيد أمام) ولا مكان لعدم الفائدة ، وأما [و ٣٠] ظرف الزمان فلا يخبر بها عن الجثث ، ولا تكون حالا منها ولا صفة لها ، لعدم الفائدة ، لأن الزمان يشترك فيه جميع الأشخاص من غير اختصاص لأحدهم به ، والخبر من شرطه الإفادة ، ما امتنع لذلك ، فإن وصف جاز وقوعه خبرا عن الشخص ، نحو (زيد في زمان طيب) وأما قولهم : (الهلال الليلة) (٣) و (اليوم خمر وغدا أمر) (٤) وقوله : (في كل عام نعم).

 [١٠٥] أكل عام نعم تحوونه (٥)

 ...

__________________

(١) الفرقان ٢٥ / ٤١ وهي بتمامها : (وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً.)

(٢) ينظر شرح الرضي ١ / ٩٢.

(٣) ينظر شرح الرضي ١ / ٩٤.

(٤) هذا الشطر من رجز لامرئ القيس قاله عند ما جاءه نبأ مقتل أبيه وهو يشرب الخمر فقال :

لا صحو اليوم ولا شرب غدا اليوم خمر وغدا أمر.

ينظر مجمع الأمثال ٢ / ٤١٧ ، وجمهرة الأمثال ٢ / ٤٣١ ، والأمثال لأبي عبيد ٣٣٣ ، وشرح الرضي ١ / ٩٤.

والشاهد فيه قوله : (اليوم خمر) حيث حذف المضاف وهو شرب ، وحدوث والتقدير اليوم شرب خمر وغدا حدوث أمر.

(٥) هذا الرجز لقيس بن حصين كما في الكتاب ١ / ١٢٩ وتمامه :

٢٤٤

وفعلى حذف مضاف ، أي (رؤية الهلال الليلة) ، و (اليوم شرب خمر وغدا حدوث أمر) ، (وحدوث نعم) وقيل : في (الهلال الليلة) إنه لما كان يتعين بغير إذ إنما بالزيادة والنقصان أجرى مجري المعاني وفي قوله : (كل عام نعم تحوونه) أن النعم لما كانت تجري من غير اختيار صاحبها ، نزلت نزلة القمر ، وإذا أخبرت بظروف الزمان عن المعاني فإن كانت مستغرقة للزمان أو أكثره ، نحو (الصوم يوم الجمعة) فالصوم يوم جاز الرفع والنصب ، والرفع أجود ، لا سيما مع النكرة ، والجر بـ (في) خلافا للكوفيين (١) ، لأنها عندهم للتبعيض ، وإن كانت غير مستغرقة ، ولا غالبة ، (الأكل اليوم) و (الأكل يوما) فالأجود النصب ، وأما قوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ)(٢) فمتأول على أنه أريد به الاستغراق على وجه مجازي ، وهو تعظيم أمر الحج ، ودعاء الناس إلى الاستعداد له حتى كأنه مستغرق للأشهر الثلاثة (٣) ، فإن أخبرت بظرف الزمان عن اسم زمان فالرفع لازم

__________________

يلقحه قوم وتنتجونه

ولقيس أو لصبي من بني سعد أو لغيرهما ، ينظر شرح أبيات سيبويه ١ / ١١٩ ، والإنصاف ١ / ٦٢ ، وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ٤٣٤ ، وشرح الرضي ١ / ٩٤ ، وخزانة الأدب ١ / ٤٠٨.

الشاهد فيه قوله : (أكل عام نعم) حيث قدر الشارح حذف مضاف وتقديره أكل عام إحراز نعم ، أو نهب نعم وقدره الرضي أي حوايته ، وذلك لأن ظرف الزمان لا يكون خبرا عن اسم الذات ولذلك قدر له مضاف محذوف. قال ابن مالك في التسهيل السفر الأول ١ / ٤٣٣ ـ ٤٣٤ : (ولا يغني ظرف زمان غالبا عن خبر اسم عين ما لم يشبه اسم المعنى بالحدوث وقتا دون وقت أو تعمّ إضافة معنى إليه أو يعم ، واسم الزمان خاص أو مسؤول به عن خاص ويغني عن خبر اسم معنى مطلقا ، انته كلامه.

(١) ينظر شرح التسهيل السفر الأول ١ / ٤٣٦ ، وشرح الرضي ١ / ٩٥.

(٢) البقرة ٢ / ١٩٧ ، وتمامها : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ....)

(٣) ينظر شرح الرضي ١ / ٩٥ والعبارة منقولة منه بتصرف قال الرضي : وإذا كان ظرف المكان

٢٤٥

نحو (اليوم الأحد) وأجاز بعضهم نصب ما أصله المصدر ، نحو (اليوم السبت والجمعة) نظر إلى أصله ، وأجاز هشام والفراء (١) النصب في أيام الأسبوع كلها على تأويل اليوم بالآن.

قوله : (فالأكثر أنه مقدر بجملة) يعني ما وقع من الظرف والحرف معا ، لأنهم يطلقون معا اسم الظرف ، نحو (زيد خلفك) و (زيد في الدار) فإنه يجب ذكر تقديم العامل ، لأن الظرف معمول ، والمعمول لا بد له من عامل ، ولكن لا يظهر ، لأن الظرف قد صار كالعوض عنه ، وأجاز ظهوره بعضهم محتجا بقوله تعالى : (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ)(٢) ولا حجة لهم فيها لأن (عنده) يتعلق بالرؤية لا خبر ، و (مستقرا) حال لأن الظرف والحرف يتعلقان بمحذوف ، حيث يقعان خبرا لمبتدأ ، أو صلة لموصول أو صفة لموصوف ، أو حالا لذي حال (٣) ، وما عدا ذلك متعلقا فيه بموجود أو ما هو في حكم الموجود ، واختلف ما المقدر؟ فزعم ابن السراج (٤) أنه لا يحتاج إلى تقدير ، لأن الكلام تام ولأنه لا يجوز ظهوره ، لأنه يقال (إن في الدار زيدا) ولا يجوز (إن استقر) ولا مستقر في الدار زيد ، وذهب الأخفش (٥) وطاهر (٦) ، وروي عن سيبويه (٧) ، أنه بقدر بمفرد اسم فاعل لأنه أصل الخبر

__________________

خبرا عن اسم عين سواء كان اسم مكان أو لا ، فإن كان غير متصرف نحو (زيد عندك) فلا كلام في امتناع رفعه : وإن كان متصرفا وهو نكرة فالرفع راجح نحو : أنت مني مكان قريب).

(١) ينظر شرح الرضي ١ / ٩٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ٢٦.

(٢) النمل ٢٧ / ٤٠ ، وتمامها : (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي ....)

(٣) ينظر الإنصاف ١ / ٥٢ ، وشرح المفصل ١ / ٩١ ، وشرح المصنف ٢٤ ، وشرح الرضي ١ / ٩٣.

(٤) ينظر الأصول ١ / ٦٣ ، والهمع ٢ / ٢٢.

(٥) ينظر شرح التسهيل السفر الأول ١ / ٤٣١ ـ ٤٣٢.

(٦) ينظر شرح المقدمة المحسبة ١٧٧ ـ ١٨٧.

(٧) ينظر الكتاب ١ / ٤١٨ ، وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ٤٣١ ـ ٤٣٢.

٢٤٦

الإفراد ، ولأنه قد ظهر مفردا حيث ظهر ، وتقديره حاصل أو مستقر ، وقال الفارسي (١) ، والزمخشري (٢) ، والمصنف (٣) روي عن سيبويه أيضا أنه يقدر فعل ، تقديره (حصل) أو (استقر) (٤) وحجتهم أنه عامل في الظرف ، وأصل العمل للأفعال ، ولأن الصلة لا تقدر إلا بجملة ، ومنهم من جمع بين القولين ، فقال : تقدر في الصلة جملة ، وفي ما عداها مفرد ، وعلى كلا التقديرات ، لما حذف الفاعل انتقل الضمير الذي كان فيه إلى الظرف ، على كلام الفارسي (٥) ومن تابعه ، ويقال إنه مرفوع بالظرف مجازا ، وكذلك الظاهر ، نحو (زيد في الدار أبوه) مرفوع بالظرف مجازا ومحل الظرف الرفع ، وقال السيرافي : (٦) هو باق في المحذوف [ظ ٣٠] ومحل الظرف النصب.

وجوب تقديم المبتدأ

قوله (وإذا كان المبتدأ مشتملا على ما له صدر الكلام) يعني أن أصل المبتدأ التقديم ، لأنه محكوم عليه ، والخبر التأخر ، لأنه محكوم به ، وقد تعرض أشياء توجب تقديمه ، فذكر الشيخ أربعة :

__________________

(١) ينظر رأي الفارسي في الهمع ٢ / ٢٢ ، وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ٤٣١ ـ ٤٣٢.

(٢) ينظر المفصل ٥٦ ، وشرحه لابن يعيش ١ / ٩١.

(٣) ينظر شرح المصنف ٢٤.

(٤) ينظر شرح التسهيل ج ١ ، ١ / ٤٣٢ قال ابن مالك : فلهذه المرجحات وافقت الأخفش بقولي في الأصل ، معمول في الأجود لاسم فاعل كون مطلق وفاقا للأخفش تصريحا ، ولسيبويه إيماء وخالفت ما ذهب إليه أبو علي والزمخشري من جعل الظرف جملة ، وينظر شرح المفصل ١ / ٩١.

(٥) ينظر الهمع ٢ / ٢٢.

(٦) ينظر رأي السيرافي في هامش الكتاب ١ / ٤١٥ ، وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ٤٣٣.

٢٤٧

الأول قوله : (إذا كان المبتدأ مشتملا على ماله صدر الكلام) وإنما قال مشتملا ولم يقل له صدر الكلام لعمومه ، إذ قد يكون مشتملا على ما له صدر الكلام وليس بصدر ، نحو : (غلام من ضربت)؟ والذي له صدر الكلام ، ضمير الشأن (١) ، والاستفهام ، وأسماء الشرط ، وكم الخبرية ، والمضاف إلى أحدهما ، ما خلا ضمير الشأن ، فإنه لا يضاف إليه لإبهامه ، ولام الابتداء ، والنفي ، والتعجب ، وما خرج مخرج المثل مثاله : (هُوَ اللهُ أَحَدٌ)(٢) (ومن جاءك)؟ و (من تكرم أكرم) و (وكم رجل ضربت)؟

و (غلام من جاءك) و (غلام من تضرب أضرب) و (غلام كم رجل ضربت) و (لزيد قائم) ، (ما أحسن زيدا) و (ما زيد قائم) ، (وسلام له) و (ويل له).

قوله : (مثل من أبوك)؟ هذا مثال الاستفهام ، قال نجم الدين : (٣) وهذا المثال لا يستقيم إلا على مذهب سيبويه (٤) إنّ (من) مبتدأ و (أبوك) خبره ، وعند غيره (من) [في](٥) هذا المثال خبر ، لأن الذي بعدها معرفة (٦) ، فيجب أن يكون هو المبتدأ ، والمثال المتفق عليه (من قام)؟ و (ما جاء بك) و (أيهم قام)؟

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ٢٤ ، وشرح الرضي ١ / ٩٧.

(٢) الإخلاص ١١٢ / ١.

(٣) ينظر شرح الرضي ١ / ٩٧ ، وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ٣٩٥ ـ ٤٠٠.

(٤) ينظر الكتاب ٢ / ١٦١ ، وشرح الرضي / ٩٧ ، وقال ابن مالك والمبتدأ عند سيبويه في نحو (كم مالك؟) كم مع أنه نكرة والخبر مالك مع أنه معرفة ، وكذا نحو : (مررت برجل أفضل منه أبوه) أفضل عنده مبتدأ وأبوه خبر ، فجعل النكرة مبتدأ والمعرفة خبر. شرح التسهيل السفر الأول ١ / ٤٠١.

(٥) زيادة يقتضيها السياق.

(٦) ينظر شرح المفصل ١ / ٩٨.

٢٤٨

الثاني والثالث : قوله : (أو كانا معرفتين ، أو متساويين) يعني المبتدأ أو الخبر فـ (المعرفتين) نحو (زيد القائم) (١) و (المتساويين).

قوله : (أفضل منك أفضل مني) ولا فرق بين أن يكون المبتدأ والخبر اسمين نحو : (زيد أخوك) أو أحدهما وصف نحو (زيد القائم) لأنه مبنية على جواز كون الصفة مبتدأ خلافا للرازي ، والأمام يحيى بن حمزة (٢) فإنهما يجيزان تقديمها وتأخيرها ، لأنها متعينة عندهما للخبرية لكونها مسندة في المعنى : فكيف يسنده إليها واعترض مذهبهم بنحو (القائم العالم) فإن هنا لا بد من جعل أحدهما مبتدأ ، وأجيب عما أوردوه ، بأنا لا تجيز عن الصفة إلا بتأويلها بالاسم ، فإذا قيل (القائم زيد) فمعناه الذات المتصفة (٣) بالقيام زيد أو مسمى زيد ، ووجوب تقدم المبتدأ في المعرفتين ، والمتساويين مذهب البصريين (٤) ، لئلا يلتبس ، لأن المعنيين مختلفان ، لأنك إذا قلت (زيد العالم) جاز أن يكون غير زيد عالم وأما زيد فلا يكون إلا العالم ، وإذا قلت (العالم زيد) وجب أن يكون العالم زيد ولا يخرج شيء منه عن زيد ، ومنهم من أجاز التقديم والتأخير مطلقا وابن مالك (٥) وغيره فصّل ، بأنه إن كان ثم قرينة جاز التقديم والتأخير نحو :

[١٠٦] بنونا بنو أبنائنا وبناتنا

بنوهن أبناء الرجال الأباعد (٦)

__________________

(١) في الأصل (لقائم) وهو تحريف والصواب ما أثبته.

(٢) ينظر الأزهار الصافية ٢١٤ ـ ٢١٥.

(٣) ينظر شرح الرضي ١ / ٩٧.

(٤) ينظر شرح ابن عقيل ١ / ٢٢٨.

(٥) ينظر شرح التسهيل لابن مالك الجزء الأول ١ / ٤٠٢ ، وشرح الرضي ١ / ٩٧.

(٦) البيت من البحر الطويل ، وينسب للفرزدق وهو ليس في ديوانه المطبوع ، ينظر

٢٤٩

ونحو :

[١٠٧] لعاب الأفاعى القاتلات لعابه

 ... (١)

أي بنو أبنائنا بنونا ، ولعابه لعاب الأفاعي ، وإلا لم يجز.

الرابع : قوله : (أو كان الخبر فعلا له ، مثل : «زيد قام») يعني أن يكون الخبر فعلا للمبتدأ ، فإنه لو قدم الخبر التبس الفاعل ، وأجازه الكوفيون (٢) مطلقا ، وفصل ابن مالك والسكاكي (٣) بأنه إن كان ثم ضمير بارز نحو (الزيدان قاما) و (الزيدون قاموا) جاز التقديم ، وإلا لم يجز ، ومما يجب فيه تقديم المبتدأ أن يكون قبل (إلا) نحو : (ما زيد إلا في الدار) أو بعد (إنما) ، نحو : (إنما زيد في الدار) لأنه يفيد حصر المبتدأ على الخبر

__________________

الإنصاف ١ / ٦٦ ، وشرح المفصل ١ / ٩٩ ، ٩ / ١٣٢ ، وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ٤٠٢ ، وشرح الرضي ١ / ٩٧ ، ومغني اللبيب ٥٨٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٤٨ ، وشرح ابن عقيل ١ / ٢٣٣ ، وهمع الهومع ٢ / ٣٢ ، وخزانة الأدب ١ / ٤٤٤.

والشاهد فيه قوله : (بنونا بنو أبنائنا) حيث قدم الخبر وهو بنونا على المبتدأ وهو (بنو أبنائنا) مع استواء المبتدأ والخبر في التعريف فإن كلا منهما مضاف إلى ضمير المتكلم وذلك لوجود قرينة معنوية تعين المبتدأ منهما.

(١) البيت من البحر الطويل وعجزه :

وأري الجنا اشتارته أيد عواسل

وهو لأبي تمام الطائي كما في ديوانه ١ / ٢٤٢ ، وينظر شرح الرضي ١ / ٩٨ ، والعواسل : جمع عاسلة وهي ذات العمل الصالح ، وأري : العسل ، ينظر اللسان مادة (عسل) ٤ / ٢٩٤٥.

والتمثيل فيه قوله : (لعاب الأفاعي لعابه) حيث استوى المبتدأ والخبر وكلاهما معرفة وكلاهما مضاف إلى معرفة فيجوز التقديم والتأخير كما أشار الشارح.

(٢) ينظر شرح المفصل ١ / ٩٢ ، والإنصاف ١ / ٦٥ وما بعدها.

(٣) ينظر شرح التسهيل السفر الأول ١ / ٤٠٣ وما بعدها. قال ابن مالك في شرح التسهيل السفر الأول ١ / ٤٠٤ ما نصه : ومما يمنع تقديم الخبر اقترانه بالفاء نحو الذي يأتيني فله درهم ، لأن سبب اقترانه بالفاء وشبهه بجواب الشرط فلم يجز تقديمه ، كما لا يجوز تقديم جواب الشرط. ينظر رأي السكاكي في مفتاح العلوم ٨٧.

٢٥٠

فلو قدمت الخبر لانعكس ومنها [و ٣١] أن يدخل الفاء على الخبر نحو :(الذي يأتيني فله درهم) أولام الابتداء على المبتدأ ، نحو : (لزيد قائم).

وجوب تقديم الخبر

قوله : (وإذا تضمن الخبر المفرد ماله صدر الكلام) [مثل : أين زيد](١) هذا القسم الثاني : الذي يوجب تأخير المبتدأ وتقديم الخبر ، فمنها أن يتضمن الخبر المفرد ، ماله صدر الكلام ، وقيد الخبر بالمفرد ، لأنه إذا كان جملة لم يجب تقديمه على المبتدأ ، لأن تقدمه على جزئه (٢) نحو (زيد أين بيته).

قوله : (أو كان مصحّحا [له]) (٣) يعني أو كان تقديم الخبر مصححا لمجيء المبتدأ نكرة ، فإنه يجب تقديمه ، نحو (في الدار رجل) فإنه قد تخصص المبتدأ بتقديم الخبر عليه ، فلو أخر لزال التصحيح ، ولم يصح الابتداء بالنكرة ، خلافا للكوفيين (٤) ، فارتفاع (الرجل) عندهم بالفاعلية ، قال نجم الدين : الأولى أن العلة في إيجاب تقدم الظرف خبرا عن المبتدأ النكرة خوف لبس الصفة مع كثرة استعمال الظرف خبرا ، فلو قلّ وقوع الظرف خبرا عن النكرة ، اغتفر اللبس القليل (٥) ، وتقديم الخبر غير الظرف على المبتدأ النكرة نحو : (قائم رجل) ، لارتفع اللبس ، ولا يعينه للخبرية ، بل

__________________

(١) ما بين حاصرتين زيادة من الكافية المحققة.

(٢) ينظر شرح المصنف ٢٤.

(٣) ما بين حاصرتين زيادة من الكافية المحققة.

(٤) ينظر شرح الرضي ١ / ٩٩ ، وقد نقل العبارة بتصرف.

(٥) ينظر شرح الرضي ١ / ٩٩.

٢٥١

يحتمل أن يكون (رجل) (١) بدلا من (قائم) ، وأن يكون مبتدأ بخلاف (في الدار رجل) فإنه بتقدم الظرف يتعين للخبرية.

قوله : (أو لمتعلقة ضمير في المبتدأ ، نحو : «على التمرة مثلها زيدا») [أو كان خبرا](٢)) أي لمتعلق الخبر ، وهو التمرة ، ضمير في المبتدأ ، وهو مثلها ، فلو قدمت المبتدأ لعاد الضمير إلى غير مذكور ، وقد اختلف في تأويله ، فقال ركن الدين : (٣) يحتمل أنه أراد بالتعلق تعلق الحروف بالأفعال ، فيكون الخبر المحذوف وهو حاصل أو حصل (وعلى التمرة) متعلق به ، وفيه نظر ؛ لجواز أن يقال (على الله عبده متوكل) فإنه تقدم المبتدأ هنا وهو (عبده) على خبره وهو (متوكل) مع أن فيه ضميرا لمتعلق الخبر ، وهو (على الله) ، فلو قال : وكان الخبر ظرفا لسلم ، واعترضه الوالد بأنه قوله غير شامل ، لأنه يخرج منه :

[١٠٨] ...

ولكن ملء عين جفونها (٤)

__________________

(١) في الأصل (رجلا) وهو سهو.

(٢) ما بين حاصرتين زيادة من الكافية المحققة.

(٣) ينظر الوافية في شرح الكافية ، ٦٨ ـ ٦٩.

(٤) البيت من البحر الطويل ، وهو لـ (نصيب بن رباح) في ديوانه ٦٨ ، وصدره :

أهابك إجلالا وما بك قدرة

عليّ ...

ويروى حبيبها بدل جفونها ، وينسب للمجنون في ديوانه ٥٨ ، ينظر شرح ديوان الحماسة ٣٦٣ ، وسمط اللالئ ١ / ٤٠١ ، وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ٤٠٩ ، وأوضح المسالك ١ / ٢١٥ ، وشرح ابن عقيل ١ / ٢٤١.

والشاهد فيه قوله : (ملء عين حبيبها) فإنه قدم الخبر وهو قوله (ملء عين) المبتدأ وهو حبيبها لاتصال المبتدأ بضمير يعود على ملابس الخبر وهو المضاف إليه ، فلو قدمت المبتدأ مع أن رتبة الخبر التأخير لعاد الضمير على متقدم لفظا ورتبة وهذا لا يجوز ولكن بتقديم الخبر وقد رجع الضمير على متقدم لفظا وإن كانت رتبته التأخير وهو جائز.

٢٥٢

وكلام المصنف مستقيم ، لأن مراده بالتعلق الذي لا ينفك عنه الخبر ، ولاتفاقه فيدخل فيه المضاف وغيره ، ولم يرد التعلق الذي يراد في تعلق الحروف والظروف ، ولا التعلق المعنوي الذي هو الاستدعاء ، وإنما أراد الارتباط اللفظي ، قال ركن الدين : (١) ويحتمل أنه أراد بالخبر ، الخبر لفظا ، وهو الجار والمجرور ، وأراد بالتعلق المجرور فلم يقع الإشكال انتهي ، فيقال متعلق بكسر اللام ، ويعني بالمتعلق جزء الخبر ، فقولك (على التمرة) خبر ، والمجرور جزؤه ، وانتصاب زيد على التمرة ، ويجوز رفعه على البدل من (مثلها) ، ورفعه ونصب مثلها على أنه مبتدأ ، ومثلها صفة له تقدمت عليه فانتصب على الحال نحو (في الدار واقفا رجل).

قوله : (أو عن أن) يعني أو كان الخبر عن (أنّ) المفتوحة والمشددة ، وجب تقديمه لئلا يلتبس بالمكسورة في الصورة ، أو بـ (أن) التي بمعنى (لعل) ، أو لئلا يدخل عليها (إنّ) المكسورة (٢) ، فيقال : (إنّ أنك منطلق عندي) وأجازها الأخفش (٣) ، قياسا على المصدرية ، نحو : (وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ)(٤) أي قياسا في دخول العوامل عليها مثل : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى)(٥) وأما إن وليت المفتوحة المشددة (أمّا) تقدمت باتفاق نحو قوله :

[١٠٩] دأبى اصطبار وأما أننى جزع

يوم النوى فلوجد كاد يبرينى (٦)

__________________

(١) ينظر رأي ركن الدين في الوافية شرح الكافية ٦٥.

(٢) ينظر شرح المصنف ٢٤ ـ ٢٥ ، وشرح الرضي ١ / ١٠٠ ، وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ٤٠٨ ـ ٤٠٩.

(٣) ينظر الهمع ٢ / ٣٦.

(٤) النساء ٤ / ٢٥.

(٥) المزمل ٧٣ / ٢٠.

(٦) البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في شرح التسهيل السفر الأول ١ / ٤٠٩ ، وينظر مغني

٢٥٣

[ظ ٣١]

ومن وجوه تقدم الخبر ، أن يكون قبل (إلا) أو قبل المبتدأ بعد (إنما) نحو :(ما في الدار إلا زيد) و (إنما في الدار زيد) وكذلك إذا كان بتقديم الخبر يفهم معنى لا يفهم بتأخره وجب تقديمه نحو (تميمي أنا) إذا قصدت بيان أنك من تميم ، والتفاخر بها (١) ، وأما ما عدا هذه الأشياء فجائز فيه التقديم ، إذا أردت الاهتمام بإفادة السامع الحكم من أول وهلة نحو : (قائم زيد) والتأخير نحو : (زيد قائم) إذا لم يرد ذلك خلافا للكوفيين والأخفش (٢) ، فإنهم منعوا من تقدم الخبر ، لأنك لو قدمته وقلت : (قائم زيد) لارتفع زيد عندهم بالفاعلية وبطل المبتدأ ، لأنهم يعلمون الصفة من غير اعتماد ، وأجاز بعضهم التقدم حيث يكون العائد منصوبا نحو : (زيد ضربته).

تعدد الخبر

قوله : (وقد يتعدد الخبر ، مثل زيد عالم عاقل) يعني مع اتحاد المبتدأ ، وفيه تفصيل ، وهو أن نقول : إن اتحد فجائز نحو (زيد قائم قاعد) وإن تعددا

__________________

اللبيب ٣٥٦ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٦١ ، وأوضح المسالك ١ / ٢١٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ٣٦.

ويروى : عندي بلد دأبي.

والشاهد فيه قوله : (أما أنني جزع ... فلوجد) حيث ولي أما المفتوحة فهي مبتدأ من المصدر المؤول وتقدم على خبره الذي هو الجار والمجرور ، وجاز تقدم المبتدأ وهو مصدر موؤل لأمن اللبس وهذا التقدم باتفاق كما ذكر الشارح.

(١) ينظر شرح الرضي ١ / ١٠٠ والعبارة مأخوذة بتصرف دون أن يعزوها إلى مصدرها ، وينظر شرح المفصل ١ / ٩٢ ، الإنصاف ١ / ٦٦.

(٢) ينظر شرح المفصل لابن يعيش ١ / ٩٢ ، والهمع ٢ / ٣٤ ـ ٣٥.

٢٥٤

لفظا أو معنى نحو : (زيد وعمرو قائم وقاعد) و (زيد وعمرو وبكر سائر وقائم وقاعد) أو معنى (الزيدان قائمان) و (الزيدون قائمون) أو أحدهما لفظا ، أو أحدهما معنى نحو : (زيد وعمرو قائمان) و (زيد وعمرو وبكر قائمون) و (الزيدان قائم وقاعد) ومنه (الفرس أسود وأبيض) و (الزيدون سائر وقائم وقاعد) جاز ذلك ، والواو واجبة ، وفي كل منهما ضمير يعود إلى مبتدئه.

وإن تعدد المبتدأ واتحد الخبر فالأظهر الجواز حيث يصح المعنى (١) نحو :

(الأصدقاء نسب وإخوة) ، والناس تزيد في المبالغة ، قال :

[١١٠] إنما الناس أنا فإذا

مت فللناس الفناء (٢)

وإن اتحد المبتدأ وتعدد الخبر ، فهي مراد الشيخ (٣) ، فإن تعدد لفظا ومعنى ، فإن كان بعاطف فأخبار باتفاق ، وفي كل واحد ضمير يعود إلى المبتدأ نحو (زيد العالم والعاقل والكريم) وإن كان بغير عاطف نحو : (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ، ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ)(٤). ونحو :

[١١١] من يك ذابت فهذا بتى

مقيّظ مصيّف مشتّي (٥)

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ٢٥ ، وشرح الرضي ١ / ١٠٠ ، وشرح المفصل ١ / ٩٩.

(٢) لم أقف على قائل له أو مصدر.

(٣) ينظر شرح المصنف ٢٥.

(٤) البروج ٨٥ / ١٤ ـ ١٥.

(٥) الرجز لرؤبه بن العجاج في ملحق ديوانه ١٨٩ ، وينظر الكتاب ٢ / ٨٤ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٣ ، والإنصاف ٢ / ٧٢٥ ، وشرح المفصل ١ / ٩٩ ، وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ٤٤٣ ، واللسان مادة (بتت) ١ / ٢٠٥ ، وشرح ابن عقيل ١ / ٥٧ ، وهمع الهوامع ٢ / ٥٣. والشاهد فيه قوله : فهذا بتّي مقيظ مصيّف مشتى ، فهي أخبار متعدده لمبتدأ واحد من غير عاطف .. وهذا ما ذهب إليه الزمخشري وابن الحاجب كما ذكر الشارح.

٢٥٥

فذهب الزمخشري (١) والمصنف (٢) إلى إنها أخبار ومنهم من قال : الأول خبر ، والباقي صفات وفي كل منهما ضمير على كلا القولين ، وإن تعدد معنى فهي ضربان ، الجمع والأسماء التي تقع على القليل والكثير ، كالمصادر وأسماء العموم ، فأما الأسماء فجائز نحو (زيد عدل وصوم) و (ذلِكَ الْكِتابُ)(٣) وأما الجمع فأجازه بعضهم مع قصد المبالغة نحو : (رَبِّ ارْجِعُونِ)(٤) فليس بخبر وقد قيل فيه : إنه يريد ملائكة الموت.

وإن تعدد لفظا نحو (الرمان حلو حامض) و:

[١١٢] ...

 ... يقظان هاجع (٥) ...

(وزيد قائم قاعد) فالأصح لا يجوز دخول العاطف ، وبعضهم أجازه (٦) ،

__________________

(١) ينظر المفصل ٣٠ ، وابن يعيش ١ / ٩٩ ـ ١٠٠.

(٢) ينظر شرح المصنف ٢٥ ، وأمالي ابن الحاجب ٢ / ٥٧٩.

(٣) البقرة ٢ / ٢.

(٤) المؤمنون ٢٣ / ٩٩ وهي بتمامها : (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون).

(٥) هذا جزء من بيت البحر الطويل ، وهو لحميد من ثور في ديوانه ١٠٥ ، ينظر الشعر والشعراء ١ / ٣٩٨ ، وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ٤٤٣ وشرح ابن عقيل ١ / ٢٥٩ ، وخزانة الأدب ٤ / ٢٩٢.

والبيت بتمامه :

ينام بإحدى مقلتيه ويتقي

بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع

ويروى في شرح ابن عقيل نائم بدلا عن هاجع.

الشاهد فيه قوله : (فهو يقظان هاجع) حيث تعدد الخبر بدون حرف العطف قال ابن مالك في شرح التسهيل وعلامة هذا النوع صحة الإقتصار على واحد من الخبرين أو الأخبار السفر الأول ١ / ٤٤٣.

(٦) ينظر شرح التسهيل السفر الأول ١ / ٤٤٣.

٢٥٦

والأكثر ، منهم المصنف (١) ، يجعلها أخبارا متعددة في اللفظ ويجعل في كل واحد ضميرا ، ومنهم من يكتفي بضمير واحد وبعضهم جعل الثاني صفة للأول ، لأن المعنى : حلو فيه حموضة ، لأنهما لو كانا خبرين لزم أن المعنى حلو في حال ، حامض في حال ، قال : لأن الصفة قد توصف نحو (عالم فطن) و (طبيب ماهر) أي فطن في علمه ، وماهر في طبه ، وضعف هذا القول بأنه يلزم فيه اجتماع الضدين ، لو كان المعنى حلاوة حامضة ولا يلزم هذا على القول الأول ، لأنهما راجعان إلى الرمان ، بعض أجزائه حلو ، وبعضه حامض ، فكأنه قيل : في جزء منه حلاوة ، وفي جزء [و ٣٢] منه حموضة (٢) ، وليس قولك : (هذا الفرس أسود أبيض) منه بل هومن المبتدأ المتعدد ، نحو (الزيدان عالم وجاهل) كأنك أردت بعضه أبيض وبعضه

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ٢٥ ، وأماليه ٢ / ٥٧٩ ، والرضي ١ / ١٠٠.

(٢) ينظر شرح ابن عقيل ١ / ٢٥٧ وما بعدها ، وشرح المفصل ١ / ٩٩ ، وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ٤٤٣ قال ابن مالك في شرح التسهيل في الصفحة ٤٤٢ وما بعدها : تعدد الخبر على ثلاثة أضرب :

أحدهما : أن يتعدد لفظا ومعنى لا لتعدد المخبر عنه مثل الآيتين في سورة البروج.

وكقولك الراجز :

من كان ذابت ...

ثانيها : أن يتعدد لفظا ومعنى لتعدد الخبر عنه حقيقة مثل قول الشاعر :

يداك يد خيرها يرتجى

وأخرى لأعدائها غائظه

أو لتعدد المخبر عنه حكما كقوله تعالى : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ)

ثالثها : أن يتعدد لفظا دون معنى بقيامه مقام خبر واحد في اللفظ والمعنى كقولك : هذا حلو حامض بمعنى مز. وكقولك هو أعسر أيسر بمعنى أضبط ، أي عامل بكلتا يديه. انته بتصرف.

٢٥٧

أسود ، كما أردت أحد الزيدين عالم والآخر جاهل. وإن اختلفا في اتحاد المبتدأ أو تعدده ، فإنه لما كان يمكن التمييز في الفرس بين الأسود والأبيض ، أشبه المبتدأ المتعدد ، ولما لم يكن تمييز الجزء الحلو الحامض ، أشبه المبتدأ المتّحد ، قال اليمني (١) لا يجوز أن يعود من كل واحد منهما ضمير ، لأنه يصير التقدير : كله حلو ، وكله حامض فيؤدي إلى الجمع بين ضدين ، ولا خلوهما عنه ، لأنه ينقض قاعدة الصفة المشتقة ، ولا عودة من أحدهما لما فيه من التحكم ، لأنه يكون هو الخبر لعود الربط منه ، فلم يبق إلا أن يقدر الاسمين بمعنى اسم واحد فاحتمل للضمير ، وهو مزّ (٢).

قال ابن جني : وهذا الموضع كان أبو علي يخاطب به خاصة أصحابه ستين سنة ، وما أظنه فهمه إلا واحد أو اثنان.

دخول الفاء في خبر المبتدأ

قوله : (وقد يتضمن المبتدأ معنى الشرط) [فيصح دخول الفاء في

__________________

(١) أغلب الظن أنه أراد إما إبراهيم بن محمد بن أبي عباد إسحاق اليمني النحوي المتوفى بعد الخمسمئة وهو من أعيان النحويين باليمن. صنف مختصرين في النحو وهما مختصر سيبويه والتلقين في النحو ، ينظر البغية ١ / ٤٢٦. أو عمه الحسن بن اسحاق أبو محمد اليمني ويعرف بابن أبي عباد قال عنه الخزرجي : إمام النحاة في قطر اليمن وكان معاصرا لابن أخيه السابق ذكره ، وكلاهما يلقب باليمني توفي قريبا من ٥٩٠ ه‍ صنف مختصرا في النحو يدل على فضله ومعرفته ينظر ترجمته في البغية ١ / ٥٠٠.

(٢) ينظر شرح التسهيل السفر الأول ١ / ٤٤٤ ، وشرح ابن عقيل ١ / ٢٥٧ ، وشرح المفصل ١ / ٩٩ ، الهوامع ٢ / ٥٣ ـ ٥٤.

٢٥٨

الخبر](١) قد لتقليل تضمن المبتدأ معنى الشرط ، لأنه لا يكون إلا مع الإبهام والعموم ، لا لتقليل الفاء مع التضمن ، فإنها مختارة.

ودخولها على الخبر واجب ، وجائز ، وممتنع :أما الواجب فمع (أما) نحو (أما زيد فقائم) ولا تحذف إلا لضرورة ، كقوله :

[١١٣] فأما القتال لا قتال لديكمو

ولكنّ سيرا في عراض المواكب (٢)

أو لإضمار القول نحو : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ)(٣) تقديره (فيقال لهم : أكفرتم) (٤) وإنما وجب الفاء مع (إن) لأن الجزاء جملة اسمية وهي أجنبية فدخلت للربط.

أما الجائز فحيث ذكر الشيخ (٥).

قوله : (وذلك الاسم الموصول بفعل أو ظرف ، نحو : «الذي يأتي

__________________

(١) ما بين حاصرتين زيادة من الكافية المحققة.

(٢) البيت من الطويل ، وهو للحارث بن خالد المخزومي في ديوانه ٤٥ ، ينظر المقتضب ٢ / ٧١ ، وأمالي ابن الشجري ١ / ٢٨٥ ، وشرح شواهد الإيضاح ١٠٧ ، والمقتصد في شرح الإيضاح ١ / ٣٦٦ ، وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ٤٤٦ ، وشرح الرضي ١ / ١٠١ ، والجنى الداني ٥٢٤ ، ومغني اللبيب ٨٠ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٧٧ ، وشرح ابن عقيل ٢ / ٣٩١ وهمع الهوامع ٤ / ٣٥٦ ، وخزانة الأدب ١ / ٤٥٢.

والشاهد فيه قوله : (لا قتال لديكم) حيث حذف الفاء الداخلة على خبر المبتدأ الواقع بعد أما ضرورة. فالقتال مبتدأ ، ولا قتال لديكم خبر ويروى المراكب بدل المواكب.

(٣) آل عمران ٣ / ١٠٦.

(٤) ينظر شرح الرضي ١ / ١٠١ ، وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ٤٤٧ ، وشرح المصنف ص ٢٥ ، وشرح المفصل ١ / ١٠٠.

(٥) كما في المتن من الكافية المحققة وهي التي ذكرت.

٢٥٩

فله درهم)) هذه الموصولة بفعل ، والظرف نحو : (الذي في الدار فله درهم) (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ)(١) وإنما قال : الاسم الموصول بفعل ليخرج الحرف الموصول باسم الفاعل والمفعول ، لا تقول (القائل فله درهم) ولا (المضروب فله درهم) وأجازه المبرد (٢) والكوفيون (٣) مستدلين بقوله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا)(٤)(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا)(٥) ورد بأنه لو كان منه لكان المختار النصب لأنه مثل (زيدا فاضربه) والقراء متفقون على الرفع (٦).

قوله : (والنكرة الموصوفة بهما) يعني بالظرف والفعل ، مثاله : (كل رجل في الدار فله درهم) أو (يأتيني فله درهم) وزاد السخاوي (٧) ، النكرة

__________________

(١) النحل ١٦ / ٥٣ وهي بتمامها : (وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون).

(٢) ينظر المقتضب ٣ / ٢٢٥ ، والهمع ٢ / ٥٦.

(٣) ينظر الهمع ٢ / ٥٦.

(٤) النور ٢٤ / ٢.

(٥) المائدة ٥ / ٣٨.

(٦) الأمر فيه تفصيل وهو كالتالي : قرأ الجمهور (الزانية والزاني) بالرفع ، وقرأ عيسى بن عمر الثقفي وابن أبي عبلة (الزانية) بالنصب وهو أوجه عند سيبويه حيث قال في ١ / ١٤٤.

وقد قرأ أناس : (والسارق والسارقة) و (الزانية والزاني) وهو على ما ذكر لك من القوة ، ولكن أبت العامة إلا القراءة بالرفع وإنما كان الوجه في الأمر والنهي النصب لأن حد الكلام تقديم الفعل وهو فيه أوجب ، وقرأ ابن مسعود (والزان) بغير الياء.

قال القرطبي في تفسيره : وأما الفراء والمبرد والزجاج فإن الرفع عندهم أوجه والخبر في قوله :

فاجلدوا لأن المعنى : الزانية والزاني مجلودان بحكم الله.

ينظر الكتاب ١ / ١٤٢ وما بعدها ، وتفسير أحكام القرآن للقرطبي ٥ / ٤٥٥١ ، وتفسير البحر المحيط ٦ / ٣٩٣.

(٧) السخاوي هو علي بن محمد بن عبد الصمد الإمام علم الدين أبو الحسن السخاوي النحوي المقرئ الشافعي كان بصيرا في القراءات وعللها إما ما في النحو واللغة والتفسير ،

٢٦٠