النّجم الثاقب - ج ١

صلاح بن علي بن محمّد بن أبي القاسم

النّجم الثاقب - ج ١

المؤلف:

صلاح بن علي بن محمّد بن أبي القاسم


المحقق: الدكتور محمّد جمعة حسن نبعة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٥
الجزء ١ الجزء ٢

قوله : (والمفعول له) أي لا تصح إقامته ، لأنه إن بقي منصوبا لم تصح إقامته ، وإن زال النصب ، فمن حقه أن يلي [ظ ٢٦] وتلحقه اللام وإلا بطل معناه ، وأجازه بعضهم في المجرور نحو قوله :

[٩٤] يغضي حياء ويغضى من مهابته

فما يكلّم إلا حين يبتسم (١)

وقيل : امتناعه ، لأنه علة للفعل ، ولا يكون إلا بعد ثبوت الفعل بمرفوعه أو لأنه قد يكون علة لأفعال متعددة ، نحو (ضربت ، وأكرمت ، وأعطيت إكراما لزيد) ، فإن أقمته لها لم يصح ، لأنه يؤدي إلى معمول بين عوامل ، ولئن أقمته لبعضها كان تخصيصا من غير مخصص (٢).

قوله : (والمفعول معه [كذلك]) (٣) وإنما لم يقم لأنه مصاحب ، والفعل إلى فاعله أحوج من مصاحبه ، ولأنك إن أقمته مع حذف حرف العطف تغيرت المعية ، وإن أقمته معها كان معطوفا ولا معطوف عليه لأن الواو تفيد الانفصال ، والفاعل كالجزء من الفعل (٤) ، ولم يذكر الشيخ الحال

__________________

(١) البيت من البسيط ، وهو للفرزدق في ديوانه ٢ / ١٧٩٢ ، وله وللحزين الكناني (عمر بن عبد وهيب) في الأغاني ١٥ / ٢٦٣ ، ينظر شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ١٦٢٢ ، وشرح المفصل ٢ / ٥٣ ، واللسان مادة (حزن) ٢ / ٨٦٢ ، ومغني اللبيب ٤٢١ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٣٢ ، وأوضح المسالك ٢ / ١٤٦.

الشاهد قوله : (من مهابته) فقوله من مهابته في موضع مفعول له واسم ما لم يسم فاعله لأن المفعول له لا يقام مقام الفاعل ، والتقدير : ويغضى إغضاء حادث من مهابته. وأجاز الأخفش إلى أن الجار والمجرور (من مهابته) نائب فاعل ، مع اعترافه أن (من) هنا للتعليل.

(٢) ينظر شرح المصنف ٢٢.

(٣) ما بين حاصرتين زيادة من الكافية المحققة.

(٤) ينظر شرح الرضي ١ / ٨٤.

٢٢١

والتمييز والاستثناء ، وباب (كان) قال ركن الدين : (١) إنما لم يذكرها لأنها قد جرت بقوله : (كل مفعول) لأنها مشبهة ، وإذا لم تصح الإقامة في الصريح فبالأولى في المشبه به ، وأما الحال والتمييز فلأن إقامتهما مما يجوز إضمارها وهو لا يصح ، ولأن الحال فضلة ، ولو أقيم كان عمدة ، والتمييز جيء به لرفع الإبهام فإذا أقيم لم يرفع إبهاما ، والظروف غير المتمكنة إقامتها تقتضي رفعها ، وعدم تمكينها يقتضي نصبها ، وأما خبر (كان) فعلته كعلة الثاني من مفعولي علمت ، وأجاز الفراء إقامته ، نحو (كين أخوك) (٢) والكسائي أقام التمييز لأنه فاعل في الأصل نحو (طيب نفس) (٣).

قوله : (وإذا وجد المفعول به تعين له [تقول : ضرب زيد يوم الجمعة أمام الأمير ضربا شديدا في داره]) (٤).

شرع يبين ما يقام مقام الفاعل وهي خمسة ، المفعول الصريح ، وبحرف ، والمتمكن من الزمان والمكان ، والمصدر المختص ، وقد أشار إليها بالأمثلة ، وإنما صح إقامتها من دون غيرها لاستدعاء الفعل لها لأن كل فعل يستدعي مصدرا ، إذ هو جزؤه وزمانا ومكانا يقع فيهما ، ومفعولا به يقع عليه ، إن كان متعديا وأما الذي بحرف ، فلأنه حرف بخلاف العرض ،

__________________

(١) ينظر الوافية ٥٨.

والعبارة عنده هي : ولم يذكر الحال والتمييز لأنهما لا يقعان مع الفاعل لأن يعلم من قوله (كل مفعول) حذف فاعله لأنهما ليستا بمفعول ، وطبعا لم يذكر ركن الدين الاستثناء.

(٢) ينظر شرح التسهيل لابن مالك السفر الأول ٢ / ٧١٧ حيث نقل ابن مالك رأي الفراء ، والهمع ٢ / ٢٧١.

(٣) ينظر شرح الرضي ١ / ٨٤ حيث نقل الرضي رأي الكسائي ، وشرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٧١٩.

(٤) ما بين حاصرتين زيادة من الكافية المحققة.

٢٢٢

والمصاحبة والتمييز ، والاستثناء منه بخلاف الأول ، فإنه يستدعيها.

فإن قيل فيلزم إقامة الحال مقامه لاستدعاء الفعل له ، بل لا بد لكل فعل منه ، وجوابه أن قلة مجيئها في الكلام منعها من النيابة ، وفي كلام الشيخ تفصيل ، وهو أن تقول : المفعول به الصريح إن كان أن يتعدى بحرف جر ، نحو (اخترت الرجال عمرا) فمذهب الجمهور لا تصح إقامته مع وجود ما أصله المتعدي بنفسه ، وحكمه حكم المتعدي بحرف ظاهر ، والظرف والمصدر ، وقال بعضهم : لا فرق بينهما ، فتقيم أيهما شئت مقام الفاعل ، وإن كان أصله التعدي بنفسه ، فمذهب البصريين (١) لا يجوز إقامة شيء منها مع وجوده ، لاستدعاء الفعل له استدعاء مفيدا ، بخلاف سائرها ، فإنه وإن استدعاه فليس بمفيد ، وقال الكوفيون والأخفش : (٢) إن إقامته بالأولية لا الوجوب لمجيئه ، واحتجوا بقوله تعالى : (لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)(٣) وبقوله عزّ وعلا : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ

__________________

(١) ينظر شرح الرضي ١ / ٨٤ ، وشرح شذور الذهب ١٨٩ وما بعدها ، شرح ابن عقيل ١ / ٥٠٩ ، والهمع ٢ / ٢٦٩ ، حيث أثبتوا رأي البصريين.

(٢) ينظر شرح ابن عقيل ١ / ٥٠٩ وما بعدها. قال ابن مالك في شرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٧١٦ (وأجاز ابن السراج نيابة المنوي وأجاز الأخفش نيابة الظرف الذي لا يتصرف نحو أن تقول : جلس عندك ، ومذهبه في هذه المسألة ضعيف ، وأجاز هو والكوفيون نيابة غير المفعول به مع وجوده ، وبقولهم أقول : إذ لا مانع من ذلك مع أنه وارد عن العرب).

(٣) الجاثية ٤٥ / ١٤ وتمامها : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ (لِيَجْزِيَ) قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ.)

قراءة العامة ليجزي بالياء على معنى ليجزي الله ، وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر (لنجزي) بالنون على التعظيم. وقرأ أبو جعفر والأعرج وشيبة ليجزى بياء مضمومة وفتح الزاي على الفعل المجهول وقوما بالنصب ، قال الكسائي : معناه ليجزى الجزاء قوما (ينظر تفسير القرطبي سورة الجاثية ٧ / ٥٩٨٢ ، والسبعة في القراءات ٥٩٤ ـ ٥٩٥ ، والحجة في القراءات لابن زنجلة ٦٦٠ ، والنشر ٢ / ٣٧٢ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٥.

٢٢٣

الْقِيامَةِ كِتاباً)(١). وبقوله :

[٩٥] ولو ولدت قفيرة جرو كلب

لسبّ بذلك الجرو الكلابا (٢)

فإنه أقام المفعول بحرف مع وجود الصريح ، وتأوله البصريون (٣) ، أما الآيتان ، فقيل المقام المصدر والمفعول منصوبا بفعل مقدر ، وقبل المقام مفعول صريح حذف [و ٢٧] لدلاله الكلام عليه ، وتقديره (ليجزى العذاب قوما) ويخرج الطائر في حال كونه مكتوبا وأما البيت فقيل شاذ ، وقيل انتصاب الكلاب بـ (ولدت) و (جرو كلب) منادى (٤) ، والمقام إما بذلك أو مصدر تقديره (ولو ولدت الكلابا يا جرو كلب لست بذلك الجرو ، أو لست السبب بذلك).

قوله : (فإن لم يكن فالجميع سواء) يعني إن لم يكن ثمّ مفعولا به صريح ، فالمجرور والمصدر ، والظرفان المخصصان سواء في إقامة أيهما

__________________

(١) الإسراء ١٧ / ١٣ وتمامها : (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا).

وقرأ شيبة ومحمد بن السميقع وروى أيضا عن أبي جعفر (ويخرج) بضم الياء وفتح الراء على الفعل المجهول. والباقون (ونخرج) بنون مضمومة وكسر الراء أي ونحن نخرج.

ينظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٥ / ٣٨٤٥ ، والبحر المحيط ٦ / ١٤.

(٢) البيت من البحر الوافر وهو لجرير في الخزانة ١ / ٣٣٧. وهو بلا نسبة في الخصائص ١ / ٣٩٧ ، وشرح المفصل ٧ / ٧٥ ، لابن يعيش ، وشرح التسهيل لابن مالك السفر الأول ٢ / ٧١٦ ، وشرح الرضي ١ / ٨٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ٢٦٦.

الشاهد فيه قوله : لسب بذلك الجرو الكلابا حيث ناب الجار المجرور عن فاعل سبّ مع وجود المفعول به وهو كلابا وقد وردت شواهد من آيات وأبيات أخرى أثبتها الكوفيون والأخفش وتأولها البصريون وحملوها على الضرورة أو الشذوذ وفي ذلك مقال.

(٣) ينظر الهمع ٢ / ٢٦٥.

(٤) أسند ابن مالك في شرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٧١٧ هذا الرأي لابن با بشاذ.

٢٢٤

شئت مقام الفاعل (١) نحو (سير بزيد يوم الجمعة أمام الأمير سيرا شديدا) فأيّ واحد أقمته مقام الفاعل رفعته ونصبت ما سواه من غير ترتيب ، إلا أن يقدم ما أقمته إلى جانب الفعل ، وقبل الأولى الترتيب على ما رتب في التمثيل ، وقدم ابن عصفور (٢) المصدر لقوة دلالته على الفعل ، وبعضهم المجرور (٣) ، لأنه مفعول به ، لكن بواسطة ، وبعضهم الظروف لملازمة الفعل لها ، وقيل ما اهتم المتكلم (٤) بشأنه فالأولى تقديمه.

قوله : (والأول من باب أعطيت أولى من الثاني) يعني من ما ليس من أفعال المبتدأ والخبر ، وإنما كان الأول أولى ، لأنه فاعل في المعنى من حيث إنه آخذ ، والثاني مفعول من حيث أنه مأخوذ (٥) ، واشترط بعضهم أنه إذا التبس بغير الأول نحو (أعطيت الجارية العبد) ، (وموسى عيسى) (وزيدا عمرا) وما شاكل ذلك وأما على مذهب الفراء وابن كيسان (٦) ، فلا يصح إقامة الثاني ، لأنه عندهما منتصب بفعل مقدر ، أي وقيل : درهما.

مسألة : مركبة من الفعل المبني للمفعول ، ومن اسم المفعول الجاري عليه أربعه أوجه : الأول (أعطي المعطي ألفا مئة) بنصب ألفا ومئة ، فالمعطي فاعل لأعطى ، ومئة مفعوله الثاني ، وفاعل المعطي مضمر فيه ،

__________________

(١) قال الرضي ١ / ٨٥ (والأكثرون على أنه إذا فقد المفعول به تساوت البواقي في النيابة ، ولم يفضل بعضها بعضا).

(٢) ينظر رأي ابن عصفور في الهمع ٢ / ٢٦٩.

(٣) ينظر الهمع ٢ / ٢٦٩ ، قال وعليه ابن معط.

(٤) ينظر شرح الرضي ١ / ٨٥ والعبارة منقولة عن الرضي بتصرف.

(٥) ينظر شرح الرضي ١ / ٨٥.

(٦) ينظر الهمع ٢ / ٢٧٠.

٢٢٥

وألفا مفعوله الثاني ، الثاني (أعطي بالمعطي ألف مئة) برفعها ، فألف فاعل المعطي ومئة فاعل أعطى ، وبالمعطى مفعول أعطى ، وبه مفعول المعطى.

الثالث : (أعطي بالمعطي ألف مئة) بنصب ألف ورفع مئة فمئة فاعل أعطى ، وبالمعطي مفعوله الثاني ، وفاعل المعطى مضمر فيه ، ومفعوله ألف.

الرابع : (أعطى المعطى به ألف مئة) برفع ألف ، ونصب مئة ، فالمعطى فاعل أعطى ، ومفعوله الثاني مئة ، وألف فاعل المعطي وبه مفعوله الثاني ، وهكذا في المتعدي إلى ثلاثة نحو : أعلم فالمعلم به (زيد أخاه عبد الله غلامه) وضابطه ، أن مفاعيل المعلم تكون بعده حتى تسبق منها ، لأن الألف واللام للصلة واسم المفعول ومعمولاته صلة (أل) وهي برمتها مفعول واحد لـ (أعلم) وباقي مفاعيله بعدها.

٢٢٦

المبتدأ والخبر

قوله : (ومنها) يعني المرفوعات. قوله : (المبتدأ والخبر) اختلف في عاملهما ، فمذهب الجمهور ، أنه أمر معنوي ، وهو الابتداء (١) ، وحقيقته اهتمامك بالشيء قبل ذكره ، وجعلك له أولا لثان ، ذلك الثاني حديث عنه ، واختار المبرد (٢) والزمخشري (٣) أنه تجردهما عن العوامل اللفظية ، وقيل : لفظي ، فقال بعض الكوفيين (٤) : المبتدأ رفع الخبر ، والعائد رفع المبتدأ ، وقال الكسائي والفراء : (٥) رفع كل واحد منهما صاحبه نحو قوله تعالى : (أَيًّا ما تَدْعُوا)(٦) فإن تدعوا نصب (أيّاما) وأياما جزم تدعوا ، وقيل لفظي ومعنوي ، وهو أن الابتداء رفع الابتداء للمبتدأ والمبتدأ جميعا رفعا الخبر ، وقيل الابتداء رفع المبتدأ ، والمبتدأ رفع الخبر (٧) [ظ ٢٧]

قوله : (المبتدأ هو الاسم المجرد) أعلم أن المبتدأ مشترك بين ماهيتين

__________________

(١) ينظر الإنصاف ١ / ٤٤ وما بعدها ، وشرح ابن عقيل ١ / ٢٠٠ ـ ٢٠١. والهمع ٢ / ٣ ـ ٧.

(٢) ينظر المقتضب ٤ / ١٢٦ ، وشرح التسهيل السفر الأول.

(٣) ينظر المفصل ٢٣.

(٤) ينظر شرح التسهيل السفر الأول ١ / ٣٧٠.

(٥) ينظر الإنصاف ١ / ٤٥ ، وشرح المفصل ١ / ٨٣

(٦) الإسراء ١٧ / ١١٠ ، وتمامها : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى ...).

(٧) ينظر الإنصاف ١ / ٤٦ ـ ٤٧.

٢٢٧

مختلفتين ، وهما المسند والمسند إليه والصفة ، فلا يمكن حدهما جميعا ، إلا بذكر لفظ أحدهما في الماهية كما فعل الشيخ وقدم منهما ما هو الأكثر في كلامهم.

قوله : (الاسم) : جنس للحد ، قوله : (المجرد عن العوامل اللفظية) خرج اسم (إنّ) و (كان) والأول من باب (علمت) وقيده باللفظية ، احترازا عن المعنوية ، فإنه لا يتجرد عنها ، وفي هذا إشارة إلى أن العامل عنده معنوي (١).

قوله : (مسندا إليه) خرج ما لا إسناد فيه ، كالأعداد والتعداد ، والتهجي ، والخبر لأنه مسند.

قوله : (والصفة) يعني المشتقة ، وهي اسم الفاعل والمفعول ، والصفة المشبهة (٢) ، نحو (أقائم الزيدان) و (أمضروب الزيدان) و (أحسن الزيدان).

قوله : (الواقعة بعد حرف النفي) استدركها بلفظها ، لأنها قد خرجت بقوله : (مسندا إليه) وقيدها بحرف النفي وألف الاستفهام ، لأنها لا تكون مبتدأه إلا معها ، خلافا للكوفيين والأخفش (٣) ، وإنما قال : (حرف النفي) ليعم حروفه كلها ، وقيل يسمع منها إلا (ما) وزاد بعضهم (غير) نحو :

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ٢٣ ، وشرح الرضي ١ / ٨٦ ، ٨٧.

(٢) ينظر شرح الرضي ١ / ٨٦.

(٣) قال الرضي في ١ / ٨٧ : والأخفش والكوفيون جوزوا رفع الصفة للظاهر على أنه فاعل لها من غير اعتماد على الاستفهام أو النفي ، وينظر شرح ابن عقيل ١ / ١٩٢ وما بعدها.

٢٢٨

[٩٦] غير مأسوف على زمن

ينقضى بالهم والحزن (١)

وقال : (ألف استفهام) ولم يقل (حرف الاستفهام) لأنه لم يسمع إلا في الهمزة وبعضهم قاس عليها (هل).

قوله : (رافعة لظاهره) ، يحترز من أن ترفع ضميرا مستترا نحو (أقائمان) الزيدان) و (أقائمون الزيدون) ، و (أقائمان هما) و (أقائمون هم) فإنها خبر وما بعدها المبتدأ (٢) وفاعلها مستتر فيها ، ومراده بالظاهر ، ما كان غير مضمر مستتر ، سواء كان ظاهرا أو مضرا نحو (أقائم الزيدان) و (أقائم أنتم) لأن مراده الظاهر اللغوي لا الاصطلاحي ، وإلا ورد عليه ، نحو (أقائم أنتم) ، وقد اعترض حده بأن قيل : كان الأولى أن يقول : الاسم وما في تأويله ، ليدخل (تسمع بالمعيدي خير من أن تراه) (٣) و (وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ)(٤) وتقول المجرد ، أو ما في حكمه ليدخل (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ)(٥) و (بحسبك زيد) وتقول : رافعة لغير ضمير مستتر ليدخل (أقائم أنتم) لأنه مثل

__________________

(١) البيت من البحر المديد وهو لأبي نواس كما نسبه ابن هشام في المغني ٢١١ ، وينظر أمالي ابن الحاجب ٢ / ٦٣٧ ، وشرح الرضي ١ / ٨٧ ، وتذكرة النحاة ١٧١ ـ ٣٦٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ٦ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٤٥.

والتمثيل فيه هو قوله : (غير مأسوف على زمن) حيث استغنى بنائب الفاعل وهو الجار والمجرور عن الخبر وكأنه قال : ما مأسوف على زمن حيث أجرى (غير) مجري حرف النفي.

والبيت جيء به للتمثيل لا للاستشهاد ، لأن قائله لا يستشهد به.

(٢) ينظر شرح المصنف ٢٣ ، وشر الرضي ١ / ٨٦ ـ ٨٧ ، وشرح شذور الذهب ٢٠٩.

(٣) ينظر الكتاب ٤ / ٤٤ وهو مروي عنده (لا أن تراه) بدل خير من أن تراه ١٠٢. وشرح الرضي ١ / ٨٦ ، وشرح شذور الذهب ٤٢ ـ ٤٣ ـ ٢٠٧ ، ومغني اللبيب ٥٥٩ ـ ٧٧٢ ـ ٨٣٩.

(٤) البقرة ٢ / ٦. وتمامها : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ.)

(٥) آل عمران ٣ / ٦٢ وتمامها : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.)

٢٢٩

(أقائم الزيدان).

قوله : (مثل : زيد قائم) مثال المبتدأ الذي هو اسم مجرد عن العوامل اللفظية مسندا إليه و (ما قائم الزيدان) للمبتدأ الذي هو صفة رافعة لظاهر واقع بعد حرف النفي ، و (أقائم الزيدان) للذي هو صفة واقعة بعد ألف الاستفهام.

قوله : (فإن طابقت مفردا ، جاز الأمران) يعني أنها إذا طابقت مفردا مثل (أقائم زيد) جاز أن يكون مبتدأ ، وما بعدها فاعلها ساد مسد الخبر ، وأن يكون خبرا وما بعدها المبتدأ ، وفاعلها ضمير مستتر فيها ، واحترز بمفرد من أن يطابق مثنى ، ومجموعا فإنها لا تكون إلا خبرا ، لأنها إذا ثنيت وجمعت ، ضعف شبهها بالفعل فيضعف رفعها للفاعل المنفصل ، ويكون مبتدأ وهي خبر ، وفاعلها مستتر لا يبرز إلا إذا أخر على غير من هوله ، نحو (غلام هند قائم هي) وبعضهم أجاز أن تكون مبتدأة ، على لغة (أكلوني البراغيث) قال السيد شرف الدين : قيل للمصنف كيف تجوز لها الوجهين إذا طابقت مفردا [و ٢٨] وأنتم لم تحكموا لها بالابتداء ، حيث لا تطابق إلا لضرورة ، وقد زالت هنا ، فرجع عن ذلك ، وقال في الأمالي : (١) هي خبر لا غير ، وإن لم تطابق فهي المذكورة في الحد ، نحو (أقائم الزيدان) و (أقائم أنتما) و (أقائم الزيدون) و (أقائم أنتم) فذهب الجمهور (٢) إلى أنها مبتدأه ، وفاعلها سد مسد الخبر لا خبر لها ، لأنا لو جعلناها خبرا وما بعدها المبتدأ لم يصح لعدم المطابقة ، رفعت ظاهرا

__________________

(١) ينظر الأمالي النحوية لابن الحاجب ٢ / ٤٥٩.

(٢) ينظر شرح ابن عقيل ١ / ١٨٩ وما بعدها.

٢٣٠

أو مضمرا منفصلا ، ومنع الكوفيون رفعها المنفصل ، لوجوب استتاره كما في الفعل (١) وضعف قولهم إذا أخرت الصفة على غير من هي له نحو :

[٩٧] خليلّى ما واف بعهدي أنتما

إذا لم تكونا لي على من أقاطع (٢)

وذهب الرازي (٣) ، والإمام يحيى بن حمزة (٤) إلى أنها الخبر ، وما بعدها المبتدأ مطلقا سواء طابقت أم لم تطابق ، لأنها مسندة في المعنى فلو ابتدئ بها كانت مسندا إليها وهو لا يصح ، وإنما أفردت لأنها وقعت موقعا هو بالفعل أخص ، لأن أصل النفي والاستفهام للفعل ، فلما دخلا في الصفة أفردت لمشابهة الفعل.

قوله : (والخبر هو المجرد المسند) وإنما قال المسند ، ولم يقل الاسم ، لأنه يكون اسما وغيره. خرجت العوامل اللفظية و (المسند) خرج ما لا إسناد فيه ، كالأعداد ، والتعداد ، وما كان مسندا إليه ، كالمبتدأ والفاعل المغاير

__________________

(١) ينظر شرح ابن عقيل ١ / ١٩٤ وما بعدها ، ومغني اللبيب ٧٢٣ ، والهمع ٢ / ٦.

(٢) البيت من البحر الطويل ، وهو بلا نسبه في المغني ٧٢٣ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٩٨ ، وينظر شرح التسهيل السفر الأول ١ / ٣٦٦ ، وشرح شذور الذهب ٢٠٧ ، وشرح قطر الندى ١٢١ ، وهمع الهوامع ٢ / ٦.

والشاهد فيه قوله : (ما واف أنتما) حيث رفع الوصف واف ضميرا منفصلا على أنه فاعل أغنى عن الخبر لكونه معتمدا على حرف النفي (ما) ، ولا يجوز جعل هذا الضمير مبتدأ والوصف خبرا عنه لئلا يلزم الإخبار بالمفرد وهو واف عن المثنى وهو أنتما ، وذلك لا يجيزه أحد من العلماء.

(٣) الرازي الإمام فخر الدين محمود بن عمر الرازي ولد سنة ٥٥٤ ه‍ وتوفي ٦٠٦ ه‍ من أشهر تصانيفه التفسير الكبير المشهور وغيره في مختلف أقسام الشريعة ، وصنف في النحو : شرح المفصل ينظر ترجمته في الأعلام ٦ / ٣١٣.

(٤) ينظر رأي الأمام يحيى بن حمزة في الأزهار الصافية شرح المقدمة الكافية ٢٠٦.

٢٣١

للصفة المذكورة ، يعني التي أدخلت في المبتدأ ، لأنها تجرده مسندة ، وكان الأولى أن يقول المسند إلى المبتدأ ليسلم من الاستثناء ، ولئلا يرد عليه ما أسند إلى الفاعل نحو (قام ويقوم زيد).

قوله : (وأصل المبتدأ التقديم) وذلك لأنه محكوم عليه ، والخبر محكوم به ، ومعرفة المحكوم عليه يجب تقديمها لتحكم بها على متحقق فإن قيل : فيلزم على هذا تقدم الفاعل على فعله ، وجوابه أنه عامل فيه ، والعامل يتقدم على المعمول ، وإنما اعتبر تقديم الأمر اللفظي وهو العامل على الأمر المعنوي ، وهو المحكوم عليه لأنه طارئ عليه ، وللطارئ حظ الطروء ، لأنه لوأخر التبس بالمبتدأ والخبر.

قوله : (ومن ثمّ جاز «في داره زيد» يعني لما كان أصل المبتدأ التقديم جازت هذه المسألة ، لأنه وإن عاد فيه الضمير إلى غير مذكور لفظا فرتبته التقديم (١).

قول : (وامتنع «صاحبها في الدار» وذلك لأن الضمير الذي في المبتدأ ، وهو صاحبها ، عاد إلى غير متقدم ، لفظا ورتبة ، فلو قلت (في الدار صاحبها) صحت.

مسوغات الابتداء بالنكرة

قوله : (وقد يكون المبتدأ نكرة) قد للتقليل ، لأن أصله أن يكون معرفة ، لأنه طريق إلى معرفة الفائدة ، وإذا لم يعرف في نفسه ، فأحرى أن لا

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ٢٣ ، وشرح الرضي ١ / ٨٨ ، وشرح ابن عقيل ١ / ٢٨٨ وما بعدها.

٢٣٢

يعرف خبره ، قال الصنف : (١) وإنما جاز في الفاعل أن يكون نكرة مع أنه محكوم عليه لأنه لوجوب تقدم فعله صار كالمتخصص ، قال نجم الدين : (٢) ذلك وهم لأنه إذا لم يتخصص إلا بالحكم ، كان بغير الحكم غير متخصص ، فتكون قد حكمت على الشيء قبل معرفته ، وقد قال : إن الحكم على الشيء لا يكون إلا بعد معرفته ، وما أحسن قول ابن الدهان : (٣) إذا حصلت الفائدة فأخبر عن أي نكرة شئت وأما الخبر فمن شرطه أن يكون مجهولا ، لأنه محطّ الفائدة ، فلا يقال (السماء فوقنا ، والأرض تحتنا) ، إلا إذا قدر شخص لا يعلم ذلك وأما نحو : (الله ربنا ، ومحمد [٢٨] نبينا) فالمراد إما التعظيم والإقرار لا الإخبار ، وإن كانت صورته صورة الإخبار ، وإما الرد على منكري الوحدانية والنبوة ، وإخبار أن المتكلم ليس مثلهم.

قوله : (إذا تخصصت بوجه ما) وذلك لأن التخصص قريب من التعريف ، قوله : (بوجه ما) إشارة إلى أنما ذكره من الوجوه ليس بحاصر ، لأنه لم يذكر إلا ستة (٤) وبعضهم بلغها نيفا وثلاثين ، ثم قال ولم أحصر ،

__________________

(١) ينظر أمالي ابن الحاجب ٢ / ٥٧٥ ـ ٥٧٦.

(٢) ينظر شرح الرضي ١ / ٨٨.

(٣) ينظر رأي ابن الدهان في الرضي ١ / ٨٨.

وهو المبارك بن المبارك بن سعيد بن أبي السعادات أبو بكر بن الدهان النحوي ، ولد سنة ٥٠٢ ه‍ وقيل ٥٠٤ ه‍ ، ومات سنة ٦١٢ ه‍.

كان إماما في النحو واللغة والتصريف والعروض والمعاني والأشعار والتفسير والإعراب وتعليم القراءات عارفا بالفقه والطب والنجوم ، ينظر البغية ٢ / ٢٧٣.

(٤) عد منها ابن عقيل أربعا وعشرين وجها ، وأوصلها بعض المتأخرين إلى نيف وثلاثين موضعا ، ينظر شرح ابن عقيل ١ / ٢١٦ ـ ٢٢٧ وشرح الرضي ١ / ٨٩.

٢٣٣

وسيبويه (١) ذكر أن المبتدأ يكون نكرة متى أفادت فمتى حصلت الفائدة فأخبر عن أي نكرة شئت ، قال الوالد : وأنا أذكر هذه الستة التي ذكر ، وأدخل فيها ما أمكن دخوله مما ذكر غيره ، وما بقي فحصر سيبويه قد أغنى.

الأول قوله : (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ)(٢) ومراده به الوصف ، ويدخل في هذا الوجه خمسة أوجه ذكر الصفة ، والموصوف معا نحو : (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ) وحذف الصفة دون الموصوف نحو (السمن منوان بدرهم) (٣) أي منه قال :

[٩٨] وما برح الواشون حتى ارتموا بنا

وحتى قلوب عن قلوب صوارف (٤)

__________________

(١) وحصر سيبويه الابتداء بالنكرة متى أفادت دون أن يحصر المواضع لذلك ، ينظر الكتاب ١ / ٣٣٠ وما بعدها.

(٢) الآية ٢ / ٢٢١ من سورة البقرة وتمامها : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ...).

(٣) ينظر هذا القول في شرح المفصل ١ / ٩١ ، وأصول ابن السراج ٢ / ٣٠٢ ، وشرح المصنف ٢٤ ، وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ٣٩٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٥ ـ ٢٩ والتقدير : (السمن منوان كائن منه بدرهم) والقول شاهد على الابتداء بنكرة موصوفة بمقدر ، فمنوان نكرة ابتدئ بها لأنه موصوفة بوصف مقدر.

(٤) البيت من الطويل ، وهو لمزاحم العقيلي كما في المقاصد النحوية ٢ / ٩٩ ، وينظر شرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٣٩٧.

ويروي صوارف بدل صوادف.

والشاهد فيه قوله : (وحتى قلوب عن قلوب صوارف) أي قلوب منا عن قلوب منهم حيث حذف الصفة أو متعلق الجار والمجرور حيث قدره ابن مالك في شرح التسهيل ٢ / ٣٩٧. بـ (منهم) وكما قدره الشارح.

٢٣٤

أي منا ومنهم ، وحذف الموصوف دون الصفة نحو : (ضعيف [عاذ](١) بقرملة) أي رجل ضعيف ، وشبه الوصف ، نحو (أمر بمعروف صدقة) (٢) والوصف المعنوي ، وهو التصغير نحو (رجيل قائم) كأنك قلت (رجل حقير).

الثاني قوله : (أرجل في الدار أم امرأة) ومراده الاستفهام عن التعيين ، لأنه لا يسأل حتى يكون قد علم أحدهما ، ويدخل فيه أربعة : الاستفهام المطلق ، نحو (أرجل في الدار)؟ وجواب الاستفهام نحو (رجل) في جواب (من عندك) والتفصيل مع (أما) ومع غيرها نحو (أما رجل فقائم) و (أما رجل فقاعد) ونحو :

[٩٩] فيوم علينا ويوم لنا

ويوم نساء ويوم نسرّ (٣)

الثالث قوله : (ما أحد خير منك) ، ومراده العموم ، لأن الشيء إذا عمّ اشتهر وعرف ، أو قلت نظائره ، واتحد فأشبه المعرفة ، ويدخل فيه النكرة

__________________

(١) ما بين حاصرتين زيادة يقتضيها السياق وهي ثابتة عند جميع من روى هذا المثل ، القرمل نبات وقيل شجر صغار ضعاف لا شوك له ، واحدته قرملة ويضرب هذا المثل لمن يستعين بمن لا دفع له وبأذلّ منه ينظر جمهرة الأمثال ١ / ٤٦٦ ، ومجمع الأمثال ١ / ٣٨٨ ، واللسان مادة (قرمل) ٥ / ٣٦٠٧ ، والهمع ٢ / ٢٩.

(٢) أخرجه أحمد في مسنده ٥ / ١٦٧.

(٣) البيت من البحر المتقارب ، وهو للنمر بن تولب في ديوانه ٣٤٧ ، وينظر الكتاب ١ / ٨٦ ، وحماسة البحتري ١٢٣ ، وأمالي ابن الحاجب ٢ / ٧٤٩ ، وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ٣٩٨ ، وهمع الهوامع ٢ / ٣٠.

والشاهد فيه قوله : (فيوم علينا ويوم لنا) حيث ابتدأ بالنكرة المحضة في مقام التنويع حيث عطف يوم الثاني على يوم الأول ، قال سيبويه : سمعناه من العرب ينشدونه يريدون : نساء فيه ونسر فيه على حذف.

٢٣٥

التي يراد بها العموم ، ولا نفي نحو (تمرة خير من جرادة) (١) والإبهام نحو :(ما أحسن زيدا) في قوله سيبويه (٢) ، والتعجب عند رؤية شجرة (شجرة سجدت) ، وكذلك (حصاة سجت) (٣) وأسماء الاستفهام ، وأسماء الشرط ، أما أسماء الاستفهام ، ففيها خلاف ، الجمهور على أنها مبتدأ ما بعدها الخبر ، ومنهم من قال : ما بعدها ساد مسد الخبر ، وأما أسماء الشرط فقيل : إنها مبتدأة ، وشرطها وجزاؤها خبر واحد (٤) وقيل مع شرطها مبتدأ ، والجزاء خبر وحده ، وقيل إنها وشرطها وجزاؤها مبتدأ ولا خبر ، بل الشرط والجزاء سدا مسده.

الرابع قوله : (شرّ أهرّ ذا ناب) (٥) ومثله :

[١٠٠] قدر أحلك ذا المجاز وقد ـ (٦)

__________________

(١) ذكر ابن مالك في شرح التسهيل أن هذا القول لابن عباس رضي الله عنه ، والأصح أنه لعمر بن الخطاب رضي الله عنه. أخرجه الإمام مالك في الموطأ في باب : فدية من أصاب شيئا من الجراد وهو محرم من كتاب الحج ١ / ٤١٦ والرواية عنده : لتمرة.

(٢) ينظر الكتاب ١ / ٨٧ ، وشرح المصنف ٢٤ ، وشرح الرضي ١ / ٨٩ ، ومغني اللبيب ٦٠٩ ـ ٦١٣.

(٣) ينظر هذه الأمثلة في شرح التسهيل السفر الأول ١ / ٣٩٦ ، والهمع ٢ / ٣٠.

(٤) ينظر شرح الرضي ١ / ٩٠.

(٥) ينظر لهذا المثل والكتاب ١ / ٣٢٩ ، ومجمع الأمثال ١ / ٥١٧ ، وشرح ابن عقيل ١ / ٢٢١ ، والهمع ٢ / ٢٩ ، واللسان مادة (هر) ٦ / ٤٦٥٠ ، وهو يضرب في ظهور أمارات الشر ومخايله.

(٦) هذا البيت من البحر الكامل ، وهو لمورج السلمي. وعجزه :

وأبيّ مالك ذو المجاز بدار

ينظر أمالي ابن الشجري ٢ / ٣٧ ، وشرح المفصل ٣ / ٣٦ ، وأمالي ابن الحاجب ٢ / ٦٠٢ ، وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ٤٠٠ ، ومغني اللبيب ٦٠٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٦ ، وخزانة الأدب ٤ / ٤٦٧ ـ ٤٦٨.

والشاهد فيه قوله : (قدر أحلك ذا المجاز) أي ما أحلك ذا المجاز إلا قدر ، وهو إنما تخصص لأنه بمعنى الفاعل والفاعل يجوز أن يكون نكرة.

٢٣٦

وقولهم : (مآرب لا حفاوة أقدمه) (١) و (مهم أقعده) (٢) وإنما تخصص لأنه في معنى الفاعل ، والفاعل يجوز أن يكون نكرة ، لأن تقديره : (ما أهر ذا ناب إلا شر) و (ما أحلك ذا المجاز إلا قدر) و (ما جاء بك إلا مأرب) و (ما أقعده إلا مهمّ) واعترضه السكاكي (٣) بأنه إذا كان في معنى الفاعل أفاد الحصر ، وذلك غير صحيح ، فإنه قد يهر من الخير كما يهر من الشر ، وجعله من الوصف المقدر ، كأنه في معنى شر عظيم. [و ٢٩]

الخامس قوله : (في الدار رجل) ومثله ، (تحت رأسي سرج) و (على ابنه درع) والمراد به كل ظرف كان خبرا لنكرة ، فإنه يجب تقديم الظرف ، ويجوز الابتداء بنكرة ، لأنه لا يجوز عمل الجار والمجرور بغير اعتماد وذهب الكوفيون (٤) إلى أن الظرف ونحوه عاملان في المرفوع ، وارتفاعه على الفاعلية ، وأجاز الأخفش (٥) أن يكون مبتدأ كمذهب سيبويه (٦) وفاعلا كمذهب الكوفيين ...

السادس قوله : (سلام عليكم) (٧) وهو كل ما كان دعاء له ، أو عليه

__________________

(١) يروى هذا المثل كما في لسان العرب مادو (أرب) (مأربة لا حفاوة). ومعناه : أي إنما بك حاجة لا تحفيا بي. ينظر مجمع الأمثال ٢٠ / ٣١٣ ـ ٣١٤.

(٢) ويروى (امرأ قعد عن الحرب) ينظر شرح الرضي ١ / ٩١.

(٣) السكاكي : وهو سكنان بن مروان بن خبيب بن يعيش المصمودي. ينظر تاريخ علماء الأندلس ١ / ٢٣٠ ، وبغية الوعاة ١ / ٥٩٢.

(٤) للتفصيل : ينظر الإنصاف ١ / ٥١ وما بعدها مسألة ٦ ـ [في رافع الاسم الواقع بعد الظرف والجار والمجرور] ، ومغني اللبيب ٦٠٩ وما بعدها ، وشرح الرضي ١ / ٩٠ ، وشرح المفصل ١ / ٨٦ و ٨٧ ، وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ٣٩٦ وما بعدها.

(٥) ينظر الإنصاف ١ / ٥١.

(٦) ينظر الكتاب ١ / ٥٦.

(٧) في الكافية المحققة (عليك).

٢٣٧

ك (سلام عليه) و (ويل له).

[١٠١] ...

فترب لأفواه الوشاة وجندل (١)

تخصص لنسبته ، إلى الفاعل ، فهو في معنى المضاف ، لأن الأصل سلمت سلامي ثم سلمت سلاما ثم سلام) ، حذفت الإضافة للاختصار ، فانتصب ثم حذف الفعل أيضا للاختصار ، ثم عدل إلى الرفع ليفيد الاستمرار في كل وقت ، لأنه إذا كان منصوبا كان في معنى الفعل (٢) ، ولهذا قيل : إن سلام إبراهيم عليهم أيلغ من سلام الملائكة ، حيث قالوا (سلاما) بالنصب ، فقال (سلام) بالرفع ، وكذلك (ويل له) لأن أصله (هلك ويلا) أي هلاكا فرفع بعد حذف الفعل لإزالة الحدوث (٣) ، وإفادة الاستمرار. قال الوليد : (٤) ويلزم على هذا التعليل جواز الابتداء بكل مصدر ، وإن لم يكن دعاء له ولا عليه ، نحو (ضرب لزيد ، وعجب لك) ومفهوم كلام النحاة قصر ذلك على الدعاء ، وجوابه بأنه كثير في الدعاء فقصر عليه ، والله أعلم. وقد عدوا من وجوه التخصيص النكرة المعطوفة

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الكتاب ١ / ٣١٥ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٣٨٣ ، والمتقتضب ٣ / ٢٢٢ ، وشرح المفصل ١ / ١٢٢ ، وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ٣٩٩ ، وهمع الهوامع ٣ / ١٣٠.

وصدره :

لقد ألب الواشون ألبا لبينهم

والشاهد فيه قوله : (فترب) حيث رفع الابتداء ، وهو نكرة لما فيه من معنى المنصوب و (لأفواه) هو خبر المبتدأ النكرة (ترب).

(٢) ينظر شرح المصنف ٢٤ ، وشرح الرضي ١ / ٩١.

(٣) ينظر شرح الرضي ١ / ٩١ والعبارة منقولة بتصرف.

(٤) الوليد محمد التميمي النحوي المصادري المشهور بولاد مات سنة ٢٦٣ ه‍ لازم تلميذ الخليل المهلبي ثم الخليل نفسه ، ينظر بغية الوعاة ٢ / ٣١٨.

٢٣٨

على متخصص نحو : (زيد ورجل قائمان) و (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ)(١) والنكرة المعطوف عليها متخصص ، نحو (رجل وزيد قائمان) والنكرة التي بعد واو الحال ، نحو : (وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ)(٢) والتي بعد فاء الجزاء نحو (إن ذهب عير فعير في الرباط) (٣) والتي بعد (لولا) نحو :

[١٠٢] لو لا اصطبار لأودى كل ذي مقة

حين استقلت مطاياهن للظعن (٤)

والتي بعد لام الابتداء نحو (لرجل قائم) والتي خبرها جملة متقدمة نحو :

(قام أبو رجل).

الخبر يكون جملة

قوله : (والخبر قد يكون جملة) (قد) للتقليل ، لأن أصل الخبر الإفراد ،

__________________

(١) البقرة ٢ / ٢٦٣ من سورة البقرة وتمامها : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ.)

(٢) آل عمران ٣ / ١٥٤.

(٣) ينظر هذا المثل في اللسان مادة عير ٤ / ٣١٨٥ ، وشرح ابن عقيل ١ / ٢٢٥ ، ومجمع الأمثال للميداني ١ / ٢٥ ، وجمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري ١ / ٨١ ، ويروى : إن ذهب العير فعير في الرباط ويروى : إن هلك عير فعيري الرباط ويضرب في الرضا بالحاضر ونسيان الغائب ، وينظر الهمع ٢ / ٣١.

(٤) البيت من البحر البسيط وهو بلا نسبة في شرح ابن عقيل ١ / ٢٢٤ ، وينظر شرح التسهيل السفر الأول ١ / ٣٩٩ ، وأوضح المسالك ١ / ٢٠٤ ، والمقاصد النحوية ١ / ٥٣٢ ، وهمع الهوامع ٢ / ٣٠.

والشاهد فيه قوله : (اصطبار) فإنه مبتدأ مع كونه نكرة والمسوغ لوقوعه مبتدأ وقوعه بعد لولا وخبره محذوف وجوبا تقديره : موجود.

مغنى مقة حبّ على وزن فعلة كعدة والتاء فيهما عوض عن فاء الكلمة وهي الواو وعد عدة ، وومق مقة والمقة المحبة وفي اللسان ومق يمق. مثل وثق يثق ٦ / ٤٩٢٧.

٢٣٩

لأن المفرد قبل المركب ، وجاز وضع الجملة خبرا لأنها تفيد مثل ما يفيده المفرد (١).

قوله : (مثل : زيد أبوه قائم وزيد قائم أبوه) مثّل مثالا في الجملة الاسمية ، ومثلا في الجملة الفعلية ، وفيه تقسيم وهو أن الخبر يكون مفردا جامدا ، نحو (زيد أخوك) ومشتقا كاسم الفاعل والمفعول ، والصفة المشبهة ، نحو (زيد ضارب) و (عمرو مضروب) و (بكر حسن) وجملة اسمية ، نحو (زيد أبوه قائم) وفعلية نحو (زيد قائم أبوه) وحرفية نحو (زيد في الدار) وظرفية نحو (زيد عندك) وجملة إنشائية نحو (زيدا ضربه) و (زيد إن تعطه يشكرك) فمنع بعضهم أن تكون خبرا (٢) وأجازها الأكثر بتقدير القول ، ومنهم من قال : لا حاجة إليه لكثرته في القرآن ، نحو : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا)(٣)(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ)(٤)(فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ)(٥) إلى غير ذلك.

قوله : (ولا بد من عائد) يعني في الخبر ، يرجع إلى المبتدأ ، سواء كان ظاهرا ، أو مستترا ، وإنما اشترط الضمير لأن الخبر أجنبي عن المبتدأ ، فأتى بالضمير العائد إلى المبتدأ ليربط بينهما وتحصل الفائدة وإنما قال : ولا بد من عائد ، ولم يقل : ولا بد من ضمير ، لأن العائد أربعة أشياء :

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ٢٤.

(٢) ينظر شرح الرضي ١ / ٩١ وقد نقل الرضي رأي بعض الكوفيين.

(٣) العنكبوت ٢٩ / ٦٩ وتمامها : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ.)

(٤) العنكبوت ٢٩ / ٩ وتمامها : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ.)

(٥) آل عمران ٣ / ١٠٦ وتمامها : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ.)

٢٤٠