النّجم الثاقب - ج ١

صلاح بن علي بن محمّد بن أبي القاسم

النّجم الثاقب - ج ١

المؤلف:

صلاح بن علي بن محمّد بن أبي القاسم


المحقق: الدكتور محمّد جمعة حسن نبعة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٥
الجزء ١ الجزء ٢

السماع فقوله : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها)(١) فلو كان مثنى لقال أتيا ، وقال الشاعر :

[١٥] كلا يومى أمامة يوم صدّ

وإن لم نأتها إلّا لماما (٢)

فلو كان مثنى لقال (يوما) ، لأن المثنى لا يعود له مفرد إلا شاذ نحو :

[١٦] وكأنّ في العينين حبّ قرنفل

أو سنبلا كحلت به فانهلت (٣)

وأما القياس فلأنهما لو كانا مثنيين أدى إلى إضافة الشيء إلى نفسه في قوله : (جاء الزيدان كلاهما والمرأتان كلتاهما) ولأنهما لا يعربان إعراب المثنى إلا بشرط إضافتهما إلى المضمر على الصحيح وهذا ليس بشرط في المثنى ، وذهب الكوفيون إلى أنهما مثنيان (٤) لأنهما يعربان إعراب لمثنى ولأنه قد جاء مفردا (كلتا).

[١٧] في كلت رجليها سلامى واحده

كلتاهما مقرونة بزائدة (٥)

__________________

(١) الكهف ١٨ / ٣٣ وتمامها : (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً.)

(٢) البيت من البحر الوافر وهو لجرير في ديوانه ٧٧٨ ، وينظر الإنصاف ٢ / ٤٤٤ ، وشرح المفصل لابن يعيش ١ / ٥٤ ، واللسان مادة (كلا) ٥ / ٣٩٢٤.

والشاهد فيه قوله (كلا يومي أمامة يوم صد) حيث أخبر بيوم وهو مفرد عن كلا وذلك يدل على أن كلا مفرد في اللفظ وهو مثنى في المعنى.

(٣) البيت من البحر الكامل وهو لسلّمى بن ربيعة في أمالي القالي ١ / ٨١ ، وسمط اللالئ ١ / ١٧٣ ـ ٢٦٧ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوفي ٥٤٧ ، وأمالي ابن الشجري ١ / ١٢١ ، وتذكرة النحاة ٣٥٨ ، واللسان مادة (هلل) ٦ / ٤٦٨٩.

والشاهد فيه قوله : (كجلت). (فانهلت) حيث أعاد الضمير فيهما مفردا وهو يعود إلى مثنى (العينين) والقياس كحلتا فانهلتا.

(٤) ينظر شرح الرضي ١ / ٣٢.

(٥) الرجز بلا نسبة في اللمع ١٧٢ ، والإنصاف ٢ / ٤٣٩ ، وشرح الرضي ١ / ٣٢ ، واللسان مادة (كلا) ـ ٥ / ٣٩٢٤ ، والمقاصد النحوية ١ / ١٥٩ ، وهمع الهوامع ١ / ٤١ ، وخزانة الأدب ١ / ١٢٩ ـ ١٣٣.

الشاهد فيه قوله : (كلت) مما يدل على أن كلا وكلتا مثنى لفظا ومعنى والمسألة فيها خلاف.

انظر الإنصاف ٢ / ٤٣٩ وما بعدها ، وشرح الرضي ١ / ٣٢.

١٠١

والألف في (كلا) عند سيبويه بدل من الواو (١) ، لأن أصله (كلو) تحرك حرف العلة وانفتح ما قبله فقلبت ألفا ، وقال الفارسي (٢) هي بدل من الياء لسماع الإمالة فيه و (كلتا) الألف للتأنيث والياء مبدلة من الواو التي أبدلت ألفا في (كلا) ، كما أبدلت في (بنت) و (أخت) ، والأصل (كلويّ) (٣) على وزن فعليّ وقال الجرمي : (٤) التاء للتأنيث وتقدمت على الواو على غير قياس ووزنها فتعل ، وضعف بأنه عديم النظير.

قوله : (مضافا إلى مضمر واثنان) هذا مذهب البصريين أنه إذا أضيف إلى مضمر كان بالألف في حالة الرفع ، وبالياء في حالة النصب والجر ، لأنه إذا أضيف إلى مضمر تأكدت فيه التثنية لفظا ومعنى ، فاللفظ ظاهر ، والمعنى أنها اكتنفته التثنية أولا وآخرا ، وأما إذا أضيف إلى ظاهر لزم الألف في الأحوال الثلاثة ، وقال الفراء (٥) إنه لازم الألف في الأحوال الثلاثة سواء أضيف إلى ظاهر أو مضمر وعليه قوله :

[١٨] ألا ربّ حى الزائرين كلاهما

وحى دليلا في الفلاة هداهما (٦)

__________________

(١) ينظر الكتاب ٣ / ٣٦٤ ، وشرح المفصل ١ / ٥٥ ، وشرح الرضي ١ / ٣٢.

(٢) ينظر شرح الرضي ١ / ٣٢ ، ومن قال به فيما ذكره الرضي السيرافي في الصفحة نفسها.

(٣) اللسان مادة (كلا) ٥ / ٣٩٢٤.

(٤) ينظر شرح الرضي ١ / ٣٢.

(٥) أي لفظ اثنان ، ينظر معاني القرآن للفراء ٢ / ١٤٢ وما بعدها.

(٦) البيت من الطويل ، وهو لامرئ القيس وليس في ديوانه ، وإنما نسبه العياني في (الموضح في تبيين أسرار معاني الموشح) صفحة (٣٢) وقال في هامشه : وأنشده الفراء في معانيه مع بيتين ـ آخرين ، ولكنني بحثت عنهما في معاني الفراء فلم أجدهما فيه وهي كما ذكرها العياني :

فيا رب حي الزائرين كلاهما

وحيّ دليلا في الفلاة هداهما

وليتهما ضيفاي في كل منزل

مدى محتوما علي قراهما

وليتهما لا يقطعان مفازة

ولا علما إلا وعيني تراهما

١٠٢

وحكى الفراء والكسائي عن كنانه أنه في حال الرفع بالألف ، وفي حال النصب والجر بالياء ، سواء أضيف إلى ظاهر أو مضمر.

قوله : (بالألف والياء) أي بالألف في حالة الرفع ، وبالياء في حالة النصب والجر ، نقول : (جاء الزيدان كلاهما واثنان) ، فـ (رأيت الزيدين كليهما ، واثنين) و (مررت بالزيدين كلاهما واثنين) ، هذه اللغة الفصحى والتي عليها النحويون ، وحكى لغة لبني الحارث بن كعب (١) وبعض العرب إلزام المثنى الألف في الأحوال الثلاثة كالمقصور ، وجعلوا منه قوله تعالى : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ)(٢) وقوله :

[١٩] تزود منا بين أذناه ضربة

 ... (٣)

[ظ ٨] وأما إن سمي بالمثنى فوجهان ، الأجود الحكاية الثاني : إعرابه إعراب ما لا ينصرف ، وإلزامه الألف ليكون له نظير في المفردات ومنه :

__________________

(١) ينظر الإنصاف ١ / ٣٦ ، وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ٦٨.

(٢) طه ٢٠ / ٦٣ وتمامها : (قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى.)

(٣) البيت من البحر الطويل ، وهو لهوبر الحارثي في شرح المفصل ٣ / ١٢٨ وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ٦٩ ، وشرح شذور الذهب ٧٦ ، واللسان مادة (صرع) ٤ / ٢٤٣٣ ، وعجزه :

دعته إلى هابي التراب عقيم

والشاهد فيه : على أن من العرب من لزم المثنى الألف في الأحوال كلها ومحل الاستشهاد (أذناه) وكان من حقه لو جرى على اللغة المشهورة أن يقول بين أذنيه لإضافة الأذنين إلى الظرف ويروى طغمة بدل ضربة.

١٠٣

[٢٠] ألا يا ديار الحى بالسّبعان

ألحّ عليها دائم الهطلان (١)

قوله : (جمع المذكر السالم) إنما قال السالم ليحترز من المكسر فإنه يعرب بالحركات.

قوله : (وأولو ، وعشرون وأخواتها) وهي العقود (ثلاثون أربعون إلى التسعين) إنما لم يستغن عن هذه بذكر الجمع ، لأنها غير جمع على الحقيقة (٢) إذ لا واحد لها على الحقيقة ، أما (أولو) فهي بمعنى أصحاب ، كـ (ذوو) ولا مفرد له بخلاف (ذوو) فله مفرد وهو (ذو) وأصل (ذوو) ، (ذوون) حذفت النون للإضافة (٣) وأما (عشرون) فليس بجمع على الحقيقة لعشرة ، إذ لو كان جمعا لعشرة لأطلق على ثلاثين ، لأن أقل الجمع ثلاثة وثلاث عشرات ثلاثون ، وكان يلزمه فتح العين والشين ولا يفيدهم ثلاثة أربعة ، لأن ثلاثين ليست جمعا لثلاثة ، ولا أربعين لأربعة وإنما جمع ثلاثة تسعة (٤) ، وفيه شذوذ آخر ، وهو أنه جمع ما فيه تاء التأنيث بالواو والنون وهو غير جائز.

قوله : (بالواو والياء) يعني إعرابه في حالة الرفع بالواو وفي حالة

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لابن مقبل في ديوانه ٣٣٥ ، وينظر الكتاب ٤ / ٢٥٩ ، والخصائص ٢ / ٢٠٢ ، وشرح المفصل ٥ / ١٤٤ ، واللسان مادة (حلل) ٦ / ٤٢٧١ ، ومعجم البلدان ٣ / ١٨٥ مادة (السبعان) وأوضح المسالك ٤ / ٣٣٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٤٢

ويروى : عفت حججا بعدي وهن ثماني. ويروى : أمل عليها بالبلى الملوان. والسبعان :

موضع في ديار قيس كما في معجم البلدان.

والشاهد في (السبعان) على أنه وزن فعلان حيث أنه لم يجرّ بالياء وإنما على سبيل الحكاية.

(٢) ينظر شرح المصنف ، ١٠.

(٣) ينظر شرح الرضي ١ / ٣٣.

(٤) ينظر المصدر السابق.

١٠٤

النصب والجر بالياء ، تقول : (جاء الزيدون وأولو مال وعشرون رجلا) و (رأيت الزيدين وأولي مال وعشرين رجلا) و (مررت بالزيدين وأولي مال وعشرين رجلا) وفي هذا خلاف ، ذهب أكثر البصريين إلى [أن](١) إعراب المثنى والمجموع تقديري بالحركات ، قال سيبويه (٢) والخليل : إن الإعراب مقدر على علاماتهما ، فعلى الألف والواو ضمة ، وعلى الياء كسرة أو فتحة ، وهذه العلامات لا تكون إعرابا لأنها كعلامة التأنيث والنسب كما أن تلك لا تكون إعرابا كذلك هذه ، وقال الأخفش (٣) والمازني والمبرد (٤) إن الإعراب مقدر على ما قبل علامة التثنية والجمع ، لأن هذه العلامات زوائد على الكلمة ، دلائل للإعراب (٥) وذهب الكوفيون وقطرب وأكثر المتأخرين والمصنف (٦) أنهما معربان بالحروف ، فالواو في الجمع والألف في المثنى كالضمة ، والياء فيهما كالكسرة والفتحة ، قالوا : وإنما أعربت بالحروف لأنها أكثر من واحد فأعربت بأكثر من إعراب ، وليس أكثر من الحركة إلا الحروف ، وكان القياس أن يرفعا بالواو وينصبا بالألف ويجرا بالياء ، وقد خالفوا القياس في رفع المثنى بالألف ونصبهما بالياء ، أن يرفعا بالواو وينصبا بالألف ، وأما الجر فيهما والرفع في المجموع فباق على القياس ، وإنما خالفوا بينهما في الرفع خوف اللبس ، لأنك لو رفعتهما بالواو ونصبتهما بالألف لوقع اللبس بينهما ، ولم يعرف المثنى من المجموع ، ونون التثنية مكسورة ونون الجمع

__________________

(١) [أن] زيادة يقتضيها السياق ، وينظر الإنصاف ، ١ / ٣٣ وما بعدها.

(٢) ينظر الكتاب ، ١ / ١٨.

(٣) ينظر الإنصاف ١ / ٣٣ وما بعدها.

(٤) ينظر شرح المفصل لابن يعيش ١ / ٥٢.

(٥) ينظر المقتضب ، ٢ / ٤٣٥ ـ ٤٣٧.

(٦) ينظر شرح المصنف ١٠ ، والإنصاف ١ / ٣٣ وما بعدها شرح المفصل ، ١ / ٥٢.

١٠٥

مفتوحة فجوابه أنها تذهب في حالة الإضافة فإن قيل وأي لبس ، وما قبل واو الجمع مضموم ، وما قبل واو التثنية مفتوح ، فجوابه أنه يقع اللبس في المقصور نحو : (مصطفون) فإنهم فتحوا فيه ما قبل الواو لتدل الفتحة على الألف المحذوفة ، وأما حال النصب ، فلو جعلنا نصبهما بالألف لأدّى إلى اللبس بينهما ، لأن الألف تستدعي أن يكون ما قبلها مفتوحا بكل حال في كلا النوعين ، فطرحت الألف في حالة [و ٩] النصب لذلك ، وسبق المثنى فأخذ الألف في حالة الرفع لأنها أخف ، ولأنها تكون ضميرا له ، وبقي الواو للجمع على قياس الأسماء الستة ، ولأنها ضمير له ، وحمل فيها المنصوب على المجرور لأنهما مفعولان فضلة يجوز حذفهما ويتفقان في كناية الإضمار نحو : (رأيتك ومررت بك) ، وهذا الجمع وإن لم يسم به فهو بالحروف على ما ذكره الشيخ (١) وقد قيل فيما كأن جمعه غير قياسي كـ (بنين) و (سنين) و (وأربعين) و (أرضين) و (ثبين) ، إنه يعرب على نونه بالحركات وتلزم الياء ولا تحذف نونه للإضافة وعليه.

[٢١] وكان لنا أبو حسن علىّ

أبا برا ونحن له بنين (٢)

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ، ١٠.

(٢) البيت من البحر الوافر وهو لأحد أولاد على بن أبي طالب رضي الله عنه وينسب لسعيد ابن قيس الهمداني ، ينظر في شرح التسهيل السفر الأول ١ / ١٠٤ ، وشرح الرضي ٢ / ١٨٥ ، وأوضح المسالك ١ / ٥٥ ، والمقاصد النحوية ١ / ١٥٦ ، وخزانة الأدب ٨ / ٧٥ ـ ٧٦.

ويرويه الرضي في شرحه :

إن لنا أبا حسن عليا

أب برّ ونحن له بنين

والشاهد فيه قوله : (بنين) حيث أعربه بالحركات شذوذا والأكثر إعرابه بالحروف وإلحاقه بجمع المذكر السالم.

١٠٦

وقال :

[٢٢] دعانى من نجد فإنّ سنينه

لعبن بنا شيبا وشيننا مردا (١)

وقال :

[٢٣] وما ذا تبتغى الشعراء منى

وقد جاوزت حد الأربعين (٢)

وروى الفراء عن تميم أن الجمع مع إعرابه بالحركات يمنع الصرف ، وإن سمي به فالأجود الحكاية على ما كان قبل التسمية ، ومنهم من ألزمه الياء ، وإعرابه بالحركات مصروفا ، ومنهم من ألزمه الواو وإعرابه بالحركات إعراب ما لا ينصرف ، ومنعه الصرف للعلمية وشبه العجمية ، لأنه قليل النظير في المفردات ، واحتج بقول الشاعر :

[٢٤] طل ليلى وبتّ كالمحزون

واعترتنى الهموم بلماطرون (٣)

__________________

(١) البيت من البحر الطويل وهو للصمة القشيري كما في شرح المفصل ٥ / ١١ ـ ١٢ وينظر مجالس ثعلب ١٧٧ ـ ٣٢٠ ، وشرح الرضي ٢ / ١٨٥ وشرح ابن عقيل ١ / ٦٥ ، وأوضح المسالك ١ / ٥٧ واللسان مادة (نجد) ٦ / ٤٣٤٦ ، والمقاصد النحوية ١ / ١٦٩ ، وخزانة الأدب ٨ / ٥٨ ـ ٥٩.

ويروى : ذراني بدل دعاني. والشاهد فيه قوله : (سنينه حيث أعرب سنين بالفتحة الظاهرة بدليل بقاء النون مع الإضافة فجعل النون الزائدة كالنون الأصلية ولو حذفها لقال : فإن سنّيه.

(٢) البيت من الوافر ، وهو لسحيم بن وثيل الرياحي كما في سر الصناعة ٢ / ٦٢٧ ، وينظر حماسة البحتري ١٣ ، والمقتضب ٣ / ٣٣٢ ، وشرح المفصل ٥ / ١١ ، وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ١٠٤ ، وشرح الرضي ٢ / ١٨٥ ، وشرح ابن عقيل ١ / ٦٨ وتذكرة النحاة ٤٨٠ ، وهمع الهوامع ١ / ٤٩ ، وخزانة الأدب ٨ / ٦١ ـ ٦٢ ، والمقاصد النحوية ١ / ١٩١.

والشاهد فيه قوله : (الأربعين) حيث وردت الرواية فيه كسر النون.

(٣) البيت من الخفيف ، وهو لأبي دهبل الجمحي في ديوانه ٦٨ ، وله ولغيره ، ينظر الخصائص ـ ٣ / ٢١٦ ، وأوضح المسالك ١ / ٥٣ ولسان العرب مادة (خصر) ٢ / ١١٧٢ ، وخزانة الأدب ٧ / ٣١٤ والمقاصد النحوية ١ / ١٤١.

والشاهد فيه قوله : (بالماطرون) حيث أعرب الشاعر جمع المذكر السالم المسمى به بالحركات فجره بالكسرة ، ويجوز فيه إعرابه إعراب جمع المذكر السالم ومن العرب من يلزمه الواو ويفتح النون قال ابن مالك في شرح التسهيل السفر الأول ١ / ١٠٦ : وهذه أسماء أمكنة والأجود أجراؤها مجرى الجمع ثم التزام الواو وجعل الإعراب في النون قليل والحمل عليه ضعيف.

١٠٧

وقال السيرافي (١) وإن يلزم الواو ، واحتج بقوله :

[٢٥] ولها بالماطرون إذا

أكل النمل الذي جمعا (٢)

وحكى من كلام العرب (هذا ياسمون البر) و (رأيت ياسمون البر) و (مررت بياسمون البر) والمثنى والمجموع إذا سمي بهما مفرد ، فإن حكي لم تجز تثنيته ولم يسم به ثانيا ، لأنه يؤدي إلى التسلسل ، وإن لم يحك جاز التثنية والتسمية به ثانيا ، لأنه بمنزلة المفرد بشرط أن لا تزيد حروفه قبل التثنية على خمسة أحرف ، كـ (رجلان) ، و (يدان) فنقول فيه (رجلانان) و (يدنان) ، لأنه لا يخرج بالتثنية عن نهاية زيادة الاسم ، وهو سبعة أحرف كـ (اشهيباب) (٣).

قوله : (التقدير فيما تعذر) لما فرغ من الإعراب اللفظي بالحركة والحرف ، شرع في التقديري ، وهو نوعان : مقدر بالحرف كـ (مسلمي)

__________________

(١) ينظر شرح الكتاب ١ / ١٤١ للسيرافي.

(٢) البيت من المديد وهو لأبي دهبل الجمحي في ديوانه ٨٥ ، وله ولغيره ، وينظر سر صناعة الأعراب ٢ / ٦٢٦ ، والممتع في التصريف ١ / ١٥٨ ، واللسان مادة (مطرن) ٦ / ٤٢٢٤ وقد نسبه للأخطل وخزانة الأدب ٧ / ٣٩ ، والمقاصد ١ / ٤٨. والشاهد فيه قوله : (بالماطرون) حيث نزل منزلة الزيتون في إعرابه بالحركات ، قال ابن جني : (ليست النون فيه بزيادة لأنها تعرب).

(٣) ينظر الإنصاف ٢ / ٧٥٥ ، وشرح التسهيل السفر الأول ، ١ / ١٠٥ ـ ١٠٦.

١٠٨

وبالحركة ، والذي بالحركة متعذر كـ (عصا) و (غلامي) (١) ، ومستثقل كـ (قاضي).

قوله : (فيما تعذر كعصى) يعني باب المقصور كـ (عصى) و (فتى) و (صلى) ، كان الأولى أن يقدم المنقوص ، لأنه لإحالة ظهوره ، ولعله نظر إلى أن الألف أقوى من الياء في المد لملازمته لها ، وإنما تعذر لأن آخره ألف (٢) ، وهو حرف ساكن ، وإنما امتنع تحريكها لأنه يؤدي إلى أحد أمرين ؛ إما ردها إلى أصلها ، ومنه (هرب) لأن أصلها (عصو) تحرك حرف العلة وانفتح ما قبله ، فقلبت ألفا ، وأما همزها فيؤدي إلى الإلباس بباب المهموز ، وخرجت عن كونها ألفا ، وألف باب (عصى) إن وقف عليها وكان بالألف واللام أو الإضافة (كالعصا وعصاك) فهي المنقلبة بالاتفاق ، وإن كان بغير ذلك ، فثلاثة أقوال مذهب سيبويه (٣) ، أنها في حال الرفع والجر مبدلة عن حرف أصلي وفي النصب زائدة مبدلة عن التنوين قياسا على الصحيح ، ومذهب المازني أنها زائدة في الأحوال الثلاثة مبدلة عن التنوين ، وحجته أن ما قبل الألف مفتوح في الأحوال الثلاثة فأجري الرفع والجر مجرى النصب ، ومذهب المبرد (٤) والكسائي (٥) والسيرافي (٦) وابن كيسان [ظ ٩] أنها أصلية في الأحوال الثلاثة وحجتهم أنها قد جاءت الإمالة في

__________________

(١) ينظر شرح الرضي ١ / ٣٤ ، وشرح المصنف ١١.

(٢) ينظر شرح المصنف ١١.

(٣) ينظر الكتاب ٣ / ٣٨٥ وما بعدها وشرح المقدمة المحسبة ١ / ١١٧.

(٤) ينظر المقتضب ١ / ١٤٤.

(٥) ينظر رأي الكسائي في شرح التسهيل السفر الأول ١ / ١١٣ ، وشرح الرضي ٢ / ١٧٤.

(٦) ينظر رأي السيرافي هامش الكتاب ٣ / ٣٨٦.

١٠٩

المقصور حال الوقف ولا تصح الإمالة إلا في حرف أصلي ، وأما حكمها في الوصل فإن وصلت بساكن حذفت مطلقا لالتقاء الساكنين كقولك :(عصى الأعرج) و (العصا الجيدة) وإن وصلت بمتحرك فإن كان معرفا ثبتت (كالعصا نافعة) فإن كان منكرا حذفت لالتقاء الساكنين ، وهما الألف والتنوين ، نقول (هذه عصا جيدة) ، وأما إذا أضيف إلى المقصور ظاهر متحرك أو مضمر لم ينفك عن الألف بحال.

قوله : (وغلامي) يعني أن الإعراب يتعذر لفظا فيما أضيف إلى ياء المتكلم ، ووجه تقديره أن الياء تستدعي أن يكون ما قبلها مكسورا وهو حرف الإعراب في الأحوال الثلاثة فتعذر أن يتحرك بحركة الإعراب ، لأن الحرف الواحد يستحيل تحريكه بحركتين في حالة واحدة.

قوله : (مطلقا) إشارة إلى خلاف فيه ، فابن مالك (١) وبعض النحاة (٢) قالوا إعرابه في حالة الحركة لـ (عصى) وتقديري في حالة الرفع والنصب ، وذلك لأن الياء إنما تطلب كسرة ، ما لا كسرة بناء فكسرة الإعراب يحصل بها ما تطلب الياء فكانت أولى وردّ بأن الياء أسبق من الإعراب فكذلك كهنا لأن الإعراب ناشئ عن

__________________

(١) وقد أشار ابن مالك إلى ذلك في ألفيته بقوله :

وسم معتلا من الأسماء ما

كالمصطفى والمرتضى مكارما

فالأول الإعراب فيه قدّرا

جميعه وهو الذي قد قصرا

وينظر شرح ابن عقيل ١ / ٨٠ وما بعدها.

(٢) ينظر شرح المصنف ١١.

١١٠

التركيب مع العامل والمفرد أسبق ، وقال ابن السراج (١) وابن الخشاب (٢) ، والجرجاني (٣) والمطرزي (٤) إنه مبني لإضافته إلى الياء ، ووجهه بأنه قد صار بإضافته إلى الياء جزء كلمة ، وهي ضعيفة لأنه حرف علة وهو اسم على حرف واحد ، وما اختاره ابن الحاجب.

مذهب سيبويه والجمهور (٥) ، وقال ابن جني : هو خصيّ لا معرب ولا مبنيّ.

قوله : (أو أستثقل كقاض رفعا وجرا) هذا الثاني من التقديري بالحركة وهو المنقوص وهو كل اسم آخره ياء حقيقية قبلها كسرة ، فقوله ياء ، احتراز عما ليس بياء كـ (زيد) خفيفة يحترز من الثقيلة كـ (علي) ، و (كرسيّ) ، و (وليّ) ، قبلها كسرة يحترز من أن يكون قبلها ساكن كـ (ظبي) و (يحيى) ، فإن هذه المحترز عنها تعرب بالحركات لفظا ، والأصل في (قاض) (قاضي) بضم الياء في الرفع وفتحها في النصب وكسرها في الجر فاستثقلت الضمة والكسرة ، أما الضمة فلأنها من جنس الواو ،

__________________

(١) ينظر الأصول لابن السراج ٢ / ٣٧٨.

(٢) ابن الخشاب هو : عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر بن الخشاب أبو محمد النحوي ، توفي سنة ٥٦٧ ه‍ ، صنف شرح الجمل للجرجاني ، وشرح اللمع لابن جني وغيرها ، الرد على ابن بابشاذ في شرح الجمل. ينظر بغية الوعاة ٢ / ٢٩ ـ ٣٠. ينظر رأي ابن الخشاب في الهمع ١ / ٥٨.

(٣) ينظر رأي الجرجاني في الهمع ١ / ٥٨.

(٤) المطرزي هو ناصر بن عبد السيد بن علي بن المطرز أبو الفتح النحوي الأديب المشهور بالمطرزي ، ولد ٥٣٨ وتوفي سنة ٦١٠ ه‍ ، من أهل خوارزم برع في النحو واللفة والفقه ، معتزلي المذهب ، صنف شرح المقامات ، المغرب في شرح المعرب ، ومختصر المصباح في النحو وغيرها ... ، ينظر البغية ٢ / ٣١١ وأنباء الرواة ٣ / ٣٤٠.

(٥) ينظر شرح المصنف ١١ ، وشرح الرضي ١ / ٣٤.

١١١

والواو تباين الياء لاختلافهما في الطبع ، وأما الكسر فلأنه من جنس الياء ، والياء على الياء ثقيلة بخلاف الفتحة ، فإنها خفيفة على الياء ، فلهذا أعرب بالنصب لفظا (١) وبالرفع والجر تقديرا ، هذا مذهب الجمهور ، وقد جاء تقدير النصب كقوله :

[٢٦] فلو أن واش بالمدينة داره

وداري بأعلى حضرموت اهتدى ليا (٢)

ولو كان لفظا لقال : (واشيا) وقد جاء إظهار الرفع والجر مع النصب ، قال في الرفع :

[٢٧] قد كاد يذهب بالدنيا ولذتها

مواليّ ككباش العوس سحاحّ (٣)

في الجر :

[٢٨] ما إن رأيت ولا أرى في مدتى

كجواري يلعبن في الصحراء (٤)

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ١١ ، وشرح الرضي ١ / ٣٤.

(٢) البيت من البحر الطويل وهو للمجنون في ديوانه ٢٣٣ ، وشرح المفصل ٦ / ٥١ ، وشرح شافية ابن الحاجب ١ / ١٣٧ ، ومغني اللبيب ٣٨٢ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٩٨ ، وهمع الهوامع ١ / ٥٣ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٤٨٤.

والشاهد فيه قوله : (واش) حيث عامل الاسم المنقوص واش في حالة النصب كما يعامل في حالتي الرفع والجر فحذف ياءه.

(٣) من البحر البسيط وهو بلا نسبة في شرح ابن الحاجب ٣ / ٨٢ ، وينظر شرح المفصل ١٠ / ١٠٣.

ويروى وبهجتها.

والشاهد فيه قوله : (موالي) حيث حرك الياء بالضم شذوذا ، والعوس : ضرب من الغنم ـ سحاح : جمع ساحة وهي الشاة الممتلئة سمنا.

(٤) البيت من البحر الكامل وهو بلا نسبة في شرح المفصل ١٠ / ١٠١ ، وشرح شافية ابن ـ الحاجب ٣ / ١٨٣ ، وخزانة الأدب ٨ / ٣٢ ـ ٣٤.

والشاهد فيه قوله : كجواري حيث حرك الياء من الاسم المنقوص جرا بالتنوين شذوذا كما ذكر شارح الشافية.

١١٢

وقال أيضا :

[٢٩] فيوما يجارين الهوى غير ماضى

ويوما ترى منهن غولا تغوّل (١)

وقد اختلف في تنوين المنقوص ، والأكثر أنه تنوين تمكين (٢) ، ومنهم من قال عوض (٣) عن إعلال الياء ، لأن أصله (قاضي) فعلى أنه تمكين نقول : ثقلت الضمة والكسرة على الياء فحذفتا ، فالتقى التنوين والياء فحذفت الياء لالتقاء الساكنين وعلى أنه عوض ، ثقلت الضمة على الياء فحذفتا وتبعهما التنوين ، وأي تنوين آخر عوض عن الإعلال فالتقى ساكنان الأول حرف علة فحذف.

وأما حكم ياء المنقوص في الوصل والوقف ، أما في الوقف إن كان معرّفا باللام ثبتت ساكنة في الرفع والجر مفتوحة في النصب على الأفصح فيهما وإبدال التنوين في النصب ألفا وقد أجيز حذفها وبقاؤها ، وأما في الوصل ، فإن وصلت بساكن حذفت مطلقا في الرفع والجر ، وإن وصلت بمتحرك فإن كان المنقوص معرفا باللام ثبتت الياء ، وإن كان

__________________

(١) البيت من الطويل وهو لجرير في ديوانه ١٤٠ ، وينظر الكتاب ٣ / ٣١٤ ، والمقتضب ١ / ٦٤٤ والخصائص ٣ / ١٥٩ ، وأمالي ابن الشجري ١ / ٨٦ ، ونوادر أبي زيد ٢٠٣ ، وشرح المفصل ١٠ / ١٠١ ـ ١٠٤ ، واللسان مادة (غول) ٥ / ٣٣١٨ ، وخزانة الأدب ٨ / ٣٥٨ ، والمقاصد النحوية ١ / ٢٢٧.

والشاهد فيه قوله : (ماضي) حيث حرك الياء في الجر ضرورة.

(٢) ينظر شرح المفصل ٩ / ٢٩ وما بعدها ، وشرح الرضي ١ / ١٤ ، وشرح ابن عقيل ٢ / ٣٢٠.

(٣) ينظر المصدر السابق.

١١٣

منكّرا حذفت لأجل التنوين وأما النصب فثبتت متحركة ، وأما حكمها في الإضافة إلى مضمر أو ظاهر متحرك فثبات الياء في الرفع والجر ساكنة ، وفتحها في النصب (١).

قوله : (ونحو مسلميّ رفعا) هذا الضرب الثاني وهو التقديري بالحرف ، وهو جمع المذكر السالم إذا أضيف إلى الياء فإنها تقدر فيه الواو في حال الرفع وهو لفظي في حال النصب والجر ، لأن الياء موجودة ، وإنما كان في الرفع مقدرا لأن أصله (مسلمون) فأضيف إلى الياء فحذفت النون للإضافة ، فصار (مسلموي) فاجتمعت الواو والياء ، وسبقت الأولى بالسكون فوجب قلب الواو ياء وإدغامها في ياء المتكلم فصار (مسلميّ) ، فعلم أنه عدل عن الواو التي كانت علامة الرفع لأجل الاستثقال لها مع الياء. فلذلك وجب أن يحكم عليه في حال الرفع بالإعراب مقدرا ، وأما في النصب والجر ، فياء الإعراب فيه ثابتة لم تتغير عن حالها الأصلي (٢) ، قال في البرود : والصحيح أنه في حال الرفع لفظي غير مقدر ، لأن الواو كالموجودة وإنما قلبت لعارض الاستثقال واحتج بوجهين :

أحدهما : أن أحدا لا يقول بتقدير الواو في (ميزان وميقات) ولا بتقدير التنوين في (رأيت زيدا) ، عند الوقف.

والثاني : أنا لو سلمنا ذهاب الواو بالكلية لكنّا نقدر بالضمة لأنها الأصل ألا ترى أنا لا نقدر في الأسماء الستة إذا أضيفت إلى الياء إلا الحركة.

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ١١.

(٢) ينظر شرح المصنف ، ١١ ، نقل الشارح هذه العبارة ولم يسندها إلى المصنف.

١١٤

قوله : (واللفظي فيما عداه) أي فيما عدا هذه الأنواع وهما نوعا التعذر والمستثقل فهو لفظي ، لأنه إذا حصر الأقل فما عداه بخلافه وهو الأكثر ، وقد بقي عليه من التقديري المدغم نحو : (وَتَرَى النَّاسَ)(١) وما سكّن للتخفيف ، نحو : (وَرُسُلُنا)(٢) أو الضرورة نحو :

[٣٠] ...

وقد بدا هنك من المئزر (٣)

والمتبع نحو : (الْحَمْدُ لِلَّهِ)(٤) والمحكي نحو : زيد (من زيد) (من زيدا) (من زيد) ، وبعضهم جعل المحكي في حال الرفع معربا.

__________________

(١) الحج ٢٢ / ٢ ، وتمامها : (يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى ...).

قرأ الجمهور وترى بالتاء مفتوحة وزيد بن علي بضم التاء وكسر الراء ، وقرأ الزعفراني وعباس في اختياره بضم التاء وفتح الراء ورفع (الناس) ينظر القرطبي ٥ / ٣٤٩٧ ، والبحر المحيط ٦ / ٣٢٥ ، وفتح القدير ٣ / ٤٣٥.

(٢) المائدة ، ٥ / ٣٢ قرأه أبو عمرو بإسكان السين في رسلنا والباء في سبلنا حيث وقع في الخط على التخفيف لتوالي الحركات ولأنه جمع ، وضمّ ذلك الباقون على الأصل ، ينظر الكشف ١ / ٤٠٨ ، والحجة لابن زنجلة ٢٢٥.

(٣) البيت من السريع ، وهو للأقيشر الأسدي أو الفرزدق ، وليس في ديوانه ، ينظر الكتاب ٤ / ٢٠٣ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٩١ ، والخصائص ٣ / ٩٥ ، وشرح المفصل ١ / ٤٨ ، وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ٤٨ ، ورصف المباني ٣٩٣ ، وهمع الهوامع ١ / ٥٤ ، وخزانة الأدب ٤ / ٤٨٤ ـ ٤٨٥ وصدره : رحت وفي رجليك ما فيهما.

والشاهد فيه قوله : (بدا هنك) حيث سكن النون ، و (هنك) ضرورة ، وهو مرفوع ، لأنه فاعل بدا.

(٤) الفاتحة ١ / ١ الجمهور قرأوا بضم دال (الحمد) وأتبع إبراهيم بن أبي عبلة ميمه لام الجر لضمه الدال كما أتبع الحسن ، وزيد بن على كسر الدال لكسرة اللام وهي أغرب. ينظر البحر المحيط ١ / ١٣١.

١١٥

الممنوع من الصرف

قوله : (غير المنصرف) قد اختلف في اشتقاق المنصرف (١) ، فقيل هو من صرفة البكرة والباب إذا صرف ، قال الشاعر :

[٣١] مقذوفة بدخيس النحض بازلها

لها صريف صريف القعوب المسد (٢)

فعلامته على هذا التنوين فقط ، وقيل من (التصرف) الذي هو (التقلب) فعلامته على هذا الجر والتنوين جميعا ، وقيل هو من (الصرف) وهو الخالص ، كقولهم (شراب صرف) أي خالص لم يمزج ، ومعناه أن المنصرف خالص من شبه الفعل بخلاف غير المنصرف ، وقيل من الصرف الذي هو (الفضل) قال الشاعر :

[٣٢] فما الفضة البيضاء والتّبر واحد

نقوعان للمكدي وبينهما صرف (٣)

أي (فضل).

__________________

(١) ينظر اللسان مادة (صرف) ٤ / ٢٤٣٤ ، وما بعدها.

(٢) البيت من البسيط وهو للنابغة الذبياني في الديوان ١٦ وينظر الكتاب ١ / ٣٥٥ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٣١ وجمهرة اللغة ٥٧٨ ـ ٧٤١ ، واللسان مادة (صرف) ٤ / ٢٤٣٤ ، وهمع الهوامع ١ / ١٩٣.

والشاهد فيه قوله : (لها صربف صريف) حيث استدل على اشتقاق المنصرف وهو المتحرك والمتقلب.

(٣) لم أقف له على قائل أو مصدر.

١١٦

قوله : (ما اجتمع فيه علتان) جنس للحد ، يحترز من العلة الواحدة فإنها لا تؤثر في منع الصرف ، خلافا للكوفيين (١) والأخفش (٢) والفارسي (٣) وابن برهان (٤) من البصريين ، واختاره صاحب الإنصاف (٥) فإنهم أجازوا المنع لعلة واحدة واحتجوا بقوله : [ظ ١٠]

[٣٣] ومصعب حين جدّ الأمر أطيبها

 ...

وبقوله :

[٣٤] فما كان حصن ولا حابس

يفوقان مرداس في مجمع (٦)

وبقوله :

__________________

(١) ينظر الإنصاف ٢ / ٤٩٣ ، وشرح المفصل ١ / ٦٨ ، والهمع ١ / ١٠٩.

(٢) ينظر المصدر السابق.

(٣) ينظر رأي الفارسي في الهمع ١ / ١٠٩.

(٤) ينظر الإنصاف ٢ / ٤٩٣.

(٥) ينظر المصدر السابق ٢ / ٥٠١.

(٦) البيت من مجزوء الوافر وهو لعبيد الله بن قيس الرقيات في ديوانه ١٢٤ ، وينظر الإنصاف ٢ / ٥٠١ ، وشرح المفصل ١ / ٦٨ ، وخزانة الأدب ١ / ١٥٠. ويروى بتقديم وتأخير أطيبها وأكرمها كما في شرح المفصل ١ / ٦٨.

والشاهد فيه قوله : (ومصعب) فإنه مرفوع بغير تنوين فدل على أنه ممنوع من الصرف مع أنه ليس فيه إلا علة واحدة وهي العلمية.

(٧) البيت من المتقارب وهو لعباس بن مرداس السلمي في ديوانه ٨٤ ، والإنصاف ٢ / ٤٩٩ ، وشرح المفصل ١ / ٦٨ ، وشرح التسهيل السفر الثاني ٢ / ٨٥٠ ، وشرح الرضي ١ / ٣٨ ، واللسان مادة (ردس) ٣ / ١٦٢٣ ، وخزانة الأدب ١ / ١٤٧ ـ ١٤٨ ويروي صاحب الإنصاف يفوقان شيخي في مجمع ، وردّ هذه الرواية وقال : بل الرواية الصحيحة المشهورة ما رويناه.

والشاهد فيه قوله : (مرداس) حيث منعه من الصرف وليس فيه إلا علة واحدة وهي العلمية.

١١٧

[٣٥] وممن ولدوا عامر

ذو الطول وذو العرض (١)

ورد البصريون ذلك ، إما بضعف فالرواية فيه وأنتم (٢) ، وأما مرداس فالرواية شيخي ، وأما عامر فهو اسم قبيلة ، ففيه العلمية والتأنيث (٣).

قوله : (من علل تسع) يحترز من علل البناء فإنها ست. قوله :

(وواحدة منها تقوم مقامها) ، يعنى أو واحدة من التسع تقوم مقام علتين ، وذلك في الجمع المتناهي والتأنيث بالألف المقصورة والممدودة فإنهم أقاموا فيها لزوم التأنيث ونهاية الجمع مقام العلة الثانية (٤).

قوله : (وهي عدل (٥) ووصف إلى آخره) (٦) شرع يبين العلل التسع

__________________

(١) البيت من بحر الهزج وهو لذي الأصبع العدواني كما في ديوانه ٤٨ ، وينظر الإنصاف ٢ / ٥٠١ ، وشرح المفصل ١ / ٦٨ ، وشرح ابن عقيل ٢ / ٣٤١ ، واللسان مادة (عمر) ٤ / ٣١٠٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٦٤.

والشاهد فيه قوله : (عامر) حيث منعها من الصرف ، وليس فيها إلا علة واحدة وهي العلمية وذلك للضرورة الشعرية.

(٢) ينظر شرح المفصل ١ / ٦٨ ، وفيه وأما قوله : (مصعب حين جد الأمر) فإن الرواية الصحيحة وأنتم حين جد الأمر.

(٣) ينظر شرح المفصل ١ / ٦٨ ، وشرح الرضي ١ / ٣٨.

(٤) ينظر شرح الرضي ١ / ٣٩.

(٥) ينظر شرح ابن عقيل ٢ / ٣٢٦.

(٦) في الكافية المحققة زيادة وهي :

عدل ووصف وتأنيث ومعرفة

وعجمة ثم جمع ثم تركيب

والنون زائدة من قبلها ألف

ووزن فعل وهذا القول تقريب

ينظر الكافية في النحو ٦٢ وقال : وهما من البحر البسيط نسبها عبد الغفور في حاشية له على الفوائد الضيائية لأبي سعيد الأنباري النحوي ، ثم قال : وأظنه يعني أبا البركات الأنباري أوردهما في أسرار العربية ٣٠٧ بقوله ويجمعها بيتان من الشعر. والرواية في أسرار العربية : جمع ووصف وعجمة ثم العدل ... وهما في شرح ابن عقيل ٣ / ٣٢١.

١١٨

التي ذكر ، وهي أخبار متعددة لمبتدأ محذوف.

قوله : (والنون زائدة) روي بنصب زائدة ورفعها ، فالرفع إما خبر عن النون ، وهو ضعيف من جهة المعنى ، وإما صفة لها ، والألف واللام زائدان ، ودليل زيادتهما ، أنه ذكر كل الأسباب في البيتين دونها نكرة ، والنصب إما على الحال المؤكدة ، قاله الإمام يحيى بن حمزة (١) (عليه السّلام) أو منتقلة وعاملها مضمر تقديره ، ومنها : النون زائدة ، وقيل : على الحكاية ، كأنه قال : يمتنع الصرف والنون زائدة.

قوله : (وهذا القول تقريب) يحتمل وجوها :

أحدهما : أنه أراد أنّ نظمه بهذه العلل أقرب للحفظ من عدها نثرا.

الثاني : أنه أراد أن ذكرها في البيتين تقريب ، وسيأتي تفصيلها من بعد.

الثالث : أنه أراد أن حصرها في تسع تقريب ، لأن منهم من زاد ألف الإلحاق إذا سمي بما هي فيه ، وأحمر إذا سمي به ثم نكّر (٢) وجعلها إحدى عشرة ومنهم من أراد نهاية الجمع ، ولزوم التأنيث ، وجعلها ثلاث عشرة ، ومنهم من ردها إلى علتين ، وهي الحكاية والتراكيب ، فكني بالحكاية عن الصفة في (أفعل) ووزن الفعل في العلمية ، والتركيب كناية عن سبع علل : تركيب المزج ، وتركيب التأنيث ، وتركيب الجمع ، وتركيب العجمة ، وتركيب العدل ، وتركيب زيادة الألف والنون ، وتركيب النكرات نحو أحاد ، وقد جمعها صاحب البرود في بيت واحد :

__________________

(١) ينظر الأزهار الصافية ١٢٥.

(٢) ينظر شرح المفصل ، ١ / ٧.

١١٩

[٣٦] اعدل وأنّث وعرّف وركب اجمع

صف اعجم زن الفعل مخصوصا

مثل : [أحاد وطلح] حضرموت

جوار أحمر آزر يزيد سكران (١)

قوله : (مثل عمر وأحمر) إلى آخره (٢) ، هذا يتبين للعلل بالأمثلة ، ففي (عمر) العدل التقديري والعلمية ، و (أحمر) وزن الفعل والوصف ، و (طلحة) التأنيث اللفظي والعلمية ، و (زينب) المعنوي والعلمية ، و (إبراهيم) العجمة والعلمية ، و (مساجد) الجمع ونهاية الجمع ، و (معد يكرب) التركيب والعلمية ، و (عمران) الألف والنون والعلمية ، و (أحمد) وزن الفعل والعلمية.

قوله : (وحكمه أن لا كسر ولا تنوين) أي حكم غير المنصرف ألا يدخله الكسر ولا التنوين ، وإنما امتنعا فيه ، لأن هذه الأسباب المانعة من الصرف فروع فإذا اجتمع في الاسم سببان منها ، صار بهما فرعا من جهتين ، فيشبه الأفعال لأنها فرع على الأسماء من جهتين :

أحدهما : أن الاسم يخبر به وعنه ، والفعل يخبر به فقط ، وما أخبر به وعنه كان أصلا لأنه يستقل كلاما فهو مستغن عن الفعل ، والفعل غير مستغن عنه. [و ١١]

الثانية : أن الفعل مشتق من الاسم عند البصريين (٣) ، والمشتق فرع

__________________

(١) ثمة خلل في الوزن بيّن وفيه سقط ظاهر.

(٢) في الكافية المحققة زيادة حيث عد العلل مع الأمثلة وهي قوله مثل : عمر ، وأحمر ، وطلحة ، وزينب ، وإبراهيم ، ومساجد ، ومعد يكرب ، وعمران ، وأحمد. (٦٢)

(٣) ينظر الإنصاف ١ / ٧ وما بعدها.

١٢٠