الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

السيد علي خان المدني الشيرازي

الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

المؤلف:

السيد علي خان المدني الشيرازي


المحقق: الدكتور السيد أبو الفضل سجادي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: روح الأمين
الطبعة: ٠
ISBN: 978-964-518-296-8
الصفحات: ٩٤٧

قال ابن هشام : وكون لو بمعنى إن قاله كثير من النحويّين في نحو : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) [يوسف / ١٧] ، (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [الصف / ٩] ، (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) [المائدة / ١٠٠] ، (وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) [البقرة / ٢٢١] ، (وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَ) [الأحزاب / ٥٢] ونحو : أعطوا السائل ولو جاء على فرس (١) ، وقوله [من البسيط] :

١٠٠٨ ـ قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم

دون النساء ولو باتت بأطهار (٢)

وأمّا نحو : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) [الأنعام / ٢٧] ، (أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ) [الأعراف / ١٠٠] ، وقول كعب [من البسيط] :

١٠٠٩ ـ ...

أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل (٣)

فمن القسم الأوّل ، لا من هذا القسم ، لأنّ المضارع في ذلك مراد به المضىّ ، وتقرير ذلك أن تعلم أنّ خاصية لو فرض ما ليس بواقع واقعا ، ومن ثمّ انتفى شرطها في الماضي والحال ، لما ثبت من كون متعلّقها غير واقع ، وخاصية إن تعليق أمر بأمر مستقبل محتمل ، ولا دلالة لها على حكم شرطها في الماضي والحال ، فعلى هذا قوله [من البسيط] :

١٠١٠ ـ ...

 ... ولو باتت بأطهار (٤)

يتعيّن فيه معنى إن ، لأنّه خبر عن أمر مستقبل محتمل ، أمّا استقباله فلأنّ جوابه محذوف دلّ عليه شدّوا ، وشدّوا مستقبل ، لأنّه جواب إذا ، وأمّا احتماله فظاهر ، ولا يمكن جعلها امتناعية للاستقبال والاحتمال ، ولأنّ المقصود تحقّق ثبوت الطهر لا امتناعه ، وأمّا قوله [من الطويل] :

١٠١١ ـ لو تلتقى ...

 ... (٥)

وقوله [من الطويل] :

١٠١٢ ـ ولو أنّ ليلى ...

 ... (٦)

فيحتمل أنّ «لو» فيهما بمعنى «أن» على أنّ المراد مجرّد الإخبار بوجود ذلك عند وجود هذه الأمور في المستقبل ، ويحتمل أنّها على بابها ، وأنّ المقصود فرض هذه الأمور واقعة ، والحكم عليها مع العلم بعدم وقوعها.

__________________

(١) نهج الفصاحة ص ٦٧ ، رقم ٣٤٧.

(٢) هو للأخطل. اللغة : المآزر : جمع المئزر بمعنى الإزار.

(٣) صدره «لقد أقوم مقاما لو يقوم به» ، وهو من قصيدة بانت سعاد.

(٤) تقدم برقم ١٠٠٨.

(٥) تقدم برقم ١٠٠٣.

(٦) تقدم برقم ١٠٠٧.

٩٠١

والحاصل أنّ الشرط متى كان مستقبلا محتملا ، وليس المقصود فرضه الآن أو فيما مضى فهى بمعنى إن ، ومتى كان ماضيا أو حالا أو مستقبلا ، ولكن قصد فرضه الآن أو فيما مضى فهي الامتناعيّة.

الثالث : أن يكون للتمنّي بمعنى ليت إلا أنّها لا تنصب ولا ترفع ، نحو قوله تعالى : (فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الشعراء / ١٠٢] ، أى فليت لنا كرّة ، وقيل ولهذا نصب (فَنَكُونَ) في جوابها كما انتصب (فَأَفُوزَ) في جواب ليت في قوله تعالى : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ) [النساء / ٧٢]. قال ابن هشام : ولا دليل في هذا ، لجواز أن يكون النصب في (فَنَكُونَ) مثله في : (إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) [الشورى / ٥١] وقول ميسون [من الوافر] :

١٠١٣ ـ ولبس عباءة وتقرّ عيني

أحبّ إلىّ من لبس الشفوف (١)

يعنى أن يكون منصوبا بأن مضمرة ، والمصدر المسبوك منها ومن صلتها اسم معطوف على الاسم المنصوب المتقدّم ، وهو كرّة ، أي ليت لنا رجوعا فكوننا من المؤمنين. وهل لو هذه قسم برأسها لا تحتاج إلى جواب كجواب الشرطيّة؟ أو هي الشرطيّة أشربت معنى التمنّي؟ أو إنّها المصدريّة أغنت عن فعل التمنّي لكونها لا تقع إلا بعد مفهم التمنّي؟ ثلاثة أقوال ، ظاهر كلام المصنّف الأوّل ، قال أبو حيّان : وهو الظاهر المنقول عن سيبويه ، ونصّ عليه شيخنا أبو الحسن بن الضائع وأبو مروان (٢) وعبيد بن عمرو بن هشام الخضراويّ في شرح قصيدة ابن دريد واختار أبو حيّان الثاني ، قال : والّذي يظهر أنّها لا بدّ لها من جواب ، لكنّه التزم حذفه لإشرابها معنى التمنّي ، لأنّه متى أمكن تقليل القواعد وجعل الشيء من باب المجاز ، كان أولى من تكثير القواعد وادّعاء الاشتراك ، لأنّه يحتاج إلى وضعين ، والمجاز ليس فيه إلا وضع واحد ، وهو الحقيقة ، انتهى.

وإلى القول الأخير صار ابن مالك ، وذلك أنّه أورد قول الزمخشرىّ ، وقد تجيء لو في معنى التمنّي ، نحو : لو تأتيني فتحدّثني ، فقال : إن أراد أنّ الأصل وددت لو تأتيني فتحدّثني ، فحذف فعل التمنّي لدلالة لو عليه فأشبهت ليت في الإشعار بمعنى التمنّي فكان لها جواب كجوابها فصحيح ، أو إنّها حرف وضع للتمنّي كليت فممنوع لاستلرامه منع الجمع بينها وبين فعل التمنّي ، كما لا يجمع بينه وبين ليت ، انتهى.

__________________

(١) تقدم برقم ٦٩٧.

(٢) لم أجد ترجمة حياته.

٩٠٢

يعنى واللازم باطل ، فإنّه يجمع بينهما كما تقول : أتمنّى لو قام زيد. قال الدمامينيّ : والظاهر أنّ هذا الوجه الّذى أبطله هو مذهب الزمخشريّ ، فيكون مذهبه أنّ لو قد ترد مفيدة للتمنّي بحسب الوضع ، وما أورده من استلزمه منع الجمع بينهما وبين فعل التمنّي لا يرد عليه ، فإنّها عند مجامعتها لفعل التمنّي تكون لمجرّد المصدريّة مسلوبة الدلالة على التمنّي ، فلا يمتنع الجمع إذ ذاك ولا إشكال ، لكن يحتاج إلى ثبوت أنّ الزمخشريّ موافق على مجيء لو مصدريّة.

الرابع : أن تكون مصدريّة بمعنى أن ، نحو : (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) [القلم / ٩] ، وقد مضت مشروحة في باب الموصول ، فليرجع إليه ، واقتضى اقتصاره في معنى لو على هذه الوجوه الأربعة أنّها لا ترد لغير ذلك.

وذكر في التسهيل أنّها قد تكون للعرض نحو : لو تترل بنا فتصيب خيرا ، وذكر ابن هشام اللخميّ أنّها تكون للتقليل ، نحو : تصدّقوا ولو بظلف محرق (١). وخرج عليه قوله تعالى : (وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) [النساء / ١٣٥] ، وفيه نظر لجواز أن تكون في الموضعين ونحوهما بمعنى أن ، أو يقال : التقليل مستفاد من المقام لا من نفس لو.

تتمة : تشتمل على مسائل تتعلّق بلو الشرطيّة الامتناعيّة.

إحداها : أنّها خاصّة بالفعل كالمصدريّة ، وقد يليها اسم مرفوع معمول لمحذوف ، يفسّره ما بعده ، أو اسم منصوب كذلك ، أو خبر لكان محذوفة ، أو اسم هو في الظاهر مبتدأ ، وما بعده خبر.

فالأوّل : كقولهم : لو ذات سوار لطمتني (٢).

والثاني : نحو : لو زيدا رأيته أكرمته.

والثالث : نحو : فالتمس ولو خاتما من حديد (٣).

والرابع : نحو قوله [من الرمل] :

١٠١٤ ـ لو بغير الماء حلقي شرق

كنت كالغصّان بالماء اعتصاري (٤)

واختلف فيه ، فقيل : محمول على ظاهره ، وإنّ الجملة الاسميّة ، وليتها شذوذا كما قيل في قوله [من الطويل] :

__________________

(١) ما وجدت هذا الحديث ، ولكن في مسند أحمد بن حنبل : ردّوا السائل ولو بظلف شاة محرق. مسند الامام أحمد بن حنبل ، لاط ، دار الإحياء التراث العربي ، بيروت ، ٥ ، ١٩٩٤ / ٣٨١.

(٢) ذات سوار : الحرّة ، لأنّ الإماء عند العرب لا تلبس السوار ، هذه الجملة مثل ، قالته امرأة لطمتها من ليست بكفء لها ، ونسب أيضا إلى حاتم. لسان العرب ٤ / ٣٥٧٣.

(٣) صحيح بخاري ٤ / ٢٥ ، رقم ٥٥.

(٤) هو لعدى بن زيد. اللغة : شرق : من شرق بريقة إذا غضّ ، الغصان : من غصّ بالماء : وقف في حلقه فلم يكد يسغيه ، الاعتصار : شرب الماء قليلا قليلا لتزول الغصّة.

٩٠٣

١٠١٥ ـ ...

إلىّ فهلّا نفس ليلى شفيعها (١)

قيل : وهو مذهب الكوفيّين ، وتأوّله الفارسيّ من البصريّين على أنّ حلقي فاعل فعل محذوف ، يفسّره شرق ، وشرق خبر مبتدإ محذوف (٢) ، والأصل لو شرق حلقي هو شرق ، فحذف الفعل أوّلا والمبتدأ آخرا ، وفيه تكلّف. وتأوّله ابن خروف على إضمار كان الثانية واسمها ، وجملة ما بعد لو اسميّة خبر كان ، وقال المتنبّي [من الطويل] :

١٠١٦ ـ لو قلم ألقيت في شقّ رأسه

من السّقم ما غيّرت من خطّ كاتب (٣)

فقيل : لحن ، لأنّه لا يمكن أن يقدر : ولو ألقى قلم ، وقال ابن هشام : روي بنصب قلم ورفعه ، وهما صحيحان ، والنصب أوجه بتقدير ولو لابست قلما ، كما يقدّر في نحو : زيد حبست عليه ، والرفع بتقدير فعل دالّ عليه المعنى ، أي ولو حصل قلم ، أي ولو لوبس قلم ، وعلى الرفع فيكون ألقيت صفة لقلم ، ومن الأولى تعليليّة على كلّ حال متعلّقه بألقيت ، لا بغيّرت ، لوقوعه في حيّز ما النافية.

الثانية : يجوز أن تليها أنّ كثيرا ، نحو : (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا) [الحجرات / ٥] ، (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا) [البقرة / ١٠٣] ، وموضعها عند الجميع رفع ، ثمّ اختلف فى رفعه ، فقال سيبويه وجمهور البصريّين بالابتداء ، ولا تحتاج إلى خبر ، لاشتمال صلتها على المسند والمسند إليه ، واختصّت أنّ من بين سائر ما يؤوّل بالاسم بالوقوع بعد لو ، كما اختصّت غدوة بالنصب بعد لدن ، وقيل : الخبر محذوف ، ثمّ قيل : يقدّر مقدّما على المبتدإ ، أي ولو ثابت صبرهم على حدّ : (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا) [يس / ٤] ، وقال ابن عصفور : يقدّر مؤخّرا على الأصل ، أي ولو صبرهم ثابت.

وذهب المبرّد والكوفيّون والزّجاج والزمخشريّ إلى أنّه على الفاعلية ، والفعل مقدّر بعدها يدلّ عليه لو ، لأنّها تعطى معنى الثبوت ، والتقدير : ولو ثبت أنّهم صبروا ، كما قال الجميع في لا أكلّمه ما أنّ في السماء نجما ، ورجّح هذا بأنّ فيه إبقاء لو على اختصاصها بالفعل ، ويبعده أنّ الفعل لم يحذف بعد لو وغيرها من أدوات الشرط إلا مفسّرا بفعل بعده إلا كان ، والمقرون بلا بعد أن ، قاله ابن هشام في شرح قصيدة كعب.

قال الزمخشريّ : وإذا وقعت أنّ بعدها وجب كون خبرها فعلا ليكون عوضا عن الفعل المحذوف ، وردّه ابن الحاجب وغيره بقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ

__________________

(١) صدره «ونبئت ليلى أرسلت بشفاعة» ، وهو للمجنون ليلى العامرية. اللغة : نبئت : خبّرت.

(٢) سقط «شرق خبر مبتدأ محذوف» في «ح».

(٣) اللغة : ألفيت : مجهول من ألقاء بمعنى طرحه ، السقم : المرض.

٩٠٤

شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) [لقمان / ٢٧] ، وقالوا : إنّما ذاك في الخبر المشتقّ لا الجامد كالّذي في الأية وفي قوله [من البسيط] :

١٠١٧ ـ ما أطيب العيش لو أنّ الفتى

حجر تنبو الحوادث عنه وهو ملموم (١)

وردّ ابن مالك قول هؤلاء بأنّه قد جاء اسما مشتقّا كقوله [من الرجز] :

١٠١٨ ـ لو أنّ حيّا مدرك الفلاح

أدركه ملاعب الرّماح (٢)

قال ابن هشام في المغني : وقد وجدت آية في التتريل ، وقع فيها الخبر اسما مشتقّا ، ولم يتنبّه لها الزمخشريّ ، كما لم يتنبّه لآية لقمان ، ولا ابن الحاجب ، وإلا لما منع من ذلك ، ولا ابن مالك ، وإلا لما استدلّ بالشعر ، وهي قوله تعالى : (يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ) [الأحزاب / ٢٠] ، ووجدت آية ، الخبر فيها ظرف ، وهي : (لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ) [الصافات / ١٦٨] ، انتهى.

قال الدمامينيّ في شرحه قول المصنّف : ولو حينئذ بقصور نظر هؤلاء الأئمة وتبجّح بالاهتداء إلى ما لم يهتدوا إليه ، ثمّ بأن أنّ ما اهتدى إليه دونهم ليس بشيء ، وذلك لو في هذه الأية الّتى أوردها ليست ممّا الكلام فيه ، لأنّها مصدريّة أو للتمنّي ، والكلام أنّما هو في لو الشرطيّة ، قال الرضيّ في شرح الحاجبيّة : أمّا قوله تعالى : (يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ ،) فلأنّ لو بمعنى أن المصدريّة ، ولييست بشرطيّة لمجيئها بعد فعل دالّ على التمنّي. وقال ابن الحاجب في منظومته [من الرجز] :

١٠١٩ ـ لو أنهّم بادون في الأعراب

لو للتّمنّي ليس من ذا الباب

انتهى :

قال السيوطيّ في الإتقان (٣) : وأعجب من ذلك أنّ مقالة الزمخشريّ سبقه إليه السيرافيّ ، وهذا الاستدراك وما استدرك به منقول قديما في شرح الإيضاح لابن الخبّاز ، لكن في غير مظنّته ، فقال في باب إنّ وأخواتها ، قال السيرافيّ : تقول : لو أنّ زيدا قام لأكرمته ، ولا يجوز لو أنّ زيدا حاضر لأكرمته ، لأنّك لم تلفظ بفعل يسدّ مسدّ ذلك الفعل ، هذا كلامه ، فقد قال الله تعالى : (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ) [الأحزاب / ٢٠] ، فأوقع خبرها صفة ، ولهم أن يفرّقوا بأنّ هذه للتمنّي ، فأجريت مجرى ليت كما تقول : ليتهم بادون.

__________________

(١) هو لتميم بن أبي بن مقيل. اللغة : تنبو : تتباعد ، ملموم : اسم مفعول ، يقال حجر ملموم أي مستدير صلب.

(٢) هو للبيد بن ربيعة العامريّ. اللغة : الفلاح : النجاة والبقاء ، وأراد بملاعب الرماح عامر بن مالك الّذي يقال له : ملاعب الأسنة ، وهو ابن عمّ الشاعر.

(٣) الإتقان في علوم القرآن للشيخ عبد الرحمن السيوطيّ المتوفى سنة ٩١١ ه‍. كشف الظنون ١ / ٨.

٩٠٥

الثالثة : جوابها في الغالب إمّا مضارع منفيّ بلم ، نحو : لو لم يخف الله لم يعصه (١). أو ماض مثبت ، والغالب اقترانه باللام ، نحو : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا) [الأنفال / ٢٣] ، ومن غير الغالب : (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) [الواقعة / ٧٠] ، أو ماض منفيّ بما والغالب خلوّه من اللام ، نحو : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) [الأنعام / ١١٢] ، و (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا) [الأنعام / ١٤٨] ، ومن غير الغالب قوله : [من الوافر] :

١٠٢٠ ـ ولو نعطى الخيار لما افترقنا

ولكن لا خيار مع الليالي (٢)

وقد يقترن باذن ، نحو : ولو جئتني إذن لأكرمتك ، وندر اقترانه بقد أو الفاء كقوله [من الكامل] :

١٠٢١ ـ لو شئت قد نقع الفؤاد بشربة

تدع الحوائم لا يجدن غليلا (٣)

وقوله [من الكامل] :

١٠٢٢ ـ لو كان قتل يا سلام فراحة

لكن فررت مخافة أن أوسرا (٤)

قيل : وقد يكون جوابها جملة اسميّة مقرونة باللام كقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ) [البقرة / ١٠٣] ، وهو قول الزجاج ، قيل : الجملة مستأنفة ، وقيل : جواب قسم محذوف مغن عن جوابها ، وليس بجوابها ، وهو الصحيح ، وجواب لو محذوف لدلالة ما بعده عليه ، وتقديره لا يثبتوا ، وقوله : (لَمَثُوبَةٌ) تقديره : والله لمثوبة.

الرابعة : يحذف جوابها لدليل ، وهو كثير في القرآن المجيد وغيره ، قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) [الرعد / ٣١] ، أى لكان هذا القرآن ، قال أبو حيّان : ويحسن حذفه في طول الكلام.

__________________

(١) تقدم في ص ٩٠٥.

(٢) لم يذكر قائله. اللغة : الخيار : الاختيار.

(٣) هو لجرير. اللغة : نقع : ارتوى ، الفؤاد : القلب ، الحوائم : جمع حائم وهو الّذى تدور حول الماء ولم يصل إليه ، الغليل : حرارة العطش.

(٤) لم يسمّ قائله. اللغة : سلام : منادى مرخم ، لذلك جاز فيه الفتح والبناء على الضمّ ، أصله سلامة.

٩٠٦

لولا

ص : لولا : حرف ترد لربط امتناع جوابه لوجود شرطه ، وتختصّ بالاسميّة ، ويغلب معها حذف الخبر إن كان كونا مطلقا ، وللتوبيخ ، ويختصّ بالماضي ، وللتحضيض والعرض ، فيختصّ بالمضارع ، ولو تأويلا.

ش : الحادية والعشرون «لولا ، حرف» بسيط لا مركّب ، كما اختاره القواس (١) في شرح الكافية ، قال : لأنّ الأصل عدم التركيب ، وقيل : مركّب من لو ولا. «ترد» على ثلاثة أوجه :

أحدها : أن يكون «لربط امتناع جوابه لوجود شرطه ، وتختصّ» بالدخول على الجملة «الاسميّة» على الصحيح ، كما سيأتي ، نحو : لولا زيد لأكرمتك ، أي لو لا زيد موجود ، فأفادت لو لا ربط امتناع الإكرام الّذي هو الجواب بوجود زيد الّذي هو الشرط. وأمّا قوله (ص) : لولا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسواك عند كلّ صلاة (٢). فالتقدير لو لا مخافة أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم أمر إيجاب ، وإلا لانعكس المعنى ، إذ الممتنع المشقّة ، والموجود الأمر ، كذا قال غير واحد.

قال بعضهم : ولك أن تقول : لولا على معناها ، والممتنع هو الوجوب الّذي يطلق عليه الأمر الموجود الندب ، وهو لا يطلق على الأمر حقيقة على الراجح عند أهل الأصول ، انتهى.

فإن قلت : وما تصنع في قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) [النساء / ١١٣] ، فإنّه وجد الهمّ منهم؟ قلت : أجيب بأنّ المعنى ولو لا فضل الله عليك ورحمته لأضلّوك ، إذ همّوا ، وأنت غير مطّلع على حقيقة الحال. قال البيضاويّ (٣) : ليس القصد في جواب لو لا هنا إلى نفي همّهم ، بل إلى نفي تأثيره فيه (ص).

وليس المرفوع بعد لو لا فاعلا بفعل محذوف خلافا للكسائيّ ، ولا بلو لنيابتها عنه خلافا لجماعة من المتقدّمين ولا بها أصالة خلافا للفرّاء ، بل هو مبتدأ مرفوع بالابتدا وفاقا لسيبويه والجمهور.

«ويغلب معها» أى لولا «حذف الخبر إن كان كونا مطلقا» ، هكذا وقع في غير نسخة هذا المتن ، والصواب ، ويجب معها ، إذ لا خلاف في وجوب حذفه معها في هذه

__________________

(١) لم أجد ترجمة حياته.

(٢) نهج الفصاحة ، حديث رقم ٢٣٥٧.

(٣) عبد الله بن عمر الشيرازىّ ناصر الدين البيضاويّ ، قاض ، مفسّر ، علّامة ، من تصانيفه «أنوار التتريل وأسرار التأويل» و «لب اللباب في علم الإعراب» مات سنة ٦٨٥ ه‍. الأعلام للزركلي ، ٤ / ٢٨٤.

٩٠٧

الصورة ، والمراد بالكون الوجود وبالإطلاق عدم التقييد بأمر زائد على الوجود ، وإيضاح ذلك أن يقال : إن كان امتناع الجواب لمجرّد وجود المبتدأ ، فالخبر كون مطلق ، نحو : لولا زيد لأكرمتك ، فالإكرام ممتنع لوجود زيد ، فزيد مبتدأ ، وخبره محذوف وجوبا ، وهو كون مطلق ، أي لو لا زيد موجود.

وإن كان امتناع الجواب لمعنى زائد على وجود المبتدإ فالخبر كون مقيّد كما إذا قيل : هل زيد محسن إليك ، فتقول : لولا زيد لهلكت ، تريد لو لا إحسان زيد لهلكت ، فالهلاك ممتنع لإحسان زيد ، فالخبر كون مقيّد بالإحسان ، وإنّما حذف الخبر مع لولا إذا كان كونا مطلقا ، لأنّه معلوم بمقتضاها ، إذ هي دالّة على امتناع الوجود ، والمدلول على امتناعه هو الجواب ، والمدلول على وجوده هو المبتدأ ، فإذا قيل : لولا زيد لأكرمتك ، لم يشكّ في أنّ وجود زيد منع من الإكرام ، فصحّ الحذف لتعيين المحذوف ، وإنّما وجب لسدّ الجواب مسدّه وحلوله محلّه.

فلو كان الخبر كونا مقيّدا بمعنى زائد على الوجود ، وجب ذكره إن لم يعلم ، نحو : لو لا زيد سالمنا ما سلم ، ومنه الحديث : لولا قومك حديثو عهد بكفر لأسست البيت على قواعد إبراهيم (ع) (١).

ويجوز الأمران إن علم : نحو : لولا أنصار زيد حموه ما سلم ، فيجوز إثبات حموه الّذي هو الخبر وحذفه لفهم معناه من الكلام ، ومنه قول المعرّيّ [من الوافر] :

١٠٢٣ ـ يذيب الرّعب منه كلّ عضب

فلولا الغمد يمسكه لسالا (٢)

فلو قيل : لولا الغمد لسالا لصحّ.

هذا التفضيل مذهب الرمانيّ وابن الشجري والشلوبين وابن مالك ، وقال الجمهور : لا يكون الخبر إلا كونا مطلقا محذوفا ، فإذا أريد الكون المقيّد وجب جعله مبتدأ ، فتقول في لو لا زيد حموه وتأوّلوا ما ورد بخلافه ، وقالوا : الحديث مرويّ بالمعنى ، ولحّنوا المعرىّ.

قال ابن هشام : وليس التلحين بجيّد ، لاحتمال تقدير يمسكه بدل اشتمال على أنّ الأصل أن يمسكه ، ثمّ حذفت أن وارتفع الفعل ، أو يمسكه جملة معترضة ، وخرّجه بعضهم على أنّ يمسكه حال من الضمير المستكن في الخبر ، أي فلولا الغمد موجود في حال كونه يمسكه ، وردّ بنقل الأخفش عن العرب أنّهم لا يأتون بالحال بعد الاسم الواقع

__________________

(١) جاء الحديث في النسائي بهذه الصورة : لولا حداثة عهد قومك بالكفر لنقضت البيت فبنيته على أساس إبراهيم. سنن النسائي ص ٦٩٦ رقم ٢٨٩٨.

(٢) اللغة : يذيب : من الإذابة ، وهي إسالة الحديد ونحوه من الجامدات ، الرعب : الفزع والخوف ، الغضب : السيف القاطع ، الغمد : غلاف السيف.

٩٠٨

بعد لولا ، كما لا يأتون بالخبر ، وزعم ابن الطراوة أنّ جواب لو لا أبدا هو خبر المبتدأ ، ويردّه أنّه لا رابط بينهما.

تنبيهات : الأوّل : إذا ولي لو لا مضمر فحقّه أن يكون ضمير رفع ، نحو : (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) [سبأ / ٣١] ، وسمع قليلا لولاي ولولاك ولولاه خلافا للمبرّد ، قال الشلوبين : اتّفق أئمة البصريّين على أنّهم يقولون ذلك ، فإنكار المبرّد هذيان.

ثمّ قال سيبويه والجمهور : هي جارّة للضمير ، واختصّت بجرّه ، وكما اختصّت الكاف وحتّى بجرّ الظاهر ، ولا جائز أن يكون مرفوعا ، لأنّها ليست ضمائر رفع ولا منصوبا ، وإلا لجاز وصلها بنون الوقاية مع ياء المتكلّم كالياء المتّصلة بالحرف ، ولأنّه كان حقّها أن تجرّ الاسم مطلقا لاختصاصها به ، لكن منع من ذلك تشبيهها بما اختصّ بالفعل من أدوات الشرط في ربط جملة بجملة فأرادوا التنبيه على موجب العمل فجرّوا بها المضمر ، ولا تتعلّق بشيء ، وموضع المجرور بما رفع في الابتداء ، والخبر محذوف.

وقال الأخفش والكوفيّون : الضمير مبتدأ ، ولو لا غير جارّة ، ولكنّهم أنابوا الضمير المجرور عن المرفوع كما عكسوا ، إذ قالوا : ما أنا كأنت ، ولا أنت كأنا ، وردّ بأنّ إنابة ضمير عن ضمير أنّما وقعت في الضمائر المنفصلة لشبهها في استقلالها بالأسماء الظاهرة ، وإذا عطف عليه اسم ظاهر نحو لولاك وزيد ، تعيّن رفعه ، لأنّها لا تجرّ الظاهر.

الثاني : يجوز أن يليها أنّ الثقلية أو المخفّفة منها أو الناصبة ، نحو : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ) [الصافات / ١٤٣] ، (لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا) [القصص / ٨٢] ، و (لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا) [الزخرف / ٣٣] ، قال في المغني : وتصير أن وصلتها مبتدأ محذوف الخبر وجوبا ، أو مبتدأ لا خبر له ، أو فاعلا بثبت محذوفا على الخلاف السابق في لو.

الثالث : جوابها كجواب لو إمّا مضارع منفيّ بلم كقوله [من الطويل] :

١٠٢٤ ـ ...

ولولاك لم يعرض لأحسابنا حسن (١)

أو ماض منفيّ بما ونحو : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً) [النور / ٢١] ، أو ماض مثبت ، ولم تجئ في القرآن بغير اللام نحو : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ) [النور / ١٤] ، واختلف كلام

__________________

(١) صدره «أتطمع فينا من أراق دماءنا» ، وهو لعمرو بن العاص يقوله لمعاوية بن أبي سفيان ، اللغة : أراق : أسال ، الأحساب : جمع حسب ، وهو كلّ ما يعدّه المرء من مفاخر قومه.

٩٠٩

ابن عصفور في حذفها منه ، فمرّة قال بأنّه ضرورة خاصّ بالشعر ، ومرّة قال بأنّه جائز في قليل من الكلام كقوله [من البسيط] :

١٠٢٥ ـ لولا الحياء وما في الدين عبتكما

ببعض ما فيكما إذ عبتما عورى (١)

هذا إذا لم يتقدّم القسم ، فإن تقدّم فلا بدّ من اللام كقول تلك المراة [من الطويل] :

١٠٢٦ ـ فو الله لو لا الله تخشى عواقبه

لزعزع من هذا السّرر جوانبه (٢)

وجاء جوابها مقرونا بقد مع اللام وبدونها كقوله [من البسيط] :

١٠٢٧ ـ لولا الأمير ولو لا حقّ طاعته

لقد شربت دما أحلى من العسل (٣)

وقوله [من البسيط] :

١٠٢٨ ـ كانوا ثمانين أو زادوا ثمانة

لولا رجاؤك قد قتلت أولادي (٤)

الرابع : يجوز حذف جوابها لدليل ، كما حذف جواب لو قال تعالى : (لَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ)(٥) [النور / ١٠] ، وفي الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين علي (ع) [من الطويل] :

١٠٢٩ ـ فلم أر كالدّنيا بها اغترّ أهلها

ولا كاليقين استأنس الدّهر صاحبه

أمرّ على رمس القريب كأنّما

أمرّ على رمس امرىء لم أناسبه

فو الله لو لا أنّنى كلّ ساعة

إذا شئت لاقيت امرا مات صاحبه (٦)

قال المصنّف في الكشكول : جواب لو لا محذوف ، تقديره لما خفّ حزني ، وقد وقع في شعر الحماسة التصريح بهذا المحذوف في قول نهشل (٧) [من الطويل] :

١٠٣٠ ـ وهون وجدي عن خليل إنّني

إذا شئت لاقيت امرءا مات صاحبه

قال : وشارح الديوان الفاضل المبيديّ (٨) : جعل لو لا في هذا البيت للتحضيض فخبط عشواء.

الثانى [من أوجه لولا] أن تكون «للتوبيخ» والتنديم على الشيء ، «وتختصّ» بالدخول على الجملة الفعليّة المبدوّة بالماضي ، تقول : لولا أكرمت زيدا ، على معنى أنّك تلوم المخاطب على ترك الإكرام ، وتوبّخه ، وتندمه عليه في الماضي ، ومثله قوله

__________________

(١) هو لابن مقبل.

(٢) تقدم برقم ٩٠٢.

(٣) لم يسمّ قائله.

(٤) هو لجرير.

(٥) في جميع النسخ (إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ).

(٦) اللغة : الرمس : القبر.

(٧) نهشل بن هرّ ، شاعر مخضرم ، أسلم ولم ير النبىّ (ص) وصحب عليا [ع] فى حروبه ، مات سنة ٤٥ ه‍. الأعلام للرزكلي ، ٩ / ٢٥.

(٨) لم أجد ترجمة حياته.

٩١٠

تعالى : (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) [النور / ١٣] (فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً) [الأحقاف / ٢٨] ، ومنه (وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ) [النور / ١٦] ، إلا أنّ الفعل أخّر ، والأصل لو لا قلتم إذ سمعتموه ، وقد يكون الفعل مضمرا مدلولا عليه ممّا بعده ، نحو : لولا زيدا أكرمته ، أو بما قبله كقوله [من الطويل] :

١٠٣١ ـ تعدّون عقر النّيب أفصل مجدكم

بني ضوطرى لو لا الكميّ المقنّنعا (١)

أى لو لا عددتم ، قال ابن هشام : وقول النحويّين : لولا تعدّون ، مردود ، إذ لم يرد أن يحضّهم على أن يعدّوا في المستقبل ، بل المراد توبيخهم على ترك عدّه في الماضي ، وإنّما قال : تعدّون ، على حكاية الحال ، فإن كان مراد النحويّين مثل ذلك فحسن.

الثالث : أن تكون «للتحضيض» بمهملة ومعجمتين ، «والعرض» بفتح العين وإسكان الراء المهتملين ، والفرق بينهما أنّ التحضيض طلب بحثّ وإزعاج ، والعرض طلب بلين وتأدّب «فتختصّ» بالدخول على الجملة الفعليّة المبدوّه «بالمضارع ، ولو» كان «تأويلا» ، أي مؤوّلا ، فالتحضيض نحو قوله تعالى : (لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ) [النمل / ٤٦] ، أي استغفروه ، ولا بدّ ومثله : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) [الأنعام / ٨] ، فأنزل مؤوّل بالمضارع ، أي يترل ، والعرض نحو : لو لا تترل عندنا فتصيب خيرا ، ومثله : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) [المنافقون / ١٠] فأخّرتني مؤوّل بالمضارع ، أي تؤخّر ، وإنّما اختصّت في ذلك بالفعليّة ، لأنّها لطلب الفعل ، وكذا إذا كانت للتوبيخ في الماضي ، إذ لا يوبّخ على ترك شيء ، إلا وهو مطلوب ، فيكون للطلب مطلقا ، فاشبهت لام الأمر ، فاختصّت بالفعل ، كما اختصّت لام الأمر به لكونها للطلب.

فإن قيل : طلب الفعل بعد مضيّ وقته مستحيل ، فلا يكون فيها إذا وقع بعدها الماضي دلالة على الطلب. فالجواب أنّها لا تنفكّ عن إفادة معنى الطلب في الوقت الّذي كان صالحا ، وإنّما أوقع بعدها الماضي تنبيها على أنّ المطلوب منه ذلك فوته حتّى انقضى وقته ، فصار كالتوبيخ واللوم على ترك المطلوب ، واقتضى اقتصار المصنّف في معاني لو لا على هذه الوجوه الثلاثة أنّها لا ترد لغيره.

قال الهرويّ (٢) : إنّها ترد للاستفهام ، وحمل عليه قوله تعالى : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) [المنافقون / ١٠] ، (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) [الأنعام / ٨] ، ونافية بمترلة لم ، وجعل

__________________

(١) هو لجرير من قصيدة له يهجو فيها الفرزدق. اللغة : العقر : مصدر قولك عقر النافة ، أى ضرب قوائمها بالسيف ، النيب : جمع ناب ، وهي الناقة المسنة ، الضوطرى : الرجل الضخم اللئيم الّذي لا غناء عنده ، والضوطرى أيضا : المرأة الحمقاء ، الكميّ : الشجاع المنكمي في سلاحه : أي المستتر فيه. المقنعا : بصيغة اسم المفعول الذي على رأسه البيضة والمغفر.

(٢) أبو الحسن علي بن محمد نحويّ أديب من أواخر القرن الرابع ، أصله من هراة وسكن مصر ، له الأزهية والذخائر في النحو. مغني اللبيب ص ٣٦٢.

٩١١

منه : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ) [يونس / ٩٨] ، والجمهور لم يثتبوا ذلك ، والظاهر أنّها في الأولى للعرض ، وفي الثانية للتحضيض كما تقدّم ، وفي الثالثة للتوبيخ على ترك الإيمان قبل مجيء العذاب ، أي فهلّا كانت قرية واحدة من القرى المهلكة ثابت عن الكفر قبل مجئيء العذاب فنفعها ذلك ، وهو تفسير الأخفش والكسائى والفرّاء وعلى بن عيسى والنحاس ، ويؤيدّه قراءة أبّي فهلا ، ويلزم من هذا المعنى النفي ، لأنّ التوبيخ يقتضي عدم الوقوع.

تنبيه : ليس من أقسام لو لا الواقعة في نحو قوله [من الطويل] :

١٠٣٢ ـ ألا زعمت أسماء أن لا أحبّها

فقلت بلى لو لا ينازعنى شغلي (١)

لأنّ هذه كلمتان بمترلة قولك : لو لم ، والجواب محذوف ، أي لم ينازعني شغلي لزرتك ، وقيل : بل هي لو لا الامتناعيّة ، والفعل بعدها على إضمار أن المصدريّة على حدّ قولهم : وتسمع بالمعيدي خير من أن تراه ، قاله في المغني.

لمّا

ص : لمّا : ترد لربط مضمون جملة بوجود مضمون أخرى ، نحو : لمّا قمت قمت ، وهل هي ظرف أو حرف؟ خلاف ، وحرف استثناء ، نحو : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ ،) وجارمة للمضارع كـ «لم» ويفترقان في خمسة أمور.

ش : الثانية والعشرون «لمّا ، ترد» على ثلاثة أوجه :

أحدها : أن تكون «لربط مضمون جملة بوجود مضمون أخرى» ، فتقتضي جملتين «نحو» قولك : «لمّا قمت قمت» ، فأفادت لمّا ربط قيام المتكلّم الّذي هو مضمون الجملة الثانية بقيام المخاطب الّذي هو مضمون الجملة الأولى ، يقال فيها : حرف وجود لوجود ، ووجوب لوجوب ، والمعنى قريب ، والمقصود أنّها تدلّ على تحقّق شيء لتحقّق غيره ، فهو واجب ، أى ثابت ، أو واقع ، أي موجود.

«وهل هي ظرف» بمعنى حين ، وعبارة ابن مالك بمعنى إذ ، قال ابن هشام : وهو حسن ، لأنّها مختصّة بالماضي وبالإضافة إلى الجملة ، «أو حرف» يرد لربط ما مرّ ، «خلاف». والقول بالظرفيّة مذهب ابن السّراج والفارسىّ وابن جنيّ وجماعة ، وردّ عليهم ابن خروف بجواز : لمّا أكرمتني أمس أكرمتك اليوم ، لأنّها إذا قدّرت ظرفا كان عاملها الجواب ، والواقع في اليوم ، لا يكون في أمس ، وأجيب بأنّ هذا مثل : (أَنْ

__________________

(١) هو لأبي ذويب الهذلي. اللغة : ينازعنى : يمنعنى.

٩١٢

كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) [المائدة / ١١٦] ، والشرط لا يكون إلا مستقبلا ، ولكن المعنى إن ثبت أنّي كنت قلته ، وكذا هنا المعنى : لمّا ثبت اليوم إكرامك أمس أكرمتك.

والقول بالحرفيّة مذهب سيبويه ، وقال بعضهم : هو الصحيح ، ورحّجوا بأمور :

منها قوله تعالى : (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ) [سبأ / ١٤] ، وقوله تعالى : (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) [العنكبوت / ٦٥] ، وما بعد ما النافية وإذا الفجائيّة ، لا يعمل فيما قبلها.

ومنها إجماعهم على زيادة إن بعدها نحو ، (وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً) [العنكبوت / ٣٣] ، (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ) [يوسف / ٩٦] ، ولو كانت ظرفا ، والجملة بعدها في موضع خفض بسبب الإضافة ، لزم الفصل بين المضاف والمضاف إليه بأن.

تنبيهات : الأوّل : ظاهر كلام المصنّف أنّ الخلاف أنّما هو في حقيقة لمّا ، لا في معناها ، وليس كذلك ، فإنّها عند القائل بالظرفية إنّما تدلّ على مجرّد الوقت ، وعند القائل بالحرفيّة تدلّ على الارتباط كما مرّ ، وإيضاحه أنّا إذا قلنا : لمّا جاء زيد جاء عمرو ، لم يقتض هذا اللفظ عند القائل بالظرفيّة أنّ وجود الأوّل سبب لوجود الثاني ، بل أنّ الثاني وجد عند وجود الأوّل ، وهل ذلك لتسبّبه عنه أو بطريق الاتّفاق لا تعرّض في اللفظ لذلك ، وأمّا القائل بالحرفيّة فيقول بالسببيّة.

الثانى : تختصّ لمّا هذه بالماضي لفظا أو معنى ، ويكون جوابها كذلك اتّفاقا ، نحو :

(فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ) [الإسراء / ٦٧] ، وجوّز ابن مالك كونه جملة اسميّة مقرونة بإذا الفجائيّة أو بالفاء ، نحو : (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ) [الأنبياء / ١٢] ، (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) [لقمان / ٣٢] ، وابن عصفور كونه فعلا مضارعا ، نحو : (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا) [هود / ٧٤] ، وقيل في آية الفاء : إنّ الجواب محذوف ، أي انقسموا قسمين : فمنهم مقتصد ، وفي آية المضارع أنّ الجواب : (جاءَتْهُ الْبُشْرى) على زياده الواو ، أو محذوف ، أى أقبل يجادلنا (١).

الثالث : قال في المغني : من مشكل لمّا هذه قول الشاعر [من الطويل] :

١٠٣٣ ـ أقول لعبد الله لمّا سقاؤنا

ونحن بوادي عبد شمس هاشم (٢)

فيقال : أين فعلاها؟ والجواب أنّ «سقاؤنا» فاعل بفعل محذوف يفسّره ، وهي بمعنى سقط ، والجواب محذوف ، تقديره قلت ، بدليل قوله أقول ، وقوله : شم أمر من

__________________

(١) فى «ح» من قيل في آية حتّى هنا سقط.

(٢) لم يذكر قائله. اللغة : السقاء : الدلو.

٩١٣

قولك : شمت البرق ، إذا نظرت إليه ، والمعنى لمّا سقط سقاؤنا ، قلت لعبد الله : شمه ، انتهى.

قال الدمامينيّ : ولا يخفى أنّه إنّما يحتاج إلى الجواب على رأى القائلين بأنّ لمّا حرف شرط ، وأمّا القائلون بأنّها ظرف بمعنى حين ، فلا يحتاج عندهم إلى التقدير ، بل يجعل متعلّقه بأقول الملفوظ به ولا حذف ، أي أقول لعبد الله حين وهى سقاؤنا ، انتهى.

والأولى تفسير وهى هنا بمعنى تخرّق وانشقّ : قال في القاموس : وهى كوعى وولى : تخرّق ، وانشقّ ، واسترخى رباطه ، وكان حقّه أن يكتب في البيت بالياء ، لأنّه فعل ثلاثيّ من ذوات الياء ، لكن كتب بالألف لأجل الألغاز ، وفي المزهر معنى البيت :

أقول لعبد الله لمّا سقاؤنا وهى ، أى ضعف ، ونحن بهذا الوادي : شم ، أى شم البرق عسى تعقبه المطر ، وقرينة هاشم لعبد شمس أبعدت فهم المراد.

والثاني : أن تكون حرف استثناء بمترلة إلا الاستثنائية في لغة هذيل ، حكاه الخليل وسيبويه والكسائي فتدخل على الجملة الاسميّة نحو قوله تعالى : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) [الطارق / ٤] ، في قراءة التشديد ، وهي قراءة ابن عامر وعاصم حمزه وأبي جعفر (١) ، فإن نافية ولمّا بمعنى إلا ، والمعنى والله أعلم ما كلّ نفس إلا عليها حافظ ، وقراءة ابن مسعود : وإن منا لما له مقام معلوم [الصافات / ١٦٤] ، أي إلا له ، وتدخل على الماضي لفظا لا معنى نحو : أنشدك الله لمّا فعلت كذا ، أى ما أسالك إلا فعلك ، وقد تحذف نحو : نشدتك ونحوها ، فيقال : بالله لمّا فعلت كذا ، أي سالتك ، أي نشدتك بالله إلا فعلت ، قال الشاعر [من الرجز] :

١٠٣٤ ـ قالت له بالله يا ذا البردين

لمّا غنثت نفسا أو اثنين (٢)

غنثت بالغين المعجمة وبعد النون ثاء مثلثة من الغنث ، وهو أن يشرب ثمّ يتنفّس.

وفيه ردّ ، لقول الفرّاء وأبي عبيده والجوهريّ : إنّ لمّا بمعنى إلا غير معروف في اللغة. قال أبو حيان : وهي قليلة الدور في كلام العرب وينبغى أن لا يتّسع فيها ، بل يقتصر على التراكيب الّتي وقعت في كلامهم ، وزعم الزجاجيّ أنّه يقال : لم يأت من القوم لمّا أخوك ، ولم أر من القوم لمّا زيدا ، بمعنى إلا أخوك وإلا زيدا ، وينبغى أن يتوقّف في إجازة هذه التراكيب ونحوها ، حتّى يثبت سماعها أو سماع نظائرها من لسان العرب.

__________________

(١) أبو جعفر يزيد بن قعطاع من قراء المدينة ، المتوفي سنة ١٣٠ ه‍. تاريخ قراءات القرآن الكريم ، ص ٣٠.

(٢) لم يذكر قائله. اللغة : البردان : تثنية برد ، ثوب ينسج باليمن.

٩١٤

الثالث : أن تكون «جازمة» للفعل «المضارع» ، كما تقدّم في الجوازم. «ويفترقان في خمسة أمور» :

أحدها : أنّ لّما لا تقترن بأداة الشرط ، لا يقال : إن لّما تقم ، ولم تقترن به نحو : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ) [المائدة / ٦٧].

الثانى : أنّ منفي لّما يتّصل بالحال كقوله [من الطويل] :

١٠٣٥ ـ فإن كنت مأكولا فكن خير آكل

وإلا فأدركني ولّما أمزّق (١)

ومنفىّ لم يحتمل الاتّصال والانقطاع كما مرّ ، ولامتداد النفي بعد لّما لم يجز اقترانها بحرف التعقيب بخلاف لم ، تقول : قمت فلم تقم ، لأنّ معناه وما قمت عقيب قيامى ، ولا يجوز قمت فلمّا تقم ، بأنّ معناه : وما قمت إلى الآن.

الثالث : أنّ منفيّ لّما لا يكون إلا قريبا من الحال ، ولا يشترط ذلك في منفيّ لم ، تقول : لم يكن زيد في العام الماضي مقيما ، ولا يجوز لّما يكن.

الرابع : أنّ منفيّ لّما متوقّع ثبوته غالبا ، ألا ترى أنّ معنا : (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) [ص / ٨] ، أنّهم لم يذوقوه إلى الآن ، وأنّ ذوقهم له متوقّع بخلاف منفيّ لم كما تقدّم.

الخامس : أنّ منفيّ لّما جائز الحذف لدليل ، كقوله [من الوافر] :

١٠٣٦ ـ فجئت قبورهم بدء ولمّا

ونادت القبور فلم يجبنه (٢)

أى ولمّا أكن بدأ قبل ذلك أى سيّدا ، ولا يجوز حذف منفيّ لم إلا في الضرورة ، كما مرّ. قال ابن هشام : علّة هذه الأحكام كلّها أنّ لم لنفي فعل ، ولّما لنفي قد فعل.

ما

ص : ما ترد اسميّة وحرفيّة ، فالاسميّة ترد موصولة ونكرة موصوفة ، نحو : مررت بما معجب لك وصفة لنكرة ، نحو : لأمر ما جدع قصير أنفه ، وشرطيّة زمانيّة وغير زمانيّة واستفهاميّة ، والحرفيّة ترد مشبّهة بليس ، ومصدريّة زمانيّة وغير زمانيّة ، وصلة وكافّة.

ش : الثالثة والعشرون «ما ترد» على وجهين : «اسميّة وحرفيّة ، فالاسميّة ترد» على خمسة أوجه :

أحدها : أن تكون «موصولة» ، وقد مرّت مشروحة في باب الموصولات.

__________________

(١) هو للممزّق العبديّ.

(٢) لم يذكر قائله. اللغة : البدء : السيد والشاب العاقل ، والهاء في يجبنه للسكت.

٩١٥

والثانى : أن تكون «نكرة» ، وهي نوعان : «موصوفة» وتسمّى ناقصة ، وغير موصوفة ، وتسمّى تامّة.

فالموصوفه إمّا أن توصف بمفرد ، «نحو قولهم : مررت بما معجب لك» أي بشيء معجب لك ، وقول الشاعر [من الطويل] :

١٠٣٧ ـ لما نافع يسعى اللّبيب فلا تكن

لشيء بعيد نفعه الدّهر ساعيا (١)

أو بجملة كقوله [من الخفيف] :

١٠٣٨ ـ ربّما تكره النّفوس من الأم

 ... ر له فرجة كحلّ العقال (٢)

أى ربّ شيء تكرهه النفوس ، فحذف العائد هو الظاهر ، ويحتمل أن تكون ما كافّة ، ومفعول تكره محذوفا ، أي شيئا.

وغير موصوفة تقع في ثلاثة أبواب :

أحدها : التعجّب في نحو : ما أحسن زيدا ، عند سيبويه وجمهور البصريّين ، وهو الصحيح كما مرّ.

الثاني : في باب نعم وبئس على خلاف فيه. قال المراديّ في الجنى : تلخيص القول فيها بعد نعم وبئس أنّه إن جاء بعدها اسم نحو : نعمّا زيد ، وبئسما تزويج ولا مهر ، ففي ما ثلاثة مذاهب : أوّلها أنّ ما نكرة موصوفة ، نصبت على التمييز ، والفاعل مضمر ، والمرفوع بعدها هو المخصوص ، قيل : وهو مذهب البصريّين. قلت : ليس هو مذهب جميعهم. وثانيها : أنّها معرفة تامّة ، وهي الفاعل ، وهو ظاهر قول سيبويه ، ونقل عن المبرّد وابن السّراج والفارسيّ ، وهو أحد قولي الفرّاء. وثالثها : أنّ ما ركّبت مع الفعل ، فلا موضع لها من الإعراب ، والمرفوع بعدها هو الفاعل ، وقال به قوم منهم الفرّاء. وإذا جاء بعدها فعل نحو : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا) [البقرة / ٩٠] ، ونعمّا صنعت ، فعشرة مذاهب :

أوّلها : أنّ ما نكرة منصوبة على التمييز ، والفعل صفتها ، والمخصوص محذوف.

وثانيها : أنّ ما نكرة منصوبة على التمييز ، والمخصوص ما أخرى نكرة محذوفة ، والفعل صفة لها.

وثالثها : أنّ ما اسم تامّ معرفة ، وهي فاعل نعم ، والمخصوص محذوف ، والفعل صفة له.

ورابعها : أنّها موصولة ، والفعل صلتها ، والمخصوص محذوف.

__________________

(١) لم يذكر قائله.

(٢) هو لأميه بن أبى الصلت. اللغة : الفرجة : الخروج من الغمّ ، العقال : الحبل الّذى يعقل به البعير.

٩١٦

وخامسها : أنّها موصولة ، وهي المخصوص ، وما أخرى تمييز محذوف ، والأصل نعم ما ما صنعت.

وسادسها : أنّ ما تمييز ، والمخصوص ما أخرى موصولة محذوفة ، والفعل صلة.

وسابعها : أنّ ما مصدريّة ، ولا حذف في الكلام ، وتأويله نعم صنعك ، وإن كان لا يحسن في الكلام نعم صنعك ، كما نقول : أظنّ أن تقوم ، ولا تقول : أظنّ قيامك.

وثامنها : أنّ ما فاعل ، وهي موصولة يكتفى بها بصلتها عن المخصوص.

وتاسعها : أنّ ما كافّة لنعم ، كما كفّت قلّ ، فصارت تدخل على الجملة الفعليّة.

وعاشرها : أنّ ما نكرة موصوفة مرفوعة بنعم.

والمشهور : من هذه المذاهب الثلاثة الأوّل (١) ، انتهى.

الثالث : قولهم : إذا أرادوا المبالغة في الإخبار عن أحد بالإكثار من فعل كالكتابة مثلا «إنّ زيدا ممّا أن يكتب» أي إنّه من أمر كتابة ، أي إنّه مخلوق من أمر ذلك الأمر هو الكتابة ، فما بمعنى شيء ، وأن وصلتها في موضع خفض بدلا منها ، والمعنى بمترلته في : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) [الأنبياء / ٣٧] ، جعل لكثرة عجلته كأنّه خلق منها ، وزعم السيرافيّ وابن خروف ، وتبعهما ابن مالك ونقله عن سيبويه ، أنّها معرفة تامّة بمعنى الشيء أو الأمر ، وأن وصلتها مبتدأ ، والظرف خبره ، والجملة خبر لأنّ ، قال ابن هشام في المغني : ولا يتحصّل للكلام معنى طائل على هذا التقدير.

والثالث : [من أقسام ما الاسميّة] أن تكون صفة لنكرة ، وتفيد الإبهام وتأكيد التنكير ، ويعبّر عنها بالإبهاميّة ، ويتفرّع على الإبهام التعظيم ، نحو قولهم : لامر ما جدع قصير أنفه ، أي لأمر عظيم ، وقصير هذا هو ابن سعد صاحب جذيمة ، قيل فيه هذا المثل ، لما جدع أنفه للحيلة في طلب دم جذمية من الزبا ، والقصة مشهورة ، والتعميم كأعطه شيئا ما ، أي شيء كان ، والتحقير نحو : أعطاني شيئا ما ، أي حقيرا ، والنوعيّة كاضربه ما أي نوعا من الضرب ، ويختلف معناها بحسب المقامات.

وما ذهب إليه المصنّف من أنّ ما هذه اسم هو رأي قوم من النحويّين ، منهم ابن السّيّد وابن عصفور ، واختاره ابن الحاجب ، والمشهور أنّها زائدة منبّهة على وصف لائق بالمحلّ ، فتكون حرفا لا اسما. واختاره ابن مالك ، وأبطله ابن عصفور بقلّة زيادة ما في الأوائل والأواخر ، وبأنّها لو كانت زائدة لم يكن في الكلام ما يفيد معنى التعظيم

__________________

(١) في رأي ابن مالك لا فرق بين أن يكون بعد نعم ما (نعمّا) وبئس ما (بئسما) فعل أو اسم ، وفي كلتا الصورتين «ما» إمّا أن تكون نكرة منصوبة على التمييز ، وفاعل نعم ضمير مستتر ، أو اسم معرفة ، وهي الفاعل. يقول في الألفية :

و «ما» مميّز وقيل : فاعل

في نحو «نعم ما يقول الفاضل»

(شرح ابن عقيل ٢ / ١٦٦)

٩١٧

ونحوه. وزيّف ابن مالك القول بالاسميّة بأنّ زيادة ما عوضا عن محذوف ثابت في كلامهم ، نحو : إمّا أنت منطلقا انطلقت ، وحيثما تكن أكن ، فزادوها في الأوّل عوضا عن كان ، وفي الثاني عوضا عن الإضافة ، وليس في كلامهم نكرة موصوف بها جامدة جمود ما ، إلا وهي مردفة بمثل الموصوف ، نحو : مررت برجل أيّ رجل ، وطعمنا شاة كلّ شاة ، فالحكم على ما المذكورة بالاسميّة واقتضاء الوصفيّة حكم بما لا نظير له ، فوجب اجتنابه.

الرابع : أن تكون «شرطيّة» ، وهي نوعان : «زمانيّة وغير زمانيّة».

فالزمانيّة نحو قوله تعالى : (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) [التوبة / ٧] ، أي استقيموا لهم زمان استقاموا لكم.

وغير الزمانيّة نحو قوله تعالى : (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ) [البقرة / ١٩٧].

ومجيئها للزمان أثبته الفارسيّ وأبو البقاء وابن شابه (١) وابن مالك ، واستدلّ عليه ابن مالك بقوله [من الوافر] :

١٠٣٩ ـ فما تك يا بن عبد الله فينا

فلا ظلما نخاف ولا افتقار (٢)

وقال ابن هشام : وليس بقاطع لاحتماله للمصدر ، أى للمفعول المطلق والمعنى : أيّ كون تكن فينا طويلا أو قصيرا ، انتهى. ومن لم يثبت الزمانيّة حمل الآية أيضا على المفعول ، والمعنى أيّ استقامة استقاموا لكم فاستقيموا لهم.

والخامس : أن تكون «استفهاميّة» بمعنى أيّ شيء ، ويسأل بها عن أعيان ما لا يعقل وأجناسه وصفاته وأجناس العقلاء وأنواعهم وصفاتهم نحو : (ما هِيَ) [البقرة / ٦٨] ، (ما لَوْنُها) [البقرة / ٦٩] ، (ما وَلَّاهُمْ) [البقرة / ١٤٢] ، (ما تِلْكَ بِيَمِينِكَ) [طه / ١٧] ، (مَا الرَّحْمنُ) [الفرقان / ٦٠] ، ولا يسأل بها عن أعيان أولى العلم خلافا لمن أجازه ، وأمّا قول فرعون : (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) [الشعراء / ٢٣] ، فإنّه قال جهلا ، ولهذا أجابه موسى بالصفات ، قاله في الإتقان (٣).

ويجب حذف ألفها إذا جرّت ، وإبقاء الفتحة دليلا عليها ، سواء كان الجارّ اسما ، نحو : مجيء مه جئت ، وهذه الهاء لا ينطق بها وصلا ، وإنّما كتبت لأجل أنّها تجلب عند الوقف وجوبا حيث يكون الجارّ لما الاستفهاميّة اسما ، كما هو مقرّر في التصريف ، قاله

__________________

(١) لم أجد ترجمه حياته.

(٢) لم يسمّ قائله. اللغة : الافتقار : الاحتياج.

(٣) الإتقان في علوم القرآن للسيوطى المتوفى سنة ٩١١ ه‍.

٩١٨

الدمامينيّ في المنهل ، أو كان الجارّ حرفا ، نحو : فيم وإلام وعلام وبم ، وقال [من الطويل] :

١٠٤٠ ـ فتلك ولاة السوء قد طال مكثهم

فحتّام حّتام العناء المطوّل (١)

وربّما تبعت الفتحة الألف في الحذف ، وهو مخصوص بالشعر كقوله [من الرمل] :

١٠٤١ ـ با أبا الأسود لم خلّفتنى

لهموم طارقات وذكر (٢)

اختلف في علّة حذف الألف ، فقال ابن عقيل وغيره : التخفيف لكثرة الاستعمال ، وقال جماعه : علّته الفرق بين الاستفهام والخبر ، فلهذا حذفت في نحو : (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها) [النازعات / ٤٣] ، (فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) [النمل / ٣٥] ، (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) [الصف / ٢] ، وثبتت في : (لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ) [النور / ١٤] ، (يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) [البقرة / ٤] ، (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) [ص / ٧٥] ، وإنّما لم يعكس ، لأنّ ما الموصولة أكثر ، فأجري التكثير على الأصل من الإثبات ، وقال الرضيّ : علّته أنّ لما الاستفهاميّة صدر الكلام ، ولم يمكن تأخّر الجارّ عليها ، فقدّم عليها ، وركّب معها ، حتّى يصير المجموع ككلمة موضوعة للاستفهام ، فلا يسقط الاستفهام عن مرتبة التصدّر ، وجعل حذف الألف دليل التركيب ، ولم يحذف آخر من وكم الاستفهاميّتين مجرورتين لكونه صحيحا ، ولا آخر أيّ لجريه مجرى الصحيح في تحمّل الحركات ، انتهى.

وثبوت الألف في هذه الحالة قليل شاذّ كقراءة عكرمة وعيسى : عما يتساءلون [النباء / ١] ، وأمّا قول حسان [من الوافر] :

١٠٤٢ ـ على ما قام يشتمني لئيم

كخترير تمرّغ في دمان (٣)

فضرورة ، والدّمان كالرماد زنة ومعنى ، ولا يجوز حمل القراءة المتواترة على ذلك لضعفه ، ولهذا ردّ الزمخشريّ على من زعم أنّ ما في قوله تعالى : (فَبِما أَغْوَيْتَنِي) [الأعراف / ١٦] استفهاميّة ، لكنّه ناقض هذا حيث جوّز هو كونها فى : (بِما غَفَرَ لِي رَبِّي) [يس / ٢٧] ، استفهاميّة ، وإنّما لم تحذف الألف في نحو : لماذا فعلت ، لأنّ الألف هنا صارت حشوا بالتركيب ، فاشبهت الموصولة.

«والحرفيّة ترد» على أربعة أوجه :

__________________

(١) هو للكميت بن زيد. اللغة : الولاه : جمع وال ، العناء : المشقّة والتعب.

(٢) لم يسمّ قائله. اللغة : خلّف : أخّر ، الهموم : جمع همّ وهو الحزن ، الطارقات : جمع الطارقة وهو الأتى ليلا.

(٣) اللغة : يشتمنى : يسبّنى ، تمرّغ : تقلّب.

٩١٩

أحدها : أن تكون نافية «مشبهة بليس» ، وتعمل عملها في لغة الحجازيّين ، وقد مضت مشروحة في النواسخ.

«و» الثاني : أن تكون «مصدريّة» ، وتسمّى موصولا حرفيّا ، وهي نوعان :

«زمانيّة» : وتسمّى ظرفيّة ووقتيّة لنيابتها عن ظرف زمان ، نحو : (ما دُمْتُ حَيًّا) [مريم / ٣١] ، أي مدّة دوامي حيّا ، فحذف الظرف ، ونابت عنه ما وصلتها كما جاء في المصدر الصريح ، نحو : جئتك صلاة العصر ، وآتيك قدوم الحاجّ. وليس معنى كونها زمانيّة أنّها تدلّ على الزمان بذاتها ، لأنّها لو كانت كذلك لكانت اسما ، ولم تكن مصدريّة ، وقد زعم ذلك ابن السكّيت ، وتبعه ابن الشجريّ في قوله [من البسيط] :

١٠٤٣ ـ منّا الّذي هو ما إن طرّ شاربه

والعانسون ومنّا المرد والشّيب (١)

فقال : معناه حين طرّ شاربه. قال ابن هشام. وزيدت إن بعدها لشبهها في اللفظ بما النافية كقوله [من الطويل] :

١٠٤٤ ـ ورجّ الفتى للخير ما إن رأيته

 ... (٢)

والأولى تقدير ما في البيت نافية ، لأن زياده إن حينئذ قياسيّة ، ولأنّ فيه سلامة من الإخبار بالزمان عن الجثة ، ومن إثبات معنى واستعمال لما لم يثبتا وهما كونها للزمان مجرّدة ، وكونها مضافة ، انتهى.

تنبيهات : الأوّل : تعبير المصنّف بالزمانيّة أحسن من تعبير غيره بالظرفيّة لشمولها نحو : (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) [البقرة / ٢٠] ، فإنّ الزمان المقدّر هنا مخفوض ، أي كلّ وقت إضاءة ، والمخصوص لا يسمّى ظرفا ، نبّه عليه في المغني.

الثاني : لا تشارك ما في النيابة عن الزمان إن ، خلافا لابن جني ، وحمل علي قوله [من الطوي] :

١٠٤٥ ـ وتا لله ما إن شهلة أمّ واحد

بأوجد منّي أن يهان صغيرها (٣)

أي وقت أن يهان صغيرها ، وتبعه على ذلك الزمخشريّ. وخرّج عليه : (أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) [البقرة / ٢٥٨] ، (إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) [النساء / ٩٢] ، أى وقت أن آتاه الله ، وحين أن يصدّقوا ، ومعنى التعليل في البيت والآيات ممكن ، وهو متّفق عليه ، فلا تعدل عنه.

__________________

(١) هو لأبي قيس بن رفاعة اليهودىّ. اللغة : طرّ : نبت ، العانس : من بلغ حدّ التزويج ولم يتزوّج ذكرا كان أو أنثى. المرد : جمع أمرد ، وهو بمعنى الّذي ما طرّ شاربه ، الشيب : جمع أشيب ، وهو المبيض الرأس واللحية.

(٢) تقدّم برقم ٩٢٩ و ٩٣٤.

(٣) لم يذكر قائله. اللغة : الشهلة : العجوزة ، أوجد : أكثر وجدا.

٩٢٠