الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

السيد علي خان المدني الشيرازي

الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

المؤلف:

السيد علي خان المدني الشيرازي


المحقق: الدكتور السيد أبو الفضل سجادي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: روح الأمين
الطبعة: ٠
ISBN: 978-964-518-296-8
الصفحات: ٩٤٧

والعلم الجنسيّ مسمّاه ثلاثة أنواع أعيان لا تؤلف كالسّباع والحشرات ، نحو : أسامة وأمّ عريط للاسد والعقرب ، وأعيان تؤلف كهيان بن بيان للمجهول العين والنسب ، وأبي المضا للفرس ، وأمور معنويّة كسبحان للتسبيح ، ويسار للميسرة وبرّة للمبرّة وفجار للفجرة.

انقسام العلم إلى اسم ولقب وكنية : ثمّ العلم باعتبار ذاته شخصيّا كان أو جنسيّا ، إمّا اسم ، وهو الّذي لا يقصد به مدح ولا ذمّ ، كزيد وعمر ، أو لقب ، وهو يقصد به أحدهما كالمصطفي والمرتضى وتاج الدين في المدح ، وقفّة (١) وبطة وعائذ الكلب في الذّمّ ، أو كنية ، وهو ما صدر بأب وأمّ ، كأبي الحسن وأمّ كلثوم ، وأبي مضاء للفرس وأمّ عريط للعقرب. وزاد الرضيّ ، أو ابن أو بنت كابن آوي وبنت وردان (٢).

قال : والفرق بينها وبين اللقب معنى أنّ اللّقب يمدح الملقّب به أو يذمّ بمعنى ذلك اللفظ بخلاف الكنية ، فإنّه لا يعظّم المكني بمعناها ، بل بعدم التصريح بالاسم ، فإنّ بعض النفوس تأنف بأن تخاطب باسمها ، وردّه بعضهم بقول الشاعر [من الوافر] :

٣٣ ـ فصدت أبا المحاسن كي أراه

بشوق كاد يجذبني إليه

فلمّا أن رأيت رأيت فردا

ولم أر من بنيه ابنا لديه (٣)

قال : فلاحظ في الكنية ما دلّت عليه من المعنى الأصليّ ، وسلبه عن المكني به ، وأجيب بأنه لعلّ مراد الرضيّ أنّ الكنية من حيث إنّها كنية لا يعظّم المكنّي بها لا مطلقا ، وإفادتها للتعظيم فيما ذكر ليس من حيث إنّها كنية بل لخصوص المادة فلا اعتراض ، فليتأمّل.

وقال شعبان (٤) في ألفيته [من الرجز] :

٣٤ ـ بكينة عظّم وخيّر في اللقب

وقيل في تبّت يدا أبي لهب

تهكّم أو لاحمرار يعزى

في وجهه أو لاسم عبد العزّى

وقد يكنى الشخص بالأولاد الّذين له كأبي الحسن لأمير المؤمنين عليّ (ع) ، وقد يكنى في الصغر تفاؤلا ، لأن يعيش حتي يصير له ولد اسمه (٥) ذاك ، كابي القاسم.

__________________

(١) القفّة : الرجل الصغير الجثة.

(٢) بيت وردان : دويبة نحو الخنفساء حمراء اللون.

(٣) لم يسمّ قائلهما.

(٤) شعبان بن محمد بن داود ، المعروف بالآثاري ، أديب ، له شعر كثير ، فيه هجو ومجون ، له أكثر من ثلاثين كتابا في الأدب والنحو ، منها «لسان العرب في علوم الأدب» و «ألفية» في النحو و... مات منة ٨٢٨ ه‍. الأعلام للزركلي ، ٣ / ٢٤١.

(٥) سقط اسمه في «س».

٨١

وإذا اجتمع الاسم واللقب ، أخّر اللقب عن الاسم غالبا لكون اللقب أشهر ، لأنّ فيه العلميّة مع شيء من معنى النعت ، فلو أتي به أوّلا لأغني عن الاسم فلم يجتمعا ، ومن غير الغالب قوله [من الوافر] :

٣٥ ـ أنا ابن مزيقيا عمرو وجدّي

أبوه منذر ماء السماء (١)

ولا ترتيب بين الكنية وغيرها ، ثمّ إن كان اللّقب وما قبله مفردين ، أضيف الاسم إلى اللقب ، نحو : هذا زيد بطة وسعيد كرز ، على تأويل الأوّل بالمسمّى ، والثاني بالاسم ، كأنّك قلت : هذا صاحب هذا الاسم ، ولم يجز عند البصريّين أو جمهورهم في ذلك إلا الإضافة ، وأجاز الكوفيّون فيه الاتّباع والقطع بالرفع والنصب ، وهو الأولي لقولهم : هذا يحيي عينان ، وأمّا إذا لم يكونا مفردين ، فلا بدّ من الاتّباع ، سواء كانا مركّبين ، نحو : هذا عبد الله أنف الناقة ، أو أحدهما مركّبا ، نحو : هذا يزيد عائذ الكلب ، وهذا عبد الله بطّة وصرّح بعض المتأخّرين بجواز الإضافة ، إذا كان مجرّد الاسم مفردا.

تنبيه : محلّ الإضافة في المفردين حيث لا مانع كأن يكون الاسم مقرونا بأل كالحارث قفه ، أو كان اللقب وصفا في الأصل مقرونا بأل كهارون الرّشيد ومحمّد المهدي ، فلا يضاف الأوّل إلى الثاني ، نصّ على ذلك ابن خروف (٢) ، قاله في التصريح.

فلان وفلانة وأسماء الأيّام : ومن العلم ما كنّي به عنه كفلان وفلانة ، فيجري مجرى المكنّى عنه ، وأسماء الأيام عند الجمهور أعلام توهّمت فيها الصفة ، فدخلت عليها أل لللمح كالحارث والعباس ، ثمّ غلبت ، فصارت كالدّبران (٣).

فالسّبت مشتق من معنى القطع ، والجمعة من معنى الأجتماع ، وباقيها من الواحد والثاني والثالث والرّابع والخامس.

وذهب المبرّد إلى أنّها غير أعلام ، ولا ماتها للتعريف ، فإذا زالت ، صارت نكرات ، والأوّل أصحّ ، واعلم أنّه إذا قصد بكلمة ذلك اللّفظ دون معناها كقولك : أين كلمة استفهام ، وضربت فعل ماض ، فهي علم ، ذلك لأنّ مثل هذا موضوع لشئ بعينه ، غير

__________________

(١) قاله بعض الانصار. ماء السماء ، قال [الجوهريّ] في الصحاح : هو لقب عامر بن حارثة الأزدي ، وهو أبو عمرو مزيقيا الذي خرج من إليمن لما أحس بسيل العرم ، فسمّي بذلك ، لأنّه كان إذا أجدب قومه مانهم حتّي يأتيهم الخصب ، فقالوا : هو ماء السماء ، لأنّه خلف منه. البغدادي ، خزانة الأدب ، ج ٤ ، الطبعة الأولي ، بيروت ، دار الكتب العلميّة ، ١٤١٨ ه‍ ، ص ٣٣٧.

(٢) علي بن محمد بن علي أبو الحسن ابن خروف الاندلسيّ النحويّ ، كان اماما في العربية ، محقّقا مدقّقا ، صنّف : شرح سيبويه ، شرح الجمل ، مات سنة ٦٠٩ ه‍. بغية الوعاة ٢ / ٢٠٣.

(٣) الدّبران : نجم بين الثّريا والجوزاء وهو من منازل القمر. قال الجوهريّ : الدبران خمسة كواكب من الثور يقال إنّه سنامه ، وهو من منازل القمر. لسان العرب ١ / ١٢٢٣ (دبر).

٨٢

متناول غيره ، وهو منقول ، لأنّه نقل من مدلول هو المعنى إلى مدلول آخر هو اللفظ ، قاله الرّضيّ.

التصغير لا يبطل العلميّة : ولا يبطل التصغير العمليّة ، سواء كان تصغير ترخيم أو غيره ، وما قيل من أنّ تصغير الترخيم يبطلها مردود بقول الشاعر [من الطويل] :

٣٦ ـ ...

وكان حريث عن عطائي جامدا (١)

يريد الحرث بن وعلة ، ولو كان منكّرا لأدخل عليه اللام ، قاله ابن جنّي.

قالوا : وقد ينكّر العلم ، وصوّروا ذلك بوجهين ، أحدهما : أن يراد به مسمّي بكذا ، وجعل منه قولهم : لا زيد كزيد بن ثابت ، والثاني : أن يراد به الصفة ، كقولهم : لكلّ فرعون موسي ، أي لكلّ جبّار قهّار ، أو لكلّ مبطل محقّ.

قال بعض المحقّقين : ولا يخفي أنّ مدار التعريف هو الوضع ، فباستعمال العلم في أحد هذين المعنيين ، وهو مجاز قطعا ، لم يخرج عن كونه معرفة ، فالقول بتتكيره مبنيّ على المسامحة ، وهو حسن. وقدّم المصنّف التمثيل للعلم بناء على أنّه أعرف المعارف ، وهو قول الصميريّ (٢) ، وينسب إلى سيبويه والكوفيّين ، وفي ترتيبها اختلاف ، سيأتي ذكره في آخر البحث إن شاء الله تعالى.

المعرفة بالأداة والخلاف في ال : والثاني من المعارف المعرّف بالأداة ، نحو : «الرّجل» وكونها أل كهل هو مذهب الخليل ، والهمزة عنده أصليّة قطعيّة حذفت في الوصل لكثرة الاستعمال ، وصحّحه ابن مالك ، ونقل عن سيبويه ما يوافقه في كونها أل أيضا ، لكن يخالفه في أصالة الهمزة ، فهي عنده زائدة معتدّ بها في الوضع ، والمشهور عنه أنّها اللام وحدها ، والهمزة وصليّة ، جلبت قبلها لتعذّر الابتداء بالساكن ، وفتحت مع أنّ الأصل في همزات الوصل الكسر لكثرة الاستعمال.

ونقل أبو حيّان هذا القول عن جميع النّحويّين إلا ابن كيسان ، وعزاه صاحب البسيط (٣) إلى المحقّقين ، وتظهر فائدة الخلاف في نحو : قام القوم ، فعلى الأوّل حذفت

__________________

(١) صدره

«أتيت حريثا زائرا عن جنابه» ،

وهو للأعشى.

(٢) عبد الله بن علي بن إسحاق الصميري النحويّ ، له تبصرة في النحو ، كتاب جليل أكثر ما يشتغل به أهل المغرب ، بغية الوعاة ، ٢ / ٤٩.

(٣) صاحب البسيط هو السّيّد ركن الدين حسن بن محمد الأسترآباذي. صنّف ثلاثة شروح على الكافيّة ، كبير وهو المسمّى بالبسيط ، ومتوسّط وهو المسمّى بالوافيّة وهو المتداول ، وصغير ، وتوفّي سنة ٧١٧ ه‍. كشف الظنون ٢ / ١٣٧٠.

٨٣

الهمزة لتحرّك ما قبلها ، وعلى الثاني لم تكن ثمّ همزة حتّى يقال : حذفت ، بل لم يؤت بها لعدم الحاجة إليها لتحرك ما قبل اللام. وذهب المبرّد إلى أنّ أداة التعريف هي الهمزة وحدها ، وجلبت اللام للفرق بينها وبين همزة الاستفهمام.

فائدة : قال المراديّ في الجنى : إعلم أنّ من جعل حرف التعريف ثنائيا ، وهمزته أصليّة عبّر عنه بأل ، ولا يحسن أن يقول : الألف واللام كما لا يقال في قد : القاف والدّال.

وكذلك ذكر عن خليل قال : ابن جنيّ كان يقول : أل ولا يقول : الألف واللام ، ومن جعله اللام وحدها عبّر باللام ، كما فعل المتأخّرون ، ومن جعله ثنائيا ، وهمزته همزة وصل زائدة فله أن يقول : أل ، وأن يقول : الألف واللام ، وقد وقع في كتاب سيبويه التعبير بالأمرين ، والأوّل أقيس ، انتهى.

تقسيم أل إلى عهديّة وجنسيّة وزائدة : وهي على كلّ قول إمّا جنسية ، أو عهديّة ، أو زائدة ، فالجنسيّة أن خلفها كلّ من دون تجوّز ، نحو : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) [العصر / ٢] وهي لشمول الافراد ، وأن خلفها بتجوّز ، نحو : أنت الرّجل أدبا ، فهي لشمول خصائص الجنس مبالغة ، وأن لم يخلفها كلّ ، نحو : (جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) [الأنبياء / ٣٠] ، فهي لبيان الحقيقة.

والعهديّة أمّا أن يكون مصحوبها معهودا ذكريّا ، نحو : (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً* فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) [المزمل / ١٦ و ١٥] ونحو : (فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ) [النور / ٣٥] ، أو معهودا ذهنيّا ، نحو : (إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) [الفتح / ١٨] ، أو معهودا وحضوريّا ، نحو : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة / ٣].

والزائدة نوعان : لازمة وغير لازمة. فالأولى كالّتي في الأسماء الموصولة على القول بأنّ تعريفها بالصّلة ، وكالواقعة في الأعلام بشرط مقارنتها لنقلها ، كالنّضر والنّعمان واللّات والعزّى (١) ، أو لارتجالها كالسمؤل (٢) ، أو لغلبتها على بعض من هي له ، كالبيت لكعبة والمدينة للطيبة ، والنجم للثريا ، وهذه في الأصل للعهد الذهنيّ.

البتّة والكلام على إعرابها ومعناها : تنبيه : أل في ألبتّة غير لازمة ، كما يشعر به ما في الصحاح ، حيث قال : لا أفعله بتّة ، ولا أفعله ألبتّة ، لكلّ أمر لا رجعة فيه ، ونصبه على

__________________

(١) اللات صنم كان في الجاهلية لثقيف بالطائف. العزّي : صنم عبدته قريش في الجاهليّة إلى جانب اللات ومناة.

(٢) هو السّموأل بن عادياء إليهودي شاعر العصر الجاهليّ ، صاحب الحصن المعروف بالأبلق ، وبه يضرب المثل في الوفاء. وقد توفّي نحو سنة ٥٦٠ للميلاد. الجامع في تاريخ الأدب العربي ، الأدب القديم ، ص ٢٨٢.

٨٤

المصدر ، وكذا في العباب للصغائيّ (١) والقاموس لمحمد بن يعقوب (٢) ، ونقل عن سيبويه أنّها لازمة مع كونها للتعريف ، وقطع الهمزة سماعيّ.

والثانية أعني غير اللازمة نوعان ، واقعة في الفصيح بكثرة أو لا ، فالأولي هي الداخلة على علم منقول من مجرّد صالح لها ، كحرث وعباس تقول فيهما : الحرث والعباس ، وهو يتوقّف على السّماع ، فلا يقال في محمد وأحمد : المحمّد والأحمد. والثانية ضربان ، واقعة في شعر أو شذوذ من النّثر. فالأولي الداخلة على علم لا للمح الأصل كعمرو يزيد في قول [من الرجز] :

٣٧ ـ باعد أمّ العمرو من أسيرها

حرّاس أبواب على قصورها (٣)

وقوله [من الطويل] :

٣٨ ـ رأيت الوليد بن إليزيد مباركا

 ... (٤)

وأمّا الداخلة على الوليد فللمح الأصل ، والثانية كالداخلة على ما هو واجب التنكير ، نحو : أدخلوا الأوّل فالأوّل. وجاؤوا الجماء الغفير وأرسلها العراك (٥) ، و (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) [المنافقون / ٨] على قراءة من فتح إلياء. ولم يعتبر الأذلّ مفعولا مطلقا على حذف مضاف ، أي خروج الأذلّ ، ومن اعتبر ذلك لم يحتجّ إلى دعوي الزيادة.

نيابة أل عن الضمير المضاف إليه : مسألة : أجاز الكوفيّون وبعض البصريّين وكثير من المتأخرين نيابة «أل» عن الضمير المضاف إليه ، وخرّجوا على ذلك (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ

__________________

(١) الصغائي (أبو الفضائل الحسن) (١١٨١ ـ ١٢٥٢) : لغويّ ومحدّث وفقيه حنفي ، من كتبه معجمان : «كتاب التكملة والّذيل والصلة» لصحاح الجوهريّ و «كتاب العباب الزاخر واللباب الفاخر» ومات قبل أن يكمله ، استعملها الفيروزآباديّ لتاليف القاموس. المنجد في الأعلام ص ٣٤٥.

(٢) محمد بن يعقوب الفيروزآباديّ صاحب القاموس المحيط في اللغة ، مات سنة ٨١٦ ه‍. بغية الوعاة ١ / ٢٧٣.

(٣) هو لابي النجم العجلي. اللغة : أسيرها : أي أسير حبها ، أراد به نفسه. الحراس : جمع الحارس وهو الّذي يحرسك ليلا ونهارا.

(٤) تمامه «شديدا بأعباء الخلافة كاهله» ، وهو من قصيدة لابن ميّادة ، واسمه الرماح بن أبرد بن ثوبان ، وميّادة اسم أمّه سوداء نسب إليها. اللغة : الأعباء : جمع عبء ، وهو الحمل الّذي يثقل عليك ، كاهله : أصل الكاهل ما بين الكتفين ، ويكني بشدّة الكاهل عن القوّة وعظيم التحمّل لمهام الأمور.

(٥) «أرسلها العراك» جزء من بيت للبيد بن ربيعة من بحر الوافر :

فأرسلها العراك ولم يذدها

ولم يشفق علي نغض الدّخال

اللغة : العراك : إزدحام الإبل أو غيرها حين ورود الماء ، يذدها : يطردها ، يشفق : يرحم ، نغض : مصدر نغض الرجل : إذا لم يتمّ مراده ، ونغض البعير إذا لم يتمّ شربه ، الدخال في الورد : أن يدخل بعيرا قد شرب بين بعيرين ناهلين.

٨٥

الْمَأْوى) [النازعات / ٤١] ، ومررت برجل حسن الوجه ، وضرب زيد الظهر والبطن ، إذا رفع الوجه والظهر والبطن.

والمانعون يقدّرون له في الآية ، ومنه في الأمثلة ، وقيّد ابن مالك الجواز بغير الصلة.

قال الزمخشريّ في (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) [البقرة / ٤١] : إنّ الأصل أسماء المسمّيات.

وقال أبو شامة (١) في قوله [من الطويل] :

٣٩ ـ بدأت بسم الله في النظم أوّلا

 ... (٢)

إنّ الأصل : في نظمي ، فجوّزا نيابتها عن الظاهر ، وعن ضمير الحاضر ، والمعروف من كلامهم أنّما هو التمثيل بضمير الغائب قاله في المغني.

اسم الإشارة : والثالث من المعارف اسم الإشارة ، نحو : «ذا» ، بألف ساكنة للمفرد المذكّر ، ويقال : ذا بهمزة مكسورة بعد الألف ، وذائه بهاء مكسورة بعد الهمزة المكسورة ، وذاؤه بهاء مضمومة بعد همزة مضمومة ، قال [من الرجز] :

٤٠ ـ هذاؤه الدفتر خير دفتر

في كفّ قوم ماجد مصوّر (٣)

يروى بكسر الهاء وضمّها ، وفي كتاب أبي الحسن الهيثم (٤) إنّما حرّكت الهاء فيها للضرورة ، والأصل فيهما ذا ، وألفه أصليّة عند البصريّين ، لا زائدة خلافا للكوفيّين ، وهو ثلاثيّ الأصل ، حذفت لامه على الأصحّ ، لا عينه ، وعينه مفتوحة لا ساكنة على الأصحّ ، قاله في التصريح.

وفي الدّرّ المصون (٥) اختلف البصريّون : هل عينه ولامه ياء ، فيكون من باب يحيى ، أو عينه واو ، ولامه ياء ، فيكون من باب طويت ، ثمّ حذفت لامه تخفيفا ، أو قلبت العين ألفا ، لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ، وهذا كلّه على سبيل التمرين ، وإلا فهذا مبنيّ ، والمبنيّ لا يدخله التصريف ، وقال أبو حيّان : لو قيل : بأنّ ذا ثنائيّ الوضع ، نحو : ما وإن ، والألف أصل بنفسها غير منقلبة عن شيء ، وأصل الأسماء المبنيّة أن يوضع على حرف أو

__________________

(١) عبد الرحمن بن إسماعيل الإمام ذو الفنون المشهور بأبي شامه ، أتقن الفقه ، وبرع في العربية ، وصنف : نظم المفصّل للزمخشريّ ، مقدمة في النحو و... مات سنة ٦٦٥ ه‍. المصدر السابق ، ٢ / ٧٧.

(٢) تمامه «تبارك رحمانا رحيما وموئلا» ، وهو للشاطبي (قاسم بن فيره). اللغة : الموئل : المرجع والملجأ.

(٣) لم يذكر قائله.

(٤) أبو علي الحسن بن الهيثم (٩٦٥ ـ ١٠٣٩ م) فلكيّ ورياضيّ من أهل البصرة ، اشتهر بكتابه «المناظر» المنجد في الاعلام ص ١٦.

(٥) ما وجدت عنوانه.

٨٦

حرفين لكان مذهبا جيّدا سهلا قليل الدعوي ، وقال : ثمّ رأيت هذا المذهب للسيرافيّ وللخشينيّ (١) ، ونقله عن قوم ، انتهى.

الموصول والمضمر : والرّابع من المعارف ، الموصول الاسميّ ، نحو : «الّذي» للمفرد المذكّر العالم وغيره ، والّتي المفرد المونث كذلك. والخامس من المعارف المضمر ، نحو : «هو» ، وسيأتي الكلام على هذه الثلاثة مستوفيا في المبنيّات ، إن شاء الله تعإلى ، فلينتظر.

تنبيه : في الضمير العائد على النكرة أربعة مذاهب : أحدها : أنّه نكرة مطلقا. الثّاني : أنّه معرفة مطلقا. الثّالث : إن رجع إلى واجب التنكير ، كما في ربّه رجلا فهي نكرة وإلا فمعرفة ، وإنّما قلنا : إنّ رجلا في المثال واجب التنكير ، لأنّه تمييز ، والتمييز واجب التنكير (٢). الرابع : إن رجع إلى نكرة مخصوصة بصفة أو حكم ، نحو : مررت برجل كريم وأخيه ، وجاءني رجل فضربته ، فهو معرفة وإلا فنكرة.

والحقّ أنّ الضّمير العائد إلى نكرة معرفة مطلقا ، لأنّ التعريف هو التعيين أي الإشارة إلى معلوم حاضر في ذهن السامع من حيث هو معلوم وإن كان مبهما في نفسه ، وهذا المعنى موجود ، في الضمير العائد إلى النكره ، ولهذا يجري عليه أحكام المعارف اتّفاقا.

المضاف إلى أحد المعارف : «و» السّادس من المعارف «المضاف إلى أحدها» ، أي إلى أحد الخمسة المذكورة ولو بواسطة ، نحو : غلام أبيك.

«معنى» مفعول مطلق ، أي إضافة مفيدة معنى ، واحترز به عن المضاف إلى أحدها إضافة لفظيّة ، فإنّها لا تفيد تعريفا ، وإنّما يتعرّف بالإضافة ما ليس من الأسماء المتوغّلة في الإبهام ، كغير ومثل ، على ما سيأتي بيانه في باب الإضافة ، إن شاء الله تعإلى.

المعرّف بالنداء : «و» السّابع من المعارف «المعرف بالنداء» ، نحو : يا رجل ، لا نحو : يا رجلا فإنّه نكرة ، ولا نحو : يا زيد ، فإنّه معرفة بغير النداء على الصحيح المختار عند ابن مالك ، وازداد بالنداء وضوحا ، وأغفل أكثرهم هذا النوع لكونه داخلا في المعرّف بأل بناء على أنّ تعريفه بها مقدّرة ، وهو مذهب المتقدّمين.

__________________

(١) سليمان بن عبد الله أبو الربيع الخشينيّ اللغويّ النحويّ ، كان ضريرا من أئمة التجويد للقرآن ، ذا حظّ وافر من النحو ورواية الحديث. بغية الوعاة ١ / ٥٩٩.

(٢) التمييز واجب التنكير سقطت في «س».

٨٧

قال أبو حيّان : إنّه الّذي صحّحه أصحابنا ، أو لكونه فرع الضمير ، لأنّ تعريفه لوقوعه موقع كاف الخطاب ، واستظهره بعضهم ، والمفهوم من ظاهر قول سيبويه أنّ تعريفه بالإشارة والمواجهة.

قال ابن مالك : وإذا كانت الإشارة دون مواجهة معرفة لإسم الاشارة فلأن تكون معرفة ، ومعها المواجهة أولي وأحري ، قال : وهو أظهر وأبعد من التكلّف ، فجعله قسما سابعا برأسه أولى.

ترتيب المعارف : تنبيهات : الأوّل : كتب المصنّف في الهامش إنّما أخّر ذكره ، يعني المعرّف بالنداء عن المضاف إلى أحدها لئلّا يرد عليه ما ورد على ابن الحاجب ، انتهى.

يريد أنّ ابن الحاجب أخّر ذكر المضاف إلى أحدها عن جميع المعارف فأوردوا عليه ، أنّه يلزم من ذلك صحّة الإضافة إلى المنادى أيضا ، والمنادى لا يضاف إليه أصلا ، فأخّر المصنّف ذكره ، فسلم من ذلك.

ورام صاحب الفوائد الضيائية (١) التّقصّيّ عن ذلك فقال : لا يستلزم صحّة الإضافة إلى أحدها صحّتها بالنسبة إلى كلّ واحد ، فلا يرد ما أوردوه ، انتهى. قال عصام الدين : لا يخفي أنّه تكلّف جدّا ، والمتبادر صحّة الإضافة إلى كلّ من الخمسة.

الثاني : هذا الترتيب الّذي استعمله المصنّف في المعارف لم أرض ذكره ، والّذي عليه الجمهور أنّ الأعرف المضمر ، ثمّ العلم ، ثمّ اسم الإشارة ، ثمّ الموصول ، والمعرّف باللام أو النداء ، والمضاف في رتبة المضاف إليه ، إلا المضاف إلى المضمر فهو في رتبة العلم.

ومذهب الكوفيّين أنّ الأعرف العلم ، ثمّ المضمر ، ثمّ المبهم ، ثمّ ذو الأداة. وعند ابن كيسان أنّ الأعرف المضمر ، ثمّ العلم ، ثمّ اسم الاشارة وذو اللام ، ثمّ الموصول. وعند ابن السّراج (٢) أنّ أعرفها اسم الإشارة ، ثمّ المضمر ، ثمّ العلم ، ثمّ ذو اللام.

قال ابن مالك أعرفها ضمير المتكلّم ، ثمّ ضمير المخاطب ، ثمّ العلم ، ثمّ ضمير الغائب السالم عن إبهام ، ثمّ المشار به والمنادى ، ثمّ الموصول وذو الأداة ، والمضاف بحسب ما يضاف إليه (٣).

__________________

(١) صاحب الفوائد الضيائية هو نور الدين عبد الرحمن بن أحمد نور الدين الجامي المتوفّي سنه ٨٩٨ ه‍ ، وهذا الكتاب في شرح «الكافية في النحو» لابن الحاجب. كشف الظنون ، ٢ / ١٣٧٢.

(٢) محمد بن السري البغدادي أبو بكر ابن السراج ، له من الكتب : الأصول الكبير ، شرح سيبويه. الشعر والشعراء ، الجمل ، مات سنة ٣١٦ ه‍. بغية الوعاة ، ١ / ١٠٩.

(٣) يذهب أكثر النّحويّين إلى أنّ المضمر بعد اسم الجلالة أعرف المعارف ، وجاء في حاشية الصبان : ضمير المتكلّم والمخاطب أعرف المعارف ، فلا حاجة لهما إلى التوضيح ، وحمل عليهما ضمير الغائب. حاشية الصبان علي شرح الأشموني ، محمد بن علي بن الصبان ، قم ، منشورات زاهدي ، ١٤١٢ ه‍ ، ص ١٠٠.

ويعتقد سيبويه أيضا أنّ أعرف المعارف المضمر. ومن بين الآراء الّتي جاء بها الشارح يبدو أنّ رأي ابن مالك أفضل الآراء وأدقّها عقلا ومنطقا ، لأنّ معرفة الإنسان بنفسه أكمل وأكثر من معرفته بالآخرين.

٨٨

وقد يعرض للمعرّف ما يجعله مساويا أو فائقا ، كقول من لا شركة في اسمه لمن قال له : من أنت؟ أنا فلان ، ومنه أنا يوسف. فالبيان لم يستفد بأنا ، بل بالعلم كالموصول في قولك لمن قال لك : من أنت؟ أنا الّذي فعل كذا. من هذا القبيل سلام الله على من أنزل عليه القرآن ، وعلى من سجدت له الملائكة ، ومن حفر بئر زمرماه.

وقد اختلف في أعرفها اختلافا كثيرا ، حتّي قال ابن هشام : سمعت من يقول : إنّه قد قيل في كلّ واحد من المعارف : إنّه أعرفها (١) ، وقال أبو حيّان : لم يذهب أحد إلى أنّ المضاف أعرف المعارف.

الثالث : قال غير واحد : يستثنى ممّا تقرّر اسم الله تعإلى فهو أعرف المعارف بالإجماع ، انتهى.

قال بعض المحقّقين : وقد يقال : لا حاجة إلى هذا الاستثناء ، لأنّ الكلام في التفاضل بين الأنواع ، وإلا يكن الاسم وضع لشئ بعينه بل لشىء لا بعينه فنكرة ، كرجل وفرس ، وليست إلا هنا للاستثناء ، كما قد يتوهّم ، وإنّما هي إن قرنت بلا النافية ، نحو قوله تعإلى : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) [التوبة / ٤٠].

تنبيه : قال بعض المحقّقين : تقسيم الاسم إلى المعرفة والنكرة المراد به منع الخلوّ لا منع الجمع أيضا لثبوتهما في المقرون بأل الجنسية ، كاللئيم في قوله [من الكامل] :

٤١ ـ ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني

 ... (٢)

ومن ثمّة جوّزوا في الجملة بعده أن تكون حالا وصفة ، انتهى.

قال بعضهم ، وفيه نظر : فإنّ المتبادر من التقسيم منع الجمع والخلوّ معا ، والاستدال على الاجتماع بالمقرون بأل الجنسيّة أنّما يتمّ لو كان يعدّ في اصطلاح القوم نكرة حقيقة ، كما أنّه عندهم معرفة حقيقة ، وكلامهم كالصريح أو صريح في خلافه ، انتهى.

تقسيم الاسم إلى مذكّر ومؤنّث : «أيضا» تقسيم آخر للاسم باعتبار التذكير والتأنيث «إن وجد فيه» أي في الاسم «علامة التأنيث» وهي التاء المبدلة هاء في الوقف ، خلافا لمن زعم أنّ التأنيث بالهاء ، أو أنّها تبدل تاء في الوصل ، والألف المقصورة ، و

__________________

(١) سقطت إنّه أعرفها ، في «س».

(٢) تمامه : «فمضيت ثمّت قلت لا يعنيني» وهو لرجل من بني سلول. اللغة : اللئيم : الشحيح ، الدنيّ النفس.

٨٩

الهمزة الّتي قبلها مدّة ، وهي عند البصريّين بدل من الألف المقصورة ، ومذهب الكوفيّين والزجاجيّ أنّ الهمزة ليست مبدلة من الألف ، وإنّما هي علامة التأنيث ، ومذهب الأخفش (١) أنّ الألف والهمزة معا علامة التأنيث (٢).

وزاد الكوفيّون في علامة التأنيث تاء بنت وأخت ، والألف والتاء في نحو المسلمات ونحوه ، قاله في الإرتشاف. وذهب الزمخشريّ إلى أنّ إلياء أيضا علامة التأنيث في نحو ذي ، والأخفش والمازنيّ في نحو : قومي وتقومين ، والفاعل مستتر.

قال الرضيّ : والأولي أن يقال في ذي : هذه الصيغة بكمالها موضوعة للمؤنّث ، وليس في اسم الإشارة ما هو على حرف واحد ، وأمّا إلياء في تفعلين ، فالأولي أنّه اسم لا حرف تانيث ، انتهى.

المذكّر هو الأصل : «ولو» كان وجودها «تقديرا» ، أي : مقدّرا ، فما وجد فيه علامة التأنيث لفظا «كناقة» ، وتقديرا «كنار فمونث ، وإلا» توجد فيه علامة التأنيث لا لفظا ولا تقديرا «فمذكر» وهو الأصل لدليلين : أحدهما : أنّه ما من مذكّر ولا مؤنّث إلا ويطلق عليه شئ ، وشيء مذكّر ، والثاني : أنّه لا يفتقر إلى زيادة ، والتانيث لا يحصل إلا بزيادة ، وعلى هذا فكان الأنسب تقديم المذكّر ، إلا أنّه أخّره ، لأنّ تعريفه يشمل على سلب تعريف المؤنّث ، والسلب مسبوق بالإيجاب في التعقل ، فجعل في الذكر كذلك.

إذا قصد لفظ الاسم جاز تذكيره وتأنيثه : تنبيهات : الأوّل : لا يتحقّق التذكير والتأنيث في الأسماء إلا إذا قصد مدلولها ، فإن قصد الاسم جاز تذكيره باعتبار اللفظ ، وتأنيثه باعتبار الكلمة ، وكذا الفعل والحرف وحروف الهجاء ، يجوز فيها الوجهان بالاعتبارين. وزعم الفراء (٣) أنّ تذكير حروف الهجاء لا يجوز إلا في الشعر ، قاله المراديّ في شرح التسهيل.

__________________

(١) حذف الأخفش في «ح» ، ومن مذهب الكوفيّين حتي الأخفش محذوف في «س».

(٢) يبدو أنّ مذهب الأخفش أصحّ ، لأنّ الألف والهمزة إذا اجتمعتا في كلمة وكانتا زائدتين نحكم بأنّها مؤنّث ، وهذا هو رأي ابن مالك حيث يقول :

علامة التأنيث تاء أو ألف

وفي أسام قدّروا التا كالكتف

وألف التأنيث ذات قصر

وذات مدّ نحو أنثي الغرّ

(شرح ابن عقيل ٢ / ٤٢٩)

(٣) يحيي بن زياد بن عبد الله إمام العربية أبو زكرياء المعروف بالفرّاء ، كان أعلم الكوفيّين ، بالنحو بعد الكسائيّ ، صنّف : معاني القرآن ، المصادر في القرآن و... مات سنة ٢٠٧ ه‍ ، المصدر السابق ، ٢ / ٣٣٣.

٩٠

الثاني : لا يقدّر من علامات التأنيث إلا التاء ، لأنّ وضعها على العروض والانفكاك ، فيجوز أن تحذف لفظا ، وتقدّر بخلاف الألف (١) ، وهي تقدّر قياسا في الصفات المختصّة بالمؤنّث على وزن «فاعل» ومفعل» ، كحائض ومرضع ، إن أريد الثبوت بتأويل شخص حائض وإنسان مرضع عند سيبويه ، وبمعنى النسبة ، أي ذات حيض وذات رضاع عند الخليل ، لا لاختصاصها بالمؤنّث ، كما ذهب إليه الكوفيّون لورود الضامر بلا اختصاص ، والمرضعة مع الاختصاص ، وسماعا نحو العين والأذن.

قال الرضيّ : ودليل كون التاء مقدرة دون الألف رجوعها في التصغير ، في نحو : هنيدة في هند ، وقديرة في قدر ، وأمّا الزائد على الثّلاثي ، فحكموا فيه أيضا بتقدير التاء قياسا على الثلاثي ، إذ هو الأصل ، وقد ترجع التاء فيه أيضا شاذّا ، نحو : قديديمة (٢) ووريئة (٣) ، انتهى.

ما يعرف به تأنيث ما لم تظهر العلامة فيه (٤) : الثالث : يعرف تانيث ما لم تظهر العلامة فيه بتصغيره ، إن كان المكبّر ثلاثيّا ، ويقع في غيره شذوذا ، كما ذكر ، وبوصفة ، ونعني به المعنويّ لا الصناعيّ ليشمل النعت ، نحو : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) [الحاقة / ١٢] ، (فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ) [الغاشية / ١٢] ، (بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ* بَيْضاءَ) [الصّافات / ٤٦ و ٤٥] ، والخبر ، نحو : دارك واسعة ، والحال ، نحو : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً) [الأنبياء / ٨١] وبضميره ، نحو : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها) [الشمس / ١] ، وبالإشارة ، نحو : (تِلْكَ الدَّارُ) [القصص / ٨٣] ، وبتجرّد عدده من الثّلاثة إلى العشرة ، نحو : ثلث أزرع ، وعشر أرجل ، وبجمعه على مثال خاصّ بالمؤنّث ، كفواعل من الصفات ، كطوالق وحوائض ، أو على مثال غالب فيه ، وذلك فيما هو على وزن عناق وذراع وكراع (٥) ويمين ، فجمعهما في المؤنّث غالبا على أفعل. وقد جاء في المذكّر قليلا ، كمكان وأمكن ، ويعلم أيضا بالحاق علامة التأنيث بفعله المسند إليه ، نحو : طلعت الشمس ، و (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) [القيامة / ٢٩].

__________________

(١) هذا هو رأي صاحب الكافية في النحو (٢ / ١٦١). وذهب ابن عقيل إلى أنّ التاء أكثر في الاستعمال من الألف ، ولذلك قدّرت في بعض الأسماء كعين وكتف. (شرح ابن عقيل ٢ / ٤٢٩).

(٢) قديديمة : تصغير قدّام ، ظرف مكان بمعنى أمام.

(٣) ورئيية : تصغير وراء.

(٤) قد جاء في حاشية الصبان : ما لا يتميّز مذكّره عن مؤنّثه فإن كان فيه التاء فهو مؤنث مطلقا كالنملة والقملة للمذكّر والمؤنّث ، وإن كان مجرّدا من التاء فهو مذكر مطلقا كالبرغوث للمذكّر والمؤنّث ، قاله أبو حيان. حاشية الصبان ، ص ١٢٠.

(٥) الكراع : من الإنسان : ما دون الركبة إلى الكعب.

٩١

المونث اللفظيّ والحقيقيّ : «والمؤنّث» ينقسم إلى حقيقيّ التأنيث ولفظيّة ، فهو «إن كان ذا فرج» سواء كان ظاهر العلامة كضاربة وحبلي ونفساء ، أو مقدّرها كزينب وسعاد ، «فحقيقيّ» التأنيث ، ولا يكون إلا حيوانا ، و «إلا» يكن ذا فرج ، سواء كان ظاهر العلامة أيضا كغرفة وصحراء وبشري ، أو مقدرها كما تقدّم ، «فلفظيّ» التأنيث ، وهو قد يكون حيوانا أيضا كدجاجة ذكر وحمامة ذكر.

قد يذكّر المؤنّث وبالعكس : فائدتان : الأولى : قد يذكّر المؤنّث وبالعكس ، حملا على المعنى ، فالأوّل كقولة [من الطويل] :

٤٢ ـ أري رجلا منهم أسيفا كأنّما

يضمّ إلى كشحيه كفّا مخضّبا (١)

ذكّره على معنى العضو.

والثاني كقول بعضهم : جاءته كتابي فاحتقرها ، فيما حكاه الأصمعيّ (٢) عن أبي عمر. وقال سمعت رجلا من أهل إليمن يقول : فلان لغوب جاءته كتابي فاحتقرها ، فقلت له : أتقول : جاءته كتابي؟ فقال : نعم أليس بصحيفة ، قلت : فما اللّغوب؟ قال : الأحمق.

ومن تأنيث المذكّر حملا على المعنى تأنيث المخبر عنه لتأنيث الخبر ، نحو : قوله تعإلى (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ...) [الأنعام / ٢٣] ، أنّث المصدر المنسبك من أنّ والفعل ، وهو المخبر عنه لتأنيث الخبر ، وهو فتنتهم.

إذا اجتمع المذكّر والمؤنّث غلب المذكّر : [الفائدة] الثانية : إذا اجتمع المذكّر والمؤنّث ، غلب المذكّر ، وبذلك استدلّ على أنّه الأصل ، وهذا التغليب يكون في التثنية وفي الجمع وفي عود الضمير وفي الوصف وفي العدد ، قاله في الأشباه والنظائر.

__________________

(١) هو للأعشى ، والشاهد في قوله : كفّا مخضّبا ، فإنّ الظاهر أنّ قوله : مخضّبا نعت لقوله : كفّا ومخضّب وصف مذكّر ، ومن المعلوم أن النعت الحقيقيّ يجب أن يطابق منعوته في التذكير والتأنيث ، ولهذا قال النحاة : أنّه النعت حملا على المعنى ، فالكفّ يطلق عليها لفظ «عضو» والعضو مذكّر ، ويجوز أن يكون : مخضّبا صفة لرجل أو حالا من الضمير المستتر في يضمّ ، أو من المخفوض في كشحيحه. إميل بديع يعقوب ، المعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية ، المجلد الأوّل ، الطبعه الأولي ، دار الكتب العلميّة ، بيروت ١٤١٣ ه‍ ق ، ص ٤٢.

(٢) عبد الملك بن قريب أبو سعيد الأصمعي البصريّ اللغويّ أحد أئمة اللغة ، روي عن أبي عمرو بن العلاء ، صنّف : الاشتقاق ، كتاب اللغات النوادر و... مات سنة ٢١٦ ه‍ ق. بغية الوعاة ، ٢ / ١٢.

٩٢

أقسام الفعل ، أحدها الماضي

ص : تقسيم آخر : الفعل إما أن يقترن بزمان سابق وضعا فماض. ويختصّ بلحوق إحدي التّاءات الأربع ، أو بزمان مستقبل ، أو حال وضعا فمضارع ، ويختصّ بالسين وسوف ولم ، واحدي زوائد أنيت ، أو بالحال فقط وضعا فأمر ، ويعرف بفهم الأمر منه مع قبوله نوني التأكيد.

تبصرة : الماضي مبنيّ على الفتح إلا إذا كان آخره ألفا أو اتّصل به ضمير رفع متحرّك أو واو.

والمضارع إذا اتّصل به نون إناث كيضربن ، بني على السكون ، أو نون التأكيد مباشرة فعلى الفتح كيضربنّ ، وإلا فمرفوع إن تجرّد عن ناصب وجازم ، وإلا فمنصوب أو مجزوم. وفعل الأمر يبني على ما يجزم به مضارعه.

ش : هذا «تقسيم آخر» للفعل ، «الفعل أمّا أن يقترن بزمان سابق وضعا ، فماض».

كتب المصنّف في الهامش : كثيرا ما يقولون الفعل مقترن ، ويريدون الحدث ، أعني الفعل اللغويّ ، وهو المراد هاهنا ، وقوله : فماض خبر مبتدأ محذوف ، أي فهو ماض ، ويمكن أن يردّ عليه أن الضمير حينئذ راجع إلى الحدث ، وليس هو المراد هاهنا ، وقد يدفع بمراعاة الاستخدام ، انتهى كلامه.

الاستخدام : والاستخدام هو أن يراد بلفظ له معنى ان أحدهما ، ثمّ يراد (١) بضميره الآخر ، وبيانه هنا أنّ الفعل له معنيان : اصطلاحيّ ولغويّ ، فأراد به أوّلا اللغويّ ، ثمّ أعاد عليه الضمير مريدا به المعنى الآخر ، وهو اصطلاحيّ ، وينبغي أن يراد بالحدث حينئذ أعمّ ممّا هو مدلول مادة الكلمة أو صيغتها ، لئلا يختلّ المقسم بحدث الأمر ، فإنّه جعله مقترنا بالحال كما ستراه ، وليس حدثه المقترن بالحال مدلول مادّته ، بل مدلول صيغته كما سنبيّنه ، بخلاف الماضي والمضارع ، فإنّ حدثهما المقترن بالزّمان السابق أو المستقبل أو الحال ، إنّما هو مدلول مادتهما ، فيكون حدث الأمر غير مندرج في الحدث الّذي هو المقسم.

ويصحّ أن يراد بالفعل الّذي هو المقسم ، الفعل الاصطلاحيّ ، ويراد باقترانه اقتران حدثه تضمنا على التعميم المذكور ، فتكون الأقسام داخلة فيه ، وقوله : «وضعا» أي بأصل الوضع ، فلا ينقص منعه بلم يضرب ولمّا يضرب ، ونحو ذلك من المضارع الّذي

__________________

(١) من الاستخدام حتي هنا سقطت «س».

٩٣

انصرف إلى المعنى المضي بأداة كما سيأتي ، ولا جمعه بأن ضربت وبعث واشتريت مريدا للإنشاء ونحو ذلك ، ممّا الماضي فيه مصروف إلى الحال أو الاستقبال ، نحو : غفر الله لك ، فإنّ دلالته على ذلك ليس من حيث أصل الوضع ، وإنّما هي لعارض. وسمّي هذا الفعل ماضيا باعتبار زمانه المستفاد منه ، وقدّمه في التقسيم ، لأنّه جاء على الأصل ، إذ هو متّفق على بنائه.

تاء التأنيث : «ويختصّ» أي الماضي «بلحوق إحدي التاءات الأربع» ، وهي راجعة إلى تائين ، إحداهما تاء التأنيث الساكنه ، وهي تلحقه ، متصرّفا كان أو جامدا ، إلا أفعل في التعجّب ، وحبّذا في المدح ، وما عدا وما خلا وحاشا في الاستثناء ، وكفي في قولهم : كفي بهند ، ولا يقدح في كونها أفعالا ماضية ، لأنّ العرب التزمت تذكير فاعلها ، واختصّت الساكنة به ، لأنّها إنّما سكنت للفرق بين تا الأفعال وتا الأسماء ، وكانت أولي بالسكون لخفّته لتجبر ثقل الفعل بتركّب معناه أبدا من الحدث والزمان والنسبة بخلاف غيره ، فإنّه خفيف لبساطة معناه غالبا.

والمراد بالساكنة الساكنة بالذّات ، فلا يضرّ تحركها العارض كالتقاء الساكنين ، نحو : (قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ) [يوسف / ٥١] ، (وَقالَتِ اخْرُجْ) [يوسف / ٣١] ، بكسر الأولي وضمّ الثانية في قراءة أبي عمر. والتقييد بالساكنة للاحتراز عن المتحرّكة ، فإنّها تلحق الأسماء كقائمة ، والحروف كربّت وثمّت ، إلا أنّ حركتها في الاسم حركة إعراب ، وفي الحرف حركة بناء ، وقد تكون في الاسم حركة بناء كلا حول ولا قوّة.

والثانية : تاء الفاعل ، قال ابن مالك : وتقييد هذه التاء بإضافتها إلى الفاعل أولى من تقييدها بالإضافة إلى المتكلّم أو المخاطب ، لأنّ الفاعل يعمّهما ، وذكره مانع من دخول تاء الخطاب اللاحقة في أنت ، فإنّها حرف ، وقد اتّصل باسم ، فلو قيل بدل تاء الفاعل تاء المخاطب لدخلت تاء أنت ، فيلزم كون ما اتصلت به فعلا ، انتهى.

وإنّما اختصّت هذه التاء بالفعل ، لأنّها فاعل ، فلا بدّ لها من فعل ، وهو ما اتّصلت به ، وهي تنقسم إلى ثلاثة أنواع ؛ تاء المتكلّم ، نحو : ضربت بضمّها ، وتاء المخاطب ، نحو : ضربت بفتحها ، وتاء المخاطبة ، نحو : ضربت بكسرها ، فالتاءات أربع ، وهذا تفننّ من المصنّف ـ رحمه الله ـ في العبارة.

٩٤

وقد انفردت تاء التأنيث بلحاقها بنعم ، كما انفردت تاء الفاعل بلحاقها بتبارك ، كذا قيل ، وقال الشهاب البخاريّ (١) : إنّ تبارك تقبل التاءين تقول : تباركت يا الله وتباركت أسماء الله ، وهو حسن إن ساعفه السّماع ، وإلا فلا عبرة به ، إذ اللغة لأثبتت بالقياس.

الفعل المضارع ، الخلاف في مدلوله من الزمان : «أو» يقترن الفعل «بزمان مستقبل» وهو بكسر الباء وفتحتها ، والأوّل أرجح والثاني أشهر ، وهو الزمان الممتدّ من بعد زمان التّكلّم إلى آخر زمان الإمكان «أو» بزمن «حال» ، وهو زمان التّكلّم ، وليس هو قسما ثالثا من الزمان خارجا عن الماضي والمستقبل ، بل هو أجزاء ملفّقة من أواخر الماضي وأوائل المستقبل. «وضعا فمضارع». فهو حقيقة في المستقبل والحال معا.

هذا قوله ، وفيه أربعة أقوال أخر : أحدها : أنّه حقيقة في الحال ، مجاز في الاستقبال ، الثاني : عكسه ، والثالث : أنّه حقيقة في الحال ، ولا يستعمل في الاستقبال أصلا لا حقيقة (٢) ولا مجازا ، الرابع : عكسه.

وما ذهب إليه المصنّف هو المشهور ، وهو ظاهر كلام سيبويه على ما ذكره أبو حيّان في الإرتشاف. قال ابن الحاجب في شرحه على المفصّل ، هو الصحيح ، لأنّه يطلق عليهما إطلاقا واحدا كأطلاق المشترك ، فوجب القول به كسائر المشتركات.

واختار الرضيّ القول الأوّل من الأقوال الأربعة ، وهو كونه حقيقة في الحال مجازا في الاستقبال ، قال : لأنّه إذا خلا من القرائن لم يحمل إلا على الحال ، ولا يصرف إلى الاستقبال إلا لقرينة ، وهذا شأن الحقيقة والمجاز.

وقوله : وضعا ، أي : بأصل الوضع ، فلا ينتقض منعه بالماضي المنصرف إلى الحال أو الاستقبال لعارض كما مرّ ، ولا جمعه بما انصرف منه إلى المضيّ بأداة ، نحو : لم ولمّا الجازمة ولو الشرطية غالبا ، وإذ وربّما وقد التعليليّة دائما ، والتحقيقيّة في بعض المواضع ، فإنّه ينصرف بذلك إلى المضيّ ، لكن ليس ذلك بأصل الوضع فلا نقض ، وسمّي هذا الفعل مضارعا من المضارعة ، وهي المشابهة لمشابهته الاسم في أنّ كلّا منهما تطرأ عليه بعد التركيب معان مختلفة ، تتعاقب على صيغة واحدة فيفتقر بالتمييز بينهما إلى الإعراب.

__________________

(١) لعلّه أبو بكر بن يعقوب بن سالم النحويّ شهاب الدين ، كان من تلامذة ابن مالك ، كان ماهرا في العلوم وصنّف تصانيف مفيدة ، مات سنة ٧٠٣ ه‍ ، المصدر السابق ١ / ٤٧٣.

(٢) من حقيقة في الحال حتي هنا سقطت في «س».

٩٥

فالاسم كما في نحو : ما أحسن زيد ، ترفع زيدا ، إذا قصدت النفي ، وتنصبه إذا قصدت التعجّب ، وتخفضه مع رفع أحسن إذا قصدت الاستفهام عمّا هو الأحسن منه.

والفعل كما في نحو : لا تاكل سمكا وتشرب لبنا ، ترفع تشرب ، إذا أردت النّهي عن الأوّل وإباحة الثاني ، وتنصبه إذا أردت النهي عن الجمع بينهما ، أي لا يكن منك أكل سمك مع شرب لبن. وتجزمه إذا أردت النهي عن كلّ منهما.

وقضيّة ذلك الاشتراك في الإعراب ، لكن لمّا كانت المعاني المتعاقبة على الاسم لا يميّزها إلا الإعراب ، لأنّ الرافع والناصب والخافض إنّما هو أحسن المعاني المتعاقبة على المضارع ، يميّزها غيره أيضا كإظهار العوامل المقدّرة من أنّ في النّصب ، ولا النّاهية في الجزم ، والقطع في الرفع ، كان الاسم أشدّ احتياجا إلى الإعراب من المضارع ، فكان أصلا في الإعراب ، وذلك فرعا فيه ، هذا قول ابن مالك. قال : وهو أولي من الجمع بينهما بالإبهام والتخصيص ودخول لام الابتداء ومحاذاة (١) اسم الفاعل ، لأنّ المشابهة بهذه الأمور بمعزل عمّا جيء بالإعراب لأجله بخلاف الّتي اعتبرتها.

قال ابن هشام : وهذا مركّب من مذهب البصريّين والكوفيّين ، فإنّ البصريّين لا يسلمون قبوله ، ويرون إعرابه بالشبه ، والكوفيّين يسلّمون ، ويرون إعرابه أصالة كالاسم ، وابن مالك يسلّمه ، وادّعي أنّ الإعراب بالشبه لا أصالة.

سين الاستقبال : «ويختصّ» المضارع «بالسين» ، أي سين الاستقبال ، فاللام للعهد ، وهي بمترلة الجزء منه ، ولذا لم تعمل فيه مع اختصاصه بها ، كذا كلّ حرف اختصّ به شئ وتترل مترلة الجزء ، فإنّه لا يعمل بخلاف ما إذا لم يترّل ، وليست السين مقتطعة من سوف خلافا للكوفيّين ، ولا مدّة الاستقبال معها أضيق منها مع سوف خلافا للبصريّين.

ومعنى قول المعرّبين فيها حرف تنفيس حرف توسيع ، وذلك أنّها نقلت المضارع من الزّمن الضّيّق ، وهو الحال إلى الزمن الواسع ، وهو الاستقبال ، وأوضح من عبارتهم قول الزمخشريّ وغيره حرف استقبال ، قاله في المغني (٢) ، وإنّما اختصّ المضارع بها ، لأنّها تخلّصه إلى الاستقبال ، هو معنى يختصّ به.

قال ابن هشام ، وزعم الزمخشريّ أنّها إذا دخلت على فعل محبوب أو مكروه أفادت أنّه واقع لا محالة ، ولم أر من فهم وجه ذلك ، ووجهه أنّها تفيد الوعد بحصول الفعل ، فدخولها على ما يفيد الوعد أو الوعيد مقتض لتوكيده وتثبيت معناه ، وقد أومأ إلى

__________________

(١) المحاذاة : مصدر حاذاه بمعنى صار بحذائه ووازاه.

(٢) ابن هشام الانصاري ، مغني اللبيب ، الطبعة الخامسة ، بيروت ، ١٩٧٩ م ، ص ١٨٤.

٩٦

ذلك في سورة البقرة ، فقال في (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ) [البقرة / ١٣٧] ، معنى السين أنّ ذلك كائن لا محالة وإن تأخّر إلى حين ، وصرّح به في سورة براءة فقال : (أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ) [التوبة / ٧١] السين مفيدة وجود الرحمة لا محالة ، فهي تؤكّد الوعد كما تؤكّد الوعيد ، إذا قلت : سأنتقم منك (١) ، انتهى.

«و» يختصّ «بلم» وكذا كلّ الجوازم ، وإنّما اختصّ بلم ، لأنّها لمعنى لا يصلح إلا له ، وهو قلبه ماضيا. وذهب قوم إلى أنّها تدخل على لفظ الماضي فتصرفه إلى لفظ المضارع ، ومعنى المضيّ باق فيه ، ووجهّوه بأنّ المحافظة على المعنى أولي من المحافظة على اللّفظ.

قال المراديّ في الجنى الداني (٢) : والأوّل هو الصحيح ، لأنّ له نظيرا ، وهو المضارع بعد لولا ، والقول الثاني لا نظير له. قال ابن مالك في شرح الكافية : وتمييز المضارع بلم مغن عن علاماته الأخر ، وإن تساوت في الاختصاص به.

«و» يختصّ بافتتاحه «بإحدى زوائد أنيت» ، أي : الزوائد الّتي جمعتها كلمة أنيت ، أي أدركت ، وإنّما سمّيت زوائد ، لأنّها ليست أصليّة في الفعل ، وتسمّى حروف المضارعة ، وإذا أريد تمييز المضارع بها ، اشترط في الهمزة أن تكون للمتكلّم وحده ، مذكّرا كان أو مؤنّثا ، وفي النّون أن تكون للمتكلّم (٣) ، ومعه غيره ، مذكّرا كان أو مؤنّثا أو مختلطا أو للمعظّم نفسه ، ولو ادّعاء ، وفي الياء أن تكون للغائب المذكّر واحدا كان أو اثنين أو جماعة أو لجمع الغائبات ، وفي التاء أن تكون للمخاطب واحدا كان أو اثنتين أو جماعة ، مذكّرا كان أو مؤنّثا ، أو للغائبة أو للغائبتين.

وبهذا يظهر أنّ تعبير المصنّف «بأنيت» أنسب بالنسبة التضعيفية من تعبير غيره بنأيت وأتين وأنتي ، وغيره ذلك ، وإنّما اشترطنا هذا الشرط ، لأنّ هذه الحروف بعدمه توجد في الماضي ، نحو : أكرمت زيدا ، ونصبت العلم ، ويممت عمرا ، وتمّمت الكتاب ، فلا يصحّ حينئذ أن يميّز بها المضارع ، ولا يكون مختصّا بها.

فعل الأمر ، تحقيق نفيس في زمان فعل الأمر : «أو» يقترن «بالحال» وقد عرفت معناه «فقط» بفتح القاف وسكون الطاء ، أي فحسب. «وضعا فأمر» فخرج بقيد الوضع المضارع ، فإنّه وإن دلّ في بعض الأحيان على الحال فقط ، إلا أنّه في أصل الوضع

__________________

(١) المصدر السابق ، ص ١٨٥.

(٢) «الجنى الداني في حروف المعاني» كتاب للشيخ بدر الدين حسن بن قاسم المرادي. كشف الظنون ١ / ٦٠٧.

(٣) وفي النّون أن تكون للمتكلّم سقطت في «ط».

٩٧

مشترك بين الحال والاستقبال ، قاله المصنّف في الحاشية. قلت : وهذا مخالف لما عليه جميع النّحويّين من أنّ الأمر مقترن بالاستقبال فقط وإلا لزم تحصيل الحاصل.

قال شيخ شيوخنا العّلامة محمد الحرفوشيّ (١) في شرحه على تهذيب المصنّف : والحقّ أن يقال : إن فسّر الأمر بطلب الفعل على جهة الاستعلاء كما هو عند أرباب الاصول ، فهو للحال كما ذكر ، وإن فسّر بأنّه حدث واقع في زمن الاستقبال ، فهو للمستقبل ، انتهى.

ولشيخنا الإمام العلّامة محمد بن عليّ الشامي (٢) ـ أطال الله بقاه ـ كلام في تحقيق المقام ، به يتبيّن مغزى كلام المصنّف بما لا مزيد عليه ، وهو غاية ما يقال فيه ، ونصّه : الحقّ عند النحاة أنّ الأمر بالصيغة قسم من الفعل برأسه ، لا مندرج تحت قسم المضارع ، وأنّه موضوع في أصل اللغة بالوضع النوعيّ على وجه القانون الكليّ لطلب إدخال حقيقة الفعل ، أو فرد منها ، منتشر في جنسه في الوجود على النّحو الّذي لذلك الفعل من الوجود من فاعل معيّن بالخطاب ، وأنّ معنى الطلب مستفاد من نفس الصيغة بسبب وضعها له ، لا من لام الأمر (٣) المقدّرة ، والطلب لكونه نسبة يقتضي بطبعه التعلّق بمطلوب ، فيجعل معنى هذه الصيغة إلى حدثين : أحدهما مسند في المعنى إلى المتكلّم ، وهو الطلب في الحال ، والآخر مسند في اللفظ إلى المخاطب ، وهو ما تعلّق الطلب بإيقاعه في المستقبل ، والأوّل مدلول لهيئة الكلمة ، والثاني مدلول لمادّتها ، والمقصود باللفظ أنّما هو إفهام الحدث الأوّل ، والثاني أنّما وقع قيدا له ، وإن كان الغرض من إفهام الأوّل هو التوصّل به إلى وقوع الثاني.

فمن نظر إلى جانب اللفظ حكم بأنّ الأمر للاستقبال ، ومن نظر إلى جهة المعنى حكم بأنّه للحال ، لكنّ الأوّل أنسب بمصطلحات الفنون الباحثة عن الأحوال اللفظيّة ، والثاني أليق بتعارف العلوم المتكفّلة بالمباحث المعنويّة.

فالجري على خلاف ذلك خلط بين الاصطلاحين ، فإن احتجّ على كونه للاستقبال على كلّ حال بأنّه أنّما يدلّ عليه بالتضمّن ، لأنّ دلالته عليه من جهة كونه فعلا وعلى الحال بالالتزام ، لأنّ دلالته عليه إنّما هي لضرورة وقوعه إنشاء ، لكنّ كلامنا إنّها هو في الزمان الّذي يقترن به الحدث في الفهم عن لفظ الفعل عارضناه بالمثل بأن نقول هو إنّما

__________________

(١) محمد بن علي الحرفوشي العامليّ كان فاضلا أديبا شاعرا ، له كتب كثيرة الفوائد منها : «نهج النجاة في ما اختلف به النحاة» «اللآلى السنية في شرح الآجرومية» ، وتوفّي سنة ١٠٨٠. روضات الجنّات ٧ / ٨٥.

(٢) محمد بن علي الشامي الغرناطيّ المتوفّا سنة ٨١٥ ه‍ ، له «شرح الجمل في النحو» لابن إسحاق الزجاجيّ النحويّ المتوفي سنة ٣٣٩. كشف الظنون ١ / ٦٠٤.

(٣) بسبب وضعها له أو من لام الأمر «ح».

٩٨

يدلّ على الحال بالتضمّن ، لأنّ دلالته عليه من حيث كونه فعلا ، والمعتبر في فعليّته أنّما هو الحدث الّذي وضع له ، لا الحدث الّذي أوقع عليه ما وضع له وعلى الاستقبال بالالتزام ، لأنّ دلالته عليه لضرورة امتناع تحصيل الحاصل غاية ما في الباب أنّ رعاية جانب اللفظ أوجبت أن نقول إنّه يتضمّن كلا الزمانين لتضمّنه لكلا الحدثين ، فتدبّر.

هذا كلامه ، وسمّي هذا الفعل أمرا ، أمّا عند المصنّف فظاهر ، لكونه موضوعا لطلب الفعل على جهة الاستعلاء ، واستعماله عنده في غير ذلك مجاز كما صرّح به في الزبدة (١) ، وأمّا عند النّحويّين فلاستعماله غالبا في طلب الفعل على جهة الاستعلاء.

«ويعرف» أي : يميّز عن قسميه «بفهم الأمر منه» أي من نفسه لا بانضمام غيره إليه ، ليخرج نحو : لتقم ، فإنّه وإن فهم الأمر منه ، لكن ليس من الصيغة نفسها ، بل نشأ من اللام ، والمراد بالأمر المفهوم الأمر اللغويّ ، فلا يقال : أخذ الأمر فيما يعرف به الأمر يستلزم الدور.

نونا التوكيد الخفيفة والثقيلة : ولا بدّ مع فهم الأمر منه من قبوله إحدى نوني التوكيد الثقيلة أو الخفيفة ، نحو : قومنّ وقومن ، فلو فهم الأمر من كلمة ، ولم تقبل إحدى نوني التأكيد ، فهي اسم فعل ، كترال بمعنى انزل ، ودراك بمعنى أدرك ، أو مصدر ك ضربا زيدا ، أو حرف ، نحو : كلّا بمعنى انته ، أو قبلتها ولم يفهم منها الأمر ، فهي مضارع ، نحو : (لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً) [يوسف / ٣٢] أو فعل تعجّب ، نحو : أحسننّ بزيد ، فإنّه ليس بأمر على الأصحّ بل علي صورته.

تنبيه : كلّ من نوني التأكيد أصل برأسه عند سيبويه والبصريّين ، وقال الكوفيّون : الثقيلة أصل ، والخفيفة فرع ، ومعناهما التأكيد.

قال الخليل : والتوكيد بالثقلية أبلغ. قال في التصريح : ويدلّ له قوله تعإلى : (لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) فإنّ امرأة العزيز كانت أشدّ حرصا علي سجنه من كينونته (٢) صاغرا ، وهما من خصائص الفعل ، وأمّا قوله [من الرجز] :

٤٣ ـ أقائلنّ أحضروا الشّهودا (٣)

__________________

(١) زبدة الأصول من آثار الشيخ البهايي.

(٢) كينونة من مصادر كان.

(٣) قبله

«أريت إن جاءت به أملودا

مرجّلا ويلبس البرودا»

وينسب لرؤبة بن العجاج ، اللغة :

أريت : أصله أرأيت ، بمعنى أخبرني ، حذفت الهمزة تخفيفا. الأملود : الناعم الليّن. مرجّلا : مسرّحا. البرود : جمع برد ، نوع من الثياب معروف. وقوله : أقائلن : خبر مبتدا محذوف ، والتقدير : أفأنتم قائلنّ.

٩٩

فضرورة ، سوّغها شبه الفعل بالوصف ، وتوكّد بهما صيغ الأمر مطلقا ولو كان دعائيّا ، كقوله [من الرجز] :

٤٤ ـ ...

فأنزلن سكينة علينا (١)

ولا يؤكد بهما الماضي مطلقا وشذّ قوله [من الكامل] :

٤٥ ـ دامنّ سعدك إن رحمت متيّما

لولاك لم يك للصبابة جانحا (٢)

والّذي سهّله أنّه بمعنى أفعل.

وأمّا المضارع فله حالات ، ذكرها في الأوضح (٣) إحداها : أن يكون توكيده بهما واجبا ، وذلك إذا كان مثبتا مستقبلا جوابا لقسم ، غير مفصول من لامه بفاصل ، نحو : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) [الأنبياء / ٥٧] ، ولا يجوز توكيده بهما إن كان منفيّا ، نحو : (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) [يوسف / ٨٥] ، إذ التقدير لا تفتأ. أو كان حالا كقراءة ابن كثير (٤) لأقسم بيوم القيامة [القيامة / ١] ، وقول الشاعر [من المتقارب] :

٤٦ ـ يمينا لأبغض كلّ امري

يزخرف قولا ولا يفعل (٥)

أو كان مفصولا من اللام ، مثل : (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) [آل عمران / ١٥٨].

الثانية : أن يكون قريبا من الواجب ، وذلك إذا كان شرطا ، لأنّ الشرطيّة المؤكّدة بما ، نحو : وإمّا تخافنّ فإمّا تذهبنّ فإمّا ترينّ ، ومن ترك توكيده قوله [من البسيط] :

٤٧ ـ يا صاح أمّا تجدني غير ذي جدة

فما التخلّي عن الخلّان من شيمي (٦)

وهو قليل ، وقيل : يختصّ بالضرورة.

الثالثة : أن يكون كثيرا ، وذلك إذا وقع بعد أداة الطلب ، كقوله تعالى (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً) [إبراهيم / ٤٢].

الرابعة : أن يكون قليلا ، وذلك بعد لا النافية وما الزائدة الّتي لم تسبق بأن الشرطية ، كقوله تعإلى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [الأنفال / ٢٥] ، وقوله [من الطويل] :

__________________

(١) قاله عبد الله بن رواحه. وقبله :

ونحن عن فضلك ما استغنيا

فثبت الأقدام إن لاقينا.

(٢) لم يسم قائله. اللغة : دامنّ : ماض مؤكّد من الدوام بمعنى البقاء. المتيّم : اسم مفعول وهو الّذي تيمّه الحبّ أي : ذلّله ، الصبابة : الشوق أورقته ، الجانح : اسم فاعل من جنح بمعنى مال إليه.

(٣) أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك لابن هشام.

(٤) عبد الله بن كثير أحد أئمة القراءات العشر ، ولد بمكة وتولّى قضاءها ، مات سنة ١٢٠ ه‍ ق. المنجد في الأعلام ص ١٣.

(٥) لم يذكر قائله. اللغة : زخرف القول : حسنّه بترقيش الكذب.

(٦) لم يسمّ قائله : اللغة : الخلّان : جمع الخليل وهو الصديق الخالص ، الشيم : جمع الشيمة بمعنى الخلق.

١٠٠