الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

السيد علي خان المدني الشيرازي

الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

المؤلف:

السيد علي خان المدني الشيرازي


المحقق: الدكتور السيد أبو الفضل سجادي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: روح الأمين
الطبعة: ٠
ISBN: 978-964-518-296-8
الصفحات: ٩٤٧

قال ابن هشام : والصواب قول الجمهور ، إذ يصحّ أن يخبر عن الجملة بأنّها مقولة ، كما يخبر عن زيد من ضربت زيدا ، بأنّه مضروب بخلاف القرفصاء في المثال ، فلا يصحّ أن يخبر عنها ، بأنّها مقعودة ، لأنّها نفس القعود ، وأمّا تسمية النّحويّين الكلام قولا فكتسميتهم إيّاه لفظا ، وإنّما الحقيقة أنّه مقول وملفوظ ، انتهى.

تنبيهات : الأوّل : الأصل أن يحكى لفظ الجملة كما سمع ، ويجوز أن يحكى على المعنى باجماع ، فإذا قال زيد : عمرو منطلق ، فلك أن تقول : قال زيد : عمرو منطلق ، أو المنطلق عمرو ، فإن كانت الجملة ملحونة حكيت على المعنى بإجماع ، فتقول في قول زيد عمرو قائم بالجرّ ، قال زيد : عمرو قائم بالرفع. وهل تجوز الحكاية على اللفظ؟ قولان ، صحّح ابن عصفور المنع ، قال : لأنّهم إذا جوّزوا المعنى في المعربة فينبغي أن يلتزموه في الملحونة.

الثاني : إذا حكيت كلام متكلّم عن نفسه ، نحو : انطلقت ، فلك أن تحكيه بلفظه فتقول : قال فلان : انطلقت ، ولك أن تقول : قال فلان : انطلق ، أو إنّه انطلق ، أو هو منطلق.

الثالث : هل يلتحق بالقول في هذا الباب ما يرادفه كالدعاء والنداء وكلّ ما في معنى القول ، فإذا وقع بعد نادى ودعا ووصّي ونحوها جملة كقوله : (وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ ... يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا) [هود / ٤٢] ، (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا) [يونس / ٢٢] ، (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَ) [البقرة / ١٣٢] ، فهل هي محكيّة بما قبلها من الأفعال إجراء لها مجرى القول ، أم نصبت بقول مقدّر؟ ذهب الكوفيّون إلى الأوّل والبصريّون إلى الثاني ، ويشهد لهم التصريح بالقول في نحو. (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) [هود / ٤٥] ، ونحو : (إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا* قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) [مريم / ٤ و ٣].

الرابع : قال ابن بابشاذ في شرح الجمل : من أحكام هذه الجملة المحكية أنّه لا يجوز نعت أسمائها ولا تأكيدها ولا العطف عليها ، لأنّ هذا كلّه يخرجها عن نفس الحكاية ، ويؤدّي إلى إيقاع النعت والتوكيد على غير معنى ، فيلبس أن ذلك داخل في الحكاية ، تقول لمن قال : زيد منطلق ، قال فلان : زيد منطلق ، ولا يجوز أن تقول : قال فلان : زيد الظريف منطلق ، ولا زيد نفسه منطلق ، ولا زيد وعمرو منطلقان ، لأنّ ذلك كلّه لم يقله المحكيّ عنه ، انتهى.

٧٦١

أمّا العطف على الجملة نفسها فجائز ، سواء كان المعطوف مفردا أو جملة ، فإذا كان مفردا انتصب لفظا ، نحو : قال إمّا زيد قائم ، أو لفظا آخر ، وإذا كان جملة انتصب محلا كما سيأتي.

الخامس : قال ابن هشام : من الجمل المحكية ما قد يخفى ، فمن ذلك بعد القول : (فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ) [الصافات / ٣١] ، والأصل إنّكم لذائقون عذابي ، ثمّ عدل إلى التّكلّم ، لأنّهم تكلّموا عن أنفسهم ، كما قال [من الطويل] :

٨٣٧ ـ ألم تر أنّي يوم جوّ سويقة

بكيت فنادتني هنيدة ماليا (١)

والأصل مالك ، ومنه في المحكية بعد ما فيه معنى القول : (أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ* إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ) [القلم / ٣٨ / ٣٧] ، أي تدرسون فيه هذا اللفظ ، وتدرسون قولنا هذا الكلام ، وذلك إمّا أن يكونوا خوطبوا بذلك في الكتاب على زعمهم ، أو الأصل : إنّ لهم لما تخيّرون ، ثمّ عدل إلى الخطاب عن مواجهتهم.

السادس : قد تقع الجملة بعد القول غير محكية ، وهي نوعان :

محكية بقول آخر محذوف ، كقوله تعالى : (فَما ذا تَأْمُرُونَ) [الأعراف / ١١٠] ، بعد (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) [الأعراف / ١٠٩] ، لأنّ قولهم تمّ عند قوله : (مِنْ أَرْضِكُمْ) [الأعراف / ١١٠] ، ثمّ التقدير : فقال فرعون : بدليل قوله : (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ) [الأعراف / ١١١] ، وقول الشاعر [من الرجز] :

٨٣٨ ـ قالت له وهو بعيش ضنك

لا تكثري لومي وخلّي عنك (٢)

التقدير قالت له : أتذكر قولي لي ، إذا لومك في الإسراف في الإنفاق ، لا تكثري لومي ، فحذف المحكيّة بالمذكور ، وأثبت المحكية بالمحذوف.

وغير محكية ، وهي نوعان دالّة على المحكية كقولك : قال زيد لعمرو في حاتم : أتظنّ حاتما بخيلا ، فحذف المقول ، وهو حاتم بخيل مدلولا عليه بجملة الإنكار الّتي هي من كلامك (٣) دونه ، وغير دالّة عليها نحو : (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) [يونس / ٦٥].

والثانية : أن يقع مفعولا في باب ظنّ وأعلم ، فتقع «مفعولا ثانيا لباب ظنّ» ، نحو : ظننت زيدا يقرأ ، فجملة يقرأ من الفعل وفاعله المستتر فيه في موضع نصب على أنّها المفعول الثاني لظنّ ، ووقوعها مفعولا في هذا الباب كوقوعها خبرا في باب كان ، و

__________________

(١) البيت للفرزدق. اللغة : جوّ سويقة : اسم موضع.

(٢) لم يذكر قائله. اللغة : الضنك : الضيّق من كلّ شي (يستوي فيه المذكّر والمونث) ، خلّي : ابعدي عنّي.

(٣) من كلامك سقط في «ح».

٧٦٢

قد اجتمع وقوع الثاني من باب ظنّ وخبر كان ، وإنّ جملة في قول أبي ذؤيب [من الطويل] :

٨٣٩ ـ فإن تزعميني كنت أجهل فيكم

فإنّي شريت الحلم بعدك بالجهل (١)

«و» مفعولا «ثالثا لباب أعلم» ، نحو : أعلمت زيدا عمرا أبوه قائم ، فجملة أبوه قائم في موضع نصب على أنّها المفعول الثالث ، وإنّما لم تقع مفعولا ثانيا في باب أعلم ، لأنّ مفعوله الثاني مبتدأ في الأصل ، والمبتدأ لا يكون جملة.

«و» الثالثة أن تقع «معلّقا عنها العامل» ، وقد مرّ معنى التعليق في باب أفعال القلوب ، وأنّه لا يختصّ بها خلافا لابن عصفور ، بل هو جار في كلّ فعل قلبيّ ، فهي أعني الجملة في موضع المفعولين ، إن تعدّى العامل إلى اثنين ، نحو قوله تعالى : (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى) [الكهف / ١٢] ، وفي موضع مفعول مقيّد بالجارّ ، إن تعدّي به نحو : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ) [الأعراف / ١٨٤] ، (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً) [الكهف / ١٩] ، (يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) [الذاريات / ١٢] ، لأنّه يقال : تفكّرت فيه ، ونظرت فيه ، وسالت عنه ، ولكنّها علّقت هنا بالاستفهام عن الوصول في اللفظ إلى المفعول ، وهي من حيث المعنى طالبة له على معنى ذلك الحرف.

وفي موضع المفعول المسرح إلى أن تعدّى لواحد ، نحو : عرفت من أبوك ، لأنكّ تقول : عرفت زيدا ، ومنه على رأي ابن مالك [من البسيط] :

٨٤٠ ـ أما تري أيّ برق هاهنا (٢)

لأنّ الرؤية فيه عنده بصريّة كما تقدّم ، ورأى البصريّة وسائر أفعال الحواس إنّما يتعدّى لواحد بلا خلاف إلا سمع المعلّقة باسم عين ، نحو : سمعت زيدا يقرأ ، فقيل : متعدّية لاثنين ، ثانيهما الجملة ، وقيل : متعدّية لواحد ، والجملة حال ، أمّا متعلّقه بمسموع فمتعدّية لواحد اتّفاقا ، نحو : (يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ) [ق / ٤٢].

تنبيهات : الأوّل : اختلف في نحو : عرفت زيدا من هو ، فذهب الفارسيّ إلى أنّ الجملة في موضع المفعول الثاني لعرفت على تضمّنه معنى علمت ، واختاره أبو حيّان ، وردّ بأنّ التضمين لا ينقاس ، وهذا التركيب مقيس ، وذهب المبرّد والأعلم وابن خروف وغيرهم إلى أنّ الجملة في موضع نصب على الحال ، وردّ بأنّ الجمل الأنشائية لا تقع حالا ، وذهب السيرافيّ وابن عصفور وابن مالك وابن الصائغ وابن هشام إلى أنّ الجملة بدل من المنصوب ، ثمّ قال ابن عصفور : هي بدل كلّ من كلّ على حذف

__________________

(١) اللغة : شريت : ملكت بالبيع.

(٢) ما وجدت البيت ولكنه جاء هذا المصرع في المغني دون أن يذكر له صدره وقائله.

٧٦٣

مضاف ، والتقدير عرفت قصة زيد ، أو أمر زيد أبو من هو ، واحتّيج إلى هذا التقدير ، لتكون الجملة هي المبدل منه في المعنى. وقال ابن الصائغ هي بدل اشتمال ، ولا حاجة إلى تقدير.

الثاني : قال ابن هشام في المغني ، وقال جماعة عن المغاربة : إذا قلت : علمت زيدا لأبوه قائم ، أو ما أبوه قائم ، فالعامل معلّق عن الجملة ، وهو فاعل في محلّها النصب ، على أنّها مفعول ثان ، وخالف في ذلك بعضهم ، لأنّ الجملة حكمها في مثل هذا أن تكون في موضع نصب ، وأن لا يؤثّر العامل في لفظها ، وإن لم يوجد معلّق وذلك نحو : علمت زيدا أبوه قائم.

واضطرب كلام الزمخشريّ في ذلك ، فحكم في موضع من الكشاف بأنّه تعليق ، وقال في موضع آخر : لا يسمّى هذا تعليقا ، وإنّما التعليق أن يوقع بعد العامل ما يسدّ مسدّ معموليه جميعا كعلمت أيّهما عمرا ، ألا تري أنّه لا يفترق الحال بعد تقدّم أحد المنصوبين بين مجئ ماله الصدر وغيره ، ولو كان معلّقا ، لافترقا ، كما افترقا في علمت زيدا منطقا ، وعلمت أزيد منطلق.

قال الدماميني : فإن قلت : ما الّذي يترجّح من القولين المذكورين؟ قلت : كون العامل معلّقا بدليل قوله تعالى : (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ) [البقرة / ٢١١]. ألا ترى أنّ سل الّتي يراد بها طلب العلم لا المال إنّما يتعدّى إلى الثاني بالجارّ ، فلو كان وصول سل إلى كم كوصول ظنّ في نحو : ظننت زيدا أبوه منطلق ، لزم تعديته إلى اثنين بنفسه ، وذلك ممتنع ، وإذا ثبت أنّه علّق عن الثاني بدليل عدم وجود الجارّ لم يكن نصب العامل لأحد المفعولين لفظا مانعا من كونه معلّقا عن الآخر ، انتهى ، وفيه نظر ظاهر.

الثالث : فائدة الحكم على محلّ الجملة في التعليق بالنصب جواز ظهوره في التابع ، تقول : علمت من زيد وغير ذلك من أموره (١) ، وعلمت لزيد قائم وعمرا قاعدا ، بنصب جزءي الجملة المعطوفة ، كما نقله الرضيّ عن ابن الخشاب ، ومنه قول كثير [من الطويل].

٨٤١ ـ وما كنت أدري قبل عزّه ما البكى

ولا موجعات القلب حتّى تولّت (٢)

__________________

(١) سقطت «غير ذلك من أموره» في «ح».

(٢) اللغة : عزة : اسم امرأة كان الشاعر يحبّها ، موجعات : جمع موجعة ، وهي المؤلمة.

٧٦٤

يروى بنصب الموجبات بالكسرة عطفا على محلّ قوله ما البكى ، قال ابن هشام : رأيت بخطّ الإمام بهاء الدين بن النحاس ، أقمت مدّة ، أقول : القياس جواز العطف على محلّ الجملة المعلقّة عنها بالنصب ، ثمّ رأيته منصوصا ، انتهى.

ومّمن نصّ عليه ابن مالك ، ولا وجه للتوقّف فيه مع قولهم : إنّ المعلّق عامل في المحلّ ، وابن النحاس المذكور هو أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن النحاس الحلبيّ النحويّ المشهور صاحب ابن مالك ، وأخذ منه جماعة من المشاهير ، منهم أبو حيّان وابن نباتة وغيرهما.

الرابع : إنّما يعطف على الجملة المعلّق عنها العامل مفرد فيه معنى الجملة ، كما مرّ من نحو : علمت من زيد وغير ذلك من أموره ، ولا تقول : علمت أزيد قائم وعمرو ، لأنّ مطلوب هذه الأفعال أنّما هو مضمون الجملة ، فإذا كان في الكلام مفرد يؤدّي معنى الجملة ، صحّ أن يتعلّق به وإلا فلا ، قاله في التصريح.

و «قد تنوب» الجملة الواقعة مفعولا عن الفاعل ، فيكون محلّها من الإعراب الرفع ، ويختصّ ذلك بباب القول ، لأنّ الجملة إنّما تقع نائبة إذا أريد بها لفظها ، كما سيأتي ، وهو غير متصوّر إلا في باب القول ، نحو : يقال : زيد عالم ، فجملة زيد عالم في محلّ رفع على أنّها نائبة عن الفاعل.

وفي شرح الجمل لابن بابشاذ إذا قلنا : قد قيل : زيد منطلق ، فموضع الجملة رفع لكونها مفسّرة لقول مقدّر ، كأنّه قال قد قيل قول : هو زيد منطلق ، ومن هاهنا لم يجز زيد منطلق ، قيل : لأنّه مفسّر للفاعل أي نائبة ، وهو لا يتقدّم على فعله ، انتهى. وكذا قال أبو البقاء في قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا) [البقرة / ١١] ، القائم مقام الفاعل مصدر ، وهو القول ، وأضمر لأنّ الجملة بعده تفسّره ، والتقدير وإذا قيل لهم قول هو لا تفسدوا ، انتهى.

وزعم ابن عصفور أنّ ذلك قول البصريّين ، والصواب ما ذكره المصنّف من أنّ النائب هي الجملة بعينهما ، لأنّها كانت قبل حذف الفاعل منصوبة ، فكيف انقلبت مفسّرة ، والمفعول به متعيّن للنيابة ، فإن قلت : أليس الصحيح أنّ الفاعل ونائبه لا يقعان جملة ، فكيف صحّ وقوع نائب الفاعل هنا جملة؟ قلت : الجملة هنا في حكم المفرد ، لأنّ المراد بها لفظها دون معناها ، ولهذا يقع مبتدأ ، نحو : لا حول ولا قوّة إلا بالله كتر من كنور الجنة ، وفي المثل زعموا مطيّة الكذب ، والجملة بل المركّب يصير بإرادة اللفظ اسما ، وكلّ اسم مفرد ، فنائب الفاعل هنا في الحقيقة مفرد لا جملة ، وكذا المبتدأ في المثالين المذكورين.

٧٦٥

تنبيه : ما ذكره المصنّف من اختصاص النيابة بباب القول لما مرّ هو المشهور ، وقيل : تقع أيضا في الجملة المقرونة بمعلّق ، نحو : علم أقام زيد : وقيل في الجملة مطلقا ، نحو : علم قام زيد ، وهو مبنيّ على جواز وقوع الفاعل ونائبه جملة ، وفي المسأله ثلاثة أقوال :

أحدها : المنع مطلقا ، وعليه الأكثر ، وهو المشهور كما ذكرنا.

الثاني : الجواز مطلقا ، نحو : يعجبني قام زيد ، وهو قول هشام وثعلب واحتجاجا بقوله [من الطويل] :

٨٤٢ ـ وما راعني إلا يسير بشرطة

 ... (١)

الثالث : التفضيل ، وهو إن كان الفعل قلبيّا ، ووجد معلّق عن العمل ، نحو : ظهر لي أقام زيد ، صحّ ، وإلا فلا ، وهو قول الفرّاء وجماعة من الكوفيّين ونسبوه إلى سيبويه ، وحملوا عليه : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) [يوسف / ٣٥] ، ومنعوا : يعجبني يقوم زيد ، وعلى هذين القولين فيزاد في الجمل الّتي لها محلّ الجملة الواقعة فاعلا ونائبا عنه ، ومنع الأكثرون ذلك كلّه ، وأوّلوا ما ورد ممّا يوهمه ، فقالوا في يسير : إنّه على إضمار أن ، وفي بدا ضمير البداء المفهوم منه أو ضمير السجن المفهوم من الفعل.

وقال الدمامينيّ : ما أظنّ أنّ أحدا من الكوفيّين ولا غيرهم ينازع في أنّ من خصاص الاسم كونه مسندا إليه ، فيحمل ما ذكروه من جواز وقوع الفاعل جملة على أنّ معنى المصدر المفهوم من الجملة هو الفاعل المسند إليه معنى ، وغايته أن التاويل هنا وقع بغير واسطة حرف مصدريّ ، فهو كما يقول الكلّ في نحو : قمت حين قام زيد ، من أنّ الجملة وقعت مضافا إليها مع أنّ الإضافة من خصائص الاسم كالإسناد إليه ، لكن الجملة هنا مؤولة عندهم بمفرد ، أي حين قيام زيد. ولا بدع في هذا ، لأنّه وجد مطّردا في الإضافة في باب التسوية ، نحو : سواء على قمت أم قعدت ، أي قيامك وقعودك ، وفي لا تأكل السمك وتشرب اللبن ، أي لا يكن منك أكل سمك مع شرب لبن ، فهشام ومن قال بقوله ألحقوا مثل يعجبني يقوم زيد بتلك الأبواب.

الجملة الواقعة المضاف إليها

ص : الرّابعة : المضاف إليها : وتقع بعد ظروف الزمان ، نحو : (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ) وبعد حيث ، ولا يضاف إلى الجمل من ظروف المكان سواها ، والأكثر إضافتها إلى الفعلية.

__________________

(١) تمامه «وعهدي به قينا يفشّ بكير» ، ولم يسمّ قائله. اللغة : راعني : أعجبني ، القين : الحدّاد ، يفش : يخرج ما فيه من الريح. الكير : الجهاز يستخدمه الحدّاد للنفخ في النار لإشعالها.

٧٦٦

ش : الجملة «الرابعه» من الجمل الّتي لها محلّ من الإعراب الجملة «المضاف إليها» ، ومحلّها الجرّ ، فعلية كانت أو اسميّة. قال الدمامينيّ : لا ينبغي أن تنظم هذه في سلك الجمل الّتي لها محلّ من الإعراب ضرورة أنّ المراد منها ما يكون جملة حقيقة ، ولا يكون في معنى المفرد ، بل واقعة موقعه ، والمضاف إليه لا يكون جملة حقيقية ، وكيف وهو لا يكون إلا اسما ، أو ما هو في تأويل الاسم.

قال ابن الحاجب : لأنّ المضاف إليه في المعنى محكوم عليه ، لأنّه منسوب إليه ، أو لأنّ غلام زيد في معنى زيد له غلام أو مالك غلام ، هذا كلامه ، فإذا قلت : قمت حين قام زيد ، فالمعنى قمت حين قيام زيد (١) ، فلم تضف في الحقيقة إلا إلى المفرد دون الجملة ، انتهى.

وقال الشمنيّ : لا نسلم أنّ المراد من الجمل الّتي لها محلّ من الإعراب ما لا يكون في معنى المفرد ، بل المراد منها ما هو أعمّ من ذلك ، وما ادّعاه من الضرورة ليس بصحيح.

وتقع الجملة المضاف إليها بعد ظروف الزمان مضافة إليها ، سواء كانت مبنيّة أو معربة منصوبة على الظرفيّة أم لا ، نحو قوله تعالى : (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ) [مريم / ٣٣] ، فجملة ولدت في محل جرّ بإضافة يوم إليها ، ونحو قوله تعالى : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ) [المائدة / ١١٩] ، (وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ) [ابراهيم / ٤٤] ، ونحو قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ) [الأنفال / ٢٦] ، فجملة أنتم قليل في محلّ جرّ بإضافة إذ إليها ، ومثلها إذا عند الجمهور ، نحو قوله تعالى : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ) [النصر / ١] ، ولمّا عند من قال باسميّتها ، نحو : لمّا جاء زيد جاء عمرو ، وسيأتى الكلام على ذلك فى حديقة المفردات ، إن شاء الله.

والأصل فيما يضاف من أسماء الزمان إلى الجمل إذ وإذا ، فلا يضاف إليها غيرهما إلا إذا ساواهما في الإبهام ، أو قاربهما في ما مضي ، أو فيما يأتي ، وذلك ما لا يختصّ بوجه كوقت وحين ومدّة وزمان ، وما يختصّ بوجه دون كنهار وصباح ومساء وغداة وعشية ، فلو كان الزمان محدودا بالتثنية كيومين وليلتين لم تجز إضافته خلافا لابن كيسان لعدم السماع ، فلو كان غير مثنّى ودلّ على استحضار ما تحته من العدد استحضارا أوليا كأسبوع وشهر وعام وجمعة ، فقد نصّ المغاربة على جواز الإضافة ، ونصّ غيرهم على المنع والجمع غير محدود فتجوز إضافته ، قال [من الكامل] :

٨٤٣ ـ أزمان قومي والجماعة كالّذي

منع الرّحالة أن تميل مميلا (٢)

__________________

(١) سقطت هذه الفقرة في «س».

(٢) هو للراعي النميريّ. اللغة : الرحالة : السرج.

٧٦٧

وقال الآخر [من الطويل] :

٨٤٤ ـ ليإلى اقتاد الصبا ويقودني

 ... (١)

«و» تقع الجملة المضاف إليها «بعد حيث» من أسماء المكان مضافا إليها وجوبا ، نحو : جلست حيث زيد جالس ، «ولا يضاف إلى الجمل من ظروف المكان سواها» وقد مرّ وجه ذلك في باب الإضافة ، فليرجع إليه. «و» الاستعمال «الأكثر إضافتها» إلى الجملة «الفعلية» ، ومن ثمّ رجّح النصب في نحو : جلست حيث زيدا أراه.

تتمّة : ويضاف إلى الجملة سوي ما ذكر ستّة أخر.

أحدها : آية بمعنى علامة ، فإنّها تضاف جوازا إلى الجملة الفعلية المتصرّف فعلها مجرّدا ، كقوله [من الطويل] :

٨٤٥ ـ ألكني إلى سلمى بآية أومأت

بكفّ خضيب تحت كفّ مدرع (٢)

وقوله [من الوافر] :

٨٤٦ ـ بآية تقدمون الخيل شعثا

كأنّ على سنابكها مداما (٣)

أو مقرونا بما الزائدة عند سيبويه أو المصدريّة عند ابن جنيّ وابن مالك في قوله [من الوافر] :

٨٤٧ ـ ألا من مبلغ عنّي تميما

بآية ما تحبّون الطّعاما (٤)

أو النافية في قوله [من الطويل] :

٨٤٨ ـ ألكني إلى قومي السّلام رسالة

بآية ما كانوا ضعافا ولا عزلا (٥)

هذا قول سيبويه ، وزعم ابن جنيّ أنّها إنّما تضاف إلى المفرد ، نحو : (إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ) [البقرة / ٢٤٨] وأنّ الجملة بعدها على تقدير ما المصدريّة ، كأنّه رأى أنّ الإضافة إلى الجملة أنّما ينبغي أن يكون في الظروف ، وما أشبهها بوجه وأنّه بعيدة من الظروف ، وأنّما قدّر ما دون أن المعهودة التقدير ، لأنّ الفعل لم ير منصوبا في وقت ما ، ولأنّه لا يختصّ بالمستقبل ، وردّ ابن مالك عليه بقوله [من الطويل] :

٨٤٩ ـ ...

بآية ما كانوا ضعافا ولا عزلا (٦)

__________________

(١) تمامه «يحول بنا ريعانه ويحاوله» ، وهو لطرفة بن العبد. اللغة : الريعان : من كلّ شىء : أوّله وأفضله.

(٢) لم يذكر قائله. اللغة : ألاك : أبلغ ، أومأت : أشارت ، الكفّ : الراحة مع الأصابع. الخضيب : فعيل بمعنى المفعول يعني ما غيّر لونه بالحنّاء.

(٣) نسب البيت إلى الأعشى وإلى زيد بن عمرو بن الصعق. اللغة : يقدمون : يدخلون ويتقدّمون في الأمر ، الشعث : جمع أشعث ، وهو المغبر الرأس ، السنابك : جمع سنبك ، وهو طرف الحافر ، المدام : الخمر.

(٤) هو لزيد بن عمرو بن الصعق.

(٥) هو لعمرو بن شأس. اللغة : الضعاف : جمع ضعيف ، العزل : جمع أعزل : وهو الّذي لا سلاح له.

(٦) تقدّم برقم ٧٤٨.

٧٦٨

قال : لأنّ تقدير ما المصدريّة قبل ما النافية ممتنع ، والّذي رأى أنّها تصاف إلى الجملة وجه ذلك بأنّ الآية بمعنى العلامة مشابهة للوقت ، لأنّ الوقت حادث صار علما لحادث آخر ، كقولك : أتيتك طلوع النجم ، فصار طلوعها آية الإتيان وعلامته ، فمن ثمّ عوملت معاملة أسماء الأوقات في جواز الإضافة إلى الجملة ، وأمّا اشتراط الفعلية وتصرّف الفعل وكونه مثبتا أو منفيّا بما فمحال على السماع.

الثاني : ذو في قولهم : إذهب بذي تسلم ، والبا في ذلك ظرفيّة ، وذو صفة لزمن محذوف ، ثمّ قال الأكثرون هي بمعنى صاحب ، فالموصوف نكرة ، أي إذهب في وقت صاحب سلامة ، أي في وقت هو مظنّة السلامة ، وقيل : إنّها موصولة بمعنى الّذي على لغة طيّ ، وأعربت على لغة بعضهم ، فالموصوف معرفة ، والجملة صلة فلا محلّ لها ، والأصل إذهب في وقت الّذي تسلم فيه ، ثمّ اتّسع فيه ، فحذف الجارّ فصار تسلمه ، ثمّ حذف الضمير ، فلا إضافة فيه إلى الجملة.

قال المراديّ في شرح التسهيل : وإلى نحو هذا كان يذهب ابن الطراوة. قال ابن هشام : ويضعفه أنّ استعمال ذي موصولة بطيّ ، ولم ينقل اختصاص هذا الاستعمال بهم ، وأنّ الغالب عليها في لغتهم البناء ، ولم يسمع هنا إلا الإعراب ، وأنّ حذف العائد المجرور هو الموصول بحرف متّحد المعنى مشروط باتّحاد المتعلّق نحو : (وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) [المومنون / ٣٣] ، أي منه ، والمتعلّق هنا مختلف ، وأنّ هذا العائد لم يذكر في وقت ، انتهى.

وربّما قالوا : بذي تسلم ما كان كذا مقسما به ، ويختلف فاعلا اذهب وتسلم بحسب المخاطب ، فيقال : اذهبي بذي تسلمين ، واذهبا بذي تسلما ، واذهبوا بذي تسلمون ، واذهبن بذي تسلمن.

الثالث والرابع : لدن وريث ، فإنّهما يضافان جوازا إلى الجملة الفعلية الّتي فعلها متصرّف ، ويشترط كونه مثبتا بخلافه مع آية كقوله [من الطويل] :

٨٥٠ ـ لزمنا لدن سألتمونا رفاقكم

فلا يك منكم للخلاف جنوح (١)

وقوله [من الطويل] :

٨٥١ ـ خليليّ رفقا ريث أقضي لبانة

من العرصات المذكّرات عهودا (٢)

وقد تضاف لدن إلى الجملة الاسميّة أيضا كقوله [من الطويل] :

__________________

(١) البيت بلا نسبة إلى قائل معيّن ، ويروى سألتمونا وفاقكم. اللغة : الجنوح : الميل.

(٢) لم يذكر قائله. اللغة : الريث : البطء ، اللبانة : الحاجة ، العرصات : جمع عرصة ، وهو الفضاء الواسعة من الدار ليس فيها بناء.

٧٦٩

٨٥٢ ـ ...

وتذكر نعماه لدن أنت يافع (١)

قال ابن مالك في شرح التسهيل : وهما أحقّ من ذلك من آية.

أمّا لدن فإنّها تدلّ على مبدإ الغاية زمانا ومكانا ، فإذا دلّت على مبدإ الزمان فجريها مجرى الأسماء المبهمة ليس ببدع.

وأمّا ريث فهو مصدر راث يريث ، إذا أبطأ ، فعومل في الإضافة إلى الجملة معاملة أسماء الزمان ، كما عوملت المصادر معاملة أسماء الزمان في التوقيت ، انتهى. فالأصل في مثل قولك : أنظرني ريث أفعل ، أنظرني مدّة ريث أن أفعل ، ثمّ أنيبت ريث عن المدّة ، وأضيفت إلى الجمل كما يجوز ذلك في المدّة ، وذهب ابن مالك في الكافية وشرحها إلى أنّ الفعل بعدهما على إضمار أن ، ويؤيّده ظهورها مع لدن في قوله [من الطويل] :

٨٥٣ ـ وليت فلم تقطع لدن أن وليتتنا

قرابة ذي قربي ولا حقّ مسلم (٢)

والخامس والسادس : قول وقائل ، كقوله [من الخفيف] :

٨٥٤ ـ قول يا للرّجال ينهض منّا

مسرعين الكهول والشّبّانا (٣)

وقوله [من الكامل] :

٨٥٥ ـ وأجبت قائل كيف أنت بصالح

حتّى مللت وملّني عوّادي (٤)

تنبيهات : الأوّل : يشترط في الجملة المضاف إليها خبريّتها ، فإن كانت الجملة اسميّة ، وصدرت بلا التبرئة بقي اسمها على ما كان عليه من بناء أو نصب ، فتقول : جئتك يوم لا حرّ ولا برد ، ويروى يوم لا حرّ ولا برد بالجرّ على إضافة يوم إلى الاسم بعد لا ، وإن صدرت بلا وما العاملتين كليس لم يختلف حكمها ، كقوله [من الطويل] :

٨٥٦ ـ وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة

بمغن فتيلا عن سواد بن قارب (٥)

الثاني : لا يلحق الرابط الجملة المضاف إليها إلا نادرا : قال ابن مالك : كلّ مضاف إلى جملة مقدّر الإضافة إلى مصدر من معناها ، ومن أجل ذلك لا يعود منها ضمير إلى المضاف إليها ، كما لا يعود من المصدر ، فإن سمع ذلك عدّ نادرا كقوله [من الوافر] :

٨٥٧ ـ مضت سنة لعام ولدت فيه

وعشر بعد ذاك وحجّتان (٦)

__________________

(١) صدره «إلى أنت ذو فودين أبيض كالنسر» ، ولم يذكر قائله. اللغة : الفود : الجناح.

(٢) لم يسمّ قائله.

(٣) لم يعيّن قائله.

(٤) لم يسمّ قائله. اللغة : مملت : من الملالة ، وهي السآمة ، العوّاد : جمع عائد وهو الّذي يزور المريض.

(٥) قاله سواد بن قارب وقدر رأى النبي (ص) في المنام ، فأسلم حين كونه غائبا عن النبي (ص) في المدينه ، فخاطب النبي (ص) بقصيدة منها هذا البيت. اللغة : الفتيل : شقّ في نواة التمر ، وهو مفعول لمغن.

(٦) هو من أبيات للنابغة الجعدي ، اللغة : الحجة : الحول والسنة.

٧٧٠

والمعروف أنّه إذا كان في الجملة ضمير فصّلت عن الإضافة وجعلت صفة ، كقوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) [البقرة / ٢٨١].

الثالث : ما يجب إضافته إلى الجمل وقد مرّ ذكره في باب الإضافة ، يجب بناؤه ، وغير الواجب يجوز الإعراب فيه على الأصل والبناء حملا على إذ وإذا ، فإن كان ما وليه فعلا مبنيّا ترجّح البناء للتناسب ، وإن كان فعلا معربا أو جملة ترجّح الإعراب عند الكوفيّين ، ووجب عند البصريّين وقد مرّ ذلك مستوفيا.

الجملة الواقعة جوابا لشرط جازم

ص : الخامس : الواقعة جوابا لشرط جازم مقرونة بالفاء أو إذا الفجائيّة ، ومحلّها الجزم ، نحو : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ ، إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) وأمّا نحو : إن تقم أقم ، وإن قمت قمت ، فالجزم فيه للفعل وحده.

ش : الجملة «الخامسة» من الجمل الّتي لها محلّ من الإعراب الجملة «الواقعة جوابا لشرط جازم» ، وهو إن وأخواتها ، حال كونها أعني الجملة الجوابيّة «مقرونة بالفاء» ، سواء كانت اسميّة أم فعلية خبريّة أم أنشائيّة «أو» مقرونة «بإذا الفجائيّة» ، ولا تكون إلا اسميّة والأداة إن خاصّة كما مرّ.

«ومحلّها» أي الجملة من الأعراب «الجزم» ، لأنّها لم تصدر بمفرد يقبل الجزم لفظا أو محلّا ، فالمقرونة بالفاء «نحو» قوله تعالى : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ) [الأعراف / ٨٦] ، فجملة لا هادي له من لا واسمها وخبرها في محلّ جزم جوابا لشرط جازم ، وهو من ، ولهذا قرئ بجزم يذر عطفا على محل الجملة ، والفاء المقدّرة كالمذكورة نحو قوله [من البسيط] :

٨٥٨ ـ من يفعل الحسنات الله يشكرها

 ... (١)

والمقرونة بإذا نحو قوله تعالى : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) [الروم / ٣٦] ، فجملة (هُمْ يَقْنَطُونَ) في محلّ جزم لوقوعها جوابا لشرط جازم ، وهو إن. و «أمّا» إذا صدّرت الجملة بمفرد يقبل الجزم لفظا «نحو» قولك : «إن تقم أقم» أو محلّا نحو قولك : «إن قمت قمت ، فالجزم فيه» محكوم به «للفعل وحده» لا لجملة بأسرها ، وكذا القول في الشرط.

__________________

(١) تمامه «الشر بالشّر عند الله مثلان» ، وهو لعبد الرحمن بن حسان أو لكعب بن مالك.

٧٧١

تنبيهات : الأوّل : قال الدمامينيّ في شرح المغني : الّذي يظهر لي أنّ جملة الجزاء لا محلّ لها من الإعراب مطلقا ، سواء اقترنت بالفاء أم لا تقترن ، وسواء كانت جوابا لشرط جازم أو جوابا لشرط غير جازم ، لأنّ الجملة إنّما تكون ذات محلّ من الإعراب ، إذا صحّ وقوع المفرد في محلّها ، والجزاء لا يكون إلا جملة ، ولا يصحّ وقوعه مفردا أصلا ضرورة أنّ حرف الشرط لا يدخل إلا على جملتين دالّا على انعقاد السببيّة أو اللزوم بينهما ، فيكون مضمون أولاهما سببا في وقوع مضمون الثانية ، أو في الإخبار بها أو يكون مضمون الثانية لازما لمضمون الأولى على ما اختاره بعضهم ، وكان الداعي لهم إلى جعل جملة الجواب فيما ذكر ذات محلّ هو المحافظة على توفير ما يقتصيه أداة الشرط إمّا لفظا أو محلّا ، وجوابه أنّ توفير ذلك إنّما يصحّ فيما يقبله ، والجملة ليست قابلة هنا لذلك لا بحسب اللفظ ، وهو ظاهر ولا بحسب المحلّ ، إذ ليست واقعة في موضع المفرد كما قدّمناه ، انتهى.

وتأوّل الجزم في (يَذَرُهُمْ) ونحوه بتقدير شرط محذوف دلّ عليه ما قبله ، أي وإن لم يفعلوا يذرهم. قال بعضهم : ولا حاجة إلى ذلك مع إمكان تخصيص الإعراب بغير الجزم في قولهم : إنّما تكون الجملة ذات محلّ من الإعراب إذا وقعت موقع المفرد ، وهذا أسهل من مخالفة كلامهم ، وتأوّل بما ورد من ذلك بما لا حاجة إليه.

الثاني : صريح كلام المصنّف أنّ المحلّ في جواب الشرط الجازم محكوم به لمجموع الفاء وما بعدها ، وصرّح ابن هشام في المغني أنّه قول الجميع ، لكن وقع له عند الكلام على هذه الجملة أنّ الجزم محكوم به لما بعد الفاء ، وتعقّبه الشارح بأنّه لا وجه له ، فإنّ المجزوم لا يحلّ في هذا الموضع ، وكيف وهذه الفاء مانعة من جزم ما بعدها ، قال : وأمّا الّذي ذكره الجميع فربّما يتخيّل على ما فيه ، وذلك لأنّ الفاء وما بعدها لو وقع موقعهما ما هو مصدّر بمضارع لجزم ، فيحكم على المجموع بأنّه في محلّ جزم بهذا الاعتبار وهو معترض.

فإنّ المضارع المجزوم لم يقع وحده موقع الفاء وما بعدها ، وإنّما الواقع مجموع الجملة الّتي هو صدرها ، ولو كان المراد بالمفرد ما يظهر فيه الإعراب غير ملاحظ فيه ما يصحبه للزم الحكم على كثير من الجمل الّتي لا محلّ لها من الإعراب بأنّها ذات محلّ نظرا إلى هذا المعنى ، ألا ترى أنّ الواقعة جوابا لشرط غير جازم لا محلّ لها بالإجماع ، مثل إذا قام زيد فهو مكرم ، في أنّها يمكن أن تصدّر بمضارع مرفوع ، فتقول : إذا قام زيد أكرمه ، فلو اعتبر ما تقدّم للزم كون هذه الجملة ذات محلّ ، وهو باطل ، وعلى ذلك فقس ، انتهى.

٧٧٢

وقال الشمنيّ : إذا كان المراد بالمفرد ما يظهر فيه الإعراب الّذي يقتضيه العامل السابق غير ملاحظ فيه ما يصحبه لم يرد عليه هذا الّذي أورده.

الجملة التابعة لمفرد

ص : السادسة : التّابعة لمفرد ، ومحلّها بحسبه ، نحو : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) ونحو : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ.)

ش : الجملة «السادسة» من الجمل الّتي لها محلّ من الإعراب الجملة «التابعة لمفرد ، ومحلّها» من الإعراب «بحسبه» ، أي بحسب متبوعها مرفوعا كان أو منصوبا أو مجرورا. وهي عند الجمهور نوعان :

أحدهما : المنعوت بها ، وهي في محلّ رفع في نحو قوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ) [البقرة / ٢٥٤] ، وجملة لا بيع فيه من اسم لا وخبرها في محلّ رفع على أنّها نعت. وفي محلّ نصب في نحو قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) [البقرة / ٢٨١] ، فجملة ترجعون في محلّ نصب على أنها نعت ليوم. وفي محلّ جرّ في نحو قوله تعالى : (لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) [آل عمران / ٩] ، فجملة لا ريب فيه في محلّ جرّ على أنّها نعت ليوم.

تنبيه : للجملة المنعوت بها ثلاثه شروط : شرط في المنعوت ، وهو أن يكون نكرة إمّا لفظا كما مرّ ، أو معنى لا لفظا ، وهو المعرّف بأل الجنسية كقوله [من الكامل] :

٨٥٩ ـ ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني

 ... (١)

وشرطان في الجملة :

أحدهما أن تكون مشتملة على ضمير يربطها بالموصوف إمّا ملفوظ كما مرّ ، أو مقدّر كقوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) [البقرة / ٤٨] ، فإنّه على تقدير فيه أربع مرّات.

الثاني : أن تكون خبريّة فلا يجوز : مررت برجل اضربه.

والنوع الثاني : المعطوفة بالحرف ، نحو قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ) [الملك / ١٩] ، فجملة يقبضن في محلّ نصب عطفا على صافات ، وهو حال من الطير.

__________________

(١) تمامه «فمضيت ثمّت قلت لا يعنيني» ، وهو لرجل من سلول : اللغة : الئيم : الشحيح ، الدني النفس ، يسبّني : يشتمني ، لا يعنيني : لا يقصدني.

٧٧٣

تنبيه : زاد الزمخشريّ وابن جنيّ وابن مالك وابن هشام الجملة المبدلة ، قال تعالى : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) [الأنبياء / ٣] ، ثمّ قال : (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ) [الأنبياء / ٣] ، قال الزمخشريّ : هذا في محلّ نصب بدلا من النجوي ومحتمل التفسير.

وقال ابن جنيّ في قوله [من الطويل] :

٨٦٠ ـ إلى الله أشكو بالمدينه حاجة

وبالشّام أخرى كيف يلتقيان (١)

جملة الاستفهام بدل من حاجة وأخرى أي إلى الله أشكو حاجتين تعذّر التقائهما ، والجمهور لم يذكروا ذلك ، وقال أبو حيّان : وليس كيف يلتقيان بدلا ، بل استئناف للاستبعاد ، انتهى. ولذلك لم يذكرها المصنّف (ره).

الجملة التابعة لما لها محلّ

ص : السابعة : التابعة لجملة لها محلّ ، ومحلّها بحسبها ، نحو : زيد قام وقعد أبوه ، بالعطف على الصغرى ، وتقع بدلا بشرط كونها أوفى بتأدية المراد ، نحو :

أقول له ارحل لا تقيمنّ عندنا

وإلا فكن في السرّ والجهر مسلما

ش : الجملة «السابعة» من الجمل الّتي لها محلّ من الإعراب الجملة «التابعة لجملة لها محلّ» من الإعراب ، «ومحلّها» أي التابعة «بحسبها» أي بحسب المتبوعة مرفوعة كانت ، أو منصوبة أو مجرورة.

وتقع أعني التابعة معطوفه «نحو : زيد قام ، وقعد أبوه بالعطف على» الجملة «الصغرى» ، وهي قام الّتي هي خبر في محلّ رفع. واحترز بذلك من تقديرها معطوفة على الكبرى ، لأنّها حينئذ لا محلّ لها لعطفها على جملة مستأنفة ومن تقدير الواو للحال ، لأنّها حينئذ لا تكون تابعة.

و «تقع بدلا بشرط كونها أوفى» من الجملة الأولى «بتأدية» المعنى «المراد نحو» قول الشاعر [من الطويل] :

٨٦١ ـ أقول له ارحل لا تقيمنّ عندنا

وإلا فكن في السّرّ والجهر مسلما (٢)

فجملة لا تقيمنّ عندنا في محلّ نصب بدل اشتمال من ارحل ، لما بينهما من الملابسة اللزوميّة ، وهي أوفى بتأدية المعنى المراد من الجملة الأولى ، فإنّ دلالتها على ما أراده من إظهار الكراهية لإقامته بالمطابقة بخلاف الأولى.

__________________

(١) هو للفرزدق.

(٢) تقدم برقم ٦٠٣.

٧٧٤

فإن قلت : هي إنّما تدلّ على طلب الكفّ عن الإقامة ، لأنّه موضوع للنهي ، وأمّا إظهار الكراهية المنهيّ فمن لوازمه ومتقضياته ، فدلالته عليه تكون بالالتزام دون المطابقة ، قلت : نعم ولكن صار قولنا : لا تقم عندي بحسب العرف حقيقة في إظهار كرامة إقامته وحضوره ، والتأكيد بالنون دالّ على كمال هذا المعنى ، فصار لا تقيمنّ عندنا دالّا على كمال إظهار الكراهة لإقامته بالمطابقة بخلاف الأولى ، قاله التفتازانيّ في شرح التلخيص.

ثمّ إنّما يصحّ التمثيل بهذا البيت للجملة الّتي لها محلّ بناء على قول علماء البيان من تمثيلهم به ، لأنّ الجملة الأولى محكيّة ، والثانية تابعة لها ، لكن قال ابن هشام : إذا قيل : قال زيد : عبد الله منطلق ، وعمرو مقيم ، فليست الجملة الأولى في محلّ نصب ، والثانية تابعة لها ، بل الجملتان معا في موضع نصب ، ولا محلّ لواحدة منهما ، لأنّ المقول مجموعها ، وكلّ منهما جزء للمقول كما أنّ جزئي الجملة الواحدة لا محلّ لواحد منهما باعتبار القول ، فتأمّله ، انتهى.

وهذا بعينه جار في البيت ، فإنّ مجموع الجملتين فيه ، وهما قوله : ارحل لا تقيمنّ عندنا ، هو المقول ، وكلّ واحد من الجملتين جزءه ، فلا يكون لها محلّ على مقتضي كلامه.

تنبيه : ما ذكره المصنّف من انحصار الجمل الّتى لها محلّ من الإعراب فى سبع جار على ما قرّروا ، كما قال ابن هشام فى المغنى ، والحقّ أنّها تسع ، والّذي أهملوه الجملة المستثناة. قال الدمامينيّ : لم يعترض للتنصيص عليها أحد قبل ابن خروف فيما أعلم ، فإنّه قال في قوله تعالى : (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ* إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ* فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ) [الغاشية / ٢٣ و ٢٢ و ٢١] ، من مبتدأ ، ويعذّبه الله الخبر ، والجملة في محلّ نصب على الاستثنناء المنقطع ، انتهى.

والجملة المسند إليها نحو : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [البقرة / ٦] ، إذا أعرب سواء خبرا وأنذرتهم مبتدأ. ونحو : تسمع بالمعيدي خير من أن تراه (١) ، إذا لم يقدّر الأصل أن تسمع ، بل قدّر تسمع قائما مقام السماع كما أنّ الجملة في نحو : (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ) [الكهف / ٤٧] ، ونحو (أَأَنْذَرْتَهُمْ ،) وإن لم يكن معها حرف سابك.

وزاد الدمامينيّ عاشرة ، وهي الّتي تقع صلة لأل ، إمّا مع القول بأن ذلك لا يكون للضرورة مطلقا ، كما يقول الجمهور ، أو مع القول بأنّ ذلك يجوز في السعة قليلا إن

__________________

(١) المعيدي هو تصغير رجل منسوب إلى معد ، يضرب مثلا لمن خبره خير من مرآته. لسان العرب ٤ / ٣٧٤٣.

٧٧٥

كانت فعلية مصدّرة بمضارع ، كما يقوله الأخفش وابن مالك ، فإنّ جملة الصلة في هذه الحالة تكون ذات محلّ من الإعراب لوقوعها موقع المفرد.

وردّه التقيّ الشمنيّ بأنّا لا نسلم أنّ كلّ جملة واقعة موقع المفرد لها محلّ من الإعراب ، وإنّما ذلك للواقعة موقع المفرد بطريق الأصالة ، وللواقع بعد أل الموصولة ليس للمفرد بطريق الأصالة ، لأنّهم قالوا : إنّ صلة الفعل في صورة الاسم ، ولذا تعمل بمعنى الماضي ، ولو سلم ، فإنّما ذلك للواقع موقع المفرد الّذي له محلّ ، والمفرد الّذي هو صلة أل لا محلّ له ، والإعراب الّذي فيه بطريق العارية ، فإنّها لما كانت في صورة الحرفيّة نقل إعرابها إلى صلتها بطريق العارية كما في إلا بمعنى غير ، وقد ألغز بذلك بعض الاندلسيين فقال [من الرجز] :

٨٦٢ ـ حاجيتكم لتخبروا ما اسمان

وأول إعرابه في الثاني

وذاك مبنيّ بكلّ حال

ها هو للناظر كالعيان

وفي حاشيه الكشّاف للتفتازانيّ والجمهور على أنّ اللام الّتي هي من الموصولات اسم موضوع برأسه ، ألزم دخول الاسم لكونه في صورة حرف التعريف ، وأظهر إعرابه في ذلك فهو اسم في صورة الحرف ، وصلته فعل في صورة الاسم ، انتهى.

الجمل الّتي لا محلّ لها من الإعراب

الجملة المستأنفة

ص : تفضيل آخر ، الأولى : ممّا لا محلّ له المستأنفة ، وهي المفتتح بها الكلام كقولك ابتداء : زيد قائم أو المنقطعة عمّا قبلها ، نحو : (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ،) وكذلك جملة العامل الملغي لتأخّره ، أمّا الملغي لتوسّطه فجملة معترضة.

ش : هذا «تفضيل آخر» للجمل الّتي لا محلّ لها من الإعراب.

الجملة «الأولى ممّا لا محلّ له» من الإعراب الجملة «المستأنفة» وتسمّى الابتدائية أيضا ، والأوّل أوضح ، لأنّ الابتدائية تطلق أيضا على الجملة المصدّرة بالمبتدإ ، ولو كان لها محلّ. وهي أي الجملة المستأنفه نوعان.

أحدهما «المفتتح بها الكلام» ، أي الواقعة ابتداء لفظا ونيّة : «كقولك ابتداء زيد قائم» وقام زيد. ومنه الجملة المفتتح بها السور ، أو نيّة لا لفظا ، نحو : راكبا جاء زيد.

والثاني : «المنقطعة عمّا قبلها» ، أي الّتي قطع تعلّقها ، ممّا قبلها لفظا أو معنى ، فالأوّل نحو قوله تعالى : (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) [يونس / ٦٥] ، مستانفة منقطعة

٧٧٦

عمّا قبلها ، لا محلّ لها من الإعراب ، وليست محكيّة بالقول لفساد المعنى ، إذ قالوا : إنّ العزّة لله جميعا لم يحزنه ، وإنّما المحكيّ بالقول محذوف تقديره : إنّه مجنون أو شاعر أو نحو ذلك ، ومثلها قوله تعالى : (فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) [يس / ٧٦].

وفي جمال القرّاء (١) للسخاويّ إنّ الوقف على قولهم في الاثنين واجب ، والصواب أنّه ليس في جميع القرآن وقف واجب ، نعم إن وصل وقصد بذلك تحريف المعنى أثم.

«وكذلك» أي كالمذكور من الجملة المنقطقة «جملة العامل الملغي لتأخّره» نحو : زيد قائم أظنّ ، «أمّا» جملة العامل «الملغى لتوسّطه» نحو : زيد أظنّ قائم ، «فجملة» لا محلّ لها من الإعراب أيضا إلا أنّها جملة «معترضة» لا منطقعه. والثاني أعني الّتي قطع تعلّقها عمّا قبلها معنى نحو قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) [العنكبوت / ١٩] ، منقطعة عمّا قبلها ، لأنّ الرابط المعنويّ مفقود ، إذ إعادة الخلق لم تقع بعد ، فيقرروا برؤيتها مع أنّ الرابط اللفظيّ موجود ، وهو حرف العطف.

تنبيهات : الأوّل : يخصّ البيانيون الاستئناف بما كان جوابا عن سؤال مقدّر ، نحو قوله تعالى : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ* إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) [الذاريات / ٢٥ و ٢٤] ، فإنّ جملة القول الثانية جواب لسؤال مقدّر تقديره فما ذا قال لهم ، ولهذا فصّلت عن الأولى ، فلم تعطف عليها وفي قوله : (سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) [الذاريات / ٢٥] جملتان ، حذف خبر الأولى ومبتدأ الثانية ، إذ التقدير سلام عليكم ، أنتم قوم منكرون ، ومنه قوله [من الكامل] :

٨٦٣ ـ زعم العواذل أننّي في غمرة

صدقوا ولكن غمرتي لا تنجلي (٢)

فإنّ قوله : صدقوا جواب سؤال تقديره : أصدقوا أم كذبوا؟ ومثله : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ* رِجالٌ) [النور / ٣٧ و ٣٦] فيمن بنى يسبّح للمفعول.

الثاني : قال ابن هشام : قد يحتمل اللفظ الاستئناف وغيره ، وهو نوعان : أحدهما إذا حمل على الاستئناف احتّى ج إلى تقدير جزء يكون معه كلاما نحو : زيد من قولك : نعم الرجل زيد ، والثاني ما لا يحتاج فيه إلى ذلك لكونه جملة تامّة ، وذلك كثير جدّا ، نحو الجملة المنفيّة في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ

__________________

(١) جمال القرّاء وكمال الاقراء للشيخ علم الدين السخاويّ المتوفى سنة ٦٤٣ ه‍ ، وهو كتاب لطيف في فنه ، جمع فيه أنواعا من الكتب المشتملة على ما يتعلق بالقراءات والتجويد والناسخ والمنسوخ والوقف والابتداء. كشف الظنون ١ / ٥٩٣.

(٢) لم يعيّن قائله. اللغة : العوذال : جمع عاذلة من العذل بمعنى اللوم ، وأراد بها الجماعة لا النساء العوذال بدليل قوله صدقوا ، الغمرة : الشدّة ، تنجلي : تنكشف.

٧٧٧

خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) [آل عمران / ١١٨].

قال الزمخشريّ : الأحسن والأبلغ أن تكون مستأنفات على وجه التعلى ل للنهي عن اتّخاذهم بطانة من دون المسلمين ، ويجوز أن يكون لا يألونكم وقد بدت صفتين ، أي بطانة غير ما نعتكم فسادا بادية بغضاؤهم.

ومنع الواحدى (١) هذا الوجه لعدم حرف العطف بين الجملتين ، وزعم أنّه لا يقال : لا تتّخذ صاحبا يؤذيك أحبّ مفارقتك ، والّذي يظهر أنّ الصفة تتعدّد بغير عاطف ، وإن كانت جملة كما في الخبر ، نحو : (الرَّحْمنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ* عَلَّمَهُ الْبَيانَ) [الرحمن / ٤ و ٣ و ٢ و ١] ، انتهى ملخّصا.

الجملة المعترضة

ص : الثّانية المعترضة ، وهي المتوسطة بين شيئين ، من شأنهما عدم توسّط أجبنيّ بينهما ، وتقع غالبا بين الفعل ومعموله ، والمبتدإ وخبره ، والموصول وصلته ، والقسم وجواب ، والموصوف وصفته.

ش : الجملة «الثانية» من الجمل الّتي لا محلّ لها من الإعراب الجملة «المعترضة» وتسمّى الإعتراضية ، «وهي» الجملة «المتوسّطة بين شيئين» متلازمين ، «من شأنهما عدم توسّط أجنبيّ بينهما» لإفادة الكلام تقوية وتسديدا أو تحسينا.

وفي البسيط (٢) شرطها أن تكون مناسبة للجملة المقصودة ، بحيث تكون كالتأكيد أو التنبيه على حال

من أحوالها ، وأن لا تكون معمولة لشئ من أجزاء الجملة المقصودة ، وأن لا يكون الفصل بها إلا بين أجزاء المنفصلة بذاتها بخلاف المضاف والمضاف إليه ، لأنّ الثاني كالتنوين منه على أنّه قد سمع بينهما ، نحو : لا أخا فاعلم لزيد ، انتهى.

«وتقع غالبا بين» جزئي إسناد إمّا بين «الفعل ومعموله» سواء كان فاعله كقوله [من الطويل] :

__________________

(١) على بن أحمد محمد بن على الإمام أبو الحسن الواحدى ، مفسّر نحويّ ، أستاذ عصره واحد دهره ، صنّف : البسيط والوسيط والوجيز في التفسير ، أسباب الترول ، شرح ديوان المتنبي. بغية الوعاة ١ / ١٤٥.

(٢) البسيط شرح كبير على الكافية في النحو لابن حاجب ، صنفه السّيّد ركن الدين الأسترآبادي المتوفى سنة ٧١٧ ه‍. كشف الظنون ٢ / ١٣٧٠.

٧٧٨

٨٦٤ ـ وقد أدركتني والحوادث جمة

أسّنة قوم لا ضعاف ولا عزل (١)

أو مفعوله كقوله [من الرجز] :

٨٦٥ ـ وبدّلت والدهر ذو تبدّل

هيفا دبورا بالصّبا والشّمأل (٢)

وبين «المبتدإ وخبره» [من الطويل] :

٨٦٦ ـ وفيهّن والأيّام يعثرن بالفتى

نوادب لا يمللنه ونوائح (٣)

ومنه الاعتراض بجملة الفعل الملغي في نحو : زيد أظنّ قائم ، وبجملة الاختصاص نحو قوله (ص) : نحن معاشر الأنبياء لا نورث (٤) ، وقول هند بنت عتبة [من الرجز] :

٨٦٧ ـ نحن بنات طارق

نمشي على النمارق (٥)

أو بين ما أصله المبتدأ والخبر كقوله [من المنسرح] :

٨٦٨ ـ إنّ سليمى والله يكلؤها

ضنّت بشيء ما كان يرزؤها (٦)

وقوله [من الرجز] :

٨٦٩ ـ يا ليت شعري والمنى لا تنفع

هل أغدون يوما وشملي مجمع (٧)

إذا قيل بأن جملة الاستفهام خبر على تأويل شعري بمشعوري ، لتكون الجملة نفس المبتدإ فلا تحتاج إلى رابط ، وأمّا إذا قيل : إنّ الخبر محذوف ، أي موجود ، أو إنّ ليت لا خبر لها هنا ، إذا المعنى : ليتني أشعر ، فالاعتراض بين الشعر ومعموله الّذي علّق عنه بالاستفهام وبين جزئي صلة ، أمّا بين «الموصول وصلته» كقوله [من الكامل] :

٨٧٠ ـ ذاك الّذي وأبيك يعرف مالكا

والحقّ يدفع ترّهات الباطل (٨)

وقوله [من البسيط] :

٨٧١ ـ ماذا لا عتب في المقدور رمت أما

يكفيك بالنّجح أم خسر وتضليل (٩)

__________________

(١) نسب البيت إلى الجويرية بن زيد ، وإلى جريرة بن بدر الدارمي. اللغة : أدركتني : لحقتني ، الجمة : الكثيرة ، الأسنة : جمع سنان ، وهو حديد في طرف الرمح ، الضعاف : جمع ضعيف ، العزل : جمع أعزل بمعنى الّذي لا سلاح له.

(٢) هو لأبي النجم العجلي. اللغة : بدّلت : اتّخذت منه بدلا ، هيفا : ريح حارّة تأتي من قبل اليمن ، الدّبور : ريح تأتي من دبر الكعبة ، الصبا والشمال : ريحان معروفتان.

(٣) هو لمعن بن أوس ، اللغة : يعثرن بالفتى : يزللنه ، النوادب : جمع نادبة ، وهي الّتي تندب ، النوائح : جمع نائحة وهي التي تنوح.

(٤) مسند أحمد حنبل ، ٢ / ٤٦٣.

(٥) هو من أبيات لهند بنت عتبة بن ربيعة أمّ معاوية ، قالها يوم أحد تحرص بها المشركين على قتال رسول الله (ص). اللغة : النمارق : جمع النمرق والنمرقة : الوسادة الصغيرة أو الطنفسة فوق الرحل ، والمراد هنا البساط ، ونصب بنات على الاختصاص.

(٦) هو لإبراهيم بن هرمة ، اللغة : يكلأ : يحفظ ، ضت : بخلت ، يرزؤها : ينقصها.

(٧) لم يذكر قائله. اللغة : أغدون : أدخل في الغداة ، الشمل : تفرّق الأمر.

(٨) هو لجربر بن عطية. اللغه : الترهات : جمع ترّهة : الطريق الصغير المتشعب عن الطريق الأعظم.

(٩) تقدم برقم ٥٢٤.

٧٧٩

وأفهم كلام ابن مالك في شرح التسهيل أنّ القسمية ليست من الاعتراضية ، وليس كذلك ، بل هي نوع منها. وفي الإرتشاف عن نصّ الفارسيّ في الإغفال أنّه لا يجوز الفصل بالاعتراضية بين الصلة والوصول ، وإن جاز بين المبتدإ والخبر ، وانفصل بالاعتراض بينهما بالقسمية بالوقف عليه من كلامهم أو بين أجزاء الصلة نحو : الّذي جوده والكرم زين مبذول.

«و» بين «القسم وجوابه» كقوله تعالى : (فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ* لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) [ص / ٨٥ و ٨٤] ، والحقّ أقول اعتراض.

وبين الموصوف والصفه كقوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ* إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) [الواقعة / ٧٧ و ٧٦ و ٧٥] ، فيها اعتراض بين الموصوف ، وهو قسم ، وصفته وهو عظيم ، بجملة لو تعلمون ، وبين أقسم بمواقع النجوم وجوابه إنّه لقرآن كريم بجملة وإنّه لقسم لو تعلمون عظيم.

تتمّة : وتقع أيضا بين الشرط وجوابه كقوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ) [البقرة / ٢٤] ، وبين المجرور وجارّه ، اسما كان ، نحو : هذا غلام والله زيد ، وحرفا ، نحو : اشتريته بوالله ألف درهم ، وبين الحرف ومدخوله ، نحو [من الرجز] :

٨٧٢ ـ ليت وهل ينفع شيئا ليت

ليت شبابا بوع فاشتريت (١)

وقوله [من الوافر] :

٨٧٣ ـ كأنّ وقد أتي حول جديد

أثافيها حمامات مثول (٢)

وقوله [من الوافر] :

٨٧٤ ـ وما أدري وسوف إخال أدري

أقوم آل حصن أم نساء (٣)

وقوله [من الطويل] :

٨٧٥ ـ أخالد قد والله أوطات عشوة

 ... (٤)

وقوله [من الطويل] :

٨٧٦ ـ فلا وأبي دهماء زالت عزيزة

 ... (٥)

__________________

(١) هو من أبيات لرؤبة بن العجاج.

(٢) هو لأبي الغول الطهوي. اللغة : الأثافي : جمع أثفبة وهي حجارة يوضع عليها القدر ، الحمامات : جمع حمام وهو طائر معروف ، المثول : اللاصق بالأرض.

(٣) هو لزهير بن أبي سلمى ، اللغة : إخال : أظنّ.

(٤) تمامه «وما قائل المعروف فينا يعنّف» ، وهو لأخي يزيد بن عبد الله البجلي ، اللغة : أوطات عشوة : جعلت تسير على غير هدي.

(٥) تمامه «على أهلها ما فتّل الزند قادح» ، هو لتميم بن مقبل. اللغة : دهماء : اسم امرأة ، الزند : العود الّذي يقدح به النار.

٧٨٠