الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

السيد علي خان المدني الشيرازي

الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

المؤلف:

السيد علي خان المدني الشيرازي


المحقق: الدكتور السيد أبو الفضل سجادي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: روح الأمين
الطبعة: ٠
ISBN: 978-964-518-296-8
الصفحات: ٩٤٧

أحدها : صدر الكلام من نحو : إذا قام زيد فأنا أكرمه ، وهذا مبنيّ على الخلاف في عامل إذا ، فإن قلنا : جوابها فصدر الكلام جملة اسميّة ، وإذا تقدّمه من تأخير وما بعد إذا متمّم لها ، لأنّه مضاف إليه ونظير ذلك قولك : يوم يسافر زيد أنا مسافر وعكسه قوله [من الوافر] :

٨١٧ ـ فبينا نحن نرقبه أتانا

 ... (١)

إذا قدّرت ألف بينا زائدة ، وبين مضافة للجملة الاسميّة ، فإنّ صدر الكلام جملة فعلية ، والظرف مضاف إلى جملة اسميّة ، وإن قلنا : العامل في إذا فعل الشرط ، وإذا غير مضافة ، فصدر الكلام جملة فعلية ، قدّم ظرفها ، كما تقول : متى تقم فأنا أقوم.

الثاني : نحو : أفي الدار زيد؟ وأعندك عمرو؟ فإنّا إن قدّرنا المرفوع مبتدأ ، أو مرفوعا بمبتدإ محذوف ، تقديره كائن أو مستقرّ ، فالجملة اسميّة ذات خبر في الأولى ، وذات فاعل مغن عن الخبر في الثانية ، وإن قدّرنا فاعلا باستقرّ ففعلية ، أو بالظرف فظرفيّة.

الثالث : نحو : يومان في نحو : ما رأيته مذ يومان ، فإنّ تفسيره عند الأخفش والزّجاج بيني وبين لقائه يومان ، وعند أبي بكر وأبي على أمد انتفاء الرؤية يومان ، وعليهما فالجملة اسميّة لا محلّ لها ، ومذ خبر على الأوّل ، ومبتدأ على الثاني. قال الكسائيّ وجماعة : مذ كان يومان ، فمذ ظرف لما قبلها ، وما بعدها جملة فعلية ، فعلها ماض (٢) حذف فعلها ، وهي في محلّ خفض. وقال آخرون : المعنى من الزمن الّذي هو يومان ، ومنذ مركّبة من حرف الابتداء وذو الطائية واقعة على الزمان ، وما بعدها جملة اسميّة حذف مبتدأها ، ولا محلّ لها ، لأنّه صلته.

الرابع : ماذا صنعت ، فإنّه يحتمل معنيين : أحدهما : ما الّذي صنعته ، فالجملة اسميّة ، قدّم خبرها عند الأخفش ، ومبتدأها عند سيبويه. والثاني : أيّ شيء صنعت ، فهي فعلية قدّم مفعولها ، فإن قلت : مإذا صنعته ، فعلى التقدير الأوّل الجملة بحالها ، وعلى الثاني تحتمل الاسميّة بأن تقدّر ما ذا مبتدأ ، والفعلية بأن تقدّره مفعولا لفعل محذوف على شريطة التفسير ، ويكون تقديره بعد مإذا ، لأنّ الاستفهام له الصدر.

الخامس : (أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) [التغابن / ٦] ، فالأرحج تقدير بشر فاعلا ليهدي محذوفا ، والجملة فعلية ، ويجوز تقديره مبتدأ ، وتقدير الاسميّة في : (أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ) [الواقعة

__________________

(١) تمامه «معلّق وفضة وزناد راع» ، وهو لرجل من قيس عيلان. اللغة : نرقبه : نرصده : الوفضة : الجعبة الّتي يجعل فيها السهام ، الزناد : جمع زند ، وهو العود الذي تقدح به النار.

(٢) جملة «فعلها ماض» سقطت في جميع النسخ ، ولكنها موجودة في المغني. مغني اللبيب ، ص ٤٩٤.

٧٤١

/ ٥٩] ، أرجح منه في : (أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) لمعادلتها للاسميّة وتقدير الفعلية في قوله [من البسيط] :

٨١٨ ـ ...

فقلت أهي سرت أم عادني حلم (١)

أكثر رجحانا من تقديرها في (أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) لمعادلتها الفعلية.

السادس : نحو قاما أخواك ، فإنّ الألف إن قدّرت حرف تثنية كما أنّ التاء حرف تأنيث في قامت هند أو اسما وأخوك بدل منها ، فالجملة فعلية ، وإن قدّرت اسما وما بعدها مبتدأ ، فالجملة اسميّة ، قدّم خبرها.

السابع : نعم الرجل زيد ، فإن قدّر نعم الرجل خبرا عن زيد فاسميّة ، وإن قدّر : زيد خبرا لمحذوف فجملتان فعلية واسميّة.

الثامن : جملة البسملة فإن قدّر : ابتدائي بسم الله فاسميّة ، وهو قول البصريّين ، أو أبدأ ببسم الله ففعلية ، وهو قول الكوفيّين ، وهو المشهور في التفاسير والأعاريب.

التاسع : قولهم : ما جاءت حاجتك ، فإنّه يروى برفع حاجتك ، فالجملة فعلية ، وبنصبها فالجملة اسميّة ، وذلك لأنّ جاء بمعنى صار ، فعلى الأوّل ما خبرها ، وحاجتك اسمها ، وعلى الثاني ما مبتدأ ، واسمها ضمير ما ، وأنّث حملا على معنى ما وحاجتك خبرها.

ونظير ما هذه قولك : ما أنت وموسى ، فإنّها أيضا تحتمل الرفع والنصب ، إلا أنّ الرفع على الابتدائيّة أو خبريّة على خلاف بين سيبويه والأخفش ، وذلك إذا قدّرت موسى عطفا على أنت ، والنصب على الخبريّة أو المفعوليّة ، وذلك إذا قدّرته مفعولا معه ، إذ لا بدّ من تقدير فعل حينئذ ، أي ما يكون أو ما تصنع. ونظير ما هذه في الوجهين على اختلاف التقديرين ، كيف أنت وموسى ، إلا أنّها لا تكون مبتدأ ولا مفعولا به ، فليس للرفع إلا توجيه واحد ، وأمّا النصب فيجوز كونه على الخبريّة أو الحالية.

العاشر : الجملة المعطوفة من نحو : قعد عمرو وزيد قام ، والأرجح الفعلية للتناسب ، وذلك لازم عند من يوجب توافق الجملتين المتعاطفتين ، وممّا يترجّح فيه الفعلية ، نحو : موسى أكرمه ، ونحو : زيد ليقم وعمرو لا يذهب ، بالجزم ، لأنّ وقوع الجملة الطلبيّة خبرا قليل. إلى هنا كلام المغني.

__________________

(١) صدر البيت «فقمت للطّيف مرتاعا فأرّقني» ، وهو لزياد بن حمل التميمي. اللغة : الطيف : الخيال الطائف في المنام ، مرتاعا : حال وهو اسم فاعل من الإرتياع من الروع بمعنى الخوف ، أرّقني : أسهرني ، سرت : سارت ليلا ، الحلم : رؤيا النوم.

٧٤٢

«ثمّ» الجملة بالنسبة إلى الوصفيّة وعدمها قسمان ، لأنّها «إن وقعت خبرا» عن مبتدإ «فاسمها جملة صغرى» أو تسمّى جملة صغرى ، «وإن كان خبر المبتدإ فيها» أي في الجملة «جملة» اسميّة أو فعلية «فكبرى» ، نحو قولك : «زيد قام أبوه» أو أبوه قائم ، «فقام أبوه» أو أبوه قائم جملة «صغرى» ، لأنّها وقعت خبرا عن مبتدإ ، وهو زيد ، «والجميع» من المبتدأ والجملة الّتي هي خبره جملة «كبرى» ، لأنّ خبر المبتدإ فيها جملة.

«وقد تكون» الجملة «صغرى وكبرى باعتبارين كما في نحو» : زيد أبوه غلامه منطلق. فمجموع هذا الكلام جملة كبرى لا غير ، وغلامه منطلق صغرى لا غير ، لأنّها خبر ، وأبوه غلامه منطلق كبرى باعتبار غلامه منطلق ، وصغرى باعتبار جملة الكلام.

قال ابن هشام : ومثله (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) [الكهف / ٣٧] ، إذ الأصل لكنّ أنا هو الله ربّي ، ففيها أيضا ثلاثة مبتداءات ، إذا لم يقدّر هو ضميرا له سبحانه ، ولفظ الجلالة بدل منه أو عطف بيان عليه ، كما جزم به ابن الحاجب ، بل قدّر ضمير شأن ، وهو الظاهر ، ثمّ حذفت همزة أنا حذفا اعتباطيّا ، وقيل : حذفا قياسيا بأن نقلت حركتها : ثمّ حذفت ، ثمّ أدغمت نون لكن في نون أنا.

تنبيهات : الأوّل : الجملة الكبرى كما تكون مصدّرة بالمبتدإ ، كما مرّ ، تكون مصدّرة بالفعل ، نحو : ظننت زيدا يقوم أبوه ، وتفسير المصنّف شامل لذلك ، وأمّا تفسير غيره بأنّها الاسميّة الّتي خبرها جملة ، فغير مطّرد لخروج المصدرة بالفعل.

الثاني : قال ابن هشام في المغني : قد يحتمل الكلام الكبرى وغيرها ولهذا النوع أمثلة :

أحدها : نحو : (أَنَا آتِيكَ بِهِ) [النمل / ٣٩] ، إذ يحتمل أن يكون فعلا مضارعا ومفعولا ، وأن يكون اسم فاعل ومضافا إليه مثل : (وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ) [هود / ٧٦] ، (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) [مريم / ٩٥] ، ويؤيّده أنّ أصل الخبر الإفراد ، وأنّ حمزة يميل الالف من آتيك ، وذلك ممتنع على تقدير انقلابها من همزة.

الثاني : نحو : زيد قائم أبوه ، إذ يحتمل أن يقدّر أبوه مبتدأ ، وأن يقدّر فاعلا بقائم.

الثالث : نحو : زيد في الدار ، إذ يحتمل تقدير استقّر ، وتقدير مستقرّ.

الرابع : نحو : إنّما أنت سيرا ، إذ يحتمل تقدير تسير وتقدير سائر ، وينبغي أن يجري هنا الخلاف الّذي في المسالة قبلها ، انتهى.

قال الدمامينيّ : يشير إلى الخلاف الّذي جرى فيما يتعلّق به الظرف من نحو : زيد في الدار ، هل هو فعل نظرا إلى أنّ الأصل في العمل الأفعال ، فعند الاحتمال يكون الأولى تقدير ما هو الأصل ، أو هو اسم فاعل مثلا نظرا إلى أنّه خبر ، وأصل الخبر أن يكون

٧٤٣

مفردا ، فعند التردّد يقدّر ما هو الأصل ، وهذا الخلاف معروف ، ولم يذكره المصنّف في المسالة السابقة ، وأحال عليه لشهرته ، وفي قوله : وينبغي إشعار بأنّهم لم يصرّحوا بإجراء الخلاف في عامل المصدر من نحو : إنّما أنت سيرا ، وهو مثل مسالة الظرف من غير فرق ، فينبغي جريان الخلاف فيه أيضا.

«وقد لا تكون» الجملة «صغرى ولا كبرى ، كقام زيد» وزيد قائم ، وأ في الدار زيد؟ وأعندك زيد؟ إذ لم يصدق عليها تعريفها.

تنبيهات : الأوّل : قال ابن هشام في المغني ، وقد عبّر بقوله به صغرى وكبرى ، كما فعل المصنّف ، إنّما قلت : صغرى وكبرى موافقة لهم ، وإنّما الوجه استعمال فعلى أفعل بأل أو بالاضافة ، ولذلك لحّن من قال [من البسيط] :

٨١٩ ـ كأنّ صغرى وكبرى من فقاقعها

حصباء درّ على أرض من الذهب (١)

وقول بعضهم : إنّ من زائدة ، وإنّهما مضافان على حدّ قوله [من المنسرح] :

٨٢٠ ـ ...

بين زراعي وجبهة الأسد (٢)

يردّه أنّ الصحيح أن من لا تقحم في الإيجاب ، ولا مع تعريف المجرور ، لكن ربّما استعمل أفعل التفضيل الّذي لم يرد به المفاضلة مطابقا مع كونه مجرّدا ، قال يهجو [من الطويل] :

٨٢١ ـ إذا غاب عنكم أسود العين كنتم

كراما وأنتم ما أقام ألائم (٣)

أي لئام ، فعلى ذلك يتخرّج البيت ، وقول النّحويّين صغرى وكبرى ، وكذلك قول العروضيّين فاصلة صغرى ، وفاصلة كبرى ، انتهى.

في هذا الجواب نظر ، قال في الجامع (٤) لا يطّرد تأويل اسم التفضيل بما لا مشاركة فيه نحو : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ) [الإسراء / ٢٥] ، (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم / ٢٧] ، خلافا للمبرّد. وقال ابن مالك في التسهيل : استعماله عاريا دون من وأن مجرّدا عن معنى التفضيل مؤوّلا باسم فاعل أو صفة مشبّهة مطّرد عند أبي العباس ، والأصحّ قصره على السماع ، انتهى. لكن قال ابن عقيل في شرحه : الوجه أنّ ذلك مطّرد ، وعلى ذلك المتأخّرون.

__________________

(١) هو لأبي نواس : اللغة : الفقاقع : جمع فقّاعة وهي نفّاخات ترتفع على سطح الماء والشراب ، الحصباء : هي صغار الحصي.

(٢) صدره «يا من رأي عارضا أسرّ به» ، وهو للفرزدق. اللغة : العارض : السحاب ، ذراعا الأسد : الكوكبان الدالان على المطر وكذا جبهه الأسد والذراعان والجبهه من منازل القمر.

(٣) هو للفرزدق. اللغة : أسود العين : اسم جبل ، ألائم : جمع ألأم بمعنى اللئيم.

(٤) جامع النحو لعبد الله بن مسلم بن قتيبة النحوي المتوفى سنة ٢٦٧ ه‍. كشف الظنون ١ / ٥٧٥.

٧٤٤

الثاني : تنقسم الجملة إلى ذات وجه وذات وجهين ، فذات الوجهين هي اسميّة الصدر فعلية العجز ، نحو : زيد يقوم أبوه ، وفعلية الصدر اسميّة العجز ، نحو : ظننت زيدا أبوه قائم ، وذات الوجه ، نحو : زيد أبوه قائم ، وظننت زيدا يقوم أبوه.

الجمل الّتي لها محلّ

ص : إجمال : الجمل الّتي لها محلّ سبع : الخبريّة ، والحالية ، والمفعول بها ، والمضاف إليها ، والواقعة جوابا لشرط جازم ، والتّابعة لمفرد ، والتّابعة لجملة لها محلّ.

والّتي لا محلّ لها سبع أيضا : المستأنفة ، والمعترضة ، التفسيريّة ، والصّلة ، والمجاب بها القسم ، والمجاب بها شرط غير جازم ، والتابعة لما لا محلّ له.

ش : هذه تتمّة في الكلام على تعداد «الجمل الّتي لها محل» من الإعراب ، والّتي لا محلّ لها منه. الجمل الّتي لها محلّ من الإعراب «سبع» على ما هو المشهور ، والحقّ أنّها تسع كما سيأتي بيانه.

وبدأ بالّتي لها محلّ من الإعراب لكونه أشرف من الّتي لا محلّ لها منه ، والّذي عكس ، نظر إلى الأصل ، وهو كون الجملة لا محلّ لها من الإعراب ، وإنّما كان كذلك ، لأنّها إذا كان لها محلّ من الإعراب (١) ، تقدّرت بالمفرد ، لأنّ المعرب أنّما هو المفرد ، والأصل في الجملة أن لا تكون مقدّرة بالمفرد.

وهي أي الجمل السبع الّتي لها محلّ من الإعراب ، إحداها : الجملة «الخبريّة» ، وهي الواقعة خبرا ، «و» الثانية الجملة «الحالية» ، وهي الواقعة حالا ، «و» الثالثة الجملة «المفعول بها ، و» الرابعة الجملة «المضاف إليها ، و» الخامسة الجملة «الواقعة جوابا لشرط جازم و» السادسة الجملة «التابعة لمفرد و» السابعة الجملة «التابعة لجملة لها محلّ» من الإعراب.

والجمل «الّتي لا محلّ لها» من الإعراب «سبع أيضا» : إحداها «المستأنفة» ، ويعبّر عنها بالابتدائيّة وما عبّر به المصنّف أولى لما سيأتي ، «و» الثانية الجملة «المعترضة و» الثالثة الجملة «التفسيريّة» وتسمّى المفسّرة «و» الرابعة الجملة «الصلة و» الخامسة الجملة «المجاب بها القسم و» السادسة «الجملة المجاب بها شرط غير جازم و» السابعة الجملة «التابعة لما لا محلّ له» من الإعراب.

__________________

(١) سقطت «لأنّها إذا كان لها محلّ من الإعراب» في «ط».

٧٤٥

وعند وصولي إلى هذا الموضع من الشرح عنّ (١) لي نظمها ، فقلت مستعينا بالله [من الرجز] :

٨٢٢ ـ الجمل المعربة المحلّ

سبع على المشهور فاستمل

فخبريّة وما قد وقعت

حالا ومفعولا بها قد أوقعت

وما إليها قد أضيف وكذا

جواب شرط جاء بالفاء أو إذا

وما أتت تابعة لمفرد

أو جملة لها محلّ فاعدد

أما الّتي ليس لها محلّ

فسبع أيضا وهي ما سأتلو

الابتدائيّة والّتي جرت

معترضا بها وما قد فسّرت

وصلة الموصول والجواب

لقسم وما بها يجاب

شرط أتي للفعل غير جازم

وما أتت تابعة لعادم

محلّ إعراب فخذها كلّها

منظومة في نسق واشكر لها

ونظمها الشيخ بدر الدين ابن أمّ قاسم المرادي ، فقال [من الكامل] :

٨٢٣ ـ جمل أتت لها محلّ معرب

سبع لأن حلّت محلّ المفرد

خبريّة حالية محكيّة

وذا المضاف لها بغير تردّد

ومعلّق عنها وتابعة لما

هو معرب أو ذو محلّ فاعدد

وجواب شرط جازم بالفاء أو

بإذا أو بعض قال غير مقيّد

وأتتك سبع مالها من موضع

صلة وعارضة وجملة مبتدي

وجواب أقسام وما قد فسّرت

في أشهر والخلف غير مبعد

وبعيد تخصيص وغير معلّق

لا جازم وجواب ذلك أورد

وكذلك تابعة لشيء ماله

من موضع فاحفظه غير مفنّد

__________________

(١) عنّ : ظهر.

٧٤٦

الجملة الخبريّة

ص : تفضيل : الأولى ممّا له محلّ الخبريّة ، وهي الواقعة خبرا لمبتدإ أو لأحد النواسخ ، ومحلّها الرفع أو النّصب ، ولا بدّ فيها من ضمير مطابق له ، مذكور أو مقدّر ، إلا إذا اشتملت على المبتدإ ، أو على جنس شامل له ، أو إشارة إليه ، أو كانت نفس المبتدإ.

ش : هذا تفضيل للجمل الّتي لها محلّ من الإعراب وبيان مواضعها ، والجمل الّتي لا محلّ لها منه ، وبيان كلّ واحدة من القسمين.

الجملة «الأولى ممّا له محلّ» من الإعراب الجملة «الخبريّة ، وهي الواقعه خبرا لمبتدإ أو لأحد النواسخ» المقدّم ذكرها ، ومحلّها من الإعراب الرفع في باب المبتدإ ، نحو : زيد أبوه قائم ، وباب إنّ نحو : إنّ زيدا أبوه قائم ، وباب لا الّتي لنفي الجنس ، نحو : لاربيبة قوم يجئ بخبر ، أو النصب في باب كان ، نحو : (بِما كانُوا يَظْلِمُونَ) [الأعراف / ١٦٢] ، وباب كاد ، نحو : (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) [البقرة / ٧١] ، وباب ما ولا المشبهتان بليس ، نحو : ما زيد أبوه قائم ، ولا رجل يصدق.

تنبيهات : الأوّل : قال ابن هشام : اختلف في نحو : زيد اضرب ، وعمرو هل جاءك؟ فقيل محلّ الجملة الّتي بعد المبتدإ رفع على الخبريّة ، وهو الصحيح ، وقيل : نصب بقول مضمر هو الخبر ، بناء على أنّ الجملة الإنشائيّة لا تكون خبرا ، انتهى.

قال الدمامينيّ : وإضمار القول لا يعيّن النصب ، إذ يجوز أن يقدّر مقول فيه ، كذا فيكون المحكيّ في محلّ رفع على أنّه نائب عن الفاعل ، ويجوز أن يقدّر أقول فيه ، كذا فيكون في محلّ نصب ، انتهى.

قلت : والخلاف في وقوع الجملة الانشائيّة خبرا مشهور ، وفي المسالة ثلاثة أقوال :

أحدها : منع وقوع الإنشائيّة خبرا ، وهو قول جماعة من الكوفيّين ، منهم ابن الأنباريّ نظرا إلى أنّ الخبر ما يحتمل الصدق والكذب ، قال غير واحد من المحقّقين : هو وهم ، نشأ من اشتراك لفظ الخبر بين ما يقابل الإنشاء وبين خبر المبتدإ. قال ابن هشام : لاتّفاقهم على أنّ هذا أصله الإفراد ، واحتمال الصدق والكذب أنّما هو من صفات الكلام ، وعلى جواز : أين زيد وكيف عمرو؟ وقال الرضيّ : ليس الخبر عند النّحاة ما يحتمل الصدق والكذب ، كما أنّ الفاعل عندهم ليس من فعل شيئا ، ففي قولك : أزيد عندك؟ يسمّون الظرف خبرا ، مع أنّه لا يحتمل الصدق والكذب. قال : ويدلّ على جواز كونها طلبيّة قوله تعالى : (بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ) [ص / ٦٠] ، وأيضا اتّفقوا على

٧٤٧

جواز الرفع في نحو قولهم : أمّا زيد فاضربه ، انتهى. قيل : وفي هذا الأخير نظر ، فإنّ اتّفاق غيرهم لا يلزمهم ، واتّفاقهم وغيرهم ممنوع ، فإنّهم يمعنون أن يقال : زيد اضربه ، انتهى.

الثاني : جواز الوقوع بتأويل قول محذوف هو الخبر ، فإذا قلت : زيد اضربه ، فالتقدير : زيد أقول لك أضربه ، أو مقول فيه اضربه ، فالجملة محكيّة ، وهو قول ابن السراج ، وإنّما التجأ إلى ذلك هربا من الوهم المقدّم ذكره.

الثالث : جواز الوقوع من غير تأويل ، وهو قول جماعة ، منهم ابن مالك والرضيّ والتفتازانيّ وابن هشام. قال ابن مالك في التسهيل : ولا يمتنع كونها طلبيّة خلافا لابن الأنباريّ ، ولا يلزم تقدير قول قبلها ، خلافا لابن السراج. لكن قال السّيّد الشريف في شرح المفتاح : إنّ التأويل هو المشهور ، وقرّره فيه ، وفي حواشيه بأن قال : لا يخفى أنّ المبتدأ إنّما وضع لينسب إليه حال من أحواله ، فيجب أن يلاحظ الخبر من هذه الحيثيّة ، ولنا أن لا ندّعي أن الخبر يجب أن يكون قائما له أو محمولا عليه بالمواطاة إيجابا أو سلبا ، حتّى ينتقص بالأمور الاعتباريّة ، وبالجمل الواقعة خبرا بصورة الاستفهام الداخل على المبتدإ ، بل يكتفي بأنّ الخبر يجب أن يكون ملفوظا من حيث إنّه حال من أحوال المبتدإ ، فإنّه كاف في إثبات ما نحن بصدده ، ويشهد لذلك ما تجده من الفرق بين زيدا ضربته ، وزيد ضربته ، فإنّ زيدا في الأوّل مفعول به ، لأنّه لم يلاحظ الفعل معه على وجه يكون حالا من أحواله ، بل إنّما ذكر لتعيين محل الضرب ، وفي الثاني مبتدأ ، لأنّه لوحظ معه الفعل من حيث إنّه حال من أحواله.

ولا شكّ أنّ نحو أضرب ، في قولك : زيدا أضربه ، ليس من أحوال زيد ، إذا جرى على ظاهره كما في قولك : اضرب زيدا ، وأمّا إذا أوّل بمقول في حقّه أضربه على معنى أنّه يستحقّ أن يؤمر بضربه ، فقد صار ملحوظا من حيث إنّه حال لزيد ، وفيه مبالغة يعرى عنها قولك : إضرب زيدا ، لأنّك هناك أمرت بضربه ، وأشرت إلى أنّه مستحقّ لذلك ، وقس عليه نحو قوله تعالى : (بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ) [ص / ٦٠] ، أي مقول في شأنكم هذا الدعاء ، أي تستحقّون أن يدعى عليكم به.

وأمّا مثل أين زيد؟ ومتى القتال؟ فليس ممّا نحن بصدده لأنّ الاستفهام هنا داخل في الحقيقة على النسبة بين المبتدإ المذكور والخبر المقدّر ، لا على الخبر وحده ، إذ المعنى أزيد حصل في الدار أو السوق؟ فلا يتصوّر تقدير القول ، إذ لم تقع الإنشائيّة خبرا للمبتدإ ، وليس المعنى زيد حصل في الدار أو في السوق ، ألا ترى أنّه لو قدّر باسم الفاعل كان الاستفهام داخلا في المبتدإ حقيقة ، ولو لا هذا لما وجب تقديم الكلمة المتضمّنة للاستفهام على المبتدإ هنا بخلاف زيد أين هو؟ فإنّه لا يجب تقديم الاستفهام على زيد ،

٧٤٨

لأنّه وقع فى صدر الجملة الواقعة خبرا ، فوجب تقدير القول ، وأمّا فى : أين زيد؟ فإنّما وجب التقديم ، لأنّ الاستفهام متعلّق بالنسبة الّتي هي بين زيد وخبره المقدّر معنى ، كأنّه قيل : أزيد في الدار أو في السوق؟ كما تقدّم ، فلا وجه لتقدير القول ، انتهى.

[التنبيه] الثاني : قال العلّامة الكافيجيّ (١) : لا يسوغ الإخبار بجملة ندائيّة ، نحو : زيد يا أخاه ، ولا مصدّرة بلكن أو بل أو حتّى بالأجماع في كلّ ذلك.

«ولا بدّ فيها» ، أي في الجملة الخبريّة «من ضمير» يربطها بما هي خبر عنه ، لأنّ الجملة من حيث إنّما جملة كلام مستقلّ ، فإذا قصد جعلها جزء الكلام ، فلا بدّ من رابطة تربطها بالجزء الآخر ليكون الجميع كلاما واحدا ، وإلا لم تحصل الفائدة ، لو قلت : زيد قام عمرو «مطابق» لما يعود إليه في الإفراد والتذكير وفروعهما ونحو : زيد جاء أبوه ، وهند قام أبوها ، والزيدان أو الهندان قام أبوهما ، والزيدون قام أبوهم ، والهندات قام أبوهن ، «مذكور» كزيد ضربته «أو» محذوف «مقدّر» إن علم ، وجرّ بمن التبعيضيّة كالسّمن منوان بدرهم ، أي منه ، أو بفي الظرفية كقوله [من المتقارب] :

٨٢٤ ـ فيوم علينا ويوم لنا

ويوم نساء ويوم نسر (٢)

أي نساء فيه ونسرّ فيه أو بمسبوق ممّاثل لفظا ومعمولا كقوله [من الوافر] :

٨٢٥ ـ صحّ فالّذي توصي به أنت مفلح

فلاتك إلا في الناس منافسا (٣)

أي أنت مفلح به ، أو باضافة اسم فاعل كقوله [من البسيط] :

٨٢٦ ـ سبل المعالى بنو الاعلين سالكه

والأرث أجدر من يحظى به الولد (٤)

أي سالكتها ، ومنع ذلك بعضهم ، أو نصب بوصف ، نحو : الدرهم أنا معطيك ، أي معطيكه ، وهو قليل ، أو نصب بفعل تامّ متصرّف ، والمبتدأ كلّ ، كقراءة ابن عامر في سورة الحديد : وكل وعد الله الحسنى [النساء / ٩٥] ، وبيت الكتاب [من الوافر] :

٨٢٧ ـ ثلاث كلّهنّ قتلت عمدا

فأخزى الله رابعة تعود (٥)

وقول أبي النجم [من الرجز] :

٨٢٨ ـ قد أصبحت أمّ الخيار تدّعي

علىّ ذنبا كلّه لم أصنع (٦)

__________________

(١) محمد بن سليمان بن سعد أبو عبد الله الكافيجي الحنفيّ ولد سنة ٧٨٨ ه‍ ، كان إماما في الكلام وأصول اللغة والنحو والمعاني والبيان ومن تصانيفه : شرح قواعد الإعراب وشرح كلمتى الشهادة ، وتوفّي سنة ٧٨٩ ه‍. بغية الوعاة ١ / ١١٧.

(٢) هو للنّمر بن تولب.

(٣) لم يسمّ قائله.

(٤) ما وجدت البيت.

(٥) لم يسمّ قائله.

(٦) البيت لأبي النجم العجلي. اللغة : أمّ الخيار : زوجة أبي النجم.

٧٤٩

قالوا : لأنّ كلّ لو نصب للزم وقوعه مفعولا ، وهو ممتنع ، لأنّها إذا أضيفت إلى مضمر لم تستعمل إلا مبتدأ أو تاكيدا كما قرئ بهما في قوله تعالى : (إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) [آل عمران / ١٥٤] ، لا يجوز أن تكون توكيدا في البيتين ، لأنّ المؤكّد بها نكرة.

قال ابن مالك : وكذا ما أشبه كلّا في العموم والافتقار نحو : أيّهم يسألني أعطي ، ورجل يدعو إلى الخير أجيب ، أي أعطيه وأجيبه ، الأوّل شرط إن جزمت الفعلين ، وموصول إن رفعتهما ، والثاني مشبه بالشرط ، فيحتاج إلى جملة تكون صفة له ليتمّ بها معناه ، كما يتمّ بالشرط معنى اسم الشرط ، وكما يتمّ بالصلة الموصول.

قال أبو حيّان : لا أعلم له سلفا في ذلك ، ويضعف الحذف إن كان المبتدأ غير ذلك كقراءة السلمى (١)(أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) [المائدة / ٥٠] بالرفع أي لا يبغونه ، وقوله [من السريع] :

٨٢٩ ـ وخالد تحمد ساداتنا

بالحقّ لا يحمد الباطل (٢)

برفع خالد وساداتنا أي يحمده ساداتنا.

أمّا المرفوع فقد صرّح غير واحد ، منهم ابن مالك وأبو حيان ، والرضيّ يمنع حذفه ، لأنّه عمدة ، وإنّما حذف في الصلة في بعض الأحوال لكونها أشدّ ارتباطا بالموصول من المبتدإ ، وأجاز بعضهم حذفه مبتدأ ، كما في قوله تعالى (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) [طه / ٦٣] ، عند من قدّر : إنّ هذان لهما ساحران : ونقل في المغني عن ابن عصفور إجازة حذفه في نحو : زيد هو القائم ، قال مع قوله هو وغيره : إنّه لا يحذف العائد في نحو : جاء الّذي هو في الدّار ، لأنّه لا دليل على المحذوف.

تنبيه : قال ابن هشام : قد يوجد الضمير في اللفظ ، ولا يحصل الربط ، وذلك في ثلاث مسائل :

إحداها : أن يكون معطوفا بغير الواو : نحو : زيد قام عمرو فهو أو ثمّ هو.

والثانية : أن يعاد العامل ، نحو : زيد قام عمرو قام هو.

الثالثة : أن يكون بدلا ، نحو : حسن الجارية أعجبتني هو ، فهو بدل اشتمال من الضمير المستتر العائد على الجارية ، وهو في التقدير كأنّه من جملة أخرى ، وقياس قول من جعل العامل في البدل هو العامل في المبدل منه أن تصحّ المسالة ، انتهى.

«إلا إذا اشتملت» الجملة الّتي هي خبر «على المبتدإ» لفظا ومعنى ، أو معنى فقط ، فلا يحتاج إلى ضمير ، بل هذا الاشتمال كاف في ربط الجملة بما هي خبر عنه ، فالأوّل

__________________

(١) لم أجد ترجمة له.

(٢) البيت مجهول القائل.

٧٥٠

نحو : (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ) [الحاقة / ٢ و ١] ، فالحاقّة الأولى مبتدأ ، وما اسم استفهام مبتدأ ثان ، والحاقّة الأخير خبر ما ، والجملة خبر المبتدإ الأوّل ، والرابط بينهما اشتمالها عليه لفظا ومعنى ، والأصحّ أنّ ذلك ليس ضعيفا ، كما قال سيبويه ، ولا خاصّا بالشعر ، كما قال الأعلم ، ولا بمقام التهويل والتفخيم ، وإن كان أكثر ما يقع في ذلك نحو : (الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ) [القارعة / ٢ و ١] ، (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ) [الواقعة / ٢٧].

الثاني : نحو : زيد جاءني أبو عبد الله ، كينة له ، أجازه الأخفش ، وتبعه ابن خروف ، ومنعه سيبويه والجمهور ، واستدلّ المجيز بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) [الأعراف / ١٧٠] ، فالّذين مبتدأ ، وجملة يمسّكون بالكتاب صلة الّذين ، وجملة وأقاموا الصلاة معطوفة على الصلاة ، وجملة إنّا لا نضيع أجر المصلحين ، خبر المبتدإ ، والرابط بينهما اشتمالها عليه معنى ، فإنّ المصلحين هم الّذين يمسّكون بالكتاب ، وردّ بمنع كون الّذين مبتدأ ، بل هو مجرور بالعطف على (الَّذِينَ يَتَّقُونَ) [الأعراف / ١٦٩] ، ولئن سلم فالرابط العموم ، لأنّ المصلحين أعمّ من المذكورين ، أو الضمير المحذوف ، أي منهم ، أو الخبر محذوف ، والجملة قبله دليل ، والتقدير مأجورون ، قاله في المغني.

أو اشتملت «على شامل له» أي للمبتدإ ، فهذا الاشتمال أيضا مغن عن الضمير ، نحو : زيد نعم الرجل ، فزيد مبتدأ ، وجملة نعم الرجل خبره ، والرابط بينهما اشتمال الجملة على الجنس الّذي يشتمل زيدا وغيره ، وهو الرجل ، إذ اللام فيه للجنس المستغرق على ما هو المشهور ، ويلزم عليه جواز : زيد مات الناس ، وعمرو كلّ الناس يموتون ، لأنّ الجملة مشتملة على شامل للمبتدإ ، ولا قائل به ، وقيل : الرابط اشتمال الجملة على المبتدإ معنى ، بناء على قول الأخفش في صحّة تلك المسالة ، وعلى القول في أنّ أل في نعم وبئس للعهد لا للجنس.

«أو» اشتملت على «إشارة إليه» أي المبتدإ ، فتقوم هذه الإشارة مقام الضمير في الربط ، نحو قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) [الأعراف / ٣٦] ، (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف / ٢٦] ، إذا قدّر ذلك مبتدأ تابعا للباس ، وخصّ ابن الحاج في المسالة بكون المبتدأ موصولا أو موصوفا ، والإشارة إشارة البعيد ، فيمتنع عنده : زيد قام هذا ، لمانعين ، وزيد قام ذلك ، لمانع ، والحجّة قوله تعالى : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) [الإسراء / ٣٦] ، كذا في المغني.

٧٥١

وعبارة الإرتشاف في النقل عن ابن الحاجّ : أكثر ما ورد فيه ذلك إذا كان المبتدأ موصولا أو موصوفا ، فيحتاج إلى إعادته بلفظ الإشارة المستعمل لما بعد كذلك ، وذاك وأولئك ، ويكون له موضع ليس للضمير ، لأنّه ليس في الضمير دلالة على البعد ، وظاهر هذا أنّه لا يمتنع عنده في ذلك وإن كان قليلا ، بل مفهومه أنّ ذلك كثير.

«أو كانت» الجملة «نفس المبتدإ» في المعنى ، فلا تحتاج إلى الضمير لارتباطهما به بلا ضمير ، لأنّها هو نحو : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [التوحيد / ١] ، (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الأنبياء / ٩٧] ، على أظهر الوجهين من أنّ هو ضمير الشأن ، وهي ضمير قصة ، وكما في قولك : مقولي حسبي الله ، والتحقيق أنّ هذا ليس من الإخبار بالجملة بل بالمفرد على إرادة اللفظ كما في عكسه ، نحو : لا حول ولا قوّة إلا بالله كتر من كنوز الجنّة ، نبّه عليه المراديّ وغيره.

تتمّة : ويغني عن الضمير في الربط أربعة أمور أخر :

أحدها : العطف بفاء السببيّة لجملة ذات ضمير على جملة حالية منه هي الخبر ، أو العكس ، فالأوّل نحو : زيد يطير الذباب فيغضب ، ففي يغضب ضمير عائد على زيد ، قال [من الطويل] :

٨٣٠ ـ وإنسان عيني يحسر الماء تارة

فيبدو وتارات يجمّ فيغرق (١)

كذا قالوا. قال ابن هشام : وهو محتمل لأن يكون أصله يحسر الماء عنه ، أي ينكشف عنه. قال الدمامينىّ : لكن ما قالوه أظهر ، لأنّ الحذف خلاف الأصل ، ولا ضرورة تدعو إليه. والثاني كقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) [الحج / ٦٣] ، ففاء السببية نزّلت الجملتين مترلة الجملة الواحدة ، ولهذا اكتفى فيهما بضمير واحد ، وحينئذ فالخبر مجموعهما كما في جملتي الشرط والجزاء الواقعين خبرا ، نحو : زيد إن قام يغضب عمرو ، والمحلّ لذلك المجموع ، فالرابط في الموضعين في الحقيقة إنّما هو الضمير ، فمعنى زيد يطير الذباب فيغضب زيد ، لما يطير الذباب يغضب ، نصّ عليه في المغني ، قال : وهو بديع. وسبقه إلى ذلك ابن أبي الربيع. وفي الإرتشاف عن ابن الحاجّ وجدت في الأسئلة الّتي سأل عنها ابن ولّاد (٢) أبا إسحاق الزجّاج قال : لا يجوز زيد يطير الذباب فيغضب عند البصريّين ، ويجوز عند الكوفيّين ، انتهى. وفيه عن ابن عصفور أنّ الرابط بالفاء متّفق عليه.

__________________

(١) هو لذي الرّمة : اللغة : إنسان العين : ناظرها ، يحسر الماء : ينضب عن موضعه ويغور ، يجمّ : يكثر ويرتفع.

(٢) أحمد بن محمد بن ولّاد النحويّ هو والده وجده ، كان بصيرا بالنحو ، صنّف المقصور والممدود ، مات سنة ٣٣٢ ه‍ ، المصدر السابق ١ / ٣٨٦.

٧٥٢

الثاني : العطف بالواو عند هشام وحده ، نحو : زيد قامت هند وأكرمها ، ونحو : زيد قام وقعدت هند ، بناء على أنّ الواو للجمع ، فالجملتان كالجملة كمسالة الفاء ، وإنّما الواو للجمع في المفردات لا في الجمل بدليل جواز : هذان قائم وقاعد دون هذان يقوم ويقعد ، قاله في المغني.

الثالث : الشرط المشتمل على ضمير هو الرابط في الحقيقة مدلول على جوابه بالخبر ، كزيد يقوم عمرو إن قام.

الرابع : أل النائبة عن الضمير ، وهو قول الكوفيّين وطائفة من البصريّين ، ومنه (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) [النازعات / ٤١ و ٤٢] ، أي مأواه ، ومن منع قدّر هي المأوي له.

تنبيه : اختلفوا في الرابط في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ) [البقرة / ٢٣٤] ، على أقوال :

أحدها : أنّه النون ، والتقدير وأزواج الّذين على حذف المبتدإ المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه وهو الّذين ، فالرابط النون العائد على المبتدإ المحذوف.

الثاني : أنّه كلمة هم محذوفة ، هي وما أضيف إليها على التدريج ، وتقديرهما إمّا قبل يتربّصن ، أي أزواجهم يتربّصن ، وهو قول الأخفش ، وقيل : المبرّد ، وإمّا بعده ، أي يتربّصن بعدهم ، وهو قول الفرّاء ، وقيل : الأخفش.

الثالث : أنّه الضمير القائم مقام الظاهر المضاف للضمير ، والأصل يتربّصن أزواجهم ، فجئ بالضمير مكان الأزواج لتقدّم ذكرهنّ ، فامتنع ذكر الضمير الّذي أضيف إليه الظاهر ، لأنّ النون لا تضاف لكونها ضميرا ، وحصل الربط بالضمير المذكور ، وقيل : التقدير ممّا يتلى عليكم حكم الّذين ، فالظرف خبر مقدّم ، والمبتدأ هو المضاف المحذوف ، أي حكم الّذين يتوفّون منكم ، ثمّ ابتدأ يتربّصن تفسيرا للمتلوّ ، فلا إخبار حينئذ بالجملة حتّى يحتاج لرابط. ونقل الطييّ في حاشية الكشاف هذا القول عن سيبويه ، وضعف بما فيه من حذف خبر مقدّم ومبتدأ مؤخّر وتقديم وتأخير ، وهو تكلّف.

٧٥٣

الجملة الحالية

ص : الثانية : الحالية ، وشرطها أن تكون خبريّة ، غير مصدّره بحرف الاسقبال ، ولا بدّ من رابط ، فالاسميّة ، بالواو والضّمير أو أحدهما ، والفعلية إن كانت مبدوّة بمضارع مثبت بدون قد ، فبالضّمير وحده ، نحو : جائني زيد يسرع ، أو معها فمع الواو ، نحو : (لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ) وإلا فكالاسميّة ، ولا بدّ مع الماضي المثبت من قد ولو تقديرا.

ش : الجملة الثالثة من الجمل الّتي لها محلّ من الإعراب الجملة الحالية ، وهي الواقعة حالا ، ومحلّها من الإعراب النصب ، وشروطها ثلاثة :

أحدها : «أن تكون خبريّة» منسوبة إلى الخبر ، نسبة الفرد إلى الكلية ، لأنّها خبر ، لكن هذا باعتبار الأصل دون الحال كما سيأتي ، فالنسبة على هذا على بابها ، لا يجوز أن تكون إنشائيّة ، لأنّها وإن كانت كخبر المبتدإ في المعنى إلا أنّها حكم خبريّ ، لأنّها قيد ، والقيود تكون ثابتة باقية مع ما قيّد بها ، والإنشاء لا خارج له ، بل يظهر له مع اللفظ ، ويزول بزواله ، فلا يصلح للقيد ، ولذا لا يقع الإنشائية شرطا ولا ظرفا ولا صفة إلا شاذّا ، هكذا قرّره الحديثيّ في شرح الجاجبية.

وقال الرضيّ : إنّما وجب كونها خبريّة ، لأنّ مقصود المجيء بالحال تخصيص وقوع مضمون عامله بوقت وقوع مضمون الحال ، والإنشائيّة إمّا طلبيّة أو إيقاعيّة بالاستقراء أو الطلبيّة لا يتيقّن حصول مضمونها ، فكيف يخصّص مضمون العامل بوقت حصول ذلك المضمون ، وأمّا الإيقاعيّة نحو : بعت واشتريت وزوّجت ، فغير منظور فيها إلى وقت يحصل فيه مضمونها ، بل المقصود بها مجرّد الإيقاع ، وهو مناف لقصد وقت الوقوع ، بل يعرف بالعقل ، لا من دلالة اللفظ ، اذ وقت التلفظ بلفظ الإيقاع وقت وقوع مضمونه ، انتهى.

وحكى ابن هشام الإجماع على أنّ الحالية لا تكون إلا خبريّة ، قال : أمّا قول الأمين المحليّ في قوله [من السريع] :

٨٣١ ـ أطلب ولا تضجر من مطلب

فآفة الطّالب أن يضجر

إنّ لا ناهية ، والواو للحال فخطأ ، والصواب أنّها عاطفة ، إمّا مصدرا يسبك من أنّ والفعل على مصدر متوهّم من الأمر السابق ، أي ليكن منك طلب وعدم ضجر ، أو جملة على جملة ، وعلى الأوّل ففتحة تضجر إعراب ، ولا نافية ، والنصب مثله في قولك : ائتني ولا أجفوك بالنصب ، وعلى الثاني فالفتحة للتركيب ، والأصل و

٧٥٤

لا تضجرن ، بنون التأكيد الخفية ، فحذفت للضرورة ، ولا ناهية ، والعطف مثله في : (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) [النساء / ٣٦] ، انتهى.

قال الدمامينيّ في المنهل : يجوز أن يريد هذا القائل أنّ جملة النهي خبر مبتدإ محذوف ، والاسمية حالية. ووقوع الطلبيّة خبرا للمبتدإ بالتاويل غير مستنكر ، فالمعنى اطلب وأنت منهيّ عن الضجر ، ولا خطأ إذن في كون الواو للحال ، ولا ناهية ، على أنّي أقول إذا كانت الجملة الحالية في المعنى كخبر المبتدإ فلم لا يجوز وقوعها إنشائيّة مؤوّلة بالخبر ، كما يكون ذلك في خبر المبتدإ ، وكونها قيدا للعامل لا ينافي ذلك.

وقد صرّح التفتازانيّ في شرح التلخيص في قول أبي النجم (١) [من الرجز] :

٨٣٢ ـ ميّز عنه قترعا عن قترع

جذب الليالى أبطئي أو أسرعي (٢)

بأنّ قوله أبطئي أو أسرعي حال من الليإلى على تقدير القول ، أو كون الأمر بمعنى الخبر. وهذا الأخير عين ما كان قلناه ، انتهى.

وقد صرّح بذلك في شرح المفتاح أيضا ، وتبعه الشريف الجرجانيّ في شرحه على الكتاب المذكور ، ثمّ دعوى الإجماع على أنّ الحالية لا تكون إلا خبرا مقدّر حينئذ فيها بما نقله صاحب البسيط وغيره عن الفرّاء من جواز وقوع الأمر ونحوه حالا نحو : وجدت الناس أخبر ، نقله ، وأجيب بأنّه على تقدير مقولا فيهم.

الشرط الثاني : أن يكون غير مصدّرة بحرف الاستقبال كالسين وسوف ولن ، فلا يقال : مررت بزيد سيقوم ، أو سوف يقوم ، أو لن يقوم ، وذلك لمنافاة الحال والاستقبال في الظاهر ، وإن لم يكن حقيقة ، إذ الحال الّذي نحن فيه ليس هو الحال الّذي يدلّ عليه المضارع ، حتّى ينافي الاستقبال ، أشار إليه الرضيّ ، واعترضه الشريف الجرجانيّ بأنّ الحال الّذي نحن بصدده يجامع كلّا من الأزمنة الثلاثة على السواء ، ولا يناسب الحال بمعنى الزمان الحاضر المقابل للاستقبال إلا في إطلاق لفظ الحال على كلّ منهما اشتراكا لفظيّا ، وذلك لا يقتضي امتناع تصدير الجملة الحالية بعلم الاستقبال كما لا يخفى ، انتهى ، وقرّره بوجه آخر ، سيأتي إن شاء الله تعالى مع ما فيه.

تنبيهان : الأوّل : خرج بهذا الشرط الجملة الخبريّة الشرطيّة فلا تكون حالية ، قال المطرزيّ : لا تقع جملة الشرط حالا ، لأنّها مستقبلة ، فلا تقول : جاء زيد إن يسأل يعط ، فإن أردت صحّة ذلك جعلت الجملة خبرا لمن الحال له ، فقلت : وهو إن يسأل يعط ، و

__________________

(١) الفضل بن قدامة العجلي أبو النجم ، من أكابر الرجّاز ومن أحسن الناس إنشادا للشعر نبغ في العصر الأموي ، مات سنة ١٣٠ ه‍. المصدر السابق ، ٥ / ٣٧٥.

(٢) اللغة : القترع : هي الشعر حوإلى الراس والخصلة من الشعر تترك على رأس الصبي ، أو هي ما ارتفع من الشعر وطال.

٧٥٥

تكون الحال هي الجملة الاسميّة يعني فتزول من تصدير الحال بدليل الاستقبال ، لأنّ الحال حينئذ اثبات (١) اتّصاف صاحبها بمضمون الخبر الّذي هو الجملة الشرطيّة له ، وهو مقارن لزمن العامل ، فلا إشكال.

وقال صاحب الوافي : يجب تصدير الشرطيّة بضمير ذي الحال إلا عند انسلاخ معنى الشرط ، نحو : أنا آتيك إن أتيتني وإن لم تأتني ، وأكرمه وإن شتمك ، واطلبه ولو بالصين ، انتهى. قال شارحه : إذ المعنى في المثال الأوّل : آتيك على كلّ حال ، وإلا فكيف يصحّ أن يكون الشئ مشروطا بأمرين متناقضين ، وكلمة أن في هذا الموضع لا تكون لقصد التعليق والاستقبال ، وكذا كلمة لو لا تكون لانتفاء الشيء لانتفاء غيره ولا للمضيّ ، بل المعنى معها ثبوت الحكم ألبتّة ، انتهى.

والواو في المثالين الأخيرين قيل : حالية ، والمعنى : أكرمه وإن كان الحال أنّه شتمك ، واطلب العلم لو لم يكن بالصين ، ولو كان بالصين ، فهما كالمثال الأوّل ، وصوّبه ابن هشام في شرح «بانت سعاد» وقيل : اعتراضيّة ، وفيه نظر ، وفي البسيط أنّ الشرطيّة تقع حالا ، نحو : افعل هذا إن جاء زيد ، فقيل : تلزم الواو ، وقيل : لا تلزم ، وهو قول ابن جنيّ ، وفي الهمع ومن الخبريّة الشرطيّة ، فتقع حالا خلافا للمطرزيّ ، انتهى.

قال الهواريّ (٢) : إذا نظرت إلى قياس قولهم في الحال المقدّرة اقتضى أن يجوز تصدير الجملة الحالية بحرف الاستقبال ، وتكون الجملة حالا مقدّرة ، إذ الحال المقدّرة (٣) إنّما هي صفة مستقبلة يتقدّر وقوعها ، انتهى ، فتدبّر.

والشرط الثالث أنّه لا بدّ لها من رابط يربطها بما هي حال منه لما مرّ (٤) ، فالجملة الاسميّة تربط بالواو والضمير جميعا اعتناء بشأن الربط من حيث عدم دلالتها على عدم ثبوت الّذي هو من شأن الحال وظهور الاستئناف فيها ، فحسن زيادة رابط ، نحو قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ) [البقرة / ٢٤٣] ، (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) [النساء / ٤٣] ، «أو بأحدهما» أي الواو فقط ، نحو : (لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) [يوسف / ١٤] ، وجاء زيد والشمس طالعة ، وإنّما جعلت الواو

__________________

(١) «حينئذ إثبات» سقط في «س».

(٢) محمد بن أحمد الأندلسيّ الهواريّ ، شاعر ، عالم بالعربية ، من كتبه «شرح الفية ابن مالك» و «شرح ألفيه ابن جابر» مات سنة ٧٨٠ ه‍. المصدر السابق ، ٦ / ٢٢٥.

(٣) سقطت «إذا الحال المقدّرة» في «ح».

(٤) يقول الزمخشري : ويجوز إخلاء هذه الجملة عن الراجع إلى ذي الحال إجراء لها مجري الظرف ، لانعقاد الشبه بين الحال وبينه ، تقول : «أتيتك وزيد قاتم» ، و «لقيتك والجيش قادم». المفصل في صنعة الإعراب ، ص ٩٨.

٧٥٦

فى هذا الباب رابطة بأنّها تدلّ على الجمع ، والغرض احتمال جملة الحال مع عامل صاحبها ، قاله في التصريح.

وزعم ابن جنيّ أنّه لا بدّ من تقدير الضمير ، فإذا قلت : جاء زيد والشمس طالعة ، فالتقدير وقت مجيئه ، ثمّ حذف الضمير ، ودلّت الواو عليه ، أو الضمير فقط نحو : (تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) [الزمر / ٦٠] ، وزعم الزمخشريّ أنّه نادر ، وصرّح ابن الحاجب في الكافية بضعفه.

قال ابن مالك رادّا على الزمخشريّ : وهي من المسائل الّتي حرّفته عن الصواب ، وأعجزت ناصريه عن الجواب ، وقد ثبته في الكشاف فجعل قوله تعالى : (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) [البقرة / ٣٦] ، في موضع نصب على الحال وكذا في (لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) [الرعد / ٤١]. قال ابن مالك : وانفراد الضمير عندي أقيس ، لأنّ الحال شبيه بالخبر والنعت ، وليس شئ منهما يربط بالواو ، انتهى.

وقد حكي عن الفرّاء مثل ما ذهب إليه الزمخشريّ ، وحكي أبو حيّان أنّ الزمخشريّ رجع عن قوله : ولا شكّ في أنّ الربط بالواو فقط أكثر من الربط بالضمير فقط ، صرّح به ابن مالك في شرح الكافية.

نكتة : قال ابن هشام في المغني قلت يوما : ترد الجملة الاسميّة الحالية بغير واو في فصيح الكلام خلافا للزمخشريّ كقوله تعالى : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) [الزمر / ٦٠] ، فقال بعض من حضر : هذه الواو في أوّلها ، انتهى.

وقد تخلو الجملة من الواو والضمير معا ، فيقدّر الضمير ، نحو : مررت بالبرّ قفيز بدرهم ، أو الواو كقوله : يصف غائصا لطلب اللؤلؤ : انتصف النهار ، وهو غائص وصاحبه لا يدري ما حاله [من الكامل] :

٨٣٣ ـ نصف النّهار والماء غامره

ورفيقه بالغيب لا يدري (١)

وإنّما قدّرت الواو مع إمكان تقدير الضمير حملا على الكثير في هذا الباب ، كما مرّ.

تنبيه : تمتنع الواو في الجملة الاسميّة الواقعة بعد عاطف نحو قوله تعالى : (فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) [الأعراف / ٤] ، فلا يقال : أو وهم قائلون كراهة اجتماع حرفي عطف صورة ، وفي الجملة الاسميّة المؤكّدة بمضمون جملة ، نحو : (الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) [البقرة ٢ و ١] ، فكما لا تدخل الواو في التوكيد في نحو : جاء زيد نفسه ،

__________________

(١) هو للمسيب بن علس ، اللغة : نصف : ماض بمعنى انتصف ، والنهار فاعله ، غامره : اسم فاعل من غمره الماء أي غطّاه.

٧٥٧

لا تدخل هنا ، لأنّ المؤكّد نفس المؤكّد في المعنى ، ولو دخلت الواو لكان في صورة عطف الشيء على نفسه ، قاله في الأوضح ، وشرحه ، وهو وارد على قضية كلام المصنّف (ره).

«و» الجملة «الفعلية إن كانت مبدوّة بمضارع مثبت بدون قد فتربط بالضمير وحده ، نحو : جاء زيد يسرع» ، وقوله تعالى : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) [المدثر ٦] ، أي لا تعط حال كونك تعدّ ما تعطيه كثيرا ، وتمتنع الواو ، لأنّه مترّل مترلة اسم الفاعل في المعنى ، وجار عليه في الحركات والسكون ، فاجري مجراه في امتناع الواو ، وأمّا ما جاء مع الواو من نحو : قمت وأصكّ وجه ، وقوله [من المتقارب] :

٨٣٤ ـ ...

نجوت وأرهنهم مالكا (١)

فقيل : على حذف المبتدإ ، والواو داخلة على جملة اسميّة ، أي وأنا أصكّ ، وأنا أرهنهم.

وقال الشيخ عبد القاهر : الواو فيها للعطف لا للحال ، والأصل : قمت وصككت ورهنت ، عدل عن لفظ الماضي إلى لفظ المضارع حكاية للحال الماضية ، ومعناها أن يفرض أنّ ما كان من زمان الماضي واقع في هذا الزمان فيعبّر عنه بلفظ المضارع.

«أو معها» أي مع قد فتربط بالضمير «مع الواو» وجوبا ، «نحو قوله تعالى : (لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ») [الصف / ٥] ، فجملة تعلمون حال من الواو في تؤذونني ، «وإلا» تكن الجملة الفعلية مبدوّة بمضارع مثبت ، بل كانت مبدوّة بمضارع منفيّ أو بماض مثبت أو منفيّ فكالجملة «الاسميّة» في أنّها تربط بالواو والضمير معا أو بأحدهما ، وهذا يقتضي جواز الأوجه الثلاثة في ذلك كلّه ، وليس على إطلاقه ، فلا بدّ من بيانه إمّا المبدوّة بالمضارع المنفيّ ، فإن كان النافي لا فهو كالمثبت في لزوم الضمير والتجرّد عن الواو نحو : (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ) [المائدة / ٨٤].

فإن ورد بالواو قدّر مبتدأ على الأصحّ كقراءة ابن ذكوان (٢) : (فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِ) [يونس / ٨٩] بتخفيف النون ، نصّ على ذلك في التسهيل ، وجعل بعضهم ترك الواو أكثريّا ، والظاهر عدم التاويل ، وإن كان النافي غيرها جازت الأوجه الثلاثة ، والمسموع من ذلك لم ولما وما ، والقياس يقتضي إلحاق إن ، وأمّا لن فحرف استقبال ، لا مدخل له هنا.

__________________

(١) صدره «فلمّا خشيت أظافيرهم» ، وهو لعبد الله بن همام السلولي. اللغة : الأظافير : جمع أظفور وهو ماده قرنية في أطراف الأصابع ، والمراد هنا منه الأسلحة ، نجوت : أراد تخلّصت منهم.

(٢) القاسم بن اسماعيل أبو ذكوان الراوية ، كان علّامة أخباريا ، وله كتاب معاني الشعر ، بغية الوعاة ٢ / ٢٥١.

٧٥٨

وقال الأندلسيّ : المضارع المنفيّ بلم لا بدّ فيه من الواو ، كان مع الضمير أو لا ، قال الرضيّ : ولعلّ ذلك ، لأنّ نحو : لم يضرب ماض معنى ، كما أنّ ضرب ماض لفظا ، فكما أن ضرب لمناقضته للحال ظاهرا احتاج إلى قد المقرّبة له إلى الحال لفظا أو تقديرا ، كذلك لم يضرب يحتاج إلى الواو الّتي هي علامة الحالية لما لم يصحّ قد ، لأنّ قد لتحقيق الحصول ، ولم للنفي ، انتهى.

وذكر في التسهيل أنّ المضارع المنفيّ بما لا تغني فيه الواو عن الضمير ، وفي كلام غيره التمثيل بجاء زيد ، وما تطلع الشمس ، وأمّا المبدوّة بالماضي المثبت فإن كان تاليا ل إلا نحو : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) [الحجر / ١١] ، أو متلوّا بأو كقوله [من البسيط] :

٨٣٥ ـ كن للخليل نصيرا جار أو عدلا

ولا تشحّ عليه جاد أو بخلا (١)

أو صلة لشرط ، نحو : لأضربنه إن أطاع وإن عصي ، لزم الضمير والخلوّ عن الواو ، أو كانت مؤكّدة ، نحو : زيد أخوك قد علمت ، تركت الواو أيضا ، وإن كان غير ذلك جازت الأوجه الثلاثة ، هذا التفضيل خلا عنه كثير من الكتب ، فاحفظه.

«ولا بدّ في الماضي المثبت من» ثبوت «قد ، ولو تقديرا» ، أي ولو كان ثبوتا مقدّرا ، أمّا المذكورة فكقوله تعالى : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) [البقرة / ٧٥] ، وهو كثير ، وأمّا المقدّرة فكقوله تعالى : (هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا) [يوسف / ٦٥] ، ونحو : (جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) [النساء / ٩٠].

هذا مذهب الفرّاء والمبرّد والفارسيّ وجماعة من محقّقي المتأخرين ، بل قيل : جميع البصريّين إلا الأخفش ، وذهب الكوفيّون والأخفش إلى أنّه لا حاجة إلى تقدير قد ، حيث تفقد لفظا لكثرة وقوع الماضويّة حالا بدون قد ، والأصل عدم التقدير لا سيّما فيما كثر استعماله ، واختاره أبو حيّان ، ووجّه بعضهم القول بأنّ قد إنّما اشترطت لتقريب الماضي من الحال ، فيصلح إذ ذاك لوقوعه حالا ، وفيه بحث سيأتي في حديقة المفردات ، إن شاء الله تعالى.

تنبيه : كلامه في لزوم قد ليس على إطلاقه بل فيه تفضيل ، وذلك أنّ الماضي إن كان تاليا ل إلا أو متلوّا بأو ، كان ترك قد أكثر من ثبوتها ، نحو : ما لقيته إلا أكرمني ، واضرب زيدا قام أو قعد. وقيل : بل الترك واجب ، وإن كان معه ضمير كان ثبوتها أكثر ، واجتماع الواو وقد حينئذ أكثر من انفراد أحدهما ، وانفراد قد أكثر من انفراد

__________________

(١) لم ينسب البيت إلى قائل معين ، اللغة : جار : ظلم ، لا تشحّ عليه : لا تحرص.

٧٥٩

الواو ، فنحو : جاءني زيد وقد خرج أبوه أكثر ، ثمّ قد خرج أبوه ، ثمّ وخرج أبوه ، فإنّ عدم الضمير لزمت الواو وقد كقوله [من الطويل] :

٨٣٦ ـ فجئت وقد نضّت لنوم ثيابها

لدي السّتر إلا لبسة المتفضّل (١)

ولا يقال : جاءني زيد قد خرج عمرو ، ولا وخرج عمرو. وقال الرضيّ : وأجاز الأندلسيّ على ضعف دخول قد في الماضي المنفيّ بما ، نحو : ما قد ضربه أبوه ، وليس بوجه لعدم السماع والقياس ، أيضا لكون قد لتحقيق وقوع الفعل وما لنفيه.

الجملة الواقعة مفعولا

ص : الثالثة : الواقعة مفعولا بها : وتقع محكيّة بالقول ، نحو : (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ) ومفعولا ثانيا لباب ظنّ ، وثالثا لباب أعلم ، ومعلّقا عنها العامل ، نحو : (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى ،) وقد تنوب عن الفاعل ، ويختصّ ذلك بباب القول ، نحو : يقال زيد عالم.

ش : الجملة الثالثة من الجمل الّتي لها محل من الإعراب الجملة الواقعة مفعولا ، ومحلّها من الإعراب النصب ، إن لم تنب عن الفاعل كما سيأتي ، وتقع مفعولا في ثلاث صور :

أحدها : أن تكون محكيّة بالقول ، ومعنى حكاية الجملة بالقول أن تحكى ومعها القول ، لأنّ الجملة إذا حكي بها القول فقد حكيت هي نفسها مع مصاحبة القول ، قاله البدر بن مالك ، نحو قوله تعالى : (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ) [مريم / ٣٠] ، فجملة (إِنِّي عَبْدُ اللهِ) في محلّ نصب على المفعوليّة محكيّة ، يقال : والدليل على أنّها محكيّة (٢) : كسر أنّ بعد دخول قال.

وهل هي مفعول به أو مفعول مطلق نوعي كالقرفصاء في قعد القرفصاء ، إذ هي دالّة على نوع خاصّ من القول ، فيه مذهبان : الأوّل للجمهور ، والثاني اختيار ابن حاجب ، قال : والّذي غرّ الأكثرين أنّهم ظنّوا أنّ تعلّق الجملة بالقول كتعلّقها بعلم في علمت لزيد منطلق ، وليس كذلك ، لأنّ الجملة نفس القول ، والعلم غير المعلوم ، فافترقا ، انتهى.

__________________

(١) هو لامرئ القيس. اللغة : نضّت : خلعت ، اللبسة : حالة من حالات اللابس ، المتفضل : اللابس ثوبا واحدا ، إذا أراد الخفة في العمل.

(٢) سقطت «الدليل على أنّها محكيّة» في «ح».

٧٦٠