الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

السيد علي خان المدني الشيرازي

الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

المؤلف:

السيد علي خان المدني الشيرازي


المحقق: الدكتور السيد أبو الفضل سجادي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: روح الأمين
الطبعة: ٠
ISBN: 978-964-518-296-8
الصفحات: ٩٤٧

الفرّاء ، وقول المبرّد مردود برسم الصحابة بالألف على حسب الوقف ، ويخشى عليه عاقبة ما قال ، ولا يعذّب بالنّار إلا خالقها ، انتهى.

نصب المضارع بأن مضمرة جوازا : هذا «تكميل» لنواصب المضارع ، وينصب المضارع بأن مضمرة جوازا ، أي إضمارا جائزا في موضعين :

أحدهما : بعد الحروف العاطفة له على اسم صريح ، ليس في تأويل الفعل ، وهذه الحروف هي الواو والفاء وأو وثمّ ، إذ لم يسمع في غيرها. فهو بعد الواو نحو قول ميسون ابنة بحدل بالحاء المهملة ، وهي زوج معاوية [من الوافر] :

٦٩٧ ـ للبس عباءة وتقرّ عيني

أحبّ إلى من لبس الشفوف (١)

بنصب تقرّ بأن مضمرة جوازا بعد الواو ، وأن والفعل في تأويل مصدر مرفوع بالعطف على لبس والتقدير : ولبس عباءة وقرّة عيني ، والواقع في نسخ هذا المتن للبس عباءة باللام ، وهو تحريف ، والصواب ولبس بالواو ، والعاطفة على قولها قبله :

٦٩٨ ـ لبيت تخفق الأرواح فيه

أحبّ إلى من قصر منيف (٢)

وبعد الفاء نحو قوله [من البسيط] :

٦٩٩ ـ لولا توقّع معترّ فأرضيه

ما كنت أوثر إترابا على ترب (٣)

بنصب فأرضيه بأن مضمرة جوازا بعد الفاء لعطفه على توقّع ، وبعد أو نحو قوله تعالى : (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) [الشورى / ٥١] ، بنصب يرسل في قراءة غير نافع بأن مضمرة لعطفه على وحيا.

وبعد ثمّ نحو قوله [من البسيط] :

٧٠٠ ـ إنّي وقتلي سليكا ثمّ أعقله

كالثّور يضرب لما عافت البقر (٤)

بنصب أعقله بأن مضمرة جوازا بعد ثمّ لعطفه على قتلي ، وسليكا بالتصغير اسم رجل.

__________________

(١) ميسون بنت بحدل الكليبيّة بدويّة تزوّجها معاوية ، فولدت له يزيد ، ثمّ سمعها تنشد أبياتا منها هذا البيت تفضّل فيها حياة البادية فاستجاب لرغبتها وطلّقها. اللغة : عباءة : جبة من الصوف ونحوه : تقرّ عيني : كناية عن سكون النفس ، وعدم طموحها إلى ما ليس في يدها ، الشفوف : جمع شف ، وهو ثوب رقيق يستشف ما وراءه.

(٢) اللغة : قصر منيف : طويل في الارتفاع.

(٣) لم ينسب البيت إلى قائل معين ويروي أترابا على ترب. اللغة : المعتر : الفقير ، أوثر : أفضل ، أرجّج ، إتراب : مصدر أترب الرجل ، إذا استغني ، الترب : الفقر والعوز ، وأصله لصوق اليد بالتراب.

(٤) البيت لانس بن مدركه الخثعمي. اللغة : أعقله : مضارع عقل القتيل ، أي أدّي ديته ، عافت ، كرهت وامتنعت.

٦٦١

قال ابن هشام : كانت العرب إذا رأت البقر عافت ورود الماء ، تعمّد إلى الثور ، فتضربه ، فترد البقر حينئذ ، ولا تمتنع منه فرقا من الضرب أن يصيبها ، وإنّما امتنعوا من ضربها لضعفها عن حمله بخلاف الثور. وقيل : المراد بالثور : ثور الطحلب ، وهو الّذي يعلو الماء فيصدّ البقر عن الشرب ، فيضربه صاحب البقر لتفحص عن الماء فتشربه ، والمناسب للتشبيه الأوّل ، لأنّ الغرض من وقوع الفعل به تخويف غيره ، وأيضا فلو كان المراد بالثور الطحلب ، لم يكن لذكر البقر خصوصيته ، بل البقر وغيرها في ذلك شرع (١) ، فتأمّل.

وخرج بقوله على اسم صريح ، نحو : الطائر فيغضب زيد الذباب ، فلا ينصب الفعل ، لأنّ الاسم المعطوف عليه مؤوّل بالفعل لوقوعه صلة لال ، أي الّذي يطير.

الثاني : بعد لام كي ، وهي لام السببيّة ، وإنّما أضيفت إلى كي ، لأنّها بمعناها ، وذلك إذا لم يقترن الفعل بعدها بلا النافية والزائدة ، نحو : أسلمت لأدخل الجنّة ، بنصب أدخل بأن مقدّرة بعد لام ، فلو اقترن الفعل بلا سواء كانت نافية ، نحو : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) [البقرة / ١٥٠] ، أو زائدة نحو : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) [الحديد / ٢٩] ، لم يجز إضمار أن ، لئلا يحصل الثقل لبقاء المثلين.

تنبيهان : الأوّل : قال ابن هشام في شرح الشذور وغيره : تضمر أن جوازا بعد العاقبة ، وهي الّتي يكون ما بعدها نقضيا لمقتضي ما قبلها نحو : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص / ٨] ، فإنّ التقاطهم له أنّما كان لرأفتهم عليه ، ولما ألقى الله عليه من المحبّة ، فلا يراه أحد إلا أحبّه ، فقصدوا أن يصير قرّة عين لهم ، فصارت عاقبة الأمر أن كان لهم عدوّا وحزنا. وبعد اللام الزائدة ، وهي الآتية بعد فعل متعدّ ، نحو (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) [النساء / ٢٦] ، انتهى.

ولا يرد شيء منهما على قضيه كلام المصنّف (ره) ، لأنّ التحقيق أنّ كلّا منهما داخل في لام التعليل. أمّا العاقبة فقد مرّ أنّ البصريّين ينكرونها. قال الزمخشريّ : إنّها لام العلّة ، والتعليل فيها على طريق المجاز دون الحقيقة ، وبيانه أنّه لم يكن داعيهم إلى الالتقاط أن يكون لهم عدوّا وحزنا ، بل المحبّة والتبنّي ، غير أنّ ذلك لما كان نتيجة التقاطهم له وثمرته شبّه بالداعي الّذي يفعل الفعل لأجله ، فاللام للاستعارة لما يشبه التعليل كما أستعير الأسد لمن يشبه الأسد ، انتهى.

فتكون استعارة تبعية ، وتحقيقها هنا أنّه شبّه ترتّب العداوة والحزن على الالتقاط بترتّب علّته الغائية عليه ، ثمّ استعمل في المشبّهة اللام الموضوعة للمشبّه به ، أعني ترتّب

__________________

(١) شرع : سواء.

٦٦٢

العلّة الغائية عليه ، فجرت الاستعاره أوّلا في العلية والغرضية ، وثالثا بتبعيّتها في اللام ، فصار حكم اللام حكم الأسد ، حيث استعيرت لما يشبه العلّة ، وصار معنى اللام هو العلية والفرضيّة لا المجرور كما ذكره صاحب التخليص ، قاله الدمامينيّ في التحفة (١).

وأمّا اللام الزائدة فقال ابن أم قاسم : ذهب المحقّقون إلى أنّ اللام في نحو : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) [النساء / ٢٦] لام كي ، ولهم في ذلك قولان : أحدهما أنّ الفعل محذوف ، واللام للتعليل ، والمعنى يريد الله ذلك ليبيّن ، والثاني : ما حكي عن سيبويه وأصحابه أنّ الفعل مقدّر بالمصدر ، أي إرادة الله ليبيّن لينعقد من ذلك مبتدأ وخبر ، فان قلت : ما حقيقة هذا القول؟ قلت : هو كالّذي قبله أنّ اللام للتعليل ، ولكنّ معمول الفعل على القول الأوّل حذف اختصارا ، فهو منويّ لدليل ، وعلى هذا القول حذف اقتصارا ، وفهو غير منويّ ، إذ لم يتعلّق به قصد المتكلّم ، فيصير الفعل على هذا كاللازم ، ولذلك انعقد من ذلك مبتدأ وخبر ، انتهى.

الثاني : ما ذكره من أنّ الناصب هو أن مضمرة بعد اللام هو مذهب جمهور البصريّين ، وذهب جمهور الكوفيّين إلى أنّ الناصب هو اللام ، وجوّزوا إظهار أن بعدها توكيدا ، وقال ثعلب : الناصب اللام ، كما قالوا ، ولكن لنيابتها عن أن المخدوفة. وقال ابن كيسان والسيرافيّ : يجوز أن يكون الناصب أن المقدّرة بعدها ، وأن يكون كي ، ولا تتعيّن أن لذلك ، ودليلهم صحّة إظهار كي بعدها ، فيحصل لنا قولان ، إذا قلنا : إنّ اللام ناصبة ، وقولان ، إذا قلنا : إنّها غير ناصبة ، قاله في التصريح.

نصب المضارع بأن مضمرة وجوبا : ينصب بأن مضمرة «وجوبا بعد خمسة أحرف» :

أحدها : «لام الجحود ، وهي المسبوقة بكون» ناقص ماض ، ولو معنى «منفيّ» بما أو لم مسند لما أسند إليه الفعل المقرون باللام «نحو» قوله تعالى : (ما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) [الأنفال / ٣٣] ، (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) [النساء / ١٦٨] ، وإنّما سمّيت لام الجحود لملازمتها الجحد ، أي النفي ، قال النحاس : والصواب تسميتها لام النفي ، لأنّ الحجد في اللغة إنكار ما تعرفه لا مطلق الإنكار. وقال في التصريح : التعبير بالجحود هنا من باب تسمية العامّ باسم الخاصّ ، انتهى.

وما قاله بيان لعلاقه التجوّز أو النقل ، والثاني أقرب ، ويسمّيها البصريّون مؤكّدة لصحّة الكلام بدونها ، إذ يقال في ما كان زيد ليفعل : ما كان زيد يفعل لا ، لأنّها زائده ، اذ لو كانت زائدة لما كان لنصب الفعل بعدها وجه صحيح ، وإنّما وجب إضمار أن

__________________

(١) تحفة الغريب في حاشية مغني اللبيب من تصانيف الدمامينيّ. المصدر السابق ١ / ٦٧.

٦٦٣

بعدها ، لأنّ ما كان ليفعل ردّ على من قال : سيفعل ، فاللام في مقابلة السين ، فكما لا يجمع بين أن الناصبة والسين ، لا يجمع بين أن واللام في اللفظ مراعاة للمطابقة بينهما لفظا ، وأجاز بعض الكوفيّين إظهارها تاكيدا ، كما جاز ذلك في كي ، نحو : ما كان زيد لأن يقوم. قال أبو حيّان : يحتاج إلى سماع من العرب.

تنبيهات : الأوّل : ما ذكر من ضابط هذه اللام من خصوصية الفعل وحرف النفي واتّحاد المسند إليه هو المشهور ، قال ابن هشام في المنفي : وزعم كثير من الناس في قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ)(١) [إبراهيم / ٤٦] ، في قراءة غير الكسائيّ بكسر اللام الأولى وفتح الثانية ، إنّها لام الجحود ، وفيه نظر ، لأنّ النافي على هذا غير ما ولم ولاختلاف فاعلي كان وتزول ، والّذي يظهر لي أنّها لام كي ، وأنّ إن شرطيّة ، أي وعند الله جزاء مكرهم ، وهو مكر أعظم منه ، وإن كان مكرهم لشدتّه معدّا لأجل زوال الأمور العظائم المشبهة في عظمها بالجبال ، كما تقول : أنا أشجع من فلان وإن كان معدّا للنوازل ، انتهى.

وذهب بعضهم إلى أنّها تكون في أخوات كان قياسا عليها ، نحو : ما أصبح زيد ليضرب عمرا ، ولم يصبح زيد ليضرب عمرا. وزعم بعضهم أنّها تكون في ظننت وأخواتها ، نحو : ما ظننت زيدا ليضرب عمرا ، ولم أظنّ زيدا ليضرب عمرا. قال أبو حيّان :

وهذا كلّه تركيب لم يسمع ، فوجب منعه. ووسّع بعضهم الدائرة ، فذهب إلى أنّها تدخل في كلّ فعل تقدّمه فعل منفي ، نحو : ما جاء زيد ليفعل ، والصواب أنّ هذه لام كي.

الثاني : اختلف في الفعل الواقع بعد لام الجحود ، فذهب الكوفيّون إلى أنّه في موضع نصب على أنّه خبر كان ، واللام زائدة للتأكيد ، وذهب البصريّون إلى أنّ خبر كان محذوف ، وأنّ هذه اللام متعلّقة بذلك الخبر المخذوف ، وأنّ الفعل ليس بخبر ، بل المصدر المنسبك من أنّ المضمرة والفعل المنصوب بها في موضع جرّ ، والتقدير ما كان مريدا لكذا ، والدليل على هذا التقدير أنّه قد جاء مصرّحا به في قول الشاعر [من الوافر] :

٧٠١ ـ سموت ولم تكن أهلا لتسمو

ولكنّ المضيّع قد يصاب (٢)

فصرّح بالخبر الّذي هو أهلا مع وجود اللام والفعل بعده.

الثالث : قال في المغني : قد يحذف كان قبل لام الجحود ، كقوله [من الوافر] :

__________________

(١) ابتداء الآية الشريفة (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ.)

(٢) البيت بلا نسبة.

٦٦٤

٧٠٢ ـ فما جمع ليغلب جمع قومي

مقاومة ولا فرد لفرد (١)

أي فما كان جمع ، وقول أبي الدرداء في الركعتين بعد العصر : ما أنا لأدعهما ، انتهى.

الثاني : «أو» العاطفة إذا كانت «بمعنى إلى» بأن كان الفعل قبلها ممّا ينقضي شيئا فشيئا. «أو» بمعنى «إلا» الاستثنائية ، نحو : لألزمنّك أو تعطيني حقّي ، أي إلى أن تعطيني حقّي ، أو إلا أن تعطيني حقّي.

وتتعيّن الغاية في نحو : لأنتظرن أو يجيء ، والاستثناء في نحو : لأقتل الكافر أو يسلم ، وقوله [من الوافر] :

٧٠٣ ـ وكنت إذا غمزت قناة قوم

كسرت كعوبها أو تستقيما (٢)

إذ الاسلام لا يكون غاية للقتل ، والاستقامة لا تكون غاية للكسر.

واحترز بقوله : بمعنى إلى أو إلا عن الّتي لا تكون بمعنى أحدهما ، فإنّ المضارع إذا وجد بعدها منصوبا جاز إظهار أن ، كقوله [من الطويل] :

٧٠٤ ـ ولو لا رجال من رزام أعزّه

وآل سبيع أو أسوءك علقما (٣)

تنبيهات : الأوّل : ما اقتضاه كلامه عن مرادفة أو للحرفين المذكورين هو قضية كلام كثيرين ، لكن قال بعضهم : الأظهر أنّهم لن يريدوا أنّ أو بمعنى إلى أو إلا حقيقة ، بل أرادوا أنّها لأجل الأمرين وما بعدها حين التّكلّم به غير متحقّق ، وما قبلها متحقّق ، فالحكم بأنّ أحد الأمرين لا محالة يستلزم أنّ ما قبلها متحقّق إلى أن يتحقّق ما بعدها ، أو أنّ ما قبلها متحقّق كلّ وقت إلا وقت تحقّق ما بعدها. وما قيل : إنّ الوقت محذوف على الثاني ، وإنّ ما بعد أو في محلّ جرّ على الأوّل ، وفي محلّ النصب على الثاني من عدم التأمّل ، وكفى شاهدا على صدق ما قلنا أنّهم لم يعدّوا أو من حروف الجرّ ، ولا من أدوات الإستثناء ، انتهى.

وهو ردّ لما قاله الرضيّ من أنّ أو إذا فسّرت بإلى فما بعدها بتأويل مصدر مجرور بها ، لأنّها بمعنى إلى وإن فسّرت بإلا فالمضاف بعدها محذوف ، وهو الظرف ، أي لألزمنّك إلا وقت أن تعطيني ، فهو في محلّ نصب على أنّه ظرف لما قبل أو ، انتهى.

وقال ابن مالك : تقدير إلى وإلا في موضع أو تقدير لحظ فيه المعنى دون الإعراب ، والتقدير الإعرابيّ المرتّب على اللفظ أن يقدّر قبل أو مصدر ، وبعدها أن ناصبة للفعل ،

__________________

(١) لم يعيّن قائلة.

(٢) هو لزياد الأعجم. اللغة : غمزت : الغمز : حبس باليد يشبه النخس ، القناة : الرمح ، الكعوب : جمع كعب ، وهو طرف الأنبوبة الناشز ، تستقيم : تعتدل.

(٣) هو للحصين بن الحمام. اللغة : رزام وسبيع وعلقما : أسماء أعلام.

٦٦٥

وهما في تأويل مصدر معطوف بأو على المقدّر قبلها ، فتقدير لانتظرته أو يقدم ، ليكوننّ أو انتظار قدوم. وتقدير لأفتلنّ الكافر أو يسلم ، ليكونن قتله أو إسلامه ، وكذلك العمل في غيرهما ، انتهى.

الثاني : عبّر ابن مالك في الكافية والخلاصة بدل إلى بحتّى ، قال غير واحد : وهو أولى من إلى ، لأنّ لحتّى معينين ، كلاهما يصحّ هنا ، الأوّل الغاية مثل إلى ، والثاني التعليل مثل كي ، فشتمل العبارة نحو : لأطيعنّ الله أو يغفر لي ، فأو هنا لا تصلح لشيء من معنى إلى أو إلا ، بل هي بمعنى كي.

الثالث : ما ذكره من أنّ النصب بأن مضمرة بعد أو هو مذهب الجمهور ، وذهب الكسائيّ إلى أنّ أو المذكورة ناصبة بنفسها ، وذهب الفرّاء ومن وافقه من الكوفيّين إلى أنّ الفعل انتصب بالمخالفة ، والصحيح الأوّل ، لأنّ أو حرف عطف لا عمل لها ، ولكنّها عطفت مصدرا مقدّرا على متوهّم ، ومن ثمّ لزم إضمار أن بعدها.

والثالث : «فاء السببيّة» أي الّتي قصد بها السببيّة ، والجمهور على أنّها حينئذ عاطفة للمصدر المسبوك من أنّ المضمرة بعدها وصلتها على مصدر متصيّد من الفعل المتقدّم ، فتقدير : «زرني فأكرمك» لتكن زيارة منك فإكرام منّي.

واستشكله الرضيّ لأنّ فاء العطف لا تكون للسببيّة ، إلا إذا عطفت جملة على جملة ، نحو : الّذي يطير فيغضب زيد الذباب. واختار هو أن تكون الفاء للسّببيّة دون العطف ، وإنّ ما بعد الفاء مبتدأ محذوف الخبر وجوبا ، التقدير : زرني فإكرامك ثابت.

الرابع : «واو المعيّة» أي الّتي تقع موقعها مع ، وهي ما يجتمع مضمون ما قبلها وما بعدها في زمان واحد ، ويسمّيها الكوفيّون واو الصرف ، والجمهور على أنّها عاطفة ، وخالفهم الرّضيّ ، فقال : إنّهم لمّا قصدوا فيها معنى الجمعيّة ، نصبوا المضارع بعدها ، ليكون الصرف عن سنن الكلام المتقدّم مرشدا من أوّل الأمر إلى أنّها ليست للعطف ، فهي إذن إمّا واو الحال ، وأكثر دخولها على الاسميّة ، فالمضارع بعدها في تقدير مبتدإ محذوف الخبر وجوبا ، فمعنى قم وأقوم ، قم وقيامي ثابت ، أي في حال ثبوت قيامي ، وإمّا بمعنى مع ، أي قم مع قيامي ، كما قصدوا في المفعول معه مصاحبة الاسم للاسم ، فنصبوا ما بعد الواو ، ولو جعلنا الواو عاطفة للمصدر على مصدر متصيّد من الفعل قبله ، كما قال النحاة ، أي ليكن قيام منك ، وقيام منّي ، لم يكن فيه نصوصيّة على معنى الجمع ، كما لم يكن في تقديرهم في الفاء معنى السببيّة ، بل كون واو العطف للجمعيّة قليل ، نحو : كلّ رجل وضعيته ، انتهى.

٦٦٦

وردّ عليه في الموضعين ، أعني في الفاء والواو أنّه يلزم حذف الخبر وجوبا من غير شيء يسدّ مسدّه ، وهو ممتنع ، وأجيب بأنّه أشار إلى جواب ذلك في الحروف المشبهة بالفعل حيث قال : والتزم حذف الخبر في ليت شعري أتأتيني أم لا؟ فهذا الاستفهام مفعول شعري ، والخبر محذوف وجوبا بلا شيء يسدّ مسدّه لكثرة الاستعمال ، انتهى.

وهو هنا كذلك ، وخرج بالسببيّة الفاء الاستئنافيّة بأن يقدّر ما بعدها مبنيّا على مبتدإ محذوف كقوله [من الطويل] :

٧٠٥ ـ ألم تسأل الرّبع القواء فينطق

 ... (١)

أي فهو ينطق ، كذا قيل. قال ابن هشام : والتحقيق أنّ الفاء في ذلك للعطف ، وأنّ المعتمد بالعطف الجملة لا الفعل وحده. وإنّما يقدّر النّحويّون كلمة هو ، ليبيّنوا أنّ الفعل ليس المعتمد بالعطف ، انتهى.

والعاطفه نحو : ما تأتينا فتحدّثنا ، على معنى ما تأتينا فما تحدّثنا ، فيجب الرفع ، وبالمعيّة الواو الاستثنافية والعاطفة نحو : لا تأكل سمكا وتشرب لبنا ، فإن جعلت الواو استثنافية ، وجب الرفع ، فيكون الكلام نهيا عن أكل السمك واخبارا بإباحة شرب اللبن ، فكأنّك قلت : لا تاكل السمك ولك شرب اللبن ، وإن جعلتها عاطفة وجب الجزم ، فيكون نهيا عن كلّ واحد منهما بخلاف ما إذا جعلتها بمعنى مع كما سيأتي.

وقيّد الواو والفاء بقوله المسبوقتين بنفيّ محض أو مؤوّل أو طلب احترازا عن نحو :

زيد يأتينا فيحدّثنا ، وينهي عن خلق ويأتي مثله ، فيمتنع النصب ، وأمّا قوله [من الوافر] :

٧٠٦ ـ سأترك مترلي لبني تميم

وألحق بالحجاز فأستريحا (٢)

فضرورة.

ويشمل النفي ما كان بحرف أو فعل أو اسم ، وما كان تقليلا مرادا به النفي فهو مع الفاء نحو : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) [فاطر / ٣٦] ، وليس زيد حاضرا فيكلّمك ، وأنت غير آت فتحدّثنا ، وقلّما تأتينا فتحدّثنا ، لأنّ هذه الكلمة مستعملة بمعنى النفي المحض ومع الواو نحو : (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران / ١٤٢].

__________________

(١) تمامه «وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق» وهو لجميل بثنية. اللغة : الربع : المترل ، القواء : الخالي من الأهل ، البيداء الصحراء ، وسمّيت بذلك لأنها تبيد من يسلكها ، أي تهلكه. سملق : الأرض الّتي لا تنبت شيئا مطلقا.

(٢) هو لمغيرة بن حبناء.

٦٦٧

واحترزت بالمحض من النفي التإلى للتقرير ، نحو : ألم تأتني فأحسن إليك ، إذا لم ترد الاستفهام الحقيقيّ ، لأنّ ذلك يتضمّن ثبوت الفعل ، فيمتنع نصب المضارع في جوابه لعدم تمحّض النفي ، وما ورد منه منصوبا فلمراعاة صورة النفي وإن كان تقريرا ، أو لأنّه جواب الاستفهام وعن النفي المتلوّ بنفي آخر نحو : ما تزال تأتينا فتحدّثنا ، والنفي المنتقض بإلا نحو : ما تأتينا إلا فتحدّثنا ، فيمتنع النصب فيهما أيضا ، بخلاف ما لو كان الانتقاض بعد الفعل ، نحو : ما تأتينا فتحدّثنا إلا في الدار ، ويتفرّع على ذلك ما ، إذا قلت : ما جاءني أحد إلا زيد فأكرمه ، فإن جعلت الهاء لأحد نصبت لتقدّم الفعل على انتقاض النفي ، وإن جعلتها لزيد رفعت لتأخّره عنه.

ويشمل الطلب الأمر والنهي والدعاء والعرض والتحضيض والتمنّي والاستفهام فهو مع الفاء نحو : زرني فأكرمك ، وقوله تعالى : (لا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) [طه / ٨١] ، وقول الشاعر [من الرمل] :

٧٠٧ ـ ربّ وفّقني فلا أعدل عن

سنن السّاعين في خير سنن (١)

وقوله [من البسيط] :

٧٠٨ ـ يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصرها

قد حدّثوك فما راء كمن سمعا (٢)

وقولك : هلّا اتّقيت الله فيغفر لك ، وقوله تعالى : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ) [النساء / ٧٣] ، قوله تعالى : (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا) [الأعراف / ٥٣] ، ومع الواو نحو قول الشاعر [من الوافر] :

٧٠٩ ـ فقلت أدعي وأدعوا أنّ أندي

لصوت أن ينادي داعيان (٣)

قولك : لا تأكل السمك وتشرب اللبن على معنى لا يكن منك أكل السمك مع شرب اللبن ، فيكون الكلام نهيا عن الجمع بينهما وقوله [من الكامل] :

٧١٠ ـ لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم (٤)

وقس على ذلك. ويشترط في النهي عدم النقض بإلا فلو نقض بما لم يجز النصب ، نحو : لا تضرب إلا عمرا فيغضب ، فيجب في يغضب الرفع ، قاله ابن هشام في شرح الشذور تبعا لسبيويه. وفي الاستفهام أن لا تكون بأداة تليها جملة اسميّة ، خبرها جامد ، فيمتنع النصب في نحو : هل أخوك زيد فأكرمك ، بخلاف هل أخوك قائم فأكرمه.

__________________

(١) لم ينسب البيت لقائل معيّن.

(٢) البيت مجهول القائل.

(٣) اختلف العلماء في نسبه هذا البيت فنسب إلى الأعشى والحطيئه ودثار بن شيبيان النمري ، اللغة : أندي : أفعل تفضيل من الندي ، وهو بعد الصوت.

(٤) البت لأبي الأسود الدؤلي ، أو للمتوكل الكناني.

٦٦٨

تنبيهات : الأوّل : يلحق بالنفي التشبيه الواقع موقعه ، نحو : كأنّك وال علينا فتشتمنا ، تقديره ما أنت وال علينا فتشتمنا ، قاله في التسهيل. قال أبو حيّان : وهذا شيء زعمه الكوفيّون ، ولا يحفظه البصريّون ، ولا يكون كأنّ أبدا إلا للتشبيه. وذكر ابن سيدة وابن مالك أنّه ربّما نفي بقد ، فينصب الجواب بعدها ، وحكي عن بعض الفصحاء : قد كنت في خير فنعرفه بالنصب ، يريد ما كنت في خير فنعرفه.

الثاني : يعتبر في الطلب أن يكون بصريح الفعل ، فإن دلّ عليه باسم فعل أو خبر ، لم يجز النصب ، نحو : صه فأكرمك ، ونحو : حسبك الحديث فينام الناس. هذا مذهب الجمهور ، وجوّزه الكسائيّ قياسا مطلقا ، وفصّل ابن جنيّ وابن عصفور ، فأجازا النصب بعد اسم الفعل ، إذا كان من لفظ الفعل ، نحو : نزال فنحدّثك ، ومنعناه إذا لم يكن من لفظه ، نحو : صه فنكرمك. قال ابن هشام : وما أجدر هذا القول بأن يكون صوابا ، قال أبو حيّان : الصواب أنّ ذلك لا يجوز ، لأنّه غير مسموع من كلام العرب.

الثالث : اختلف النحاة في الرجاء ، هل له جواب ، فينصب الفعل بعد الفاء جوابا له؟ فذهب البصريّون إلى أنّ الترجّي في حكم الواجب ، وأنّه لا ينصب الفعل بعد الفاء جوابا له ، وذهب الكوفيّون إلى جواز ذلك ، قال ابن مالك : وهو الصحيح ، قال تعالى : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى* أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) [عبس / ٣ و ٤] ، وقال تعالى : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ* أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ) [غافر / ٣٧ و ٣٦] ، في قراءة من نصب فيهما.

قال أبو حيّان : يمكن تأويل الآيتين بأنّ النصب فيهما من العطف على التوهّم ، لأنّ خبر لعلّ كثر في لسان العرب دخول أن عليه ، قاله في الهمع.

ويمكن تأويل الآية الثانية أيضا إمّا على أنّه جواب للأمر ، وهو : (ابْنِ لِي صَرْحاً) [غافر / ٣٦] ، أو على العطف على الأسباب على حدّ قولها [من الوافر] :

٧١١ ـ ولبس عباءه وتقرّ عيني

 ... (١)

ذكره في المغني.

الرابع : الخلاف في الفاء والواو كالخلاف في أو ، من أنّ ما بعدهما منصوب بالمخالفة أو بهما ، والصحيح ما ذكره المصنّف ، كما تقدّم.

الخامس : «حتّى» إذا كانت بمعنى إلى الغائية بأن يكون ما بعدها غاية لما قبلها ، أو بمعنى كي السببيّة بأن يكون ما بعدها سببا لما قبلها ، واحترز بذلك عن العاطفة والابتدائيّة ، ولا ينصب المضارع بأن مضمرة بعدها ، إلا إذا أريد به الاستقبال تحقيقا ، نحو : (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) [طه / ٩١] ، فإنّ يرجع مراد به

__________________

(١) تقدّم برقم ٦٩٧.

٦٦٩

الاستقبال حقيقة ، لأنّ رجوع موسى ـ على نبينا وآله وعليه السّلام ـ مستقبل بالنظر (١) إلى تكلّمهم بذلك أو حكاية ، نحو : (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) [البقرة / ٢١] ، بنصب يقول في قراءة غير نافع (٢) ، فإنّ يقول مراد به لاستقبال حكاية لا تحقيقا ، لأنّ قول الرسول ماض بالنسبة إلى زمن الأخبار وقصّه علينا ، إلا أنّه حكي استقباله بالنظر إلى الزلزال.

واحترز بذلك عمّا إذا أريد به الحال ، فإنّها حينئذ تكون ابتدائية ، ويجب رفع المضارع بعدها على ما سنبيّنه. وقوله : «نحو أسير حتّى تغرب الشمس» مثال لحتّى بمعنى إلى ، أي إلى أن تغرب الشمس «وأسلمت حتّى أدخل الجنّة» مثال لها بمعنى كي ، أي أسلمت كي أدخل الجنة ، وهذان المعنيان هما اللّذان ذكرهما معظم النّحاة لحتّى هذه.

وزاد ابن مالك أنّها تكون بمعنى إلا الاستثنائيّة في الانقطاع وعلى تقدير ثبوته ، فهو قليل ، وأنشد على ذلك قوله [من الكامل] :

٧١٢ ـ ليس العطاء من الفضول سماحة

حتّى تجود وما لديك قليل (٣)

وقوله [من الرجز] :

٧١٣ ـ والله لا يذهب شيخي باطلا

حتّى أبير مالكا وكاهلا (٤)

لأنّ ما بعدهما ليس غاية لما قبلهما ولا مسبّبا عنه ، وإنّما لم يعترض المصنّف في الأصل لهذا المعنى لقلّته لذهابه إلى ما هو المشهور.

«فإن أردت» بالمضارع الداخل عليه حتّى زمان «الحال» تحقيقا ، نحو : سرت حتّى أدخل البلد ، إذا قلت ذلك وأنت في حالة الدخول ، أو حكاية ، نحو : سرت حتّى أدخله ، إذا قلته بعد حصول السير والدخول مخبرا عن ذلك حاكيا لحالة الدخول. وقد يؤوّل الاستقبال بالحال بأن يكون ما بعد حتّى لم يقع ، لكنّك متمكّن من إيقاعه في الحال ، نحو : سرت حتّى أدخلها ، أي فأنا الآن متمكّن من دخولها لا أمنع من ذلك «كانت» حتّى عند هذه الإرادة «حرف ابتداء» أي حرفا تبتدئ الجمل بعده ، وتستأنف ، ويرفع المضارع بعدها بثلاثة شروط.

أحدها : أن يكون حالا أو مؤوّلا به كما مرّ.

الثاني : أن يكون مسبّبا عمّا قبلها ، فلا يجوز سرت حتّى تطلع الشمس ، لأنّ طلوع الشمس لا يتسبّب عن السير.

__________________

(١) من الآية الشريفة حتّى هنا سقط في «ح».

(٢) في قراءة غير نافع سقط في «ح».

(٣) هو للمقنع الكندي. اللغة : الفضول : جمع فضل وهو بمعنى الزيادة. السماحه : السخاوة.

(٤) هو لامري القيس. اللغة : أبير : أهلك. يقسم فيه إلا يذهب دم أبيه باطلا حتّى يبيد القبيلتين الجانيتين عليه.

٦٧٠

الثالث : أن يكون فضلة ، فلا يجوز سيري حتّى أدخلها ، لئلا يبقى المبتدأ بدون الخبر ، ولا في نحو : كان سيري حتّى أدخلها إن قدّرت كان ناقصة. فإن قدّرت تامّة ، جاز الرفع. قال ابن هشام في حاشيه التسهيل : تلخيص مسألة حتّى بأسهل طريق أن يقال : إن صلح المضارع بعدها لوقوع الماضي موقعه جاز فيه الرفع والنصب ، نحو : (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) [البقرة / ٢١٤] ، وإلا فإن كان حاضرا فالرفع ، أو مستقبلا فالنصب ، انتهى.

تنبيه : ما ذكره المصنّف من أنّ النصب مضمرة بعد حتّى هو مذهب البصريّين ، وهو الصحيح. وقال الكوفيّون : هو حتّى نفسها ، وسيأتي الكلام على ذلك في حديقة المفردات ، إن شاء الله تعالى.

فائدة : من أحكام حتّى أنّها لا يفصل بينها وبين الفعل بشيء ، وجوّز الأخفش وابن السّراج فصلها بظرف ، نحو : أقعد حتّى عندك يجتمع الناس ، وبشرط ماض ، نحو :

أصحبك حتّى إن قدّر الله أتعلّم العلم. وجوّزه هشام بالقسم والمفعول والجارّ والمجرور ، نحو : أسير حتّى إليك يجتمع الناس ، قاله في الهمع.

قال الرضيّ : ولا يجوز الفصل اتّفاقا بين أن ولن وكي ومنصوباتها ، لأنّها الناصبة بأنفسها ، ولا يفصل بين العامل الحرفيّ ومعموله ، كذا لا يفصل بين الواو والفاء واللام وبين ما انتصب بعدها لكونها على حرف واحد.

جزم المضارع

ص : فصل : الجوارم نوعان :

فلأوّل : ما يجزم فعلا واحدا ، وهو أربعة أحرف : «اللّام» و «لا» الطلبيّتان ، نحو :

ليقم زيد ، ولا تشرك بالله و «لم» و «لمّا» ويشتركان في النّفي والقلب إلى الماضي ، ويختصّ «لم» بمصاحبة أداة الشرط ، نحو : إن لم تقم أقم ، وبجواز انقطاع نفيها ، نحو : لم يكن ثمّ كان. ويختصّ «لمّا» بجواز حذف مجزومها ، نحو : قاربت المدينه ولمّا. وبكونه متوقّعا غالبا. كقولك : لمّا يركب الأمير ، للمتوقّع ركوبه.

الثاني : ما يجزم فعلين وهو : «إن» و «إذما» و «من» و «ما» و «متّى» و «أيّ» و «أيّان» و «أين» و «أنّى» و «حيثما» و «مهما» : فالأوّلان حرفان ، والبواقي أسماء على الأشهر ، وكلّ واحد منها يقتضي شرطا وجزاء ، ماضيين أو مضارعين ، أو مختلفين ، فإن كان مضارعين أو الأوّل فالجزم ، وإن كان الثاني وحده ، فوجهان ، وكلّ

٦٧١

جزاء يمتنع جعله شرطا «فالفاء» لازمة له ، كأن يكون جملة اسمية أو انشائية أو فعلا جامدا أو ماضيا مقرونا بقد ، نحو : إن تقم فأنا أقوم أو فأكرمني ، أو فعسى أن أقوم ، أو فقد قمت.

مسألة : وينجزم بعد الطلب : بإن» مقدرّة مع قصد السّببيّة ، نحو : زرني أكرمك ، ولا تكفر تدخل الجنّة ، ومن ثمّ امتنع لا تكفر تدخل النار ، بالجزم لفساد المعنى.

ش : هذا فصل في الكلام على جوازم المضارع ، والجوازم نوعان :

فالنوع «الأوّل ما يجزم فعلا واحدا» وظاهر أنّ المراد بقوله : ما يجزم هنا وفي مقابلة الآتي ما يجزم بالإصالة ، وإلا فكلّ جازم يجزم بالتبعيّة ما لا ينحصر ، وهو أربعة أحرف لا غير بدليل الاستقراء.

أحدها والثاني : «اللام ولا الطلبيّتان» أي الدالّتان على الطلب ، فدخل في ذلك لام الأمر «نحو : ليقم زيد» ولام الدعاء ، نحو : (لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) [الزخرف / ٧٧] ، ولا الناهية نحو : (لا تُشْرِكْ بِاللهِ) [لقمان / ١٣] ، ولا الدعائية ، نحو : (لا تُؤاخِذْنا) [البقرة / ٢٨٦].

وحركة اللام الطلبيّة الكسر ، وفتحها لغة سليم ، وتسكن غالبا بعد الواو والفاء وثمّ ، وجزمها فعل المتكلّم مبنيّا للفاعل قليل ، سواء كان المتكلّم مفردا كقوله (ع) : قوموا فلأصلّ بكم (١) أو معه غيره ، نحو قوله تعالى : (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) [العنكبوت / ١٢] ، لأنّ المتكلّم لا يأمر نفسه ، وأقلّ منه جزمها فعل الفاعل المخاطب كقراءة عثمان (٢) وأبي (٣) وأنس وزيد فبذلك فلتفرحوا [يونس / ٥٨]. وقوله (ع) : لتأخذوا مصافكم (٤).

والأكثر الاستغناء عن هذا بفعل الأمر ، نحو : افرحوا وخذوا وقوموا ، وإذا انتفت الفاعلية نحو : ليعن بحاجتي أو الخطاب ، نحو : ليقم زيد أو كلاهما ، نحو ، ليعن زيد بحاجتي ، وجبت اللام ، وقد تحذف في الشعر فقط على الصحيح ، نحو قوله [من الطويل] :

٧١٤ ـ فلا تستطل منّي بقائي ومدّتي

ولكن يكن للخير منك نصيب (٥)

__________________

(١) روي فنصلّ ، سنن الترمذي ١ / ٤٥٥ ، رقم ٢٣٤.

(٢) عثمان بن سعيد بن عدّي المصري ، من كبار القرّاء ، غلب عليه لقب «ورش» أصله من قيروان ومولد ووفاته بمصر سنة ١٩٧ ه‍. الأعلام للزركلي ، ٤ / ٣٦٦.

(٣) أبي بن قيس بن عبيد ، صحابي أنصاري ، أمره عثمان بجمع القرآن ، فاشترك في جمعه ، وفي الحديث ، أقرأ أمّتي أبّي بن كعب ، مات بالمدينه سنة ٢١ ه‍ المصدر السابق ، ١ / ٧٨.

(٤) ما وجدت الحديث في المصادر.

(٥) البيت مجهول القائل.

٦٧٢

ولا تفصل عن معمولها ولا بغيره ، وليس أصل لا الطلبيّة لام الأمر زيدت عليها الألف ، فانفتحت خلافا لبعضهم ، وليست لاء النافية والجزم بعدها بلام الأم مقدّرة حذفت كراهة اجتماع لامين خلافا للسهيّلي ، لأنّ ذلك دعوي لا يقوم على صحّتها دليل ، وجزمها فعل المتكلّم مطلقا نادر كقوله [من البسيط] :

٧١٥ ـ لا أعرفن ربربا حورا مدامعها

 ... (١)

وقوله [من الطويل] :

٧١٦ ـ إذا ما خرجنا من دمشق فلا نعد

 ... (٢)

وقولك : لا أخرج ولا نخرج ، وما وقع في الأوضح من التفصيل بين كونه مبنيّا للفاعل فقليل ، أو مبنيّا للمفعول فكثير فطريقة لبعضهم ، قاله بعض المحقّقين.

وجزمها فعل الغائب والمخاطب كثير قال الرضّي : على السواء ، ولا يختصّ بالغائب كاللام ، وقال أبو حيّان في الإرتشاف : الأكثر كونها للمخاطب ، ويضعف كونها للغائب كالمتكلّم ، ومن أمثلته : (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) [الإسراء / ٣٣] ، (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ) [آل عمران / ٢٨]. وهل فصلها عن معمولها بمعموله قليل أو ضرورة؟ خلاف ، حكاه في الإرتشاف ، ومنه قوله [من الطويل] :

٧١٧ ـ وقالوا أخانا لا تخشّع لظالم

عزيز ولا ذا حقّ قومك تظلم (٣)

أي ولا تظلم ذا حقّ قومك.

قال في شرح الكافية : وهذا رديّ ، لأنّه شبّه بالفعل بين حرف الجرّ ومجروره ، وجوّز ابن عصفور والأبذيّ حذف مجزومها وإبقاؤها لدليل ، نحو : أكرم زيدا إن جاءك ، وإلا فلا ، وهو حسن.

الثالث : لم ، نحو (لَمْ يَلِدْ) [التوحيد / ٣].

والرابع : «لمّا» ، نحو (لَمَّا يَقْضِ) [عبس / ٢٣]. والجمهور على أنّها مركّبة من لم الجازمة وما الزائدة كما في أمّا ، وقيل : بسيطه.

ما تشترك فيه لم ولمّا وما تتفرد به كلّ : «ويشتركان» أي لم ولمّا «في» أمور الحرفيّة والاختصاص بالمضارع والجزم و «النفي والقلب إلى الماضي» وجواز دخول همزة

__________________

(١) تمامه «كأنّ أبكارها نعاج دوّار» ، وهو للنابغة الذبياني. اللغة : الربرب : القطيع من بقر الوحش ، دوار : اسم موضع.

(٢) تمامه «لها أبدا مادام فيها الجزاضم» ، وهو للفرزدق ، أو لوليد بن عقبه. اللغة : الجاضم. الأكول الواسع البطن.

(٣) لم يعيّن قائله.

٦٧٣

الاستفهام عليهما. وكلّ منها حرف يختصّ بالمضارع ، ويجزمه ، وينفي معناه ، ويقلب زمانه إلى المضي وفاقا للمبرّد ، وأكثر المتأخرين ، وهو ظاهر مذهب سيبويه.

وذهب قوم منهم الجزوليّ إلى أنّه يدخل على لفظ الماضي فيقلبه إلى المضارع ، ونسبه بعضهم إلى سيبويه ، ووجّهوه بأنّ المحافظة على المعنى أولى من المحافظة على اللفظ ، قال المراديّ في الجني الدانيّ : والأوّل هو الصحيح ، لأنّ له نظيرا ، وهو المضارع الواقع بعد لولا ، والقول الثاني لا نظير له.

«وتختصّ لم بمصاحبه أداة الشرط ، نحو : إن لم تقم أقم» بخلاف لمّا ، فلا تصاحبها ، فلا يجوز : إن لما تقم. قال الرضيّ : كأنّه لكونها فاصلة قويّة بين العامل الحرفي أو شبهه ومعموله ، انتهى.

ويريد بشبه الحرف أسماء الشرط كمن ، تقول : من لم يكرمني أهنه ، ولا تقول : من لمّا يكرمني. قال الدمامينيّ : وهذا تصريح منه بأنّ حرف الشرط هو العامل للجزم في المضارع المقترن بحرف النفي مثل : إن لم تقم. وليس كذلك ، انتهى.

وعلّل ذلك غير الرضيّ بأنّ الشرطية يليه مثبت لم ، تقول : إن قام زيد قام عمرو. ولا يليه مثبت لمّا ، لا تقول : إن قد قام زيد ، فعودل بين النفي والإثبات. وإنّما لم يقع قد بعد الشرط ، لأنّها تقتضي تحقيق وقوعه تقريبه من الحال ، والشرط يقتضي احتمال وقومه وعدمه وقلبه إلى الاستقبال ، قاله في التصريح.

«و» تختصّ لم أيضا «بجواز انقطاع نفيها» عن الحال. لأنّها لمطلق الانتقاء فيكون للمتّصل به نحو : (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) [مريم / ٤] ، ولغيره نحو : هذا «لم يكن ثمّ كان» بخلاف لمّا ، لا يقال : لما يكن ثمّ كان ، بل لمّا يكن وقد يكون.

وذلك لأنّ امتداد النفي واستمراره إلى زمن التّكلّم يمنع من الإخبار بأنّ ذلك المنفيّ المستمرّ نفيه وجد في الماضي ، نعم الإخبار بأن سيكون فيما يستقبل صحيح ، ولا ينافي استمرار النفي إلى الحال. قال الدمامينيّ في التحفة : ومنع الأندلسيّ اختصاص لم بذلك ، وقال : لم ولمّا سيّان في جواز الانقطاع. قال الرضيّ : والظاهر ما قاله النحاة.

وتختصّ لم أيضا بأنّها قد تهمل حملا على ما وقيل لا كقوله [من البسيط] :

٧١٨ ـ لولا فوارس من نعم وأسرتهم

يوم الصّليفاء لم يوفون بالجار (١)

__________________

(١) البيت مجهول القائل. اللغة : الفوارس جمع الفارس : الماهر في ركوب الخيل. نعم : اسم قبيلة. الصليفاء : اسم موضع وقع فيه الحرب.

٦٧٤

وهل هو ضرورة أو لغة؟ خلاف. بخلاف لمّا. ولا تهمل ، وبأنّها قد تنصب في لغة حكاها اللحيانيّ كقراءة بعضهم : (أَلَمْ نَشْرَحْ) [الشرح / ١] ، بفتح الحاء ، وقوله [من الرجز] :

٧١٩ ـ في أيّ يوميّ من الموت أفرّ

أيوم لم يقدّر أم يوم قدر (١)

بفتح الرّاء قال بعضهم : وذلك بالحمل على لن. قال ابن هشام : وفيه نظر ، لأنّ لن لا تحلّ هنا ، وإنّما يصحّ حمل الشيء على ما يحلّ محلّه : انتهى بخلاف لمّا فلا تنصب.

«وتختصّ لمّا بجواز حذف مجزومها» لدليل اختيارا ، «نحو : قاربت المدينة ولمّا» أي ولمّا أدخلها. قال أبو حيّان : وهذا أحسن ما يخرّج عليه قوله تعالى : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) [هود / ١١١] في قراءة ابن عامر وحمزة وحفص ، بتشديد نون إنّ وميم لمّا ، أي لمّا ينقص من علمه ، وقد خرّجه على ذلك ابن الحاجب أيضا ، لكنّه قدّره لمّا يهملوا أو يتركوا. قال ابن هشام : الأولى أن يقدّر لمّا يوفوا أعمالهم ، لأنّ ما بعده دليل على أنّ التوفية لم يقع ، وإنّما ستقع ، ولأنّ منفي لمّا متوقّع الثبوت ، انتهى.

ولا يجوز حذف مجزوم لم إلا في الضرورة ، كقوله [من الكامل] :

٧٢٠ ـ إحفظ وديعتك الّتي استودعتها

يوم الأعازب إن وصلت وإن لم (٢)

أي وإن لم تصل ، وإنّما جار ذلك في لمّا دونها ، لأنّ لمّا تقوم بنفسها بسبب أنّها مركّبة من لم وما ، فكان ما

عوّض عن المحذوف ، قاله أبو حيّان. قال غيره : لأنّ مثبتها وهو قد فعل يجوز فيه ذلك بأن يقتصر على قد كقوله [من الكامل] :

٧٢١ ـ ...

 ... وكأن قد (٣)

«و» تختصّ لمّا أيضا «بكونه» أي مجزومها «متوقّعا» ثبوته «غالبا» لا لازما ، «كقولك لمّا يركب الأمير ، للمتوقّع ركوبه» أي إلى الآن لم يركب ، وسوف يركب بخلاف لم ، فلا يكون منفيّها متوقّعا ، ولهذا يقال : لم يقض ما لا يكون ، دون لمّا ، وهذا معنى قولهم : لم لنفي فعل ، ولمّا لنفي قد فعل. وقد يكون منفيها غير متوقّع في غير الغائب ، نحو : ندم إبليس ، ولمّا ينفعه الندم. واختصاص لمّا بذلك غالبا بالنسبة إلى المستقبل ، وأمّا بالنسبة

__________________

(١) هو للحارث بن منذر.

(٢) هو لابراهيم بن هرمه. اللغة : الوديعة ، العهد. استودعتها : مجهول مخاطب من استودعتها وديعة أي استحفظته إيّاها. يوم الأعازب : يوم معهود بينهم.

(٣) هو من بيت للنابغة الذبياني وتمامه.

أزف الترحّل غير أنّ ركابنا

لما تزل برحالنا وكأن قد.

اللغة : أزف : دنا. الترحّل : الرحيل ، الركاب : المطايا ، لما تزل : لما تفارق بعد. الرحال : ما يوضع على ظهر المطية لتركب ، كأن قد أي كأن قد زالت لاقتراب موعد الرحيل.

٦٧٥

إلى الماضي فهي ولم سيّان في نفي المتوقّع وغيره ، مثال المتوقّع أن تقول : مإلى قمت فلم تقم أو فلمّا تقم ، ومثال غير المتوقّع أن تقول : إبتداء لم يقم أو لمّا يقم ، قاله في المغني.

الجوازم الّتي تجزم فعلين : النوع الثاني من الجوازم ما يجزم فعلين ، وهو إحدى عشرة كلمة ، وهي : «إن» ، وهي أمّ الباب ، ولذلك قدّمها «وإذما» وأنكر القوم الجزم بها ، وخصّوه بالضرورة ، وهما موضوعان لمجرّد تعلى ق الجواب بالشرط ، نحو : (وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ) [الأنفال / ١٩] ، وإذا ما تقم أقم.

«ومن» وهي موضوعه للعاقل ، ثمّ ضمنّت معنى الشرط ، نحو : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) [النساء / ١٢٣]. «وما» وهي موضوعة لغير العاقل ، ثمّ ضمّنت معنى الشرط ، نحو : (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ) [البقرة / ١٩٧] ، «ومتى» وهي موضوعة للزمان ثمّ ضمّنت معنى الشرط ، نحو : [من الوافر] :

٧٢٢ ـ ...

متي أضع العمامة تعرفوني (١)

«وأيّ» وهي بحسب ما تضاف إليه ، فتكون للعاقل في نحو : أيّهم يقم أقم معه ، ولغيره في نحو : أيّ الدوابّ تركب أركب ، وللزمان ، نحو : أيّ يوم تصم أصم ، وللمكان ، نحو : أيّ مكان تجلس أجلس. «وأيّان» وهي كمتى ، نحو : قوله [من البسيط] :

٧٢٣ ـ أيّان نؤمنك تأمن غيرنا وإذا

لم تدرك الأمن منّا لم تزل حذرا (٢)

وأين وأنّى وحيثما ، وهي موضوعة للمكان ، ثمّ ضمّنت معنى الشرط ، نحو : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) [النساء / ٧٨] وقوله [من الطويل] :

٧٢٤ ـ خليلّي أنّي تأتياني تأتيا

أخا غير ما يرضيكما لا يحاول (٣)

وقوله [من الخفيف] :

٧٢٥ ـ حيثما تستقم يقدّر لك الله

نجاحا في غابر الأزمان (٤)

«ومهما» وهي بسيطة لا مركّبة من مه وما الشرطية خلافا للأخفش ، ولا من ما الشرطيّة وما الزائدة ، ثمّ أبدلت الها من الألف الأولى دفعا للتكرار خلافا للخليل ، و

__________________

(١) صدره «أنا ابن جلاو طلاع الثنايا» ، لسحيم بن وثيل الرياحي. اللغة : جلا : أصله فعل ماض ، فسمّي به كما سمّي بيزيد ويشكر ويقم ، فهو الآن علم ، وقيل : هو باق على فعليته. قال سيبويه : جلا فعل ماض ، كأنّه بمعنى جلا الأمور أي أوضحها وكشفها. لسان العرب ١ / ٦٤٧. طلّاع : مبالغة لطالع ، الثنايا : جمع ثنية ، وهي الطريق في الجبل.

(٢) لم ينسب إلى قائل معين. اللغة : نومك : نعطك الأمان. حذرا : خائفا.

(٣) لم يعين قائله.

(٤) البيت مجهول القائل. اللغة : تستقم : تعتدل ، وتأخذ في الطريق السوي ، الغابر : الباقي.

٦٧٦

على القول بالبساطة ينبغي أن يكتب بالياء كحبلي ، وعلى القولين الأخرين ينبغي أن يكتب بالألف. وهي موضوعة لغير العاقل كما في نحو قوله [من الطويل] :

٧٢٦ ـ ومهما تكن عند امرئ من خليقة

وإن خالها تخفى على الناس تعلم (١)

فعلم أنّ هذه الأدوات بالنظر لموضوعها ستّة أنواع : ما وضع لمجرّد التعليق ، وهي إن وإذا وما ، وما وضع للعاقل وهو من ، وما وضع لغير العاقل ، وهو ما ومهما ، وما وضع للزمان ، وهو متى وأيّان ، وما وضع للمكان ، وهو أين وأنّى وحيثما ، وما هو بحسب ما يضاف إليه وهو أيّ.

«فالأوّلان» وهما إن وإذما «حرفان والبواقي أسماء على الأشهر» أي أشهر الأقوال من أنّ الأولين حرفان ، والبواقي أسماء ، أمّا القول بحرفيّة إن فمجمع عليه ، وأمّا إذا فقال سيبويه : إنّها حرف بمترلة إن الشرطيّة ، فإذا قلت : إذ ما تقم أقم ، فمعناه إن تقم أقم. وقال المبرّد وابن السرّاج والفارسيّ : إنّها اسم ظرف زمان ، وأصلها إذ الّتي هي ظرف لما مضي ، فزيد عليها ما وجوبا في الشرط ، فجزم بها ، واحتجّوا بأنّها قبل دخول ما كانت اسما ، والأصل عدم التغيير ، وأجيب بأنّ التغيير قد تحقّق بدليل أنّها كانت للماضي فصارت للمستقبل فدلّ على أنّه نزع منها ذلك المعنى ألبتّة.

واعترض عليه بأنّه لا يلزم من تغيير زمانها تغيير ذاتها كالمضارع ، فإنّه موضوع لأحد الزمانين الحال والاستقبال ، وإذا دخل عليه لم ينقلب زمانه إلى المضي مع بقاء ذاته على أصلها ، قال في الهمع ، واستدلّ سيبويه بأنّها لمّا ركّبت مع ما ، صارت معها كالشيء الواحد ، فيبطل دلالتها على معناه الأوّل بالتركيب ، وصارت حرفا ، قال : ونظير ذلك أنّهم لمّا ركّبوا حبّ مع ذا ، فقالوا : حبّذا ، بطل معنى حبّ من الفعلية ، وصارت مع ذا جزء الكلمة ، وصارت حبّذا كلّها اسما بالتركيب ، وخرجت عن أصل وضعها بالكليّة.

وأمّا البواقي غير مهما فالقول باسميّتها مجمع عليه. وأمّا مهما فقال الجمهور : إنّها اسم ، والدليل عليه قوله تعالى : (مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها) [الأعراف / ١٣٢] ، فعاد الضمير المجرور به عليها ، ولا يعود الضمير إلا على الاسم. وزعم السهيليّ وابن يسعون أنّها حرف.

تنبيهات : الأوّل : فهم من كلامه أنّ الجزم بإذ وحيث مخصوص باقتران ما بهما كما لفظ به ، وهو كذلك على الأصحّ خلافا للفرّاء في جواز الجزم بهما بدونها قياسا على أين وأخواتها ، وأمّا غيرهما فقسمان : قسم لا يلحقه ما ، وهو من وما ومهما ، وأجازه

__________________

(١) البيت لزهير بن أبي سلمي من معلقته المشهورة. اللغة : الخليقة : الخصلة والسجية ، والطبيعه ، خالها : ظنّها وحسبها.

٦٧٧

الكوفيّون في من وأنّى ، وقسم يجوز فيه الأمران ، وهو أين وأيّ ومتى وأيّان ، ومنع بعضهم في أيّان ، والصحيح الجواز.

الثاني : قال ابن مالك : قد تهمل إن حملا على لو كحديث : إن لا تراه فإنّه يراك (١) ، ومتى حملا على إذا كحديث البخاري : وإنّه متى يقوم مقامك لا يسمع الناس (٢). قال أبو حيّان : وهذا شيء غريب.

الثالث : أسقط المصنّف من الجوازم ما ذكره بعضهم ، وهو إذا وكيفما ولو ، لأنّ المشهور في إذا أنّها لا تجزم إلا في الشعر خاصّة كقوله [من الكامل] :

٧٢٧ ـ ...

وإذا تصبك خصاصة فتجمّل (٣)

وفي كيفما عدم الجزم بها لعدم السماع بذلك ، وأجاز الكوفيّون الجزم بها مطلقا قياسا على غيرها ، وخصّه قوم بحالة اقترانها بما ، وأمّا لو فالأصحّ أنّها لا تجزم أصلا ، ومن أجازه خصّه بالشعر كقوله [من الرمل] :

٧٢٨ ـ لو يشأ طار به ذو ميعة

 ... (٤)

وقوله [من البسيط] :

٧٢٩ ـ تامت فؤادك لو يحزنك ما صنعت

إحدى نساء بني ذهل بن شيبانا (٥)

«و» هذه الأدوات «كلّ منها يقتضي» فعلين ، يسمّى أولهما «شرطا» وهو لغة العلّامة ، سمّي به الفعل الأوّل لكونه علامة على ترتّب الثاني عليه ، ويسمّى الثاني «جزاء» وجوابا. قال أبو حيّان : والتسمية بالجزاء والجواب مجاز ، ووجهه أنّه شابه الجزاء من حيث كونه فعلا مترتّبا على فعل آخر ، فاشبه حقيقة الجزاء الّذي هو الفعل المترتّب على فعل آخر ثوابا عليه أو عقابا ، وشابه الجواب من حيث كونه لازما عن القول الأوّل ، فصار كالجواب الآتي بعد كلام السائل ، انتهى.

تنبيه : ما ذكره من أنّ هذه الأدوات جازمة للشرط والجزاء معا هو مذهب المحقّقين من البصريّين ، وعزاه السيرافيّ لسيبويه ، واختاره الجزوليّ وابن عصفور والأبذيّ. واعترض بأنّ الجازم كالجارّ ، فلا يعمل في شيئين ، وبأنّه ليس لنا ما يتعدّد عمله إلا ويختلف كرفع ونصب ، وأجيب بالفرق بأنّ الجازم لمّا كان لتعليق حكم على آخر ، عمل

__________________

(١) صحيح مسلم ١ / ٥٤ ، رقم ٥.

(٢) النسائي ، ٢١٢ ، رقم ٨٢٩.

(٣) صدره «واستغن ما أغناك ربك بالغنا» ، وهو نسب لعبد قيس بن خفاف ولحارثة بن بدر. اللغة : الخصاصة : الفقر وسوء الحال.

(٤) تمامه «لا حق الآطال نهد ذو خصل» ، نسب هذا البيت لعلقمة الفحل ولامرأة من بني الحارث. اللغة : الميعة : النشاط. لاحق الأطال : ضامر الجنبين. النهد : الكريم ، الخصل : جمع الخصلة : الشعر المجتمع.

(٥) هو للقيط بن زرارة. اللغة : تامت : تيّمت. وهو ذهاب العقل من الهوي.

٦٧٨

فيهما بخلاف الجارّ ، وبأنّ تعدّد العمل قد عهد من غير اختلاف كمفعولي ظنّ ومفاعيل أعلم.

وقيل : الشرط مجزوم بالأداة ، والجزاء مجزوم بالشرط ، كما أنّ المبتدأ مرفوع ، بالابتداء ، والخبر مرفوع بالمبتدإ ، قاله الأخفش ، واختاره ابن مالك ، لأنّ الشرط مستدع للجزاء بما أحدثت فيه الأداة من المعنى والاستلزام ، وردّ بأنّ النوع لا يعمل في نفسه ، إذ ليس أحدهما أولى من الآخر ، وإنّما يعمل بمزيّة ، وهو أن يضمّن العامل من غير النوع أو شبهه كعمل الأسماء في الأسماء. وقيل : الشرط والجزاء تجازما كما قال الكوفيّون في المبتدإ والخبر : إنّهما ترافعا : نقله ابن جنيّ عن الأخفش ، وفيه أقوال آخر ، لا نطول بذكرها ، فإنّه خلاف لا ثمرة له ، ولا يترتّب عليه حكم نطقيّ.

وقوله : «ماضيين أو مضارعين» حالان من الشرط والجزاء ، كان ينبغي أن يقول أو «مختلفين» ، فإن كانا ماضيين فالجزم لمحلّهما ، نحو : (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا) [الأسراء / ١٧] ، وإن كانا مضارعين ، أو كان الأوّل فقط مضارعا والثاني ماضيا فالجزم واجب للفظ المضارع ، فمثال كونهما مضارعين قوله تعالى : (وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ) [الانفال / ١٩] ، (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) [الطلاق / ٢] ، وأمّا قوله [من الرجز] :

٧٣٠ ـ يا أقرع بن حابس يا أقرع

إنّك إن يصرع أخوك تصرع (١)

فضرورة على الأصحّ ، واختلف في تخريج مثل ذلك فقال المبرّد : إنّه على حذف الفاء مطلقا. وفصّل سيبويه بين أن يكون قبله ما يطلبه ، نحو : إنّك في البيت ، فالأولى أن يكون على التقديم والتأخير ، وبين أن لا يكون ، فالأولى أن يكون على حذف الفاء ، وجوّز العكس. وقيل : إن كانت الأداة اسم شرط فعلى إضمار الفاء ، وإلا فعلى التقديم والتأخير ، وردّ كلّ ذلك بأنّ إضمار الفاء مع غير القول مختصّ بالضرورة ، وإنّ التقديم والتأخير يحوج إلى جواب ، ودعوي حذفه وجعل المذكور دليله خلاف الأصل ، وخلاف فرض المسألة ، لأنّ الفرض أنّه الجواب.

ومثال كون الأوّل فقط مضارعا والثاني ماضيا قوله (ع) : من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له (٢). وهذا النوع خصّه سيبويه والجمهور بالضرورة. قالوا : لأنّا إذا أعملنا الأداة في لفظ الشرط ثمّ جئنا بالجواب ماضيا ، كنّا قد هيّأنا العامل للعمل ، ثمّ قطعناه عنه وهو غير جائز ، وأجازه الفرّاء في الاختيار ، وتبعه ابن مالك ، وردّ على

__________________

(١) هو لعمرو خثارم البجلي. اللغة : يصرع : مجهول من الصرع بمعنى الطرح على الأرض ، وهنا كناية عن الهلاك.

(٢) تمام الحديث : ما تقدّم من ذنبه ، صحيح بخاري ١ / ٨١ ، رقم ٨١.

٦٧٩

الجمهور محتجّا بالحديث ، وبقوله تعالى : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) [الشعراء / ٤] ، فإنّ قوله : (فَظَلَّتْ) ماض ، وهو معطوف على الجواب ، وهو (نُنَزِّلْ ،) فيكون جوابا ، وأجيب عن الحديث بأنّه تجوّز روايته بالمعنى ، فليس نصّا في الدليل ، وعن الآية بأنّه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع.

وإن كان الفعل الثاني وحده مضارعا والأول ماضيا ، «فالوجهان» جائزان : الجزم والرفع ، فالجزم لتعلّقه بالجازم ، وهو أداة الشرط ، كقوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) [الشوري / ٢٠] ، والرفع لضعف التعلّق لحيلولة الماضي والفصل بغير المعمول ، نحو قوله [من البسيط] :

٧٣١ ـ وإن أتاه خليل يوم مسألة

يقول لا غائب مإلى ولا حرم (١)

والجزم هو الفصيح المختار ، والرفع كثير ، وقال بعضهم : إنّه أحسن من الجزم ، وقيل : ليس المرفوع هو الجواب ، وإنّما هو دليله ، وهو مؤخّر من تقديم ، والجواب محذوف ، والأصل في قولك : إن قام زيد أقوم ، أقوم إن قام زيد أقم ، وهو مذهب سيبويه ، وقيل : هو الجواب ، لكن على إضمار الفاء ، والتقدير فأنا أقوم ، وهو مذهب الكوفيّين ، فعلى قول سيبويه لا محلّ له ، لأنّه مستأنف ، وعلى قول الكوفيّين محلّه الجزم ، ويظهر أثر ذلك في التابع ، فتقول على الأوّل : إن قام زيد أقوم ويقعد أخوك بالرفع لا غير ، وعلى الثاني يقعد أخواك بالرفع عطفا على لفظ الفعل ، وبالجزم عطفا على محلّ الفاء المقدّرة وما بعدها.

تنبيه : حكم المضارع بلم إذا كان شرطا حكم الماضي ، لأنّ مجزوم لم لا عمل للأداة فيه ، فهو كالماضي ، فتقول : إن لم تقم أقم وأقوم بالوجهين.

اقتران الجواب بالفاء : «وكلّ جزاء» يمتنع جعله شرطا فالفاء لازمة له ليحصل الربط بين الجزاء وشرطه ، وخصّت الفاء بذلك لما فيها من معنى السببيّة ، قيل : ولمناسبتها للجزاء معنى من حيث إنّ معناها التعقيب من غير فصل ، كما أنّ الجزاء يتعقّب على الشرط كذلك.

وهذا ضابط حسن في ضبط ما يدخله الفاء ، وقد سبق إليه ابن مالك. قال أبو حيّان : وهو أحسن وأقرب ممّا ذهب إليه بعض أصحابنا من تعداد ما يدخله الفاء ، وهو ستّة ، ذكر المصنّف منها أربعة ، فقال : «كأن يكون» أي الجزاء «جملة اسميّة» أي

__________________

(١) هو لزهير بن أبي سلمى. اللغة : خليل : فقير محتاج ، مأخوذ من الخلة ، وهي الفقر والحاجة ، المسغبة : جوع. ويروى يوم مسالة بمعنى طلب العطاء ، حرم : ممنوع.

٦٨٠