الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

السيد علي خان المدني الشيرازي

الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

المؤلف:

السيد علي خان المدني الشيرازي


المحقق: الدكتور السيد أبو الفضل سجادي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: روح الأمين
الطبعة: ٠
ISBN: 978-964-518-296-8
الصفحات: ٩٤٧

ويدلّ على ذلك أنّ المرفوع والمنصوب ممّا لا مدخل للجرّ فيه ، وإنّما يذهب منه التنوين لا غير ، فعلى هذا القول إذا قلت : نظرت إلى الرجل الأسمر ، أو أسمركم ، فالأسمر باق على منع صرفه وإن انجرّ ، لأنّ الشبه قائم ، وعدم الصرف الّذي هو التنوين معدوم ، وعلى القول يكون الاسم منصرفا ، لأنّه لمّا دخله الألف واللام والإضافة ، وهما خاصّة للاسم بعدا عن الأفعال ، وغلبت الاسميّة فانصرف ، انتهى.

ثمّ المعتبر في الاسم الّذي لا ينصرف من شبه الفعل أن يكون فيه فرعيّتان عن تسع ، إحداهما من جهة اللفظ ، والأخرى من جهة المعنى ، أو فرعيّة واحدة تقوم مقامهما ، كما أنّ في الفعل فرعيّتين عن الاسم ، إحداهما من جهة اللفظ ، وهي اشتقاقه من المصدر ، والأخرى من جهة المعنى ، وهي افتقاره إلى الاسم الّذي به يكون كلاما ، وحيث أشبه الاسم الفعل ، أو كان فرعا له بالاعتبار المذكور ، كان مثله في امتناع ما يمنع فيه من الجرّ والتنوين أو التنوين وحده على الخلاف.

أسباب منع الاسم من الصرف : إذا عرفت ذلك فنقول : موانع الصرف وتسمّى عللا وأسبابا بالاستقراء تسعة وهي :

١ ـ العجمة ، وهي في لسان العرب فرع العربيّة ، إذ الأصل في كلّ كلام أن لا يخالطه لسان آخر.

٢ ـ والجمع ، وهو فرع الواحد.

٣ ـ والتأنيث ، وهو فرع التذكير ، لأنّك تقول : قائم ، ثمّ تقول : قائمة.

٤ ـ والعدل ، وهو فرع المعدول عنه ، لأنّ الأصل بقاء الاسم على حالة.

٥ ـ التعريف ، وهو فرع التنكير ، لأنّك تقول : رجل ، ثمّ تقول : الرجل ، ولا يخفى أنّ المعروض لأل هو رجل المطلق ، لا رجل المجرّد عن أل ، وهو النكرة ، وكذا المعروض للتاء قائم المطلق ، لا قائم المجرّد عن التاء ، وهو المذكّر ، فالفرعيّة في التأنيث والتعريف وهميّة ، والفرعية المعتبرة في منع الصرف أعمّ من الوهميّ والحقيقية ، كذا قال بعض المحقّقين.

٦ ـ وزيادة الألف والنون ، وهي فرع المزيد عليه.

٧ ـ والتركيب وهو فرع الإفراد.

٨ ـ ووزن الفعل ، وهو فرع وزن الاسم ، لأنّ الأصل في كلّ نوع أن لا يكون فيه الوزن المختصّ بنوع آخر ، فإذا وجد فيه ذلك الوزن كان فرعا لوزنه ، والمراد

٦٢١

بقولهم : المختصّ بنوع آخر المختصّ به حقيقة أو حكما ، ووزن الفعل المبدوّ بإحدى الزوائد الأربع في حكم المختصّ ، فلا يتّجه أنّ البيان قاصر.

٩ ـ والوصف وهو فرع الموصوف ، قال الرضي كغيره.

وتسميتهم لكلّ واحد من الفروغ المذكورة مانعا وسببا وعلّة مجاز ، لأنّ كلّ واحد منها جزء العلّة لا علّة تامّة ، إذ باجتماع اثنتين منها يحصل الحكم ، فالعلّة التامّة إذن مجموع علّتين ، أو واحدة منها تقوم مقامهما ، انتهى.

قال بعض المحقّقين : وفيه أنّ إطلاق العلّة على العلّة الناقصة حقيقة ، بل التحقيق أنّها العلّة ، واطلاق العلّة على مجموع الاثنين هو التجوّز ، انتهى. قيل : ووجهه أنّ التاء في العلّة للوحدة ولا وحدة في الاثنين.

وقد جمع المصنّف هذه الموانع التسع بقوله [من الطويل] :

٦٥٢ ـ موانع صرف الاسم تسع فعجمة

وجمع وتأنيث وعدل ومعرفة

وزائدتا فعلان ثمّ تركّب

كذلك وزن الفعل والتاسع الصفة

وجمعها بعضهم أيضا ، فقال [من الطويل] :

٦٥٣ ـ إذا اثنان من تسع ألّما بلفظة

فدع صرفها وهي الزيادة والصفة

وجمع وتانيث وعدل وعجمة

وأشباه فعل ثمّ تركيب معرفة

وقال الشيخ تاج الدين ابن مكتوم (١) [من البسيط] :

٦٥٤ ـ موانع الصرف وزن الفعل يتبعه

عدل ووصف وتأنيث وتمنعه

نون تلت ألفا زيدت ومعرفة

وعجمة ثمّ تركيب وتجمعه

أي وجمعه. وقال [من الطويل] :

٦٥٥ ـ إذا رمت إحصاء الموانع للصرف

فعدل وتعريف مع الوزن والوصف

وجمع وتركيب وتأنيث صيغة

وزائدتي فعلان والعجمة الصرف

وقال أيضا [من الطويل] :

٦٥٦ ـ موانع صرف الاسم تسع فهاكها

منظمة إن كنت في العلم ترغب

من العدل والتأنيث والوصف عجمة

وزائدتي فعلان جمع مركّب

وثامنها التعريف والوزن تاسع

وزاد سواها باحث يتطلّب

وقال آخر [من الكامل] :

__________________

(١) أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن مكتوم تاج الدين أبو محمد النحويّ. ولد سنة ٦٨٢ ه‍ ، أخذ النحو عن ابن النحاس ، من تصانيفه : شرح كافية ابن الحاجب ، شرح شافيته و... توفّي سنة ٧٤٩ ه‍. بغية الوعاة ١ / ٣٢٦.

٦٢٢

٦٥٧ ـ موانع الصرف تسع كلّما اجتمعت

ثنتان منها فما للصرف تصويب

عدل ووصف وتأنيث ومعرفة

وعجمة ثمّ جمع ثمّ تركيب

والنون زائدة من قبلها ألف

ووزن فعل وهذا القول تقريب

وجمعها بعضهم في بيت واحد فقال [من البسيط] :

٦٥٨ ـ إجمع وزن عادلا أنّث بمعرفة

ركّب وزد عجمة فالوصف قد كملا

وأنشد الشيخ بهاء الدين النحاس في ذلك لنفسه [من الرجز] :

٦٥٩ ـ وزن المركّب عجمة تعريفها

عدل ووصف الجمع زد تأنيثا

وقال الآخر [من البسيط] :

٦٦٠ ـ جمع ووزن وعدل وصف معرفة

تركيب عجمة تأنيث زيادتها

وقال آخر أيضا [من الطويل] :

٦٦١ ـ زيادة وزن وصف تأنيث عجمة

وعدل وتعريف وجمع وتركيب

وقال آخر [من البسيط] :

٦٦٢ ـ موانع الصرف تأنيث وتركيب

وعجمة ثمّ عدل ثمّ تعريف

ووزن فعل ونون قبلها ألف

ومزيدتين وعدل ثمّ توصيف

تنبيه : ما صرّح به من انحصار الموانع في التسعة هو المشهور الّذي عليه الجمهور. وقيل : المانع من الصرف اثنان : الحكاية والتركيب ، أمّا الحكاية ففي وزن الفعل مع الوصف ، نحو : أعلم وأجهل أو مع العلميّة ، نحو : يزيد ويشكر ، فإنّ امتناع الصرف فيهما بطريق الحكاية الفعلية يعني كما لا يدخل عليهما الكسر والتنوين قبل نقلها من الفعلية إلى الاسميّة ، كذلك لم يدخل عليهما بعد النقل.

وأما التركيب ففي البواقي كتركيب التأنيث بالتاء الظاهرة أو المقدّرة أو بالألف ، وهو إمّا تركيب التأنيث مع العلميّة أو تركيب حرف التأنيث مع الاسم وتركيب العدل ، ووجهة أنّه بمترلة علمين تقديرا ، لأنّ الواضع قصد التسمية بعامر ، فعدل عنه خوف اللبس بالصفة إلى عمر ، وفي نحو : ثلاث فإنّه بمترلة ثلاثة ثلاثة ، وتركيب الجمع ، فإنّه بمترلة أجمعين ، وتركيب الاسمين في نحو : بعلبك ، وتركيب الألف والنون إمّا مع العلميّة أو مع الوصفيّة وتركيب العجمة ، وهي إمّا تكرّرها في العجميّ والعربيّ وتركيبها مع العلميّة.

٦٢٣

وقال بعضهم : إنّها عشرة ، والزائد شبه ألف التأنيث كأرطي (١) إذا سمّي به. وقال بعضهم : إنّها أحد عشر ، والزائد مراعاة الأصل في نحو : أحمد ، إذا نكّر بعد العلميّة ، وقال بعضهم إنّما ثلاثة عشر ، والزائد أنّ لزوم التأنيث ولزوم الجمع ، وردّ القول بأنها اثنان ما ذكره من الحكاية لا يتناول نحو : أحمر وأفكل (٢) ، لأنّهما ليسا بمنقولين من الفعل.

وما ذكره من معنى التركيب ليس بتركيب ، لأنّ التركيب المعتبر في منع الصرف تركيب الكلمتين ، وما ذكره ليس كذلك ، نعم هو صحيح في بعلبك ، لكن يبطله جعله مجرّدا لتركيب سببا لمنع الصرف ، وهو يقتضي منع صرفه في حال التنكير أيضا لوجود السبب ، وهو باطل ، وردّ باقي الأقوال بأنّ شبه الشيء منجذب إليه وداخل في عداده ، ومراعاة الأصل في نحو أحمر مندرج في الوصف ، ولزوم التأنيث داخل في التأنيث ، لأنّ لزوم التأنيث صفة له ، وصفة الشيء ملحقة بأصلها ، وكذا لزوم الجمع داخل في الجمع ، فالحقّ أنّها تسعة كما ذكره المصنّف (ره).

العجمة : «والعجمة» والمراد بها غير العربيّة ، فارسيّة كانت أو غيرها «تمنع صرف العلم العجميّ العلميّة» بإضافة العجمي إلى العلميّة ، وذلك بأن يكون قبل استعمال العرب له علما في لغة العجم بخلاف ما نقل عن لسانهم نكرة ، فلا أثر للعجمة فيها ، لأنّها عجميّة جنسيّة ، فألحقت بالأمثلة العربيّة ، وذلك كلجام وديباج ونحوهما من أسماء الأجناس ، وكذا ما كان نكرة في لسانهم ، ثمّ نقل في أوّل أحواله علما ، كما إذا سمّي بلجام لحدوث علميّة ، فإن كان فيه مع العلميّة سبب آخر غير العجمة منع الصرف كصبخة علما لمؤنّث ، وما ذكره من اشتراط العلميّة في العجميّة ، هو مذهب أبي الحسن ابن الدبّاج (٣) ، ونقل عن ظاهر مذهب سيبويه قال أبو حيّان : والجمهور على خلافه ، انتهى.

ويظهر أثر الخلاف في نحو : قالون ، فيصرف على الأوّل لأنّهم لم يستعملوه علما ، وإنّما استعملوه صفة بمعنى جيّد ، ويمنع الصرف على الثاني ، لأنّه لم يكن في كلام العرب قبل أن يسمّى به.

__________________

(١) الأرطي : شجر ينبت بالرمّل.

(٢) أفكل : الرعدة من برد أو خوف.

(٣) على بن جابر بن على الإمام أبو الحسن الدّباج كان نحويّا أدبيا فاضلا قرأ النحو على ابن خروف وتصدر لإقراء النحو والقرآن نحو خمسين سنة. ومات سنة ٦٤٦ ه‍ المصدر السابق ٢ / ١٥٣.

٦٢٤

الوجوه الّتي تعرف بها عجمة الاسم : تنبيه : قال أئمة العربية : تعرف عجمة الاسم بوجوه.

أحدها : النقل بأن ينقل ذلك بعض أئمة اللغة.

الثاني : خروجه عن أوزان الأسماء العربية ، نحو : أبريسم ، فإنّ مثل هذا الوزن مفقود في أبنية الأسماء في اللسان العربيّ.

الثالث : أن يكون أوّله نون ثمّ راء ، نحو : نرجس ، فإنّ ذلك لا يكون في كلمة عربيّة.

الرابع : أن يكون في آخره زاء ، نحو : مهندز (١) ، فإنّ ذلك لا يكون في كلمة عربيّة.

الخامس : أن يجتمع فيه الصاد والجيم ، نحو : الصولجان (٢) والجص (٣).

السادس : أن يكون فيه الجيم والقاف ، نحو المنجنيق.

السابع : أن يكون خماسيّا أو رباعيّا عاريا من حروف الذلّاقة ، وهي الياء والراء والفاء واللام والميم والنون. فإنّه متى كان عربيّا فلا بدّ أن يكون فيه شيء منها ، نحو : سفرجل وقذعمل (٤) وقرطعب (٥) وجحمرش (٦). هذا ما جمعه أبو حيّان في شرح التسهيل ، قاله في المزهر.

وإنّما تمنع العجمة صرف العجمي العلميّة «بشرط زيادته على الثلاثة ، كإبراهيم» واسماعيل وإسحق ويعقوب ، لأنّه إذا كان ثلاثيّا ضعف فيه فرعيّة اللفظ لمجيئه على أصل ما يبني عليه الآحاد العربيّة.

تنبيه : قيّد صاحب جمع الجوامع (٧) الزيادة بأن لا يكون بياء التصغير ، قال في شرحه لو كان رباعيّا ، واحد حروفه ياء التصغير ، لم يمنع الصرف إلحاقا بما قبل التصغير «ولا أثر لتحرّك الأوسط» من الثلاثيّ كشتر بفتح الشين المعجمة وفتح المثنّاة من فوق ، اسم حصن بديار بكر فهو منصرف «عند الأكثر».

قال الرضي : وهو أولى وذلك أنّ تحرّك الأوسط في المؤنّث نحو : سقر أنّما أثر لقيامه مقام السادّ مسدّ علامة التأنيث ، وأمّا المجمعة فلا علامة لها حتى يسدّ شيء مسدّها ، بل الأعجميّ بمجرّد كونه ثلاثيّا سكن وسطه ، أو تحرّك ، يشابه كلام العرب ، و

__________________

(١) المهندز : الّذي يقدّر مجاري القني والأبنية إلا أنّهم صيروا الزاي سينا ، فقالوا مهندس ، لأنه ليس في كلام العرب زاي قبلها دال. لسان العرب ٤ / ٤١٧١.

(٢) الصّولج والصّولجان والصّلجانة : العود المعوج. والجمع صوالجة.

(٣) الجصّ : الّذي يطلي به.

(٤) القذعمل : القصير الضخم من الإبل.

(٥) قرطعب : ما عليه قرطعبة أي قطعة خرقة.

(٦) الجحمرش : العجوز الكبيرة الغليظة.

(٧) جمع الجوامع في النحو لجلال الدين عبد الرحمن ابي بكر السيوطي المتوفى سنة ٩١١. كشف الظنون ١ / ٥٩٨.

٦٢٥

يصير كأنّه خارج عن وضع كلام العجم ، لأنّ أكثر كلامهم على الطول ، ولا يراعون الأوزان الخفيفة بخلاف كلام العرب ، انتهى.

وذهب قوم منهم ابن الحاجب إلى اعتبار تحرّك الأوسط من الثلاثيّ في تحتّم منع صرفه بخلاف ساكنه فيتحتّم صرفه ، قال المراديّ : ونقل عن عيسى بن عمر وتبعه ابن قتيبة والجرجانيّ جواز المنع والصرف في الساكن الوسط. قلت : وبه قال الزمخشريّ أيضا ، ويتحصل في الثلاثي أقوال :

إحداها : تحتّم الصرف مطلقا. الثاني : تحتّم المنع في محرك الوسط ككمك اسم أبي نوح (ع) ، وتحتّم الصرف في ساكنه. الثالث : منع صرف المتحرّك الوسط ، والوجهان في ساكنه.

تنبيهات : الأوّل : قالوا : إنّ جميع أسماء الانبياء لا ينصرف إلا محمدا (ص) وصالحا وشعيبا وهودا لعربيّتها ، ونوحا ولوطا لانتفاء شرط العجمة ، وقيل : هو كنوح حيث قرنه سيبويه معه (١) ، ويؤيّده تقدّمه على إسماعيل ، وإنّه لا عرب قبل هذا ، وفيه أنّ شيثا وعزيرا منصرفان أيضا ، قاله بعض المحقّقين.

وفي البحر للرزكشي (٢) قد روى عن ابن عباس : إنّ أوّل من تكلّم بالعربية المحضة إسماعيل ، وأراد به عربية قريش الّتي نزل بها القرآن ، وأمّا عربية قحطان وحمير فكانت قبل اسماعيل. انتهى.

وفي الكشاف إنّ من لم ينوّن عزيز جعله غير منصرف للعلميّة والعجمة ، ومن صرفه جعله عربيّا ، وفي القاموس عزير منصرف لخفّته.

وذكر بعضهم أنّ أسماء الملائكة ممتنعة من الصرف إلا أربعة ، منكر ونكير ومالك ورضوان.

الثاني : لا عبرة باتّفاق الألفاظ ولا باتّفاق الأوزان ، أمّا الأوّل فإسحاق ويعقوب وموسى أسماء الأنبياء غير منصرفة ، وإسحاق مصدر أسحق الضرع ، إذا ذهب لبنه ، ويعقوب لذكر الحجل ، وموسى لما يلحق به مصروفه ، ومن قال : إنّما سمّي يعقوب ، لأنّه خرج من بطن أمّه آخذا بعقب عيص (٣) ، فهو من موافقة اللفظ ، وليس بمشتقّ ، لأنّ الاشتقاق من العربيّ يوجب الصرف.

__________________

(١) من هود حتى هنا محذوف في «ح».

(٢) الرزكشي (بدر الدين) (ت ٧٤٩ ه‍ / ١٣٩٢ م) فقيه شافعيّ مصريّ ، من آثاره «لقطه العجلان» و «البحر المحيط» في الأصول و «الديباج في توضيح المنهاج» المنجد في الأعلام ، ص ٣٧٨.

(٣) العيص قد جاء في إعراب المحيط : و [يعقوب] عربي ، وهو ذكر القبج (الحجل) ، وهو مصروف ، ولو سمي بهذا لكان مصروفا. ومن زعم أن يعقوب النبي أنّما سمّي يعقوب لأنّه هو وأخوه العيص توأمان ، فخرج العيص أولا ثمّ خرج هو يعقبه ، أو سمّي بذلك لكثرة عقبه ، فقوله فاسد ، إذ لو كان كذلك لكان له اشتقاق ــ عربي ، فكان يكون مصروفا. (اعراب المحيط سورة بقرة). وجاء في معجم البلدان : وقال ابن الكلبي : ولد لإسحاق بن إبراهيم الخليل (ع) ، يعقوب ، وهو إسرائيل (ع) ، والعيص ، وهو عيصو وهو أكبرهم ، وقد ولدا توأمين وإنّما سمّي يعقوب لأنّه خرج من بطن أمّه آخذا بعقب العيص ، وقال آخرون : سمّي يعقوب لأنّه هو والعيص وقت الولادة تخاصما في الولادة فكل أراد الخروج قبل صاحبه وكان إسحاق (ع) ، حاضرا وقت الولادة فقال اعقب يا يعقوب ، وقال أهل الكتاب : إنّما سمّي عيصو بهذا الإسم لأنّه عصى في بطن أمّه وذاك أنّه غلب على الخروج قبله مثل ما ذكرناه ، وخرج يعقوب على أثره آخذا بعقبه فلذلك سمّي يعقوب ، (معجم البلدان «روم»)

٦٢٦

وكذلك إبليس لا ينصرف للمعرفة والعجمة ، ومن زعم أنّه مشتقّ من أبلس ، إذا يئس (١) ، فقد غلط ، لأنّ الاشتقاق من العربيّ ، يوجب الصرف ، وإنّما هو من اتّفاق اللفظ ، وأما الثاني فإنّ جالوت وطالوت وقارون غير منصرف ، وجاموس وطاوس وراقود مصروفة ، لكونها نكرات ، ولا عبرة باتّفاق الوزن ، قاله في البسيط.

الجمع : «والجمع يمنع صرف وزن مفاعل ومفاعيل» في كون أوله حرفا مفتوحا ، وثالثة ألف وبعد الألف حرفان ، أولهما مكسور تحقيقا كما سيأتي ، أو تقديرا كدوابّ ، أو ثلاثة أوسطها ساكن ، فالمراد بالوزن الوزن العروضيّ الحاصل بمجرّد مقابله المتحرّك (٢) بالمتحرّك ، والساكن بالساكن ، دون التصريفيّ المعتبر فيه مقابلة الأصليّ بالأصليّ والزائد بالزائد ، ليشمل فعالل وفعاليل وفوعل وفواعيل وأفاعل وأفاعيل إلى غير ذلك ، ولو أريد التصريفيّ ، لخرجت جميع موزونات هذه الموازين. وقول بعضهم : إنّ المعتبر عندهم الوزن الصرفيّ دون العروضيّ ، ولهذا عدّوا وزن شمر مختصّا بالفعل مع أنّه كجعفر في الوزن العروضيّ ليس بشيء ، لأنّ قرينة المقام ظاهرة في ما ذكرناه.

ولقد أحسن المصنّف (ره) في التمثيل لموزوني هذين الميزانين بقوله : «كدراهم ودنانير» فتعيّن كون المراد بالوزن العروضيّ لا غير ، ومنع هذا الجمع الصرف «بالنيابة عن علّتين» على الأشهر ، لكونه لا نظير له في الآحاد كما سيأتي. وقيل : لكونه نهاية جمع التكسير ، أي يجمع الجمع إلى أن ينتهي إلى هذا الوزن ، فيرتدع ، فترل كونه على صيغه منتهي الجموع مترلة جمع ثان.

وقال الجزوليّ : فيه الجمع وعدم النظير ، وقيل : لمّا لم يكن له نظير في الآحاد أشبه الأعجميّ ، ففيه الجمع وشبه العجمة ، ويقال لهذا الجمع : الجمع المتناهي والجمع الأقصي لما عرفت ، والجمع الّذي لا نظير له في الآحاد ، أي لا مفرد عربيّا على وزنه ، أما نحو : ثماني ورباعي للّذي ألقي رباعيته ، وهو السّنّ الّذي بين الناب والثّنيّة فشاذّ.

__________________

(١) في سائر النسخ «إذا باس».

(٢) من ساكن حتى هنا سقط في «ح».

٦٢٧

وأمّا نحو : الترامي والتغازي فالأصل فيه ضمّ ما قبل الآخر لكنّه كسر لأجل الياء ، وأمّا نحو : هوازن لقبيلة من قيس وشراحيل علم لشخص فمنقولان عن الجمع ، وأمّا نحو : يمانيّ وشاميّ في المنسوب إلى اليمن والشام فالألف فيهما عوض من إحدى يائي النسبة والألف الّتي هي بدل من الأخرى ، وياء النسبة عارضة لا اعتداد بها في الوزن ، وقال سيبويه : منهم من يقول : يمانيّ وشاميّ بتشديد الياء ، وهو قليل.

«وألحق به» أي بهذا الجمع في منع الصرف «حضاجر» للضبع ، وهي الأنثى كعلمية أسامة للأسد ، ويسمّى الذكر ضبعان «للأصل» أي لكونه في الأصل جمعا لحضجر كقمطر (١) ، ثمّ نقل منه إلى العلميّة ، فعلم بذلك أنّ المعتبر في منع الجمع المذكور أن يكون موضوعا في الأصل للجمع ، كما أنّ المعتبر في الوصف كونه كذلك في الأصل ، فلا يضرّ زوال الجمع بالعلميّة ، لأنّه عارض ، كما لا تضرّ غلبة الاسميّة في الوصف الأصليّ لعروضها ، إذ الاصل لا يتعدّ بالعارض. وما ألطف ما أنشده الشيخ أبو حيّان لنفسه [من السريع] :

٦٦٣ ـ راض حبيبي عارض قد بدا

يا حسنه من عارض رائض

فظنّ قوم أنّ قلبي سلا

والأصل لا يعتدّ بالعارض

تنبيه : قال في الهمع : ولو سمّيت بهذا الجمع كمساجد ، فلا خالف في منع صرفه ، فقد منعت العرب شراحيل من الصرف ، وهو جمع سمّي به الرجل ، انتهى.

وفي دعوى عدم الخلاف نظر ، فقد قال الرضيّ : وهو العمدة فيما ينقل ، وكان سعيد الأخفش يصرف نحو : مساجد علما لزوال السبب ، وهو الجمع ، وهو خلاف المستعمل ، انتهى.

ولعلّه لم يتعدّ الخلاف فعدّه كالعدم ، وألحق به سراويل على الأشهر مع أنّه مفرد للشبه عند سيبويه وأبي على ، قالا : إنّه اسم عجميّ معرّب ، لكنّه أشبه من كلامهم ما لا ينصرف قطعا كقناديل ، فحمل ما يناسبه فمنع الصرف ، قال الشاعر [من الطويل] :

٦٦٤ ـ ...

فتي فارسيّ في سراويل رامح (٢)

فعلى هذا ليس فيه من الأسباب شيء ، لأنّ العجمة شرطها العلميّة ، والتأنيث المعنويّ مشروط بها أيضا.

__________________

(١) القمطر : الجمل القوي السريع ، وقيل : الجمل الضخم القويّ.

(٢) صدره «أتى دونها الرّياد كأنّه» ، وهو لتميم بن مقبل. اللغة : الذب : الثور الوحشي ، ويقال له ذبّ الرّياد لأنّه يرود : أي يذهب ويجئ ولا يثبت في موضع.

٦٢٨

وأمّا صيغة الجمع فليست سببا ، بل هي شرط للجمعية ، فيلزم المنع بمجرّد موازنة غير المنصرف فقط ، وهو مشكل ، وذهب المبرّد إلى أنّه منقول عن جمع سراوله ، سمّي به المفرد الجنسيّ. قال في التصريح : واختلف في سماع سروالة ، فقال أبو العباس : إنّها مسموعة وأنشد [من المتقارب] :

٦٦٥ ـ عليه من اللّوم سروالة

فليس يرقّ لمستعطف (١)

وقيل : لم يسمع ، والبيت مصنوع ، فلا حجّة فيه ، والصحيح ما قاله أبو العباس ، فقد ذكر الأخفش أنّه سمع من العرب سروالة. وقال أبو حاتم : من العرب من يقول : سروال ، وقيل : سراويل جمع سراول كشماليل جمع شملال (٢) ، حكاه الحريرى في المقامات ، ونقل ابن الحاجب أنّ من العرب من يصرفه ، وأنكر ابن مالك ذلك عليه ، قلت : ونقل ذلك ابن الحاجب أبو الحسن الأخفش ، وردّ إنكار ابن مالك بأنّ من ينقل حجّة على من لم ينقل.

التأنيث : «والتأنيث إن كان بألفي حبلي وحمراء» أي المقصورة والممدودة ، وإنّما اضافهما إلى حبلي وحمراء للاختصار مع الفائدة للاستغناء عن التمثيل لهما على أنّه قد استشكل القول بأنّ التأنيث في مثل حمراء بألف ممدودة بأنّ علامة التأنيث الهمزة ، لأنّها منقلبة عن ألف التأنيث ، وليست ممدودة ، والألف الممدودة قبلها زائدة ، وليست للتأنيث ، وأجيب بأنّ المراد بالألف الممدودة هو الهمزة ، سمّيت بذلك لأنّها الممدودة بها ، ففيه حذف وإيصال ، ولا نزاع في صحّة إطلاق الألف على الهمزة ، لأنّ الألف إمّا اسم للأعمّ أو للمتحرّك فقط واسم الساكن لا ، فلا حاجة في إطلاق الألف على الممدود إلى القول بأنّها في الأصل ألف ، انتهى.

قال بعض المتأخّرين : ولك أن تقول : سمّيت الهمزة في ذلك بالممدودة لعلاقة المجاورة «ناب عن علتين» للزوم ألفة الكلمة وبناء الكلمة عليهما بخلافه بالتاء ، فترل لزومهما مترلة تأنيث ثان.

تنبيهات : الأوّل : توهّم بعضهم من قولهم : ألفا حبلى وحمراء أنّ المانع الصفة وألف التانيث ، وهو غلط صريح ، بل المانع التأنيث بهما فقط ، كما صرّح به المصنّف ، سواء كان مصحوبهما نكرة كذكرى وصحراء ، أم معرفة كرضوى وزكريا ، أم مفردا كما

__________________

(١) البيت بلا نسبة. اللغة : السروالة : لباس يغطّي السّرة والركبتين وما بينهما.

(٢) الشملال : السريع الخفيف.

٦٢٩

تقدّم ، أم جمعا كجرحي وأصدقاء ، أو اسما كما مرّ ، أم صفة كحبلى وحمراء لا خلاف في شيء من ذلك.

الثاني : تحمل ألف الإلحاق المقصورة على ألف التانيث المقصورة ، فيمتنع بشرط العلميّة لشبهها بها من جهة أنّها زائدة ، ليست بدلا من حرف ، ولا تكون إلا في مثال يصلح لألف التأنيث كارطى ، فإنّه على مثال سكرى ، وأمّا ألف الإلحاق الممدودة فلا يشبه ألف التأنيث ، لأنّ الهمزة مبدلة من حرف بخلاف ألف التانيث ، فإنّها غير مبدلة من شيء ، والمثال الّذي يقع فيه الممدودة كعلياء لا يصلح لألف التأنيث الممدودة.

قال السيوطيّ في شرح ألفية : وفي الهمع معنى الإلحاق أن تبنى مثلا من الثلاثيّ كلمة على بناء يكون رباعيّ الأصول ، فيجعل كلّ حرف مقابل حرف ، فتغني أصول الثلاثيّ ، فتأتي بحرف زائد مقابل للحرف الرابع من البناء الرباعيّ الأصول ، فيسمّى ذلك الحرف حرف الإلحاق ، انتهى.

قال أبو حيّان : وما فيه ألف التكثير أيضا إذا سمّي به امتنع كقبعثرى (١) لشبهها بألف التأنيث المقصورة ، من حيث إنّها زائدة في الآخر لم تنقلب ، ولا تدخل عليها تاء تانيث ، كما أنّ ألف التأنيث كذلك ، ولم تجعل ألف قبعثرى للإلحاق ، لأنّه لا سداسيّ في الاسم أصليّا ، حتى تلحق به ، ووهم الجوهريّ في جعل ألفها للإلحاق.

«وإلا» يكن التأنيث بألفي حبلى وحمراء ، بل كان بغيرهما «منع» أي التانيث «صرف العلم حتما» أي وجوبا «إن كان» أي العلم مؤنثا «بالتاء» ، سواء كان علما مذكّرا «كطلحة» أو مؤنثا كفاطمة. وإنّما لم يصرفوه لوجود العلميّة في معناه ولزوم علامة التأنيث في لفظه ، وهي ملازمة له ، ومن ثمّ لم تؤثّر في الصفة ، نحو : قائمة ، لأنّها في حكم الانفصال ، فإنّها تارة تجرّد منها ، وتارة تقترن بها.

«أو» كان العلم «زائدا على الثلاثة» ولم يكن بالتاء «كزينب» وسعاد تتريلا للحرف الرابع مترلة تاء التأنيث «أو» كان ثلاثيّا «متحرّك الوسط» لفظا «كسقر» اسم لجهنم ـ أعاذنا الله تعالى منها ـ تتريلا للحركة مترلة الزائد ، خلافا لابن الأنباريّ حيث جعله ذا وجهين كهند ، وأمّا متحرّك الوسط تقديرا كدار علم امرأة فيلتحق بباب هند ، وإنّما قلنا : يتحرّك وسطه تقديرا ، لأنّ أصلها دور بالفتح ، فقلبت الواو ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها.

«أو» كان ثلاثيا «أعجميّا كجور» بضم الجيم ، اسم بلد من بلاد العجم ، لأنّ العجمة لمّا انضمّت إلى التأنيث والعلميّة تحتّم المنع ، وإن كانت العجمة لا تمنع صرف

__________________

(١) القبعثرى : الجمل العظيم ، أو الفصيل المهزول.

٦٣٠

الثلاثيّ كما مرّ ، لأنّها لم تؤثّر هنا منع الصرف ، وإنّما أثّرت تحتّمه ، وقيل هو ذو وجهين كهند.

«فلا يتحتّم» أي لا يجب «منع صرفه» نحو «هند» من الثلاثيّ الساكن الوسط لعدم الشروط المذكور ، بل يجوز المنع وعدمه ، فالمنع نظرا لوجود العلّتين ، والصرف نظرا إلى خفّة الوسط بالسكون ، وإنّها قد قاومت أحد السببين «خلافا للزجاج» في إيجابه المنع ، وعلّله بأن السكون لا يغيّر حكما أوجبه اجتماع علّتين يمنعان الصرف.

والجمهور على أنّ المنع أجود تحاشيا عن إلغاء العلّتين. قال ابن جني : وهو القياس ، والأكثر في كلامهم ، وقال شيخه الفارسيّ : الصرف أجود ، قال الخضراويّ : لا أعلم أحدا قال هذا القول قبله ، وهو غلط ، انتهى.

قلت : ولا قال به أحد بعده ، وقد اجتمع الوجهان في قوله [من المنسرح] :

٦٦٦ ـ لم تتلفّع بفضل مئزرها

دعد ولم تغذ دعد في العلب (١)

تنبيهات : الأوّل : الجمهور على تحتّم منع الثلاثيّ المنقول من المذكّر إلى المؤنّث كزيد اسم امرأة ، لأنّه بنقله إلى المؤنّث ، حصل له ثقل ما دلّ خفّة اللفظ ، وهو مذهب سيبويه. وقال عيسى والجرميّ والمبرّد : إنّه كهند ، ولعلّه اختيار المصنّف ، حيث لم يذكره.

الثاني : صرف أسماء القبائل والأرضين والكلم ومنعها مبنيّان على المعنى ، فإن كان اسم أب كمعد وتميم أو اسم حيّ كقريش وثقيف أو اسم مكان كبدر ثبير (٢) أو اسم لفظ ، نحو كتب زيد ، فأجاده صرف إلا إن كان فيه مانع آخر ، فيمنع كتغلب مرادا به الحيّ أو القبيلة للعلميّة والوزن ، فإن كان اسم أمّ كباهلة وسدوس وسلول ، أو اسم قبيلة كمجوس ويهود ، أو بقعة كفارس وعمان بتخفيف ميمها ، أو اسم كلمة نحو : كتب زيد فأجادها ، منع الصرف. والأسماء والأفعال والحروف تذكّر باعتبار اللفظ فتصرف ، وتؤنّث باعتبار الكلمة ، فإن انضمّ إليه سبب يوجب المنع منع ، وكذا حروف تذكّر وتؤنّث ، وزعم الفرّاء أنّ تذكيرها لا يكون إلا في الشعر ، قاله في الإرتشاف.

وأمّا أسماء السور فأقسام :

أحدها : ما فيه أل ، وحكمه الصرف كالأنعام والأعراف والأنفال.

__________________

(١) هو لجرير. اللغة : تتلفع. تتقنع ، العلب : وعاء من جلد يشرب فيه الأعراب.

(٢) ثبير : جبل بمكة.

٦٣١

الثاني : العاري منها ، فإن لم تضف إليه سورة ، منع ، كهذه هود ، وقرأت هود ، وإن أضيفت إليه سورة لفظا أو تقديرا صرف ، كقرأت سورة هود ، ما لم يكن فيه مانع يمنعه كقرأت سورة يونس.

الثالث : الجملة (قُلْ أُوحِيَ) [الجن / ١] ، و (أَتى أَمْرُ اللهِ) [النحل / ١] ، فيحكى ، فإن كان أوّلها همزة وصل قطعت ، لأنّها لا تكون في الأسماء إلا في ألفاظ معدودة تحفظ ، ولا يقاس عليها. أو في آخرها تاء التأنيث ، قلبت هاء في الوقف ، إذ هو شأن التاء الّتي في الأسماء ، وتعرب لتصير اسما ، ولا موجب للبناء ، ويمنع الصرف للعلميّة والتأنيث نحو قرأت : (اقْتَرَبَتِ) [القمر / ١] ، بفتح الباء ، وفي الوقف اقتربه.

الرابع : حرف الهجاء كصاد وقاف ونون ، فيجوز فيها الحكاية ، لأنّها حروف ، فتحكى ، كما هي ، والإعراب لجعلها أسماء لحروف الهجاء ، وعلى هذا يجوز فيها الصرف والمنع بناء على الحرف وتأنيثه ، وسواء فيه أضيف إليه سورة أم لا ، كقرأت صاد أو سورة صاد بالسكون والفتح منوّنا وغيره.

الخامس : ما وزان الأعجميّ كحاميم وطاسين وياسين ، فأوجب ابن عصفور فيه الحكاية ، لأنّها حروف مقطعة ، وجوّز الشلوبين فيه ذلك والإعراب غير منصرف لموازنته هابيل وقابيل. وقد قرئ ياسين بنصب النون ، وسواء في جواز الأمرين أضيفت إليه سورة أم لا.

السادس : المركّب نحو : طسم ، فإن لم تضف إليه سورة ففيه رأي ابن عصفور والشلوبين فيما قبله ، ورأي ثالث هو البناء للجزءين على الفتح كخمسة عشر ، وإن أضيفت إليه سورة لفظا أو تقديرا ففيه الرأيان ، ويجوز على الإعراب فتح النون وإجراء الإعراب على الميم كبعلبك ، وإجراءه على النون مضافا لما بعده ، وعلى هذا في ميم الصرف وعدمه بناء على تذكير الحرف وتأنيثه.

وأمّا (كهيعص) [مريم / ١] ، و (حم عسق) [الشوري / ١ و ٢] فلا يجوز فيها إلا الحكاية ، سواء أضيف إليها سورة أم لا ، ولا يجوز فيهما الإعراب ، لأنّه لا نظير لهما في الاسماء المعربة ، ولا تركيب المزج ، لأنّه لا يتركّب من أسماء كثيرة ، وأجاز يونس في : (كهيعص) أن يكون كلّه مفتوحا ، والصاد مضمومة ، ووجهه أنّه جعله اسما أعجميّا ، وأعربه وإن لم يكن له نظير في الاسماء المعربة ، قاله في الهمع.

العدل : «والعدل» وهو تحويل الاسم عن صيغته الأصليّة إلى أخري مع اتّحاد المعنى لا لإلحاق ولا إعلال ولا ترخيم ولا قلب ، فخرج نحو : رجل لعدم اتّحاد المعنى ونحو :

٦٣٢

كوثر لإلحاقه بجعفر ، ونحو : مقام لإعلاله ، ونحو : يا حار في يا حارث لترخيمه ، ونحو : آرام جمع ريمة ، لأنّه مقلوب عن آرام براء ساكنة تلي همزة ، فقلبت العين إلى موضع الفاء.

«يمنع صرف الصفة المعدولة عن أصلها» ، أي عن صيغتها الأصليّة الّتي يقتضي الأصل أن تكون عليها إلى صيغة أخري «كرباع ومربع» ، فإنّهما معدولان عن أربعة أربعة ، والدليل على أنّ أصلهما ذلك أنّ في معناها تكرارا دون لفظهما ، والأصل في ما إذا كان المعنى مكرّرا أن يكون اللفظ أيضا مكررا ، فعلم أنّ أصلهما لفظ مكرّر ، وهو أربعة أربعة ، وكذا الحال في أحاد وموحد ، وثناء ومثنى ، وثلاث ومثلت ، والجميع متّفق عليه ، وفيما وراءها إلى عشار ومعشر خلاف.

قال أبو حيّان : والصحيح مجئيه لسماع ذلك عن العرب ، فتقول : موحد وأحاد إلى معشر وعشار ، وحكى البناءين أبو عمرو والشيباني ، انتهى.

قال ابن هشام : ولا يعارض بقول أبي عبيدة والبخاريّ في صحيحه أنّ العرب لا تتجاوز الأربعة ، لأنّ غيرهما سمع ما لم يسمعا ، ونقل السخاويّ أنّه يعدل أيضا على فعلان بضمّ الفاء من الواحد إلى العشرة كقوله [من البسيط] :

٦٦٧ ـ ...

طاروا إليه زرافات ووحدانا (١)

ووجه اعتبار الصفة في المذكورات مع عدم اعتبارها في أصولها كونها متأصّلة فيها لكونها معتبرة في موضوعها بخلافها في تلك لعروضها في الاستعمال ، ومن ثمّ لم يستعمل إلا صفة نحو : (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) [فاطر / ١] ، أو حالا نحو : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) [النساء / ٣] ، أو خبرا نحو صلاة الليل مثنى مثنى ، والحال والخبر صفة في المعنى ومثنى الثاني في الحديث لا للتكرير.

تنبيه : ما ذكره من أنّ منع الصرف في ذلك للعدل والصفة هو مذهب سيبويه والخليل ، وهو المشهور ، وذهب ابن السراج إلى أنّ مانع الصرف فيه عدلان لفظيّ ومعنويّ ، لأنّ مثنى مثلا معدول عن لفظ اثنين وعن معناه ، أعني الاثنين مرّة واحدة إلى معنى اثنين اثنين.

وقال الكوفيّون وابن كيسان : إنّ فيه العدل والتعريف كما في عمر ، إذ لا تدخله اللام ، وإذا جرى على النكرة فمحمول على البدل. قال الرضيّ : ولا دليل على ما

__________________

(١) صدره «قوم إذا الشّر أبدي ناجذيه لهم» ، وهو للعنبري. اللغة : أبدي : أظهر ، الناجذ : الضرس (ج) نواجذ ، الزرافات : الجماعات ، الوحدان : جمع الواحد.

٦٣٣

قالوا ، ولو كان معرفة ، ولا شكّ أنّ فيه معنى الوصف يجرى على المعارف ، وكيف يكون معرفه ، وهو يقع حالا ، انتهى.

«وكأخر» بضم الهمزة وفتح الخاء «في نحو : مررت بنسوة أخر» وبرجال أخر وبامرأة أخر وبامرأتين أخر وبرجلين أخر ، «لأنّ اسم التفضيل المجرّد عن اللام والإضافة مفرد مذكر دائما» كما مرّ في بابه ، لكنّهم قالوا : أخري وأخريين وآخرين وآخرين.

قال ابن هشام في الأوضح : وإنّما خصّ النّحويّون أخر بالذكر لأنّ في أخري ألف التأنيث ، وهي أوضح من العدل ، وأمّا آخرون وآخران فمعربان بالحروف ، فلا مدخل لهما في هذا الباب ، وأمّا آخر فلا عدل فيه ، وإنّما العدل في فروعه ، وإنّما امتنع من الصرف للوصف والوزن ، انتهى.

تنبيهات : الأوّل : قال في التصريح في جعل أخر من باب التفضيل إشكال ، لأنّه لا يدلّ على المشاركة والزيادة في المغايرة ، ومن ثمّ قال الموضح في الحواشي : الصواب أنّ أخر مشابه لأفصل من ثلاث جهات : إحداها : الوصف ، والثانية : الزيادة ، والثالثة أنّه لا يتقوّم معناه إلا باثنين مغاير ، كما أنّ أفضل إنّما يتقوّم معناه باثنين مفضّل ومفضّل عليه ، فلمّا أشبهه من هذه الجهات استحقّ أحكامه في جميع تصاريفه.

وعلى هذا فكان ينبغي أن لا تستعمل تصاريفه مع التنكير ، بل مع أل والإضافة لمعرفة ، فلمّا خولف بها عن ذلك كان ذلك عدلا عمّا استحقّه بمقتضي المشابهة ، فعلى هذا إذا قيل : مررت بنسوة أخر ، كان معدولا عن آخر بالفتح والمدّ ، ولا تقول عن الاخر ، لأنّه نكرة لجرى ه على نكرة معنا ، ولا عن آخر لما بينّا من انتفاء حقيقة التفضيل من هذه الكلمة ، وكثير غلط في المسألة ، انتهى.

الثاني : إذا كان أخري بمعنى آخرة بكسر الخاء مقابله الأولى جمعت على أخر مصروفا ، لأنّه غير معدول ، لأنّ مذكّرها آخر بالكسر ، فليست من باب اسم التفضيل.

«ويقدّر العدل فيما» ، أي في اسم «سمع غير منصرف وليس فيه» من أسباب منع الصرف علّة ظاهرة «سوى العلميّة كزحل وعمر بتقدير زاحل وعامر» فهما معدولان عنهما ، لا لقياس دلّ على ذلك ، بل لمّا رأوهما ممنوعين من الصرف ، وليس فيهما بحسب الظاهر إلا سبب واحد وهو العلميّة ، ولا يستقلّ بالمنع اجماعا ، احتى ج إلى تقدير سبب آخر ، ولم يمكنهم غير العدل ، فقدّروه ، كيلا تنخرم القاعدة المعلومة بالاستقراء من كلامهم ، فما سمع منصرفا ، فليس بمعدول نحو : لبد (١) ، أو سمع غير منصرف ، وفيه مع

__________________

(١) لبد : اسم آخر نسور لقمان بن عاد سمّاه بذلك لأنه لبد فبقي لا يذهب ولا يموت كاللبد من الرجال اللازم لرحله لا يفارقه ، ولبد ينصرف لأنّه ليس بمعدول. لسان العرب ٤ / ٣٥٢٨.

٦٣٤

العلميّة مانع آخر ، فكذلك نحو : طوى (١) ، ممن منعه ، فإنّ فيه مع العلميّة التأنيث المعنويّ باعتبار البقعة ، فلا وجه لتكلّف العدل.

تنبيه : قال بعض المتأخّرين : ما اشتهر من عدم إمكان غير العدل في نحو عمر ممنوع ، بل ثمّ شيء يمكن تقديره مع وجود أصل مقيس عليه في الباب ، وهو لزوم العلميّة ، فإنّ نحو عمر وزفر من الأعلام الّتي على فعل لازم للعلميّة لا يجوز تجرى ده عنها ، فلذلك لا يثنّى ولا يجمع ، بل يقال : جاءني عمر كلاهما في التثنية. وجاءني عمر كلّهم في الجمع ، فإحدى الفرعيتين العلميّة ، والأخرى لزومها ، ونظير ذلك ألف التأنيث كما مرّ ، وإذا كان كذلك فلا حاجة إلى تقدير العدل ، انتهى.

وليس بشيء إذ لا يؤثّر منع تثنية المعدول وجمعه إلا عن المازني فقط ، ويردّه قولهم : سيرة العمرين بن الخطاب وابن عبد العزيز ، كما صرّح به بعضهم. قال [الفيروز آبادي] في القاموس : والعمران أبو بكر وعمر ، أو عمرو عمر بن عبد العزيز ، فكيف يجعل مثل هذا أصلا مقيسا عليه.

هكذا كنت رددت هذا الكلام ، ثمّ وفقت في همع الهوامع على ما نصّه : منع المازنيّ من تثنية العلم المعدول وجمعه جمع سلامة أو تكسير ، وقال ، أقول : جاءني رجلان كلاهما عمر ، ورجال كلّهم عمر. قال أبو حيّان : ولا أعلم أحدا وافقه على المنع ، ويردّه ما سمع من قول العرب العمران ، فإذا ثنّي على سبيل التغليب فمع اتّفاق اللفظ والمعنى أولى ، انتهى.

التعريف : «والتعريف» المعبّر عنه في التبيين المتقدّمين بلفظ المعرفة «شرط تأثيره في منع الصرف العلمية» أي أن يكون اسم المعرفة علما شخصيّا كما في أحد ، أو جنسيّا كما في أسامة. وإنّما جعل السبب التعريف دون العلميّة إشارة إلى أنّ المؤثّر هو التعريف ، لأنه فرع التنكير ، ووجه اشتراط العلميّة أنّ ما سواها من التعاريف إمّا أن يستلزم البناء كما في المبهمات سوى أيّ وأية ، وإمّا أن يستلزم المنافات لحكم منع الصرف كتعريف اللام والإضافة ، وإمّا أن يكون غير لازم كتعريف النداء ، فإنّه يدور مع قصد المتكلّم ، فمن قال تعريف المضمر والموصول والإشارة يستلزم البناء ، واللام والإضافة

__________________

(١) قال الجوهري : طوى اسم موضع بالشام ، تكسر طاؤه وتضم ويصرف ولا يصرف ، فمن صرفه جعله اسم واد ومكان وجعله نكرة. ومن لم يصرفه جعله اسم بلدة ويقعة وجعله معرفة. وقال ابن سيدة : وطوى وطوى جبل بالشام وقيل : هو واد في أصل الطور. وفي التتريل العزيز : (إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً)[طه / ١٢] ، المصدر السابق ٣ / ٢٤٣٦.

٦٣٥

منافيان لحكم منع الصرف ، فتعيّنت العلميّة ، فقد غفل أية غفلة مع نداء الفطنة على فساده ، قاله بعض شارحي الحاجبية.

والألف والنون المعبّر عنهما في البيتين بـ «زائدتا فعلان» ، وتسمّيان بالزائدتين لزيادتهما ، وقيل : لكونهما من حروف الزيادة ، وهو بعيد ، وتسمّيان المضارعتين أيضا لمضارعتهما ، أي مشابهتهما ألفي التأنيث في كونهما مزيدتين معا ، كذا قالوا.

قال بعضهم : وهذا ينافي قولهم : إنّ الممدودة في الأصل مقصورة ، زيدت قلبها ألف ، فانقلبت همزة ، وتأثيرهما في منع الصرف لمشابهتهما ألفي التأنيث في أنّهما في بناء يخصّ المذكّر ، كما أنّ ألفي التأنيث في بناء يخصّ المونّث ، وأنّهما لا تلحقهما التاء بدليل سقوط التأثير بفوات هذه الجهة.

هذا مذهب البصريّين ، وهو الحقّ ، وذهب الكوفيّون إلى أنّ تأثيرهما لكونهما زائدتين. قال ابن هشام : ويلزمهم أن يمنعوا صرف عفريت علما ، فإن أجابوا بأنّ المعتبر أنّما هو زائدتان بأعيانهما ، سألناهم عن علّة الاختصاص ، فلا يجدون مصرفا عن التعليل بمشابهة ألفي التأنيث ، فيرجعون إلى ما اعتبره البصريّون.

زيادة الألف والنون : تنبيهات : الأوّل : قال بعضهم : المراد بالألف والنون أعمّ من الألف والنون في الاصل (١) أو في الحال ، لأنّ أصيلال علما غير منصرف ، لأنّ اللام فيه بدل من النون ، وهو في الأصل مصغّر أصلان كعثمان جمع أصيل ، وهو الوقت من بعد العصر إلى المغرب ، لكنّهم لم ينظروا إلى الأصل في التصغير ، فحكموا بأنّ عمرين في تصغير عمران منصرف ، وإن كان فيه الألف والنون في الأصل لتغيير الألف ، انتهى. وفي الارتشاف قال : أصلان مفرد ، ليس بجمع ، ولذلك ساغ تصغيره.

الثاني : علامة زيادتهما أن يكون قبلها أكثر من حرفين ، فإن كان قبلهما حرفان ، وكان الثاني مضعّفا ففيه اعتباران ، إن قدّر أصالة التضعيف فزائدتان ، أو زيادته ، فالنون أصليّة كحسان ، إن جعلته من الحسن فوزنه فعلان ، فلا ينصرف ، أو من الحسن فوزنه فعال ، فينصرف ، وكذا حيّان هل هو من الحيوة أو من الحين؟

وقال السخاويّ في تنوير الدياجي : سأل سيبويه الخليل عن رمّان؟ فقال : لا أصرفه في المعرفة ، وأحمله على الأكثر إذا لم يكن معنى يعرف به. قال السخاويّ : أي إذا كان لا يعلم من أي شيء اشتقاقه حمل على الأكثر ، والأكثر زيادة الألف والنون. وقال

__________________

(١) أعم من الالف والنون في الاصل سقط في «ح».

٦٣٦

ابن يعيش : القياس يقتضي زيادة الألف والنون في حسان ، وأن لا ينصرف حملا على الأكثر.

لطيفة : لقي بعض الملوك حيّان النحويّ ، فقال الملك : أحيّان منصرف أم لا؟ فقال : إن كان حياة الملك فغير منصرف ، وإلا فينصرف. ذكره الطييّ في التبيان (١).

«يمنع» أي الألف والنون ، وإفراد الضمير باعتبار أنّهما سبب واحد «صرف العلم كعمران» وعثمان وغطفان. قال بعض شارحي الكافية : ولا يخفى أنّ هذا الشرط متحقّق في سعدانة وبهراني ولحياني ورقباني أعلاما مع أنّه لا أثر فيهنّ للزيادة ، وهي منصرفة ، وينبغي اشتراط أن لا يكون مع الهاء ولا ياء النسبة.

«و» يمنع «الوصف الغير القابل للتاء» ، أي إلحاقها به ، إمّا لأنّه لا مؤنّث له أصلا كلحيان لكبير اللحية ، أو لأنّ مؤنثة فعلى بفتح الفاء والألف المقصورة «كسكران» ، فإنّ مؤنّثه سكرى على لغة الجمهور ، ونقل عن بني أسد يقولون : سكرانة ، وقال الزبيديّ : ذكر يعقوب أنّ ذلك ضعيف ردئ ، وقال أبو حاتم لبني أسد : مناكير (٢) لا يؤخذ بها.

«فعريان منصرف» لأنّ مؤنّثه عريانة ، وقد جاء في الشعر ممنوعا تشبيها له بباب سكران ، «ورحمن ممتنع» من الصرف لامتناع رحمانة ، هذا هو المشهور ، وقيل : الألف والنون يمنع صرف الوصف الّذي مؤنّثه فعلى ، فعلى هذا رحمن منصرف لانتفاء رحمى ، قال الرضيّ : والأوّل أولى ، لأنّ وجود فعلى ليس مقصودا بذاته ، بل المطلوب منه انتفاء التاء ، لأنّ كلّ ما يجئ منه فعلى لا يجئ منه فعلانة في لغتهم إلا عند بعض بني أسد ، فإنّهم يقولون في كلّ فعلان جاء منه فعلى فعلانة أيضا ، نحو : عضبان وسكران ، فيصرفون إذن فعلان فعلى.

وهذا دليل قويّ على أنّ المعتبر في تأثير الألف والنون انتفاء التاء ، لا وجود فعلى ، فإذا كان المقصود من وجود فعلى انتفاء التاء ، وقد حصل هذا المقصود في رحمن لا بواسطة وجود رحمى ، بل لأنّهم خصّصوا هذه اللفظة بالبارئ تعالى ، فلم يضعوا منه مؤنّثا لا من لفظه بالتاء ولا من غيره ، أعني فعلى ، فيجب أن يكون غير منصرف ، انتهى.

__________________

(١) التيبان في المعاني والبيان للعلّامة شرف الدين حسين ابن محمد الطيي المتوفى سنة ٦٤٣ ه‍. كشف الظنون ١ / ٣٤١.

(٢) المناكير : جمع المنكور : المجهول.

٦٣٧

وهذا كلّه مبنيّ على أنّ الرحمن صفة ، كما ذهب إليه الزمخشريّ وابن الحاجب وجماعة ، وقد تقدّم في شرح الديباجة أنّ الأعلم وابن مالك وابن هشام ذهبوا إلى أنّه علم لا صفة ، وقالوا : لا نسلم أنّه موضوع بازاء المعنى لا الذات ، وكونه مشتقّا من الرحمة لا ينافي علميّته كعلى وحسن وصالح وحارث.

قال ابن هشام : وأمّا قول الزمخشريّ : إذا قلت : الله رحمن ، أتصرفه أم لا؟ وقول ابن الحاجب : إنّه اختلف في رحمن ، أي في صرفه ، فخارج عن كلام العرب من وجهين ، لأنّه لم يستعمل صفة ولا مجرّدا من أل إلا في الضرورة ، انتهى. وقد مرّ أنّهم يعربونه في البسملة بدلا من اسم الجلالة لا صفة.

تنبيه : جميع أبنيه فعلان مؤنّثاتها على فعلى إلا أربع عشرة جاءت مؤنثاتها على فعلانة فتصرف ، وقد جمع ابن مالك منها اثنتي عشره في قوله [من الهزج] :

٦٦٨ ـ أجز فعلى لفعلانا

إذا استثنيت حبلانا

ودجنانا وسخنانا

وسيفانا وضحيانا

وصوحانا وعلّانا

وقسوانا ومصانا

وموتانا وندامانا

واتبعهنّ نصرانا

وذيّل عليه المراديّ الباقيتين فقال : وزد فيهنّ خمصانا على لغة وألبانا.

الحبلان بحاء مهملة ومؤحدة العظيم البطن ، وقيل : الممتلي غيظا ، والدجنان بدال مهملة وجيم : اليوم المظلم. والسخنان بسين مهملة وخاء معجمه : اليوم الحارّ. والسيفان بسين المهملة وبعده اليا المثناة من تحت فاء : الرّجل الطويل ، كأنّه من السيف. والضحيان بضاد معجمة وحاء مهملة ومثناة تحتية : الرّجل الّذي يأكل في الضحى ، كذا في القاموس. وقال بعضهم : هو اليوم الّذي لا غيم فيه ، وضبطه آخر بالصاد المهملة. والصوحان بصاد وحاء مهملتين : البعير اليابس الظهر. والعلّان بعين مهملة وتشديد اللام : الرجل الكثير النسيان ، وقيل الحقير. القشوان بقاف وشين معجمة : الرقيق الساقين. والمصان بميم وصاد مهملة : اللئيم. والموتان : البليد الميّت القلب. والندمان : المنادم في الشراب. والنصران : واحد النصارى. والخمصان : بفتح الخاء المعجمة وبعده الميم وصاد مهماة : الضامر البطن ، وهي لغة في خمصان بضم الخاء ، ولهذا قال على لغة. والإليان : الكبير الإلية ، فهذه كلّها منصرفة ، لما مرّ.

التركيب : «والتركيب» المعبّر عنه في البيتن لضرورة الوزن بالتركيب «المزجيّ» ، وهو جعل اسمين اسما واحدا مترّلا ثانيهما مترلة هاء التأنيث ، وخرج به الإضافيّ كامرئ

٦٣٨

القيس ، والإسناديّ كشاب قرناها ، لأنّ الإضافة تجعل غير المنصرف منصرفا ، فلا تلائم منع الصرف ، والاسناد يلزم بناء المركّب على المشهور ، أو كونه واسطة لا معرب ولا مبنيّ ، على ما نقله الرضي عن ابن الحاجب ، وأمّا إذا قيل : بأنّه معرب محكى كما حكى عن جماعة ، فقيل : لا يبعد أن يجعل غير منصرف ، وإن لم يظهر أثر منع الصرف فيه ، وردّ بأنّه لا فائدة للحكم بمنع الصرف مع عدم ظهور أثره ، والأصل في الاسم الصرف.

«يمنع صرف العلم كبعلبك» وحضر موت ومعدي كرب ، ويستثني نحو سيبويه ، فإنّه مبنيّ ، لا أثر للتركيب المزجيّ فيه في منع الصرف ، وإنّما لم يحترز عنه اكتفاء بالعلم بحاله ممّا ذكره في باب المركّب من المبنيّات ، وقد تقدّم الكلام عليه. والجرميّ أجاز فيه إجراء مجرى بعلبك ، فليطلب ثمّة.

وزن الفعل : «ووزن الفعل» وهو الّذي يكون للفعل ، سواء ترجّحت نسبة إلى الفعل أو تساوت نسبته إليه ، ونسبته إلى الاسم بدليل إطلاقهم له على الوزن المشترك ، وما قيل من أنّ وزن الفعل عند النحاة ما يختصّ بالفعل ، أو يغلب له ، إذ لو اشترك بين الاسم والفعل على السوية لما صحّ أن يضاف إلى الفعل ، فيقال له : وزن الفعل ، فليس بشيء ، إذ قد يكون الوزن أغلب في الفعل اتّفاقا ، وهو لا يؤثّر كفاعل ، فإنّه في الأفعال أغلب ، ولو سمّيت بخاتم لا يصرف اتّفاقا ، هكذا يستفاد من كلام بعضهم ، فتأمّل.

«شرطه» لمنع الصرف «الاختصاص بالفعل» ، أي يكون مختصّا به ، بمعنى أنّه لا يوجد في الاسم العربيّ إلا منقولا من الفعل ، ولا ينافي اختصاصه بالفعل ، إذ وجوده فيه حينئذ بطريق النقل والعارية ، وأمّا وجوده في الاسم العجميّ فلا حكم له ، لأنّ كلامنا في كلام العرب.

«أو تصديره» أي وزن الفعل بواحدة «من زوائده» أي زوائد الفعل ، وهي حروف نابت لتحقّق الفرعيّة ، فإنّ هذه الزوائد في الفعل يدلّ على معنى بخلافها في الاسم نحو : أذهب مضارع ذهبت تدلّ على المتكلّم ، والدّال أصل لغير الدّال.

«ويمنع» أي وزن الفعل «صرف العلم كشمّر» ، فإنّ فعّل بتضعيف العين مختصّ بالفعل ، وهو علم لفرس جدّ جميل بن عبد الله بن معمر الشاعر ، كذا في القاموس ، ومن قال : إنّه علم لفرس حجاج فقد أخطا ، والشاعر المذكور هو القائل [من الطويل] :

٦٦٩ ـ أبوك حباب سارق الضّيف برده

وجدّي يا حجّاج فارس شمّرا (١)

__________________

(١) هو لجميل بثينة.

٦٣٩

هو منقول عن معنى مرّ جادّا أو مختالا.

ونحوه ضرب علما بالبناء للمفعول ، إذ هو بالبناء للفاعل غير مختصّ ، فلا يؤثّر في منع الصرف خلافا لعيسى بن عمر والفرّاء ، وأمّا بقّم اسم لضبع معروف ، وهو العندم ، وشلّم لبيت المقدس فهما من الأسماء العجميّة المنقولة إلى العربية فلا يقدحان في الاختصاص.

الوصف : «والوصف الغير القابل للتاء» إمّا لأنّه لا مؤنّث له أصلا ، كأكمر لعظيم الكمرة ، وهي رأس الذكر ، أو لأنّ مؤنّثه فعلاء بالألف الممدودة ، أو فعلى بضمّ الفاء والألف المقصورة كأحمر وأفضل ، فإن مؤنّثيهما حمراء وفضلى ، وإنّما اشترط عدم قبوله للتاء ، ليقوّي شبهه بالفعل من حيث هو لا يقبلها ، فينتهض للسببيّة.

«فيعمل» وهو الجمل القوي على العمل والسير «منصرف لوجود يعملة» لناقة ، كذلك قال بعضهم ، وإنّما يصحّ التمثيل به على التحقيق لو كان وصفا ، وهو ممنوع ، إذ لم يستعمل يعمل في كلام العرب بمعنى القويّ على العمل والسير مطلقا ، وإنّما هو بمعنى الجمل القوي عليهما ، وفي القاموس هما اسمان ، إذ لا يقال جمل يعمل وناقة يعمله ، انتهى.

ونصّه اليعلمة : الناقة النجيبة المعتملة والمطبوعة ، والجمل يعمل ، ولا يوصف بها ، إنّما هما اسمان ، انتهى ، وعلى هذا فالتمثيل بأرمل لوجود أرملة أولى.

تنبيهان : الأوّل : يشترط في وزن الفعل أيضا أن لا يكون لازما باقيا على حالته غير مخالف لطريقة الفعل ، فباللازم خرج نحو : امرؤ وابنم علمين ، فإنّهما على لغة الاتّباع في الرفع نظير اكتب ، وفي النصب نظير أذهب ، وفي الخبر نظير اضرب ، فلم يبقيا على حالة واحدة ، فهما وإن لم يخرجا بذلك عن وزن الفعل مخالفان له في الاستعمال ، إذ الفعل لا اتّباع فيه ، فلم يعتبر فيهما الموازنة ، فلم يجز فيهما إلا الصرف.

وبقولنا : باقيا على حالته خرج نحو : ردّ وقيل وبيع ، فإنّ أصلها فعل بضمّ الفاء وكسر العين ، ثمّ دخلها الإدغام والإعلال ، فالادغام في ردّ ، والإعلال بالنقل والقلب في قيل ، وبالنقل في بيع وصار ، وردّ بمترلة قفل بضمّ القاف وسكون الفاء ، وقيل وبيع بمترلة ديك بكسر الدال وسكون الياء آخر الحروف والكاف فوجب صرفها.

وبقولنا غير مخالف لطريقة الفعل ، نحو : ألبب بضمّ الباء الموحّدة جمع لبّ علما ، لأنّه قد باين الفعل بالفكّ ، فينصرف ، قاله أبو الحسن الأخفش ، وخولف لأنّه بعد الفكّ موازن لا قتل وانصرف لموازنة موجودة ، وهو الصحيح.

٦٤٠