الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

السيد علي خان المدني الشيرازي

الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

المؤلف:

السيد علي خان المدني الشيرازي


المحقق: الدكتور السيد أبو الفضل سجادي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: روح الأمين
الطبعة: ٠
ISBN: 978-964-518-296-8
الصفحات: ٩٤٧

الحسن وجه وحسن وجه برفعه فيها ، وضابط ما يعرف له الأحسن والحسن والقبيح بحسب الضمير كما ذكر أنّه متى كان المعمول مضافا مرفوعا أو غير مضاف ولا مرفوع ، سواء كان منصوبا أو مرفوعا ، فالضمير واحد ، وإن كان مضافا غير مرفوع ، وسواء كان منصوبا أو مجرورا فضميران ، وإن كان مرفوعا غير مضاف فلا ضمير.

تنبيهات : الأوّل : حكم المعمول إذا كان معرّفا باللام حكمه إذا كان مضافا إلى المعرّف أو إلى المضاف إليه بالغا ما بلغ ، نحو : مررت برجل حسن الوجه وحسن الوجه الغلام وحسن وجه أبي الغلام. وحكم المعمول المضاف إلى المضمر حكم المضاف إلى المضاف إلى المضمر وهلم جرّا ، نحو : مررت برجل حسن وجهه وحسن وجه غلامه وحسن وجه أبي غلامه ، وكذا إن كان فيه ضمير ، ولم يكن مضافا إليه ، نحو : مررت برجل حسن وجه يصونه ، وحكم المجرّد عن اللام والإضافة إلى المضمر حكم المضاف إلى المجرّد عنهما بالغا ما بلغ ، نحو : مررت برجل حسن غلام وحسن وجه أبي غلام.

الثاني : قال في التصريح : أوصل بعض المتأخّرين الصور الحاصلة من الصفة ومعمولها إلى أربع عشرة ألف صورة ومأتين وستّ وخمسين صورة ، وذلك أنّه جعل الصفة إمّا بأل أو لا ، فهذه حالتان ، ومعمولها إمّا بأل أو مضاف أو مجرّد ، والمقرون بأل نوع واحد ، كالحسن الوجه ، والمضاف ثمانية أنواع :

الأوّل : مضاف إلى ضمير الموصوف ، نحو : حسن وجهه.

والثاني : مضاف إلى مضاف إلى ضميره ، نحو : حسن وجه أبيه.

والثالث : مضاف إلى المعرّف بأل ، نحو : حسن وجه الأب.

والرابع : مضاف إلى مجرّد ، نحو : حسن وجه أب.

الخامس : مضاف إلى ضمير مضاف إلى ضمير الموصوف ، نحو : جميلة أنفه من قولك :

مررت بامرأة حسن وجه جاريتها جميلة أنفه.

والسادس : مضاف إلى ضمير معمول صفة أخري نحو : جميل خالها من قولك :

مررت برجل حسن الوجنة جميل خالها.

والسابع : مضاف إلى موصول نحو : الطّيّبي كلّ ما التاثت به الأزر من قوله [من البسيط] :

٦٣٢ ـ فعجتها قبل الأخيار منزلة

والطّيبي ... (١)

والثامن : مضاف إلى موصوف بجملة نحو : رأيت رجلا حديد سنان رمح يطعن به.

__________________

(١) تمامه «كلّ ما التالث به الأزر» ، وهو للفرزدق. اللغة : عجبتها : ملت بها ، قبل : صوب ، التاثت : التفت ، الأزر : جمع الإزار : الثوب.

٦٠١

والمجرّد من الإضافة وأل يشمل ثلاثة أنواع : الموصول نحو قوله [من الطويل] :

٦٣٣ ـ أسيلات أبدان دقاق خصورها

وثيرات ما التفّت عليها المآزر (١)

والموصوف نحو : جمّا نوال أعدّه من قوله [من الطويل] :

٦٣٤ ـ تزور أمرا جمّا نوال أعدّه

لمن أمّه مستكفيا أزمة الدّهر (٢)

وغيرهما ، نحو : مررت برجل حسن وجه.

هذه اثنتا عشرة صورة مضروبة في حالتي تنكير الصفة وتعريفها تصير أربعة وعشرين ، وكلّ من هذه الأربع والعشرين مضروبة في ثلاثة أحوال الإعراب تبلع اثنتين وسبعين صورة ، ويضمّ إليها صور ما إذا كان معمول الصفة ضميرا وهي ثلاث.

الأولى : أن يكون مجرورا ، وذلك إذا باشرته الصّفة المجرّدة من أل نحو قولك : مررت برجل حسن الوجه جميلة.

الثانية : أن تفصل الصفة من الضمير ، وهي مجرّدة من أل ، نحو : قريش نجياء الناس (٣) ذريّة وكرامهموها.

الثالثة : أن يتّصل به ، ولكن تكون الصفة بأل نحو : زيد الحسن الوجه الجميلة ، والضمير في هاتين الصورتين منصوب ، فصارت خمسا وسبعين ، والصفة إمّا أن تكون لمفرد مذكّر أو لمثنّاه أو لمجموعه جمع سلامة أو جمع تكسير أو لمفرد مؤنّث أو لمثنّاه أو لمجموعه جمع سلامة أو جمع تكسير.

هذه ثمان في خمسين وسبعين تصير ستّمائة ، وإذا نوّعت نفس الصفة إلى مرفوعة ومنصوبة ومجرورة وضربتها في الستّة مائة تصير ألفا وثمانمائة ، وإذا نوّعت الصفة أيضا من وجه آخر إلى مفرد مذكّر ومثنّاه ومجموعه وإلى مفرد مؤنّث ومثنّاه ومجموعه وكانت ثمانيا ، فإذا ضربت فيها الألف والثمانمائة تصير أربع عشر ألفا وأربعمائة. قال : ويستثنى من هذه الصور الضمير ، فإنّه لا يكون مجموعا جمع تكسير ولا جمع سلامة ، وجملة صوره مائة وأربع وأربعون ، فالباقي أربع عشرة ألفا ومائتان وستة وخمسون ، بعضها جائز ، وبعضها ممتنع ، فيخرج منها الممتنع على ما تقدّم ، انتهى.

الثالث : تأنيث الصفة وتثنيتها وجمعها بحسب الضمير المستكن فيها لا بحسب ما أسند إليها. فتؤنّث إن كان موصوفها مؤنّثا وتثنّى وتجمع إن كان موصوفها كذلك

__________________

(١) نسب إلى عمر بن أبي ربيعة وليس في ديوانه. اللغة : أسيلات : طويلات ، أبدان : جمع بدن ، الدقاق : جمع دقيق ، الخصور : جمع الخصر بمعنى وسط البدن ، الوثيرة : من النساء : الكثرة اللحم ، المآزر : جمع المئزر بمعنى الإزار.

(٢) لم يعين قائله. اللغة : الجمّ : الكثير من كلّ شيء ، النوال : النصيب والعطاء ، أمّ : قصد ، الأزمة : الشدّة.

(٣) سقط «نجباء الناس» في «ح».

٦٠٢

كما في سائر الأوصاف المشتقّة ، تقول : هذه امرأة حسنة الوجه ، ورجال حسان الوجه ، ولا تقول : زيد حسنة عينه ، بنصب العين على التشبيه بالمفعول ، وتأنيث الصفة نظرا إلى أنّ العين في الأصل فاعل. وقد كانت تؤنّث عند إسنادها ، وإنّما تقول : حسن عينه بالتذكير رعاية للضمير المستكن في الصفة عائدا إلى زيد.

الرابع : قد يضمن الجامد معنى المشتقّ ، فيعطي حكم المشبهة ، وهو قليل ، كقول الشاعر [من البسيط] :

٦٣٥ ـ فراشة الحلم فرعون العذاب وإن

تطلب نداه فكلب دونه كلب (١)

وقول الآخر [من الوافر] :

٦٣٦ ـ فلولا الله والمهر المفدّي

لرحت وأنت غربال الإهاب (٢)

فضمن فراشة الحلم معنى طائش ، وفرعون معنى أليم وغربال معنى مثقب ، فأجريت مجراها إلى ما هو فاعل في المعنى ، ولو رفع بها أو نصب بها لم يمتنع ، وإلى هذه المسألة أشار ابن مالك في الكافية بقوله [من الرجز] :

٦٣٧ ـ وضمّن الجامد معنى الوصف

فاستعمل استعماله بضعف

كأنت غربال الإهاب وكذا

فراشة الحلم فراغ المأخذا

__________________

(١) هو للضحاك بن سعد : اللغة : فراشة الحلم : طائش. فرعون : إلى م. الندي : الجود والسخاء.

(٢) هو لمنذر بن حسان. اللغة : المهر : أول ما ينتج من الخيل والحمر الأهلية وغيرها. الغربال : مثقب.

٦٠٣

اسم التفضيل

ص : الخامس : اسم التفضيل وهو ما دلّ على موصوف بزيادة على غيره ، وهو :

أفعل للمذكّر ، وفعلى للمؤنّث ، ولا يبنى إلا من ثلاثيّ تامّ متصرّف ، قابل للتّفاضل ، غير مصوغ منه أفعل لغير التّفضيل ، فلا يبنى من نحو : دحرج وصار ونعم ومات ولا من عور وخضر وحمق ، لمجيء أعور وأخضر وأحمق لغيره ، فإن فقد الشّرط توصل بأشدّ ونحوه ، و «أحمق من هبنّقة» شاذّ ، و «أبيض من اللّبن» نادر.

تتمّة : ويستعمل إمّا بمن أو بأل أو مضافا.

فالأوّل : مفرد مذكر دائما ، نحو : هند أو الزّيدان أفضل من عمرو ، وقد تحذف من ، نحو : الله اكبر.

والثّاني : يطابق موصوفه ، ولا يجامع من ، نحو : هند الفضلى ، والزّيدان الأفضلان.

الثّالث : إن قصد تفضيله على من أضيف إليه ، وجب كونه منهم ، وجازت المطابقة وعدمها ، نحو : الزّيدان أعلما النّاس ، أو أعلمهم ، وعلى هذا يمتنع يوسف أحسن إخوته. وإن قصد تفضيله مطلقا فمفرد مذكّر مطلقا ، نحو : يوسف أحسن إخوته ، والزّيدان أحسن إخوتهما ، أي : أحسن النّاس من بينهم.

تبصرة : ويرفع الضّمير المستتر اتّفاقا ، ولا ينصب المفعول به إجماعا ، ورفعه للظاهر قليل ، نحو : رأيت رجلا أحسن منه أبوه ، ويكثر ذلك في نحو : ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد ، لأنّه بمعنى الفعل.

ش : «الخامس» من الأسماء العاملة عمل الفعل «اسم التفضيل» ، وبعضهم يقول : أفعل التفضيل. قيل : وما عبّر به المصنّف (ره) أولى ، ليشتمل خيرا وشرّا ، وردّ بأنّهما بزنة أفعل في الأصل ، إذ أصلهما أخير وأشر ، فحذفت الهمزة بدليل ظهورها في قراءة أبي قلابة (١) : (سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) [القمر / ٢٦] ، بفتح الشين وتشديد الراء ، وقول الشاعر [من الرجز] :

٦٣٨ ـ ...

بلال خير النّاس وابن الأخير (٢)

وأجيب بأنّ المراد بالشمول على وجه الظهور ، وهو كاف في الأولويّة ، واختلف في سبب حذف الهمزة منها ، فقيل : لكثرة الاستعمال ، وهو المشهور ، قال الأخفش :

__________________

(١) أبو قلابة (... ١٠٤ ه‍) هو عبد الله بن زيد بن عمرو الجرمّي عالم بالقصاء والأحكام وكان من رجال الحديث الثقات. الأعلام للزركلي ٤ / ٨٨.

(٢) مجهول قائله.

٦٠٤

لأنّهما لما لم يشتقّا من فعل خولف لفظهما ، فعلى هذا فيهما شذوذان : حذف الهمزة ، وكونهما لأفعل لهما.

قال ابن هشام : من عبّر باسم التفضيل (١) أجراه مجرى قولهم اسم الفاعل ، ومن قال أفعل التفضيل احترز به عن نحو : أفكل وأحمر. قال : ولو سمّوه بأفعل الزيادة لكان عندي أولى ، لأنّ التفضيل وإن كان في الأصل من الفضل الّذي هو الزيادة ، إلا أنّه يرد مستعملا كثيرا بمعنى ترجيح الشيء على غيره في صفات المدح ، وإن كان ذلك ليس مقتضي الاشتقاق بدليل : (وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) [النحل / ٧١] ، ولكنّه في العرف متى لم يقيّد برزق ونحو ، لا يراد به إلا ما قدّمنا ، وحينئذ فلا يشمل نحو : زيد أجهل من عمرو وأحمق منه ، ثمّ إنّ حقيقة فضله جعله فاضلا لا نسبة إلى الفضل ، وأنت إذا قلت : زيد أعلم ، إنّما نسبته إلى الزيادة في العلم ، ولم تجعله أنت زائدا ، فقد استعملت فضلت بمعنى (٢) نسبة إلى الفضل ، وهو مستعمل ، لكنّه خلاف الوضع الأصليّ ، لأنّ معنى فضل بالتخفيف زاد ، ومعنى فضّل بالتشديد جعله زائدا كفرح زيد وفرّحته ، فيكون فضله بمعنى عدله ، انتهى. وسيبويه يسمّيه الصفة.

«وهو ما دلّ على موصوف» شمل جميع الصفات «بزيادة على غيره» أخرج ما عدا المحدود ، أي وضع للموصوف بالزيادة فلا يرد زائد ، لأنّه لم يوضع للموصوف بالزيادة ، بل لمن قام به الشيء إلا أنّه جعله كون القائم به الزيادة زائدا ، ولا طائل بمعنى الزائد في الطول ، لأنّه لم يوضع له ، بل لمن قام به الطول ، إلا أنّ عدم وصف العرف بالمتّصف بالطول إلا من له زيادة في الطول جعله بمعنى الزائد في الطول ، فكذا قال بعض المحقّقين من شرّاح الكافية.

والمراد بالغير أعمّ من الغير بالذات أو بالاعتبار كما في قولك : هذا بسرا أطيب منه رطبا. والمراد بالزيادة على الغير أعمّ من الزيادة في قيام الفعل به أو وقوع الفعل عليه.

شروط ما يصاغ منه أفعل التفضيل : «ولا يبنى إلا من فعل ثلاثيّ» والمراد به ما كان حروفه ثلاثة ، كما هو اصطلاح النّحويّين ، لا ما حروفه الأصليّة ثلاثة ، سواء اشتمل على زيادة أم لا ، كما هو اصطلاح الصرفيّين ، ولهذا استغنى عن التقييد بالتجريد.

«تامّ متصرّف قابل للتفاضل» في الصفات الإضافيّة الّتي يختلف بها أحوال الناس ، سواء كانت بالنسبة إلى شخص واحد في حالين كالعلم والجهل أو شخصين كالحسن و

__________________

(١) سقطت هذه الجملة في «ح».

(٢) في «ح» سقط بمعنى.

٦٠٥

القبح ، فتقول : هو أعلم من زيد يوم الأربعاء وأجهل منه يوم الخمسين ، وزيد أحسن من عمرو ، وعمرو أقبح من بكر.

«غير مصوغ منه أفعل لغير التفضيل» ويعبّر عن هذا بأن لا يدلّ على لون ولا عيب ، وما عبّر به المصنّف (ره) أولى ، لأنّه لا يبنى ممّا يدلّ على حلية أيضا ، فعبارتهم تحتاج إلى زيادة قيد ولا حلية كما نبّه عليه بعضهم.

«فلا يبنى من» غير فعل ، وشذّ هو أحنك البعيرين ، وهو أقمن به ، وألصّ من شظاظ ، صاغوا الأوّل من الحنك ، وهو اسم عين ، والمعنى أكلهما أي أشدّهما أكلا ، والثاني من القمن ، وهو الحقيق ، والثالث من اللص بمعنى السارق.

وشظاظ بكسر الشين وظائين معجمات اسم لصّ من بني ضبّة ، قاله في التصريح ، ثمّ انتقد الحكم لشذوذ الأخير المجزوم به في التصريح كغيره بأنّ ابن القطاع (١) نقل لا لصّ فعلا ، فقال يقال : لصّ ، إذا أخذ المال بخفية ، قال : فعلى هذا لا شذوذ فيه ، انتهى.

وقال بعضهم : وفي الحكم بشذوذ الأوّل أيضا نظر ، لأنّه يجوز أن يكون من أحنك الجراد الأرض ، إذا أكل ما عليها ، فيكون مثل أخصر من اختصر بحذف الزوائد ، انتهى. قلت : وهو كغسل الدم بالدم ، إذ هو على هذا التقدير شاذّ أيضا ، لكن شذوذه من جهة بنائه من غير الثلاثيّ.

ولا من فعل رباعيّ ، أي ما كان حروفه أربعة ، سواء كان كلّها أصولا ، أم بعضها زائدا ، كما هو مصطلح النحاة ، «نحو : دحرج و» انطلق ، إذ لا يمكن بناؤه منه ، لأنّه لو نقص لاختلّ ، ولو لم يحذف لزاد على بناء افعل ، وشذّ هذا الكلام أخصر من غيره ، بنوه من اختصر بالبناء للمفعول ، وهو أعطاهم للدراهم من أعطى ، وأولاهم للمعروف من أولى ، وأكرمهم للضيف من أكرم ، وهذا المكان أقفر من غيره من أقفر.

هذا مذهب جمهور البصريّين ، وجوزّ بعضهم بناءه من أفعل مطلقا ، وعزي إلى سيبويه ، وجزم به ابن مالك في التسهيل وفاقا له ، وصحّحه ابن هشام الخضراويّ ، وفصّل ابن عصفور بين أن تكون الهمزة للنقل كأعطى ، فلا يجوز ، وبين أن لا يكون للنقل ، فيجوز نحو : هذه الليلة أظلم من تلك الليلة ، وهذا المكان أقفر من ذلك المكان. قال ابن الحاج (٢) والرضيّ والشاطبيّ : وهذا التفضيل لا يعرفه نحويّ.

__________________

(١) أحمد بن محمد بن أحمد الأزديّ يعرف بابن الحاج قرأ على الشّلوبين وأمثاله. وله على كتاب سيبويه إملاء ، ومصنّف في علوم القوافي ، ومختصر خصائص ابن جنيّ ، وله حواش على سرّ الصناعة وعلى الإيضاح ومات سنة ٤٦٧ ه‍. بغية الوعاه ١ / ٣٩٥.

(٢) على بن جعفر بن محمد المعروف بابن القطاع الصقلي ، كان إمام وقته بمصر في علم العربية وفنون الأدب ، صنف : الأفعال ، أبنية الاسماء و... مات سنه ٥١٥ ه‍ ، المصدر السابق ٢ / ١٥٤.

٦٠٦

ولا من فعل ناقص ، نحو : «صار و» كان عند الجمهور ، فلا يقال : أصير ولا أكون ، وأجازه ابن الأنباريّ ، والرضيّ قال : ولعلّ علّة المنع كون مدلول الناقص الزمان دون الحدث ، كما توهّم بعضهم ، وأفعل موضوع للتفضيل في الحدث ، والحقّ أنّها دالّة على الحدث أيضا فلا منع ، وإن لم يسمع أن يقال هو أكون مطلقا ، وهو أصير منك غنيّا ، أي أشدّ انتقالا إلى الغني ، انتهى.

ولا من فعل غير متصرّف ، قال في التصريح : وعدم التّصرّف على وجهين : أحدهما أن يكون بخروج الفعل عن طريقة الأفعال من الدالّة على الحدث والزمان كنعم وبئس ، والثاني : يكون لمجرّد الاستغناء عن تصرّفه بتصرّف غيره ، وإن كان باقيا على أصله من الدالّة على الحدث والزمان ك يذر ويدع ، حيث استغني عن ماضيهما بماضي يترك ، وكلا القسمين مراد هنا ، فلا يبنى من نحو : «نعم و» بئس ويذر ويدع ، لا يقال : زيد أنعم من عمرو ، ولا أبئس منه ، وهما باقيان على معناهما من إنشاء المدح والذّمّ ، ولا هو أوذر من بكر ، وأودع منه.

ولا من غير قابل للتفاضل نحو : «مات و» فني ، لأنّه لا مزيد فيه لبعض فاعليه على بعض ، حتى يفضل ، لا يقال : زيد أموت من عمرو ، ولا أفني منه.

«ولا من» مصوغ منه أفعل لغير التفضيل نحو : «عور» من العيوب الظاهرة ، «وخضر» من الألوان ، «وحمق» من العيوب الباطنة ، ولمي وشهل من الحلي «لمجئيء أعور» من عور «وأخضر» من خضر «وأحمق» من حمق ، وألمى وأشهل من لمي وشهل. «لغيره» أي لغير التفضيل ، فلو بنى منه أفعل التفضيل أيضا لالتبس.

قال بعضهم : وهذا التعليل أنّما يتمّ إذا بيّن أنّ أفعل الصفة مقدّم بناؤه على أفعل التفضيل ، وهو كذلك ، لأنّ ما يدلّ على ثبوت مطلق الصفة مقدّم بالطبع على ما يدلّ على زيادة على الآخر في الصفة ، والأولى موافقة الوضع الطبع. قيل : إنّما لم يبن من ذلك ، لأنّ حقّ أفعل التفضيل أن يبنى من الثلاثيّ المحض كما تقدّم ، وأكثر أفعال الألوان والخلق إنّما تجئ على أفعل بتسكين الفاء وبزيادة مثل اللام ، نحو : أخضر فلم يبن أفعل التفضيل في الغالب ممّا كان منها ثلاثيّا إجراء للأقلّ مجرى الأكثر ، وقيل : لأنّ الألوان والعيوب جرت مجرى الخلق الثابتة الّتي لا تزيد ولا تنقص كاليد والرجل في عدم التفضيل منها.

وأجاز الكوفيّون بناءه من البياض والسواد اللذين هما أصلا الألوان ، وقيل : وقد يبنى من فعل أفعل مفهم عسر أو جهل ، نحو : هو ألدّ منه وأحمق منه ، وأكثر المغاربة

٦٠٧

عدّوا هذا من الشواذّ ، وعليه جرى المصنّف ، فأطلق المنع من بنائه من نحو ذلك ، وسيصرّح بشذوذ أحمق منه تصريحا.

تنبيه : بقي على المصنّف شرطان آخران ، أحدهما : أنّه لا يبنى إلا من فعل مثبت ، فلا يبنى من منفيّ ، سواء كان ملازما لنفي نحو : ما عاج بالدواء ، أي ما انتفع به ، ومضارعه يعيج أو غير ملازم ، نحو : ما عاج : أي ما مال ، ومضارعه يعوج ، فلا يقال : زيدا أعوج من عمرو ، لئلا يلتبس المنفيّ بالمثبت ، وما حكمت به من أنّ عاج الأولى ملازمة للنفي ، هو ما جزم به ابن مالك في التسهيل ، وابن هشام في التوضيح. واعترض بأنّه قد جاء في الإثبات ، قال أبو على القإلى (١) في نوادره : أنشدنا ثعلب عن ابن الأعرابي [من الطويل] :

٦٣٩ ـ ولم أر شيئا بعد ليلى ألذّه

ولا مشربا أروى به فأعيج (٢)

الثاني : إنّه لا يبنى من مبنيّ للمفعول ، سواء كان ملازما للبناء ، أم لا كضرب ، ومن الأوّل زهي علينا بمعنى تكبّر ، وعني بحاجته ، وشذّ : هو أزهى من ديك وأعنى بحاجتي ، قاله في الأوضح ، وانتقد شارحه الأوّل بأنّ ابن دريد حكى زها يزهو ، أي تكبّر ، والثاني بأنّه سمع فيه عني كرضي بالبناء للفاعل.

صوغ اسم التفضيل ممّا لم يستوف الشروط : «فإن فقد شرط» من الشروط المتقدّمة لبناء أفعل التفضيل ، «توصل» إلى التفضيل «بأشدّ ونحوه» ممّا يدلّ على الشدّة والضعف أو الزيادة أو النقص أو الكثرة أو القلّة أو الحسن أو القبح على حسب تفاوت المقاصد ، ويجاء بعد أشدّ أو نحوه بمصدر الممتنع تمييزا عن نسبة إلى المفضّل فيقال : زيد أشدّ دحرجة ، وأحسن بياضا منه ، وأقبح عورا منه.

قال الدمامينيّ : كذا قال الجماعة ، ويظهر لي أنّ هذا ليس بمساو للعرض من التفضيل ، وذلك أنّ هذا يقتضي اشتراك زيد وعمرو في شدّة الدحرجة وحسن البياض مثلا ، وأنّ زيدا زاد عليه في ذلك ، والغرض أنّما هو التفضيل عليه في مطلق الدحرجة والبياض ، لا في شدّة الدحرجة وحسن البياض فتأمّله ، انتهى.

قال بعض المتأخّرين : تأمّلت ما قاله في وجه عدم المساواة ، فوجدته أنّما يتمّ على تقدير أن يكون نحو : أشدّ في مثل زيد أشدّ دحرجة مسوقا لغرض إفادة الاشتراك في

__________________

(١) اسماعيل بن القاسم أبو على البغدادي المعروف بالقإلى ، كان أعلم الناس بنحو البصريّين ، وأحفظ أهل زمانه لللغة ، وأرواهم للشعر الجاهلي ، صنّف : الأمالي ، النوادر البارع في اللغة ، مات سنة ٥٠٦ ه‍. المصدر السابق ١ / ٤٥٣.

(٢) لم ينسب البيت إلى قائل معين. اللغة : أعيج : من «عاج يعيج» بمعنى انتفع.

٦٠٨

أصل الدحرجة والتفضيل باعتبار مجرّد الشدّة باقيا على معناه التفضيلي ، وذلك ممنوع لجواز أن يكون في هذه الحالة مستعملا في أصل الفعل مجرّدا عن معنى الزيادة ، وحينئذ يكون الكلام مساويا للغرض من التفضيل قطعا ، فتدبّر.

تنبيهات : الأوّل : قال بعض المحقّقين : الظاهر أنّه لا يختصّ التوصّل إلى التفضيل ممّا ذكر بصيغة أفعل ، بل يصحّ التوصّل بغيره أيضا ، نحو : زيد زائد استخراجا ، بل هو أوفق بالمقصود ، إذ المقصود جعله زائدا في نفس الاستخراج ، لا زائدا في زيادة الاستخراج ، انتهى.

الثاني : لا يختصّ التوصّل إلى التفضيل بما فقد بعض الشروط ، بل يتأتّي فيما استوفى الشروط ، فتقول : زيد أشدّ ضربا من عمرو ، وهو واضح.

وقولهم : «أحمق من هبنّقة شاذّ» ، فلا يقاس عليه ، هبنّقة بفتح الهاء والباء الموحّدة والنون المشدّدة والقاف ، لقب ذي الودعات ، يزيد بن ثروان ، وإنّما قيل له : ذو الودعات ، لأنّه جعل في عنقه قلادة من ودع (١) وعظام وخزف مع طول لحيته فسئل؟ فقال : لئلّا أضلّ : فسرقها أخوه في ليلة ، وتقلّدها ، فأصبح هبنّقة ورأها في عنقه ، فقال : أخي أنت أنا ، فمن أنا ، فضرب لحمقه المثل. ومن حمقه أنّه كان في جماعة ، فهبّت عليهم ريح سوداء مخوفة ، فجعل كلّ منهم يعتق رفيقا ، وبعضهم يتصدّق بضيعته. فقال هبنّقة : أللهمّ إنّك تعلم أنّي لا أملك شيئا أتصدّق به ، ولكن زوجتي طالق لوجهك الكريم ، فأخذ الضحك بالجماعة ، واشتغلوا عمّا هم من الخوف.

وقوله (ع) في وصف ماء الكوثر : أبيض من اللبن وأحلي من العسل (٢) ، نادر ، ولا يقاس عليه أيضا خلافا للكوفيّين كما اقتضاه إطلاق منعه فيما مرّ ، ومثله قول الراجز [من الرجز] :

٦٤٠ ـ جارية في ذرعها الفضفاض

أبيض من أخت بني أباض (٣)

هذا إن حمل على الندرة والشذوذ دون التأويل ، قال ابن مالك في شرح الكافية : وجائز أن يكون أبيض مبنيّا من قولهم : باض الشيء الشيء بيوضا ، إذا فاقه في البياض ، فالمعنى على هذا أنّ غلبة ذلك الماء غيره من الأشياء المبيضة أكثر من غلبة بعضها بعضا ، وأبيض بهذا الاعتبار أبلغ من أشدّ بياضا. قال : ويجوز أن يكون من المذكورة بعد أبيض

__________________

(١) الودع : خزر بيض جوف ، في بطونها شقّ كشقّ النواة ، تتفاوت في الصغر والكبر. الواحدة : ودعة.

(٢) تمام الحديث : أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك وأحلى من العسل. صحيح البخاري ، ٤ / ٥٠٤ ، رقم ١٤٣٨.

(٣) هو لرؤبة ، اللغة : الدرع : القميص ، الفضفاض : الواسع ، وأخت بني أباض كانت معروفة بالبياض.

٦٠٩

متعلّقة بمحذوف ، دلّ عليه أبيض المذكور ، والتقدير : ماؤه أبيض صفاء ، وأخلص من اللبن ، انتهى.

وسمع أيضا هو أسود من حنك (١) الغراب ، وأمّا قول المتنبي يخاطب الشيب [من البسيط] :

٦٤١ ـ إبعد بعدت بياضا لا بياض له

لأنت أسود في عيني من الظّلم (٢)

فقال ابن هشام في المغني : إنّ من الظلم صفة لأسود لا متعلّق به ، أي أسود كائن من جملة الظلم ، وكذا قوله [من الكامل] :

٦٤٢ ـ يلقاك مرتديا بأحمر من دم

ذهبت بخضرته الطّلي والأكبد (٣)

«من دم» إمّا تعليل ، أي أحمر من أجل التباسه بالدّم ، أو صفة ، كأنّ السيف للكثرة التباسه بالدم صار دما ، انتهى.

قال الدمامينيّ في شرحه الظاهر : إنّ المتنبيّ إنّما قصد التفضيل بناء على مذهب الكوفيّ ، لأنّه كوفيّ (٤) ، والكوفيّون يجوّزون بناءه من السواد والبياض ، فلا حرج عليه في ارتكاب طريقته وطريقة أصحابه وتخريج المصنّف مفوت لغرضه من كون الشيب عنده أشدّ سوادا من الظلم ، انتهى.

كيفيّة استعمال اسم تفضيل : هذه «تتمّة» لباب اسم تفضيل ، تشتمل على بيان كيفيّة استعماله في التركيب وأحكامه وأعماله ، و «يستعمل» اسم التفضيل وجوبا على أحد ثلاثة أوجه :

«إمّا» مقرونا «بمن» جارّة للمفضول ، وعند سيبويه وغيره لابتداء الارتفاع في نحو : زيد أفضل من عمر ، ولابتداء الانحطاط في نحو : زيد شرّ من عمرو ، وعند ابن مالك للمجاوزة ، كأنّه قيل : جاوز زيد عمرا ، وهو أولى من قول سيبويه وغيره ، إذ لا يقع بعدها إلى ، قال ابن هشام : وقد يقال : ولو كانت للمجاوزة لصحّ في موقعها عن ، ودفع بأنّ صحّة وقوع المرادف موقع مرادفه أنّما هو إذا لم يمنع من ذلك مانع ، وها هنا منع منه مانع ، وهو الاستعمال ، فإنّ اسم التفضيل لا يصاحب من حروف الجرّ إلا من خاصّة.

__________________

(١) الحنك : المنقار.

(٢) اللغة : إبعد : فعل أمر بمعنى اهلك.

(٣) لم يسمّ قائله. اللغة : بأحمر : أي بسيف أحمر ، والخضرة هنا : السمرة أو غبرة تخالطها دهمة يريد بها : لون السيف ، الطلي : جمع طليه وهي العنق.

(٤) سقطت «لأنّه كوفيّ» في «ح».

٦١٠

«أو» معرّفا «بأل ، أو مضافا» ، وإنّما وجب استعماله على أحد هذه الاوجه ، لأنّ وصفه لتفضيل الشيء على غيره ، فلا بدّ فيه من ذكر الغير الّذي هو المفضّل عليه ، وذلك مع من ، والإضافة ظاهر ، وأمّا مع «ال» فلأنّها للعهد ، يشار بها إلى معيّن متلّبس بتعيين المفضّل عليه مذكور قبله أو حكما ، كما إذا قلت : عندي شخص أفضل من زيد ، ثم قلت : عمرو الأفضل ، أي الشخص الّذي قلت : إنّه أفضل من زيد هو عمرو.

تنبيه : محلّ وجوب استعماله بأحد الثلاثة إذا لم يكن معدولا كما في آخر واسما كالدنيا والجلّى للخطة العظيمة خارجا عن معناه كاخر بمعنى غير.

«فالأوّل» وهو المستعمل بمن «مفرد مذكر دائما» ، سواء كان لمفرد أم لغيره ولمذكّر أم لغيره «نحو» زيد أو «هند أو الزيدان» أو الهندان أو الزيدون أو الهندات «أفضل من عمرو» وذلك لكراهتهم إلحاق أداة التثنية والجمع المختصّة بالأخر فيما هو في حكم الوسط باعتبار امتزاجه بمن التفضيليّة ، لأنّها الفارقة بينه وبين باب أحمر ، فكانت كتمام الكلمة ، وقيل : لمشابهته لفظا ومعنى لأفعل التعجّب الّذي هو فعل غير متصرّف ، أمّا لفظا فظاهر ، وأمّا معنى فلأنّه لا يتعجّب من شيء إلا وهو مفضّل ، ولهذا اشترطوا فيما يبنى منه أفعل التفضيل ما يشترط في بناء أفعل التعجّب فلمّا أجروه مجراه لفظا ومعنى أفردوه ، كما أفردوا (١) الفعل.

«وقد تحذف من» مع مجرورها إذا علم المفضول ، «نحو» قوله تعالى : «اللهِ أَكْبَرُ (٢)» * ، أي من كلّ شيء ، وقوله : (وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) [الإسراء / ٢١] ، أي من الدنيا ، وقول الشاعر [من الكامل] :

٦٤٣ ـ إنّ الّذي سمك السّماء بنى لنا

بيتا دعائمه أعزّ وأطول (٣)

وقد جاء الحذف والإثبات في قوله تعالى : (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) [الكهف / ٣٤] ، أي منك ، وأكثر ما يحذف إذا كان أفعل خبرا في الحال كما مرّ ، أو في الاصل ، نحو : كان زيد أفضل ، ويقلّ إذا كان حالا كقوله [من الطويل] :

٦٤٤ ـ دنوت وقد خلناك كالبدر أجملا

 ... (٤)

أي دنوت أجملا من بدر البدر ، أو صفة كقوله [من السريع] :

__________________

(١) سقط «كما أفردوا» في «ح».

(٢) ليس «الله اكبر» بصورة المبتدإ والخبر آية من القرآن الكريم.

(٣) هو للفرزدوق. اللغة : سمك : رفع : البيت ، أراد به بيت المجد والشرف ، الدعائم : جمع دعامة وهي في الأصل ما يسدّ به الحائط إذا مال ليمنعه السقوط.

(٤) تمامه «فظلّ فؤادي في هواك مضللا» ولم يسّم قائلة. اللغة : دنوت : قربت ، خلناك : ظننا شأنك كذا.

٦١١

٦٤٥ ـ تروّحي أجدر أن تقيلي

 ... (١)

أي تروحي ، وأتى مكانا أجدر من غيره بأن تقيلي فيه.

وزعم الرمانيّ أنّ الحذف لا يجوز إلا في الخبر ، وأجازه البصريّون إذا كان فاعلا ، نحو : جاءني أفضل ، أو اسم إنّ ، نحو : إنّ اكبر الله ، ومنعه الكوفيّون.

تنبيهات : الأوّل : لا يتعيّن في نحو : الله اكبر ، ودعائمه أعزّ وأطول أن يكون المحذوف من مع مجرورها ، بل يجوز أن يقال : إنّ المحذوف هو المضاف إليه ، أي أكبر كلّ شيء ، وأعزّ دعامة ، ولم يعوّض منه التنوين لكون أفعل غير متصرّف ، فاستبشع ذلك.

الثاني : يجب أن يكون المجرور بمن التفضيليّة مشاركا للمفضّل في المعنى إمّا تحقيقا ، نحو : زيد أحسن من عمرو ، أو تقديرا كقول على (ع) : لأن أصوم يوما من شعبان أحبّ إلى أن أفطر يوما من رمضان (٢). لأنّ إفطار يوم الشكّ الّذي يمكن أن يكون من رمضان محبوب عند المخالف فقدّره (ع) محبوبا إلى نفسه أيضا ، ثمّ فضّل صوم شعبان عليه ، فكأنّه قال : هب أنّه محبوب عندي أيضا ، أليس صوم يوم من شعبان أحبّ منه.

وقال (ع) : أللهمّ أبدلني بهم خيرا منهم (٣) ، أي في اعتقادهم وأبدلهم بي شرّا منّي ، أي في اعتقادهم أيضا ، وإلا فلم يكن فيهم خيرا ولا فيه (ع) شرّ ، ومثله قوله تعالى : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا) [الفرقان / ٢٤] ، كأنّهم لمّا اختاروا موجب النار اختاروا النار.

ويقال في التهكّم : أنت أعلم من الحمار ، فكأنّك قلت : إن أمكن أن يكون للحمار علم ، فأنت مثله مع زيادة ، وليس المقصود بيان الزيادة ، بل الغرض التشريك بينهما في شيء معلوم انتفاؤه عن الحمار.

وأمّا نحو قولهم : أنا أكبر من الشعر ، وأنت أعقل من أن تقول كذا ، فليس المراد تفضيل المتكلّم على الشعر والمخاطب على القول ، بل المراد بعدهما عن الشعر والقول. وأفعل التفضيل يفيد بعد الفاضل من المفضول وتجاوزه عنه ، فمن في مثله ليست تفضيلية ، بل هي مثل ما في قولك : بنت من زيد ، تعلّقت بأفعل المستعمل بمعنى متجاوز وبائن بلا تفضيل ، فمعنى قولك : أنت أعزّ على من أن أضربك ، أي بائن من أن أضربك من فرط عزّتك على ، وإنّما جاز ذلك ، لأنّ من التفضيليّة متعلّقة بأفعل التفضيل بقريب

__________________

(١) تمامه «غدا بجنبي بارد ظليل» وهو مجهول القائل. اللغة : تروّحي : من تروّح : سار في العشيّ ، أو عمل فيه ، أن تقيلي : من قال ـ قيلا أي : نام وسط النهار ، الظليل : ذو الظل.

(٢) الشيخ الحرّ العاملي ، وسائل الشيعة ، ج ١٠ ، موسسه آل البيت ، رقم ١٢٧٣٠.

(٣) سنن الترمذي كتاب الدعوات ٨٣.

٦١٢

من هذه المعنى ، ألا ترى أنّك إذا قلت : زيد أفضل من عمرو ، فمعناه زيد متجاوز في الفضل عن مرتبة عمرو ، فمن فيما نحن فيه كالتفضيليّة ، قاله الرضي كالّذي قبله.

الثالث : يجب أن تلا من التفضيليّة أفعل ، لأنّها من تمام معناه أو تلا معموله كقوله [من الطويل] :

٦٤٦ ـ فإنّا وجدنا العرض أحوج ساعة

إلى الصّون من ريط يمان مسهّم (١)

وقد يفصل بينهما بلو وفعلها نحو قولك : هي أحسن لو أنصفت من الشمس ، وأكره لو لم يمن من الحجر.

وقد يتقدّم عليه ضرورة كقوله [من الطويل] :

٦٤٧ ـ إذا سايرت أسماء يوما ظعينة

فأسماء من تلك الظعينة أملح (٢)

ويجب ذلك إن كان المفضول اسم استفهام ، أو مضافا إليه ، نحو : ممّن أنت أعلم ، ومن أيّ رجل أنت أكرم ، وذلك لأنّ اسم الاستفهام له الصدر ، وما أضيف إلى ما له الصدر ، فله الصدر كما مرّ.

«والثاني» وهو المستعمل بأل «يطابق موصوفه» وجوبا في الإفراد والتذكير وفروعهما للزوم مطابقة الصفة لموصوفها مع عدم المانع ، «ولا يجامع من» ، لأنّ من وأل تغني إحداهما عن الأخرى في إفادة ذكر المفضول ، فلو اجتمعتا كان إحداهما لغوا ، «نحو» : زيد الأفضل ، و «هند الفضلي ، والزيدان الأفضلان» ، والزيدون الأفضلون والهندات الفضيلات أو الفضل ، وعن الوهم في ذلك قول الجاحظ في قول الأعشى [من السريع] :

٦٤٨ ـ ولست بالأكثر منهم حصى

وإنّما العزّة للكاثر (٣)

إنّه يبطل قول النّحويّين : لا يجتمع من وأل في اسم التفضيل فجعل كلّا من أل ومن متعد به جاريا على ظاهره ، والصواب أن تقدّر أل زائدة أو معرفة ، ومن متعلقة بأكثر منكّرا محذوفا مبدلا من المذكور أو بالمذكور على أنّها بمترلتها في قولك : أنت منهم الفارس البطل ، أي أنت من بينهم ، وقول بعضهم إنّما متعلقة بليس قد يردّ بأنّها لا تدلّ على الحدث ، وبأنّ فيه فصلا بين أفعل وتمييزه بالأجنبي.

__________________

(١) هو لأوس بن حجر. اللغة : العرض : موضع المدح والذم من الرجل. الصون : مصدر صانه يصونه بمعنى حفظه ووقاه ، ريط : الملاءة ، أو جمع ريطة بمعنى الغلالة الرقيقة ، مسهم : مخطط.

(٢) هذا البيت لجرير بن عطية. اللغة : سايرت : جارت وباهت ، ظعينة : أصله الهودج تكون فيه المرأة ، ثمّ نقل إلى المرأة في الهودج بعلاقة الحالية والمحلية ، ثمّ توسعوا فيه فأطلقوه على المرأة مطلقا ، راكبة ، أو غير راكبة.

(٣) البيت للأعشى ميمون بن قيس. اللغة : الأكثر حصى : كناية عن كثرة الأعوان والأنصار ، الكاثر : الغالب في الكثرة.

٦١٣

وقد يجاب بأنّ الظرف يتعلّق بالوهم ، وفي ليس رائحة قولك : انتفي ، وبأن الفصل بالتمييز قد جاء في الضرورة في قوله [من المتقارب] :

٦٤٩ ـ على أنّني بعد ما قد مضي

ثلاثون للهجر حولا كميلا (١)

وأفعل أقوى في العمل من ثلاثون ، قاله ابن هشام في المغني.

تنبيه : لا بدّ في المطابقة من ملاحظة السماع ، قال أبو سعيد على بن سعد (٢) في كفاية المستوفي ما ملخّصه : ولا يستثنى في الجمع والتانيث عن السماع ، فإنّ الأشرف والأظرف لم يقل فيهما الأرشاف والشرفى ، والأظارف والظرفى ، كما قيل ذلك في الأفضل والأطول. وكذلك الأكرم والأمجد قيل فيهما : الأكارم والأماجد ، ولم يسمع فيهما الكرمى والمجدى ، انتهى ، قاله في التصريح.

«الثالث» : وهو المستعمل مضافا ففيه تفضيل ، فإنّه «إن قصد به تفضيله» ، أي تفضيل موصوفه «على من أضيف» اسم التفضيل إليه ، والتعبير بمن على سبيل التغليب ، فلا نقض بنحو : أعدى الخليل وأحسن الطير ، وهذا هو الأكثر استعمالا ، لأنّ وضعه لتفضيل الشيء على غيره ، فالأولى ذكر المفضّل عليه. «وجب كونه منهم» أي وجب كون موصوفه ممّن أضيف إليهم ، قيل : والأولى أن يقال : منه لئلّا يوهم ضمير الجمع أنّ المضاف إليه يجب أن يكون جمعا فينقض بنحو : زيد أفضل الرجلين ، وإنّما وجب كونه منهم لتحصل المشاركة بين الجميع في المعنى لذكره معهم ليصحّ تفضيله عليهم ، وأورد أنّ وجوب كونه منهم تستلزم تفضيل الشيء على نفسه ، وأجيب بأنّه داخل فيهم افرادا خارج منهم تركيبا ، أو داخل فيهم لفظا خارج عنهم إرادة ، فلا يلزم ذلك.

وبهذا يندفع أيضا ما أورده الرضيّ على ابن الحاجب من أنّ قوله على من أضيف إليه ليس بمرضيّ ، لأنّه مفضّل على ما سواه من جملة ما أضيف إليه ، وليس مفضّلا على كلّ ما أضيف إليه ، وكيف ذلك ، وهو من تلك الجملة ، فيلزم تفضيل الشيء على نفسه.

«وجازت المطابقة وعدمها» وهو الإفراد والتذكير ، «نحو : الزيدان أعلما الناس أو أعلمهم» ، والزيدون أفضلوا الناس وأفضلهم ، وهند فضلى النساء وأفضلهنّ ، أمّا المطابقة فلمشابهته للمعرّف بأل في التعريف ، وأمّا عدمها فلمشابهته أفعل في كون المفضّل عليه مذكورا ، وليس الوجهان متساوين كما يوهمه كلامه ، بل عدم المطابقة

__________________

(١) هو للعباس بن مرداس. اللغة : الحول : العام ، الكميل : الكامل.

(٢) لم أجد ترجمه حياته.

٦١٤

أولى ، قال تعالى : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ) [البقرة / ٩٦] ، ولم يقل : حرصى بالياء.

وعن ابن السراج أنّه أوجب عدم المطابقة ، وردّ بقوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) [هود / ٢٧] ، (وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها) [الأنعام / ١٢٣] ، قال في الأوضح : فإن قدّر أكابر مفعولا ثانيا ، ومجرميها مفعولا أوّلا ، لزمه المطابقة في المجرّد من أل والإضافة.

«وعلى هذا» القصد «يمتنع أن يقال : يوسف أحسن إخوته» لخروجه عنهم لفظا بإضافتهم إليه ، لأنّ إخوة يوسف غير يوسف. «وإن قصد تفضيله» أي تفضيل موصوفه تفضيلا «مطلقا» ، أي غير مقيّد بكونه على من أضيف إليه ، بل على كلّ من سواه ، فالمطابقة لا غير ، لمشابهته باسم الفاعل في عدم المشاركة ، فجرى مجراه في وجوب المطابقة وإضافة اسم التفضيل حينئذ للتوضيح ، كما تضيف سائر الصفات ، نحو : مصارع مصر وحسن القوم ، ممّا لا تفضيل فيه ، فلا يجب كونه من المضاف إليه.

فيجوز بهذا المعنى أن تصيفة إلى جماعة ، هو دخل فيهم ، نحو قولك : نبيّنا (ص) أفضل قريش ، بمعنى أفضل الناس من قريش ، وأن تضيفه إلى جماعة من جنسه ليس داخلا فيهم ، نحو : يوسف أحسن إخوته ، والزيدان أحسنا إخوتهما ، والزيدون أحسن إخوتهم ، أي يوسف أحسن الناس من بينهم ، وكذا الباقي ، وأن تضيفه إلى غير جماعة ، نحو : فلان أعلم بغداد ، أي أعلم ممّن سواه ، وهو مختصّ ببغداد ، لأنّه منشأه أي مسكنه ، وإن قدّرت المضاف ، أي أعلم أهل بغداد فهو مضاف إلى جماعة يجوز أن يدخل فيهم.

تنبيهات : الأوّل : وقع فيما وقفت عليه من نسخ هذا المتن ما نصّه : وإن قصد تفضيله مطلقا فمفرد مذكر مطلقا ، نحو : يوسف أحسن إخوته ، والزيدان أحسن إخواتهما ، وهو غلط صريح ، بل المطابقة واجبة إجماعا كما في سائر المتون ، حتى التهذيب للمصنّف ، ولم يتنبّه لذلك بعض من كتب على هذا الكتاب من طلبة العجم المعاصرين ، فشرحه على هذا العبارة ، وهو غلط واضح ، ووهم فاضح ، فاحذره.

وحاشا المصنّف أن يقع له مثل هذا الغلط الّذي لا يخفي على أدني طلبته فضلا عن مثله ، فلذلك غيّرت العبارة وأصلحتها ، إذ لا يمكن حملها إلا على تغيير النسّاخ كما قبل [من الطويل] :

٦٥٠ ـ فكم أفسد الراوي كلاما بعقله

وكم حرّف المنقول قوم وصحّفوا

وكم ناسخ أضحي لمعنى مغيّرا

وجاء بشيء لم يرده المصنّف (١)

__________________

(١) ما وجدت البيتين.

٦١٥

الثاني : قد يقصد بأفعل أصل الفعل ، فلا تفضيل فيه ، ويجرى حينئذ مجرى ما قصد به التفضيل مطلقا من وجوب المطابقة كقولهم : الناقص والأشج أعدلا بني مروان ، أي عادلاهم ، لأنّهما لا يشاركهما أحد من بني مروان في العدل ، والناقص هو يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مراون ، لأنّه نقص أرزاق الجند ، والأشج بالشين المعجمة والحجيم هو عمر بن عبد العزير ، لقّب بذلك ، لأنّه كان بجبينه أثر شجّة من دابة ضربته.

الثالث : التفضيل الّذي ذكره المصنّف (ره) في المستعمل مضافا أنّما يجري في المضاف المعرفة ، وأمّا المضاف للنكرة فيلزمه الإفراد والتذكير لموافقته المستعمل بمن في التنكير ، نحو : زيد أفضل رجل ، والزيدان أفضل رجلين ، والزيدون أفضل رجال ، وهند أفضل امرأة ، والهندان أفضل امرأتين ، والهندات أفضل نساء ، أي زيد أفضل من كلّ رجلين قيس فضله بفضله ، والزيدان أفضل من كلّ رجل قيس فضلهما بفصلهما ، والزيدون أفضل من كلّ رجال قيس فضلهم بفضلهم ، وكذا الباقي.

عمل اسم التفضيل : هذه «تبصرة» في بيان إعمال اسم التفضيل ، و «يرفع الضمير المستتر إجماعا» نحو : زيد أفضل ، ففي أفضل ضمير مستتر مرفوع على الفاعلية يعود إلى زيد ، وإنّما عمل فيه لضعفه ، لأنّ وجوده خفيّ ، ولا يختلف لفظه بالتّكلّم والخطاب والغيبة ، والعمل فيه كلا عمل ، فلم يحتج إلى ما (١) يقوّي العامل على العمل فيه.

«ولا ينصب المفعول به إجماعا» ، فلا يقال : زيد أشرب الناس عسلا ، لأنّه التحق بالأفعال الغريزيّة ، وما أوهم ذلك فهو منصوب بفعل مقدّر دالّ عليه ، نحو ، قوله تعالى : (هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام / ١١٧] ، فمن ليست مفعولا بأعلم ولا مضافا إليه ، لأنّ أفعل بعض من يضاف إليه ، فيكون التقدير أعلم المضلّين ، فهو محال ، بل هو منصوب بفعل محذوف يدلّ عليه أعلم ، أي يعلم من يضلّ.

وعلى هذا فمن موصولة أو موصوفة ، هذا هو الظاهر ويحتمل أن تكون استفهامية في محل رفع على أنّه مبتدأ ، ويضلّ خبره ، والجملة في محل نصب ، علّق عنها العامل ، والاستفهام للتعجّب من شان الضّالّ المتبع للظنّ الكاذب ، وتجويز الكواشي (٢) كون من موصولة أو موصوفة في حمل جرّ بالباء المحذوفة ، أو باضافة أعلم إليه ليس بشيء لامتناع الثاني ، كما علم ، وضعف الأوّل لشذوذ حذف حرف الجرّ مع بقاء عمله.

__________________

(١) سقطت «فلم يحتج إلى ما» في «ح».

(٢) أحمد بن يوسف بن حسن بن رافع الإمام موفق الدين الكواشيّ الموصلي برع في العربية والقراءات والتفسير ، وله التفسير الكبير والصغير ومات سنة ٦٨٠ ه‍ ، المصدر السابق ١ / ٤٠١.

٦١٦

تنبيهات : الأوّل : ما ادّعاه المصنّف من الإجماع على أنّه لا ينصب المفعول به تبع فيه ابن مالك في شرح الكافية ، وابن هشام في شرح القطر ، والرضيّ في شرح الحاجبية ، وفيه نظر ، فقد نقل ابن هشام في حواشي التسهيل عن محمد بن مسعود بن الزكي جواز نصبه به مطلقا ، وإنّه قال في كتاب البديع : غلط من قال : إنّ التفضيل لا يعمل في المفعول به لورود السماع بذلك كقوله تعالى : (هُوَ أَهْدى سَبِيلاً) [الإسراء / ٨٤] ، وليس تمييزا ، لأنّه ليس فاعلا كما في زيد أحسن وجها ، وقول عباس بن مرداس [من الطويل] :

٦٥١ ـ ...

وأضرب منّا بالسيوف القوانسا (١)

ونقل في المغني عن بعضهم جوازه إن قصد به أصل الفعل. قال الدمامينيّ : وهذا الرأي حسن ، فينتصب حين يقصد به ذلك كما أنّه يضاف حينئذ إلى ما ليس بعضه ، فيجرى حكم النصب والجرّ على طريقة واحدة انتهى. وقد يجاب عن مدّعي الإجماع بأنهم نزّلوا الخلاف في ذلك مترلة العدم.

الثاني : إنّما قال المصنّف : ولا ينصب المفعول به ، ولم يقل : ولا يعمل في المفعول به ، لأنّه يعمل فيه بواسطة حرف الجرّ ، فيعمل فيه بلام التقوية ك زيد أوعي للعلم ، وأبذل للمعروف ، أو بالباء ك خالد أعرف بالفقه وأجهل بالنحو ، فان كان فعله يتعدّي لاثنين ، نصبت الثاني بفعل مقدّر ، ك زيد أكسي للفقراء الثياب ، أي يكسوهم.

الثالث : لا ينصب المفعول المطلق أيضا إجماعا ، فلا يقال ، أنا أحسن الناس حسنا ، ولا المفعول له ، فلا يقال : أنا أضرب الناس تأديبا ، ولا المفعول معه ، فلا يقال : أنا أسير والنيل ، ونقل ابن هشام في المغني عن سيبويه نصبه للشبه بالمفعول به ، وردّه بأنّ اسم التفضيل لا يشبه باسم الفاعل ، إذ لا يلحقه علامات الفروع إلا بشروط ، لكن قال في موضع آخر منه : الهاء في قولهم : لا عهد لي بألأم قفا منه ولا أوضعه ، في محلّ نصب كالهاء في «الضاربه» إلا أنّ ذاك مفعول ، وهذا مشبّة بالمفعول ، لأنّ اسم التفضيل (٢) لا ينصب المفعول إجماعا ، وليست مضافا إليها ، وإلا لخفض «أوضع» بالكسرة ، انتهى.

وقال الرضيّ : لا ينصب شبه المفعول كالحسن الوجه ، إمّا لأنّه لا ينصب المفعول به ، فلا ينصب أيضا شبهه ، وإمّا لأنّ نصب ذلك في الصفة فرع الرفع ، كما مرّ ، وهو توطئة للإضافة إلى ما كان مرتفعا به ، وهو لا يرفع الفاعل الظاهر إلا بشروط ، وإن رفع ذلك فلا يضاف إليه ، انتهى.

__________________

(١) صدر البيت «أكرّ وأحمي للحقيقة منهم» ، اللغة : القوانس : جمع قونس بمعنى أعلى البيضة من الحديد.

(٢) من لا يشبه حتى هنا محذوف في «س».

٦١٧

ولا خلاف في نصبه الظرف ، نحو : زيد أفضل الناس اليوم ، لأنّ الظرف يتوسّع فيه ، وتكفيه رائحة الفعل ، والحال نحو : زيد أحسن الناس متبسما ، لأنّها بمثابة الظرف ، وفي معناه التمييز نحو : (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) [الكهف / ٣٤] ، لأنّه في غاية الضعف ، إذ ينصبه ما يخلو عن معنى الفعل أيضا ، وما لا يشمّ رائحته نحو : راقود خلّا (١).

«ورفعه للظاهر» أي الموجود الّذي يسمع التلفّظ به ، فيشتمل الضمير المنفصل أيضا «قليل» مختصّ بلغة ضعيفة حكاها سيبويه «نحو رأيت رجلا أحسن منه أبوه» أو أنت ، ينصب أحسن على أنّه صفة لرجل ، ويرفع أبوه أو أنت على الفاعلية بأحسن على معنى فاقه في الحسن أبوه أو أنت ، وأكثر العرب يوجب رفع أحسن في ذلك على أنّه خبر مقدّم ، وأبوه أو أنت مبتدأ مؤخّر ، وفاعل أحسن ضمير مستتر فيه عائد على المبتدأ ، والجملة من المبتدأ والخبر في موضع نصب صفة لرجل ، ورابطها الضمير المجرور بمن.

ولا يرفعون به الظاهر لضعفه عن العمل ، لأنّه ليس له فعل بمعناه في الزيادة حيث يعمل عمله ، ولا هو مشابه لاسم الفاعل ، ليحمل عليه في العمل في الظاهر ، كما حملت عليه الصفة المشبهة في العمل فيه ، لأنّ اسم الفاعل يثنّى ويجمع ، واسم التفضيل لا يثنّى ولا يجمع ما هو الأصل فيه ، وهو المستعمل بمن ، بخلاف الصفة المشبة ، فإنّها تثنّى وتجمع كما مرّ.

«ويكثر ذلك» أي رفعه للظاهر في مسالة الكحل ، وضابطها أن يكون اسم التفضيل صفة في المعنى لاسم جنس مسبوق بنفي ، ومرفوعه أجنبيّا مفضلّا على نفسه باعتبارين «نحو» قول العرب : «ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد» ، فأحسن صفة لرجل ، وهو اسم جنس مسبوق بنفي ، والكحل مرفوع به على أنّه فاعله ، وهو أجنبيّ من الموصوف ، لكونه لم يتّصل بضميره ، وفي عينه ظرف مستقرّ حال من الكحل ، وقدّمت عليه ، ومنه لغو متعلّق بأحسن زيد ، وفي عين زيد مستقرّ حال من الضمير المجرور بمن ، والمعنى : ما رأيت رجلا أحسن الكحل كائنا في عينه منه ، أي من الكحل كائنا في عين زيد ، وقد ظهر أنّ الكحل الّذي هو مرفوع اسم التفضيل مفضّل على نفسه باعتبارين ، أمّا كونه مفضّلا فباعتبار كونه في عين الرجل ، وأمّا كونه مفضّلا على نفسه فباعتبار كونه في عين زيد.

قال في الهمع : ولاشتهار هذا المثال في ما بين النحاة بهذه المسألة عرفت بمسالة الكحل ، وإنّما ساغ لاسم التفضيل هنا ذلك العمل ، «لأنّه بمعنى الفعل» إذ يصحّ أن

__________________

(١) الراقود : إناء خزف مستطيل مقيّر.

٦١٨

يحلّ محله فعله مع استقامة المعنى ، فيقال : ما رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيد ، ولأنّه لو لم يعرب المرفوع في ذلك فاعلا كان مبتدأ ، وأحسن خبره ، ولزم الفصل بين أفعل ومعموله بأجنبيّ ، وهو الكحل.

تنبيهات : الأوّل : الأصل في هذه المسالة أن يقع الاسم الظاهر بين ضميرى ن : أوّلها للموصوف وثانيهما للظاهر ، كما مثّلنا ، وقد يحذف الضمير الثاني ، وتدخل من إمّا على الاسم الظاهر أو على محلّه أو على ذي المحلّ ، فتقول : ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل من كحل عين زيد ، أو من عين زيد ، أو من زيد ، فيحذف مضافا أو مضافين ، وقد لا يؤتي بعد المرفوع بشيء ، فتقول : ما رأيت كعين زيد أحسن فيها الكحل ، قالوا : ما أحد أحسن به الجميل من زيد ، والأصل ما أحد أحسن به الجميل من حسن الجميل بزيد ، ثمّ إنّهم أضافوا الجميل إلى زيد لملابسته له في المعنى ، ثمّ حذفوا المضاف ، وأقاموا المضاف إليه مقامه ، قاله في الأوضح.

الثاني : قال ابن مالك : لم يرد هذا الكلام المتضمّن رفع الظاهر إلا بعد النفي ، ولا بأس باستعماله بعد النهي والاستفهام الّذي فيه معنى النفي ، نحو : لا يكن أحد أحبّ إليه الخير منه إليك ، وهل رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد.

ومنع ذلك أبو حيّان ، فقال : يجب اتّباع السماع والاقتصار على ما قالته العرب على أنّ إلحاقهما ظاهر في القياس ، لكن الأولى اتباع السماع.

٦١٩

الاسم الّذي لا ينصرف

ص : خاتمة :

موانع صرف الاسم تسع : فعجمة

وجمع وتأنيث وعدل ومعرفة

وزائدتا فعلان ، ثمّ تركّب

كذلك وزن الفعل ، والتاسع الصّفة

بثنتين منها يمنع الصّرف

هكذا بواحدة نابت فقالوا مضعّفة

والعجمة تمنع صرف العلم العجمي العلميّة ، بشرط زيادته على الثلاثة : كإبراهيم ، ولا أثر لتحرّك الأوسط عند الأكثر ، والجمع يمنع صرف وزن مفاعل ومفاعيل : كدراهم ودنانير ، بالنّيابة عن علّتين ، وألحق به حضاجر للأصل ، وسراويل للشبه ، والتأنيث إن كان بألفي حبلى وحمراء ، ناب عن علّتين ، وإلا منع صرف العلم حتما ، إن كان بالتّاء كطلحة ، أو زائدا على الثلاثة : كزينب ، أو متحرّك الأوسط كسقر ، أو أعجميّا كجور ، فلا يتحتّم منع صرف هند ، خلافا للزجاج. والعدل يمنع صرف الصفة المعدولة عن أصلها ، كرباع ومربع وكأخر ، في : مررت بنسوة أخر ، إذ القياس بنسوة آخر ، لأنّ اسم التفضيل المجرّد عن اللام والإضافة مفرد مذكّر دائما ، ويقدّر العدل فيما سمع غير منصرف ، وليس فيه سوى العلمية : كزحل وعمر ، بتقدير زاحل وعامر.

والتعريف شرط تأثيره في منع الصرف العلمية ، والألف والنون يمنع صرف العلم كعمران ، والوصف الغير القابل للتاء كسكران ، فعريان منصرف ، ورحمن ممتنع ، والتركيب المزجيّ يمنع صرف العلم كبعلبك ، ووزن الفعل شرطه الاختصاص بالفعل ، أو تصديره بزائد من زوائد ، ويمنع صرف العلم كشمّر ، والوصف الغير القابل للتاء كأحمر ، فيعمل منصرف لوجود يعلمة ، والصفة تمنع صرف الموازن للفعل ، بشرط كونها الأصل فيه ، وعدم قبوله التاء ، فأربع في مررت بنسوة أربع منصرف لوجهين. وجميع الباب يكسر مع اللام والإضافة والضرورة.

ش : هذه خاتمة لمباحث الأسماء في موانع الصرف. قال ابن يعيش في شرح المفصّل اختلف النّحويّون في منع الصرف ، ما هو؟ فقال قوم : هو عبارة عن منع الاسم الجرّ والتنوين دفعة واحداة ، وليس أحدهما تابعا للآخر ، إذ كان الفعل لا يدخله جرّ ولا تنوين ، وهو قول بظاهر الحال ، وقال قوم ينتمون إلى التحقيق : إنّ الجرّ في الأسماء نظير الجزم في الأفعال ، فلا يمنع الّذي لا ينصرف ما في الفعل نظيره ، وإنّما المحذوف منه على الخفّة ، وهو التنوين وحده لثقل ما لا ينصرف لمشابهة الفعل ، ثمّ تبع الجرّ التنوين في الزوال ، لأن التنوين خاصّة للاسم ، والجرّ خاصة له ، فيتبع الخاصّة الخاصّة.

٦٢٠