الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

السيد علي خان المدني الشيرازي

الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

المؤلف:

السيد علي خان المدني الشيرازي


المحقق: الدكتور السيد أبو الفضل سجادي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: روح الأمين
الطبعة: ٠
ISBN: 978-964-518-296-8
الصفحات: ٩٤٧

ينكي أعداءه.

ولم يسمع رفع الفاعل بعد المعرّف بأل إلا في بيت ، وهو قول الشاعر [من الطويل] :

٦١٦ ـ عجبت من الرّزق المسئ إلهه

ومن ترك بعض الصّالحين فقيرا (١)

بنصب المسئ ورفع الإله ، وهو مصدر رزق يرزق رزقا كذكرا ، وأنكر ابن الطراوة وغيره أن يكون بكسر الراء مصدرا ، بل هو بمعنى المرزوق كالرعي والطحن ، فلا حجّة في البيت على هذا ، بل يرتفع إلهه بفعل مقدّر ، قاله المراديّ في شرح التسهيل.

اسم المصدر : تكميل : لا بأس بالتعرّض لذكر اسم المصدر تتميما للفائدة وتعميما للعائدة ، إذ لا يغني ذكر المصدر عن ذكره ، فنقول إنّه يطلق على ثلاثة أمور :

أحدها : ما لا يعمل اتّفاقا ، وهو ما كان من أسماء الأحداث علما كسبحان علما للتسبيح وفجار وحماد علمين للفجرة والمحمدة.

الثاني : ما اختلف في إعماله ، وهو ما كان اسما لغير الحدث ، فاستعمل له كالعطاء ، فإنّه في الأصل اسم لما يعطي ، ثمّ استعمل لمعنى الاعطاء ، والكلام فإنّه في الاصل اسم للملفوظ به من الكلمات ، ثمّ نقل إلى معنى التكليم ، فهذا النوع ذهب الكوفيّون والبغداديّون إلى جواز إعماله ، واحتجّوا عليه بما ورد من نحو قوله [من الوافر] :

٦١٧ ـ أكفرا بعد ردّ الموت عنّي

وبعد عطائك المائة الرّتاعا (٢)

وقوله [من البسيط] :

٦١٨ ـ قالوا كلامك هندا وهي مصغية

يشفيك قلت صحيح ذاك لو كانا (٣)

والبصريّون يمنعونه ، ويقدّرون للمنصوب بعده فعلا يعمل فيه ، لأنّه لم يكثر كثرة تقتضي أن يقاس عليه.

الثالث : ما يعمل اتّفاقا ، وهو ما بدئ بميم زائدة بغير المفاعلة كمضرب والمقتل ، لأنّه مصدر في الحقيقة ، ويسمّى المصدر الميميّ ، وإنّما سمّوه أحيانا اسم مصدر تجوّزا ، قال ابن هشام : ومن إعماله قول الشاعر [من الكامل] :

__________________

(١) لم يسمّ قائله.

(٢) البيت للقطامي ، واسمه عمر بن شميم ، وهو ابن أخت الأخطل. اللغة : أكفرا : حجودا للنعمة ، ونكرانا للجميل ، ردّ : منع ، الرتاع : جمع راتعه : وهي من الابل الّتي تبرك كي ترعي كيف شاءت لكرامتها على أصحابها.

(٣) لم يعين قائله : اللغة : مصغية : اسم فاعل من أصغى ، وتقول : أصغى فلان إلى حديث فلان : إذا أمال أذنه إليه ليسمعه. يشفيك : يذهب ما بك من سقام الحب.

٥٨١

٦١٩ ـ أظلوم إنّ مصابكم رجلا

أهدى السّلام تحيّة ظلم (١)

فمصاب مصدر ميميّ مضاف إلى فاعله ، ورجلا مفعوله ، وجملة أهدي السّلام نعت رجلا وتحية مفعول مطلق على حدّ قعدت جلوسا ، وظلم خبر أنّ ، وظلوم اسم امراة منادي بالهمزة.

ولهذا البيت حكاية شهيرة بين أهل الأدب ذكر أبو محمد الحريرى (٢) في درّة الغواص ، وهي ما رواه أبو العباس المبرّد. قال : قصد بعض أهل الذمّة أبا عثمان المازنيّ ، ليقرأ كتاب سيبويه عليه ، وبذل له مائة دينار على تدريسه إيّاه ، فامتنع أبو عثمان من قبول بذله ، وأصرّ على ردّه. قال ، فقلت : له جعلت فداك ، أتردّ هذه النفقة مع فاقتك (٣) وشدّة إضافتك؟ فقال : إنّ هذا الكتاب يشمل على ثلاثمائة وكذا وكذا آية من كتاب الله ، ولست أري إن أمكن منها ذمّيّا غيرة على كتاب الله تعالى وحميّة له ، قال فاتّفق أن غنّت جارية بحضرة الواثق (٤) بقول العرجيّ [من الكامل] :

٦٢٠ ـ أظلوم إنّ مصابكم رجلا

 ... (٥)

فاختلف من بالحضرة في إعراب رجل ، فمنهم من نصبه ، وجعله اسم إنّ ، ومنهم من رفعه على أنّه خبرها ، والجارية مصرّة على أنّ شيخها أبا عثمان لقّنها إيّاه بالنصب ، فأمر الواثق بأشخاصه ، قال أبو عثمان ، فلمّا مثّلت بين يديه ، قال : ممّن الرجل؟ قلت : من بني مازن ، قال أي الموازن؟ أمازن قيس أم مازن ربيعة؟ قلت : من مازن ربيعة ، فكلّمني بكلام قومي ، فقال لي با اسمك؟ لأنّهم يقلبون الميم باء ، والباء ميما ، قال : فكرهت أن أجيبه على لغة قومي ، لئلّا أواجهه بالمكر. فقلت : بكري أمير المومنين ، ففطن لما قصدته ، وأعجب له ، ثمّ قال : ما تقول في وقول الشاعر [من الكامل] :

٦٢١ ـ أظلوم إنّ مصابكم رجلا

 ... (٦)

أترفع رجلا أم تنصبه؟ فقلت : إنّ الوجه النصب يا أمير المومنين. قال : ولم ذلك؟

فقلت : إنّ مصابكم مصدر بمعنى أصابتكم ، فأخذ اليزيديّ في معارفتي ، فقلت ، هو بمترلة قولك : إنّ ضربك زيدا ظلم ، فالرجل مفعول مصابكم ومنصوب به ، والدليل عليه أنّ

__________________

(١) ينسب هذا البيت إلى العرجي ونسبه آخرون إلى الحارث بن خالد المخزومي. ظلوم : أصله مبالغة ظالمة ، وقد يكون باقيا على أصل معناه وهو الوصف. وقد يكون منقولا إلى اسم امراة كما اختاره المؤلف. اللغة : مصابكم : مصدر ميمي بمعنى الإصابة.

(٢) أبو محمد قاسم بن على الحريرى المتوفى سنة ٥١٦ ه‍ ، أديب من أهل البصرة ، من أدباء بدء الانحطاط ، أشهر مؤلّفاته «المقامات» من كتبه «درّة الغواص في أوهام الخواص» بغية الوعاة ٢ / ٢٥٧.

(٣) الفاقة : الفقر والحاجة.

(٤) الواثق بالله (هارون بن المعتصم) خليفة عباسي (٢٢٧ ـ ٢٣٢ ه‍).

(٥) تقدم برقم ٦١٩.

(٦) تقدم برقم ٦١٩ و ٦٢٠.

٥٨٢

الكلام معلّق إلى أن تقول ظلم ، فيتمّ الكلام ، فاستحسنه الواثق ، ثمّ أمر لي بألف دينار ، قال أبو العباس : فلمّا عاد إلى البصرة ، قال لي كيف رأيت يا أبا العباس رددناه لله مائة ، فعوّضنا ألفا ، انتهى ملخصا.

تنبيهات : الأوّل : قال العينيّ : قائل البيت المذكور الحارث بن الخالد بن العاص بن هشام المخزوميّ ، وما قاله الحريري أنّه للعرجيّ ليس بصحيح ، قال : والصواب ظليم ترخيم ظليمة ، وهو اسم أمّ عمران المذكورة في أوّل القصيدة.

الثاني : ما حكاه من أنّ المعارض للمازنيّ هو إلى زيديّ ذكره غيره أيضا ، وفيه نظر ، لأنّ إلى زيديّ الإمام أبا محمد كان يؤدّب المأمون الرشيد ، وتوفّي سنة اثنتين ومأتين على ما أرّخه ابن خلّكان والسيوطيّ في المزهر ، والواثق تولّي بعد موت أبيه المعتصم سنة سبع وعشرين ومأتين ، قال الصلاح الصفديّ : ولعلّ إلى زيديّ المذكور في هذه القصّة أحد أولاده ، فإنّهم خمسة ، كلّهم علماء أدباء شعراء رواة الأخبار ، انتهى.

وفي السراج والّذي رأيته في كتاب البصائر لأبي حيان التوحيديّ أنّ المعارض للمازنيّ في ذلك هو يعقوب بن السكيت وهذا هو الأقرب ، انتهى.

والّذي يؤيّد أنّ المعارض يعقوب ابن السكّيت ما ذكره أبو الطيب اللغويّ في مراتب النّحويّين أنّه شجريين محمد بن عبد الملك الزيات وأحمد بن أبي داود في هذا البيت ، فقال محمد : إنّ مصابكم رجلا ، وقال أحمد : رجل ، فسألا عنه يعقوب بن السكيت ، فحكم لأحمد بن أبي داود عصبيّة لا جهلا.

الثالث : قال الدمامينيّ في التحفة يمكن أن يراد على تقدير رفع الرجل في البيت معنى صحيحا ، ولا فساد ألبتّة ، وذلك بأن يجعل المصاب اسم مفعول لا مصدر ، وهو اسم إنّ ، ويرفع رجل على أنّه خبرها ، وأهدي السّلام تحيّة جملة في محلّ رفع على أنّها صفة رجل ، وقوله : ظلم على أنّه خبر مبتدأ محذوف ، أي هذا ظلم ، ويمكن أن يجعل صفة أخري لرجل على وجه المبالغة ، أي مظلوم كالدراهم ضرب الأمير ، فيحصل للبيت بما ذكرناه معنى يترقرق به أسارير وجهة من أمور الصحّة ولا يلمّ بساحته طارق فساد.

٥٨٣

اسم الفاعل واسم المفعول

ص : الثّاني والثالث اسم الفاعل والمفعول ، فاسم الفاعل : ما دلّ على حدث ، وفاعله على معنى الحدوث ، فإن كان صلة لأل عمل مطلقا ، وإلا فيشترط كونه للحال والاستقبال واعتماده بنفي أو استفهام أو مخبر عنه أو موصوف أو ذي حال ، ولا يعمل بمعنى الماضي خلافا للكسائي. و (كَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) حكاية حال ماضية.

واسم المفعول : ما دلّ على حدث ومفعوله ، وهو في العمل والشّرط كأخيه.

ش : «الثاني والثالث» من الأسماء العاملة عمل الفعل «اسم الفاعل واسم المفعول» ولو كانا مثنيين أو مجموعين ، «فاسم الفاعل» قال ابن الحاجب : وبه سمّي لكثرة الثلاثيّ وغلبة اسم الفاعل على هذا الوزن ، فلم يقولوا اسم المفعل ولا اسم المستفعل ، فجعل اسم الفاعل بمعنى اسم له مزيد اختصاص بهذه الهيئة.

قال بعض المحقّقين ، وفيه نظر : لأنّه وإن كان وجها معقولا ، لكن لنا شاهد على أنّ قصدهم ليس إلى ذلك ، بل قصدهم باسم الفاعل إلى اسم موضوع لذات قام به الفعل ، وليس المفعل والمستفعل وغيرهما بهذا المعنى ، والشاهد أنّهم سمّوا أخوات اسم الفاعل بالاسم المضاف إلى المدلول ، لا إلى الوزن كاسم الآلة واسم الزمان واسم المكان واسم التفضيل ، ويمكن دفعه بأنّه لم يرد أنّ اسم الفاعل بمعنى اسم هو على وزن الفاعل ، بل أراد به الاسم الموضوع لذات قام بها الفعل ، وإنّما اختير له هذا الاسم باعتبار كونه فاعلا لا المفعل باعتبار أنّه جاعل شخص فاعلا كالمفرح ، فإنّه جاعل شخص فرحا ، ولا المستفعل باعتبار أنّه طالب الفعل كالمستخرج ، فإنّه طالب الخروج ، لأنّ هذه الصيغة غالبة.

نعم يتّجه أنّ اختيار هذا الاسم وجها أظهر ممّا ذكره ، وهو أنّ معنى لفظ الفاعل أكثر وجودا في أفراد اسم الفاعل من المعاني المفعل والمستفعل (١) ونحوهما ، وبناء التسمية باسم الفاعل على الأكثر. هذا إذا قلنا : إنّ لفظ اسم الفاعل اسم الفاعل مشتقّ من الفعل ، كما هو الأظهر والأنسب بالتسمية باسم المفعول ، أمّا لو قيل : بأنّه صيغة نسبة ، أي ما له نسبة إلى الفعل كان اسم الفاعل شاملا للجميع بلا كلفة.

«ما» أي اسم ، فلا يشتمل الفعل لما مرّ «دلّ على حدث ، وفاعله على معنى الحدوث» فالدّالّ على الحدث بمترلة الجنس يشتمل جميع الأوصاف ، وخرج بذكر فاعله

__________________

(١) من نعم حتى هنا سقطت في «س».

٥٨٤

اسم المفعول ، فإنّه إنّما يدلّ على مفعوله لا على فاعله ، وبقوله : على معنى الحدوث ، اسم التفضيل والصفة المشبّهة ، فإنّهما يدلّان على معنى الثبوت لا الحدوث ، كذا قال غير واحد.

والتحقيق : أنّهما لمطلق الحدث من غير تقييد بثبوت أو حدوث ، ولهذا يشتقّ اسم التفضيل من الحادث ، نحو : أضرب ، ومن الثابت نحو : أحسن ، وهما خارجان بهذا القيد على هذا التحقيق أيضا ، لأنّهما ليسا على معنى الحدوث فقط ، بل أعمّ.

تنبيهات : الأوّل : المراد عندهم بالحدوث عدم استمرار الحدث للذات بعد ما حدث لها وبالثبوت ما يقابله ، لا ما يكون مسبوقا بالعدم كما هو اصطلاح المتكلّمين ، ويقابله القدم ، قاله بعض المحقّقين.

الثاني : لا يرد على اعتبار الحدوث أنّه مخرج لما كان من اسم الفاعل للثبوت كالرازق والعالم من أسماء الله تعالى ، لأنّ الثبوت فيهما ليس مدلولا لللفظ ، بل مستفاد من العلم بأنّ كلّ ما هو صفة لله تعالى ، فهو مستمرّ به.

الثالث : قيل : هذا الحدّ منقوض بنحو : خالد ودائم وثابت وراسخ ومستمرّ ، ممّا يدلّ على الدوام والثبوت ، مع أنّ كلّا منها اسم فاعل ، وليس على معنى الحدوث ، وأجاب عنه القاضي شهاب الدين (١) في شرح الكافية بأنّها يدلّ على حدوث الخلود والدوام والثبوت والرسوخ والاستمرار ، وفيه نظر ، يظهر من تفسير الحدوث المتقدّم ذكره ، فإنّه ظاهر على معنى الحدوث باصطلاح المتكلّمين لا باصطلاح النّحويّين ، ولعلّ الأظهر في الجواب أن يقال : إنّ الثبوت والدوام في نحو ذلك مدلول المادّة لا الصيغة.

عمل اسم الفاعل المقترن بأل : «فإن كان» اسم الفاعل «صلة لأل عمل» عمل فعله «مطلقا» أي : سواء كان ماضيا أم حالا أم مستقبلا ، وسواء اعتمد على ما سيأتي أم لا ، لوقوعه حينئذ موقع الفعل ، وهو فعل إن أريد به المضي ، ويفعل إن أريد به الحال والاستقبال ، كجاء الضّارب زيدا أمس ، أو الآن ، أو غدا.

تنبيهات : الأوّل : جعله اسم الفاعل صلة لأل كغيره فيه تسامح ، لأنّ الصلة إنّما هي الجملة الّتي هو منها ، لا هو وحده.

الثاني : إنّما قال : فإن كان صلة لأل ، ولم يقل : فإن كان بأل مثلا ، لأنّه لو كان بأل المعرفة لم يعمل ، قال ابن الخباز في شرح الدّرة الألفية عند قول الناظم [من الرجز] :

__________________

(١) شهاب الدين أحمد بن عمر الهندي المتوفى سنة ٨٤٩ ه‍ من شرّاح الكافية وعلى شرحه حاشية لميان الله داد الجانبوري. كشف الظنون ، ٢ / ١٣٧١.

٥٨٥

٦٢٢ ـ وإن ترد به المضيّ فأضف

وإن تعرّفه بلام وألف

فالنصب لازم بكلّ حال

في الحال والماضي والاستقبال

في جعله اللام معرفة نظر ، لأنّ المعرفة بعيدة عن مذهب الفعل. وقال ابن هشام في شرح اللمحة : إنّها متى قدّرت للتعريف اقتضي القياس أن لا يعمل شيئا ، نصّ على ذلك أصحاب الأخفش سعيد ، وهو الحقّ لمن تأمّله. وقال في المعنى : لو صحّ أنّ أل في اسمي الفاعل والمفعول حرف تعريف لمنعت من إعمالها ، كما منع منه التصغير والوصف ، انتهى.

ومن زعم أنّها فيها حرف تعريف كالأخفش زعم أنّ انتصاب الاسم في نحو : الضارب زيدا على التشبيه بالمفعول ، وردّ بأنّ المشبه إنّما يكون سببيّا ، وهذا ينصب الأجنبيّ كما في المثال ، وقيل : انتصابه بفعل مضمر ، ولا عمل لاسم الفاعل مطلقا ، فالتقدير في المثال ضرب زيدا ، أو يضرب ، وهي دعوى بلا دليل ، وبهذا ينتقد ما حكاه بدر بن مالك من أنّ عمل المقرون بأل مطلقا مرضيّ عند جميع النحاة.

الثالث : قوله : عمل مطلقا هو المشهور الّذي عليه الجمهور ، وزعم الرمانيّ وأبو على في كتاب الشعر أنّه إذا كان بأل لا يعمل إلا ماضيا. قال أبو على في الكتاب المذكور في قول جرير [من البسيط] :

٦٢٣ ـ فبتّ والهمّ تغشاني طوارقه

من خوف رحلة بين الظاعنين غدا (١)

أنّ غدا متعلّق بخوف أو ببين ، لا بالظاعنين.

قال الرضيّ : ولعلّ ذلك ، لأنّ المجرّد من اللام لم يكن يعمل بمعنى الماضي ، فتوسّل إلى إعماله بمعناه باللام ، وإن لم يكن مع اللام اسم فاعل في الحقيقة ، بل هو فعل في صورة الاسم ، ونقل ابن الدهان ذلك عن سيبويه ، ولم يصرّح سيبويه بذلك ، بل قال :

الضارب زيدا بمعنى ضرب ، ويحتمل تفسيره بذلك أنّه إذا عمل بمعنى الماضي فالأولى جواز عمله بمعنى الحال والاستقبال ، إذا كان مع التجريد يعمل بمعناها.

«وإلا» يكن صلة لأل «فيشترط» لعمله «كونه للحال أو الاستقبال» لتتمّ مشابهته للفعل لفظا من جهة موافقته له في الحركات والسكنات ، ومعنى من جهة اقتران حدثه بأحد الزمانين ، أمّا إذا كان للماضي فإنّها يشابهه معنى لا لفظا ، لأنّه لا يوازنه مستمرا.

«واعتماده على نفي» بحرف أو اسم أو فعل نحو : ما أو غير أو ليس ضارب زيد عمرا الآن أو غدا ، «أو» على «استفهام» بحرف أو اسم ، نحو : أضارب أو كيف ضارب

__________________

(١) اللغة : تغشاني : تغطيني ، الطوارق : جمع الطارق أي : الحادث أو الحادث ليلا ، الرحلة : اسم مصدر بمعنى الارتحال ، الظاعنون : المرتحلون.

٥٨٦

زيد عمرا الآن أو غدا ، «أو» على اسم «مخبر عنه» الظرف نائب الفاعل. والمراد مخبر عنه باسم الفاعل ، نحو : زيد ضارب عمرا الآن أو غدا ، أو كان زيد ضاربا عمرا ، أو إنّ زيدا ضارب عمرا ، أو ظننت زيدا ضاربا عمرا ، أو أعلمت زيدا عمرا ضاربا بكرا الآن أو غدا.

«أو» على اسم «موصوف» به ، نحو : مررت برجل ضارب عمرا الآن أو غدا ، «أو» على اسم «ذي حال» ، نحو : جاء زيد راكبا فرسا ، والاعتماد على المقدّر كالاعتماد على الملفوظ به ، نحو : مهين زيد عمرا أم مكرمه؟ أي أمهين ، ونحو : ضارب عمرا الآن أو غدا لمن قال : أضارب زيد عمرا. أي هو ضارب ، ونحو قوله [من البسيط] :

٦٢٤ ـ كناطح صخرة يوما ليوهنها

 ... (١)

أي كوعل ناطح.

قيل : ومنه يا طالعا جبلا ، أي يا رجلا طالعا ، وقد مرّ ما فيه في بحث المنادى. وقال ابن مالك : إنّه اعتمد على حرف النداء ، وردّ ابنه بأنّ المعتمد عليه ما يقرب الوصف من الفعل ، وحرف النداء لا يصلح لذلك ، لأنّه من خواصّ الأسماء ، انتهى بالمعنى. والأصل فيه أن يعتمد على صاحبه من مخبر عنه أو موصوف أو ذي حال ، لأنّه وصف يقتضي أن يكون له موصوف ، فقياسه أن لا يقع إلا مع صاحبه ، وذكره بدونه يخرجه عن أصل وضعه ، فيلتحق بالجوامد ، فلا يعمل ، وإنّما اشترط عند فقدان الاعتماد على صاحبه اعتماده على النفي والاستفهام ، لأنّهم قصدوا به قصد الفعل نفسه ، فجرى مجراه ، وقد علم بالاستقراء أنّهم لا يستعملون الوصف قائما مقام الفعل إلا مع النفي أو الاستفهام.

تنبيهات : الأوّل : اشتراط أحد الزمانين والاعتماد أنّما هو للعمل في المنصوب لا لمطلق العمل بدليلين : أحدهما إنّه يصحّ زيد قائم أبوه أمس ، والثاني : إنّهم لم يشترطوا الصحّة نحو : أقائم الزيدان كون الوصف بمعنى الحال أو الاستقبال قاله ابن هشام في المغني.

الثاني : إذا قصد باسم الفاعل الاستمرار لم يعمل ، كما إذا كان بمعنى المضي ، فتكون إضافته حقيقة. ووقع للزمخشريّ في الكشاف أنّه يعمل ، وإن كانت إضافته غير حقيقية. قال في قوله تعالى : وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا (٢) [الأنعام

__________________

(١) تمامه «فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل» ، وهو للأعشى. اللغة : ليوهنها : مضارع أوهن الشيء إذا أضعفه. أو هي : أضعف ، الوعل : تيس الجبل ، أي ذكر الأروى.

(٢) في القرآن (وَجَعَلَ اللَّيْلَ ...) وو جاعل الليل ... على حسب قراءة بعض القرّاء.

٥٨٧

/ ٩٦] ، قرئ بجرّ الشمس والقمر عطفا على الليل ، وبنصبهما بإضمار جعل ، أو عطفا على محلّ الليل ، لأنّ اسم الفاعل هنا ليس في معنى المضيّ ، فتكون إضافته حقيقية ، بل هو على جعل مستمرّ في الأزمنة المختلفة ، ومثله : (فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى) [الأنعام / ٩٥] ، و (فالِقُ الْإِصْباحِ) [الأنعام / ٩٦] ، كما تقول : زيد قادر وعالم ، ولا تقصد زمانا دون زمان ، انتهى.

وناقض ذلك في محلّ آخر منه ، فقال : إذا قصد باسم الفاعل معنى الماضي كقولك : هو مالك عبده أمس أو زمان مستمرّ كقولك : زيد مالك العبيد ، كانت الإضافته حقيقية كقولك : مولي العبيد ، قال : وهذا هو المعنى في : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الحمد / ٣] ، انتهى. فالتناقض بين كلاميه ظاهر.

قال السعد التفتازاني في حواشيه : وذكر في وجه التوفيق أنّ الاستمرار لما تناول الماضي الحال والاستقبال فبالنظر إلى حال الماضي تجعل الإضافة حقيقية كما في : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وإلى الأخيرين غير حقيقية كما في : جاعل الليل سكنا ، انتهى.

وقال المحقّق الجرجاني : وأجيب بأنّه أيضا لا منافاة بين أن يكون المستمرّ عاملا ومضافا إضافة حقيقية ، لأنّ المستمرّ لمّا احتوي على المضي ومقابليه روعي الجهتان معا ، فجعلت الإضافة حقيقية نظرا إلى الجهة الأولى ، واسم الفاعل عاملا نظرا إلى الجهة الثانية ، وليس بشيء ، لأنّ مدار كون إضافته حقيقية أو غيرها على كونه عاملا أو غير عامل ، انتهى.

وقال بعض المحقّقين : ـ ونعم ما قال ـ إن المستمرّ يصحّ عمله نظرا إلى اشتماله على الحال أو الاستقبال وإلغاؤة نظرا إلى الماضي ، فتحتمل إضافته قسمي الإضافة.

الثالث : زاد بعضهم لعمل اسم الفاعل شرطين آخرين : أحدهما أن لا يصغّر ، والثاني أن لا يوصف ، فلا يقال : جاء رجل ضويرب زيدا ، ولا رأيت ضاربا مسيئا زيدا لمباينته حينئذ للفعل. قال ابن مالك في سبك المنظوم : لا خلاف في منع عمل المصغّر ، وردّ بأنّ الكوفيّين خلا الفرّاء أجازوه مطلقا قياسا على المثنّى والمجموع.

وأمّا إعمال الموصوف ففيه ثلاثة مذاهب : المنع مطلقا ، وعليه ابن مالك وأبو البقاء ، والجواز مطلقا ، وعليه الكسائيّ وغير الفرّاء من الكوفيّين ، والجواز بعد العمل لا قبله وعليه البصريّون والفرّاء.

الرابع : وجود الشروط لا يوجب عمله ، بل تجوز إضافته إلى مفعوله ، وقد قرئ بالوجهين : (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ) [الطلاق / ٣] ، (هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ) [الزمر / ٣٨].

٥٨٨

وظاهر كلام سيبويه أنّ النصب أولى من الجرّ ، وجزم به ابن هشام في المغني ، وهو الصحيح كما مرّ. وقال الكسائيّ : هما سواء ، وهو ظاهر كلام ابن مالك. وقال أبو حيّان : والّذي يظهر لي أنّ الجرّ أولى من النصب ، لأنّ الأصل في الاسمين إذا تعلّق أحدهما بالآخر الإضافة ، والعمل أنّما هو على التشبيه بالفعل ، فالحمل على الأصل أولى.

الخامس : لم يشترط الأخفش والكوفيّون الاعتماد محتجّين بقوله [من الطويل] :

٦٢٥ ـ خبير بنو لهب فلاتك ملغيا

مقالة لهبيّ إذا الطير مرّت (١)

وذلك أنّ بنو لهب فاعل بخبير مع أنّه لم يعتمد ، وأجاب البصريّون بأنّه على التقديم والتأخير ، فبنو لهب مبتدأ ، وخبير خبر ، وردّ بأنّه يلزم منه الإخبار بالمفرد عن الجمع ، وأجيب بأنّ فعيلا قد يستعمل للجماعة كقوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) [التحريم / ٤].

حكم تابع ما أضيف اسم الفاعل إليه : فائدة : لك في تابع المعمول المجرور باسم الفاعل «كمبتغي جاه ومالا من نصب (٢)» الجرّ على اللفظ والنصب على المحل عند الكوفيّين وجماعة من البصريّين والزمخشريّ وابن مالك من المتأخّرين وبإضمار عامل عند سيبويه ومحقّقي البصريّين.

«ولا يعمل» اسم الفاعل «بمعنى الماضي خلافا للكسائي» ، وهو على بن حمزة الكوفيّ الأسديّ ، وإنّما قيل له : الكسائيّ لأنّه أحرم في كساء ، وقيل : لأنّه دخل الكوفة ، وجاء إلى حمزة بن جيب ملتفا بكساء ، فقال حمزة : من يقرأ؟ فقيل له : صاحب كساء ، فبقى عليه ، ووافقه هشام وابن مضاء ، وأجازوا إعماله بمعنى الماضي مع كونه عاريا من أل وغيره مقصود به الحكاية ، وحجّتهم من القياس أنّه في معنى الفعل مشتقّ منه ، وردّ بأنّ عمله لمشابهته له لا لكونه في معنى الفعل فقط ، وإلا لوجب أن يعمل لذلك اسم التفضيل ونحوه ممّا هو في معنى الفعل ، ومن السماع قوله تعالى : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) [الكهف / ٢٨] ، فباسط بمعنى الماضي ، وعمل في ذراعيه النصب ، ولا حجّة لهم فيه ، لأنّه حكاية حال ماضية ، والمعنى يبسط ذراعيه بدليل أنّ الواو في كلبهم للحال ولهذا قال تعالى : (وَنُقَلِّبُهُمْ) [الكهف / ١٨] ، ولم يقل : وقلبناهم.

__________________

(١) هذا البيت ينسب إلى رجل طائي ، ولم يعين اسمه. اللغة : خبير : من الخبرة ، وهي العلم بشيء. بنو لهب : جماعة من بني نصر بن الأزد ، ملغيا : اسم فاعل من الإلغاء بمعنى مهمل.

(٢) أشار إلى بيت من ألفية ابن مالك :

واجرر أو انصب تابع الّذي انخفض

كمبتغي جاه ومالا من نهض

٥٨٩

قال الأندلسيّ : معنى حكاية الحال أن تقدّر نفسك كأنّك موجود في ذلك الزمان ، أو تقدّر ذلك الزمان كأنّه موجود الآن ، ولا يريدون به أنّ اللفظ الّذي في ذلك الزمان (١) محكى الآن على ما يلفظ به كما في قوله : دعنا من ثمرتان ، بل المقصود حكاية الحال حكاية المعاني الكائنة حينئذ لا الألفاظ.

قال الزمخشريّ : معنى حكاية الحال أن تقدّر أنّ ذلك الفعل الماضي واقع في حال التّكلّم ، كما في قوله تعالى : (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ) [البقرة / ٩١] ، وإنّما يفعل هذا في الفعل الماضي المستغرب ، كأنّك تحضره للمخاطب وتصوّره له ، ليتعجّب منه ، تقول : رأيت الأسد فأخذ السيف فقتله.

تنبيهان : الأوّل : إنّما جعلت الواو من : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ) من كلام المصنّف لا من جملة الآية ليرتبط الكلام ، فتكون للاستئناف ، والجملة مستأنفة ، وجعلها بعضهم من جملة الآية ، وهو كما ترى. فإن قلت : يلزم على صنعك حذف الواو الّتي هي جزء من الآية ، قلت : لا محذور في ذلك فقد وقع مثله في كلامه (ص) ، نبّه على ذلك النوويّ (٢) وغيره.

الثاني : محلّ الخلاف ، أنّما هو في رفعه الظاهر ونصب المفعول به ونحوه من المعمولات الفعلية لكونها أجنبيّة. أمّا رفعه الضمير المستتر فحكى ابن عصفور الاتّفاق عليه ، وتعقّبه أبو حيّان بأنّ ابن خروف وابن طاهر على أنّه لا يرفعه ولا يتحمّله. قال : والّذي تلقّيناه عن الشيوخ أنّه يتحمّله لاشتقاقه ، وأمّا النصب للظرف ، فيجوز ، لأنّه تكفيه رائحة الفعل ، والظاهر أنّ الحال والمفعول المطلق مثله ، لأنّ الحال كالظرف ، والمفعول المطلق ليس بأجنبيّ.

وأمّا رفعه الظاهر فقال أبو حيّان : إنّ ظاهر كلام سيبويه جوازه ، وهو اختيار ابن عصفور وبعض النّحويّين. قال الرضيّ : عمل اسم الفاعل والمفعول الرفع جائز مطلقا ، سواء كانا بمعنى الماضي أو الحال أو الاستقبال ، أو لم يكونا لأحد الأزمنة الثلاثة ، بل كانا للإطلاق المستفاد منه الاستمرار ، نحو : زيد ضامر بطنه ومسوّد وجهه ، لأنّ أدني مشابهة الفعل تكفي في عمل الرفع لشدّة اختصاص المرفوع بالفعل ، وخاصّة إذا كان سببيّا ، ويعملانه في غير السبب أيضا بمعنى الإطلاق كانا ، أو بأحد الأزمنة الثلاثة ، نحو : مررت برجل قائم في داره عمرو ومضروب على بابه بكر ، انتهى.

__________________

(١) سقطت هذه الجمل في «ح».

(٢) النّووي (يحيي بن شرف) (ت ٦٧٦ ه‍ / ١٢٧٧ م) محدّث من الأئمه ، من مصنفاته «الأربعول النووية» و «تهذيب الأسماء واللغات» المنجد في الأعلام ص ٥٨١.

٥٩٠

تكميل : تحوّل صيغة فاعل للمبالغة والتكثير إلى فعّال بفتح الفاء وتشديد العين ، أو فعول بفتح الفاء ، أو مفعال بكسر الميم ، أو فعيل بفتح الفاء وكسر العين وبعدها ياء ، أو فعل بفتح الفاء وكسر العين بلا ياء ، فتعمل عمله بشروطه المتقدّمة عند سيبويه وأصحابه للسماع والحمل على أصلها ، وأكثرها استعمالا فعّال وفعول ، كقوله [من الطويل] :

٦٢٦ ـ أخا الحرب لبّاسا إليها جلالها

وليس بولّاج الخوالف أعقلا (١)

وقول الآخر [من الطويل] :

٦٢٧ ـ ضروب بنصل السّيف سوق سمانها

إذا عدموا زادا فإنّك عاقر (٢)

ثمّ مفعال كقولهم : إنّه لمنحار بوائكها أي سمانها ، حكاه سيبويه ، ثمّ فعيل كقولهم : إنّ الله سميع دعاء من دعاه ، ثمّ فعل ، كقوله [من الوافر] :

٦٢٨ ـ أتاني أنّهم مزقون عرضي

حجاش الكرملين لها فديد (٣)

قال سيبويه : وفعل أقلّ من فعيل بكثير ، ولم يجز الكوفيّون إعمال شيء منها لمخالفتها لأوزان المضارع ولمعناه ، ومتى وجدوا بعد شيء منها منصوبا قدّروا له فعلا ، ومنعوا تقديمه عليهم ، ويردّ عليه قول العرب. أمّا العسل فأنا شرّاب. ومنع أكثر البصريّين إعمال فعيل وفعل لقلّة استمالهما.

وأجاز المازنيّ إعمال فعل دون فعيل ، لأنّه على وزن الفعل كعلم وفهم ، وأنكره الجرميّ دون فعيل ، لأنّه أقلّ ورودا حتى أنّه لم يسمع إعماله في نثر. وقال أبو حيّان : لا يتعدّي فيهما السماع بخلاف الثلاثة فيقاس عليها.

اسم المفعول وإعماله : «واسم المفعول» ، قال بعضهم : ولفظ مفعول هنا في تقدير المفعول به على الحذف والإيصال ، لأنّ المفعول هو الحدث ، وما وقع عليه الحدث مفعول به ، وإمّا على ما ذكره ابن الحاجب في اسم الفاعل ، إنّ إضافة الاسم إلى الصيغة

__________________

(١) هو للقلاخ بن حزن بن جناب. اللغة : إليها : إلى بمعنى اللام ، جلالها : جمع جل ، وأراد به ما يلبس في الحرب من الدرع ونحوها ، ولاج : كثير الولوج ، الخوالف : جمع خالفة : عمود الخباء ، لكنّه أراد به هنا نفس الخيمة ، أعقلا : مأخوذ من العقل ، وهو التواء الرجل من الفزع ، أو اصطكاك الركبتين.

(٢) هو من قصيدة لأبي طالب بن عبد المطلب. اللغة : النصل : من السيف حدّه ، السوق : جمع ساق ، السمان : جمع سمينة ، ضدّ الهزيلة والضمير فيه للإبل ، الزاد : طعام المسافر ، العاقر : فاعل من العقر ، كناية عن نحرها والإطعام بها.

(٣) هذا البيت لزيد الخير وكان اسمه زيد الخيل ، فسماه النبي (ص) زيد الخبر. اللغة : حجاش : جمع حجش ، وهو ولد الحمار ، الكرملين : تثنية كرمل ، وهو ماء بجبل طئ ، فديد : صوت.

٥٩١

الّتي هي الأكثر في باب اسم الفاعل ، فلا حاجة إلى الحذف والإيصال ، وكأنّه الّذي جراه على ما قال.

«ما» أي اسم «دلّ على حدث ومفعوله» ، فخرج بقوله : ومفعوله ، ما عدا المحدود من الصّفات والمصادر ، ولم يقل هنا بمعنى الحدوث ، كما ذكره في حدّ اسم الفاعل ، وإن كان كذلك ، لأنّ ذكره هناك لإخراج الصفة المشبّهة واسم التفضيل كما مرّ ، وهما هنا خارجان بقوله : ومفعوله ، كما علم ، فلم يحتج إلى ذكره.

«وهو في العمل وشرطه كأخيه» اسم الفاعل ، يعني كما يعمل اسم الفاعل عمل فعله ، يعمل هذا عمل فعله المبنيّ للمفعول ، ويشترط لصحّة عمله جميع ما اشترط في ذلك ، حتى عدم التصغير والوصف عند من اشترطه ، نحو : جاء المعطى غلامه دينارا ، أو نحو : مررت برجل معطى غلامه دينارا الآن أو غدا.

تنبيه : بناء اسم المفعول من الثلاثيّ المجرّد على زنة مفعول كمضروب ، ومن غيره على زنة اسم الفاعل مفتوحا ما قبل آخره كمكرم ومستخرج ، ولا يعمل عمل الفعل المبنيّ للمفعول من الصفات غير هاتين الصيغتين ، وإن دلّ على معناهما ، كما صرّح به في التسهيل ، وذلك نحو : فعل بكسر الفاء وسكون العين ، كذبح وطرح وطحن بمعنى مذبوج ومطروح ومطحون ، وفعل بفتح الفاء والعين ، نحو : عدد وخبط (١) بمعنى معدود ومخبوط ، وفعلة بضم الفاء وسكون العين ، كغرفة ومضغة ولقمه بمعنى مغروف وممضوع وملقوم ، وفعيل كجريح وقتيل وصريح ، وهو أكثرها استعمالا في معنى المفعول ، فلا يعمل شيء من هذه الصفات ، فلا يقال : مررت برجل ذبح كبشه ، ولا طحن بره ، وفي المقرّب لابن عصفور : واسم المفعول وما كان من الصفات بمعناه حكمه بالنظر إلى ما يطلبه من المعمولات حكم الفعل المبنيّ للمفعول ، فعليه يجوز مررت برجل جريح أبوه ، ويحتاج إلى سماع كما قاله المراديّ.

__________________

(١) الخبط : ما سقط من ورق الشجر بالخبط والنفض.

٥٩٢

الصفة المشبهة

ص : الرّابع : الصّفة المشبهة وهي ما دلّ على حدث ، وفاعله على معنى الثّبوت ، وتفترق عن اسم الفاعل بصوغها عن اللازم دون المتعدّي ، كحسن وصعب ، وبعدم جواز كونها صلة لأل ، وبعملها من غير شرط زمان ، وبمخالفة فعلها في العمل ، وبعدم جرى انها على المضارع.

تبصرة : ولمعمولها ثلاث حالات : الرفع بالفاعلية والنّصب على التشبيه بالمفعول ، إن كان معرفة ، والتمييز إن كان نكرة ، والجرّ بالإضافة ، وهي مع كلّ من هذه الثلاثة : إمّا باللام أو لا : والمعمول مع كلّ من هذه الستّة إمّا مضاف أو باللام أو مجرّد : صارت ثمانيه عشر ، فالممتنع : الحسن وجهه ، والحسن وجه ، واختلف في : حسن وجهه. أمّا البواقي : فالأحسن ذو الضمير الواحد ، وهو تسعة والحسن ذو الضميرين وهو اثنان ، والقبيح الخالي من الضمير ، وهو أربعة.

ش : «الرابع» من الأسماء العاملة عمل الفعل «الصفة المشبهة» ، سمّيت بذلك لأنّها مشبهة باسم الفاعل المتعدّي لواحد في أنّها تؤنّث وتثنّى وتجمع ، تقول في حسن : حسنة وحسنان وحسنتان وحسنون وحسنات ، كما تقول في ضارب : ضاربة وضاربان وضاربتان وضاربون وضاربات.

فلذلك عملت النصب ، كما يعمله اسم الفاعل ، وكان أصلها أن لا تعمل النصب لمباينتها الفعل بدلالتها على الثبوت ، ولكونه مأخوذة من فعل قاصر. واقتصر في عملها على واحد ، لأنّه أدنى درجات المتعدّي.

«وهي ما» أي اسم «دلّ على حدث ، وفاعله على معنى الثبوت» ، فخرج اسما الفاعل والمفعول ، فإنّهما يدلّان على معنى الحدوث كما مرّ ، وأمّا اسم التفضيل فان قيل : إنّه على معنى الثبوت ، وهو المشهور ، فهو داخل في هذا الحدّ قطعا ، ولعلّ المصنّف (ره) يرى أنّه لمطلق الحدث من غير تقييد كما مرّ أنّه التحقيق ، فيخرج بهذا القيد أيضا.

تنبيهات : الأوّل : يرد على الطّرد هنا ما ورد في حدّ اسم الفاعل على العكس من نحو ثابت ولازم ودائم والجواب الجواب.

الثاني : قال الرضيّ ـ عليه من الله الرضا ـ الّذي أرى أنّ الصفة المشبهة كما أنّها ليست موضوعة للحدوث ، ليست أيضا موضوعة للاستمرار في جميع الأزمنة ، لأنّ الحدوث والاستمرار قيدان في الصفة ، ولا دليل فيها عليهما ، فليس معنى حسن في الوضع إلا ذو حسن ، سواء كان في بعض الأزمنة أو جميعها ، ولا دليل في اللفظ على

٥٩٣

أحد القيدين ، فهي حقيقة في القدر المشترك بينهما ، وهو الاتّصاف بالحسن ، لكن لما أطلق ذلك ولم يكن بعض الأزمنة أولى من بعض ، ولم يجز نفيه في جميع الأزمنة ، لأنّك حكمت بثبوته ، فلا بدّ من وقوعه في زمان كان الظاهر ثبوته في جميع الأزمنة (١) إلى أن تقوم قرينة على تخصّصه ببعضها ، كما تقول : كان هذا حسنا فقبح أو سيصير حسنا ، أو هو الآن فقط حسن ، فظهوره في الاستمرار ليس وضعيّا ، انتهى.

وتشارك الصفة المشبهة اسم الفاعل في الدلالة على الحدث وفاعله وفي التذكير والتأنيث والتثنية والجمع وشرط الاعتماد إذا تجرّد من أل.

ما افترقت فيه الصفة المشبهة واسم الفاعل : «وتفترق عن اسم الفاعل بصوغها من الفعل اللازم» وضعا أو نقلا أو قصدا «دون» الفعل «المتعدّي» الّذي لم يرد بالوصف منه الثبوت. فالمصوغة من اللازم وضعا «كحسن وصعب» ، فإنّهما مصوغان من حسن وصعب ، وهما لازمان وضعا ، والمصوغة من اللازم نقلا كرحمن ورحيم ، فإنّهما مصوغان من رحم بكسر الحاء بعد نقله (٢) إلى رحم بضمّ الحاء ، أي صار الرحم طبيعة له ، ككرم بمعنى صار الكرم طبيعة له على أحد القولين ، والمصوغة من اللازم قصدا كضارب الأب ومضرب العبد ، فإنّ اسمي الفاعل والمفعول إذا قصد بهما الثبوت جرى ا مجرى صفة المشبهة ، كما قاله في التسهيل ، واسم الفاعل يصاغ من اللازم والمتعدّي كقائم وضارب. «وبعدم جواز كونها صلة لأل» على الأصحّ ، فأل فيها للتعريف لا موصولة ، كما جزم به صاحب البسيط وابن العلج ، ورجّحة ابن هشام في الجامع والمغني. قال : لأنّ الصفة المشبهة للثبوت ، فلا تؤوّل بالفعل ، أي الدالّ على الحدوث ، ولهذا كانت الداخلة على اسم التفضيل ليست بموصولة بالاتّفاق ، انتهى.

وقال الرضيّ : إنّما لم توصل اللام بالصفة المشبّهة مع تضمّنها للحكم لنقصان مشابهتها للفعل ، ولذا لم توصل بالمصدر ، لأنّه لا يقدّر بالفعل إلا مع ضميمة أن ، وهو معها بتقدير المفرد ، والصلة لا تكون إلا جملة ، انتهى.

ويقابل الأصحّ ما ذهب إليه ابن عصفور في أحد قوليه وابن مالك ، وتبعه ابن أمّ قاسم وابن الصّائغ (٣) من جواز كونها صلة لأل ، وإنّ أل فيها موصولة ، وبهذا الخلاف

__________________

(١) سقطت «فلا بدّ من وقوعه في زمان كان الظاهر ثبوته في جميع الأزمنة» في «س».

(٢) سقط بعد نقله في «ح».

(٣) محمد بن عبد الرحمن بن على بن أبي الحسن الزمردي الشيخ شمس الدين بن الصائغ النحويّ ولد سنة ٧١٦ ه‍ وبرع في النحو واللغة والفقه وله من التصانيف : «شرح الفية ابن مالك في غاية الحسن والجمع والاختصار» و «المباني في المعاني» و... ومات سنة ٧٧٦ ه‍ ق. بغية الوعاة ١ / ١٥٥.

٥٩٤

يتبيّن غلط من حكى الإجماع على القول الأوّل ، واسم الفاعل الأصحّ فيه كونه صلة لأل كما تقدّم.

«وبعملها من غير شرط زمان» ماض أو حال أو استقبال ، لأنّها بمعنى الثبوت ، فلا وجه لاشتراط الزمان فيها ، لأنّ ما لم يدلّ على حدوث ، لا تعلّق له بالزمان ، بخلاف اسم الفاعل ، فقد مرّ أنّه يشترط لعمله زمان الحال أو الاستقبال ، وأمّا شرط الاعتماد فلا بدّ منه ، وإنّما لم يذكره هنا ، لأنّ ذكره ثمّة كاف ، لأنّ الصفة المشبهة فرع اسم الفاعل ، فهي أحوج إلى الاعتماد منه.

«وبمخالفة فعلها في العمل» ، فإنّها تنصب مع قصور فعلها كما سيأتي بخلاف اسم الفاعل ، فإنّه لا يخالف فعله.

«وبعدم جريانها على» الفعل «المضارع» ، بخلاف اسم الفاعل ، فإنّه لا يكون إلا مجاريا للمضارع في تحرّكه وسكونه ، والمراد تقابل حركة بحركة وسكون بسكون ، لا تقابل حركة بعينها ، إذ لا يشترط التوافق في أعيان الحركات ، ولهذا قال ابن الخشاب : هو وزن عروضيّ لا تصريفيّ.

والقول بعدم جريانها عليه كما قال المصنّف هو مذهب جماعة ، منهم الزمخشريّ في المفصّل وابن الحاجب وابن العلج ، وهو ظاهر كلام الفارسيّ في الإيضاح ، والجمهور على أنّها تكون مجارية له كمنطلق اللسان ومطمئنّ النفس وطاهر العرض ، وغير مجارية ، وهو الغالب في المبنيّة من الثلاثيّ ، نحو : ظريف وجميل. قالوا : والقول بأنّها لا تكون إلا غير مجارية مردود باتّفاقهم على أنّ منها قوله [من المديد] :

٦٢٩ ـ من صديق أو أخي ثقة

أو عدّو شاحط دارا (١)

بالشين المعجمة والحاء والطاء المهملتين بمعنى بعيد صفة مشبهة ، وهي مجارية ليشحط ، قال المراديّ : ولقائل أن يقول : إنّ طاهرا ومنطلقا ومطمئنّا ونحوها ممّا يجرى على المضارع اسماء فاعلين ، قصد بها الثبوت ، فعوملت معاملة الصفة المشبهة ، وليست بصفة مشبهة ، والاتّفاق المذكور إن صحّ فهو محمول على أنّ حكمه حكم الصفة المشبهة ، لأنّه قصد به الثبوت ، فلذا أطلقوا عليه صفة مشبهة ، انتهى.

تنبيه : تفترق الصفة المشبهة عن اسم الفاعل لأمور أخر :

منها أنّ منصوبها لا يتقدّم عليها بخلاف اسم الفاعل ، فإنّه يجوز تقديم منصوبه عليه ، نحو : زيد عمرا ضارب ، ولا يجوز زيد وجهه حسن بنصب وجهه.

__________________

(١) هو لعدي بن زيد. اللغة : شاحط : من الشحط وهو البعد.

٥٩٥

ومنها أنّ معمولها لا يكون إلا سببيّا ، أي متّصلا بضمير موصوفها إمّا لفظا ، نحو : زيد حسن وجهه ، أو معنى ، نحو : زيد حسن الوجه أي منه ، وقيل : إنّ أل خلف عن المضاف إليه بخلاف اسم الفاعل ، فإنّ معموله يكون أجنبيّا ، نحو : زيد ضارب عمرا وسببيّا ، نحو : زيد ضارب غلامه.

وقال ابن هشام في الأوضح (١) : وقول ابن الناظم إنّ جواز «زيد بك فرح» مبطل لعموم قولهم : إنّ معمول الصفة لا يكون إلا سببيّا مردود ، لأنّ المراد بالمعمول ما عملها فيه بحقّ الشبه وعملها في الظرف بما فيها من معنى الفعل ، وكذا عملها في الحال والتمييز ونحو ذلك ، انتهى.

ومنها أنّه لا يجوز أن يفصل بينها وبين معمولها بظرف أو عديله (٢) عند الجمهور بخلاف اسم الفاعل فيجوز بالاتّفاق.

ومنها أنّها لا تحذف ، ويبقي معمولها بخلاف اسم الفاعل ، فإنّه يحذف كما في باب الاشتغال ، نحو : زيد أنا ضاربه ، كما في نحو : هذا ضارب زيد وعمرا بخفض زيد ونصب عمر على إضمار فعل أو وصف منوّن ، ولا يجوز مررت برجل حسن الوجه والفعل ، بخفض الوجه ونصب الفعل ، ولا مررت برجل وجهه حسنه بنصب وجهه وخفض الصفة ، لأنّها لا تعمل محذوفة ، ولأنّ معمولها لا يتقدّمها ، وما لا يعمل لا يفسّر عاملا.

ومنها أنّها لا تتعرّف بالإضافة مطلقا بخلاف اسم الفاعل ، فإنّه يتعرّف بالإضافة ، إذا كان بمعنى الماضي ، أو أريد به الاستمرار.

ومنها أنّ معمولها لا يتبع بالصفة ، قاله الزجّاج ومتأخّر والمغاربة بخلاف اسم الفاعل ، فإنّه يجوز اتّباع معموله بجميع التوابع. قال ابن هشام : ويشكل على قول الزجاج الحديث في صفة الدجال : «الأعور عينه اليمني» (٣) قال الدمامينيّ : وخرّجه بعضهم على أنّ اليمني خبر لمبتداء محذوف ، لا صفة عينه ، كأنّه قيل : أيّ عينيه؟ قيل اليمني ، انتهى. وخرّجه بعض على أنّه منصوب بفعل محذوف ، أي أعني.

ومنها أنّها تؤنّث بالألف كحمراء الوجه بخلاف اسم الفاعل ، فإنّه لا يؤنّث إلا بالتاء.

__________________

(١) سقطت هذه الجملة في «ح».

(٢) العديل : المثل والنظير.

(٣) صحيح البخاري ، ٤ / ٧٨٨ ، رقم ٢٢٠٩.

٥٩٦

ومنها أنّ منصوبها المعرفة مشبه بالمفعول به ، ومنصوب اسم الفاعل مفعول به ، وقد ذكروا فروقا أخري غير هذه ، لا نطول بذكرها ، وفيما ذكرناه كفاية.

أحوال معمول الصفة المشبهة : هذه «تبصرة» في بيان أحوال معمول الصّفة المشبهة في الإعراب ، و «لمعمولها ثلاث حالات» :

أحدها : «الرفع بالفاعلية» بالاتّفاق ، وحينئذ فالصفة خالية عن الضمير ضرورة ، إذ لا يكون للشيء فاعلان ، نحو : زيد حسن وجهه : قال الفارسيّ : أو على الإبدال من ضمير مستتر في الصفة يعود على موصوفها بدل بعض من كلّ ، ولم يذكره المصنّف لضعفه ، قال في التصريح : ويردّه حكاية الفرّاء : مررت بامرأة حسن الوجه ، وحكاية الكوفيّين : بامرأة قويم الأنف ، وأنّه يجوز مررت برجل مضروب الأب بالرفع ، ولا يصحّ في هذا أن يكون بدل كلّ ولا بعض ولا اشتمال ، انتهى.

وأيضا حينئذ الردّ بالأوّل أنّه لو كان الوجه بدلا من ضمير مستتر في حسن لوجب تانيثه ، لأنّ المسند إذا رفع ضمير مؤنّث وجب تأنيثه ، وقس عليه.

الثاني : والحالة الثانية «النصب على التشبيه بالمفعول به إن كان معرفة» إمّا بأل ، نحو : زيد حسن الوجه ، أو بالإضافة ، نحو : حسن وجهه بنصب الوجه ، وذلك لأنّ هذا المعمول المعرفة لا يصحّ أن يكون مفعولا لتلك الصفة ، لأنّها من فعل لازم ، ولا يصحّ أن يكون تمييزا ، لأنّه معرفة ، والتمييز لا يكون إلا نكرة على الأصحّ ، فلمّا لم يصحّ فيه المفعولية ولا التمييز ، حملوه على التشبية بمفعول اسم الفاعل في نحو : الضارب الرجل ، بنصب الرجل ، فأعطوا الصفة المشبهة حكم اسم الفاعل في نصب المعمول ، كما أعطوه حكمها في جرّ المضاف إليه حيث قالوا : الضارب الرجل بالجرّ حملا على الحسن الوجه ، فحصل بينهما تعارض ، «وعلى التمييز إن كان نكرة» : نحو : زيد حسن وجها.

وهذا التفضيل هو مذهب البصريّين ، وبه جزم ابن الحاجب ، وهو الحقّ ، وفي المسألة ثلاثة أقوال أخر : أحدها : أنّ النصب على التمييز مطلقا ، وهو رأي الكوفيّين بناء على رأيهم من جواز وقوع التمييز معرفة. قال ابن بابشاذ في شرح الجمل : ويحكى هذا القول عن أبي على قال : لأنّ التعريف هنا لا يفيد شيئا ، فهو بمترلة تعريف الأجناس كعسل والماء. الثاني : إنّه على التشبيه بالمفعول به مطلقا ، وليس بشيء ، لأنّ التشبيه بالمفعول أنّما صيّر إليه مع المعرفة للضرورة ، وأمّا مع النكرة فلا ضرورة تدعو إليه مع إمكان وجه جار على القياس ، وهو النصب على التمييز. الثالث : إنّه على التشبيه

٥٩٧

بالمفعول به إن كان معرفة ، وعليه أو على التمييز إن كان نكرة ، وبه جزم ابن هشام في الجامع والقطر وشرحه وشرح الشذور وشرح اللمحة.

والحالة الثالثة : «الجرّ بالإضافة» أي بسببها ، نحو : زيد حسن الوجه ، «وهي» أي الصفة «مع كلّ من هذه» الحالات «الثلاثة» وهي الرفع والنصب والجرّ «إمّا» مقرونة «باللام أو لا ، والمعمول مع كلّ من هذه الستّة» الحاصلة من ضرب وجوه الإعراب الثلاثة في حالتي كون الصفة باللام أو لا «إمّا مضاف أو» مقرون «باللام أو مجرّد» عنهما ، «صارت» الأقسام «ثمانية عشر» قسما حاصله من ضرب ستّة هي أحوال المعمول من كونه مرفوعا ومنصوبا ومجرورا مضروبة في حالتي الصفة من كونها باللام أو مجرّدا عنها في ثلاثة ، هي أحوال المعمول من كونه مضافا أو باللام أو مجرّدا عنها.

وتفصيلها الحسن وجهه بالرفع ، الحسن وجهه بالنصب ، الحسن وجهه بالجرّ ، الحسن الوجه بالرفع ، الحسن الوجه بالنصب ، الحسن الوجه بالجرّ ، الحسن وجه بالرفع ، الحسن وجها بالنصب ، الحسن وجه بالجرّ ، حسن وجهه بالرفع ، حسن وجهه بالنصب ، حسن وجهه بالجرّ ، حسن الوجه بالرفع ، حسن الوجه بالنصب ، حسن الوجه بالجرّ ، حسن وجه بالرفع ، حسن وجها بالنصب ، حسن وجه بالجرّ. فهذه ثمانية عشر قسما ، منها ممتنع ومختلف فيه وجائزة.

«فالممتنع» منها اثنان : أحدهما أن تكون الصفة باللام مضافة إلى معمولها ، المضاف إلى ضمير الموصوف ولو بواسطة ، نحو : «الحسن وجهه» والحسن وجه أبيه. والثاني : أن تكون الصفة باللام مضافة إلى معمولها المجرّد عن اللام ، أو المضاف إلى المجرّد عنها ، نحو : «الحسن وجه» والحسن وجه أب.

وإنّما امتنعا لأنّ الإضافة فيهما لم تفد تعريفا كما في نحو : غلام زيد ولا تخصيصا كما في نحو : غلام رجل ولا تخفيفا كما في نحو : حسن الوجه ولا تخلّصا من قبح حذف الرابط ، أو التجوّز في العمل كما في الحسن الوجه ، وقال ابن الحاجب : وإنّما امتنع الأوّل لعدم التحفيف ، والثاني لأنّ فيه إضافة المعرفة إلى النكرة ، وهي عكس ما ينبغي في الإضافة فكره لذلك ، انتهى.

وتعليله امتناع الأوّل بالتخفيف دون الثاني يفهم أنّ في إضافة الثاني تخفيفا ، وامتناعه لعلّه أخري ، وبه صرّح الرضي ، فقال : إنّما امتنع مع حصول التخفيف فيه بحذف الضمير من وجهه ، لأنّ هذه الإضافة وإن كانت لفظيّة غير مطلوب فيها التعريف ، لكنّها فرع الإضافة المحضة ، فإذا لم تكن مثلها لجواز تعريف المضاف والمضاف

٥٩٨

إليه معا هاهنا بخلاف المحضة فلا أقلّ من أن لا تكون على ضدّ ما هي عليه ، وهو تعريف المضاف ، وتنكير المضاف إليه ، انتهى.

قلت : وإنّما يكون في هذه الإضافة تخفيف بحذف الضمير من وجهه أن لو كان الأصل الحسن وجهه لا الحسن وجها ، وأمّا إذا قلنا : إنّ الأصل الحسن وجها ، فلا تخفيف ألبتّة ، وتعيّن الأوّل دون الثاني غير ظاهر.

«واختلف في حسن وجهه» بتجريد الصفة مضافة إلى معمولها المضاف إلى ضمير الموصوف ، فسيبويه والبصريّون على جوازه على قبح في ضرورة الشعر فقط ، لأنّ تخفيف هذه الإضافة يكون بحذف التنوين وبحذف الضمير والتخفيف بحذف الضمير أعلى منه بحذف التنوين ، فلا وجه لترك الأعلى مع إمكانه واختيار الأدنى ، وما هو إلا ترجيح المرجوح. والمبرّد على منعه مطلقا في الشعر وغيره ، وردّ بقول الشماخ [من الطويل] :

٦٣٠ ـ أقامت على ربعيهما جارتا صفا

كميتا الأعالي جونتا مصطلاهما (١)

أنشده سيبويه مستدلّا به على مجئيه في الشعر ، وضمير ربعيها يعود إلى الدمنتين ، والمراد بالجارتين صخرتان تجعلان تحت القدر ، وتشدّ القدر إلى الجبل ، وهو المعنى هنا بالصفا ، فيقوم الجبل مقام حجر ثالث للقدر ، والكميت الشديد الحمرة ، والجون هنا الأسود ، والمصطلى مصدر ميميّ على أنّ ثمّ مضافا محذوفا ، أي موضع اصطلاهما ، أو اسم مفعول واقع موقع المثنّى كما في رأس الكبشين. والمعنى أنّ تينك الصخرتين محمّرتا الأعإلى بما يرتفع إليهما من النّار مسوّدتا مكان الاصطلاء من كثرة إيقاد النار بينهما. والشاهد في البيت ظاهر ، ونازع فيها المبرّد زاعما أنّ ضمير مصطلاهما عائد إلى الأعالي ، إذ هي جمع في معنى المثنّى من حيث إنّه للجاريتين ، وليس لهما إلا أعليان ، وإنّما جمعا بما حولهما كقوله [من الوافر] :

٦٣١ ـ ...

روانف اليتيك وتستطارا (٢)

والألف في تستطارا راجع إلى الروانف ، لأنّه رانفتين ، وهما أسفلا الإلية وطرفاها اللذان يليان الأرض من الإنسان إذا كان قائما ، فكأنّه قال : جونتا مصطلى الأعالي : فليس فيه إلا ضمير واحد ، وهو المستكن في جونتا. فهو كقولك : زيد حسن الغلام

__________________

(١) اللغة : الربع : الدار المترل ، الصفا : الصخر الأملس ، واحدة صفاة ، كميتا : مثنى كميت بالتصغير من الكمتة ، وهي الحمرة الشديدة المائلة إلى السواد ، الجونة : السوداء ، المصطلي : اسم مكان الصّلاء ، أي : الاحتراق بالنار.

(٢) صدر البيت : «ومتى ما تلقني فردين ترجف» ، وهو لعنترة. اللغة : روانف : جمع الرانفة بمعنى أطراف الإليتين. الإلية : العجيزة. تستطار : بمعنى يطلب منك أن تطير خوفا وجبنا.

٥٩٩

قبيح فعله ، أي فعل الغلام ، ولا خفاء بما فيه من التكلّف ، والظاهر مع سيبويه والكوفيّون على جوازه مطلقا في الكلام كلّه لحصول التخفيف بالإضافة في الجملة ، وهو حذف التنوين.

قال ابن مالك : وما ذهبوا إليه ، هو الصحيح ، لأنّ مثله قد ورد في الحديث كقوله (ع) في حديث : أم زرع صفر وشاحها. (١) وفي حديث «الدجال أعور عينه اليمني» (٢). وفي وصف سيّدنا النبي (ص) شثن (٣) أصابعه. ومع جوازه ففيه ضعف ، انتهى.

قال ابنه لأنّه يشبه إضافة الشيء إلى نفسه ، وإنّما قال : يشبه لأنّ الإضافة ليست عن رفع ، وإن كان هو الأصل ، وإذ لو كانت عن رفع لكانت من إضافة الصفة إلى مرفوعها ، وهي هو في المعنى. لكنّهم لما استنكروا هذا حوّلوا الإسناد ، فانتصب المعمول على التشبه بالمفعول ، ثمّ أضيف ، فالإضافة ناشيءة عن النصب ، والصفة ليست نفس منصوبها.

«أمّا» الصور «البواقي» من الثمانية عشر وجها بعد إخراج الثلاثة الممنوعين باتّفاق ، والممنوع على خلاف ، وهي خمسة عشر وجها فجائزة ، لكن منها أحسن وحسن وقبيح. «فالأحسن ذو الضمير الواحد» لأنّه جاء على وفق ما يقتضيه الكلام من الإتيان بالمحتاج إليه في الربط من غير زيادة ولا نقصان ، وخير الكلام ما قلّ ودلّ.

«وهو» أي ذو الضمير الواحد «تسعة» أقسام. سبعة منها تشتمل فيها الصفة على الضمير ، وهي الحسن الوجه بنصب المعمول ، والحسن الوجه بجرّه ، وحسن الوجه بنصبه وتنوين الصفة ، وحسن الوجه بجرّه ، والحسن وجها وحسن وجها وحسن وجه بجرّه. واثنان يشتمل فيهما المعمول على الضمير ، وهما الحسن وجهه وحسن وجهه برفع المعمول فيهما ، فالمجموع تسعة.

«والحسن ذو الضميرين» لاشتماله على الضمير الّذي يحصل به الربط وزيادة الضمير الآخر لا تخلّ بالمعنى ، فلم يعد قبيحا ، نعم حطّته عن مرتبة الأحسنيّة ، «وهو اثنان» وهما حسن وجهه والحسن وجهه بنصب المعمول فيهما ، ففي كلّ من المثالين ضميران : أحدهما في الصفة ، والأخرى في المعمول.

«والقبيح» وهو «الخالي من الضمير» لخلوّه من الضمير المحتاج إليه في الصفة ، وبقاؤها كالأجنبيّ عن موصوفها «وهو أربعة» ، وهي الحسن الوجه وحسن الوجه و

__________________

(١) لم أجد الحديث.

(٢) تقدم في ص ٥٩٦.

(٣) الشثن : الغليظ الخشن.

٦٠٠