الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

السيد علي خان المدني الشيرازي

الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

المؤلف:

السيد علي خان المدني الشيرازي


المحقق: الدكتور السيد أبو الفضل سجادي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: روح الأمين
الطبعة: ٠
ISBN: 978-964-518-296-8
الصفحات: ٩٤٧

وأسماء الاستفهام على الوجوه الثلاثة مبتدءان ، وخبرهما على الأوّل ذا مع صلته ، وهو مبنيّ على مذهب سيبويه ، كما تقدّم ، وعلى الثاني والثالث الجملة الفعلية ، إلا «أنّ الجواب» عن كلّ من السؤالين «رفع مطلقا» ، أي سواء كانت ذا موصولة أو ملغاة أو مركّبة ، لأنّ جملة السؤال اسميّة على كلّ تقدير ، فيطابقها كذلك.

ولا يجوز النصب في أنّه يجوز أن يكون الجواب مرفوعا مع عدم المطابقة ، وذلك فيما إذا قدّرت ذا موصولا في أحد المثالين ، ورفع الجواب بتقدير الفعل المذكور في السؤال فلا تحصل المطابقة ، فينبغي أن يختار رفع الجواب على أنّه خبر مبتدأ محذوف لتحصل المطابقة ، وحكم البدل حكم الجواب.

تنبيهات : الأوّل : ما أجازه المصنّف من تركيب من وذا هو ظاهر كلام جماعة ، ومنع ذلك أبو البقاء في مواضع من إعرابه ، وثعلب في أماليه وغيرهما ، وخصّوا جواز ذلك بماذا ، لأنّ ما أكثر إبهاما ، فحسن أن تجعل مع غيرهما كشيء واحد ، ليكون ذلك أظهر لمعناها ، ولأنّ التركيب خلاف الأصل ، وإنّما دلّ عليه الدليل مع ما ، وهو قولهم : لمإذا جئت بإثبات الألف.

الثاني : إذا قدّر في ما ذا صنعت؟ ومن ذا رأيت؟ ضميرا وذكر لفظا فقيل : ماذا صنعته؟ ومن ذا رأيته؟ جاز في ذلك الأوجه الثلاثة أيضا ، إلا أنّه على تقديرها ملغاة أو مركّبة ، ولا يتعيّن كون اسمي الاستفهام مفعولين ، بل يحتمل أن يكونا مبتدأين ، وخبر كلّ منهما الجملة الاسميّة ، والعائد الضمير المقدّر أو الملفوظ ، وأن يكونا مفعولين لفعل محذوف على شريطة التفسير ، والأوّل أولى لسلامتة من الإضمار والحذف ، فيكون الجواب رفعا على المختار ليطابق السؤال.

الثالث : وقع لكثير من المحقّقين في تعليل كون ما ذا ومن ذا إذا ركّبا مفعولين مقدّمين أنّه إنّما قدّما للزومهما الصدر ، وبتضمينهما معنى الاستفهام ، وهذا بالنسبة إلى من ذا صحيح ، وأمّا إلى ما ذا ففيه نظر ، فقد ذهب بعضهم إلى أنّ ما ذا من بين أدوات الاستفهام لا يلزم صدريّتها ، وإنّها كذلك عند العرب. ونقل عن ابن المرحل المغربيّ (١) أنّه صنّف في ذلك مختصرا ذكر فيه شواهد لمجيئها غير صدر.

وقال ابن مالك في التوضيح لمشكلات الجامع الصغير (٢) ما نصّه في أقول ما ذا شاهد على أنّ ما الاستفهاميّة إذا ركّبت مع ذا تفارق وجوبها التصدير ، فيعمل فيها ما قبلها

__________________

(١) مالك بن عبد الرحمن المعروف بابن المرحل ، أديب ، من الشعرا ، ونعت بشاعر المغرب ، من كتبه : «العروض» و «أرجوزة في النحو» مات سنة ٦٩٩ ه‍ الأعلام للرزكي ، ٦ / ١٣٨.

(٢) الجامع الصغير في النحو لابن هشام النحويّ المتوفى سنة ٧٦٣. كشف الظنون ، ١ / ٥٦٤.

٥٠١

رفعا ونصبا ، فالرفع كقولهم : كان ما ذا ، والنصب كقول عايشة : أقول ما ذا. وأجاز بعض العلماء وقوعها تمييزا كقولك لمن قال : لك عندي عشرون ، عشرون مإذا ، انتهى.

ويبتني على ذلك أنّه لا يجب أن يقدّر الفعل المحذوف على شرطية التفسير في نحو : ماذا صنعته بعد ما ذا ، بل قبلها ، أي صنعت ما ذا صنعته بخلاف من ذا رأيته.

الرابع : قال ابن هشام : من أوجه ما ذا أن يكون كلّه اسم جنس بمعنى شيء ، أو موصولا بمعنى الّذي على خلاف في تخريج قول الشاعر [من الطويل] :

٥١٩ ـ دعي ما ذا علمت سأتّقيه

ولكن بالمغيّب نبّئيني (١)

فالجمهور على أنّ ما ذا كلّه مفعول دعي ، ثمّ اختلف ، فقال السيرافيّ وابن خروف : موصول بمعنى الّذي ، وقال الفارسيّ : نكرة بمعنى شيء ، قال : لأنّ التركيب يثبت في الأجناس دون الموصولات ، انتهى.

فتلخّص أنّ ما ذا تأتي على خمسة أوجه : أو تكون ذا إشاريّة أو موصولة أو زائدة ، وما في الثلاثة استفهاميّة. الرابع : أن يكون مجموعها اسم استفهام الخامس : أن يكون مجموعها اسم جنس أو موصولا على القولين ، وهذه الأوجه ما عدا الخامس جارية في من ذا أيضا (٢).

الخامس : ما تقرّر من حصر الموصولات فيما ذكر هو مذهب البصريّين ، وزعم الكوفيّون أنّ جميع أسماء الإشارة تقع موصولة كقوله تعالى : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ) [البقرة / ٨٥] ، أي أنتم الّذين وقوله : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ) [طه / ١٧] ، وأنّ الاسم المحلّي بأل يكون موصولا كقوله [من الطويل] :

٥٢٠ ـ لعمري لأنت البيت أكرم أهله

فأقعد في أفيائه بالأصائل (٣)

أي لأنت الّذي أكرم أهله ، وإنّ النكرة الواقعة بعدها جملة توصل بما بعدها ، نحو : هذا رجل ضربته ، فضربته عندهم صلة لرجل ، وإن النكرة إذا أضيفت إلى المعرفة جاز وصلها ، كقوله [من البسيط] :

٥٢١ ـ يا دار ميّة بالعلياء فالسند

 ... (٤)

فبالعلياء صلة لدار ، وكلّ هذا محمول عند البصريّين على غير ذلك.

__________________

(١) هو للمثقب العبدي أو لسحيم بن وثيل الرياحي. اللغة : دعي : اتركي ، المغيّب : المخفي من الأمر ، نبّئيني : أخبريني.

(٢) سقطت هذه الجملة في «س».

(٣) هو لأبي ذؤيب الهذلي. اللغة : أفياء : جمع الفئ : ما كان شمسا فنسخه الظلّ.

(٤) تمامه «أقوت وطال عليها سالف الأبد» ، وهو للنابغة الذبياني. اللغة : ميّة : اسم المرأة الّتي يشبّب بها ، العلياء : المرتفع من الأرض ، السند : سند الوادي في الجبل ، وهو أوّل ارتفاعه ، لعله أراد موضعين بعينهما ، أقوت : خلت من أهلها ، السالف : الماضي.

٥٠٢

تكميل : لا بأس بذكر ما أهمله المصنّف (ره) من أحكام الموصول ممّا تشتدّ الحاجة إليه ، وتتوفّر الرغبة عليه وذلك في مسائل :

إحداها : لا يتقدّم الصلة على الموصول ، فلا يقال : جاءني أكرمته الّذي ، ولا تتأخّر عن خبره ، فلا يقال : الّذي زيد أكرمته ، ولا عمّا استثنى منه ، فلا يقال : جاء الّذين إلا زيدا أكرمتهم ، ولا تتعلّق بما قبله بأن تكون مصدّرة ببل أو لكن أو علامة جواب القسم ونحو ذلك ، ممّا له تعلّق بما قبل الموصول ، ولا يفصل بينهما بأجنبيّ كتابع وغيره ، فلا يقال : جاء الّذين كلّهم ضربوا زيدا ، واغتفرت جملة الاعتراض والنداء إذا وليه مخاطب ، نحو قوله [من البسيط] :

٥٢٢ ـ ماذا ولا عتب في المقدور رمت أما

يكفيك بالنّجح أم خسر وتضليل (١)

وقوله [من الكامل] :

٥٢٣ ـ ذاك الّذي وأبيك يعرف مالكا

والحقّ يدفع ترّهات الباطل (٢)

وقول الآخر [من الطويل] :

٥٢٤ ـ وأنت الّذي يا سعد أبت بمشهد

كريم وأثواب السّيادة والحمد (٣)

وشذّ قوله [من الطويل] :

٥٢٥ ـ تعشّ فإن عاهدتني لا تخونني

تكن مثل من يا ذئب يصطحبان (٤)

الثانية : قد يحذف ما علم من موصول اسميّ غير أل اختيارا عند الكوفيّين ، وتبعهم ابن مالك ، وشرط في بعض كتبه كونه معطوفا على موصول آخر ، ومن حجّتهم قوله تعالى : (آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) [العنكبوت / ٤٦] ، أي والّذي أنزل إليكم ، لأنّ الّذي أنزل إلينا ، وليس هو الّذي أنزل إلى من قبلنا ، ولهذا أعيدت ما في قوله تعالى : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ) [البقرة / ١٣٦] ، وقول حسان [من الوافر] :

٥٢٦ ـ أمن يهجو رسول الله منكم

ويمدحه وينصره سواء

وقول آخر [من الخفيف] :

٥٢٧ ـ ما الّذي دأبه احتياط وحزم

وهواه أطاع يستويان (٥)

أي ومن يمدحه ، والّذي أطاع هواه.

__________________

(١) لم يسمّ قائله.

(٢) البيت لجرير. اللغة : الترهات : جمع ترّهة أي : الطريق الصغير المتشعب عن الطريق الأعظم.

(٣) هو لحسان بن ثابت. اللغة : أبت : رجعت.

(٤) هو للفرزدق. اللغة : تعشّ : أمر من التعشّي.

(٥) لم يسمّ قائله. اللغة : الدأب : العادة والشأن.

٥٠٣

ومنع ذلك البصريّون وخصّوه بالشعر ، قال الرضيّ : ولا وجه لمنعهم من ذلك من حيث القياس ، إذ قد يحذف بعض حروف الكلمة ، وإن كانت فاء أو عينا ، نحو : شية وسية ، وليس الموصول بألزق منها.

ولا يحذف من الموصولات الحرفيّة إلا أنّ في المواضع المخصوصة كما يجيء في الأفعال المنصوبة وذلك لقوّة الدلالة عليها وكون الحروف الّتي قبلها كالنائبة عنها.

الثالثة : يجوز حذف الصلة قليلا لدلالة صلة أخرى كقوله [من الطويل] :

٥٢٨ ـ وعند الّذي واللات عدنك إحنة

عليك فلا يغررك كيد العوائد (١)

أي الّذي عادك أو دلالة غيرها كقوله [من مجزوء الكامل] :

٥٢٩ ـ نحن الإلى فاجمع جمو ...

عكّ ثمّ وجّههم إلينا (٢)

أي نحن الألى عرفوا ، والتزم حذفها بعد اللتيا معطوفا عليها الّتي إذا قصد بهما الدواهي ، ليفيد حذفها أنّ الداهيتين الصغيرة والكبيرة وصلتا إلى حدّ من العظم تقصر العبارة عن الإحاطة به ، فلذلك تركتا على إبهامهما بغير صلة مبنيّة ، ويجوز أن يكون تصغير اللتيا للتعظيم كقوله [من الطويل] :

٥٣٠ ـ ...

دويهيّة تصفرّ منها الأنامل (٣)

وهي تصغير الّتي على خلاف القياس ، لأنّ قياس التصغير أن يضمّ أول المصغّر ، وهذا أبقي على فتحته الأصليّة فرقا بين تصغير المعرب والمبنيّ ، وعوّضوا عن ضمّ أوّله زيادة الألف في آخره كما فعلوا في نظائره من اللذيا وذيا ، ومن العرب من يقول : اللّذيا واللتيا بضمّ الأوّل على القياس ، فيجمع في التضغير بين الضمّة والألف ، وسيأتي الكلام على حذف العائد عند الكلام على جملة الصلة في حديقة الجمل ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) لم يسمّ قائله. اللغة : الإحنة : الحقد ، يغررك : يخدعك ، الكيد : المكر.

(٢) هو لعبيد بن الأبرص.

(٣) صدره «وكلّ أناس سوف تدخل بينهم» ، وهو للبيد بن ربيعة. اللغة : الدويهية : تصغير داهية : المصيبة وأراد بها هنا الموت ، الأنامل : جمع أنملة وهي رؤوس الأصابع ، واصفرار الأنامل علامة للموت وكناية عنه.

٥٠٤

المركّب

ص : ومنها : المركّب ، وهو ما ركّب من لفظين بينهما نسبة ، فإن تضمّن الثاني حرفا بنيا كخمسة عشر وحادي عشر وأخواتها إلا اثني عشر وفرعيه ، إذ الأوّل منها معرب على المختار ، وإلا أعرب الثاني كبعلبك ، إن لم يكن قبل التركيب مبنيّا كسيبويه.

ش : «ومنها» أي ومن المبنيّات «المركّب وهو» أي اسم ، وهو كالجنس يشمل المحدود وغيره من الأسماء ، «ركّب من لفظين» مستعملين اسمين أو فعلين أو حرفين أو مهملتين أو مختلفين ، وهو أولى من قول ابن الحاجب من كلمتين ، وهو كفصل أخرج ما ليس بمركّب وشمل نحو : عبد الله وتأبّط شرّا ، ممّا ليس من أفراد المحدود.

فأخرج بقوله : «ليس بينهما نسبة» أي قبل التركيب ، وأورد نحو : خمسة عشر ، فإنّه يخرج بهذا القيد أيضا ، مع أنّه من أفراد المحدود ، لأنّ بين لفظيه قبل التركيب نسبة العطف ، إذ أصله خمسة وعشر ، ولذلك حكم بتضمّنه حرف العطف ، وتعيين النسبة على وجه يخرج منها هذه النسبة دونها خرط القتاد (١).

قال بعضهم : وقد يجاب بأنّ القول بتضمّن هذا المركّب معنى حرف العطف وكذا نحو : بيت بيت ، ممّا تضمّن معنى حرف الجرّ حكمي لتوجيه البناء كالعدل في عمر لتوجيه منع الصرف ، كما سيأتي ، وإلا فخمسة عشر بمعنى العقد المخصوص ، وبيت بيت بمعنى ملاصقة البيتين ، فما اشتهر من تقسيم تضمّن الحرف إلى حقيقيّ كخمسة عشر وحكميّ كخاز باز (٢) ليس بشيء ، بل التضمّن في كليهما حكميّ ، انتهى ، فتأمّل.

«فإن تضمّن اللفظ الثاني حرفا بنيا» أي اللفظان «كخمسة عشر» أصله خمسة وعشر ، حذفت واو العطف قصدا لتركيب الاسمين ، ومزجهما للتخفيف ، وبني الأوّل لافتقاره إلى الثاني فأشبه الحرف.

والثاني لتضمّنه معنى الحرف وهو الواو ، وكان البناء على حركة اشعارا بأنّ لهما أصلا في الإعراب ، وكانت فتحة لتجبر خفّتهما ثقل التركيب.

وحادي عشر بفتح الياء ، وهو الأفصح ، وجاز سكونها تخفيفا كثماني عشر ، وأشار بإيراد هذا المثال إلى أنّ اسم الفاعل المشتقّ من العدد المركّب مبنيّ كالعدد المركّب ، واستشكل بناءه لعدم تضمّن الثاني حرفا لعدم استقامة المعنى بتقدير حادي وعشر ، لأنّ

__________________

(١) في المثل «دون ذلك خرط القتاد» يضرب للأمر دونه مانع.

(٢) الخازباز : ذباب يكون في الروض. وقال ثعلب : الخازباز بقلتان ، فإحداهما الدّرماء ، والأخرى الكحلاء ، وقيل : الخازباز ثمر العنصلة.

٥٠٥

معناه واحد من أحد عشر لا حادي وعشر ، كما أنّ معنى ثالث عشر واحد من ثلاثة عشر ، أي من الثلاثة والعشرة ، لا واحد من الثلاثة وعشرة.

وأجيب بأنّ معنى العطف موجود في حادي عشر ، وبيانه أنّهم لمّا أرادوا بناء اسم فاعل من العدد المركّب كما بنوا ذلك من ألفاظ الآحاد الّتي تحت عشرة ، ولم يمكن بناؤه من مجموع المركّب لا مع بقاء (١) حروفها ، لأنّ لفظ الفاعل اسم ثلاثيّ زيد فيه ألف بعد الفاء ، وحروف الاسمين أكثر من ثلاثة ولا مع حذف بعض حروف كلّ واحد منهما وإبقاء الآخر لمحلّ الالتباس ، ولا من كلّ واحد منهما ، نحو : حادي عشر من أحد عشر لكونهما حينئذ اسمين فاعلين دالين على مفردين ، وهو ضدّ المقصود ، اضطرّوا إلى أنّ يوقعوا صورة اسم الفاعل الّتي حقّها سبكها من مجموعهما على أحدهما لفظا ، ويكون المراد من حيث المعنى كونها من المجموع ، لأنّ المعنى أحد من مجموع العددين ، فاختاروا الأوّل ليؤذن من أوّل الأمر أنّ المراد المفرد من المتعدّد لا العدد.

وعطف الثاني على تلك الصورة ، وهو معطوف من حيث المعنى على العدد المشتقّ ذلك الفاعل منه ، وهو عدد معطوف على عدد ، لا متعدّد على متعدّد ، ولا عدد على متعدّد ، فالمعطوف عليه في الحقيقة مدلول المعطوف عليه ظاهر ، فظهر أنّ حادي عشر وكذا أخواته متضمّن لمعنى حرف العطف ، ويستوي فيما ذكرنا المعطوف بحرف ظاهر كما في الحادي والعشرين ، أو بحرف مقدّر كما في حادي عشر ، وقيل : إنّما بني حملا على أحد عشر وأخواتهما ، أي أخوات خمسة عشر ، وهي إحدى عشر إلى تسعة عشر ، وأخوات حادي عشر ، وهي ثاني عشر وثالث عشر إلى تاسع عشر «إلا اثني عشر وفرعيه» وهما اثنتا عشرة وثنتا عشرة من أخوات خمسة عشرة.

«إذ» الجزء «الأوّل» من الجزئين «منها معرب على» المذهب «المختار» ، وإن كانت العلّة المقتضية للبناء في بابه قائمة ، لأنّه شبّه المضاف في حذف النون منه ، لأنّ الأصل اثنان وعشر ، فلمّا حذفت الواو صار اثنان عشر ، فكرهوا وجود النون الّذي يؤذن بالانفصال مع حذف الواو الّذي يؤذن بالاتّصال ، فحذفوا النون تشبيها له بالمضاف ، فوجب إجراؤه مجراه في اعطائه حكم الكلمة لا حكم الجزء ، فوجب البقاء على الإعراب ، وبقي عشر على بنائه لتضمّنه معنى الحرف.

وقيل : إنّما أعرب ، لأنّ علامة الإعراب هو حرف التثنية ، ومع وجودها لم يمكن البناء ، ومع حذفها يبطل دليل التثنية ، وليس بشيء ، لأنّ نحو : يا زيدان ويا زيدون مبنيّ اتّفاقا مع قيام هذه العلّة ، بل إذا قصد بناء المثنّى والمجموع جرّد علامتا التثنية و

__________________

(١) سقط بقاء في «س».

٥٠٦

الجمع عن كونها إعرابا ، ويقابل المختار ما ذهب إليه ابن كيسان وابن درستويه من أنّه مبنيّ مركّب مع العقد كسائر أخواته واختلافه في الأحوال الثلاثة كاختلاف ذان وذين واللذان واللذين ، وردّ بأنّه لو كان مبنيّا لزم الياء ، لأنّها نظير الفتحة في الواحد ، ولهذا قالوا : لا يدين لها لك.

تنبيهات : الأوّل : استعمل جوازا كخمسة عشر مبنيّة الجزأين ظروف ، نحو : هو يأتينا يوم يوم وصباح مساء وحين حين ، أي يوما فيوما وصباحا فمساء وحينا فحينا ، وأحوال نحو : هو جاري بيت بيت ولقيته كفّة كفّة ، وأخبرته صحرة بحرة ، أي ملاصقا بيتي لبيته ، ولقيته متواجهين ذوي كفّة منه وكفّة منّي ، كان كلّا منهما كان يكفّ صاحبه عن التوإلى ، وأخبرته كاشفا للخبر ذا صحرة أي انكشاف ، وبحرة أي اتّساع ، أي في غير مضيق ، والصحرة من الصحراء والبحرة من البحر.

وقد تضاف صدور هذه الظروف والأحوال إلى أعجازها ، فيكون المعنى فيها هو يأتينا يوما بعد يوم وصباحا بعد مساء وحينا بعد حين ، وهو جاري ذا بيت مع بيت أو عند بيت ، ولقيته ذا كفّة مع كفّة أو بعد كفّة وأخبرته صحرة مع بحرة.

فإن خرجت عن الظرفيّة والحالية ، وجبت الإضافة ، وامتنع التركيب ، قال [من الوافر] :

٥٣١ ـ ولو لا يوم يوم ما أردنا

جزاءك والقروض لها جزاء (١)

واستعمل كخمسة عشر وجوبا أحوال لازمة للحالية ، كتفرّقوا شغربغر وشذر مذر ، بفتح فاء الكلمات وكسرها ، وخذع مذع ، بكسر الفاءين ، كلّها بمعنى منتشرين ، وسقط بين بين ، أي بين الحيّ والميّت ، وبين الثانية زائدة ، لأنّ بين تقتضي شيئين ، وعلّة البناء في ذلك كلّه تضمّن معنى حرف العطف.

قال الرضيّ : ولم يسمع في هذه المركّبات الإضافة كما سمعت في المذكورة ، قيل : مع أنّه يمكن أن لا يقدّر فيها أيضا حرف العطف كما في الأولى ، انتهى.

ويمكن أن يتحمّل لوجه ذلك أنّ تلك لمّا لم تكن لازمة للظرفيّة والحالية ، بل قد تخرج عنها ، كما تقدّم ، حملت على حالة خروجها عنها فأضيف مع كونها أحوالا وظروفا ، وأمّا هذه فلازمة للحالية ، ليس لها حالة غيرها فتحمل عليها.

__________________

(١) هو للفرزدق. اللغة : القروض : جمع قرض وأصله ما تدين به غيرك من المال ، ويراد به كل ما تقدّم له برّ وصلة.

٥٠٧

وأمّا اشتقاق هذه الأحوال : فشغر من اشتغرت عليه ، ضيعته أي انتشرت ولم تنضبط ، وبغر من بغر النجم ، أي هيّج المطر ونشره ، وشذر من التشذّر أي التفرّق ، ومذر من التبذير ، وهو الإسراف ، والميم بدل من الباء.

ويقال : شذر بذر بالباء على الأصل ، أو من مذرت البيضة أي فسدت ، وخذع من الخذع ، وهو القطع ، ومذع من قولهم : فلان مذياع ، أي كذّاب يفشي الأخبار ، وينشرها ، وبذر مثل هذا التركيب في غير الظروف والأحوال كقولهم : وقع في حيص بيص ، بفتح الفاءين وكسرهما ، أي في شدّة يعسر التخلّص منها والحيص الهرب ، والبيص السبق والتقدّم ، أي وقعوا في هرب. وسبق بعضهم بعضا لعظيم الشدّة ، فقلبوا الواو ياء للازدواج ، ولم يعكسوا لكون الياء أخفّ.

الثاني : قد يضاف خمسة عشر وأخواته إلا اثني عشر وفرعيه إلى مستحقّ المعدود ، نحو : هذه خمسة عشر زيد ، فيجب عند البصريّين بقاء البناء في الجزءين ، وحكى سيبويه الإعراب في آخر الثاني ، وإبقاء الأوّل على بنائه قال : وهي لغة رديئة.

وحكى الكوفيون وجها ثالثا ، وهو إضافة الأوّل إلى الثاني ، نحو : ما فعلت خمسة عشرك ، وأجازوا أيضا هذا الوجة دون إضافته إلى مستحقّ المعدود ، نحو : هذه خمسة عشر ، ورأيت خمسة عشر ، ومررت بخمسة عشر بالإضافة في الأحوال الثلاثة. وإعراب خمسة بحسب العوامل ، واستدلّوا على ذلك بقوله [من الرجز] :

٥٣٢ ـ كلّف من عنائه وشقوته

بنت ثماني عشرة من حجّته (١)

قال ابن بابشاذ في شرح الجمل : ولا دليل فيه لأنّ الشعر موضع ضرورة ، وليس هو أيضا بمشهور.

الثالث : إذا سمّي بخمسة عشر ونحوه ممّا تضمّن الثاني فيه حرفا ففيه ثلاث لغات.

إحداها : وهي الفصحي ، إبقاء الجزءين على البناء مراعاة للأصل. الثانية : إعراب الثاني غير منصرف مع التركيب كبعلبك. الثالثة : إضافة الأوّل إلى الثاني مع صرف الثاني ومنعه. وإنّما جاز إعراب الثاني مع قيام سبب فيه ، وهو تضمّنه الحرف في الأصل ، لأنّ الأصل انمحي بالعلميّة ، قاله الرضيّ.

«وإلا» يتضمّن الثاني حرفا «أعرب الثاني» إعراب ما لا ينصرف في الأفصح ، كما سيجئ في بابه لانتفاء سبب البناء فيه ، وهو تضمّن الحرف «كبعلبك» علم لبلد بالشام ، والبعل الزوج ، وبك اسم صنم ، دقّ العنق ، وسمّيت مكّة بكّة لدقّها أعناق الجبابرة.

__________________

(١) هو لنفيع بن طارق. اللغة : العناء : التعب والنصب ، الحجة : السنة.

٥٠٨

«إن لم يكن الثاني قبل التركيب مبنيّا» فإن كان قبل التركيب مبنيّا «كسيبويه» امتنع إعرابه ، وكان مبنيّا على أصله ، فويه من سيبويه مبنيّ على الكسر قبل التركيب ، لأنّه صوت ، لاحظّ له في الإعراب ، وبني على حركة فرارا من التقاء الساكنين ، وكانت كسرة ، لأنّها الأصل في التخلّص منه ، وأمّا الجزء الأوّل فيكون مبنيّا مطلقا لقيام سبب البناء فيه ، وهو ما مرّ من افتقاره إلى الثاني كالحرف ، ويكون بناؤه على الفتح إن لم يختم بياء ، كما مرّ ، فإن ختم بها كمعدي كرب فقيل : يبني على السكون ، وقيل : على الفتح تقديرا ، والأوّل أوجه.

وجه تسمية سيبويه بسيويه : فائدة : غلب اسم سيبويه على إمام النحو أبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر بضمّ القاف الشيرازيّ. وقال الشيخ مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي في كتابه المسمّي بالبلغة في تاريخ أئمة اللغة عن أحمد بن عبد الرحمن الشيرازيّ في كتاب ألقاب أنّ اسم سيبويه بشر بن سعيد ، وهو غريب ، والمشهور الأوّل.

ولقّب بسيويه جماعة ، إلا أنّه لا ينصرف عند الإطلاق إلا إليه ، وهو فارسيّ قال [السيوطيّ] في المزهر معناه : رائحة التفاح ، فسمّي بذلك. وقيل : إنّ أمّه كانت ترقصه بذلك في صغره ، وقيل : كان من يلقاه يشمّ منه رائحة الطيب ، وقيل : كان يعتاد شمّ التفاح ، وقيل : لقّب بذلك للطافته ، لأنّ التفاح من لطيف الفواكه ، انتهى.

وقيل : كان أبيض مشربا بحمرة ، كأنّ خدوده لون التفاح ، وقال ابن السّيّد البطليوسي في شرح الفصيح : الإضافة في لغة العجم مقلوبة كما قالوا سيبويه ، والسيب التفاح ، وويه رائحته ، والتقدير رائحة التفاح ، وفيه يقول جار الله الزمخشريّ [من الوافر] :

٥٣٣ ـ ألا صلّى الإله صلاة صدق

على عمرو بن عثمان بن قنبر

فإن كتابه لم تغن عنه

بنو قلم ولا أبناء منبر

تنبيهات : الأوّل : أجاز الجرميّ في نحو : سيبويه إجراءه مجرى بعلبك في بناء الأوّل ومنع صرف الثاني. قال أبو حيّان : وهو مشكل ، إلا أن يستند إلى سماع ، وإلا لم يقبل ، لأنّ القياس البناء لاختلاط الاسم بالصوت وصيرورتهما اسما واحدا ، انتهى. وقضية كلام التسهيل وغيره سماعه ، بل صرّح بعضهم بذلك ، ولا يرد على قضية كلام المصنّف ، لأنّه خلاف المشهور.

الثاني : في نحو بعلبك لغتان أخريان : أحدهما بناء الجزءين ، أمّا الأوّل فلما مرّ ، وأمّا الثاني فتشبيها له بما تضمّن الحرف كخمسة عشر ، لكونها أيضا كلمتين ، إحداهما عقيب

٥٠٩

الأخرى ، وهو ضعيف ، لأنّ المضاف والمضاف إليه كذلك ، الثانية : إضافة الأوّل إلى الثاني فيتأثّر الأوّل بالعوامل ما لم يعتلّ ، فإن اعتلّ كان في جميع أحواله (١) ساكنا للثقل بالتركيب والإعلال ، وللثاني حينئذ ما له مفرد من الصرف ومنعه ، فموت من حضرموت مصروف وهرمز من رام هرمز ممنوع.

قال الرضيّ : وبعضهم لا يصرف المضاف إليه وإن كان منصرفا قبل التركيب اعتدادا بالتركيب الصوريّ كما اعتدّ به في إسكان ياء معدي كرب ، وهو ضعيف مبنيّ على وجه ضعيف ، أعني الإضافة ، أمّا ضعفه فلأنّ التركيب الإضافيّ غير معتدّ به في منع الصرف ، وأمّا الإضافة فلأنّها ليست حقيقيّة ، بل شبيهة بالإضافة من حيث اللفظ ، ولو كانت الإضافة حقيقيّة لأنتصب ياء معدي كرب في النصب ، انتهى. وقد ذهب بعضهم إلى فتحها في النصب ، وإسكانها في الرفع ، والجرّ كقاضي القوم ، ولا يرد شيء من ذلك على قضية كلام المصنّف (ره) لما علمت.

والثالث : عدّوا من المركّب المبنيّ قولهم : افعل هذا بادي بدي ، وبادي بدا وذهبوا أيدي سبا ، وهو مشكل ، فإنّ أصل بادي بدى بادي بديئ بوزن بديع ، فخفّفت بأن طرحت همزة بديي وبأن قلبت همزة بادي ياء مفتوحة ، واسكنت الياء ، فوزن بدي بعد الحذف فعي ، وأصل بادي بدا بادي بداء كصباح ، فصنع بهمزة بادي ما تقدّم ، وحذفت همزة بداء.

ومعناهما أوّل ، مبتدأ من بدأ يبدأ بمعنى الابتداء ، وقيل : من بدا يبدو ، وإذا ظهر فهما في الأصل مضاف ومضاف إليه ، والمضاف منهما منصوب على الحال ، وليس فيهما إلا تخفيف الهمزة من آخرهما ، والإسكان في آخر الاسم ، وتخفيف الهمزة وإسكان الآخر لا يوجبان البناء ، ألا ترى أنّك لو خفّفت ، وقلت في مبتدإ : مبتدي وفي بدأ بدي ، لم يختلف في أنّه باق على إعرابه ، وإنّما غايته إن كان معربا لفظا فصار معربا تقديرا.

وكذلك أيدي سبا ، المعنى ذهبوا مثل أيدي سباء بن يشجب في تفرّقهم وتبدّدهم في البلاد ، حين أرسل الله عليهم سيل العرم ، والأيدي كناية عن الابناء والأسرّة ، لأنّهم في القوّة والبطش بهم بمنزلة الأيدي ، فحذف المضاف ، وأعرب المضاف إليه ، وهو أيدي إعرابه ، ثمّ حفّفت الهمزة من سباء وسكنت الياء في أيدي للتخفيف ، وذلك لا يوجب البناء.

__________________

(١) سقط في جميع أحواله في «ح».

٥١٠

قال ابن الحاجب في شرح المفصّل : لو قيل : إنّه معرب على أصله منصوب على الحال ، إلا أنّهم سكّنوا الياء من أيدي وبادي تخفيفا لما جرى في كلامهم كثيرا ، فصار كالأمثال كما كان ذلك في قولهم : أعط القوس باريها ، لكان أقرب إلى الصواب ، إلا أنّهم أرأدوا إسكان الأوّل ، وهو في موضع نصب ، ورأوا صورة التركيب ، حكموا بالبناء ، والّذي يمكن أن يقال من حجّتهم في تمشيته : إنّه كثر استعمالهم أيدي سباء في التفرّق الكثير ، وبادي بدا في الأوّل ، حتى صار معنى المضاف والمضاف إليه نسيا منسيّا ، فلا يفهم من أيدي سبا إلا متشتّتين ، ولا من بادي بدي إلا أوّل ، فكان بمترلة بعلبك في الدلالة على مدلوله من غير نظر إلى تفضيل اللفظين ، فشبّه ببعلبك في أنّ الأوّل كالجزء فوجب بناؤه ، انتهى.

وما حكم به من كونه بمترلة بعلبك هو ما قاله الزمخشريّ ، وجعله سيبويه بمترلة خمسة عشر. قال الرضيّ : وهو الأولى ، وإن كان على جهة التشبيه لا لتضمّن الثاني حرفا مثله ، ولو كان الأمر على ما قال الزمخشريّ لوجب إدخال التنوين في بادي وبدي ، لأنّ فيهما تركيبا بلا علميّة ، ولم يسمعا منوّنين ، ولوجب تنوين سبأ ، لأنّه اسم رجل وليس اسم قبيلة ، انتهى.

وصرّح ابن الحاجب في شرح المفصّل بأنّ من عدّ بادي بدا وأيدي سبا من المركّب المبنيّ ، جعل الجزء الثاني منه معربا ، والأوّل مبنيّا كمعدي كرب وبعلبك ، ولم يعترض لاسقاط التنوين.

قال بعضهم : ويمكن أن يكون إسقاطه للتخفيف لطوله ، ولما جرى في كلامهم كثيرا ، وقد ثبت حذفه في غير هذا الباب لهذه العلّة نحو قولهم : جاءني زيد بن عمرو ، لأنّه مبنيّ.

٥١١

التوابع

ص : التوابع : كلّ فرع أعرب بإعراب سابقه ، وهي خمسة :

ش : باب التوابع. «التوابع» جمع تابع باعتبار غلبة الاسميّة عليه ، وإلا ففاعل صفة لا يجمع على فواعل ، «كلّ فرع» متلبّس «بإعراب سابقه» الّذي هو فرع عليه في الإعراب ، أي بجنس إعرابه ، بحيث يكون إعرابه من جنس إعراب سابقه المذكور.

فقوله : «كلّ فرع» يشمل المحدود وغيره ، ممّا هو فرع عن غيره في الإعراب أو في العمل أو غيرهما ، وما بعده يخرج ما عدا المحدود ، وقد مرّ بيان ما يترتّب على إدخال كلّ في الحدّ من الفساد.

وأحسن حدّ التوابع قول ابن الحاجب في شرح منظومته : التوابع ما ثبت له الإعراب فرعا عن غيرها ، وهو أحسن من حدّه في الكافية : كلّ ثان بإعراب سابقه من جهة واحدة. وقال أبو حيّان : التوابع محصورة بالعدّ ، فلا تحتاج إلى رسم ولا حدّ ، ولذلك لم يحدّها جمهور النّحويّين.

تنبيهات : الأوّل : المراد بالتوابع توابع الأسماء ، إذ الكلام فيما يتعلّق بها فلا نقض بنحو قوله [من الطويل] :

٥٣٤ ـ فأين إلى أين النّجاة ببغلتي

أتاك أتاك اللّاحقون أحبس أحبس (١)

وقوله [من الكامل] :

٥٣٥ ـ لا لا أبوح بحبّ بثنة إنّها

أخذت على مواثقا وعهودا (٢)

الثاني : المراد بالإعراب في اللاحق والسابق أعمّ من أن يكون لفظيّا أو تقديريا أو محليّا حقيقة أو حكما ، فلا يرد نحو : جاءني هولاء الرجال ، ويا زيد العاق ، ولا رجل ظريفا.

الثالث : أفهم قوله «سابقه» وجوب تقديم المتبوع على التابع ، وجوّز الكوفيّون تقديم عطف النسق بشروط.

أحدها : أن يكون بالواو ، وزاد ابن هشام أو الفاء ، أو ثمّ أو أو أو لا.

الثاني : أن لا يؤدّي (٣) ذلك إلى وقوع العاطف صدرا ، فلا يجوز : وعمرو زيد قائمان.

الثالث : أن لا يؤدّي إلى مباشرة العاطف عاملا غير متصرّف ، فلا يجوز : إنّ وزيدا عمرا ذاهبان ، ولا ما أحسن وعمرا زيدا.

__________________

(١) لم يعين قائله : اللغة : البغلة. دابة معروفة.

(٢) هو لجميل بثنية. اللغة : أبوح : مضارع باح بما في نفسه ، إذا أظهره للناس ، المواثق : جمع موثق : العهد الّذي توثق به كلامك وتؤكد به التزامك ، العهود : جمع عهد ، وهو بمعنى الموثق والميثاق.

(٣) سقط أن لا يؤدّي في «ح».

٥١٢

الرابع : أن لا يكون المعطوف مجرورا ، فلا يجوز : مررت وعمرو بزيد.

الخامس : أن لا يكون العامل ممّا لا يكتفي بفاعل واحد فلا يجوز : اختصم وعمرو زيد ، وخالف ثعلب في هذا الأخير فلم يشترطه ، والبصريّون يقصرون ذلك مع استيفاء هذه الشروط على الضرورة كقوله [من الوافر] :

٥٣٦ ـ ألا يا نحلة من ذات عرق

عليك ورحمة الله السّلام (١)

قيل : قد يفهم من ذلك أيضا وجوب تقديمه على معمول التابع ، فلا يتقدّم معمول التابع على المتبوع ، لأنّ المعمول لا يحلّ إلا في موضع يحلّ فيه العامل ، والتابع لا يتقدّم على المتبوع ، وجوّزه الكوفيّون ، نحو : هذا طعامك رجل يأكل ، ووافقهم الزمخشريّ في أحد الوجوه الّتي ذكرها في قوله تعالى : (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) [النساء / ٦٣] ، قال : يجوز أن يتعلّق في أنفسهم ببليغا والمعنى : قل لهم قولا مؤثّرا في قلوبهم ، أي عدهم بالقتل والاستيصال ونحو ذلك ، انتهى ، وهذا إنّما يتأتّي على رأي الكوفيّين.

«وهي» أي التوابع «خمسة» بالاستقراء ، ويمكن أن يقال : لأنّ التابع إن كان مقصودا بالذات فبدل إن لم يتخلّل بينهما عاطف ، وعطف نسق إن تخلّل ، وإن لم يكن مقصودا فنعت ، إن دلّ على معنى في متبوعه ، وتأكيد إن كان إعادة للأوّل لفظا أو معنى ، وإلا فعطف بيان.

الأقوال في عامل التابع : تنبية : اختلف في عامل التابع ، فأمّا النعت والتوكيد والبيان فقال الجمهور : العامل فيها هو العامل في المتبوع ، ونسب إلى سيبويه ، وقال الخليل والأخفش : العامل فيها معنويّ ، وهو كونها تابعة ، وقال قوم : العامل فيها مقدّر من جنس عامل المتبوع ، وأمّا البدل فقال سيبويه والمحقّقون : عامله هو عامل المبدل منه ، إذ المبدل منه في حكم الطرح ، فكان عامل الأوّل باشر الثاني ، وقال أكثر المتأخرين : عامله مقدّر من جنس عامل المبدل منه.

قال أبو حيّان : وهو المشهور وأمّا عطف النسق فقال الجمهور : عامله عامل متبوعه بواسطة الحرف ، وهو الصحيح : وقيل : الحرف ، وقيل : مقدّر بعد العاطف. قال بعضهم : ولو قيل العامل في الكلّ هو المتبوع لكان له شواهد.

__________________

(١) هو للأحوص واسمه عبد الله بن محمد بن عاصم الأنصاري اليربوعي. اللغة : النخلة : مونث نخل وهو شجر معروف ولكن أراد بالنخلة هنا امرأة ، ذات عرق : موضع.

٥١٣

النعت

ص : الأوّل : النّعت ، وهو ما دلّ على معنى في متبوعه مطلقا ، والأغلب اشتقاقه ، وهو : إمّا بحال موصوفه ، ويتبعه إعرابا وتعريفا وتنكيرا وإفرادا وتثنية وجمعا وتذكيرا وتأنيثا ، أو بحال متعلّقه ويتبعه في الثلاثة الأوّل ، وأمّا في البواقي فإن رفع ضمير الموصوف فموافق أيضا ، نحو : جاءتني امرأة كريمة الأب ، وجاءني رجلان كريما الأب ، ورجال كرام الأب ، وإلا فكالفعل ، نحو : جاءني رجل حسنة جاريته ، أو عإلى ة ، أو عال داره ، ولقيت امرأتين حسنا عبداهما ، أو قائمة في الدار جاريتهما.

ش : الأوّل من التوابع النعت ، وقدّمه على سائرها لأنّ استعماله أكثر ، ولكونه أشدّ متابعة وأوفر فائدة ، وكان الأولى أن يتبعه بالبيان ثمّ التوكيد ثمّ البدل ثمّ عطف النسق ، لأنّها إذا اجتمعت في التبعيّة ، رتّبت كذلك ، والتعبير بالنعت اصطلاح الكوفيّين ، وربّما قاله البصريّون ، والأكثر عندهم الوصف والصفة.

«وهو ما» أي تابع ، وهو كالجنس يشتمل جميع التوابع «دلّ على معنى في متبوعه» أخرج ما عدا النعت من التوابع وأورد نحو : أعجبني زيد علمه ، وجاء القوم كلّهم. قال بعضهم : بل كلّ التوابع يدلّ على معنى في متبوعها ، فإنّ المعطوف يدلّ على كون المتبوع ممّا يشاركه الغير في كونه مقصودا بالنسبة ، والتأكيد يدلّ أنّ المتبوع ليس متجوّزا فيه ، ولا ممّا ذكر سهوا ، والبدل يدلّ على أنّ المتبوع غير مقصود بالنسبة. وعطف البيان يدلّ على أنّ المتبوع هذا الأمر المعيّن ، وأجيب بأنّ المراد بالدلالة الدلالة المقصودة ، ولا شيء من هذه الدلالات بمقصود.

«مطلقا» قيد للظرف أي كائن في متبوعه كونا مطلقا غير مقيّد بزمان نسبة حصول لمنعوته في الكلام. قيل : قصد به إخراج الحال ، إذ الحال يدلّ على معنى كائن في ذي الحال في زمان نسبة حصول لذي الحال ، ويردّه على أنّ الحال خارجة عن مبحث التوابع ، وأيضا فتقدّم ذكر التابع والمتبوع يمنع إخراجها به.

قال بعضهم : يصحّ أن يقال : ذكر لبيان مدلول الصفة بحيث يتميّز عن مدلول الحال ، إذ هذا تعريف للصفة بتعيين مدلولها ، فقوله : مطلقا ، وإن كان مستغنى عنه في إتمام التعريف ، لكنّه يحتاج إليه في تعيين مدلولها الّذي قصد في ضمن التعريف ، ولا خفاء في أنّه يخرج به سائر التوابع عن التعريف ، إذ دلالتها على معنى كائن في متبوعها كونا مقيّدا بزمان نسبة حصول لمتبوعها.

٥١٤

وفي بعض شروح الكافية إنّ مطلقا قيد للدلالة ، أي دلالة مطلقة غير مختصّة بمادة ، فخرج به : جاء القوم كلّهم ، وأعجبني زيد علمه ، فإنّ دلالة هذه التوابع على معنى في متبوعها مختصّة بالمادّة حتى لو قيل : أعجبني زيد غلامه ، وأعجبني زيد وغلامه ، وجاء زيد نفسه ، انتفت الدلالة.

وفيه ما عرفت من أنّ كلّ تابع يدلّ على معنى في متبوعه وأنّه لا يساعده اللفظ مطلقا ، إذ مقتضي هذا التوجيه تأنيث مطلقا ، وإنّه يخالف ما حمله المصنّف عليه ، وإنّ ذلك في أعجبني القوم كلّهم باطل ، لأنّ تركيب التأكيد مع المتبوع يفيد تقرير الشمول ، فلولا دلالته على حصول في متبوعه لم يتقرّر الشمول الّذي يدلّ عليه المتبوع.

تنبيهات : الأوّل : يرد على هذا التعريف الجسم الطويل العريض العميق ، فإنّ المقصود فيه بيان معنى الجسم لا الدلالة على معنى فيه ، وسيأتي فيه كلام ، وكذا نحو : (نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) [الحاقة / ١٣] ، فإنّ المقصود فيه تأكيد معنى في المتبوع ، لا الدلالة على معنى فيه ، فلا يشملها التعريف مع أنّهما من أفراد المعرّف.

الثاني : يرد على هذا التعريف أيضا الوصف بحال المتعلّق ، نحو : رجل حسن غلامه ، فإنّ الوصف فيه يدلّ على معنى في الغلام لا في الرجل ، فكان ينبغي أن يزاد فيه أو متعلّقه ، واعتذر مع الاعتراف بأولويّة هذه الزيادة بأنّ المراد بالمعنى في المتبوع أعمّ من معنى فيه تحقيقا أو تتريلا ، والوصف بحال المتعلّق لتتريل حاله مترلة حال المتبوع.

قال الرضيّ : وقد يجعل حال متعلّق الشيء وصفا لذلك الشيء بتزيله مترلة حاله ، نحو : مررت برجل مصريّ حماره ، لحصول الفائدة بذلك ، أو إنّ المراد الدلالة على معنى في متبوعه أعمّ من دلالة الوصف وحده أو مع ضميمة المتعلّق ، ولا خفاء في دلالته مع المتعلّق على حال المتعلّق ، وإنّما يميّز عن الوصف بحال الموصوف ، مع أنّ كليهما للدلالة على معنى في المتبوع لاختلاف أحكامهما.

فوائد النعت : الثالث : فائدة النعت التخصيص ، وهو تقليل الاشتراك في النكرات ، كجاءني رجل تاجر ، أو التوضيح ، وهو رفع الاحتمال في المعارف كجاءني الرجل التاجر ، أو المدح أو الذمّ ، نحو : أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم ، أو الترحّم ، نحو : أنا عبدك المسكين ، أو التعميم ، نحو : إنّ الله يرزق عباده الطائعين والعاصين ، أو التفصيل ، نحو : مررت برجلين عربيّ وعجميّ ، أو الإبهام ، نحو : تصدّق بصدقه قليلة أو كثيرة ، أو التأكيد ، نحو : (نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) [الحاقة / ١٣] ، أو الكشف عن الماهيّة ، نحو : الجسم الطويل العريض العميق ، كذا قال بعض المحقّقين.

٥١٥

والفرق بين النعت الكاشف والنعت المؤكّد أنّ الأوّل مفسّر والثاني مقرّر ، والفرق بين التفسير والتقرير بيّن ، وقيل : الفرق بينهما أنّ المؤكّد يوكّد بعض مفهوم المنعوت ، والكاشف يكشف عن تمام ماهيّة المنعوت.

وهنا بحث ، وهو أنّ كلّا من الطويل والعريض والعميق نعت وليس كاشفا ، والمجموع كاشف ، وليس نعتا إن قلت : كلّ من تلك الأمور الثلاثة صالح لكونه كاشفا ، لأنّه مساوي للجسم عند جمهور الأشاعرة ، قلنا : لا شبهة لأحد في أنّ المتكلّم لم يقصد إلا كشف المجموع ، لأنّ المجموع معرّف على أنّ هذا الجواب لا يجدي في نحو : الإنسان الحيوان الناطق ، فالأظهر في الجواب أن يقال : إنّ المجموع نعت واحد ، إلا أنّ إعرابه أجرى على أجزائه كما في قرأت الكتاب جزء جزء ، والبيت سقف وجدران.

اشتقاق النعت : «والأغلب» في النعت «اشتقاقه» أي كونه مشتقّا ، وليس شرطا فيه وفاقا لابن الحاجب وخلافا للجمهور في اشتراطهم ذلك ، وتأويلهم ما ليس بمشتقّ بالمشتقّ.

قال ابن الحاجب : إن معنى النعت أن يكون تابعا يدلّ على معنى في متبوعه ، فإذا كانت دلالته كذلك صحّ وقوعه نعتا ، ولا فرق بين أن يكون مشتقّا وغيره ، لكن لمّا كان الأكثر في الدلالة على المعنى في المتبوع هو المشتقّ توهّم كثير من النّحويّين أنّ الاشتقاق شرط حتى تأوّلوا غير المشتقّ بالمشتقّ.

قال : والأسماء الّتي وقعت صفات ، وهي غير مشتقّة منها ما وقع صفة مطلقا كالمنسوب وذي المضاف إلى اسم الجنس ، نحو : مررت برجل تميميّ وذي مال ، ومنها ما وقع صفة في بعض أحواله كأيّ في مثل : مررت برجل أيّ رجل ، ومنها اسم الجنس التابع لاسم الإشارة نحو : مررت بهذا الرجل ، فإنّه هنا استعمل وصفا ، وإن كان وضعه للذات في غير هذا الموضع لأنّ متبوع هذا ، وهو اسم الإشارة ، دالّ على الذات المبهمة فتعيّن دلالة اسم الجنس التابع له على المعنى ، وهو حقيقة الذات وبيان ماهية المشار إليه ، ومنها اسم الإشارة في نحو : مررت بزيد هذا ، فإنّه يدلّ على معنى في ذات زيد ، وهو كونه مشار إليه ، فثبت أنّ الاشتقاق ليس بشرط في النعت لما ثبت من وقوع هذه الألفاظ المذكورة نعوتا مع أنّها غير مشتقّة ، انتهى.

والّذين يشترطون الاشتقاق يؤوّلون ذلك كلّه ، فيقولون : تميميّ مؤوّل بمنسوب ، وذي مال بصاحب المال ، وأيّ رجل بكامل في الرجوليّة ، وهذا الرجل بهذا المعيّن ، وزيد هذا بزيد المشار إليه.

٥١٦

تنبيه : الوصف الجامد على ضربين : قياسيّ وسماعيّ ، فمن القياسيّ ما ذكر ، ومنه الوصف بالمقادير ، نحو : عندي رجال ثلاثة. قال [النبي] (ص) : الناس (١) كإبل ، مائة لا تجد فيها راحلة واحدة (٢). وتقول : عندي برّ قفيزان. وكذا الوصف بالذراع والشبر والباع وغير ذلك من المقادير.

والسماعيّ على ضريين : إمّا غير شائع ، نحو : مررت برجل أسد أو حمار. قال : وهو بتقدير مثل أي مثل أسد ومثل حمار ، وقال غيره : هو مؤوّل بجرئ أو بليد. وإمّا شائع كثير ، وهو الوصف بالمصدر ، نحو : جاءني رجل عدل ورضي. وهو عند الكوفيّين على التأويل بعادل ومرضيّ ، وعند البصريّين على تقدير مضاف أي ذو عدل وذو رضي.

قال ابن هشام في بعض رسائله : والمشهور أنّ الخلاف مطلق. وقال ابن عصفور : وهو الظاهر ، وإنّما الخلاف حيث لم يقصد المبالغة ، فإن قصدت فالاتّفاق على أنّه لا تأويل ولا تقدير ، انتهى.

ومحل الوصف بالمصدر ما إذا لم يكن في أوّله ميم ، فإن كان كذلك كمسير لم ينعت به لا باطّراد ولا بغيره ، نبّه عليه بعضهم.

الأمور الّتي يتبع النعت متبوعه فيها : «وهو» أي النعت «إمّا بحال موصوفة» أي بحال قائمة بموصوفة ، نحو : مررت برجل حسن ، فالحسن حال قائمة بالرجل ، ويسمّي نعتا حقيقيّا. «ويتبعه» أي يتبع النعت الّذي هو بحال موصوفه موصوفه «إعرابا» رفعا ونصبا وجرّا «وتعريفا وتنكيرا وإفرادا وتثنية وجمعا وتذكيرا وتأنيثا» لاتّحادهما فيما صدقا عليه وقيام النعت بالموصوف.

وليس المراد اجتماع هذه العشرة في تركيب واحد (٣) ، كيف وهي أنواع متضادّة الإفراد ، وإنّما المراد أنّه لا بدّ من كلّ نوع من واحد ، فمن الرفع والنصب والجرّ أحدها ، ومن التعريف والتنكير أحدهما ، ومن الإفراد والتثنية والجمع أحدها ، ومن التذكير والتأنيث أحدهما ، فلا بدّ في النعت الّذي هو بحال موصوفه من أربعة من هذه العشرة.

__________________

(١) سقط الناس في «ح».

(٢) الترمذي ، ٥ / ١٤٢ ، رقم ٢٨٧٢.

(٣) سقط في تركيب واحد في «ح».

٥١٧

تنبيهات : الأوّل : قال بعضهم : ذكر الإعراب لا حاجة إليه لظهور العلم به من كونه تابعا إلا أن يقال : أراد جمع الأمور الّتي تعتبر التبعيّة فيها لتنضبط معا.

الثاني : محل ما تقرّر حيث لم يمنع مانع من التبعيّة ، كما في الملتزم إفراده وتذكيره كالفعل أو تذكيره كفعول بمعنى فاعل وفعيل بمعنى مفعول كامرأة صبور وجرى ح ، أو تأنيثه كرجل ربعة (١) وهمزة (٢) وامرأة ربعة وهمزة ، ولا يشكل شيء من ذلك على قضية إطلاق المصنّف ، لأنّه شاذّ ، وأمّا قولهم برمة أعشار وأكسار وثوب أسمال و (نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ) [الإنسان / ٢] ، فلأنّ البرمة مجتمعة من الأكسار والأعشار هي قطعها ، والثوب مؤلّف من قطع كلّ واحد منها ، سمل أي خلق ، ونطفة مركّبة من أشياء ، كلّ واحد منها مشج ، فلمّا كان مجموع الأجزاء ذلك الشيء المركّب منها ، جاز وصفه بها ، وجراهم على ذلك كون أفعال جمع قلّة ، فحكمه حكم الواحد ، قال تعالى : (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ) [النخل / ٦٦] ، والضمير للأنعام. وقال سيبويه : أفعال واحد لا جمع.

«أو بحال متعلّقه» أي بحال قائمة بمتعلّق موصوفه ، وهو ما بينه وبين الموصوف علاقة ، نحو : مررت برجل حسن غلامه ، فالحسن حال قائمة بالغلام ، وهو متعلّق الموصوف.

تنبيه : المراد بحال الموصوف وحال المتعلّق ما جعل حالا للموصوف ، ولو تجوّزا في الأوّل ، وما جعل حالا لغير الموصوف بحسب دلالة التركيب ، وإن كان قائما به في الثاني ، فنحو : مررت بزيد الحسن من قبيل الوصف بحال الموصوف ، وإن كان ليس المراد بالحسن إلا وجهه ، ونحو : رأيت زيدا الحسن نفسه أو ذاته من قبيل الوصف بحال المتعلّق ، وإن كان الحسن قائما بزيد.

«ويتبعه» أي يتبع النعت الّذي هو بحال متعلّق موصوفه «في الثلاثة الأوّل» جمع أولى وهو الإعراب بأوجه الثلاثة والتعريف والتنكير ، وفي الحقيقة إنّما يتبعه في اثنين من خمسة ، واحدة من أوجه الإعراب ، وواحد من التعريف والتنكير ، «وأمّا في» الخمسة «البواقي» وهي الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث ، ففيه تفصيل.

«فإن رفع» أي النعت الّذي هو بحال متعلّق موصوفه «ضمير الموصوف» بأن حوّل الإسناد عن المتعلّق إلى ضمير الموصوف ، وجرّ المتعلّق بالإضافة إن كان معرفة ، ونصب على التمييز إن كان نكرة ، ويسمّى نعتا مجازيّا ، لأنّه جار على الموصوف لفظا ، وهو قائم حقيقة بمتعلّقه ، فهو «موافق» فيه «أيضا» ، كما أنّه موافق في الثلاثة الأوّل ، فهو

__________________

(١) الرّبعة : الخلق لا بالطويل ولا بالقصير ، أو الوسيط القامة «للمذكر والمؤنّث».

(٢) الهمزة : العيّاب.

٥١٨

كالنعت بحال موصوفه ، لأنّه رافع ضمير الموصوف كهو إلا أنّ ذلك أصالة ، وهذا تحويلا ، «نحو : جاءتني امراة كريمة الأب بالإضافة ، أو كريمة أبا بالتمييز ، وجاءني رجلان كريما الأب بالإضافة ، أو كريمان أبا بالتمييز ، وجاءني رجال كرام الأب» بالإضافة ، أو كرام أبا بالتمييز.

«وإلا» يرفع ضمير الموصوف ، بل رفع المتعلّق فهو «كالفعل» الحالّ محلّه ، فيفرد لرفعه ذلك ، ويطابق في التذكير والتأنيث المرفوع لا المنعوت ، نحو : جاءني رجل حسنة جاريته ، كما تقول : حسنت جاريته ، وجاءتني امرأة قائم أبوها ، كما تقول : قام أبوها ، أو جاءني رجل عالية أو عال داره ، كما تقول : علت داره ، وعلا داره ، لأنّ الدار مؤنث لفظيّ ، وقد تقدّم أنّ الفاعل إذا كان مؤنثا لفظيّا ظاهرا جاز في فعله التذكير والتانيث ، والتانيث أرجح.

«ولقيت امرأتين حسنا عبداهما أو» لقيت امرأتين «قائما أو قائمة في الدار جاريتهما» كما تقول : قام في الدار جاريتهما ، أو قامت في الدار جاريتهما ، لما مرّ من أنّ الفاعل إذا كان مؤنّثا حقيقيّا ظاهرا مفصولا عن الفعل بغير إلا جاز في فعله التذكير والتأنيث ، والتأنيث أرجح.

ونحو مررت برجلين قائم أبواهما ، كما تقول : قام أبواهما ، وبرجال قائم آباؤهم ، كما تقول : قام أباؤهم ، ولا تقول : قائمين أبواهما ، ولا قائمين أباؤهم إلا على لغة أكلوني البراغيث ، لكن يترجّح قيام آباؤهم على قائم آباؤهم.

وإذا رفع النعت الضمير البارز كان حكمه حكم الرافع للمتعلّق ، فتقول : جاءني غلام امرأة ضاربته هي : وأمة رجل ضاربها هو ، كما تقول : ضربته هي ، وضربها هو ، وجاءني غلام رجلين ضاربه هما ، وغلام رجال ضاربه هم ، كما تقول : ضربه هما ، وضربه هم ، ولا تقول : ضارباه هما ولا ضاربوه هم إلا على تلك اللغة ، ويترجّح هنا أيضا ضواربه هم على ضاربه هم.

هذا مذهب سيبويه والمبرّد وأبي موسى ، وذهب الأبذيّ والشلوبين وطائفة إلى أنّ الأرجح هو الإفراد ، وفصّل آخرون فقالوا : إن كان النعت تابعا لجمع كمررت برجال قيام آباؤهم ، وجاءني غلمان رجال ضواربهم هم ، فالتكسير أرجح وإن كان لمفرد أو مثنى ، كمررت برجل قاعد غلمانه وبرجلين قاعد غلمانهما ، وجاءني غلام رجال ضاربه هم ، أو غلاما رجال ضاربهما هم ، فالإفراد أرجح ، واتّفق الجميع على أنّ الافراد أفصح من جمع السلامة.

٥١٩

الأسماء في الوصف : تتمّة : تشمل على فوائد الأولى قال [الأسترآباذي] في البسيط [في شرح الكافية] الأسماء في الوصف على أربعة أقسام :

ما يوصف ويوصف به ، وهو اسم الإشارة والمعرّف بأل والمضاف إلى واحد من المعارف إذا كان متّصفا بالحدث.

وما لا يوصف ولا يوصف به وهو ثواني الكني (١) وأللهمّ عند سيبويه ، وما أوغل من الأسماء في شبه الحرف كأين وكم وكيف والمضمرات وما أحسن قول الشاعر [من السريع] :

٥٣٧ ـ أضمرت في القلب هوي شادن

مشتغل بالنحو لا ينصف (٢)

وصفت ما أضمرت يوما له

فقال لي المضمر لا يوصف

وما يوصف ولا يوصف به وهو الأعلام. وما يوصف به ولا يوصف وهو الجمل ، انتهى.

وقال ابن هشام في تذكرته : المعارف أقسام ، قسم لا ينعت بشيء ، وهو المضمر ، وقسم ينعت بشيء واحد ، وهو اسم الإشارة خاصّة ينعت بما فيه أل خاصّة ، وقسم ينعت بشيئين ، وهو ما فيه أل ، وينعت بما فيه أل ، وبمضاف إلى ما فيه أل ، وقسم ينعت بثلاثة أشياء ، وهو شيئان : أحدهما العلم ينعت بما فيه أل وبمضاف وبالإشارة ، والثاني المضاف ينعت بمضاف مثله وبما فيه أل والاشارة ، انتهى.

بقي أنّ اسم الإشارة وما فيه أل ينعتان بالموصول أيضا ، والعلم ينعت بالموصول وبالمضاف إليه ، ولعلّه أدخله تحت ما فيه أل.

تعدّد النعت لمتعدّد : الثانية : إذا تعدّدت النعوت غير واحد فإن اختلف معنى النعت ولفظه ، وجب التفريق بالعطف بالواو ، نحو : مررت برجلين كريم وبخيل ، وبرجال شاعر وكاتب وفقيه ، إن اتّحدا ، استغنى بالتثنية والجمع عن التفريق ، نحو : مررت برجلين كريمين وبرجال كرماء ، وغلب بالتذكير والعقل وجوبا عند الأجمال ، كمررت بزيد وهند الصالحين ، وبرجل وامرأتين صالحتين. والتغليب بالعقل خاصّ بجمع المذكّر ، تقول : مررت برجال وأفراس سابقين ، وامتنع سابقات ، واختيارا عند التفضيل فتقول على التغليب : مررت بعبيد وأفراس سابقين ، وعلى عدمه سابقين وسابقات.

__________________

(١) ثواني الكني : القسم الثاني من الكنية نحو القاسم من أبي القاسم.

(٢) لم يسمّ قائله. اللغة : الشادن : ولد الظبية. (ج) شوادن.

٥٢٠