الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

السيد علي خان المدني الشيرازي

الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

المؤلف:

السيد علي خان المدني الشيرازي


المحقق: الدكتور السيد أبو الفضل سجادي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: روح الأمين
الطبعة: ٠
ISBN: 978-964-518-296-8
الصفحات: ٩٤٧

ولأنها إنّما تفيد معنى في غيرها ، وهو كون اسم الإشارة الّذي لحقته مخاطبا به واحد أو اثنان أو جماعة من قبيل المذكّر والمؤنّث ، ولأنّها لا محلّ لها من الإعراب ، إذ لا رافع ولا ناصب ولا خافض بحرف ولا إضافة.

أمّا الثلاثة الأول فواضح ، وأمّا الرابع فلأنّ أسماء الإشارة لا تضاف ، لأنّه لا يضاف إلا النكرة ، وهي معرفة ، لا تقبل التنكير ، فتعيّن أن تكون حرفا ، وإن كانت تتصرّف تصرّف الكاف الاسميّة غالبا ، فتبيّن حال المخاطب من إفراد وتذكير وضدّهما ممّا تبيّنه إذا كانت اسما ، فيفتح مع المذكّر ، وتكسر مع المؤنّث ، وتوصل بميم وألف في المثنّى ، وبميم في الجمع المذكّر وبنون في الجمع المؤنّث ، نحو : ذاك وذاك ، ذلكما ، ذاكنّ.

وإنّما قلنا : غالبا لأنّه قد لا يلحقها دليل تثنية ولا جمع ، بل تكون مفتوحة في التذكير مكسورة في التأنيث ، وقد تفتح مجرّدة من الزوائد في جميع الأحوال قال تعالى : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) [النساء / ٢٥] ، و (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) [النساء / ٣] ، (فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ) [البقرة / ٨٥] ، ذلك خير لكم ، فأوقع ذلك موقع ذلكم ، وهذا لا يجوز في الإسميّة ، لا يقال : يا زيدون عرفك عمرو ، أي عرفكم.

تنبيه : قضية إطلاقه أنّ الكاف تلحق جميع ما يشار به للمؤنّث ، وذكر المراديّ اختصاصها بذي وتا وتي ، وقال ثعلب : لا يقال ذلك ، وفي الصحاح أنّه خطأ بلا لام حال من الكاف ، أي تلحق أسماء الإشارة كاف.

«بلا لام» حال من الكاف ، أي تلحق أسماء الإشارة كاف الخطاب حال كونها مجرّدة من اللام للمشار إليه «للمتوسّط» بين القريب والبعيد ، نحو : ذاك «و» حال كونها «معه» أي مع اللام ، وهو حرف موضوع للدّلالة على «البعيد» أو على توكيده على خلاف فيه سيأتي بيانه.

وأصله السكون كما في تلك ، وإنّما كسرت في ذلك لالتقاء الساكنين ، أو فرقا بينهما وبين لام الجرّ في نحو ذلك بفتح اللام للمشار إليه البعيد نحو ذلك.

«إلا في المثنّى» مطلقا «و» إلا في «الجمع عند من مدّه و» إلا «فيما دخله حرف التنبيه» فلا تلحقهنّ كاف الخطاب مع اللام ، لا يقال : ذان لك ولا أولاء لك ولا هذا لك ، فإن أريد الإشارة إلى المثنّى البعيد قيل : ذانّك بتشديد النون ، أو الجمع البعيد قيل : أولالك باللام مع القصر.

تنبيهات : الأوّل : أفهم كلامه أنّ ما لا يلحقه كاف الخطاب من أسماء الإشارة فهو للقريب ، وأمّا اللام فلا تقع بدون الكاف ، فعلم أنّ لأسماء الإشارة ثلاث مراتب : قربى ،

٤٨١

وهي المجرّدة من الكاف واللام ، ووسطى ، وهي الّتي بالكاف وحدها ، وبعدى ، وهي المقرونة بهما في غير المثنّى وبالنون المشدّدة في المثنّى كما ذكرنا.

فعلى هذا للواحد المذكّر القريب ذا ، وللمتوسط ذاك ، وللبعيد ذلك ، وللمثنى القريب ذان رفعا ، وذين نصبا وجرّا ، وللمتوسّط ذانك وذينك بتخفيف النون. وأمّا بتشديدها فللبعيد ، ولجمعه القريب أولى ، وللمتوسط أولئك وللبعيد أولالك بالقصر ، وقس على ذلك المؤنّث. هذا مذهب الجمهور ، وقضيته أنّ القصر في أولا يتعيّن في البعد ليدخل اللام ، ويبطله ما مرّ من أنّ القصر لغة تميم ، والمدّ لغة الحجازيّين ، فتأمّل.

وذهب جماعة إلى أن ليس لها إلا مرتبتان قربى وبعدى. قال ابن مالك : وهو الصحيح ، والظاهر من كلام المتقدّمين ، وعزاه غيره إلى سيبويه والمحقّقين ، واستدلّ له في شرح التسهيل بأوجه أقواها أنّ الفرّاء روى أنّ الحجازيّين ليس من لغتهم استعمال الكاف بلا لام ، وأنّ التميميّين ليس من لغتهم استعمال الكاف مع اللام ، وأنّ تميما يقولون : ذاك وذيك ، حيث يقول الحجازيّون : ذلك وتلك ، فلزم من هذا أنّ اسم الإشارة على اللغتين ليس له إلا مرتبتان : إحداهما للقريب ، والأخرى للبعيد لأدناه وأقصاه. قال الدمامينيّ : وهذا إيضاح لا مزيد عليه ، وعلى هذا فتشديد النون في ذانّ وتانّ عوض عمّا حذف من المفرد.

الثاني : قد يشار إلى القريب بما للبعيد لعظمة المشير ، نحو : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) [طه / ١٧] ، أو المشار إليه نحو : (ذلِكَ الْكِتابُ) [البقرة / ٢] ، أو لتحقيره نحو ذلك اللعين. وقد يشار إلى البعيد بما للقريب لحكاية الحال ، نحو : (هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ) [الإسراء / ٢٠] ، و (هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) [القصص / ١٥] ، وقد يتعاقبان مشارا بهما إلى ما ولياه كقوله تعالى متّصلا عيسى (ع) : (ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ) [آل عمران / ٥٨] ، ثمّ قال : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُ) [آل عمران / ٦٢].

تتمّة : وضعوا للإشارة إلى الأمكنة ألفاظا خاصّة بها بخلاف ما تقدّم ، فإنّها تقع لكلّ مشار إليه زمانا أو مكانا أو غيرهما ، فوضعوا للمكان القريب هنا وهاهنا ، وللمتوسّط هناك وها هناك ، والبعيد هنالك وهنّا بتشديد النون مع فتح الهاء وكسر الهاء ، وقد تلحق بها التاء ساكنة فيقال : هنت وثمّ بفتح الثاء المثلثة وتشديد الميم ، وبنيت على الفتح للتخفيف ، ولم تكسر على أصل التقاء الساكنين لاستثقال الكسرة مع التضعيف. قال الدمامينيّ : وأنظر ثمّ في قول العلماء ، ومن ثمّ كان كذا هل معناها معنى هنالك أو هنا الّتي للقريب ، والظاهر الثاني ، انتهى.

٤٨٢

ومن لم يثبت المرتبة الوسطي في الإشارة سوى بين هناك وهنالك التزم في هذه الألفاظ الظرفية أو الجرّ بمن أو إلى أو في كافهنّ الفتح والإفراد ، وقد يستعار غير ثمّ للزمان كقوله تعالى : (هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ) [الأحزاب / ١١] ، وقول الشاعر [من الكامل] :

٤٨٦ ـ وإذا الأمور تعاظمت وتشابهت

فهناك يعترفون أين المفزع (١)

وقوله [من الكامل] :

٤٨٧ ـ حنّت نوار ولات هنّا حنّت

 ... (٢)

ويحتمل في الآية والبيت إرادة المكان.

الموصول

ص : ومنها : الموصول ، وهو حرفيّ أو اسميّ.

فالحرفيّ : كلّ حرف أوّل مع صلته بالمصدر ، والمشهور خمسة : «أنّ» و «أن» و «ما» و «كي» و «لو» ، نحو : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا ، وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) و (بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ ، لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ ، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ.).

تكميل : والموصول الاسميّ ما افتقر إلى صلة وعائد وهو «الّذي» للمذكّر و «الّتي» للمؤنّث ، و «اللّذان» و «اللّتان» لمثنّاهما بـ «الألف» إن كانا مرفوعي المحلّ وب «الياء» إن كانا منصوبيه أو مجروريه ، و «الألى» و «الّذين» مطلقا لجمع المذكّر و «اللّائي» و «اللّاتي» و «اللّواتي» لجمع المؤنّث ، و «من» و «ما» و «أل» و «أيّ» و «ذو» و «ذا» بعد «ما» أو «من» الاستفهاميّتين للمؤنّث والمذكّر.

مسألة : إذا قلت : ماذا صنعت؟ ومن ذا رأيت؟ فذا موصولة ، ومن وما مبتدءان ، والجواب رفع ، ولك إلغائها فهما مفعولان ، وتركيبها معهما ، بمعنى أيّ شيء ، أو أيّ شخص فالكلّ مفعول ، والجواب على التقديرين نصب ، وقس عليه ، نحو : مإذا عرض؟ ومن ذا قام؟ إلا أنّ الجواب رفع مطلقا.

__________________

(١) البيت للأفوه الأودي.

(٢) تقدّم برقم ١٨٣.

٤٨٣

ش : «ومنها» ، أي ومن المبنيّات ، «الموصول ، وهو في» اللغة اسم مفعول من وصل الشيء بغيره ، إذا جعله من تمامه ، وفي الاصطلاح ضربان : موصول «حرفيّ و» موصول «اسميّ» : وهو المقصود بالذكر هنا ، إذ الكلام في المبنيّات من الأسماء ، وذكر الحرفيّ معه إيثارا للفائدة ، وقد سبقه إلى ذلك غير واحد ، وإنّما بني الموصول الاسميّ لشبهه بالحرف في الاستعمال لافتقاره المتأصّل إلى جملة.

فالموصول «الحرفيّ كلّ حرف أوّل مع صلته» أي ما يتّصل به «بالمصدر» ، ولم يحتج إلى عائد ، ولفظة كلّ هاهنا ليست في محلّها ، لأنّ التعريف أنّما يكون للجنس أو بالجنس لا للافراد ولا بالإفراد ، فالمحدود في الحقيقة الموصول الحرفيّ ، والحدّ هو مدخول كلّ ، وهو حرف أوّل مع صلته بالمصدر ، وأيضا لا يصدق على حرف من أفراد الموصول الحرفيّ أنّه كلّ حرف.

فإيراد لفظ كلّ يمنع من صحّة الحمل ، وصحّح الإتيان بها بأنّها مقحمة زائدة ، والغرض من ذلك الإشارة إلى أنّ المحدود صادق على كلّ أفراد الحدّ ، فيكون مانعا ، والظاهر انحصار المحدود فيها لعدم ذكر غيرها ، فيحصل حدّ جامع مانع يكون جمعه ومنعه كالمنصوص عليه ، وهو مبنيّ على جواز زيادة الاسم ، والبصريّون يمنعونه ، وهو التحقيق ، والمراد بالتأويل السبك ، وسيأتي كيفيّته في كلامه (ره) في حديقة المفردات. وإن حمل على التفسير فيخرج بالمعيّة الفعل المضاف إليه ، نحو : هذا جاءني حين قمت ، فإنّه مؤوّل بالمصدر أي حين قيامك ، لكن لا مع شيء آخر وكذا نحو هو من قوله تعالى : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [المائدة / ٨].

الموصولات الحرفيّة المشهورة : والمشهور من الموصول الحرفيّ خمسة :

أحدها : «أنّ» المفتوحة الهمزة المشدّدة النون ، وتوصل بجملة اسميّة ، وتووّل مع معموليها بمصدر.

الثاني : «أن» بفتح الهمزة وسكون النون ، وهي الناصبة للمضارع ، وتوصل بفعل متصرّف ، ماضيا كان أو مضارعا اتّفاقا ، أو أمرا على الأصحّ.

الثالث : «ما» المصدريّة ، وتوصل بفعل متصرّف غير أمر ، وبجملة اسميّة لم تصدر بحرف على الأصحّ.

الرابع : «كي» وتوصل بمضارع مقرونة بلام التعليل وغير مقرونة به.

٤٨٤

والخامس : «لو» المصدريّة على رأي ذهب إليه الفرّاء وأبو على وأبو البقاء والتبريزي (١) وابن مالك ، وتوصل بفعل متصرّف غير أمره ، وأكثرهم لم يثبت ورودها مصدريّة.

فمثال أنّ المشدّدة إذا كان الخبر مشتقّا ، نحو : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا) [العنكبوت / ٥١] ، أي إنزالنا ، ومنه بلغني أنّك في الدار ، أي استقرارك ، لأنّ الخبر في الحقيقة هو المحذوف ، وإذا كان جامدا ، نحو : بلغني أنّ هذا زيد ، أي كونه زيدا ، لأنّ كلّ خبر جامد يصحّ نسبته إلى المخبر بلفظ الكون ، تقول : هذا زيد ، وإن شيءت قلت : هذا كائن زيدا ، ومعناهما واحد. وقال الرضيّ : أي زيديته ، فإنّ ياء النسب إذا لحقت بالاسم وبعدها التاء أفادت معنى المصدر ، نحو : الفروسيّة والمضروبيّة والضاربيّة.

ومثال أن المخفّفة (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة / ١٨٤] ، أي صومكم خير لكم ، (لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ) [الاسراء / ٧٤] أي تثبيتا لك ، كتب إليه بأن قم ، أي بالقيام. هذا هو الصحيح. واختلف في أمرين من ذلك : أحدهما كون الموصولة بالماضي هي الموصولة بالمضارع ، والمخالف في ذلك ابن طاهر محتجّا بأنّ الداخلة على المضارع تخلّصه للاستقبال ، فلا تدخل على غيره كالسين وسوف. ونقض بأن الشرطية ، فإنّها تدخل على المضارع ، وتخلّصه للاستقبال ، وتدخل على الماضي اتّفاقا.

الثاني : كونها توصل بالأمر ، والمخالف في ذلك الرضيّ وأبو حيّان محتجّين بأنّها لو وصلت به لفات معنى الأمر ، قالا : وكلّ شيء سمع من ذلك فإن فيه تفسيرية ونقض بفوات معنى المضي والاستقبال في الموصولة بالماضي والمضارع عند التأويل المذكور على أنّه قد يمنع فوات معنى الأمر بجواز التأويل بالمصدر الطلبيّ ، كما فعله صاحب الكشاف ، وقال في قوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ) [نوح / ١] أن الناصبة للفعل ، أي إنّا أرسلناه بأن أنذر قومك ، أي بأن قلنا له : أنذر ، أي بالأمر بالإنذار ، انتهى.

فعلى هذا إذا قلت : كتبت إليه بأن قم ، فالمعنى كتبت إليه بالأمر بالقيام ، وهو نظير تأويلهم بالمصدر العدميّ ، إذا كانت الصلة منفيّة ، نحو : وأن لا تصوموا شرّ لكم ، أي عدم صومكم شرّ لكم ، ومثال ما : (بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) [ص / ٢٦] ، أي بنسيانهم. وستأتي تتمّة الكلام عليها في حديقة المفردات ، ان شاء الله تعالى.

__________________

(١) التبريزي الخطيب (أبو زكريا يحيى) (١٠٣٠ ـ ١١٠٨) من أئمة اللغة والأدب ، ولد في تبريز وتوفّي ببغداد. له «شرح ديوان الحماسة» لأبي تمام و «تهذيب الألفاظ» لابن السكيت و «شرح سقط الزند» لأبي العلا المعري. المنجد في الأعلام ص ١٦٩.

٤٨٥

ومثال كي : (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ) [الأحزاب / ٣٧] ، أي لعدم كون حرج على المؤمنين. وجئت كي تكرمني ، أي لكرامتى ، ولا حاجة إلى تقدير اللام قبلها ، لأنّ معناها السببيّة دائما عند المصنّف تبعا للكوفيّين ، كما سيأتي بيانه في نواصب المضارع.

وأمّا البصريّون فيقولون : إن قدّرت اللام قبلها فهي المصدريّة ، وإن لم تقدّر اللام فهي تعلى لية جارّة ، ويجب حينئذ إضمار أن بعدها. ومثال لو : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ) [البقرة / ٩٦] ، أي التعمير. ويقول المانعون : لورودها مصدريّة أنّها شرطيّة ، وإنّ مفعول يودّ وجواب لو محذوفان ، والتقدير يودّ أحدهم التعمير لو يعمّر لسرّه. ولا خفاء بما فيه من التكلّف.

تنبيهات : الأوّل : يغلب وقوع لو هذه بعد ودّ أو يودّ ونحوهما من مفهم تمنّ كأحبّ وتمنّي ، ولهذا ينصب الفعل بعدها كما ينصب في جواب ليت ، قال [من الطويل] :

٤٨٨ ـ سرينا إليها في جموع كأنّها

جبال شرورى لو تعان فتنهدا (١)

أي وردنا لو نعان ، فحذف الفعل لدلالة لو عليه.

ومن وقوعها في غير الغالب بدون ما ذكر قول قتيلة ، بالتصغير ، بنت النضر بن الحارث ، وقد قتل النبيّ (ص) أخاها صبرا فأنشدته [من الكامل] :

٤٨٩ ـ أمحمّد ولأنت نجل نجيبة

من قومها والفحل فحل معرق

ما كان ضرّك لو مننت وربّما

منّ الفتى وهو المغيظ المحنق (٢)

فقال (ع) : لو سمعته ما قتلته ، ومنه قول الأعشي [من البسيط] :

٤٩٠ ـ وربّما فات قوما جلّ أمرهم

من التأنّي وكان الحزم لو عجلوا (٣)

الثاني : أشار المصنّف بقوله : «والمشهور خمسة» إلى أنّ الموصول الحرفيّ في غير المشهور أكثر من خمسة ، فمنهم من عدّه ستّة بإدخال الّذي على ما قاله يونس والفرّاء والفارسيّ ، وارتضاه ابن خروف وابن مالك وابن هشام ، فقد ذهبوا إلى أنّها تقع مصدريّة ، وتوصل بالماضي أو المضارع ، وجعلوا منه قوله تعالى : (ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ) [الشوري / ٢٣] (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) [التوبة / ٦٩] ، أي تبشير الله و

__________________

(١) لم يسمّ قائله. اللغة : سرينا : ذهبنا ليلا ، جبال شرورى : اسم موضع ، تنهّد : تبرز وترفع.

(٢) اللغة والإعراب : محمد منادي نوّن ضرورة ، النجب : الولد ، الفحل : الذكر القوي من كل حيوان ، والمعنى هنا : أنت كريم الطرفين ، ما : تحتمل الإستفهام والنفي ، المغيط : اسم المفعول من الغيظ بمعنى الغضب ، المحنق : الّذي تمكن في قلبه الغيظ.

(٣) ينسب هذا البيت إلى الأعشي وإلى القطامي يمدح بها عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان.

٤٨٦

كخوضهم ، ونقله ابن مالك عن الفرّاء في قوله تعالى : (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) [الأنعام / ١٥٤] ، أي على أحسانه. قال ابن هشام : ومن أوضح الدلالة على ذلك قول أبي دهبل الجمحي [من البسيط] :

٤٩١ ـ يا ليت من يمنع المعروف يمنعه

حتى يذوق رجال مرّ ما صنعوا

وليت رزق رجال مثل نائلهم

قوت كقوت ووسع كالّذي وسعوا

وقضية كلامه في التوضيح أنّها حرف. وقال الرضي (ره) : لا خلاف على القول بأنّ الّذي مصدريّة في أنّها اسم. قال بعضهم : ويشكل على القول بأنّها حرف دخل أل عليها ، لأنّها بجميع أقسامها من خواصّ الاسم ، انتهى.

وهذا إنّما يرد لو كان أل على هذا حرفا مستقلّا ليس جزء من الكلمة ، وليس كذلك ، بل هي جزء منها ، كما جزم به ابن هشام.

الموصول الاسميّ : «والموصول الاسميّ» هو «ما» أي اسم ، وهو كالجنس يشمل المحدود وغيره من الأسماء وقوله : «اقتفر» ، أي احتاج إلى «صلة» أخرج ما عدا المحدود ، إذ المراد بالصلة الاصطلاحية ، ولا يفتقر إليها غيره ، ولا يقال : يلزم الدور لتوقّف معرفتها على معرفة الموصول ، لأنّها عبارة من جملة مذكورة بعد الموصول مشتملة على ضمير يعود إليه ، لأنّا نقول : إنّما يلزم ذلك أن لو فسّرنا الصلة بما ذكر ، أمّا إذا فسّرناها بأنّها جملة خبريّة متّصلة باسم لا يتمّ جزء إلا بها مشتملة على ضمير عائد إليه ، فلا دور.

وقوله : «وعائد» والمراد به ضمير يعود على الموصول لربط الصلة به تصريح بما علم ضمنا ، لأنّه مأخوذ في مفهوم الصلة والنكتة في التصريح بذكره موافقة ما جرى على ألسنة المعربين من أنّ الموصول يحتاج إلى صلة وعائد. وأما حمل الصلة في التعريف على معناها اللغويّ كما فعله جماعة ، ففيه أمور :

أحدها : أنّ ألفاظ التعريف محمولة على معانيها المتبادرة ، ولا خفاء في أنّ المتبادر معناها الاصطلاحيّ لا اللغويّ.

الثاني : لزوم الإجمال ، إذ ليس المراد بها ما يقع اسم الصلة ، وهو ما يتّصل به الشيء ، وإلا لما صحّ تفسيرها بالجملة الخبريّة ، والمطلق إذا لم يرد به الإطلاق كان مجملا.

الثالث : انتقاض الحدّ بمن الشرطيّة ، فإنّها مفتقرة إلى صلة وعائد ، نحو : من تكرمه أكرمه. وحمل التعريف على اللفظيّ كما فعله شارح التهذيب للمصنّف ضيق عطن (١) ، كما لا يخفى.

__________________

(١) أي حمل التعريف على اللفظيّ هو الوقوع في الحرج.

٤٨٧

تنبيه : الصلة لا تكون إلا جملة ، لأنّ وضع الموصول على أن يطلقه المتكلّم على ما يعتقد أن المخاطب يعرفه بكونه أو كون متعلّقه محكوما عليه أو به ، فالأوّل نحو : زيد الّذي ضربني أو الّذي ضربني غلامه ، والثاني نحو : الّذي أخوك هو ، أو الّذي أخوك غلامه.

والحكم على شيء بشيء من مضمونات الجمل ، أو ما أشبهها من الصفات مع فاعلها والمصدر مع فاعله ، لكن لمّا كان اقتضاء الموصول للحكم وضعيّا أصليّا لم يستعمل معه من جميع ما يتضمّن الحكم إلا ما يكون تضمنّه له أصليّا لا بالشبه ، وهو الجملة ، وهي إمّا ظاهرة كما مرّ ، أو مقدّرة ، نحو : الّذي عندك والّذي في الدار ، لأنّ التقدير الّذي استقرّ ، أو مؤوّلة ، نحو : الضارب والمضروب.

فإن صلة أل جملة مؤوّلة بمفرد كما قال الرضي وغيره ، والأصل الضرب واليضرب ، فكرهوا دخول أل المشابهة للحرفية لفظا ومعنى على صورة الفعل أمّا لفظا فظاهر ، وأمّا معنى فلصيرورتها مع ما دخلت عليه معرفة كالحرفيّة مع ما تدخل عليه ، فصيروا الفعل المبنيّ للفاعل في صورة اسم الفاعل ، والمبنيّ للمفعول في صورة اسم المفعول ، ولذلك عملا بمعنى الماضي ، ولو كانا اسمي فاعل ومفعول حقيقة ، لم يعملا بمعنى الماضي كالمجرّدين عن أل ، وستأتي تتمّة الكلام على جملة الصلة الظاهرة في حديقة الجمل ، إن شاء الله تعالى.

لطيفة : يحكى أنّ ابن عنين الشاعر كتب إلى الملك المعظّم وقد اعتلّ ، ولم يأته ، وانقطعت عنه صلاته قوله [من الكامل] :

٤٩٢ ـ أنظر إلى بعين مولي لم يزل

يولي الندا وتلاف قبل تلافي

أنا كالّذي أحتاج ما تحتاجه

فاغنم دعائي والثناء الوافي

فعاده ووصله بألف دينار ، وقال له : أنت الّذي ، وهذه الصلة ، وأنا العائد.

«وهو» أي الموصول الاسميّ نوعان : خاصّ ، وهو ما مدلوله واحد ، أمّا مفرد مذكّر أو مؤنّث أو مثنّى كذلك أو مجموع كذلك ، ومشترك ، وهو ما يصلح للواحد وغيره ، فالخاصّ هو «الّذي» للمفرد المذكّر عالما : نحو : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) [النجم / ٣٧] ، أو غيره ، نحو : (أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ) [الواقعة / ٦٨] ، وقال الأخفش : ويكون للجمع أيضا ، وحمل قوله تعالى : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [الزمر / ٣٣].

وتبعه ابن مالك ، لكن قيدّه بما إذا لم يقصد به مخصوص كما في الآية ، فإنّه لو لم يرد به جمع لما أخبر عنه بجمع ، ولا أعيد عليه ضميره ، قال : فإن قصد به مخصوص فلا

٤٨٨

ريب في تثنيته وجمعه باللذين والّذين إلا في ضرورة ، كقول أشهب بن رميلة (١) [من الطويل] :

٤٩٣ ـ وإنّ الّذي حانت بفلج دماؤهم

هم القوم كلّ القوم يا أمّ خالد (٢)

قال أبو حيّان : ولا يعرف أصحابنا هذا التفصيل ، بل أنشدوا البيت على الجواز في فصيح الكلام لا على الضرورة ، وسيأتي في الآية والبيت غير ذلك.

تنبيه : حمل ابن مالك البيت على الضرورة ، ينافي تفسيره للضرورة بأنها ما لا يقع إلا في الشعر ، ولم يكن للشاعر عنه مندوحة (٣) بأن يقول : وإنّ الأولى جاءت بفلج دماؤهم ، فلا يكون على هذا البيت ضرورة.

وأصل الّذي عند البصريّين «لذّ» على وزن عمّ وشجّ ، فلمّا أرادوا الوصف بها من بين الأسماء الموصولة لكونها على وزن الصفات بخلاف ما ومن أدخلوا عليها اللام الزائدة تحصينا لللفظ ، حتى لا يكون موصوفها كمعرفة توصف بالنكرة ، وإنّما قلنا بزيادة اللام لما مرّ أنّ الموصولات معارف وضعا بدليل كون من وما معرفتين بغير اللام ، وإنّما ألزموها اللام الزائدة ، لأنّها لو نزعت تارة ، وأدخلت أخري ، لأوهم كونها للتعريف كما في نحو الرجل ورجل.

وقال الكوفيّون : أصلها الذال الساكنة ، ثمّ لمّا أرادوا إدخال اللام عليها ، زادوا قبلها لاما متحرّكة لئلّا يجمعوا بين الذال ولام التعريف الساكنة ، ثمّ حرّكوا الذال بالكسر ، واشبعوا الكسرة فتولّدت ألف. وكلّ ذا قريب من دعوى الغيب ، قاله الرضيّ.

«والّتي» بقلب الذال تاء «للمفرد المؤنّث» من ذوي العلم وغيرهم ، نحو : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ) [المجادلة / ١] ، (ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) [البقرة / ١٤٢]. ولك في ياء الّذي والّتي وجهان : الإثبات والحذف ، فعلى الإثبات تكون إمّا حقيقة ، فتكون ساكنة ، وإمّا شديدة ، فتكون إمّا مكسورة أو جارية بوجوه الإعراب ، وعلى الحذف فيكون الحرف الّذي قبلها إمّا مكسورا كما كان قبل الحذف ، وإمّا ساكنا ، فهذه خمس لغات.

«ولمثناهما» أي مثنّى المفرد المذكّر والمفرد والمؤنّث «اللّذان واللتّان» بالألف ، «إن كانا مرفوعي المحلّ» واللّذين واللتين «بالياء» المفتوح ما قبلها «إن كانا منصوبيه» أي المحلّ «أو مجروريه» وليست الألف فيهنّ علامة الرفع ، والياء علامة النصب والجرّ ،

__________________

(١) الأشهب بن ثور بن أبي حارثة شاعر نجدي ولد في الجاهليّة وأسلم وعاش في العصر الأموي ، نسبته إلى أمه رميلة أمة اشتراها أبوه في الجاهلية ، ومات بعد سنة ٨٦ ه‍. الأعلام للزركلي ١ / ٢٣٥.

(٢) تقدّم برقم ٦٨.

(٣) المندوحة : سعة وفسحة.

٤٨٩

لأنهنّ لسن مثنيات حقيقة ، بل مبنيّات جئ بهنّ على صورة المثنّى كما مرّ في ذان وتان وذين وتين. قال بعضهم : والصحيح أنّهنّ جميعا معربات مثنيات حقيقة ، ودعوى أنّ كلّ واحدة منها صيغة مستأنفة خلاف الظاهر.

قال الزجاج : ولم يبن شيء من المثنّى ، لأنّهم قصدوا أن تجرى أصناف المثنّى على نهج واحد ، إذ كانت التثنية لا يختلف فيها مذكّر ولا مؤنّث ولا عاقل ولا غيره ، فوجب أن لا تختلف المثنّيات إعرابا وبناء بخلاف الجمع ، فإنّه مخالف بعضه بعضا ، انتهى.

وكان القياس في تثنيه الّذي والّتي وتثنية ذا وتا أن يقال : اللذيان اللتيان وذيان وتيان ، كما يقال في القاضي من المعرب المنقوص : القاضيان بإثبات الياء ، وكما يقال في تثنية فتي من المعرب المقصور : فتيان ، بقلب الألف ياء ، ولكنّهم حذفوا الآخر وهو الياء من الّذي والّتي والألف من ذا وتاء ، وأبقوه في القاضي وفتي ، فرقا بين المتمكّن وغيره. وتميم وقيس تشدّدان النون فيهنّ تعويضا من المحذوف أو تاكيدا للفرق.

ولا يختصّ ذلك لحالة خلافا للبصريّين ، لأنّه قرئ به في السبع في غير الرفع في قوله تعالى : (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ) [فصلت / ٢٧] ، و (إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ) [القصص / ٢٧] ، كما قرئ به فيهما في الرفع في قوله تعالى : (فَذانِكَ بُرْهانانِ) [القصص / ٣٢] ، (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها) [النساء / ١٦].

وبلحارث وبعض ربيعة يحذفون نون اللذان واللتان في حالة الرفع تقصيرا للموصول بطوله للصلة لكونها كالشيء الواحد قال [من الكامل] :

٤٩٤ ـ أبني كليب إنّ عمّي اللّذا

قتلا الملوك وفكّكا الأغلالا (١)

وقال الأخر [من السريع] :

٤٩٥ ـ فما اللّتا لو ولدت تميم

لقيل فخر لهم صميم (٢)

ولا يجوز ذلك في ذان وتان للالباس ، فتلخّص أنّ في نون الموصول ثلاث لغات ، وفي نون الإشارة لغتان.

«الألى» على وزن العلى بالقصر ، وهو أشهر من المدّ ، وتكتب بلا واوا ، كما قاله ابن هشام في شرح اللملحة ، وقد تجرّد من أل ، قال بعضهم : فتقيّد حينئذ بالّتي بمعنى الّذين للاحتراز عن الإشاريّة ، إذ النطق بهما واحد ، قلت : والظاهر أنّه لا حاجة إلى

__________________

(١) هو الأخطل. اللغة : الأغلال : جمع الغل وهو طوق من حديد يجعل في عنق الأسير أو المجرم أو في أيديهما.

(٢) نسب البيت للأخطل وليس في ديوانه.

٤٩٠

ذلك ، فإنّ الإشاريّة تكتب بواو ، وهذه تكتب بلا واو كما عرفت ، وذلك كاف في الفرق.

«والّذين» بالياء «مطلقا» في الأحوال الثلاثة ، أي سواء كان مرفوع المحلّ أو منصوبه أو مجروره ، ويرسم بلام واحدة فرقا بينه وبين المثنّى في حال النصب أو الجرّ ، لئلّا يشتبها خطأ ، ولم يعكس ، لأنّ المثنّى سابق ، فيبقي على أصله من اجتماع اللامين «لجمع المذكّر» العاقل كثيرا فيهما ، ولغيره قليلا ، فمن الكثير في الإلى قوله [من الطويل] :

٤٩٦ ـ رأيت بني عمّي يخذ لونني

على حدثان الدّهر إذ يتقلّب (١)

وقوله [من الطويل] :

٤٩٧ ـ أبي الله للشّمّ الألاء كأنّهم

سيوف أجاد القين يوما صقالها (٢)

وقوله [من الوافر] :

٤٩٨ ـ نحن أولى ضربنا رأس حجر

بأسياف مهندّة صقال (٣)

ومن القليل فيها قول الآخر [من الطويل] :

٤٩٩ ـ يذكرني للوصول أيّامنا الأولى

مررن علينا والزمان وريق (٤)

ومن الكثير في الّذين قوله تعالى : (قالَ الَّذِينَ آمَنُوا) [الشوري / ٤٥] ، ومن القليل قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) [الأعراف / ١٩٤]. وهذيل وعقيل ـ كما في الهمع ـ يعرّفونه كالزيدين كقوله [من الرجز] :

٥٠٠ ـ نحن الّذون صبّحوا الصباحا

يوم النّخيل غارة ملحاحا (٥)

قال بعضهم : وإذا أعرب كان رسمه بلامين ، وقد تحذف نونه حينئذ مرفوعا كقوله [من البسيط] :

٥٠١ ـ قومي اللّذو بعكاظ طيّروا شررا

من رؤوس قومك ضربا بالمصاقيل (٦)

__________________

(١) هو لعمرو بن أسد الفقعسي. اللغة : حدثان الدهر : نوائبه وحوادثه.

(٢) هو لكثير عبد الرحمن وهو معروف بكثير عزة. اللغة : الشمّ : جمع أشم ، مأخوذ من الشمم ، وهو استواء قصبة الأنف مع ارتفاع يسير في أرنبته ، والعرب تعدّ ذلك من علامات السؤدد في الرجال ، القين : الحداد.

(٣) هو لبشر بن أبي حازم. اللغة : أسياف : جمع قلة لسيف ، والشاعر إن أراد أن يفتخر بقوله يجب أن يقول بسيوف لأنّه جمع كثرة ، مهندة : السيوف المطبوعة من حديد الهند.

(٤) هو لمجنون ليلي ، اللغة : الوريق : حسن ، جميل.

(٥) اختلف في نسبة هذا البيت إلى قائله اختلافا كثيرا ، ونسب إلى رجل جاهلي من بني عقيل. ونسب أيضا إلى ليلي الأخيلية وإلى رؤبة بن العجاج. اللغة : صبحوا : معناه جاؤوا بعددهم وعددهم في وقت الصباح مباغتين للعدو ، النخيل : اسم مكان بعينه ، غارة : اسم من الإغارة على العدو ، ملحاحا : أراد أنّها غارة شديدة تدوم طويلا.

(٦) هو لأمية بن الأسكر. اللغة : عكاظ : قال أبو عبيدة في «معجم ما استعجم» عكاظ : صحراء مستوية لا علم فيها ، الشرر : أمّا جمع شررة ، وهو ما يتطاير من النار ، وأمّا مصدر شرّ : نقيض الخير ، مصاقيل : جمع مصقول ، من الصقل وهو جلاء الحديد وتحديده ، أي جعله قاطعا.

٤٩١

ومنصوبا كقول الآخر [من الطويل] :

٥٠٢ ـ وإنّ الّذي حانت بفلج دماؤهم

 ... (١)

ويجوز في هذا أن يكون مفردا ، وصف به مقدّر مفرد اللفظ مجموع المعنى ، أي وإن الجمع الّذي أو الجيش الّذي كقوله تعالى : (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) [البقرة ١٧] ، أي كمثل الجمع الّذي استوقد ، فحمل على اللفظ ، ثمّ قال : بنورهم ، فحمل على المعنى ، فلو كان في الأية مخفّفا من الّذين لم يجز إفراد الضمير الراجع إليه ، وكذا قوله تعالى : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [الزمر / ٣٣].

أمّا حذف النون من الّذين نحو : جاءني الرجال الّذين قالوا كذا فهو قليل كقلّة اللذا في المثنّى ، قاله الرضيّ. وقد يقال في جمع المذكّر : اللائين أيضا مطلقا ، وبعض هذيل يعربه ، ومنه قول بعضهم : هم اللاؤون فكّوا الغلّ عنّي.

«واللائي» بهمزة بعدها ياء ساكنة كالقاضي «واللاتي» بتاء فوقانيّة مكان الهمزة ، «واللواتي» على وزن الهوادي ، وقد تحذف تائها اجتزاء (٢) بالكسرة لجمع المؤنّث ، وقد يتقارض (٣) الألى واللاتي ، فيقع كلّ منها مكان الآخر.

قال [من الطويل] :

٥٠٣ ـ محا حبّها حبّ الإلى كنّ قبلها

وحلّت مكانا لم يكن حلّ من قبل (٤)

وقال [من الوافر] :

٥٠٤ ـ فما آباؤنا بأمّنّ منه

علينا اللّاء قد مهدوا الحجورا (٥)

أي الّذين.

الموصول المشترك : والمشترك من الموصول هو «من» بفتح الميم للعالم ، نحو : جاءني من قام ، ومن قاما ، ومن قاموا ، ومن قامت ، ومن قامتا ، ومن قمن ، وتأتي لغير العالم في ثلاث مسائل :

أحدها : أن يترّل مترلته ، نحو : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ) [الأحقاف / ٥] ، وقوله [من الطويل] :

__________________

(١) تقدم برقم ٦٨ و ٤٩٣.

(٢) الاحتزاء : الاكتفاء.

(٣) يتقارض : يتبادل.

(٤) هو للمجنون.

(٥) هو لرجل من بني سليم. اللغة : أمنّ : أفعل تفضيل من قولهم : منّ عليه ، إذا أنعم عليه. مهدوا : من مهد القراش : بسطه ووطّأه ، الحجور : جمع الحجر وهو حضن الإنسان.

٤٩٢

٥٠٥ ـ أسرب القطا هل من يعير جناحه

لعلى إلى من قد هويت أطير (١)

وقوله [من الطويل] :

٥٠٦ ـ ألاعم صباحا أيّها الطّلل البإلى

وهل يعمن من كان في العصر الحإلى (٢)

فدعاء الأصنام ونداء القطا والطلل سوّغ ذلك.

الثانية : أن يجتمع مع العاقل فيمن وقعت عليه من ، نحو : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ) [النور / ٤٥] لشموله الإنسان والطائر.

الثالثة : أن يقترن مع العاقل في عموم فصل بمن الموصولة ، نحو : فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على أربع [النور / ٤٥] ، لاقترانهما بالعاقل في كلّ دابّة في قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) [النور / ٤٥] ، لأنّ الدّابة لغة ما يدبّ على الأرض عاقلا كان أو غيره ، قاله ابن هشام في الأوضح. و «ما» لما لا يعقل.

وروي ذلك عن النبي (ص) كما في كثير من كتب الأصول وغيرها أنّ ابن الزبعرى لمّا سمع قوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) [الأنبياء / ٩٨] ، فقال : لأخصمنّ محمدا (ص) ، فجاء إلى النبي (ص) ، فقال : أليس قد عبدت الملائكة ، أليس قد عبد المسيح ، فيكون هؤلاء حصب جهنّم ، فقال له (ص) : ما أجهلك بلغة قومك ، ما لما لا يعقل. وتأتي لمن يعقل مع غيره ، نحو : (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) [الحشر / ١].

وللمبهم أمره كقولك : وقد رأيت شجا من بعيد ، لا تدري أبشر هو أم مدر (٣) ، أنظر إلى ما ظهر. وزاد بعضهم لأنواع من يعقل نحو : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) [النساء / ٣].

وردّه ابن الحاجب لأنّ النوع لا يعقل ، فهذا مستغنى عنه لقولنا : لما لا يعقل. وحكي عن الزمخشريّ أنّه قال : كنت في حضرة بعض الوزراء ، والمجلس خاصّ بالعلماء ، فسألهم الوزير عن قوله تعالى : (وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) [النساء / ٣٦] ، فتكلّموا ، فلم يقع الوزير جوابهم (٤) ، فسألني فقلت : الأصل في ما أن يكون لغير العقلاء ، فإذا أطلق على العقلاء ، و

__________________

(١) هو للعباس بن الأحنف أحد الشعراء المولدين وقيل لمجنون ليلي. اللغة : السرب : جماعة الظباء والقطاء ونحوهما ، القطا : ضرب من الطير قريب الشبه من الحمام ، هويت : أحببت.

(٢) هو لامرئ القيس. اللغة : عم : فعل أمر وأصله أنعم حذفت منه الألف والنون للتخفيف ، ومن عادة العرب أنّهم يقولون عند التحيّة في الغداة عم صباحا وفي المساء عم مساء ، الطلل : ما شخص من آثار الديار ، البإلى : المندرس ، العصر : بمعنى العصر.

(٣) المدر : قطع الطين اليابس.

(٤) سقط جوابهم في «ح».

٤٩٣

أمكن مراعاة الأصل فيه بوجه ، يجب ذلك ، والإناث أقرب إلى غير العقلاء من الذكور ، فتحمل على الإناث ، انتهى ، وقد أشار في الكشاف على ما ستراه.

وذهب بعضهم إلى أنّها تستعمل لما لا يعقل ولغيره نحو : ما سمع من قولهم : سبحان ما سخّر كنّ لنا ، وسبحان ما سبّح الرعد بحمده ، (وَالسَّماءِ وَما بَناها) [الشمس / ٥].

والّذي عليه جماعة من المحقّقين أنّ التفرقة بين من وما في اختصاص من بذوي العلم ، واختصاص ما أو غلبتها في غيرهم إنّما هي إذا أريد الذات ، وأمّا إذا أريد الوصف كما تقول في الاستفهاميّة : ما زيد ، أي فاضل أم كريم ، وفي الموصولة : أكرم ما شيءت من هؤلاء الرجال ، أي القاعد أو القائم ، أو نحو ذلك ، فهو بكلمة ما دون من يحكم الوضع على ما ذكرها الزمخشريّ وصاحب المفتاح وغيرهما ، وإن أنكره قوم ، ومنثمّ قال في الكشاف في تفسيره قوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) [النساء / ٣] ، وقيل ما ذهابا إلى الصفة ، ولأنّ الإناث من العقلاء يجرين مجرى غير العقلاء ، ومنه قوله تعالى (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) [النساء / ٣].

فأشار بقوله ذهابا إلى الصفة إلى أنّ المراد : فانكحوا الموصوفة بأيّ صفة شيء تم من البكر والشيب والشابة والجميلة والنسبية وأضداد ذلك إلى غير ذلك من الأوصاف (١).

أل الموصولة : «وأل» الداخلة على صفة محضة من اسم فاعل أو مفعول بخلاف غير المحضة كالّذي يوصف له ، وهو غير مشتقّ كأسد وكصفة غلبت عليها الاسميّة كالابطح والأجرع والصاحب ، أو دلّت على التفضيل كالأعلم والأفضل ، قال في جميع ذلك للتعريف اتّفاقا.

واختلف في الداخلة على الصفة المشبّهة كالحسن ، فذهب بعضهم إلى أنّها فيه موصولة ، والأصحّ أنّ المشبّهة لا تكون صلة لأل كما سيأتي ، وتكون أل بمعنى الّذي والّتي والمثنّى والجمع بحسب ما يبيّنه الضمير الراجع إليها ، وللعاقل وغيره نحو : الضارب والضاربة والضاربان والضاربون والضاربات ، أي ضرب والّتي ضربت إلى آخره ونحو : (السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) [طور / ٥] ، أي الّذي رفع ، والّذي سجر. وقد توصل بظرف وبجملة اسميّة أو فعلية ، فعلها مضارع ، فالأول كقوله [من الرجز] :

٥٠٧ ـ من لا يزال شاكرا على المعه

فهو حر بعيشة ذات سعة (٢)

__________________

(١) سقط الأوصاف في «ح».

(٢) لم يسمّ قائله. اللغة : المعه : يريد الّذي معه ، حر : حقيق وجرير ولائق ، سعة : اتساع ورفاهيه ورغد.

٤٩٤

والثاني كقوله [من الوافر] :

٥٠٨ ـ من القوم الرسول الله منهم

لهم دانت رقاب بني معدّ (١)

والثالث كقوله [من البسيط] :

٥٠٩ ـ ما كاليروح ويغدو لاهيا فرحا

مشمّرا يستديم الحزم ذو رشد (٢)

والجميع خاصّ بالشعر خلافا للأخفش وابن مالك في الأخير.

تنبيهات : الأوّل : قال السيوطيّ في نكته : لم أر من حكى خلافا هل أل بجملتها موصول أو اللام فقط؟ كما قيل بذلك في أل المعرفة ، ولجريانه هنا اتّجاه ، لكنّ المفهوم من عباراتهم الجزم بأنّها بجملتها الموصول خصوصا قول ابن الحاجب ، وصلة الألف واللام ، وعبّر في المعرفة بأل فقط ، انتهى.

واستظهر بعض المحقّقين عدم الفرق بينهما ، قال : وتخصيص الخلاف بحرف التعريف تحكّم ، انتهى ، فتأمّل.

الثاني : ما تقرّر من أنّ المذكورة موصول اسمي هو الأصحّ ، وليست موصولا حرفيّا خلافا للمازنيّ لعود الضمير عليها في نحو : قد أفلح المتّقي ربّه ، ولأنّها لا تؤول مع صلتها بالمصدر ولا حرف تعريف خلافا للأخفش ، لأنّه يجوز عطف الفعل على مدحولها نحو : (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً* فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) [العاديات / ٣ و ٤] ، أي فاللاتي أغرن فأثرن ، ولأنّه لا يتقدّم عليها معمول مدخولها ، لا يقال : جاء زيد الضارب ، ومحلّ الخلاف إذا كان الوصف الداخلة عليه للحدوث ، ولم تكن للعهد ، أمّا إذا كان للثبوت كالمؤمن والصانع ، قال فيه حرف تعريف اتّفاقا ، قاله التفتازانيّ في شرح التلخيص.

وأما إذا كانت للعهد كما في قولك : جاءني ضارب فاكرمت الضارب ، فلا خلاف في حرفيّتها أيضا ، قاله الرضيّ. قال بعض المحقّقين : وفيه نظر ، لأنّ هذا إنّما يتمّ لو لم يأت الموصول لتعريف العهد ، والتحقيق أنّ الأقسام الأربعة للتعريف يجرى في الموصول.

الثالث : على القول بأنّ أل اسم فالمشهور أنّها اسم موضوع برأسه غير مقتطع من شيء ، وزعم الزمخشريّ أنّها بعض الّذي ، أنّهم لكثرة استعمالهم متوصّلا به إلى وصف المعارف نهكوه بالحذف ، فحذفوا تارة الياء وحدها. وتارة الياء والكسرة ، وتارة اقتصروا على أل ، وصريح كلامه في المفصّل أنّ أل في الّذي حرف تعريف ، وأنّ أل

__________________

(١) لا يعرف قائله. اللغة : دانت : ذلّت وخضعت وانقادت ، معد : هو ابن عدنان.

(٢) لم يعيّن قائله. اللغه : لاهيا : لاعبا ، مشمرا : متهيأ.

٤٩٥

الّتي تعدّ من الموصولات هي تلك الّتي في الّذي لكونه تخفيفا ، وهي دعوى لا دليل عليها. وفيها ما رأيت من جعل الاسم عين الحرف ، وهو باطل.

أيّ الموصولة : «وأيّ» بفتح الهمزة وتشديد الياء ، وينبغي إذا عدّت في المبنيّات أن تقيّد بما إذا أضيفت ، وكان صدر صلتها ضميرا محذوفا ، نحو قوله تعالى : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ) [مريم / ٦٩] ، أي الّذي هو أشدّ.

فإن لم تضف ولو مع حذف صدر صلتها ، أو أضيفت ، وذكر صدر صلتها ، كانت معربة ألبتة ، نحو : جاءني أيّ قام ، وأيّ هو قائم وأيّهم هو قائم. هذا مذهب سيبويه والجمهور ، واختلفوا في علّة بنائها ، فقيل : لشدّة افتقارها إلى صدر صلتها المحذوف ، وهذا يستلزم بناءها إذا حذف صدر صلتها ، ولم تضف ، وقيل : لأنّ قياسها البناء ، وإعرابها مخالف له ، فلمّا نقص من صلتها الّتي هي موضحة ومبيّنة رجعت إلى ما عليه أخواتها ، وبنيت على الضمّ تشبيها بقبل وبعد ، لأنّه حذف من كلّ ما يبيّنه.

والكوفيّون وطائفة من البصريّين منهم الأخفش يعربونها مطلقا ، قال الزجّاج : ما ظهر لي أنّ سيبويه غلط إلا في الموضعين ، هذا أحدهما ، فإنّه يقول بإعرابها إذا أفردت ، فكيف يقول ببنائها إذا أضيفت. وأوّلوا الآية على الحكاية أو التعليق ، وجعل سيبويه ذلك ، أعني إعرابها مطلقا لغة لبعض العرب ، قال : وهي جيّدة.

وقال الجرميّ خرجت من الخندق ، يعني خندق البصرة ، حتى صرت إلى مكّة ، فلم أسمع أحدا يقول : اضرب أيّهم أفضل ، أي كلّهم ينصب ، ولا يضمّ. وقرأ هارون (١) ومعاذ (٢) ويعقوب : (أَيُّهُمْ أَشَدُّ) بالنصب على هذه اللغة ، وإنّما لم تبن عند عدم الإضافة مطلقا حذرا من اجتماع تغييرين البناء وحذف المضاف إليه ، وتلزم الإضافة إلى معرفة لفظا نحو قوله [من المتقارب] :

٥١٠ ـ ...

فسلّم على أيّهم أفضل (٣)

أو تقديرا نحو : أكرم منهم أيّا تلقاه.

__________________

(١) لعلّه هارون بن موسى بن شريك القاري النحويّ أبو عبد الله يعرف بالأخفش ، وهو خاتمة الأخفشين من أهل دمشق ولد سنة ٢٠١ ه‍ وقرأ بقراءات كثيرة وروايات غريبة ، وكان قيّما بالقراءات السبع عارفا بالتفسير والنحو والمعاني والشعر وعنه اشتهرت قراءة أهل الشام ، ومات سنة ٢٩٢ ه‍. بغية الوعاة ٢ / ٣٢٠.

(٢) يعقوب بن إسحاق بن زيد ، كان أعلم الناس في زمانه بالقراءات والعربيّة وكلام العرب ، وله قراءة مشهورة به ، وهي إحدى القراءات العشر ، مات سنة ٢٠٥ ه‍. المصدر السابق ص ٣٤٨.

(٣) صدره «إذا ما لقيت بني مالك» ، وهو لغسان بن وعلة أحد الشعراء المخضرمين.

٤٩٦

وأجاز بعضهم إضافتها إلى النكرة ، نحو : يعجبني أيّ رجل وأيّ رجلين وأي رجال وأي امرأة وأيّ امرأتين وأيّ نساء عندك ، والجمهور على منعه ، لأنّها حينئذ نكرة ، والموصولات معارف.

وقد تلحقها علامة الفروع في لغة حكاها ابن كيسان ، فيقال : أيّة وأيّان وأيّتان وأيّون وأيّات ، ويلزم استقبال عاملها وتقديمه عند الكوفيّين ، واختاره ابن هشام في الأوضح ، وخالفهم البصريّون ، وتبعهم ابن مالك قال : ولا حجّة للكوفيّين إلا كون ما ورد على وفق ما قالوه ، انتهى.

ووجه وجوب تقديم العامل بقصد الفرق بينها وبين الشرطيّة والاستفهاميّة ، وسئل الكسائيّ في حلقة يونس ، لم لا يجوز أعجبني أيّهم قام؟ فلم يكن له مستند إلا أن قال : أيّ كذا خلقت ، فقال له السائل استحييت لك يا شيخ. يعني أنّ مراده بذلك كذلك وجدتها ، وليس في وجودها كذلك ما يوجب أن يكون مع المستقبل ، إذ لا أمر هنا يتخيّل به الفرق بين المستقبل والماضي ، فإذا لم يكن هناك متخيّل (١) ، فلا فرق بينهما.

قال الرضي : وعلّل ابن باذش (٢) بأن قال : أيّ موضوعة على الإبهام ، والإبهام لا يتحقّق إلا في المستقبل الّذي لا يدري مقطعه ولا مبدأه ، بخلاف الماضي والحال ، فإنّهما محصوران ، فلمّا كان الإبهام في المستقبل أكثر منه في غيره ، استعلمت معه أيّ الموضوعة على الإبهام ، وليس بشيء ، لأنّ الابهامين مختلفان ، ولا تعلّق لأحدهما بالآخر ، انتهى.

وأنكر ثعلب موصوليّة أيّ ، وزعم أنّه لا تستعمل إلا استفهاما أو شرطا ، وقال : ولم أسمع أيّهم هو فاضل جاءني ، بتقدير الّذي هو فاضل جاءني ، وردّ بالسماع قال [من المتقارب] :

٥١١ ـ ...

فسلّم على أيّهم أفضل (٣)

في رواية الضمّ ، إذ لو كانت شرطا أو استفهاما لأعربت فساد المعنى عليهما ، وليست صفة ولا حالا للزوم إضافتها فيهما إلى النكرة ، ولا صلة للنداء ، إذ ليس في البيت نداء ، فإذا انتفي غير الموصولة تعيّنت الموصولة.

__________________

(١) سقط متخيّل في «ح».

(٢) على بن أحمد بن خلف بن محمد الأنصاري الغرناطي ، الإمام أبو الحسن بن الباذش ، أوحد في زمانه إتقانا ومعرفة بعلم العربية ، صنف : شرح كتاب سيبويه ، المقتضب ، شرح أصول ابن السراج ، شرح الإيضاح ، شرح الجمل ، شرح الكافي للنحاس ، مولده سنة ٤٤٤ ه‍ وتوفّي سنة ٥٢٨ ه‍. المصدر السابق ص ١٤٢.

(٣) تقدم برقم ٥١٠.

٤٩٧

ذو الموصولة : «وذو» عند طيّ خاصّة ، وهي للعالم وغيره ، سمع من كلامهم لا وذو في السماء عرشه ، وقال سنان بن فحل الطائي [من الوافر] :

٥١٢ ـ فإنّ الماء ماء أبي وجدّي

وبئري ذو حفرت وذو طويت (١)

أي الّتي حفرت ، والّتي طويت.

والمشهور عنهم إفرادها وتذكيرها وبناؤها على سكون الواو ، ومنهم من يعربها إعراب ذو بمعنى صاحب كما مرّ ، وخصّ ابن الضائع ذلك بحالة الجرّ ، لأنّه المسموع كقوله [من الطويل] :

٥١٣ ـ ...

فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا (٢)

واستشكل إعرابها بأنّ سبب البناء موجود مع عدم العارض ، وفيها أربع لغات ، وأشهرها ما مرّ ، أعني عدم تصريفها مع بنائها ، والثانية : ذو لمفرد المذكّر ولمثنّاه ومجموعه ، وذات مضمومة لمفرد المؤنّث ومثنّاه ومجموعه. الثالثة : كالثانية ، إلا أن يقال لجمع المؤنّث ذوات مضمومة. الرابعة : تصريفها تصريف ذو بمعنى صاحب معربة إعرابها ، فيقال : ذو ذا ذي وذوا ذوي ذوو ذوي ذات ذاتا ذوات.

ذا الموصولة : «وذا» حال كونها «بعد ما» إجماعا «ومن» على الأصحّ «الاستفهاميّتين» ويشترط فيها مع ذلك أن لا تكون للإشارة ، نحو : ماذا التواني؟ ومن ذا الذاهب؟ وأن لا تكون ملغاة ولا مركّبة ، كما سيأتي نحو قوله تعالى : (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ) [النحل / ٢٤] ، أي ما الّذي أنزل. وقول الشاعر [من الكامل] :

٥١٤ ـ وقصيدة تأتي الملوك غريبة

قد قلتها ليقال من ذا قالها (٣)

وقوله [من المتقارب] :

٥١٥ ـ ألا إنّ قلبي لدي الظّاعنينا

حزين فمن ذا يعزّي الحزينا (٤)

أي من ذا الّذي قالها ، ومن ذا الّذي يعزّي الحزين.

تنبيهات : الأوّل : لم يشترط الكوفيّون كون ذا بعد «ما» أو «من» المذكورتين احتجاجا بقوله [من الطويل] :

__________________

(١) هو لسنان بن الفحل الطائي. اللغة : ذو حفرت أي : الّتي حفرتها ، وذو طويت أي الّتي طويتها. وتقول : طويت البئر طيا ، إذا بنيت بالحجارة عليها.

(٢) تمامه «فأمّا كرام موسرون لقيتهم» ، وهو لمنظور بن سحيم. اللغة : الموسرون : جمع الموسرو هو صاحب المال.

(٣) هو للأعشى.

(٤) هو لأمية بن أبي عائذ الهذلي. اللغة : الظاعنين : المرتحلين.

٤٩٨

٥١٦ ـ عدس ما لعبّاد عليك إمارة

أمنت وهذا تحملين طليق (١)

أي والّذي تحملين طليق ، وأجيب بأنّ هذا طليق جملة اسميّة ، وتحملين حال ، أي وهذا طليق محمولا لك ، وذو الحال إمّا ضمير طليق ، فطليق هو الناصب للحال ، وإمّا طليق نفسه ، على أنّ الجملة كانت صفة له ، فقدّمت عليه ، فناصبها معنى التنبيه والإشارة.

وقال الشيخ سراج الدين البلقينيّ : يجوز أن يكون ممّا حذف فيه الموصول من غير أن يجعل هذا موصولا ، والتقدير هذا الّذي تحملين على حدّ قوله [من الطويل] :

٥١٧ ـ فو الله ما نلتم وما نيل منكم

بمعتدل وفق ولا متقارب (٢)

أي الّذي نلتم قال : ولم أر أحدا أخرجه على هذا ، انتهى ، وهو حسن.

الثاني : مقابل الأصحّ في «ذا» بعد من (٣) وما ، نقل عن بعضهم من منع كونه موصولا بعدها ، قال : لأنّ الأصل في ذا أن يكون للإشارة لمعيّن ، لكن لمّا دخل عليها ما الاستفهاميّة ، وهي في غاية الإبهام ، جرّدتها عن معنى الاشارة ، وجذبتها إلى الإبهام ، فجعلت موصولة ، ولا كذلك من لتخصيصها بمن يعقل ، فليس فيها الإبهام الّذي في ما ، فاستدلّ المجوّزون بالسماع ، وهو ما مرّ. وهذه الموصولات الستّ للمذكّر والمؤنّث وفروعهما ، فيكون بلفظ واحد للجميع ، ولا يرد ما مرّ في أي وذو من اللغات ، لأنّه شاذّ.

هذه «مسألة» تتعلّق بذا الموصولة. «إذا قلت» أنت للمخاطب «ماذا صنعت؟ ومن ذا رأيت»؟ فجئت بعد ذا بفعل متعدّ مفرغ عن ضمير «فذا موصولة» في المثالين لاستجماعها الشروط المتقدّمة ، «وما ومن» الاستفهاميّتان «مبتدءان» في محلّ رفع ، وذا مع صلتها خبرهما ، والعائد محذوف ، أي ما ذا صنعته ، ومن ذا رأيته.

«والجواب» عن كلّ منهما «رفع» ، أي مرفوع ، أو ذو رفع على المختار ، ليطابق السؤال الجواب في كون كلّ منهما جملة اسميّة ، فتقول : الإحسان أو زيدا : أي الّذي صنعته الإحسان ، والّذي رأيته زيد ، وهو أوجه الوجهين في قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) [البقرة / ٢١٩] ، فيمن رفع العفو ، أي الّذي ينفقونه العفو ، والبدل كالجواب ، تقول : ماذا صنعت أخير أم شر؟ ومن ذا رأيت أزيد أم عمرو. وقال [من الطويل] :

__________________

(١) هو ليزيد بن مفرّغ. وروى «نجوت وهذا تحملين طليق» ، اللغة : عدس : صوت يرجز به البغل. عبّاد : هو ابن زياد بن أبي سفيان الّذي هجاه الشاعر بها ، الإمارة : الحكم ، الطليق : المطلق من الحبس.

(٢) لم يسمّ قائله.

(٣) سقط «من» في «ط».

٤٩٩

٥١٨ ـ ألا تسألان المرء ما ذا يحاول

أنحب فيقضي أم ضلال وباطل (١)

ويجوز النصب بتقدير الفعل المذكور في السؤال ، والأوّل أولى ، ولذلك لم يعتبر المصنّف غيره.

تنبيه : قوله : وما ومن مبتدءان مبنيّ على مذهب سيبويه من جواز الإخبار بمعرفة عن نكرة متضمّنة معنى الاستفهام ، وعند غيره أنّ ذا في المثالين مبتدأ ، وما ومن خبران مقدّمان للزومهما الصدر ، ولا يكونان مبتدأين لكونها نكرتين (٢).

«و» يجوز «لك إلغاؤها» ، أي جعل ذا زائدة بين ما ومن ومدخولها ، فكأنّك قلت :

ما صنعت وما رأيت : «فهما» أي ما ومن حينئذ «مفعولان» مقدّمان في محلّ النصب بصنعت ورأيت ، وهذا إنّما يصحّ على مذهب الكوفيّين وابن مالك من جواز زيادة الأسماء ، والبصريّون على خلافه ، وهو الحقّ.

ولك «تركيبهما» أي ما ومن ، «معها» (٣) أي مع ذا فيصيران أسما واحدا من أسماء الاستفهام ، فماذا صنعت «بمعنى أيّ شيء» صنعت؟ ومن ذا رأيت بمعنى «أيّ شخص» رأيت ، وعلى ذلك قول بعضهم : عمّاذا تسأل؟ فأثبت الألف لتوسّطها في اسم الاستفهام بالتركيب ، ولو لا ذلك لحذفها ، كما سيأتي.

«فالكلّ» أي مجموع ما ذا ومن ذا في المثالين مفعول مقدّم في محلّ نصب بصنعت ورأيت ، «والجواب» عن كلّ منهما «على التقديرين» أي على تقديرها زائدة ، وتقديرها مركّبة مع اسمي الاستفهام ، «نصب» ، أي منصوب ، أو ذو نصب على المختار ليطابق السؤال في كون كلّ منهما جملة فعلية ، فتقول : الإحسان ، أو زيدا بالنصب ، أي صنعت الإحسان ، ورأيت زيدا ، وهو أوجه الوجهين في الآية في قراءة غير أبي عمرو : (قُلِ الْعَفْوَ) [البقرة / ١٩] ، بالنصب والبدل كالجواب ، تقول : ماذا صنعت أخيرا أم شرّا؟ ومن ذا رأيت؟ أزيدا أم عمرا؟ ويجوز الرفع بتقدير مبتدإ محذوف ، والأوّل أولى ، ولذلك لم يعتبر المصنّف غيره.

«وقس عليه» أي على ما ذكر من المثالين ، ما إذا كان بعد ذا فعل لازم نحو : مإذا عرض؟ ومن ذا قام؟ فذا يجوز أن يكون موصولة ، أي ما الّذي عرض؟ ومن الّذي قام؟ ولك إلغاءها ، فكأنّك قلت : ما عرض؟ ومن قام؟ وتركيب ما ومن معها بمعنى أيّ شيء عرض؟ وأيّ شخص قام؟

__________________

(١) هو للبيد بن ربيعة العامري يمدح بها النعمان بن المنذر. اللغة : ألا : للعرض ، النحب : النذر ، يقضي مضارع قضى وطره أي أتمّه وبلغه.

(٢) يبدو أنّ الحقّ مع غير سيبويه في هذه المسالة ، لأنّ حقّ المبتدأ أن يكون معرفة إلا إذا كان له المسوّغ.

(٣) في بعض نسخ الصمدية «ولك تركيبها معها».

٥٠٠