الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

السيد علي خان المدني الشيرازي

الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

المؤلف:

السيد علي خان المدني الشيرازي


المحقق: الدكتور السيد أبو الفضل سجادي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: روح الأمين
الطبعة: ٠
ISBN: 978-964-518-296-8
الصفحات: ٩٤٧

عمرو ، ويا زيدان بن عمر ، ويا زيدون بن عمرو ومن أجرى الاعراب في النون أجرى النون (١) مجرى الدال فيفتحها أو يضمّها ، انتهى.

قال في التصريح : هذا مبنيّ على القول بالتركيب ، وأمّا على القول بالاتّباع فلا ، إذ لا اتّباع في مسلمات إذا كسرت ، ولا في المثنّى والمجموع على حدّه وبذلك قال [ابن مالك] في التسهيل : ويجوز فتح ذي الضمّة الظاهرة اتّباعا ، فنحو : يا عيسى ابن مريم لا يقدّر فيه إلا الضمّ خلافا للفرّاء والزمخشريّ ، انتهى. قلت وكذا نحو : رقاش ، ابنة بكر. وقال أبو حيّان : يكون فتح الاتّباع تقديرا.

الثالث : قال ابن مالك : ألحق بالعلم فيما ذكر نحو : يا فلان بن فلان ، ويا سيّد بن سيّد ، ويا فاضل بن فاضل ، كناية بهما عن المجهول النسب لكثرة استعمالها كالعلم. قال أبو حيّان : الّذي ذكره أصحابنا أنّ المسألة مفروضة فيما إذا كان المنادى والمضاف إليه ابن غير علم ، لكنّه ممّا اتّفق فيه لفظ المنادى ولفظ ما أضيف إليه نحو : يا كريم بن الكريم ، أو ابن الكريم ، ويا شريف ابن الشريف ، أو ابن الشريف ، ويا كلب بن الكلب ، أو ابن الكلب ، انتهى.

ونقل غير ابن مالك أنّ مذهب البصريّين في ذلك كلّه بناء المنادى على الضمّ ، ومذهب الكوفيّين وابن كيسان جواز فتحه وضمّه.

الرابع : حكى الأخفش أنّ بعض العرب يضمّ ابن اتباعا لضمّ المنادى ، قيل ، وكان قائله راعي (٢) : إنّ التابع ينبغي أن يتأخّر عن المتبوع ، ولم يراع أنّ الأصل الحامل على الاتّباع قصدا لتخفيف.

الخامس : إذا وقع ابن في غير النداء صفة بين العلمين اسمين أو كنيتين أو لقبين متّفقين كانا ، أو مختلفين ، ولم يكن ابن مثنّى ولا مجموعا ولا مصغّرا ، كان الحكم فيه أن يحذف التنوين من الموصوف ، إذا كان منوّنا والألف من ابن خطّا كما في النداء ، ما لم يقع ابتداء سطر.

قال ابن بابشاذ : وعلّة التنوين عند سيبويه التقاء الساكنين وكثرة الاستعمال وكون ابن صفة ، لأنّ الصفة والموصوف كالشيء الواحد ، فأثّر في الحذف ، فتقول : هذا زيد بن عمرو وأبو على بن أبي الحسن وزين العابدين جمال الدين ، وكذلك مع المؤنّث المنصرف نحو : يا هند ابنة دعد ، فيمن صرف ، وزيد بن هند. ونصّ عليه ابن

__________________

(١) سقط النون في «ح».

(٢) محمد بن محمد بن محمد بن إسماعيل الأندلسي المالكيّ المشهور بالراعي ولد سنة ٧٨٠ ه‍ ق ، له شرح الألفية والجرومية ومات سنة ٨٥٣ ه‍ ق. بغية الوعاة ١ / ٢٣٣.

٤٤١

بابشاذ في شرح الجمل خلافا لمن اشترط تذكير العلمين ، وعلّله بأنّهم لا ينسبون الرجل إلى أمّه ، وقد يثبت التنوين في الضرورة ، كقوله [من الرجز] :

٤٤٥ ـ جارية من قيس ابن ثعلبة

 ... (١)

ولو وقع ابن في جميع ذلك خبر المبتدإ أو لإنّ أو لكان أو لظننت أثبت التنوين لفظا والألف خطّا ، لأنّ الخبر لم يترّل مترلة الصفة بدليل جواز تقديمه وحذفه ، وكذا لو كان مثنّى أو مجموعا أو مصغّرا ، نحو : هذا زيد وعمرو ابنا خالد ، وزيد وعمرو وبكر أبناء خالد ، أو هذا زيد بني خالد ، لأنّ استعمال الواحد في هذا النوع أكثر من استعمال التثنية والجمع ، ولأنّ التقاء الساكنين يزول بالتصغير.

وأمّا اشتراط أن لا يكون أول سطر فلأنّه إذا كان في أول سطر كان في محلّ يبتدأ به غالبا ، لأن القارئ ينتهي إلى آخر السطر ، ثمّ يبتدأ بأوّل السطر الّذي بعده ، فكرهوا أن يكتبوا على خلاف ما لا يوجبه النطق غالبا.

«و» المنادى «المنوّن ضرورة» ، سواء كان علما ، أو نكرة مقصودة «يجوز ضمّه ونصبه» نحو قول الأحوص [من الوافر] :

٤٤٦ ـ سلام الله يا مطر عليها

وليس عليك يا مطر السّلام (٢)

وردّت الرواية بالوجهين ، وقول كثير [من البسيط] :

٤٤٧ ـ حيّتك عزّة بعد الهجر وانصرفت

فحيّ ويحك من حيّاك يا جمل

ليت التحية كانت لي فأشكرها

مكان يا جمل حيّيت يا رجل (٣)

واختار الخليل وسيبويه الضمّ ، لأنّ الضمّ دعت إلى التنوين ، فأقرّت الكلمة على حالها (٤) ، حتى قال سيبويه في النصب : لم يسمع عربا يقوله ، لكن حفظه.

واختار أبو عمرو وعيسى النصب ، لأنّ أصل المنادى أن يكون معربا ، فلما دخلة التنوين عاد إلى اعرابه ، ولمّا عاد إلى الإعراب ، عاد إلى النصب ، ويظهر كما قال في الإرتشاف من قول سيبويه لم يسمع عربيّا يقوله ، وإنّ الخلاف لا على سبيل الاختيار بل على التحتّم.

وقال ابن عصفور بعد ذكر المذهبين : ومن نفي الضمّ لم يجز إلا النصب ، ووافق الأعلم وابن مالك الخليل في العلم وأبا عمرو في النكرة.

__________________

(١) تمامه «كريمة أنسابها والعصبة» ، وهو للأغلب. اللغة : الأنساب : جمع النسب : القرابة ، العصبة : الأقوام والعشيرة.

(٢) البيت للأحوص الأنصاري ، وكان يهوي امرأة ويشب بها ، ولا يفصح عنها ، فتزوّجها رجل اسمه مطر ، فغلب الأحوض على أمره ، فقال هذا الشعر.

(٣) اللغة : حيّتك : خطاب للجمل ، ويحك : كلمة ترحّم وتوجّع أو توبيخ.

(٤) سقطت هذه الجمل في «س».

٤٤٢

قال ابن مالك : إنّ بقاء الضمّ راجح في العلم لشدّة شبهه بالضمير ، مرجوح في اسم الجنس لضعف شبهه بالضمير ، وتظهر فائدة ذلك في التابع ، فتابع المنوّن المضموم يجوز فيه الضمّ والنصب ، وتابع المنوّن المنصوب يجب نصبه. واختلف في تنوين المضموم ، فقيل : تنوين تمكين ، لأنّ هذا المبنيّ يشبه المعرب ، وقيل : تنوين ضرورة ، وإليه ذهب ابن الخبّاز. قال ابن هشام وبقوله أقول : لأنّ الاسم مبنيّ على الضمّ.

والمنادى «المضاف المكرّر» قبل المضاف إليه «يجوز ضمّه ونصبه ، كتيم الأول في نحو» قول جرير يهجو عمر بن النجار وقومه [من البسيط] :

٤٤٨ ـ يا تيم تيم عديّ لا أبا لكم

لا يلقينّكم في سوأة عمر (١)

وأما الثّاني فيجب نصبه فالضمّ في الأوّل على كونه منادي مفردا ، وهو الأكثر ، فيكون تيم الثاني بيانا له ، أو بدلا منه ، أو منادي ثان بإضمار يا ، أو مفعولا بإضمار أعني.

قال ابن مالك : أو توكيدا ، ويمنعه اختلاف وجهي التعريف واتّصال الثاني ممّا لم يتّصل به الأوّل ، والنصب على كونه مضافا لما بعد الثاني عند سيبويه ، فيكون الثاني مقحما بينهما ، والأصل يا تيم عدي يا تيمه ، فحذف ضميره ، وأقحم للتأكيد ، وهو توكيد لفظيّ للأوّل ، والتاكيد اللفظيّ (٢) يأتي ، ولا يغيّر ما قبله ولا ما بعده عمّا كان عليه ، فلذلك بقي منصوبا.

وعلى نيّة الإضافة لمثل ما أضيف إليه الثاني عند المبرّد ، والأصل يا تيم عديّ تيم عديّ ، ولم يعوّض التنوين عن الاضافة إليه كما عوّض في قوله تعالى : (كُلًّا هَدَيْنا) [الأنعام / ٨٤] ، لأنّ القرينة الدالّة على المحذوف موجودة بعد مثل المضاف ، أعني عدي الظاهر الّذي أضيف إليه تيم الثاني ، فكان المضاف إليه الأوّل لم يحذف وعليه ، فيكون الثاني توكيدا أو بيانا أو بدلا أو منادي ثان على إضمار يا.

وضعف قول سيبويه بأنّه مبنيّ على جواز إقحام الأسماء ، وأكثرهم يأباه وعلى جوازه ، ففيه فصل بين المضاف والمضاف إليه ، وهما كالشيء الواحد ، وقول المبرّد بأنّه من باب الحذف من الأوّل لدلالة الثاني عليه ، وهو قليل في كلامهم ، والأكثر عكسه.

وقال الفرّاء : الاسمان مضافان للمذكور ، ولا إقحام ولا حذف ، وهو ضعيف لما فيه من توارد عاملين على معمول واحد ، وقال الأعلم : ركّبا تركيب خمسة عشر ، ثمّ

__________________

(١) اللغة : لا أبالكم : جملة قد يقصد بها المدح ، ومعناه حينئذ نفي نظير الممدوح بنفي أبيه ، وقد يقصد بها الذم ومعناه حينئذ أن المخاطب مجهول النسب.

(٢) سقط التأكيد اللفظي في «س».

٤٤٣

أضيف إلى عدي كما قيل : ما فعلت خمسة عشرك بفتحها ، وفيه تكلّف تركيب ثلاثة أشياء ، وقال السيرافي : الأصل يا تيم بالضمّ تيم عدي ، ففتح اتباعا لنصب الثاني كما في يا زيد بن عمرو.

فهذه خمسة أقوال ، ولا تختصّ المسالة بالعلمين عند البصريّين بل اسما الجنس والوصفان كذلك ، نحو : يا رجل رجل القوم ، ويا صاحب صاحب عمرو ، وخالف الكوفيّون ، فأوجبوا ضمّ الأوّل من اسمي الجنس ، وضمّه أو نصبه منوّنا من الوصفين نحو يا صاحبا صاحب زيد.

تنبيه : إنّما أضاف الشاعر تيم إلى عدي ليفرق بينهم وبين تيم مرّة في قريش وتيم غالب بن فهر في قريش أيضا وتيم قيس بن ثعلبه وتيم شيبان وتيم ضبّة ، وقوله : لا أبا لكم للغلط في الخطاب ، وقوله لا يلقينكم من ألقي إذا وجد ، والسوءة بالفتح الفعلة القبيحة قاله العينيّ (١).

توابع المنادى : «تبصرة» في احكام توابع المنادى ، تعرّض لها هنا كغيره لما فيها من الخصوصيّة الزائدة على مطلق التابع الآتي ذكره.

«وتوابعه» أي المنادى «المضافة» إضافة معنويّة ، لأنّ المطلق ينصرف إلى الفرد الكامل «تنصب» وجوبا «مطلقا» سواء كان المنادى مبنيّا أو معربا ، نحو : يا زيد أو يا عبد الله صاحب عمر في النعت ، ويا زيد أو يا عبد الله نفسه في التوكيد ، ويا زيد أو يا عبد الله عائد اللكب في البيان ، وكذا البدل ويا زيد ويا عبد الله وغلام بشر في عطف نسق ، كلّ ذلك بالنصب وجوبا على محلّ المتبوع إن كان مبنيّا ، وعلى لفظه إن كان معربا.

وحكي عن جماعة من الكوفيّين منهم الكسائي والفرّاء والطّوال جواز رفع المضاف من نعت وتوكيد ، وتبعها ابن الأنباريّ ، وإذا كان مع تابع المنادى ضمير جئ به دالّا على الغيبة باعتبار الأصل ، وعلى الحضور باعتبار الحال ، نحو : يا تميم كلّهم وكلّكم ، ويا زيد نفسه ونفسك ، ومنع الأخفش هذا الوجه الثاني ، وتأوّل نحو : ذلك على أنّه منصوب بفعل مقدر كأنّه قال : دعوت كلّكم.

__________________

(١) بدر الدين محمود العيني (٨٥٥ ـ ٧٦٢ ه‍ ق) ولد في عينتاب ، له مصنفات كثيرة منها : «شرح الشواهد الكبير والصغير» و «رمز الحقائق في شرح كتر الدقائق» بغية الوعاة ٢ / ٢٧٥.

٤٤٤

وأمّا التوابع المضافة إضافة لفظيّة نحو : يا زيد الحسن الوجه فحكمها حكم المفردات ، لأنّ إضافتها كلا إضافة ، فتكون مع المنصوب منصوبة وجوبا ، ومع المبنيّ جائزة الوجهين.

«أمّا» توابع المنادى «المفردة» ، ويدخل فيها شبه المضاف ، لأنّ المراد بالمفردة ما يقابل المضاف ، ولو لا ذكر المضاف في المنصوب وجعله في حكم المستثنى من المفرد المذكور سابقا لكان داخلا فيه ، فلا حاجة لإدخال شبه المضاف في المفردة إلى ما تكلّفه بعضهم من جعل المفردة أعمّ من المفردة حقيقة أو حكما ، لأنّ شبه المضاف مفرد حقيقة.

«فتوابع» المنادى «المعرب» هو المضاف وشبهه والنكرة غير المقصودة والمستغات المجرور باللام والمنوّن بالنصب ضرورة «تعرب بإعرابه» نحو : يا عبد الله الظريف أو الحسن الوجه في النعت ، ويا بني تميم أجمعين في التاكيد ، ويا عبد الله كرزا في البيان ، ويا عبد الله والحارث في النسق المقرون بأل ، وقس على هذا ذلك.

وأجاز الأخفش في النسق المقرون بأل والبيان التابعين للمعرب الرفع أيضا ، نحو : يا رجلا والحارث ، ويا عبد الله والحارث ويا أخانا زيد (١) ، وعلّل الأوّل بكونه في حكم المستأنف ، فكأنّه باشره حرف النداء كما تقول : في يا أيّها الرجل ، والثاني بأنّ هذا موضع قد اطّرد فيه المرفوع. قال الرضيّ : وهو غريب ، لم يذكره غيره ، انتهى. وأمّا البدل والنسق المجرّد من أل فسيأتي حكمها.

«وتوابع» المنادى «المبنيّ على ما يرفع به» فخرج المستغاث المبنيّ على الفتح لإلحاق ألف الاستغاثة ، فلا يجوز في توابعه إلا النصب ، لأنّ المتبوع مبنيّ على الفتح. فلا يتصوّر الحمل على اللفظ من التأكيد صفة لتوابع ، أي التوابع الثابتة (٢) «من التأكيد» ، والمراد به المعنويّ ، إذ اللفظيّ حكمه في الأغلب حكم الأوّل إعرابا وبناء. قال الرضيّ : وقد يجوز إعرابه رفعا ونصبا ، كقول الشاعر [من الرجز] :

٤٤٩ ـ إنّي وأسطار سطرن سطرا

لقائل يا نصر نصر نصرا (٣)

انتهى.

__________________

(١) سقط «يا أخانا زيد» في «ح».

(٢) التوابع الكائنة «ح».

(٣) هو لرؤبة بن العجاج وقيل لغيره. اللغة : الواو : للقسم ، وأراد بأسطار : القرآن ، وهي جمع سطر بمعنى الكتابة.

٤٤٥

فيحتمل أن يكون هذا مختار المصنّف ، ولذلك لم يقيّد التأكيد بالمعنويّ ، وليس التأكيد في البيت بمتعيّن ، بل يجوز أن يكون كلّ من نصر الأوّل والثاني عطف بيان على المنادى الأوّل جاريا على لفظه والثاني على محلّه.

واستشكال ابن الطراوة لذلك بأنّ الشيء لا يبيّن نفسه مردود بجواز قولك : يا زيد زيد ، إذا قلته ، وبحضرتك اثنان ، اسم كلّ منهما زيد ، فإنّك إذا ذكرت الأوّل ، توهّم كلّ منهما أنّه المقصود ، فإذا كرّرته تكرّر خطابك لأحدهما وإقبالك عليه ، فظهر المراد.

وأمّا قول بعضهم : إنّ نصر الثاني عطف بيان على الأوّل على اللفظ والثالث عطف بيان على الثاني على المحلّ ففيه أنّ قضية ذلك أن يكون لتابع المنادى المبنيّ على الضّمّ إذا رفع إعرابان : لفظيّ ، هو الرفع ، وتقديرى ، هو النصب ، والظاهر من كلامهم خلافه ، وإنّه ليس له الإعراب واحدا ما الرفع فقط أو النصب فقط ، والظاهر ما ذكرناه أوّلا «والصفة» خلافا للأصمعيّ في منعه وصف المنادى لشبهه بالمضمر الّذي لا يجوز وصفه. قال : وارتفاع نحو : الظريف في قولك : يا زيد الظريف على تقدير أنت الظريف ، وانتصابه على تقدير أعني الظريف ليس بشيء ، إذ لا يلزم من مشابهته له كونه مثله في جميع أحكامه.

«وعطف البيان ترفع حملا على لفظه» ، أي المنادى ، قيل : لأنّ الضمّ لاطّراده هنا بمعنى أنّه يصحّ أن يقال : كلّ منادي مفرد معرفة فهو مبنيّ على ما يرفع به أشبه الرفع في الفاعل ، فكما أنّ الرفع في الفاعل مطّرد ، كذلك هذا الضمّ في المنادى مطّرد ، ويردّه أنّ الاطّراد ليس سببا لحمل التابع على لفظ المتبوع ، فإنّ نحو : يا فساق ويا سيبويه يطّرد فيه الكسر ، فيقال : كلّ فعال لسبّ المؤنّث في النداء ، وكلّ علم ختم بويه مبنيّ على الكسر ، ومع هذا فلا يجوز حمل التابع على لفظهما. وقيل لعروض الضّمّة ، لأنّها عرضت بدخول يا على المنادى عروضها في الفاعل بدخول العامل ، فاشبهت الرفع فيه ، فيكون الرافع للتابع على هذا حرف النداء بناء على أنّ العامل في التابع هو العامل في المتبوع في غير البدل ، وإلا فأين الرافع.

وبه صرّح الفاضل الهنديّ في شرح الكافية ، ولا يخفي ضعف ذلك ، قال في التصريح : والقول بأنّ الرافع التبعية قول ضعيف ، فلا يحسن التخريج عليه ، والمخلص من ربقة (١) هذا الإشكال أن يحاول في المنادى المضموم أن يكون نائب فاعل في المعنى ، والتقدير : مدعوّ زيد ، فرفع تابعه بالجمل على ذلك ، انتهى.

__________________

(١) الربقة : الحبل ، الخيط.

٤٤٦

وفيه أنّ معنى المنادى إنشائي ، وما قدّره معنى خبريّ. وقال عصام الدين : إنّ المنادى مع كونه مفعولا به صار كالعمدة في أنّه لا يتمّ الجملة الندائيّة بدونه ، وذلك لأنّه في معنى أقبل ، فذلك المفعول فاعل في القصد ، ولذلك بني على ما يرفع به ، فرفع تابعه بالحمل عليه ، وفيه من التكلّف ما لا يخفي كما اعترف هو به ، وبالجملة فالمسألة من غوامض هذا العلم الجليل ، وكلّ تعلى ل فيها على ل.

«وتنصب» حملا «على محلّه» ، لأنّ حقّ التابع المبنيّ أن يكون تابعا لمحلّه ، وهو هنا منصوب المحلّ على المفعوليّة ، فتقول في التاكيد : يا تميم أجمعون وأجمعين ، وفي الصفة يا زيد الحسن والحسن ، وفي البيان يا غلام بشر وبشرا.

«والبدل» كالمنادى «المستقلّ مطلقا» ، أي سواء كان المنادى مبنيّا أو معربا ، فيضمّ إن كان مفردا معرفة ، وإلا نصب ، كما لو كان المنادى ، فتقول : يا زيد بشر ، ويا عبد الله بشر ، ويا أبا عبد الله ويا عبد الله أخا زيد ، كما تقول : يا بشر ويا أبا عبد الله ، ويا أخا زيد ، وذلك لأنّه في نيّة تكرار العامل.

وقال ابن مالك : ويجوز عندي أن يعتبر في البدل حالان : حال يجعل فيها كالمستقلّ ، وهو كثير ، وحال يعطي فيها الرفع والنصب لشبهه فيها بالتوكيد والنعت وعطف البيان وعطف النسق المقرون بأل في عدم الصلاحيّة لتقدير حرف النداء قبله ، نحو : يا تيم الرجال والنساء ، وصحة هذه المسالة مبنيّة على أنّ العامل في البدل هو العامل في المبدل.

«أمّا المعطوف» عطف نسق ، «فإن كان مع أل» سواء كان علما ، نحو : يا زيد والحارث أو لم يكن ، نحو : يا زيد والرجل ، «فالخليل» بن أحمد الفراهيديّ نسبته إلى فراهيد ، وهي بطن من الأزد ، وهو فريد العصر وقريع (١) الدهر وأستاذ أهل الفطنة الّذي لم ير نظيره ، ولا عرف في الدنيا عديله (٢) ، حتى قال بعض أهل العلم : إنّه لا يجوز على الصراط بعد الأنبياء أحد أدقّ ذهنا من الخليل (ره) «يختار» مع تجويز النصب «رفعه» لما فيه من مشاكلته للمنادى في حركته ، ونظرا إلى المعنى ، لأنّه منادى مستقلّ معنى ، وإن لم يصحّ مباشرة الحرف له ولكونه الأكثر في استعمالهم ، كما حكاه سيبويه ، ووافق الخليل تلميذه سيبويه والمازنيّ.

__________________

(١) القريع : الفحل ، الكريم ، الغالب.

(٢) العديل : المثل والنظير.

٤٤٧

«ويونس» بن جبيب الضبيّ أستاذ سيبويه يختار «نصبه» ، لأنّه لا يجوز أن يلي حرف النداء ، فينبغي أن لا يجعل كلفظ ما وليه ، ولذلك قرأ جميع القرّاء ما عدا الأعرج (١) قوله تعالى : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) [سبأ / ١٠] بالنصب ، ووافق يونس أبو عمرو بن العلاء وعيسى بن عمرو الثقفيّ والجرميّ ، وعزي في غالب المتون هذا الاختيار إلى أبي عمرو دون غيره ، فالتبس الأمر على بعض الناس ، فتوهّم أنّ ذكر يونس في هذا المقام سهو من قلم الناسخ ، وسببه أنّه لم يكن في هذا العلم بالراسخ.

«و» أبو العباس محمد بن يزيد «» بضمّ الميم وفتح الباء الموحّدة وفتح الراء المشدّدة ، عرف بذلك لما حكى السيرافيّ من أنّه لمّا صنّف المازنيّ كتابة الألف واللام سأل عن دقيقه وعويصه (٢) ، فأجاب بأحسن جواب ، فقال : قم فأنت المبرّد ، بكسر الراء المثبت للحقّ ، فغيّره الكوفيّون ، وفتحوا الراء ، وجعلوه نبزا (٣).

«إن كان» المعطوف مع أل علما «كالخليل» واليسع والصعق ، فهو «كالخليل» في اختيار الرفع ، أو فيختار الرفع كالخليل ، لأنّ أل لم تفد فيه تعريفا ، فهي كالعدم ، فاشبه عطف النسق المجرّد من أل ، «وإلا» يكن المعطوف مع أل علما ، بل كان جنسا كالرجل والطير ، فهو «كيونس» في اختيار النصب ، لأنّه يكون حينئذ بإحداث أل فيه تعريفا وتركيبا ما مشابها للمضاف ، هذا هو المنقول الصحيح عن المبرد.

وما وقع في الكافية من قول ابن الحاجب والخليل في المعطوف يختار الرفع ، وأبو عمرو النصب ، وأبو العباس إن كان كالحسن فكالخليل وإلا فكأبي عمرو ، فمقتضاه كما حلّه المصنّف وغيره من الشّراح أنّ المبرّد يوافق الخليل في اختيار الرفع ، إذا كان المعطوف مع أل مثل الحسن في عروض أل وجواز حذفها ، فكأنّه إذن مجرّد عن أل ، ويوافق أبا عمرو في اختيار النصب مع لزوم أل كما في الصعق لامتناع مباشرة حرف النداء له مطلقا ، فكيف يضمّ ، وهو سهو من ابن الحاجب ، كما نبّه عليه الرضيّ (ره).

قال شيخنا العلّامة محمد بن على الشاميّ : ـ أعلى الله مقامه ـ وهذا الحلّ لعبارة ابن الحاجب في الكافية أنّما علم من شرحه ، وإلا فعبارته لا تأبي التتريل على ما هو الصحيح ، وبعد ففي كلامه مع السهو في النقل أنّه لم يعلم منه مذهب المبرّد في عطف ما فيه اللام الأصليّة ، انتهى ، فتأمّل. وتبع ابن الحاجب على هذا النقل عن المبرّد صاحب اللباب وابن هشام في الجامع الصغير.

__________________

(١) عبد الرحمن بن هرمز عرف بالأعرج ، حافظ ، قارئ ، وهو أوّل من برز في القرآن والسنن ، مات سنة ١١٧ ه‍ ق الأعلام للزركلي ، ٤ / ١١٦.

(٢) العويص : الصعب والغامض.

(٣) النبز : لقب السوء.

٤٤٨

«وإلا» يكن المعطوف مع أل بل كان مجرّدا عنها فهو «كالبدل» في كونه كالمنادى المستقلّ مطلقا ، فيضمّ إن كان مفردا معرفة وإلا نصب. فتقول : يا زيد وبشر ويا عبد الله وبشر ويا زيد وأبا عبد الله ويا عبد الرحمن وعبد الله ، كما تقول : يا بشر ويا أبا عبد الله ويا عبد الله ، لأنّ العاطف كالنائب عن العامل.

وأجاز الكوفيّون والمازنيّ نحو : يا زيد وعمرا بالنصب قياسا على المعطوف مع أل ، قال ابن مالك : وما رواه غير بعيد من الصحّة ، إذ لم ينو إعادة يا ، فإنّ المتكلّم قد يقصد إيقاع نداء واحد على اسمين ، كما يقصد أن يشتركا في عامل واحد ، انتهى.

«وتوابع ما يقدّر ضمّه» من المنادى المبنيّ كالمنادى «المعتلّ» أي المقصور ، نحو : يا موسى ويا فتى ، ومثله المنقوص ، نحو : يا قاضي ويا غازي ، والمنادى المبنيّ قبل النداء ، نحو : يا هذا ويا هؤلاء ويا تأبّط شرّا ويا معدي كرب «كتوابع» المنادى المبنيّ «المضموم لفظا» ، نحو : يا زيد «فترفع» أي توابع ما يقدّر ضمّه «للبناء المقدّر» حملا «على اللفظ» المقدّر كالظاهر ، وتنصب للنصب المقدّر» حملا «على المحلّ» كما تنصب.

وتوابع المضموم لفظا حملا عليه فتقول : يا موسى الفاضل والفاضل ويا فتى نفسه ونفسه ، ويا قاضي كرز وكرزا ، ويا موسى الحارث والحارث ، ويا هذا الكريم والكريم ، ويا هولاء أجمعون وأجمعين ، ويا تأبّط شرا أخو زيد وأخا زيد ، ويا معدي كرب والعباس والعباس ، وقس على ذلك.

لا يقال : المنادى المبنيّ قبل النداء ليس بمضموم المحلّ بل منصوبة ، لأنّه مفعول به ، لأنّا نقول : المراد بمضموم المحلّ أنّه لو وقع موقعه مفرد معرفة معرب في الأصل لفظا لكان مضموما ، وجاز أن يكون مضموم المحلّ مع كونه منصوب المحلّ باعتبارين كهذا في نحو : عجبت من ضرب هذا الرجل ، محلّه الجرّ باعتبار كونه مضافا إليه ، والرفع باعتبار كونه فاعلا للمصدر من حيث المعنى ، ولهذا جاز في تابعه الرفع والجرّ ، وكذلك المنادى ها هنا مضموم المحلّ باعتبار وقوعه موقع المنادى المفرد المعرب لفظا ، ومنصوب المحلّ باعتبار كونه مفعولا به.

تنبيهات : الأوّل : تابع أيّ واسم الإشارة يجب رفعه عند غير المازنيّ ، لأنّه هو المقصود بالنداء. فجعلوا إعرابه بالحركة الّتي كان يستحقّها لو باشره حرف النداء تنبيها على أنّه المنادى ، نحو : يا أيّها الرجل ويا هذا الرجل ، إن كان المراد أوّلا نداء الرجل ، وإنّما أتي باسم الإشارة وصلة لنداء الرجل ، وإن كان المراد نداء اسم الإشارة دونه ، جاز فيه الرفع والنصب.

٤٤٩

الثاني : قال أبو حيّان : التابع لأيّ في النداء وصف وقيل : عطف بيان. قال ابن السّيّد : وهو الظاهر ، انتهى. وفصّل بدر الدين مالك في شرح الخلاصة فقال : إن كان مشتقّا فهو نعت نحو : يا أيّها الفاضل ، وإن كان جامدا فهو عطف بيان ، نحو : يا أيّها الغلام ، انتهى.

وأمّا تابع اسم الإشارة في النداء وغيره فإن كان مشتقّا فلا خلاف في كونه وصفا ، وإن كان جامدا فمن اشتراط الاشتقاق في الوصف. قال : إنّه عطف بيان ، ومن لم يشترط قال : إنّه وصف ، وسمّاه سيبويه وصفا أيضا.

وقال ابن عصفور : أجاز النّحويّون في مثل مررت بهذا الرجل الصفة وعطف البيان ، واستشكله باشتراطهم في البيان أن يكون أعرف من المبيّن ، وفي النعت أن لا يكون أعرف من المنعوت ، فكيف يكون الشيء أعرف وغير أعرف.

وأجاب بأنّه إذا قدّر عطف بيان قدّرت أل فيه لتعريف الحضور ، فهو يفيد الجنس بذاته والحضور بدخول أل عليه ، والإشارة إنّما تدلّ على الحضور دون الجنس ، وإذا قدّر نعتا قال : للعهد والمعنى : مررت بهذا ، وهو الرجل المعهود ، فلا دلالة فيه على الحضور ، والإشارة تدلّ عليه ، فكان أعرف ، قال : وهذا معنى كلام سيبويه. قال السهيليّ : سيبويه وإن سمّاه صفة ، فمذهبه التسامح في هذه التوابع كلّها ، وقد سمّي التوكيد وعطف البيان صفة في غير موضع ، وقد عرفت مذهبه في ذلك ، انتهى.

مميّز أسماء العدد

ص : الرابع : مميّز أسماء العدد ، فمميّز الثلاثة إلى العشرة مجرور ومجموع ، ومميّز ما بين العشرة والمائة منصوب مفرد ، ومميّز المائة والألف ومثنّاهما وجمعه مجرور مفرد ، ورفضوا جمع المائة. وأصول العدد اثنتا عشرة كلمة : واحد إلى عشرة ومائة وألف ، فالواحد والاثنان يذكّران مع المذكّر ويؤنّثان مع المؤنّث ، ولا يجامعهما المعدود بل يقال : رجل ورجلان. والثلاثة إلى العشرة بالعكس ، نحو قوله تعالى : (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ.)

تتمّة : وتقول أحد عشر رجلا ، واثني عشر رجلا في المذكّر ، إحدى عشرة امرأة ، واثنتا عشرة امرأة ، في المؤنّث وثلاثة عشر رجلا إلى تسعة عشر رجلا في المذكّر ، وثلاث عشرة امرأة إلى تسع عشرة امرأة في المؤنّث ، ويستويان في عشرين وأخواتها ، ثمّ تعطفه فتقول : أحد وعشرون رجلا ، وإحدى وعشرون امرأة ، و

٤٥٠

اثنان وعشرون رجلا ، واثنتان وعشرون امرأة ، وثلاثة وعشرون رجلا ، وثلاث وعشرون امرأة ، وهكذا إلى تسع وتسعين امرأة.

ش : «الرابع» ممّا يرد منصوبا وغير منصوب «مميّز أسماء العدد» بفتحتين ، والعدد قيل : كميّة تطلق على الواحد ، وما يتألّف منه ، فيدخل فيه الواحد ، وقيل : نصف مجموع حاشيته ، فيخرج ، وقد يتكلّف لادراجه بشمول الحاشية الكسر ، والحقّ أنّه ليس بعدد ، وإن تألّف منه الأعداد ، كما أنّ الجوهر الفرد عند مثبتيه ليس بجسم ، وإن تألّف منه الأجسام ، قاله المصنّف في الخلاصة.

قال في الكشكول : أجمع أرباب الحساب على أنّ تعريف العدد بأنّه ما ساوي نصف مجموع حاشيته لا يصدق على الواحد ، إذ ليس له حاشية تحتانيّة ، وفيه نظر ، إذ حاشية الفوقانيّة لكلّ عدد تزيد عليه بمقدار أو نقصان الحاشية التحتانيّة عنه ، ومن ثمّ كان مجموعهما ضعفه.

قد أجمعوا على أنّ العدد إمّا صحيح أو كسر ، فتقول : الحاشية التحتانيّة للواحد هي النصف ، فالفوقانيّة واحد ونصف ، لأنّها تزيد على الواحد بقدر نقصان النصف عنه ، كما هو شأن حواشي الأعداد ، فالواحد نصف مجموعهما ، فالتعريف المذكور صادق على الواحد ، انتهى.

قال الرضيّ : ومنع بعضهم أن يكون الاثنان من العدد. قالوا : لأنّ الفرد الأوّل وهو الواحد ليس بعدد ، فكذا ينبغي أن يكون الزوج الأوّل ، وهذا كلّه مبنيّ على اصطلاح الحساب.

وأمّا النحاة فعلى أنّ كلّا من الواحد والاثنين عدد لا خلاف بينهم في ذلك ، ولهم في تعريفه عبارت من أحسنها قول البلخيّ (١) في الوافي : العدد ما يقع جوابا لكم.

«فمميّز الثلاثة إلى العشرة» بدخول الغاية في حكم ما قبلها «مجرور» بإضافتها إليه لإبهام العدد وإضافة المبهم إلى مميزه ككلّ وغير ، كما تقول : كلّ رجل ، وأمّا نحو أحد عشر رجلا فسيأتي وجهه. «ومجموع» وحقّه أن يكون مكسّرا من أبنيه القلّة ، نحو :

ثلاثة أفلس وأربعه أعبد وسبعة أبحر ، وأما كونه مجموعا فلقصد التطابق في المعنى ، وأمّا كونه من أبنيّة القلّة فلأنّ الآحاد من العشرة فما دونها للقلّة فناسب أن يكون مميّزها قليلا ، وقد يكون سالما إن أهمل تكسيره ، نحو : (سَبْعَ سَماواتٍ) [البقرة / ٢٩] ، و (سَبْعَ بَقَراتٍ) [يوسف / ٤٣] ، وخمس صلوات ، أو جاور ما أهمل تكسيره ، نحو : (سَبْعَ

__________________

(١) أحمد بن سهل أحد الكبار الأفذاذ من علماء الإسلام ، جمع بين الشريعة والفلسفة والأدب والفنون ، من مؤلفاته نظم القرآن ، شرائع الأديان ، مات سنه ٣٢٢ ه‍ ق. المصدر السابق ١ / ١٣١.

٤٥١

سُنْبُلاتٍ) [يوسف / ٤٣] ، فإنّه في التتريل مجاور سبع بقرات ، ولذا جاء في غير الآية سبع سنابل.

وقد يكون من أبنية الكثرة إن أهمل بناء القلّة ، نحو : ثلاثة جوار وأربعة رجال ودراهم ، أو كان له بناء قلّة ، لكنّه شاذّ قياسا ، نحو (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)(١) [البقرة / ٢٢٨] ، فإنّه جمع قرء بفتح القاف وسكون الراء ، وجمعه على إقراء شاذّ ، أو سماعا ، نحو : ثلاثة شسوع (٢) ، فإنّ أشساعا قليل في الاستعمال.

تنبيهات : الأوّل : قال بعضهم : ربّما يخرج قوله مجموع ما إذا كان المميّز اسم جنس كشجر وتمر ، أو اسم جمع كقوم ورهط ، فإنّ كلّا منهما يقع مميّزا ، فيخفض بمن كقولك : ثلث من التمر ، وعشرة من القوم ، وقد يخفض بالإضافة ، نحو : (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ) [النمل / ٤٨]. وفي الحديث : ليس فيما دون ثلاثة ذود صدقة (٣). وكقوله [من الرجز] :

٤٥٠ ـ ...

ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل (٤)

ويجوز أن يجاب بأنّ المراد بقوله مجموع ، ما يفيد الجمعيّة ، سواء كان جمعا أو اسم جنس أو اسم جمع ، فعلى هذا فالمراد بقوله : «مجرور» أعمّ من المجرور بالإضافة أو بالحرف ، وقد أجمعوا على جرّ اسمي الجنس والجمع بمن ، وأمّا بالإضافة ففيه مذاهب :

أحدها : الجواز على قلّة ، وهو مذهب ابن عصفور ، والثاني : الاقتصار على ما سمع ، وهو مذهب الأكثرين ، والثالث : التفضيل في اسم الجمع ، فإن كان ممّا يستعمل للقليل فقط ، نحو : نفر ورهط وذود جاز ، وإن كان ممّا يستعمل للقليل والكثير كقوم ونسوة لم يجز ، وهو مذهب المازنيّ.

الثاني : لم يستثن المصنّف المأئة إذا وقعت مميّزا ، فإنّها تفرد غالبا ، نحو : ثلاثمائة وأربعمائة ، اعتمادا على ما سيأتي في كلامه قريبا من أنّهم رفضوا جمعها ، وسيجئ الكلام على ذلك.

ومميّز ما بين العشرة والمأئة ، وهو أحد عشر إلى تسعة وتسعين ، منصوب ، أمّا في المركّب نحو : أحد عشر وبابه فلتعذّر الإضافة ، إذ هي ملزومة لجعل ثلاثة أسماء كالاسم الواحد ، فكرهوا ذلك ، ولا يرد قولهم : خمسة عشر زيد ، لأنّ المضاف إليه ثمّ هو المقصود

__________________

(١) قال الأصمعي في قوله تعالى : (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) : جاء هذا على غير قياس والقياس ثلاثة أقرؤ ولا يجوز أن يقال ثلاثة فلوس ، أنّما يقال ثلاثة أفلس. والقروء : الأطهار. لسان العرب ٣ / ٣١٦٥.

(٢) الشسوع والأشساع مفردهما الشسع : سير يمسك النعل بأصابع القدم.

(٣) روى : ليس فيما دون خمس ذود صدقة : صحيح البخاري ١ / ٦١١ ، رقم ١٣٥. الذود : القيطع من الأبل.

(٤) صدر البيت «كأنّ خصييه من التدلّل» وهو لخطام المجاشعي أو لجندل بن المثنّى أو لسلمي الهذلية. اللغة : خصييه : الخصيان ، التدلّل : الترهل ، ظرف عجوز : وهاء من جلد ، ثنتا حنظل : حنظلتان.

٤٥٢

بالأوّل ، وإنّما جئ به لبيان المضاف ، فكان الجميع كالشيء الواحد ، والمضاف إليه في خمسة عشر زيد مغاير للأوّل ، فلم يكن معه كالشيء الواحد.

أمّا في العقود فلأنّه لا يتصوّر إضافته ، لا مع حذف النون ولا مع إبقائها ، أمّا مع حذفها فلما يلزم من حذف نون أصليّة وضعت مع الكلمة ، وأمّا مع إبقائها فلأنّه يلزم إبقاء نون تشبه نون الجمع المحقّق ، وكلّ منهما مستكره مفرد ، نحو : (أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) [يوسف / ١٤] ، (هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً) [ص / ٢٣].

وإنّما أفرد لكون المفرد هو الأصل ، وهو أخفّ من الجمع ، والغرض من التفسير به حاصل فلا يسوّغ العدول عنه من غير داع ، وأمّا قوله تعالى : (وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً) [الأعراف / ١٦٠] ، فليس أسباطا فيه بتمييز ، بل بدل من اثنتي عشرة ، والتمييز محذوف ، أي اثنتي عشرة فرقة ، ولو كان تمييز لذكّر العددان ، لأنّ السبط مذكّر.

وذهب بعضهم إلى أنّه تمييز ، وأجاب ابن مالك في شرح الكافية عن التأنيث بأنّه ممّا رجّح فيه اعتبار المعنى ، فذكر أممّا يرجّح حكم التانيث ، كما رجّحه ذكر كاعبان ومعصر في قول عمر بن أبي ربيعة [من الطويل] :

٤٥١ ـ وكان مجنّي دون من كنت أتّقي

ثلاث شخوص كاعبان ومعصر (١)

وهذا منه مخالف لما في شرح التسهيل من أنّه بدل لا تمييز ، ويبقي الإشكال في أنّ أسباطا جمع ، ومميّز المركّب مفرد.

وفي الكشاف إنّ المراد : وقطعناهم اثنتي عشرة قبيلة ، وإنّ كلّ قبيلة أسباط لا سبط ، فأوقع أسباطا موقع قبيلة.

قال ابن مالك : ومقضي ما ذهب إليه أن يقال : رأيت إحدى عشرة أنعاما إذا أريد إحدى عشرة جماعة ، كلّ واحدة منها أنعام ، ولا بأس برأيه لو ساعده استعمال ، لكن قوله : كلّ قبيلة أسباط لا سبط مخالف لما يقوله أهل اللغة : إنّ السبط في بني اسرائيل بمترلة قبيلة من العرب ، فعلى هذا يكون معنى قطعناهم اثنتي عشرة قبائل ، فأسباط واقع موقع قبائل لا موقع قبيلة ، فلا يصحّ كونه تمييزا ، فالتمييز محذوف ، انتهى.

وقول الحديثيّ : الظاهر أنّ الزمخشريّ أعرف باللغة دفع للنقل بمجرّد دعوى لم يقم عليها دليل ، قال الدمامينيّ : وما إخالها إلا عصبيّة عجميّة أوجبت التحامل (٢) على أبناء العرب ، انتهى.

__________________

(١) اللغة : كاعبان : تثنية كاعب من كعبت الفتاة : نهد ثديها ، المعصر : اسم فاعل من أعصرت الفتاة : بلغت شبابها.

(٢) التحامل : التكلّف على مشقة وإعياء ما لا يطيق.

٤٥٣

وفي التصريح إنّ القول بالبدليّة من اثنتي عشرة مشكل على قولهم : إنّ المبدل منه في نيّة الطرح غالبا ، ولو قيل : قطعناهم أسباطا لفاتت كميّة العدد ، وحمله على غير الغالب لا يحسن تخريج القرآن عليه ، انتهى. وفي سلبه الحسن عن غير الغالب نظر ، انتهى.

تنبيه : حكى الكسائي أنّ من العرب من يضيف العشرين وأخواته إلى مميّزه منكّرا أو معرّفا ، فيقول : عشرو درهم وأربعو ثوبة ، وهو شاذّ ، لا يقاس عليه ، فلا يرد على قضيته كلام المصنّف.

«و» مميّز «المائة والألف وتثنيتهما وجمعه» أي جمع الألف «مجرور» بإضافتها إليه «مفرد» ، نحو : مائة رجل ومائتي رجل وألف رجل وألفي رجل وثلاثة آلالف رجل ، وإنّما كان مجرورا مفردا ، لأنّ المائة والألف لما أشبها الثلاثة في اللفظ من حيث إنّهما من أصول العدد مثلها ، ولا تركيب فيها ، ولا زيادة ولا عطف ، وأشبها أحد عشر إلى تسعة وتسعين في الكثرة ، مع أنّهما يقترنان بهذا القسم ، أعطى مميّزهما أحد حكمي الثلاثة إلى العشرة ، وهو الجرّ ، وأحد حكمي أحد عشر إلى تسعة وتسعين ، وهو الإفراد توفيقا بين الشبهين ، ولم يعكس ، لأنّ المفرد هو الأصل مع حصول الغرض به.

وقد يجئ تمييز المأئة جمعا كقراءة الأخوين حمزة والكسائي : (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ) [الكهف / ٢٥] ، بحذف التنوين للإضافة ، ومن نوّن جعلها عطف بيان ، وجعلها بعضهم بدلا ، وردّ بأنّ البدل على نيّة طرح الأوّل ، ولو قيل : ولبثوا في كهفهم سنين لفات التنصيص على كميّة الأعداد ، ويجاب بأنّ نيّة الطرح غالبة لا لازمة.

قال الزّجاج : ولا يكون سنين تمييزا لما يلزم عليه أن يكون قد لبثوا تسعمائة سنة.

قال ابن الحاجب : ووجهه أنّه فهم من لغة العرب أنّ مميّز المائة واحد من مائة كقولك : مائة رجل ، فرجل واحد من مائة ، فلو كان تمييزا لكان واحدا من ثلاثمائة ، وأقلّ سنين ثلاثة ، فكأنّه قيل : ثلاثمائة ثلث سنين ، فيكون تسعمائه ، وهذا بعينه جاز في قراءة حمزه والكسائي بالإضافة ، فإنّ سنين فيها تمييز لا غير ، وإن لم يكن منصوبا.

قال الطييّ (١) : وهذا يطّرد في اثنتي عشرة أسباطا على القول بأنّه تمييز ، فيلزم أن يكون ستّة وثلاثين سبطا ، ثمّ قال ابن الحاجب : ما ذكره الزّجاج غير لازم ، لأنّ ذلك أنّما يلزم إذا كان المميّز مفردا ، وأمّا إذا كان جمعا فالقصد فيه كالقصد في وقوع التمييز جمعا ، انتهى.

__________________

(١) الحسن بن محمد الطيبي ، الإمام المشهور العلّامة في المعقول والعربيّة والمعاني والبيان. صنّف : شرح الكشاف ، التبيان في المعنى والبيان. شرح المشكاة. بغية الوعاة ١ / ٥٢٢.

٤٥٤

ويجئ مميّزها منصوبا مفردا ، كقوله [من الوافر] :

٤٥٢ ـ إذا عاش الفتى مأتين عاما

فقد ذهب المسرّة والفتاء (١)

ولا يرد شيء من الأمرين على قضيّة كلام المصنّف ، لأنّه شاذ.

«ورفضوا» أي العرب تركوا «جمع المأئة» مضافا إليها ثلاث وأخواته ، ولم يقولوا ثلاثمئات أو مائين ، وإن كان هو القياس ، لأنّ مميّز الثلاثة إلى العشرة يكون جمعا ، كما مرّ ، لكنهم كرهوا الجمع هنا لما في الإتيان به من تكرّر معنى التانيث ، لأنّ الجمع مؤنّث معنى ، والمائة أيضا مونث ، فعومل بالخفّة لذلك ، أو لأنّ المائة وإن أفردت لفظا فهي جمع معنى ، لأنّها عشر عشرات وهو عدد قليل. وقد جاء في الشعر [من الطويل] :

٤٥٣ ـ ثلاث مئين للملوك وفى بها

ردائي وجلّت عن وجوه الأهاتم (٢)

قالوا : قتل في معركة ثلاثة ملوك من العرب ، وكان دياتهم ثلاثمائة بعير ، فرهن ردائه بالدّيات الثلث ، وهو دليل شرفه ، ووجوه الأهاتم أعيانهم ، وهم بنو الأهتم سنان بن سميّ ، سمّي بذلك لأنّه كسر ثنيته يوم الكلاب ، والهتم كسر الثنايا من أصلها ، ولا يرد ذلك على قضية كلام المصنّف ، لأنّه شاذّ.

قال الرضيّ. وإن لم يضعف إلى المائة ثلاث وأخواته جمعت ، وأضيف ذلك الجمع إلى المفرد ، نحو : مئات رجل ، انتهى.

«وأصول العدد» الّتي يرجع إليها «اثنتا عشر كلمة» ، وأشار بترك تعيين الفروع إلى أنّه لا يضبطها عدد ، وهي «واحد إلى عشرة» ، والغاية داخلة فهي عشر كلمات ، «ومائة وألف» كلمتان أخريان مع العشر المذكورة ، فالمجموع اثنتي عشره كلمة ، وما عداها فهو متفرّغ عليها إمّا بتثنيته ، نحو : مأتين وألفين ، وإمّا بجمع ، نحو : مئات وألف ، وإمّا بإلحاق علامة الجمع ، نحو : عشرين وأخواته وإمّا لعطف ، نحو : ثلاثة وعشرين وأخواته ، وإمّا بالتركيب التضمّني ، نحو : خمسة عشر ، وإمّا بالتركيب الإضافيّ ، نحو : ثلاثمائة.

«فالواحد» اسم فاعل من وحد يحد ، أي انفرد ، فهو بمعنى المنفرد ، أي العدد المنفرد ، «والاثنان» لفظ موضوع لواحدين من المثنّى ، فاللام محذوفة ، و «يذكّران مع» العدد «المذكّر» ، فيقال : رجل واحد ورجلان اثنان ، «ويؤنّثان مع» العدد «المؤنّث» ، فيقال : امراة واحدة وامرأتان اثنتان أو ثنتان على الأصل.

__________________

(١) هو للربيع بن ضبع الفزاري وإنّه كان من المعمرين فلمّا بلغ مأتي سنة قال الأبيات وهذا البيت منها. اللغة : الفتاء : الشباب.

(٢) البيت للفرزدق. اللغة : الرداء : الثوب ، جلّت : كشفت.

٤٥٥

والقياس بتذكير المذكّر وتأنيث المؤنّث ، ويشاركها في ذلك ما وازن فاعلا مطلقا ، والعشرة إذا ركّبت ، فتقول : الجزء الثالث والثالث عشر والمقامة الثالثة والثالثة عشرة.

«ولا يجمعهما» أي الواحد والاثنان «المعدود» ، فلا يقال : واحد رجل ولا اثنان رجلان ، «بل يقال : رجل ورجلان» ، لأنّ رجلا يفيد الجنس والوحدة ، ورجلين يفيد الجنس والاثنينيّة ، فلا فائدة في الجمع بينهما بخلاف البواقي ، فإنّه لا تستفاد العدد والجنس إلا من العدد والمعدود كليها ، فإذا قلت : ثلاثة ، أفاد العدّة دون الجنس ، وإذا قلت : رجال ، أفاد الجنس دون العدّة ، فإذا قصدت الإفادتين جمعت بين العدد والمعدود فقلت : ثلاثة رجال مثلا.

قال ابن هشام وغيره : وأمّا قوله [من الرجز] :

٤٥٤ ـ كأنّ خصييه من التّدلّل

ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل (١)

فشاذّ ، لا يرد على ما تقرّر ، ولا يخفى أنّ التعليل المذكور لا يتأتّي في مثل هذا ضرورة أنّ جنس المعدود وهو حنظل لا يستفاد من العدد كما في رجلان.

قال عصام الدين في شرح الكافية : وتنقيح التعليل أنّ العرب استغنوا بتوحيد ما يجعل تمييزا عن الواحد وبتثنيته عن الاثنين بخلاف سائر الأعداد ، فإنّه لا يمكن تصرّف في تمييزها بوجه يغني عن ذكر العدد ، انتهى.

«والثلاثة إلى العشرة» بدخول الغاية «بالعكس» أي تؤنّث مع المذكّر ، وتذكّر مع المؤنّث ، سواء كان منهما حقيقيّا ، نحو : ثلاث نسوة وثلاثة رجال ، أو مجازيّا نحو قوله تعالى : (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ) [الحاقة / ٧] ، فذكّر سبع مع ليال ، وهي مؤنّثة ، وأنّث ثمانية مع الأيّام ، وهي مذكّر.

قال [الأسترآباذي] في البسيط : وذلك للفرق وعدم الإلباس ، وهذا من غريب لغتهم ، لأنّ التاء علامة التأنيث ، وقد جعلت هنا علامة التذكير ، قال : وهذا الّذي قصد الحريرى بقوله في مقاماته الموطن الّذي يلبس فيه الذكران براقع النسوان وتبرز ربّات الحجال في عمائم الرجال ، انتهى.

وقال ابن مالك وغيره : إنّما حذفت التاء من عدد المؤنّث ، وأثبتت في عدد المذكّر في هذا القسم ، لأنّ الثلاثة وأخواته أسماء جماعات ، كزمرة وأمة وفرقة ، فالأصل أن يكون بالتاء لتوافق نظائرها ، فاستصحب مع المذكّر لتقدّم رتبته ، وحذفت مع المؤنّث

__________________

(١) تقدم برقم ٤٥٠.

٤٥٦

لتأخّر رتبته. قال بعضهم : ولأنّ المؤنّث ثقيل فناسبه حذف التاء ، والمذكّر خفيف فناسبه دخولها ليعتدلا ، حكاه في البسيط.

تنبيهات : الأوّل : محلّ ما ذكر إذا لم يحذف المعدود ، فإن حذف جاز في الفصيح حذف التاء مع المذكّر ، نحو (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) [البقرة / ٢٣٤] ، أي عشرة أيام ، وفي الحديث : من صام رمضان ، وأتبعه بستّ من شوّال (١).

وحكى الكسائي عن ابن أبي الجراج (٢) : «صمنا من الشهر خمسا» ، والأفصح إثباتها ، وأمّا نحو : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) [الأنعام / ١٦٠] فعلى حذف مضاف ، أي عشر حسنات أمثالها ، ولولاه لقيل : عشرة ، لأنّ المثل مذكّر ، والمعتبر مع الجمع حال مفردة في التذكير والتأنيث.

الثاني : إذا كان معنى المعدود مؤنّثا ، واللفظ مذكّرا ، وبالعكس جاز الوجهان تقول : ثلاثة أشخص ، وثلاث أشخص ، أي نساء ، وثلاث أنفس ، وثلاثة أنفس أي رجال. والأوّل هو الغالب ، وكذا في ما جاز تذكيره وتأنيثه كساق ولسان نحو :

خمسة ألسنة وخمس ألسنة وخمسة سوق وخمس سوق.

الثالث : قد يذكّر العدد من غير إرادة معدود ، وهو العدد المطلق ، فيؤتي فيه بالتاء لا غير ، نحو : ثلاثة نصف ستّة ، ولا ينصرف ، لأنّه علم ، كذا قال بعضهم ، وما ذكره من منع الصرف هو رأي الزمخشريّ وابن جنيّ وابن خبّاز وابن مالك.

قال الرضيّ قال ابن جنيّ : وكذا في بعض نسخ المفصّل (٣) ما معناه أنّ الاعداد إذا قصد بها مطلق العدد لا المعدود كانت أعلاما ، فلا ينصرف إن انضمّ إلى العلميّة سبب آخر ، كقولك : ستّة ضعف ثلاثة ، غير منصرفين ، ومائة ضعف خمسين.

قال المصنّف يعني ابن الحاجب : إنّ جار الله كان أثبته ثمّ أسقطه لضعفه ، قال : ووجه إثباته أنّ ستّة مبتدأ ، فلولا أنّه علم لكان مبتدأ بالنكرة من غير تخصيص. قال : ونعم ما قال ، ووجه ضعفه أنّه يؤدّي إلى أن يكون أسماء الأجناس كلّها أعلاما ، إذ ما من نكرة إلا ويصحّ استعمالها كذلك ، نحو : رجل خير من امرأة ، وذلك جائز في كلّ نكرة قامت قرينة على أنّ الحكم غير مختصّ ببعض من جنسها ، فمجوّز الابتداء هنا كونها للعموم ، وقد جاءت النكرة غير المبتدأ أيضا في الإيجاب للاستغراق ، لكن قليلا ، نحو (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ) [الانفطار / ٥] ، إلى هنا كلام الرضيّ.

__________________

(١) تمام الحديث «كان كصوم الدهر». سنن ابن ماجه ، ص ٤٠١ ، رقم ١٧١٦.

(٢) لعلّه محمد بن داود الجرّاح ، أديب من علماء الكتاب من أهل بغداد ، له كتب ، منها : الورقة في أخبار الشعراء ، والشعر والشعراء ، مات سنه ٢٩٦ ه‍ ق. الأعلام للزركلي ٦ / ٣٥٥.

(٣) المفصل في صنعة الإعراب لجار الله الزمخشري.

٤٥٧

هذه «تتمّة» الأحكام العدد في التذكير والتأنيث ، «تقول» : أنت يا مخاطبا في الأعداد المركّبة عندي «أحد عشر» عبدا اثنا عشر «رجلا» بتذكير الجزئين «في» العدد «المذكّر ، إحدى عشرة» أمة ، اثنا عشرة «امرأة» على لغة الحجازيّين ، وثنتا عشرة امرأة على لغة التميميّين بتأنيث الجزئين «في» العدد «المؤنّث» على الأصل ، والقياس في المذكّر والمؤنّث.

تنبيهات : الأوّل : الهمزة في أحد وإحدى منقبلة عن الواو ، إلا أنّ الأوّل شاذّ لازم غالبا عند الجميع والثاني مطّرد عند المازنيّ ، وهو الأصحّ كإشاح ، وإكاف شاذّ عند غيره ، وقد اختاروهما في الأعداد المنفيّة على واحد وواحدة تخفيفا ، وقيل : خوف الالتباس بالصّفة ، وقد يستعملونها فيها أيضا ، لكن قليلا ، فيقال : واحد عشر وواحدة عشرة وواحدة وعشرون ، وربّما قيل : وحد عشر.

قال الرضيّ : ويستعمل أحد وإحدى في غير التنييف (١) مضافين مطّردا ، نحو : أحدهم وإحداهنّ ، ولا تستعمل إحدى إلا في التنييف أو مضافة ، وأمّا أحد فيستعمل مطّردا لعموم العقلاء بعد نفي أو نهي أو استفهام أو شرط ، نحو : ما جاءني أحد ، ويلزمه الافراد والتذكير ، قال تعالى : (لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) [الأحزاب / ٣٢] ، وتعريفه حينئذ نادر ، ولا يقع في إيجاب يراد به العموم ، فلا يقال : لقيت أحدا إلا زيدا خلافا للمبرّد. قال أبو على : وهمزته في غير الموجب للاستغراق أصليّة لا بدل من الواو ، انتهى ملخّصا.

وما ذهب إليه أبو على ذهب إليه جماعة أيضا منهم ابن بابشاذ في شرح الجمل ونصّه : وأمّا أحد من قولك : ما في الدّار أحد ونحوها إذا استعملت في غير الواجب ، همزتها أصليّة غير مبدلة ، انتهى.

وكان الحامل لهم على ذلك كما قال الرضي : إنّهم لّما لم يروا في ذلك معنى الوحدة ارتكبوا كون الهمزة أصليّة ، والأولى أن يقال : إنّ همزته في كلّ موضع منقلبة عن الواو ، ومعنى ما بالدار أحد ، ما فيها واحد ، فكيف ما فوقه ، وقد يستعمل في الموجب بلا تنييف ولا إضافة استعمال واحد ، كما في : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [التوحيد / ١].

الثاني : ما ذكرناه من أنّ الألف في إحدى للتأنيث هو الأصحّ الّذي عليه الجمهور ، قال ابن بابشاذ في شرح الجمل : ومحال أن تكون للإلحاق بمترلة ألف معزى ، كما قال بعضهم لأنّها لو كانت للإلحاق لسمعت منوّنة في قولك : إحدى وعشرون جارية ، لأنّ ألف الإلحاق منوّنة ، ما لم يكن الاسم الّذي هي فيه علما ، فإذا بطل أن تكون للإلحاق ،

__________________

(١) أي مع عشرة أو مع عشرين وأخواته.

٤٥٨

وبطل أن تكون أصليّة لعدمها في أحد ، وبطل أن تكون لتكثير الكلمة لعدم كونها على أكثر من أربعة أحرف ثبت أنّها للتانيث. انتهى.

الثالث : إنّما جمعوا بين تأنيثين في إحدى عشرة لاختلاف لفظي العلامتين في اثنتي عشرة ، إمّا لأنّ التاء بدل عن الياء ، وليست للتأنيث ، أو لأنّها زائدة للإلحاق بأصبهان ، أو لأنّ إحدى الكلمتين معربة والأخرى مبنّة ، فكأنّهما قد تباينا ، أو لأنّهما متضافيان بدليل حذف النون ، أو لأنّ اثنتين بمترلة ثنتين وتاء ثنتين للإلحاق بمترلة التأنيث لسكون ما قبلها ، فكأنّما ألحقا بمثال جذع ، كما ألحقت أخت بمثال قفل ، فالتاء زائدة.

قال ابن هشام : كلّ ذلك قد قيل : والسؤال عندي من أصله ليس بالقويّ ، لأنهم قالوا في اسم الفاعل : خامس عشر في المذكّر وخامسة عشر في المؤنّث ، فأنّثوا الكلمتين جميعا ، وبنوهما على الفتح ، وذلك مجمع عليه ، وكذا في الباقي ، فدلّ على أنّهم اعتبروا حالة الكلمتين قبل التركيب ، انتهى.

الرابع : الحجازيّون يسكنون ثنتين عشرة في التركيب إذا كانت مختومة بالتاء كراهة توإلى أربع متحرّكات في ما هو كالكلمة الواحدة وبنو تميم تكسرها تشبيها بتاء كتف.

قال ابن بابشاذ : وهذا الموضع من أعجب الأشياء ، وذلك أنّ مذهب بني تميم في مثل كتف وفخذ التخفيف (١) ، ومذهب أهل الحجاز في مثل هذا الثقيل ، وقد انعكس المذهبان في هذا الباب ، وليس له علّة سوى أنّه حدث مع التركيب أحكام ، لم تكن قبل التركيب لمعنى يختصّ به ، انتهى.

وبعض بني تميم يفتحها إبقاء لها على أصلها ، وبذلك قرأ الأعمش : فانفجرت منه اثنتى عشرة عينا [البقرة / ٦٠]. وبعضهم يسكّن عين عشرة بمتحرّك الآخر لاجتماع أربع فتحات بخلاف اثني عشر ، وتقول : ثلاثة عشر رجلا بتأنيث الجزء الأوّل وتذكير الجزء الثاني ، وكذا في ما زاد إلى تسعة عشر رجلا بدخول الغاية في عدد المذكّر ثلاث عشرة امرأة بتذكير الجزء الأوّل وتأنيث الجزء الثاني ، وكذا في ما زاد إلى تسع عشرة بدخول الغاية أيضا في عدد المؤنّث برجوع العشرة بعد التركيب إلى الأصل دون النّيف تقليلا لخلاف الأصل.

تنبيه : إذا قلت : عندي ثماني عشرة امرأة ، فلك فتح الياء من ثماني ، لأنّها مفتوحة في ثمانية ، ولك إسكانها كما في معدي كرب ، وجاز حذفها قليلا مع بقاء كسر النون دليلا عليها وفتحها ، وهو أولى من الكسر لتوافق أخواتها ، لأنّها مفتوحة الأواخر مركّبة

__________________

(١) سقطت هذه الجملة في «س».

٤٥٩

مع العشرة ، وقد تحذف الياء منها في غير التركيب ويجعل الإعراب على النون قال [من الرجز] :

٤٥٥ ـ لها ثنايا أربع حسان

وأربع فثغرها ثمان (١)

وفي الحديث : صلّي ثمان ركعات ، بفتح النون (٢).

«ويستويان» أي المذكّر والمؤنّث «في عشرين وأخواتها» من العقد ، فتقول عندي عشرون عبدا وعشرون أمة وثلاثون رجلا وثلاثون امرأة إلى التسعين. «ثمّ تعطف» أنت العقود على النيّف ، «فتقول : عندي أحد وعشرون رجلا» في المذكّر «إحدى وعشرون امرأة» في المؤنّث ، «اثنان وعشرون رجلا» في المذكّر ، «اثنتان أو ثننتان» وعشرون امرأة في المؤنّث بتذكير أحد واثنان مع المذكّر وتأنيثهما مع المؤنّث ، كما تقدّم ، «ثلاثة وعشرون رجلا» في المذكّر ، «ثلاث وعشرون امرأة في المؤنّث» بتأنيث ثلاثة مع المذكّر وتذكيرها مع المؤنّث ، كما مرّ.

«وهكذا» مع سائر العقود ، تقول : ثلاثة وتسعون رجلا إلى تسعة وتسعين رجلا ، وثلاث وتسعون امرأة «إلى تسع وتسعين امراة».

ويستوي المذكّر والمؤنّث في المائة والألف وتثنيتهما وجمعها ، وإذا جاوزتهما عطفت النيّف عليهما على ما عرفت ، نحو : مائة وثلاثة رجال وألف وثلاث نسوة ، بعطف الأقلّ على الأكثر إلا في التواريخ ، فيقدّم الأقلّ لكون الأكثر معلوما ، نحو : سنة خمس وسبعين وتسعمائة ، وهو تاريخ إتمام هذا المتن ، وسنة تسع وسبعين وألف وهو تاريخ إتمام هذا الشرح.

وهنا انتهى كلام المصنّف (ره) على أنواع المعربات ، فأخذ في الكلام على بعض المبنيّات من الأسماء ولم يستوفها إحالة على المطوّلات ، كما هو شأن المختصرات ، ولذلك قال :

__________________

(١) لم يسمّ قائله. اللغة : ثنايا : جمع ثنيّة ، وهي أربع من مقدّم الأسنان ، ثنتان من فوق وثنتان من تحت ، الثغر : المبسم ، موضع البسم.

(٢) صحيح البخاري ، ١ / ٤٨٦ ، رقم ١٠٣١.

٤٦٠