الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

السيد علي خان المدني الشيرازي

الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

المؤلف:

السيد علي خان المدني الشيرازي


المحقق: الدكتور السيد أبو الفضل سجادي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: روح الأمين
الطبعة: ٠
ISBN: 978-964-518-296-8
الصفحات: ٩٤٧

٤٠٨ ـ فارسا ما غادروه ملحما

 ... (١)

إنّه من الاشتغال ، قال : والظاهر أنّه نصب على المدح ، وما في البيت زائدة ، ولهذا أمكن أن يدّعي أنّه من الاشتغال.

ومنع بعضهم الشرط المذكور مستدّلا بقراءة : (سُورَةٌ أَنْزَلْناها) [النور / ١] ، بالنصب على الاشتغال ، فتأمّل.

تساوي الأمران : «ويتساوى الأمران» أي الرفع والنصب «إذا لم تفت المناسبة» ، أي تناسب الجملتين «في العطف على التقديرين» ، وضابط ذلك أن يتقدّم على الاسم عاطف مسبوق بجملة فعلية مخبر بها عن اسم قبلها ، «نحو : زيد قام وعمرا أكرمته» أي عنده أو في داره أو لأجله ، وذلك لأنّ زيد قام جملة كبري ذات وجهين ، لأنّها اسميّة الصدر فعلية العجز.

ومعنى قولنا : كبري أنّها جملة في ضمنها جملة ، «فإن رفعت» ، كنت قد راعيت صدرها ، «فالعطف على» الجملة «الاسميّة» ، أو نصبت كنت قد راعيت عجزها ، فالعطف «على» الجملة «الفعلية» ، فالمناسبة حاصلة على كلا التقديرين فاستوي الوجهان.

تنبيهات : الأوّل : مثال المصنّف المذكور كمثال سيبويه لهذه المسألة ، وهو زيد قام وعمرو كلّمته ، واعترض عليه بأنّه لا يجوز فيه العطف على الصغرى ، لأنّها خبر المبتدأ ، والمعطوف في حكم المعطوف عليه فيما يجب له ويمتنع عليه ، فالواجب في الجملة الّتي هي خبر المبتدأ رجوع ضمير إلى المبتدأ ، وليس في عمرو كلّمته ضمير راجع إلى زيد ، واعتذر له السيرافيّ بأنّ غرضه لم يكن تصحيح المثال ، بل تبيين جملة اسميّة الصدر فعلية العجز ، معطوف عليها أو على الخبر منها ، وتصحيح المثال إليك بزيادة ضمير فيه نحو عمرو كلّمته في داره ، أو نحو ذلك.

وإنّما سكت سيبويه عن هذا اعتمادا على علم السامع أنّه لا بدّ للخبر إذا كان جملة من ضمير فيصحّ المثال إذا أراد ، قاله الرضيّ وارتضاه ، وبذلك يوجّه مثال المصنّف أيضا.

__________________

(١) تمامه «غير زميل ولا نكس وكل» نسب هذا البيت لعلقمه الفحل ولامراة من بني الحارث بن كعب. اللغة : غادروه : تركوه في مكانه ، الملحم بزنة المفعول : الّذي ينشب في الحرب فلا يجد له مخلصا ، الزميل : الضعيف الجبان ، النكس : الضعيف الّذي يقصر عن النجدة وعن غاية المجد والكرم ، الوكل : الّذي يكل أمره إلى غيره عجزا.

٤٢١

لكن المنقول عن سيبويه وتبعه الفارسيّ وابن مالك أنّه لا يشترط في ذلك وجود الرابط بدليل قوله تعالى : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) [يس / ٣٩] قرأه أبو عمر (١) والحرميين (٢) بالرفع ، وباقي السبعة بالنصب على العطف على الصغرى من قوله : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي) [يس / ٣٨] ، فعلى هذا لا يحتاج إلى الاعتذار لسيبويه في مثاله بما اعتذر به السيرافيّ ، فالأولى أن يجاب عنه بأنّهم يغتفرون في التوابع ما لا يغتفرون في غيرها ، والسيرافيّ اعتذر له على مذهبه من اشتراط الرابط في المسألة تبعا للأخفش ، فمنع النصب بناء على العطف على الصغرى لما تقدّم ، فالرفع عندهما واجب ، وإن ورد النصب فهو على حدّه في زيدا ضربته ابتداء ، ويكون من عطف جملة فعلية على جملة اسميّة ، وهو جائز عند بعضهم كما تقدّم.

وقد نقل بعضهم عن ظاهر كلام سيبويه موافقة للأخفش والسيرافيّ ، فالنقل عنه مختلف ، والأوّل هو المشهور ، ثمّ الرابط عند مشترطه أمّا الضمير كما تقدّم أو الفاء السببيّة ، نحو : زيد قام فعمرو أكرمته.

وقال هشام : الواو كالفاء في حصول الرابط ، لأنّ فيهما معنى الجمعية ، كما أنّ الفاء فيها معنى السببية بدليل هذان زيد وعمرو ، وردّ بأنّها إنّما يكون للجمع في المفردات ، ولهذا لا يجوز هذان يقوم ويقعد. وقال ابن خروف طبعا لطائفة من المتقدّمين : جميع حروف العطف يحصل بها الربط ، واحتجّوا ببيت أنشده ثعلب [من الطويل] :

٤٠٩ ـ فذرني أجوّل في البلاد لعلّني

أسرّ صديقا أو يساء حسود (٣)

وخرّج على أن التقدير أو يساء بي حسود.

الوصف العامل كالفعل : الثاني : اسم الفاعل الناصب للمفعول به كالفعل ، فزيد ضارب عمرا وبكرا أكرمته ، مثل زيد قائم وعمرا أكرمته ، فيستوي في بكر الوجهان ، أمّا إذا لم ينصب المفعول به ، نحو : زيد قائم وبكرا أكرمته ، فالرفع أولى ، لأنّ اسمي الفاعل والمفعول إذا لم تنصبا المفعول به ، لم تتمّ مشابهتهما للفعل ، إذ قد يرفع الضعيف المشابهة للفعل ، نحو : زيد زنجيّ غلامه.

__________________

(١) أبو عمرو بن العلاء نحوي من أقدم النحاة في البصرة ، جمع أشعار الجاهلية وهو واحد من القراء السبعة ، مات ٧٧٠ م ، المنجد في الاعلام ص ٢٠.

(٢) الحرميان هما ابن الكثير المكي (١٤٠ ه‍) ونافع المدني (١٦٩ ه‍) وكلاهما من القراء السبعة. مغني اللبيب ص ١٨.

(٣) البيت بلا نسبة. اللغة : ذرني : دعني ، اتركني.

٤٢٢

متى يترجّح الرفع على النصب : «ويترجّح الرفع» أي رفع الاسم المشتغل عنه العامل بالابتداء على نصبه بعامل مقدّر يفسّره العامل المشتغل «فيما عدا ذلك» أي المذكور من موجب النصب ، ومرجّحه وموجب الرفع وتساوي الأمرين «لأولويّة عدم التقدير» بلا مقتض ، «نحو : زيد ضربته». ومن ثمّ أوجبه بعض النّحويّين ، ومنع النصب ، وليس بشيء ، فقد نقله سيبويه وغيره من أئمة العربية عن العرب ، قال سيبويه : والنصب عربيّ كثير ، والرفع أجود ، انتهى.

وعليه قراءة بعضهم : (جَنَّاتُ عَدْنٍ) [الرعد / ٢٣] بكسر التاء ، ثمّ النصب مع كونه مرجوحا مراتبه مختلفه ، فالنصب في نحو : زيدا ضربته أقوي منه في نحو : زيدا ضربت أخاه ، والنصب في زيدا ضربت أخاه أحسن منه في زيدا مررت به ، والنصب في زيدا مررت به أحسن منه في زيدا مررت بأخيه ، قاله المراديّ.

المنادى

ص : الثالث : المنادى ، وهو المدعو بأيا ، أوهيا ، أو أي أو وا مع البعد ، وبالهمزة مع القرب. وبيا مطلقا ، ويشترط كونه مظهرا ، ويا أنت ضعيف ، وخلوّه عن اللّام إلا في لفظة الجلالة ، ويا الّتي شاذّ.

وقد يحذف حرف النداء إلا مع اسم الجنس ، والمندوب ، والمستغات ، واسم الاشارة ، ولفظ الجلالة ، مع عدم الميم في الأغلب ، فإن وجدت لزم الحذف.

تفضيل : المفرد المعرفة والنّكرة المقصودة ، يبنيان على ما يرفعان به ، نحو : يا زيد ، ويا رجلان ، والمضاف وشبهه ، وغير المقصودة ، تنصب ، مثل : يا عبد الله ، ويا طالعا جبلا ، ويا رجلا ، والمستغات يخفض بلامها ، ويفتح لألفها ولا لام فيه ، نحو يا لزيد ، ويا زيداه ، والعلم المفرد الموصوف بابن أو ابنة ، مضافا إلى علم آخر ، يختار فتحه ، نحو يا زيد بن عمرو ، والمنوّن ضرورة يجوز ضمّه ونصبه ، نحو :

سلام الله يا مطرا عليها

وليس عليك يا مطر السّلام

والمكرّر المضاف يجوز ضمّه ونصبه كتيم الأوّل ، في نحو : يا تيم تيم عدي.

تبصرة : وتوابعه المضاف تنصب مطلقا ، أمّا المفردة فتوابع المعرب تعرب بإعرابه ، وتوابع المبنيّ على ما يرفع به من التأكيد والصّفة وعطف البيان ، ترفع حملا على لفظه ، وتنصب على محلّه ، والبدل كالمستقل مطلقا. أمّا المعطوف فإن كان مع أل فالخليل يختار رفعه ، ويونس نصبه ، والمبرّد إن كان كالخليل فكالخليل ، وإلا

٤٢٣

فكيونس ، وإلا فكالبدل ، وتوابع ما يقدّر ضمّه كالمعتلّ والمبنيّ قبل النّداء ، كتوابع المضموم لفظا ، فترفع للبناء المقدّر على اللفظ ، وتنصب للنصب المقدّر على المحلّ.

ش : «الثالث» ممّا يرد منصوبا وغير منصوب «المنادى ، وهو» الاسم «المدعوّ» حقيقة ، نحو : يا زيد ، أو حكما ، نحو : (يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ) [هود / ٤٤] ، فإنّها نزّلت مترلة من له صلاحيّة النداء ، ثمّ نوديت «بأيا» ، قال الشاعر [من الطويل] :

٤١٠ ـ أيا جبلي نعمان بالله خلّيا

نسيم الصّبا يخلص إلى نسيمها (١)

«أو هيا» قال [من الكامل] :

٤١١ ـ فأصاخ يرجو أن يكون حيّا

ويقول من فرح هيا ربّا (٢)

وهاء ، وهاء أصل ، وقيل : بدل من همزة أيا ، وعليه ابن السكّيت ، وجزم به ابن هشام في المغني ومحمد بن يعقوب في القاموس. «أو أي» بالفتح والقصر والسكون قال [من الطويل] :

٤١٢ ـ ألم تسمعي أي عبد في رونق الضّحي

بكاء حمامات لهنّ هدير (٣)

قال ابن هشام : وقد تمدّ ألفها ، وقيل : بل الممدودة حرف مستقلّ ، حكاه الكوفيّون عن العرب الّذين يثقون بعربيّتهم ، أو بالمدّ ، نحو : أزيد ، حكاه الأخفش في كتابه الكبير.

وزعم ابن مالك أنّه لم يذكرها إلا الكوفيّون ، والمراد بالمدّ فيها الإتيان بعد الهمزة بالف لا غيرها ، وما وقع في كلام بعضهم من ضبطها بهمزة فألف وهمزة أخري ساكنة سهو. فهذه كلّها «مع البعد» ، أي لنداء البعيد على خلاف في أكثرها ، ففي الصحاح أنّ أيا لنداء البعيد والقريب ، قال في المغني : وليس كذلك. وفي أي أقوال : قيل : هي للبعيد كما ذكره ، وعليه ابن مالك ، وقيل : للقريب ، وعليه المبرّد والجزوليّ ، وقيل : للمتوسط.

وجعل ابن عصفور «أ» في المقرب للقريب ، «وبالهمزة مع القرب» أي لنداء القريب ، قال [من الطويل] :

٤١٣ ـ أفاطم مهلا بعض هذا التدلّل

وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي (٤)

ونقل ابن الخبّاز عن شيخه أنّها للمتوسّط ، قال ابن هشام : وهو خرق لإجماعهم ، وسيأتي عليها مزيد كلام إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) هو لقيس بن الملّوح وهو مجنون ليلي العامريّة. اللغة : نعمان : واد في طريق الطائف ، الصبا : ريح معروفة.

(٢) لم يسّم قائله. اللغة : أصاخ : ماض من الإصاخة بمعنى الاستماع ، الحيا : المطر.

(٣) البيت لكثيّر عزّة اللغة : عبد مرخّم عبدة. رونق الضحا : أوّله ، الهدير : صوت الحمام.

(٤) البيت لامرئ القيس. اللغة : التدلّل : مصدر تدلّلت المرأة على زوجها أي جرؤت في تغنج ، أزمعت : قصدت ، الصرم : الهجر ، القطع البائن.

٤٢٤

«وبيا» ، وهي الباب ، وتستعمل مع البعد والقرب مطلقا ، قال أبو حيّان : وهو الّذي يظهر من استقراء كلام العرب. قال ابن مالك : وهي للبعيد حقيقة أو حكما ، وقد ينادي بها القريب توكيدا وقيل : هي مشتركة بين القريب والبعيد والمتوسّط ، وزعم ابن الخباز أنّها للقريب ، وهو خرق لإجماعهم.

تنبيهات : الأوّل : قال بعضهم : حدّ المصنّف للمنادي بقوله : «المدعوّ بأيا» إلى آخره أولى من قول ابن الحاجب : المطلوب إقباله لخروج نداء الله تعالى في نحو : يا الله ، لأنّه لا يطلب اقباله ، وحمل ندائه على المجاز ، والمراد بالمطلوب الاقبال مسؤول الإجابة بعيد ، فتأمّل ، انتهى.

الثاني : لا يدخل في هذا الحدّ المندوب على رأي ابن الحاجب ، لأنّه متفجّع عليه ، لا مدعوّ ، ويدخل على رأي غيره ، ولم يذكر المصنّف أحكامه في هذا الباب إمّا إهمالا أو ذهابا إلى رأي ابن الحاجب ، قال الرضيّ : والظاهر من كلام سيبويه أنّه منادي.

قال الجزوليّ : المندوب منادي على وجه التفجّع ، فإذا قلت : يا محمدا ، فكأنّك تناديه ، وتقول له : تعال ، فأنا مشتاق إليك ، ومنه قولهم في المراثي لا تبعد ، أي لا تهلك ، كأنّهم من ظنّهم بالميّت تصوّروه حيّا ، فكرهوا موته ، فقالوا : لا تبعد ، أي لا بعدت ، ولا هلكت. وكذا المندوب المتوجّع به ، نحو : واويلاه وواثبوراه ، واوحزناه ، أي أحضر حتى يتعجّب من فظاعتك ، والدليل على أنّه مدعوّ قوله تعالى : (لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً) [الفرقان / ١٤] ، أمرهم بقوله واثبورا.

الثالث : أجمعوا على أنّ نداء القريب بما للبعيد يجوز توكيدا وعلى منع العكس «ويشترط كونه» أي المنادى «مظهرا» ، فلا يجوز نداء المضمر مطلقا ، لا يقال : يا أنا ، ولا يا إيّاي ، ولا يا هو ، ولا يا ايّاه إجماعا ، «و» لا «يا أنت» ، ولا يا إيّاك على الأصح وقول الأحوص (١) [من الرجز] :

٤١٤ ـ يا أبجر بن أبجر يا أنتا

أنت الّذي طلّقت عام جعتا (٢)

«ضعيف» فلا يقاس عليه ، وما سمع من قول بعضهم : يا إيّاك قد كفيتك ، فيا للتنيبة ، لا للنداء ، وإيّاك منصوب بفعل محذوف يفسّره المذكور ، كأنّه قال : قد كيفت إيّاك قد كفيتك ، وقيل : إنّ ياء في البيت أيضا للتنبيه ، وأنت الأوّل مبتدأ ، والثاني كذلك ، أو توكيد أو بدل أو فصل والموصول خبر.

__________________

(١) الأحوص : هو عبد الله بن محمد الأوسي. عاش في اللهو ، وقد نفاه عمر بن عبد العزيز لتهتّكه. توفّي سنة ١٠٥ ه‍ ..

(٢) لم يسم قائله. اللغة : جعتا : فعل ماض من جاع ا جوعا : خلت معدته من الطعام ، وألفه للاطلاق.

٤٢٥

وأجاز ابن عصفور نداء المضمر المخاطب في الشعر خاصّة مستدلّا بالبيت والمثل ، ولا حجّة في ذلك كما عرفت ، وظاهر كلام ابن مالك في الألفية أنّ نداء المضمر مطلقا مطّرد ، وهو خلاف الإجماع. قال المراديّ في شرح التسهيل وقول بعض الصوفيّة : يا هو ، ليس جاريا على كلام العرب وقال شعبان في ألفية [من الرجز] :

٤١٥ ـ ولا تقل عند النداء يا هو

وليس في النحاة من رواه

«و» يشترط «خلوّه من اللام» للتعريف ، فلا يقال : يا الرّجل ، كراهة اجتماع الّتي التعريف صورة ، وإن كان في إحداهما من الفائدة ما ليس في الأخرى «إلا في لفظ الجلالة» ، وهو الله علم للذات المقدّس الواجب الوجود الموضوع بجميع الكمالات ، فلا يشترط خلوّه عنها ، بل يجب إثباتها إجماعا ، فيقول : يا الله باثبات الألفين ، ويلله بحذفها ، ويالله بحذف الثانية فقط ، لأنّ اللام لازمة له ، لا تفارقه ، إذ أصله إله ، فحذفت الهمزة تخفيفا للكثرة استعماله ، فادخلت عليه اللام لدفع شياع (١) ما ذهب إليه الكفّار من تسمية أصنامهم إلهة ، أدغمت لام التعريف فيما بعدها ولزمت كالعوض من الهمزة ، ومن ثمّ تقطع في النداء وقيل : أل في اسم الله للتعظيم ، لا للتعريف ونسب لسيبويه.

فائدة : هذا الاسم الشريف يختصّ بأشياء ، لا توجد في غيره من الأسماء ، منها ما ذكره. ومنها زيادة ميم في آخره عوضا من حرف النداء كما سيأتي ، ومنها أنّه يفخم إذا كان قبله فتح أو ضمّ ، مثل قال الله تعالى ، ويقول الله تعالى.

ولا تقول مثل هذا في الليل واللبن ، فإن كان قبله كسرة لم يفخم ، مثل بسم الله ، لأنّك لو فخمت هذا لكنت متسفّلا بالكسرة ، متصعّدا بتفخيم الفتحة ، وهذا ثقيل على اللسان ، وليس كذلك مع الضمّة والفتحة لاستعلائهما في الحنك (٢). ومنها اختصاصه في القسم بالتاء بالله ، نحو قولهم : تالله ، ومنها قطعهم لهمزته في القسم من قولهم : أفالله لافعلن كذا بمترلة أفو الله ، ذكره ابن بايشاذ في شرح الجمل ، وقول الشاعر [من الوافر] :

٤١٦ ـ من أجلك يا الّتي تيّمت قلبي

وأنت بخيلة بالوصل عنّي (٣)

«شاذّ» ، فلا يقاس عليه خلافا للبغداديين والكوفيّين في إجازتهم في السعة ذلك محتجّين بالسماع ، كالبيت وبالقياس ، قالوا : لأنّا لم نر موضعا يدخله التنوين ، ولا يدخله الألف واللام. وأجاب المانعون عن السماع بالشذوذ ، وعن القياس بأنّه إن أرادوا بذلك في غير النداء فممنوع لدخول التنوين في نحو زيد ، وسيبويه منكرا مع عدم دخول

__________________

(١) الشياع : النداء.

(٢) الحنك : باطن أعلى الفم من الدخل. والأسفل من طرف مقدم اللّجبين.

(٣) لم يسمّ قائله. اللغة : تيّمت : استعبدت وذللّت.

٤٢٦

الألف واللام فيهما أو في النداء لمعيّن ، فكذلك لعدم دخول التنوين في غير السعة عليه أو لغير معيّن فكذلك.

فائدة : المراد بالشاذّ في استعمالهم ما يكون بخلاف القياس من غير نظر إلى قلّة وجوده وكثرته ، والنادر ما قلّ (١) وجوده ، وإن لم يكن بخلاف القياس ، والضعيف ما يكون في ثبوته كلام. قاله الجار برديّ في شرح الشافية (٢).

تنبيهان : الأوّل : زاد ابن مالك في التسهيل وابن هشام في الأوضح وغيرهما اسمين أخرين لا يشترط فيهما خلوّهما عن اللام ، أحدهما ما سمّي به من جملة ، نحو : يا الرجل قائم لمن سمّي بذلك ، نصّ على ذلك سيبويه ، قال : لأنّ معناه يا مقولا له ذلك ، وقايس عليه المبرّد ما سمّي به من موصول ذي لام ، نحو : يا الّذي قام ، وصوبّه ابن مالك.

قال المرادي : وقد نصّ سيبويه على منعه. قال الأزهري : والفرق بينهما أنّ الّذي قام محكى بحالته الّتي تثبت له قبل التسمية ، وهو قبلها لا ينادي لوجود اللام ، وذلك المانع باق ، ونحو : الرجل قائم ، ليس المانع من ندائه قبل التسمية وجود اللام ، بل كونه جملة وذلك المانع قد زال بالتسمية ، انتهى.

ثانيها : اسم الجنس المشبهة كقولك : يا الخليفة هيبة ، ويا الأسد شجاعة ، نصّ عليه ابن سعدان (٣). قال ابن مالك : وهو قياس صحيح ، لأنّ تقديره يا مثل الخليفة ويا مثل الأسد ، فحسن لتقدير دخول ياء على غير الألف واللام ، انتهى.

نداء المعرفة باللام : الثاني : إذا أريد نداء اسم معرّف باللام في غير الصور المذكورة توصّل إلى ندائه بأيّ مقطوعة عن الإضافة ، مبنيّة على الضمّ ، متلوّة بها التنبيه أو اسم الإشارة ، ويجب وصفها ، ولا توصف أيّ إلا بما فيه اللام لتعريف الجنس ، نحو : يا أيّها الرجل. وأمّا نحو الصعق والحارث ممّا هي فيه للغلبة أو للمح الصفة ، فلا توصف به ولا بما فيه اللام من مثنى أو مجموع علما قبل دخولها ، فلا يقال : يا أيّها الزيدان ، نصّ عليه الأعلم.

أو بموصول مصدّر بالألف واللام خال من خطاب ، نحو : (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) [الحجر / ٦] ، ولا يجوز : نحو يا أيّها الّذي رأيت ، كما لا يجوز أن ينادي أو باسم

__________________

(١) سقط قلّ في «ح».

(٢) الشافية في التصريف لأبي عمرو عثمان بن عمر المعروف بابن الحاجب النحويّ المالكيّ المتوفى سنة ٦٤٦. ومن شروحها شرح الفاضل أحمد بن الحسن فخر الدين الجاربرديّ المتوفى سنة ٧٤٦ ه‍. كشف الظنون ٢ / ١٠٢٠.

(٣) محمد بن سعدان الضرير الكوفيّ النحويّ (٢٣١ ـ ١٦١ ه‍) أخذ القراءآت عن أهل مكة والمدينة وكان ذا علم بالعربيّة وصنف كتابا في النحو وكتابا في القراءآت. بغية الوعاة ١ / ١١١.

٤٢٧

إشارة عارية من كاف الخطاب نحو : يا أيهذا الرجل ، ولا يقال : يا أيّهذاك الرجل ، كما لا يجوز ندائه ، وأجازه ابن كيسان ، ونقل عن سيبويه. وكأيّ اسم الإشارة في الوصف بذي اللام والموصول ، وأمّا اسم الأشارة فلا يوصف به ، لأنّ الشيء لا يوصف بمثله ، وسيأتي على أيّ هذه مزيد كلام في حديقة المفردات.

حذف حرف النداء : «وقد يحذف حرف النداء» وهو يا خاصّة ، لأنّ المطلق ينصرف إلى الفرد الكامل ، ووقع في عبارة بعض المتقدّمين ما يوهم جواز حذفه مطلقا. قال ابن بابشاذ في شرح الجمل ، بعد أن عدّد حروف النداء : وهذه الحروف يجوز إثباتها مع المنادى ، وحذفها إلا فيما استثني ، انتهى.

ولكن نصّ غير واحد من الأئمة على أنّه لا يحذف منها إلا ياء دون غيرها ، لأنّها أعمّ وأغلب في الاستعمال ، والحذف نوع من التصرّف ، فينبغي أن يكون فيما كثر دوره ، لا فيما قلّ.

فتحذف ياء مع القرينة ويبقي المنادى ، نحو : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) [يوسف / ٢٩] ، (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) [الرحمن / ٣١] ، (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ) [الدخان / ١٨] ، «إلا مع اسم الجنس» ، والمراد به هنا ما يكون نكرة قبل النداء ، سواء تعرّف بالنداء كيا رجل ، أو لم يتعرّف ، كيا رجلا ، وسواء كان مفردا أو مضافا أو مضارعا له ، نحو : يا غلام فاضل ، ويا حسن الوجه ويا ضاربا زيدا ، قصدت بهذه الثلاثة واحدا بعينه أولا.

وإنّما لا يحذف مع النكرة ، لأنّ حرف التنبيه إنّما يستغني عنه ، إذا كان المنادى مقبلا عليك متنبّها لما تقول له ، ولا يكون هذا إلا في المعرفة ، لأنّها مقصودة قصدها ، وإنّما لا يحذف مع المعرفة المتعرّفة بحرف النداء ، إذ هي إذن حرف تعريف ، وحرف التعريف لا تحذف ممّا تعرف بها حتى لا يظنّ بقاؤه على أصل التنكير ، ألا ترى أنّ لام التعريف لا تحذف من المتعرّف بها ، وحرف النداء أولى منها بعدم الحذف ، إذ هي مفيدة مع التعريف التنبيه والخطاب ، قاله الرضيّ. وأجاز بعضهم الحذف مع النكرة ، والكوفيّون مع المعرفة محتجّين بقولهم : أطرق كرى (١) ، وافتد مخنوق ، وأصبح ليل ، وهو عند البصريّين شاذّ.

قال المراديّ : والانصاف القياس عليه لكثرته نظما ونثرا. «و» إلا مع «المندوب» وهو المتفجّع عليه حقيقة ، كقول جرير يندب عمر بن عبد العزير [من البسيط] :

__________________

(١) الكرى : النعاس ، والنوم.

٤٢٨

٤١٧ ـ ...

وقمت فيه بأمر الله يا عمرا (١)

أو حكما ، كقول عمر بن الخطاب ، وقد أخبر بجدب شديد أصاب قوما من العرب : واعمراه واعمراه. والوجع منه لكونه محلّ ألم ، كقوله [من الطويل] :

٤١٨ ـ فواكبدا من حبّ من لا يحبّني

ومن زفرات ما لهنّ فناء (٢)

أو لكونه سبب ألم ، كقول الآخر [من السريع] :

٤١٩ ـ تبكيهم الدهماء معولة

وتقول سلمي وارزيئته (٣)

لأنّ الرزية سبب الألم الّذي حصل ، ومثله قول القائل وامصيبتاه.

والندبة من كلام النساء في الغالب ، والغرض منها الإعلام بعظمة المصاب ، ومن ثمّ لا يندب إلا المعروف ، وأما قولهم : وا من حفر بئر زمزماه ، فهو في قوّة قولهم : واعبد المطّلباه ، إذ من العموم أنّ من حفر بئر زمزم هو عبد المطّلب.

ولا يستعمل مع المندوب من أحرف النداء إلا حرفان : أحدهما وا ، وهي الغالبة فيه والمختصّة به ، والثانية يا ، إذا لم يلتبس بالمنادى المحض ، وحكمه في الإعراب حكم المنادى الآتي تفصيله فيضمّ إن كان مفردا ، نحو : وازيد وينصب إن كان مضافا أو مشبها به ، نحو : وا عبد الله ، وا ضاربا زيدا ، والغالب فيه أن يختم بالألف إطالة للصوت ، سواء كان مفردا ، نحو : وا زيدا أو مضافا لظاهر ، نحو : وا أمير المؤمنينا ، أو لمضمر ، نحو : وا رأساه ، أو شبيها بالمضاف ، نحو : وا طالعا حبلا ، أو مركّبا ، نحو : وا معدي كربا.

ويحذف لهذه الألف ما قبلها من ألف ، نحو : واموساه ، أو تنوين في صلة أو غيرها ، نحو : وا من نصر محمداه ، ونحو : وا أبا حسناه ، أو ضمّة إعرابيّة أو بنائيّة ، نحو : وامنذاه فيمن اسمه منذ ، أو كسرة كذلك ، نحو : واعبد الملكاه وا حذاماه.

فإن أوقع حذف الضمّة أو الكسرة في ليس أبقيا ، وقلبت الألف ياء بعد الكسرة ، نحو : واغلامكي ، أو واو بعد الضمّة ، نحو : وا غلامه ووا غلامهمو ، أو وا غلامكموا ، لأنّك لو أبقيت الألف لأوهم الإضافة إلى كاف الخطاب وهاء الغائبة والمثنّى ، ولك في الوقف زيادة هاء السكت بعد أحرف المدّ توصّلا إلى زيادة المدّ ، نحو : وازيدا ، واغلامكيه واغلامكموه. فإن وصلت حذفتها إلى في الضرورة فيجوز إثباتها كقول المبتني [من البسيط] :

٤٢٠ ـ واحرّ قلباه ممّن قلبه شبم

 ... (٤)

__________________

(١) صدره «حمّلت أمرا عظيما فاصطبرت له» ، اللغة : أمرا عظيما : أراد به الخلافة وشؤونها.

(٢) هو لمجنون ليلي. اللغة : الزفرات : جمع الزفرة : التنفس.

(٣) لم أجد البيت. الدهماء : عامة الناس وسوادهم.

(٤) تمامه «ومن بجسمي وحإلى عند سقم» ، اللغة : الشبم : بارد.

٤٢٩

ولك حينئذ ضمّها تشبيها بهاء الضمير ، وكسرها على أصل التقاء الساكنين ، وأجاز الفرّاء إثباتها في الوصل بالوجهين ، وإنّما لا يحذف حرف النداء مع المندوب ، لأنّه منادي مجازا ، ولا يقصد فيه حقيقة التنبيه والإقبال كما في النداء المحض ، فلمّا نقل عن النداء إلى معنى آخر مع بقاء معنى النداء فيه مجازا ألزم لفظ علم النداء تنبيها على الحقيقة المنقول هو منها ، ومثله المتعجّب منه. «و» إلا «مع المستغاث» ، وكلّ اسم نودي ليخلص من شدّة أو يعين على مشقّة لا يستعمل معه إلا يا خاصّة ، وسيأتي بيان أحكامه مستوفيا.

وإنّما لا تحذف معه حرف النداء للمبالغة في تنبيه بإظهار حرف التنبيه ، لكون المستغات له أمرا مهمّا. «و» إلا «مع اسم الاشارة» ، لأنّه موضوع في الأصل لما يشار إليه للمخاطب ، وبين كون الاسم المشار إليه وبين كونه منادي ، أي مخاطبا تنافر ظاهر ، فلمّا أخرج في النداء عن ذلك الأصل ، وجعل مخاطبا ، احتيج إلى علامة ظاهرة ، تدلّ على تغييره وجعله مخاطبا ، وهي حرف النداء (١). هذا مذهب البصريّين ، وأجاز الكوفيّون حذفه اعتبارا بكون اسم الإشارة معرفة قبل النداء واستشهاد بقوله تعالى : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ) [البقرة / ٨٥] أي يا هؤلاء ، وبقول ذي الرمة [من الطويل] :

٤٢١ ـ إذا هملت عيني لها قال صاحبي

بمثلك هذا لوعة وغرام (٢)

وردّه البصريّين بأنّ هؤلاء في الأيه خبر المبتدأء ، والشعر ضرورة. ولحّن بعضهم المبتنيّ في قوله [من الكامل] :

٤٢٢ ـ هذي برزت لنا فهجت رسيسا

 ... (٣)

وأجيب بأنّ هذي مفعول مطلق لا منادي ، أي برزت هذي البرزة ، وردّه ابن مالك بأنّه لا يشار إلى المصدر إلا منعوتا بالمصدر المشار إليه كضربته ذلك الضرب. قال ابن هشام : ويردّه بيت أنشده هو ، وهو قوله [من الكامل] :

٤٢٣ ـ يا عمرو إنّك قد مللت صحابتي

وصحابتيك إخال ذاك قليل (٤)

«و» إلا مع «لفظ الجلالة» وهو الله «مع عدم الميم» المشدّدة في آخره عوضا عن حرف النداء ، وذلك لأنّ حقّ ما فيه اللام أن يتوصّل إلى ندائه بأيّ أو باسم الإشارة

__________________

(١) سقطت هذه الجملة في «س».

(٢) اللغة : هملت : فاضت وسالت ، الّوعة : حرقة في القلب وألم يجده الأنسان من حبّ أو همّ أو حزن ، الغرام : التعلّق بالشيء تعلّقا لا يستطاع التخلص منه.

(٣) تمامه «ثمّ انثنيت وما شفيت نسيسا». اللغة : الرسيس : ابتداء الحب ، النسيس : بقية الروح.

(٤) لم يسمّ قائله.

٤٣٠

كما تقدّم ، فلمّا حذفت الوصلة في هذه اللفظة الشريفة لكثرة ندائها ، لم يحذف الحرف «في الأغلب» لئلا يكون إجحافا.

وقوع أللهمّ في النداء : وقد يحذف في غير الأغلب كقول أمية بن الصلت [من الطويل] :

٤٢٤ ـ رضيت بك اللهمّ ربّا فلن أري

أدين إلها غيرك الله راضيا

أي يا الله.

وأفهم كلامه جواز الحذف في غير الأغلب ، وهو مذهب لبعض النّحويّين ، والجمهور على المنع مطلقا ، وحملوا البيت على الشذوذ ، «فإن وجدت» الميم المشدّدة في آخره «لزم الحذف» أي حذف حرف النداء ، لأنّ الميم عوض عنه ، فلا يجمع بينهما إلا في الضرورة كقوله [من الرجز] :

٤٢٥ ـ إنّي إذا ما حدث ألّما

أقول يا أللهمّ يا أللهمّا (١)

وإنّما أخرّت الميم تبرّكا باسمه تعالى ، وخصّت بذلك دون غيرها ، لأنّ الميم عهد زيادتها آخرا كميم زرقم. هذا مذهب البصريّين ، وذهب الكوفيّون إلى أنّ الميم ليست عوضا ، بل ماخوذة من فعل ، والأصل يا الله آمنّا بخير ، فيجيزون الجمع بينهما وبين ياء في السعة.

قال أبو على : وليس هذا بشيء لقوله تعالى : (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) [الأنفال / ٣٢] ، لأنّه لو كانت الميم ماخوذة من فعل لما احتاجت إن إلى جواب ثان ، ولكان سادّة مسدّ جواب الشرط ، وقوله تعالى : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) [الأنفال / ٣٢] ، دليل على أنّها ليست مأخوذة من فعل ، ولا دلالة عليه ، لأنّه لا يحسن في كلام يا الله آمنّا منك بعدل ، إن كان هذا هو الحقّ من عندك ، فأمطر علينا ، يصحّ بلا ذكر الجواب ، ولأنّه لو كان كما ذكر لما حسن أللهمّ آمنّا بخير ، وفي حسنه دليل على أنّ الميم ليست مأخوذة منه ، إذ لو كان كذلك لكان تكريرا ، قاله ابن بابشاذ في شرح الجمل : وقد تزاد في آخره ما كقوله [من الرجز] :

٤٢٦ ـ وما عليك أن تقولي كلّما

سبّحت أو صلّيت يا أللهمّ ما

أردد علينا شيخنا مسلمّا (٢)

__________________

(١) هذا البيت لأمية بن أبي الصلت ، وزعم العيني أنّه لأبي خراش الهدلي. اللغة : الحدث : هو ما يحدث من مصائب الدنيا ونوازل الدهر ، الّم : نزل.

(٢) لم يذكر قائله. اللغة : الشيخ هنا : الأب أو الزوج ، مسلما : اسم مفعول من السلامة.

٤٣١

وذهب الخليل وتبعه سيبويه إلى أنّ هذا الاسم لا يوصف ، لأنّ الميم كلمة مستقلّة ، فتكون فاصلة بين الموصوف والصفة ، وقيل : لأنّه صار عندهم بمترلة الصوت. قال سيبويه في قوله تعالى : (اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الزمر / ٤٦] ، إنّه على نداء آخر ، أي يا فاطر السموات ، وذهب المبرّد والزجاج إلى جواز وصفه (١) بمرفوع على اللفظ ، وبمنصوب على الصفة ، وجعلا فاطر السموات صفة له. قال أبو حيّان : والصحيح مذهب سيبويه ، لأنّه لم يسمع مثل : أللهمّ الرحمن الرحيم ، والآية ونحوها محتملة للنداء.

وقوع أللهمّ في غير نداء : فائدة : وقد تخرج لفظة أللهمّ عن النداء ، فتستعمل على وجهين آخرين :

أحدهما : أن يذكرها المجيب تمكينا للجواب في نفس السامع ، يقول لك القائل : أقام زيد؟ فتقول أنت : أللهمّ لا.

والثاني : أن تستعمل دليلا على الندرة وقلّة وقوع المذكور ، كقولك : أنا لا أزورك اللهمّ إذا لم تدعني ، ألا ترى أنّ وقوع الزيارة مقرونة بعدم الدعاء قليل. قال في النهاية (٢) :

وقد جرت عادة العلماء باستعمال أللهمّ فيما في ثبوته ضعف ، وكأنّه يستعان في إثباته بالله تعالى.

تنبيه : استثنى بعضهم المنادى البعيد أيضا قال : فلا يجوز معه حذف حرف النداء ، لأنّ المراد فيه إطالة الصوت ، والحذف ينافيه.

أحكام المنادى في الإعراب : هذا «تفصيل» لأحكام المنادى في الإعراب. «المفرد» وهو هنا ما ليس مضافا ولا شبيها بالمضاف كما مرّ ، فيدخل فيه المثنّى والمجموع والمركّب المزجيّ ، «المعرفة» وهي ما كان تعريفه سابقا على النداء ، «والنكرة المقصودة» وهي ما عرض تعريفها بالنداء بأن قصد بها معيّن ، «يبنيان» لفظا أو تقديرا لوقوعهما موقع الكاف الاسميّة المشابهة لفظا ومعنى لكاف الخطاب الحرفيّة ، وكونهما مثلها إفرادا وتعريفا ، وذلك لأنّ يا زيد مثلا بمعنى أدعوك ، وهذه الكاف ككاف ذلك لفظا ومعنى ، وإنّما قلنا : ذلك ، لأنّ الاسم يبنى لمشابهة الحرف ، ولا يبني لمشابهة الاسم المبنيّ ، ولذلك كان هذا التعليل أحسن من التعليل بشبهها أنت في التعريف والإفراد وتضمّن

__________________

(١) سقط إلى جواز وصفه في «ح».

(٢) المقصود من النهاية إمّا «نهاية الإعراب في التصريف والإعراب» لأثير الدين أبو حيّان ، وإمّا «النهاية في النحو» لابن الخباز. كشف الظنون ٢ / ١٩٨٦.

٤٣٢

معنى الخطاب ، وبناؤهما «على ما يرفعان به» قبل النداء ، أي حال الإعراب لا على السكون ، وإن كان هو الأصل في البناء تنبيها على أنّ لهما قدما في الاعراب ، فدخل في ذلك ما يرفع بالضمّة إمّا ظاهرة ، «نحو : يا زيد» ويا رجل ، أو مقدّرة نحو : يا فتي ويا حذام ويا سيبويه ويا برق نحره ، وما يرفع بالألف نحو : يا زيدان «ويا رجلان» ، وما يرفع بالواو ونحو : يا زيدون.

تنبيه : المنقوص المعيّن بالنداء يحذف تنوينه ، وتثبت ياؤه عند الخليل ، نحو : يا قاضي ويا غازي ، وخالفه يونس ، فأجاز حذف الياء لا التنوين ، فتقول : يا قاض ويا غاز.

«والمضاف» سواء كانت الإضافة محضة أو غير محضة و «شبهه» أي المضاف ، وهو ما اتّصل به شيء من تمام معناه. وهذا الّذي به التمام إمّا أن يكون مرفوعا بالمنادى كقولك : يا محمودا فعله ، ويا حسنا وجهه ، ويا جميلا فعله ، ويا كثيرا برّه ، أو منصوبا كقولك : يا طالعا جبلا أو محفوضا بخافض ، متعلّق به ، كقولك : يا رفيقا بالعباد ، ويا خيرا من زيد ، أو معطوفا عليه قبل النداء ، كقولك : يا ثلاثة وثلاثين في رجل سمّيته بذلك ، قاله ابن هشام في شرح القطر. «والنكرة غير المقصودة» بالنداء جامدة كانت أو مشقّة في نثر أو شعر «تنصب» وجوبا.

عامل المنادى : اختلف في عامل النصب ، فقيل : فعل مقدّر وهو أدعو ، فحذف للكثرة الاستعمال ودلالة حرف النداء عليه وأفادته فائدته ، وهو قول سيبويه. وقيل : حرف النداء ، لسدّه مسدّ الفعل ، وهو قول المبرّد. وقال أبو على في بعض كلامه : إنّ ياء وأخواتها أسماء أفعال ، فتكون هي العاملة (١). ومثّل المصنّف للثلاثة نشرا على ترتيب اللفّ بقوله نحو : «يا عبد الله» مركّبا إضافيا أو علما.

وعن ثعلب إجازة الضّمّ في غير المحضة ، نحو يا حسن الوجه بضمّ الصفة ، لأنّ إضافتها بتقدير الانفصال ، ويا طالعا حبلا ، وقول الأعمي ـ طالبا لمن يهديه السبيل ـ يا رجلا خذ بيدي ، وقول الواعظ يا غافلا والموت يطلبه ، وقول الشاعر [من الطويل] :

٤٢٧ ـ فيا راكبا إمّا عرضت فبلّغن

نداماي من نجران أن لا تلاقيا (٢)

عرضت أي أتيت العروض ، وهو مكة والمدينة ، شرّفهما الله تعالى ، ونجران بلد من اليمن.

__________________

(١) يبدو أنّ مذهب سيبويه أحسن المذاهب بالنسبة إلى تعيين عامل المنادى ، لأنّ المنادى مفعول به في المعنى ، وناصبه فعل مضمر نابت «يا» منابه ، فأصل «يا على» أدعو عليا ، فحذف «أدعو» ونابت «يا» منابه.

(٢) هذا البيت لعبد يغوث بن وقاص الحارثي. اللغة : نداماي : جمع ندمان ومعناه النديم المشارب.

٤٣٣

وهذا مبنيّ على مذهب البصريّين من جواز نداء النكرة غير الموصولة مقبلا عليها وغير مقبل ، وقيل بالمنع مطلقا ، وهو مذهب الأصمعيّ ، وقيل : ان كانت خلفا عن موصوف جاز ، نحو : يا ذاهبا ومنه فيا راكبا البيت وإلا فلا ، وهو قول الكسائي وعامّة الكوفيّين.

ولا يجوز عندهم يا رجلا ، وزعموا أنّه ليس بمسموع وقيل إن كانت مقبلا عليها جاز ، وإلا فلا ، وهو قول الفارسي قال : ولا يتصوّر نداء نكرة غير مقبل عليها ، وما جاء منوّنا كالبيت محمول على الضرورة ، هكذا نقله ابن عقيل ، والّذي في الأوضح والإرتشارف نقل إنكار وجود النكرة غير مقبل عليها في النداء عن المازنيّ ، قاله في السراج.

تنبيهات : الأوّل : قال بعضهم التعبير بالمضاف في قوله والمضاف وشبهه لا يصدق إلا على نحو : يا غلام زيد ، دون نحو : يا عبد الله علما ، لأنّ المنادى مجموع المضاف والمضاف إليه لا مجرّد المضاف ، كما لا يخفى ، ولو قال : أو ذا إضافة لسلم لشموله لما وقع مضافا ، ولما اشتمل على الإضافة ، انتهى.

وهذا إنّما يرد إذا جعلنا المضاف في عبارة المصنّف وصفا للمنادي ، ولنا أن نجعله وصفا لمطلق الاسم فيكون المعنى : والاسم المضاف في النداء يثبت له الحكم المذكور ، فيشمل نحو : يا غلام زيد ممّا المنادى فيه المضاف ، ويا عبد الله ، ممّا المنادى فيه مجموع المضاف والمضاف إليه ، فتدبّر.

الإشكال في يا طالعا جبلا : الثاني : في قولهم «يا طالعا جبلا» إشكال مشهور ، حتى قيل : إنّه من المزالق النحويّة ، وذلك أنّه لم يوجد فيه معتمدا لطالعا حتى يعمل ، واسم الفاعل لا يعمل بدون اعتماد على ما سيأتي ذكره ، وتقدير الموصوف مشكل ، لأنّه إذا قدّر موصوف ، يكون موصوفه منادي مفردا ، فلا يكون هناك شبه مضاف.

وقال الرضيّ في بحث الموصول : إنّ عمل اسم الفاعل والمفعول من غير اعتماد على أحد الأمور الخمسة ، أي الموصوف وذي الحال والمبتدإ وحرف النفي وحرف الاستفهام ، مذهب الأخفش والكوفيّين دون البصريّين. وأمّا قول النحاة : يا ضاربا غلامه ويا حسنا وجهه بالاعمال ورجوع الضمير إلى مقدّر فمثال لهم غير مستند إلى شاهد من كلام موثوق به ، ولا يقال : جائني حسن وجهه في الاختيار ، بل قد يجئ مثله في الشعر نحو قوله [من الطويل] :

٤٣٤

٤٢٨ ـ بسود نواصيها وحمر أكفّها

وصفر تراقيها وبيض خدودها (١)

هذا كلامه ، وقد عرفت منه لتقدير الموصوف محذورا آخر. وقال الفاضل الهنديّ : أصله يا أيّها الطالع جبلا ، فحذف أيّ للاختصار ، ثمّ حذفت اللام لئلّا تجتمع آلتا التعريف ، ثمّ نصب طالعا ، لكونه مضارعا للمضاف على أنّه يحتمل أن يكون هذا المثال على قول الأخفش والكوفيّين.

الثالث : يمتنع إدخال ياء على ثلاثين من نحو : يا ثلاثة وثلاثين فيمن سمّيته بذلك ، لأنّه من العلم خلافا لبعضهم ، وإن ناديت جماعة ، هذه عدّتها ، فإن كانت غير معيّنة نصبتها ، وان كانت معيّنة ضممت الأوّل ، وعرّفت الثاني بأل ونصبته ، أو رفعته بالعطف على المحلّ أو اللفظ ، إلا إن أعدّت معه ياء ، فيجب ضمّه ، لأنّه نكرة مقصودة ، ويجب حينئذ تجريده من ال. ومنع ابن خروف إعادة ياء وتخييره في إلحاق أل مردود ، قاله في الأوضح ، ووجه ردّه أنّ الثاني ليس بجزء علم ، وإنّما هو اسم الجنس أريد به معيّن.

الرابع : من شبه المضاف نحو : يا لطيفا لم يزل ويا حليما لا يجعل ، قال ابن هشام : الجملة في موضع الحال من الضمير المستتر في الوصف ، وهو للمخاطب بالنداء ، وعامل الحال هو عامل صاحبها ، والمنادى منصوب كما في يا طالعا جبلا ، ولك في حرف المضارع الياء والتاء على حدّ يا تميم كلّهم أو كلّكم ، انتهى ، وفيه ردّ على ابن مالك حيث جعل الجملة نعتا.

الخامس : إذا كان المنادى نكرة مقصودة موصوفة بمفرد جاز ظهور نصبه ، نحو يا رجلا كريما ، حكى ذلك الفرّاء عن العرب ، وجزم به ابن مالك في التسهيل.

«و» المنادى «المستغاث يخفض» أي يجرّ «بلامها» أي لام الاستعاثة لدلالة المستغات عليها ، وهي لام الاختصاص أدخلت علامة للاستغاثة والتعجّب ، وإنّما اختيرت من بين الحروف لمناسبة معناهما لمعناهما ، إذ كلّ منها مخصوص بالدعاء وبالاستحضار لغرابته ، واختلف فيها ، فقيل : هي زائدة فلا تتعلّق بشيء ، واختاره ابن خروف بدليل صحّة إسقاطها حيث يقال : يا زيدا ، وقيل ليست بزائدة ، وهو الصحيح ، وعليه فيمإذا تتعلّق. قال ابن جنيّ : هي متعلّقة بحرف النداء لما فيه من معنى الفعل ، وردّ بأنّ معنى الفعل لا يعمل في المجرور ، وأجيب بأنّه قد عمل في الحال في نحو قوله [من الطويل] :

__________________

(١) البيت للحسين بن معطير. اللغة : بسود متعلّق بقوله يعيدها في البيت السابق وهو جمع أسود. النواصي : جمع الناصية ، أي مقدّم الرأس ، وشعر مقدّم الراس إذا طال ، حمر : جمع أحمر ، الأكف : جمع الكفّ ، أي الراحة مع الأصابع ، صفر : جمع أصفر ، التراقي : جمع ترقوه ، وهي أعإلى الصدر ، بيض : جمع أبيض ، الخدود : جمع الخدّ ، وهي جانب الوجه.

٤٣٥

٤٢٩ ـ كأنّ قلوب الطير رطبا ويابسا

 ... (١)

فيعمل في المجرور ، لأنّ العامل في الحال أقوي من العامل في المجرور ، لأنّه عامل في صاحبها. وقال الأكثرون : متعلّقة بفعل النداء المحذوف ، واختاره ابن الضائع وابن عصفور ، ونسباه إلى سيبويه ، واعترض بأنّه متعدّ بنفسه ، وأجاب ابن أبي الربيع بأنّه ضمّن معنى الالتجاء في نحو : يا لزيد ، والتعجّب في نحو : يا للدواهي.

وأجاب ابن عصفور بأنّه ضعيف بالتزام الحذف ، فقوّي تعديته باللام ، واقتصر الرضيّ وأبو حيّان على إيراد هذا الجواب. قال ابن هشام : وفيه نظر ، لأنّ اللام المقوّية زائدة ، وهولاء لا يقولون بالزيادة ، انتهى.

ويردّ هذا الاعتراض بما ذكره هو في موضع آخر من مغنيه ، بأنّ التحقيق في لام التقوية أنّها ليست زائدة محضة لما تخيّل في العامل من الضعف الّذي نزّل مترلة القاصر ولا معدّية لاطّراد صحّة إسقاطها ، فلها مترلة بين مترلتين ، انتهى.

ونقل ابن مالك عن الكوفيّين غير الفرّاء أنّ هذه اللام بقية اسم ، وهو أل ، والأصل في يا لزيد يا الزيد ، ثمّ حذفت همزة أل للتخفيف وإحدى الألفين لالتقاء الساكنين ، وضعف بأنّه يقال فيما لا أل له : يا للدواهي ويالله ، وإنّما خفض بها ، ليكون أعون على مدّ الصوت المعيّن على المقصود من الاستعانة ، ولو قال يجرّ لكان أولى ، لأنّ الخفض من ألقاب البناء.

«ويفتح» أي يبني على الفتح وجوبا «لألفها» أي الاستغاثة إذا ألحقت به ، «ولا لام فيه» حينئذ تحرّزا عن الجمع بين حرفي الاستعانة وعن الجمع (٢) بين العوض والمعوّض عنه ، لأنّ اللام عوض عن الألف ، كما نقل عن الخليل ، ولأنّ اللام تقتضي الجرّ ، والألف تقتضي الفتح ، فبين أثريهما تناف ، كذا قيل.

قال بعضهم : وفيه أنّه لا تنافي بينهما في نحو يا لاحمداه ، لأنّ جرّ غير المنصرف بالفتحة ، إلا أن يعتبر طردا للباب ، لا يقال : التنافي موجود ، لأنّ مقتضي أحدهما فتحة بنائيّة ، والأخرى إعرابيّة ، لأنّا نقول : لا تقتضي الألف إلا فتح ما قبلها ، إعرابيّة كانت الفتحة أو بنائية ، ألا ترى أنّه لا يقال في الوقف على زيدا : زيدا بالألف وفتحة ما قبلها نصب ، وما قيل من أنّ التنافي موجود ، لأنّ هذا الفتح في حكم الكسر ، فليس بشيء.

__________________

(١) هو لامرئ القيس. تمامه : لدي وكرها العنّاب والحشف البإلى. اللغة : الرطب : ضدّ اليابس ، الحشف : أردء أقسام التمر ، البإلى : الفاسد والمندرس.

(٢) سقط بين حرفي الاستعانة وعن الجمع في «ح».

٤٣٦

ويخفض المستغاث بما كان يخفض به قبل النداء ، إمّا بكسرة ظاهرة نحو : يا لزيد ، أو بفتحة نائبة عنها ظاهرة نحو : يا لأحمدا ، أو مقدّرة نحو : يا لموسى ، أو بالياء نحو : يا للزيدين بفتح الدال أو كسرها ، وبكسرة مقدّرة لفظا نحو يا للقاضي ، أو محلا نحو يا لهذا ويا لرقاش (١).

كلّ ذلك بفتح اللام على خلاف الأصل في حركة اللام الجارّة كما تقدّم ، وإنّما فتحت لوقوع المنادى موقع كاف الخطاب ، واللام تفتح مع الضمير ، نحو : لك وله ، فكذا ما وقع موقعه ولقصد التفرقة بين المستغاث والمستغاث من أجله ، نحو : يا الله للمسلمين بفتح الأولى وكسر الثانية إلا أن كان المستغاث ياء المتكلّم نحو : يا لي ، أو معطوفا ولم تعدمعه يا ، نحو قوله [من البسيط] :

٤٣٠ ـ ...

يا للكهول وللشّبان للعجب (٢)

فتكسر ، فإن أعيدت معه يا فتحت كقوله [من البسيط] :

٤٣١ ـ يا لقومي ويا لأمثال قومي

لأناس عتوّهم في ازدياد (٣)

والمستغاث المفتوح لألف الاستغاثة نحو : يا زيدا ، وقول الشاعر [من الخفيف] :

٤٣٢ ـ يا يزيد الآمل نيل عزّ

وغني بعد فاقة وهوان (٤)

وقد يخلو المستغاث من الألف واللام معا ، فيعطي ما يستحقّه ، لو كان منادي غير مستغاث كقوله [من الوافر] :

٤٣٣ ـ ألا يا قوم للعجيب العجيب

 ... (٥)

تنبيهات : الأوّل : حكم المتعجّب منه حكم المستغاث وهو على قسمين ، أحدهما أن يرى أمر عظيما ، فينادى جنسه ، كقولهم : يالماء ويا للدواهي ، إذا تعجّبوا من كثرتهما ، والثاني أن يرى أمرا عظيما ، فينادي من له نسبة إليه ومكنة فيه نحو : يا للعلماء ، فيجرّ باللام ، ويفتح لإلحاق الألف كقوله [من الرجز] :

٤٣٤ ـ يا عجبا بهذه الفليقة

هل تذهبنّ القوباء الرّيقة (٦)

__________________

(١) الرقاش : اسم امرأة.

(٢) صدر البيت «يبكيك ناء بعيد الدار مغترب» ، ولم يسمّ قائله. اللغة : ناء : اسم الفاعل ، فعله ناى ينأى : اذا بعد ، أراد به بعيد النسب ، الكهول جمع كهل ، الشبان : جمع شاب.

(٣) لم يعرف قائله. اللغة : العتوّ : الاستكبار التمرّد على الحق.

(٤) لم يسمّ قائله. اللغة : الآمل : فاعل من الآمل بمعنى الرجاء ، الفاقة : الاحتياج وأشدّ الفقر ، الهوان : الذلّ والصغار.

(٥) عجز البيت : وللغفلات تعرض للأريب ، ولم يسمّ قائله. اللغة : اللغفلات : جمع غفلة ، وهي إهمال الأمر ، الأريب : العاقل المجرّب العالم بعواقب الأمور.

(٦) لم يسمّ قائله. اللغة : الفليقة : الداهية ، القوباء : داء في الجسد يتقشّر منه الجلد وينجرد منه الشعر. الريق : اللعاب ، ماء الفم.

٤٣٧

ويجوز كسر لامه على تقديره مستغاثا له ، وحذف المستغاث ، والمقصود أنّك دعوته لذلك الشيء.

الثاني : إنّما كان المستغاث والمتعجّب منه معربين عند دخول اللام عليها وإن كانا مفردين معرفتين ، لأنّ علّة البناء في المنادى ضعيفة لمشابهته للاسم المبنيّ المشابه للحرف ، فغلبت اللام المقتضية للجرّ حرف النداء المقتضية للبناء لضعفها في اقتضاء البناء مع كونها أبعد من مقتضي الجرّ ، قاله الرضي (ره).

الثالث : قد يجرّ المستغاث من أجله بمن كقول الشاعر [من البسيط] :

٤٣٥ ـ يا للرّجال ذوي الألباب من نفر

لا يبرح السّفه المردي لهم دينا (١)

والمستغاث من أجله هو المستنصر عليه في الاصطلاح ، فلا ينصرف إلا إليه عند الإطلاق ، وان صحّ إطلاقه على المستنصر له لغة ، لأنّ كلّا منهما وقعت الاستغاثة لأجله أي بسببه ، فافهم.

الرابع : قد يستغنى عن المستغاث من أجله إن علم سبب الاستغاثة كقوله [من الوافر] :

٤٣٦ ـ فهل من خالد إمّا هلكنا

وهل بالموت يا للنّاس عار (٢)

أي للناس لمن يشمت بنا.

المنادى المضاف إلى الياء : تتميم : المنادى المضاف إلى الياء إن كان معتلّا وجب ثبوت يائه وفتحها ، نحو : يا فتاي ويا قاضي ، وإن كان وصفا مشبّها للمضارع في كونه بمعنى الحال أو الاستقبال وجب ثبوت يائه مفتوحة وساكنة ، نحو : يا مكرمي ويا ضاربي.

وهل الأصل الفتح أو السكون؟ قولان : وما عدا ذلك وليس أبا وأمّا ، فالأكثر فيه حذف الياء اكتفاء بالكسرة ، نحو : (يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) [الزمر / ١٦] ، ثمّ إثباتها ساكنة نحو : (يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ) [الزخرف / ٦٨] ، أو مفتوحة ، نحو : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا) [الزمر / ٥٣] ، ثمّ قلبها ألفا ، نحو : يا حسرتا ، ثمّ حذف الألف اكتفاء بالفتحة كقوله [من الوافر] :

٤٣٧ ـ لست براجع مافات منّي

بلهف ولا بليت ولا لو أنّي (٣)

__________________

(١) لم يعثر على قائله. اللغة : الألباب : جمع اللّب : العقل ، السفة : الجهل ، المردي : المهلك.

(٢) هو لعدي بن زيد.

(٣) لم ينسب هذا البيت إلى قائل معين. اللغة : بلهف : أراد بأن أقول يا لهفا ، بليت : أراد بأن أقول يا ليتني.

٤٣٨

ثمّ ضمّ الاسم اكتفاء بنية الإضافة ، وإنّما يفعل ذلك فيما يكثر أن لا ينادى إلا مضافا كقراءة بعضهم : (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَ) [يوسف / ٣٣] بضمّ ربّ.

فهذه ستّ لغات ، وان كان أبا أو أمّا جاز فيه اللغات السّتّ على الترتيب المذكور ، وإبدال الياء تاء مكسورة ، وهو الأكثر ، أو مفتوحة ، وهو الأقيس ، وقرئ بهما في السبعة ، أو مضمومة ، وهو شاذّ ، وقرئ بها في الشواذ ، والجمع بين التاء والألف أو الياء ، وهو قبيح ، وسبيله الشعر كقوله [من الرجز] :

٤٣٨ ـ ...

يا أبتا علّك أو عساكا (١)

وقوله [من السريع] :

٤٣٩ ـ يا أمّتا أبصرني راكب

 ... (٢)

وقوله [من الطويل] :

٤٤٠ ـ أيا أبتي لازلت فينا فإنّما

 ... (٣)

فهذه عشرة كاملة ، والمضاف إلى المضاف إلى الياء يجب ثبوت الياء فيه لا غير : نحو : يا ابن أخي ويا ابن خإلى ، إلا أن كان ابن عم أو ابن أمّ ، فالأكثر حذف الياء اكتفاء بالكسرة ، وجاز فتح آخر كلّ منهما ، قري : (يَا بْنَ أُمَ) [طه / ٩٤] ، بالوجهين ، ولا يكادون يثبتون الياء ولا الألف إلا في الضرورة كقوله [من الرجز] :

٤٤١ ـ يا ابنة عمّا لا تلومي واهجعي

لا يخرق النوم حجاب مسمعي (٤)

وقوله [من الخفيف] :

٤٤٢ ـ يابن أمّي ويا شقيّق نفسي

أنت خلفتني لدهر شديد (٥)

«والعلم المفرد الموصوف بابن» اتّفاقا أو «ابنه» على خلاف ، حكاه ابن كيسان حال كون ابن أو ابنة متّصلا بالعلم «مضافا إلى علم آخر ، يختار» مع جواز الضمّ «فتحه» عند البصريين غير المبرّد لخفّته ، وأوجبه بعضهم ، «نحو : يا زيد بن عمرو» ، ويا هند ابنة زيد بفتح زيد وهند ، إمّا على الإتباع الفتحة ابن ، إذ الحاجز بينهما ساكن ، فهو غير حصين ، وعليه اقتصر في التسهيل ، فهو نظير امرئ وابنم ، أو على تركيب

__________________

(١) تقدم برقم ١٤٧ و ١٩٦.

(٢) تمامه «يسير في مسحنفر لاحب» ، ويروى : في بلد مسحنفر لاحب. اللغة : المسحنفر : الطريق الواضح ، اللاحب : الطريق الواسع المنقاد الّذي لا ينقطع.

(٣) تمامه «لنا أمل في العيش مادمت عائشا» ، ولم يسم قائله.

(٤) هو لأبي النجم العجلي. اللغة : لا تلومي : لا تعتبي : اهجعي : أصله من الهجوع ، وهو الرقاد بالليل ، والمراد اطمئني.

(٥) هو لأبي زيبد. اللغة : الشّقيق : مصغر شقيق : الأخ من الأب والأم ، والنظير والمثيل ، خلقتني : تركتني خلفك.

٤٣٩

الصفة مع الموصوف وجعلهما شيئا واحدا كخمسة عشر. وعليه اقتصر الفخر الرازيّ تبعا للشيخ عبد القاهر ، فهو نظير لا رجل ظريف في من فتحهما ، وإمّا على إقحام الابن وإضافة زيد إلى عمرو ، ولأنّ ابن الشخص يجوز إضافته إليه ، لأنّه يلابسه ، حكاه [الأسترآبادي] في البسيط مع الوجهين ، فهو نظير يا زيد زيد اليعملات ، إذا فتحت الأوّل على قول سيبويه.

فعلى الوجه الأوّل فتحة زيد فتحة اتّباع ، وعلى الثاني فتحة بناء ، وعلى الثالث فتحة إعراب وفتحة ابن الأول فتحة اعراب ، وعلى الثاني بناء ، وعلى الثالث غيرهما. وذهب المبرّد إلى أنّ الضمّ أجود ، وهو القياس ، وذهب ابن كيسان إلى أنّ الفتح أكثر ، ومنه قوله [من الرجز] :

٤٤٣ ـ يا حكم بن المنذر بن الجارود

سرادق المجد عليك ممدود (١)

ويتعيّن الضمّ إذا كان المنادى غير علم ، أو كان الابن مضافا لغير علم ، نحو : يا رجل بن عمرو ويا زيد بن أخينا. أو كان الابن غير صفة ، بأن كان بدلا أو بيانا أو منادي سقط منه حرف النداء ، أو مفعولا بفعل محذوف تقديره أعني ونحوه : أو فصّل بين العلم والابن بفاصل ، نحو : يا زيد الفاضل بن عمرو ، أو كان العلم موصوفا بغير ابن ، نحو : يا زيد الفاضل ولم يشترط ذلك الكوفيّون ، وأنشدوا عليه [من الوافر] :

٤٤٤ ـ فما كعب بن مامة وابن سعدى

بأجود منك يا عمر الجواد

بفتح عمرو ، حمله البصريّون على أنّ أصله يا عمرا بالألف ، فحذف لالتقاء الساكنين على مذهب من يجيز إلحاق الألف في غير الندبة والاستغاثة والتعجّب ، أو أنّ أصله يا عمرا بالتنوين للضرورة ، ثمّ حذف لالتقاء الساكنين على حدّ قوله : ولا ذاكرا الله إلا قليلا.

تنبيهات : الأوّل : لا أثر للوصف ببنت عند جمهور العرب ، فيتعيّن الضّمّ في نحو : يا هند بنت زيد ، لتعذّر الاتّباع ، لأنّ بينهما حاجزا حصينا ، وهو تحريك الباء الموحّدة ، وجوّز أبو عمرو بن العلاء الفتح سماعا بناء على أنّه للتركيب.

الثاني : شمل قوله : العلم ، المفرد والمثنّى والمجموع مسمّى بهما. فقول الرضيّ لا حاجة للتقييد بالإفراد ، لأنّ المثنّى والمجموع لا يكونان علمين ، إذ لا يثنّى ، ولا يجمع العلم إلا بعد التنكير ، ليس بشيء. قال في النهاية : إذا سمّيت بمسلمات وبزيدين وبزيدين حاكيا إعرابه ، قلت فيمن قال يا زيد بن عمرو بالفتح : يا مسلمات بن عمرو ، بالكسر ، ويا زيدين بن عمرو ، ويا زيدين بن عمرو ، وعلى من ضمّ تقول : يا مسلمات بن

__________________

(١) هو لرؤبة. اللغة : السرادق : كلّ ما أحاط بشيء.

٤٤٠