الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

السيد علي خان المدني الشيرازي

الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

المؤلف:

السيد علي خان المدني الشيرازي


المحقق: الدكتور السيد أبو الفضل سجادي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: روح الأمين
الطبعة: ٠
ISBN: 978-964-518-296-8
الصفحات: ٩٤٧

ولسيبويه في مثل هذا وجهان : أحدهما جعل المنقطع كالمتّصل لصحّة دخول المبدل في المبدل منه ، قلت : يعني على سبيل المجاز ، وذلك إمّا على جعل الحمار مثلا في نحو : ما في الدار إلا حمار إنسان الدار ، أي الّذي يقوم مقامه في الأنس كقوله [من الوافر] :

٣٨٥ ـ ...

تحيّة بينهم ضرب وجيع (١)

جعلوا الضرب تحيتهم ، لأنّه الّذي يقوم مقام التحيّة عندهم ، أو على تخييل العموم فيه بحيث يكون شاملا.

فإذا قلت : ما جاء القوم إلا حمارا ، فقد نفيت مجئ القوم وما يتبعهم ، ثمّ استثنيت الحمار ممّا دخل في حكم التبع.

والثاني : إنّهم حملوا ذلك على المعنى ، لأنّ المقصود هو المستثنى ، فالقائل ما في الدار أحد إلا حمار ، المعنى : ما في الدار إلا حمار ، وصار ذكره أحدا توكيدا ليعلم أنّه ليس ثمّ آدميّ ، ثم أبدل من أحد ما كان مقصوده من ذكر الحمار.

وذكر المازنيّ وابن بابشاذ في شرح الجمل وجها ثالثا ، وهو أن يكون من تغليب العاقل على غيره ، فاقتصر على ذكر العاقل لحكم التغليب ، ثمّ أبدل من جملة ما تضمّنه التغليب. قال الرضيّ : وهذا لا يطّرد في جميع الباب ، نحو : قوله تعالى : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) وقولهم ليس لهم سلطان إلا التكلّف ونحوه.

تنبيه : ما نقلته عن تميم من اختيار النصب هو ما أفهمه كلامه ، ونقله غير واحد.

لكن ذكر ابن عقيل والمراديّ والدمامينيّ في شروح التسهيل أنّ ابن مالك ذكر أنّ لغة بني تميم في المنقطع في الاتباع كلغة الجميع في المتّصل ، فيقولون : ما فيها أحد إلا حمار ، ويقرؤون (إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) بالرفع ، إلا من لقن النصب.

قال الدمامينيّ في شرح التسهيل : وغير المصنّف يقول : إنّهم يجيزون الاتباع ، ويختارون ما يوجبه غيرهم من النصب ، انتهى. فافهم أنّ هذا النقل لم يذكره غير ابن مالك.

حكم المستثنى بخلا وعدا وحاشا : هذه «تتمّة» لما ذكره من مسائل هذا الباب ، «والمستثنى بخلا وعدا وحاشا ينصب» تارة «مع فعليتها» ، أي إنّها أفعال متعديّة إليها ، وفاعلها ضمير مستتر وجوبا ، وفي مرجعه الخلاف الآتي بيانه في حديقة المفردات إن شاء الله تعالى ، نحو : قام الناس خلا أو عدا أو حاشا زيدا ، واختلف في جملة الاستثناء ، فقال

__________________

(١) صدره

«وخيل قد دلفت لها بخيل» ،

وهو لعمرو بن معديكرب. اللغة : دلفت : مشيت رويدا ، الوجيع :

الموجع.

٤٠١

السيرافيّ : هي حال ، إذ المعنى قام القوم خإلى ن عن زيد ، وجوّز الاستئناف ، وقيل : بل هي مستأنفة ، وصحّحه ابن عصفور.

فإن قلت : دعوى الاستئناف تخلّ بالمقصود ، قلت : لا يعنون بالاستئناف عدم تعلّقها بما قبلها في المعنى ، بل في الإعراب فقط ، وذلك لأنّ هذه الجملة وقعت موقع إلا ، فكما أنّ إلا زيدا لا موضع له من الإعراب مع تعلّقه بما قبله ، فكذلك هذه الجمل ، قاله في التصريح. قال ابن هشام : والقول بالاستئناف مذهب الجمهور في جميع أفعال الاستثناء ، «ويجرّ» تارة «مع حرفيّتها» أي على أنّها حروف الجرّ.

تنبيهات : الأوّل : ليس النصب والجرّ في الثلاثة سواء كما توهّم عبارة المصنّف ، بل النصب في الأولين والجرّ في الأخيرة أغلب ، حتى أنّ سيبويه لم يحفظ غير ذلك ، فأوجب النصب في خلا وعدا ، والجرّ في حاشا ، لكن ثبت بصحيح النقل الجرّ بخلا وعدا والنصب بحاشا ، نقل الأوّل الأخفش ، ومنه قوله [من الطويل] :

٣٨٦ ـ خلا الله لا أرجو سواك وإنّما

أعدّ عيالى شعبة من عيالكا (١)

وقوله [من الوافر] :

٣٨٧ ـ أبحنا حيّهم قتلا وأسرا

عدا الشّمطاء والطّفل الصّغير (٢)

الرواية في الموضعين بالجرّ ، فوجب القول بحرفيّتها في هذه الحالة.

ونقل الثاني أبو عمرو والأخفش والجرميّ والمازنيّ والمبرّد والزّجاج وأبو زيد والفرّاء ، بل ذهبوا إلى أنّ الجرّ بها حرفا هو الكثير ، وأنّ النصب لها فعلا قليل لتضمّنها معنى إلا ، وسمع : أللهمّ اغفر لي ولمن يسمع حاشا الشيطان وأبا الإصبع ، وقال الشاعر [من الكامل] :

٣٨٨ ـ حاشا أبا ثوبان إنّ أبا

ثوبان ليس ببكمة فدم

عمرو بن عبد الله أنّ به

ضنّا عن الملحاة والشّتم (٣)

وكثير من النّحويّين أخذ صدر البيت الأوّل من هذين البيتين وركّبه مع عجز الثاني ، وأنشدهما بيتا واحدا ، والصواب ما أنشدناه به ، نبّه عليه ابن مالك في بعض مصنّفاته.

__________________

(١) لم يعين قائله.

(٢) لم يسمّ قائله. اللغة : أبحنا حيهم : أراد أهلكنا واستأصلنا ، الحيّ : القبيلة ، الشمطاء : هي العجوز الّتي يخالط سواد شعرها بياض.

(٣) هما للجميع واسمه المنقذ بن الطماح الأسدي. اللغة : البكمة : الخرس ، الفدم : العي عن الكلام في ثقل ، الضن : البخل ، الملحاة. المنازعة.

٤٠٢

الثاني : قال ابن الحاجب : حاشا المستعملة في الاستثناء معناها تتريه الاسم الّذي بعدها من سوء ذكر في غيره أو فيه ، فلا يستثني بها إلا في هذا المعنى ، ولذلك لا يقال : صلّي الناس حاشا زيد لفوات معنى التتريه ، انتهى.

قال الرضيّ : وربّما أرادوا تتريه شخص من سوء ، فيبتدؤون بتتريه الله سبحانه عن السوء ، ثمّ يبرّؤون من أرادوا تتريهه على معنى أنّ الله تعالى مترّة عن أن لا يظهر ذلك الشخص ممّا يصمه ، فيكون أكّد وأبلغ ، انتهى.

الثالث : في حاشا الاستثنائية لغتان : بإثبات الألفين ، وحشا بحذف الألف الأولى كقوله [من الوافر] :

٣٨٩ ـ حشى رهط النّبيّ فإنّ منهم

بحورا لا تكدّرها الدّلاء (١)

قاله المراديّ ، وسيأتي عليه مزيد الكلام في حديقة المفردات ، ان شاء الله تعالى.

حكم المستثنى بليس ولا يكون : «و» المستثنى «بليس ولا يكون منصوب بالخبريّة» ، أي على أنّه خبرهما ، نحو : قام الناس ليس أو لا يكون زيدا ، «واسمهما» ضمير «مستتر وجوبا» بالإجماع لجريانهما مجرى إلا ، وهي إنّما يظهر بعدها اسم واحد ، ومن ثمّ وجب انفصال الضمير المستثنى بهما كما وجب في المستثنى بهما ، تقول : قام القوم ليس إيّاك أو لا يكون إيّاك كما تقول : إلا إيّاك ، وأمّا قوله [من الرجز] :

٣٩٠ ـ ...

إذ ذهب القوم الكرام ليسي (٢)

فضرورة ، كقوله [من البسيط] :

٣٩١ ـ ...

أن لا يجاورنا إيّاك ديّار (٣)

وفي مرجع الضمير الخلاف الأتي في فاعل حاشا ، وسيأتي بيانه في حديقة المفردات إن شاء الله ، وجملة الاستثناء حال أو مستأنفة كما مرّ. قال في التصريح : فإن قلت : كيف يحكم على جملة ليس بأنّها حال ، والفعل الماضي لا يقع حالا إلا مع قد ظاهرة أو مقدّرة ، قلت : هذا مستثني كما قاله أبو حيّان في النكت الحسان بحثا ، انتهى.

ووجه الاستثناء أنّ قد لا تدخل إلا على فعل متصرّف ، وهذا الاستثناء جار في جمل الأفعال الثلاثة المذكورة آنفا إذا أعربت حالا ، ثمّ هذا الاستثناء إنّما يحتاج إليه على

__________________

(١) لم يسمّ قائله. اللغة : الرهط : الجماعة من ثلاثة أو سبعة إلى عشرة ، أو ما دون العشرة ، الدلاء جمع الدلو : إناء يستقي به من البئر (مؤنث وقد تذكّر).

(٢) صدره «عدت قومي كعديد الطيس» ، هذا البيت نسبت لروبة بن العجاج. اللغة : الطيس : الرمل الكثير.

(٣) صدره «وما علينا إذا ما كنت جارتنا» ، لم يسمّ قائله. اللغة : الدّيار : أحد ، ولا يستعمل إلا في النفي العام.

٤٠٣

رأي جمهور البصريّين دون ما عليه الكوفيّون والأخفش من جواز مجئ الحال المذكورة بدون قد راسا كما سيأتي.

سبب قراءة سيبويه النحو : فائدة : هذه المسألة كانت سبب قراءة سيبويه النحو ، وذلك أنّه جاء إلى حماد بن سلمة (١) لكتابة الحديث ، فاستملي منه قوله (ص) : ما من أحد من أصحابي إلا ولو شيءت لأخذت عليه ليس أبا الدرداء (٢) ، فقال سيبويه ، ليس أبو الدرداء ، فصاح به حماد : لحنت يا سيبويه ، إنّما هذا استثناء. فقال : والله لأطلبنّ علما لا يلحنني معه أحد فلزم الأخفش وغيره.

والمراد بالأخفش الاكبر ، وهو أبو الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد ، وإذا أطلق النقل في كتب النحو فالمراد به الأوسط وهو أبو الحسن سعيد بن مسعدة أكبر تلامذة سيبويه ، وأمّا الأصغر فهو أبو الحسن على بن سليمان من تلامذة المبرّد وثعلب ، والأخافشة أحد عشر نحويّا عدّهم في المزهر (٣).

المستثنى بما خلا وبما عدا : «و» المستثنى «بما خلا وبما عدا منصوب» وجوبا على المفعوليّة ، لأنّ ما المصدريّة تعينهما للفعلية. إذ لا تدخل على الحرف ، وهما متعدّيان فتعيّن النصب ، كقول لبيد [من الطويل] :

٣٩٢ ـ ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل

وكلّ نعيم لا محالة زائل

وقوله [من الطويل] :

٣٩٣ ـ تملّ الندّامي ما عداني فإنّني

بكلّ الّذي يهوي نديمي مولع (٤)

ولهذا دخلتها نون الوقاية ، قال في التصريح : والقول بأنّ ما هنا مصدريّة مع جمود خلا وعدا مشكل ، لأنّها لا تدخل على فعل جامد ، نصّ عليه في التسهيل ، وموضعها مع ما نصب بلا خلاف ، فقيل : على الحالية ، قال ابن مالك فوقعت الحال معرفة لتأوّلها بنكرة ، قال ابن هشام : والتأويل خالين عن زيد ومتجاوزين زيدا.

__________________

(١) حماد بن سلمة أحد رجال الحديث ، ومن النحاة ، كان حافظا ثقة مأمونا ، إلا أنّه لمّا كبر ساء حفظه ، مات سنة ١٦٧ ه‍. الأعلام للزركلي ، ٢ / ٣٠٢.

(٢) أبو الدرداء عويمر بن مالك بن قيس صحابيّ ، كان من العلماء الحكماء ، وهو أحد الّذين جمعوا القرآن ، روى عنه أهل الحديث ١٧٩ حديثا ، مات سنة ٣٢ ه‍. المصدر السابق ، ٥ / ٢٨١. وما وجدت هذا الحديث.

(٣) المزهر في اللغة للسيوطي المتوفى سنة ٩١١ ه‍. كشف الظنون ٢ / ١٦١٠.

(٤) لم يسمّ قائله. اللغة : الندامي : جمع ندمان ، وأصله الّذي يجالسك على الشراب ، ثمّ قد يعمّ كل صاحب ، والنديم بمعناه ، مولع : مغرم.

٤٠٤

فإن قلت : خلا يتعدّي إذا كان بمعنى جاوز ، قالوا : افعل هذا وخلاك ذمّ ، فينبغي التأويل بخالين زيدا ، قلت : قال الرضيّ (ره) خلا في الأصل لازم يتعدّى إلى المفعول بمن ، نحو : خلت الدار من الأنيس ، وقد يضمن معنى جاوز ، فيتعدّي بنفسه ، كقولهم : افعل هذا وخلاك ذمّ ، والزموا هذا التضمين في باب الاستثناء ، ليكون ما بعدها في صورة المستثنى بإلا الّتي هي أمّ الباب ، انتهى ، فتدبّر.

وقيل : على الظرفيّة الزمانيّة على تقدير المضاف ، أي خلوّهم أو وقعت عدائهم زيدا ، وقال ابن خروف والشلوبين على الاستثناء ومعنى قاموا ما عدا أو خلا زيدا قاموا غير زيد ، قال ابن هشام : وهو غلط ، لأنّ معنى الاستثناء قائم بما بعدهما ، والمنصوب على معنى لا يليق ذلك المعنى بغيره ، انتهى.

وما تقرّر من وجوب النصب بعدهما هو مذهب الجمهور ، وزعم الكسائيّ والجرميّ والربعيّ والفارسيّ وابن جنيّ أنّه قد يجوز معها الجرّ على تقديرهما حرفي جرّ وتقدير ما زائدة.

قال في المغني : فإن قالوا ذلك قياسا ففاسد ، لأنّ ما لا تزاد قبل الجارّ بل بعده ، نحو : (عَمَّا قَلِيلٍ) [المومنون / ٤٠] ، وان قالوا ذلك سماعا فهو من الشذوذ ، بحيث لا يقاس عليه ، انتهى ، وقد حكاه الجرميّ عن العرب.

تنبيهات : الأوّل : اقتصاره على ذكر ما مع عدا وخلا يفهم أنّه لا يجوز دخولها على حاشا الاستثنائيّة ، وهو الّذي نصّ عليه سيبويه خلافا لبعضهم ، وأمّا قوله [من الوافر] :

٣٩٤ ـ رأيت النّاس ما حاشا قريشا

فإنّا نحن أفضلهم فعالا (١)

فنادر ، قال به ابن مالك لمكان السماع ، واستدلّ عليه أيضا بما وقع في مسند أبي أمية الطرسوسي (٢) عن ابي عمر (٣) قال : قال رسول الله (ص) : أسامة أحبّ الناس إلى ما حاشا فاطمة (٤). وردّه ابن هشام بأنّ هذا مبنيّ على ما توهّمه من أنّ ما حاشا فاطمة من كلامه (ص) ، وهو غلط ، بل هو من كلام الروايّ ، والمعنى أنّه (ص) لم يستثن فاطمة ، ويدلّ عليه أنّ في معجم الطبرانيّ (٥) ما حاشا فاطمة ولا غيرها ، انتهى.

__________________

(١) البيت للأخطل.

(٢) لعلّه بن أحمد بن محمد الطرسوسي من كبار مشايخ القرن الرابع لقّب بطاووس الحرمين ، توفي سنة ٣٧٤ ه‍ بمكة. ريحانة الأدب ٤ / ٥١.

(٣) لم أقع على ترجمة له.

(٤) ما وجدته في كتب الحديث ، رغم أنه جاء في الكتب النحوية.

(٥) المعجم الكبير والصغير والأوسط في الحديث للإمام أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني المتوفى سنة ٣٦٠ ه‍ ق. كشف الظنون ٢ / ١٧٣٧.

٤٠٥

ووجه الاستدلال بهذا أنّ لا زائدة بعد الواو لتوكيد النفي ، فيتعيّن حينئذ أن تكون ما نافية لا مصدريّة ، كما توهّم ابن مالك ، ويكون هذا من كلام الراويّ ، ومقوله (ص) : هو أحبّ الناس إلى. قال الدمامينيّ : وهذا ليس بقاطع ، إذ يحتمل أن تكون لا نافية ، وغيرهما منصوبا بمحذوف لا معطوفا على فاطمة. والمعنى لا استثني غيرها ، فيكون من كلامه (ع) ، ولا تعارض حينئذ بين رواية الطبرانيّ وتلك الرواية المتقدّمة.

الثاني : قال أبو حيّان وغيره : الأفعال الّتي يستثني بها لا تقع في المنقطع.

حكم المستثنى بغير : «و» المستثنى «بغير» ، وهي اسم ملازم للإضافة في المعنى ، ويجوز أن تقطع عنها لفظا ، إن فهم معناها ، وتقدّمت عليها كلمة ليس أو لا خلافا لابن هشام في منع وقوعها بعد لا وقد تقدّم الرّدّ عليه ، فليراجع.

يقال : قبضت عشرة ليس غيرها ، برفع غير على حذف الخبر أي مقبوضا ، وبنصبها على إضمار الاسم أيضا أي ليس المقبوض غيرها. وليس غير بالفتح من غير تنوين على إضمار الاسم أيضا ، وحذف المضاف إليه لفظا ونيّة ثبوته وليس غير بالضمّ من غير تنوين (١).

وقال المبرّد والمتأخّرون : إنّها ضمّة بناء لا إعراب ، وإنّ غير اشبهت بالغايات كقبل وبعد ، فعلى هذا يحتمل أن يكون اسما وأن يكون خبرا.

وقال الأخفش ، ضمّة إعراب لا بناء ، لأنّه ليس باسم زمان كقبل وبعد ، ولا مكان كفوق وتحت ، وعلى هذا فهو الاسم وحذف الخبر. وقال ابن خروف : يحتمل الوجهين ، وليس غيرا بالفتح والتنوين ، وليس غير بالضمّ والتنوين ، وعليهما فالحركة إعرابية ، لأنّ التنوين إمّا للتمكين ولا تلحق إلا المعربات ، وإمّا للتعويض ، فكأنّ المضاف إليه مذكور ، قاله ابن هشام في المغني.

والأصل في غير المضافة لفظا أن توصف بها النكرة نحو : (نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) [فاطر / ٣٧] ، أو معرفة كالنكرة نحو : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) [الحمد / ٦] ، فإنّ موصوفها وهو الّذين جنس لا قوم بأعيانهم ، وقد تخرج إلا عن الصفة وتضمّن معنى إلا ، فيستثني بها حملا عليها ، كما تخرج إلا عن الاستثناء ، وتضمّن معنى غير ، فيوصف بها وبتاليها جمع منكر ، نحو : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء / ٢٢] ، أي غير الله ، أو معرف بأل الجنسية ، كقوله [من الطويل] :

__________________

(١) سقطت «وليس غير بالضمّ من غير تنوين» في «ح».

٤٠٦

٣٩٥ ـ أنيخت فألقت بلدة فوق بلدة

قليل بها الأصوات إلا بغامها (١)

أي غير غامها أو شبه الجمع المنكر كقوله [من البسيط] :

٣٩٦ ـ لو كان غيري سليمى اليوم غيّره

وقع الحوادث إلا الصّارم الذكر (٢)

أي لو كان غيرى غير الصارم الذكر غيّره وقع الحوادث.

وتفارق إلا هذه غيرا بأنّه لا يجوز حذف موصوفها ، لا يقال : جاءني إلا زيد ، ويقال : جاءني غير زيد ، وبأنّه لا يوصف بها إلا حيث يصحّ الاستثناء بها فلا يصحّ عندي درهم إلا جيّد ، ويجوز : درهم غير جيّد.

«وسوى» بلغاتها ، فإنّه يقال : سوى كرضي ، وهي أشهرها ، وسوى كسما ، وسوى كهدي ، وسواء ككساء ، وهي أغربها ، وقلّ من ذكرها ، وممّن نصّ عليها ابن العلج وابن الخباز وابن عطية (٣) والفارسيّ.

قال ابن هشام في شرح اللمحة : والّذي يظهر من كلام النّحويّين أنّ الاستثناء بهذه اللغات مسموع ، وزعم ابن عصفور في شرح الجمل الصغير أنّه لم يشرب من هذه اللغات معنى الاستثناء إلا سوى المكسورة السين يعني المقصورة ، فإنّه هو وأكثرهم لم يذكروا الكسر مع المدّ. قال : فإن استثني بما سواها فبالقياس عليها ، انتهى.

قلت : وهي دعوى لم يقم عليها دليل ، وممّن نصّ على التسوية بينهما الزجّاج في الجمل وابن بابشاذ في شرحه. قال الزجاج : وأمّا سوى وسوى وسواء فإنّها تخفض على كلّ حال. وقال ابن بابشاذ في الشرح : وسوى وسوى وسواء يستثني بها كما يستثني بغير ، انتهى.

إعراب غير : «مجرور» وجوبا «بالإضافة» أي بإضافة المستثنى إليهما ، «وتعرب غير» بالاجماع إعراب المستثنى بإلا ، أي مثل اعرابه على التفضيل السابق فيه ، فتقول : قام القوم غير زيد. وما قام غير زيدا أحد ، بالنصب في الموضعين ، كما تقول : قام القوم إلا زيدا أو ما قام إلا زيدا أحد ، وتقول : ما قام غير زيد بالرفع ، كما تقول : ما قام إلا زيد. وتقول ما في الدار أحد غير حمار بالنصب وجوبا على لغة الحجازيّين. وبه أو بالرفع على لغة التميميّين ، كما تقول : ما في الدار أحد إلا حمارا بالنصب ، وجوبا على لغة أولئك ، و

__________________

(١) البيت لذي الرّمة. اللغة : انيخت : مجهول من أناخ أي أبركه ، ألقت : طرحت وأراد ببلدة الأولى صدرها وبالثانية الأرض ، البغام : إصاخه النافة بأرخم صوتها.

(٢) هو للبيد بن ربيعة العامري. اللغة : الصارم : السيف القاطع ، الذكر : أجود الحديد.

(٣) عبد الحق بن غالب بن تمام بن عبد الرؤوف بن عبد الله بن تمام بن عطية الغرناطيّ كان نحويّا لغويّا أدبيا وألّف : تفسير القرآن العظيم توفّي سنة ٥٤٦ ه‍ ق. بغية الوعاة ٢ / ٧٣.

٤٠٧

به أو بالرفع على لغة هولاء ، وتقول : ما زاد هذا المال غير النقص بالنصب وجوبا في لغة الجميع ، كما تقول : ما زاد هذا المال إلا النقص.

كذلك واختلف في ناصبها إذا وقعت منصوبة في غير تفريغ ، فقال ابن خروف : هو ما قبلها ، كما في الاسم الّذي بعد إلا ، وجعل ذلك دليلا على أنّه الناصب لما بعد إلا لا بإلا ، لأنّ إلا قد عدمت مع غير ، ووجد النصب ، واختاره ابن عصفور.

وقال الفارسيّ على الحال من المستثنى منه ، وفيهما معنى الاستثناء ، وصحّ ذلك ، لأنّ غيرا لا تتعرّف بالإضافة ، واختاره ابن مالك وقيل : على التشبيه بظرف المكان بجامع الإبهام واختاره ابن الباذش (١).

«وسوى كغير» معنى واعرابا «عند قوم» ، وهم الزجاجيّ وابن مالك ومن تبعهما ، وصحّح ابن مالك في أكثر كتبه هذا القول ، وبالغ في نصرته في شرح التسهيل مستدلّا بشواهد من الحديث وغيره نظما أو نثرا.

قال أبو حيّان : ولا سلف له في ذلك إلا الزجاجيّ ، ولا حجّة له في الشواهد الّتي استشهد بها ، أمّا الحديث فلما تقرّر غير مرّة لا يصحّ الاستشهاد به على القواعد النحويّة لاحتمال كونه مروى ا بالمعنى أو لحنا من الرّاويّ ، وأمّا الشعر فضرورة ، قال : وأقوي ما استدلّ به ما حكاه الفرّاء من قول بعض العرب : أتاني سواك ، وهو من الشذوذ بحيث لا يقاس عليه ، انتهى.

قال بعضهم : والاستشكال بما حكاه الفرّاء ليس ممّا نحن فيه ، فإمّا أن يقصد أنّ الخلاف لا يختصّ بحالة ، أو يقال : إنّه استثناء مفرّغ بالتأويل ، ويكون المعنى لم يتخلّف سواك ، فيكون ممّا نحن فيه ، انتهى.

الاستشهاد بالأحديث في النحو : فائدة : لأبي حيّان مع ابن مالك في الاستشهاد بالأحاديث مناقشة طويلة ، فإنّه قال في شرح التسهيل : لهج المصنّف ، يعني ابن مالك في تصانيفه كثيرا بالاستدلال بما وقع في الحديث في إثبات القواعد الكليّة في لسان العرب ، وما رأيت أحدا من المتقدّمين والمتأخّرين سلك هذه الطريقة غيره على أنّ الواضعين لعلم النحو الأولين كأبي عمر وعيسى بن عمرو والخليل وسيبويه من البصريّين ومعاذ (٢)

__________________

(١) اثنان من النّحويّين هما معروفان بابن الباذش : أحدهما أحمد بن على بن أحمد المعروف بابن الباذش النحوّي ابن النحوّي ، عارف بالآداب والإعراب ، إمام نحويّ متقدّم. مولده سنة ٤٧١ ه‍ وتوفّي سنة ٥٤٠ ه‍. بغية الوعاة ١ / ٣٣٨. والآخر على بن أحمد بن خلف وله : شرح كتاب سيبويه والمقتضب وشرح اصول ابن السراج وشرح الايضاح ، شرح الجمل. المصدر السابق ٢ / ١٤٢.

(٢) معاذ الهراء (ت ٨٠٣) : لغوي من أهل الكوفة ، يقال أنّه هو الّذي وضع علم الصرف ، المنجد في الأعلام. ص ٥٣٦.

٤٠٨

والكسائي والفرّاء وعلى بن المبارك الأحمر (١) وهشام الضرير (٢) من الكوفيّين لم يفعلوا ذلك.

وتبعهم على ذلك المتأخّرون من الفريقين وغيرهم من نحاة الأقاليم كنحاة البغداد والأندلس ، وجرى الكلام في ذلك مع بعض الأذكياء فقال : إنّما تنكّبت العلماء ذلك لعدم وثوقهم بأنّ ذلك لفظ النبي (ص) لأمرين :

أحدهما : إنّ الراوة جوّزوا النقل بالمعنى ، فلهذا نجد القصّة ، قال فيها لفظا واحدا ، فنقل بألفاظ بحيث نجزم بأنّه (ص) لم يقل جميعها ، نحو ما روى من قوله (ص) : زوّجتكها بما معك من القرآن (٣) ، أمسكها بما معك ، خذها بما معك ، وغير ذلك ممّا ورد من ذلك ، فيعلم قطعا أنّه لم يلفظ بالجميع بل لا يجزم بالبعض ، بل يجوز أنّه قال : لفظا غيرها مرادفا لها ، لا سيّما مع تقادم الزمان والاتّكال على الحفظ ، فالضابط منهم من ضبط المعنى ، وأمّا من ضبط اللفظ فبعيد ، لا سيّما في الأحاديث الطوال (٤) الّتي لم يسمعها الرواة إلا مرّة.

الثاني : أنّه وقع اللحن كثيرا في الحديث ، لأنّ كثيرا من الرواة كانوا غير عرب بالطبع ، ولا يعلمون لسانهم بصناعة النحو ، ورسول الله (ص) كان أفصح الناس ، وإذا تكلّم بلغة غير لغة أهله ، فإنّما ذلك مع أهل تلك اللغة على طريق الإعجاز وتعلى م الله تعالى. ثمّ قال : والمصنّف أكثر من الاستدلال بما في الأثر متعقّبا بزعمه على النّحاة ، وما أمعن النظر في ذلك ، ولاصحب من له التمييز في هذا الفن ، ولذلك يضعف استنباطه من كلام سيبويه ، انتهى.

وأجاب بعضهم بالمعارضة بأنّ تطرّق الاحتمال الّذي يوجب سقوط الاستدلال بالحديث ثابت في أشعار العرب وكلامهم ، فيجب أن لا يستدلّ بها أيضا ، وهو خلاف الإجماع ، قال : والاستدلال بالحديث أنّما يسقط إذا أثبت المنكر أنّ الحديث المستدلّ به ليس من لفظه (ع) ، وإن لفظه كان كذا ، وأنّ الراويّ غيره ، انتهى.

__________________

(١) علي بن المبارك المعروف بالأحمر شيخ العربية وصاحب الكسائي أحد من اشتهر بالتقدّم في النحو وحافظ أربعين ألف شاهد في النحو. مات سنه ١٩٤ ه‍ ق ، بغية الوعاة ٢ / ١٥٩.

(٢) هشام بن معاوية الضرير أبو عبد الله النحويّ الكوفيّ ، صنف : مختصر النحو ، الحدود ، القياس ، توفي سنة ٢٠٩ ه‍ ق. المصدر السابق ص ٣٢٨.

(٣) الترمذي ، ٥ / ٥٩٩ ، رقم ٣٧٣١.

(٤) سقط الطوال في «س».

٤٠٩

وأجاب الشيخ سراج الدين البلقينيّ (١) بأنّ ابن مالك لا يذكر ما يذكره من الأحاديث للإثبات ، بل للاعتضاد بأنّه يجد الشواهد من كلام العرب لما يقوله فيأتي بالحديث للاعتضاد لا لإثبات قاعدة نحويّة بمجرّد ذلك.

وأجاب ابن خلدون بأجوبة أحسنها أنّ تدوين الأحاديث كان في الصدر الأوّل قبل فساد العربيّة ، فالتبديل على تقدير ثبوته أنّما كان ممّن يسوغ الاحتجاج بكلامه ، وغايته تبديل لفظ يصحّ الاحتجاج به بلفظ كذلك ، انتهى. وبقي للبحث مع أبي حيّان مجال لا يتّسع له المقام.

«وظرف» للمكان بمعنى وسط غير متصرّف «عند» قوم «آخرين» ، وهم سيبويه والجمهور ، واستدلّوا بوصل الموصول بها ، نحو : جاء الّذي سواك ، فليست سوى هاهنا بمعنى غير ، لأنّ غيرا لا تدخل هاهنا إلا والضمير قبلها. يقولون : جاء الّذي هو غيرك ، فلمّا وصلوا سوى بغير ضمير ادّعي أنّها ظرف ، والتقدير جاء الّذي استقّر مكانك.

قالوا : ولا تخرج من النصب على الظرفيه إلا في الشعر كقوله [من الهزج] :

٣٩٧ ـ ولم يبق سوى الع ...

دوان دنّاهم كما دانوا (٢)

وصحّح هذا القول ابن الحاجب وابن مالك في سبك المنظوم مصرّحا بتضعيف القول بأنّها كغير ، وذهب الرمانيّ وأبو البقاء العكبري إلى أنها تستعمل ظرفا كثيرا وغير ظرف قليلا ، وقال ابن هشام في الأوضح : وإلى هذا أذهب ، وقال المبرّد : إنّه أقرب الأقوال ، ففي المسألة ثلاثة أقوال.

أدوات الاستثناء : تنبيه : تلخّص أنّ أدوات الاستثناء أربعة أنواع : حرف دائما ، وهو إلا ، واسم دائما وهو غير وسوى ، وفعل دائما ، وهو ليس ولا يكون ، ومتردّد بين الفعلية والحرفيّة ، وهو خلا وعدا وحاشا. وقد ذكروا أيضا من أدواته بيد بفتح الباء الموحدة وميد بإبدالها ميما ، وهي في الاستثناء المنقطع مضافا إلى أن وصلتها ، ومنه الحديث : نحن الأخرون السابقون بيد أنّهم أوتوا الكتاب من قبلنا (٣).

__________________

(١) عمر بن رسلان البلقيني سراج الدين ، مجتهد حافظ للحديث ، من كتبه «التدريب» و «تصحيح المنهاج» و... مات سنة ٨٠٥ ه‍ ق. الأعلام للرزكلي ، ٥ / ٢٠٥.

(٢) هو للفند الزماني (شهل بن شيبان) من كلمة يقولها في حرب البسوس ، اللغة : دنّاهم : جازيناهم وفعلنا بهم مثل الّذي فعلوا بنا من الإساءة.

(٣) يروى نحن الأخرون السابقون يوم القيامة ... صحيح البخاري ، ١ / ٤٠٩ ، رقم ٨٢٥. وصحيح مسلم ، ٢ / ٨ برقم ٢١.

٤١٠

وفي مسند الشافعي بايد أنّهم. وفي الصحاح بيد بمعنى غير ، يقال : إنّه كثير المال بيد أنّه بخيل ، وفي المحكم (١) أنّ هذا المثال حكاه ابن السكيت ، وأنّ بعضهم فسّرها بمعنى على ، وأنّ تفسيرها بمعنى غير أعلى ، انتهى.

وقد تستعمل بمعنى من أجل ، ومنه الحديث : أنا أفصح من نطق بالضاد ، بيد أنّي من قريش ، واسترضعت في بني سعد بن بكر (٢). قال ابن مالك وغيره : إنّها هنا بمعنى غير أيضا على حدّ قوله [من الطويل] :

٣٩٨ ـ ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم

بهنّ فلول من قراع الكتائب (٣)

وأنشد أبو عبيدة على مجيئها بمعنى من أجل قوله [من الرجز] :

٣٩٩ ـ عمدا فعلت ذلك بيد أنّي

أخاف إن هلكت أن ترنّي (٤)

والمشهور أنّها اسم مطلقا ، وقال ابن مالك في التوضيح : والمختار عندي في بيد أن تجعل حرف استثناء ، انتهى. وقال الدمامينيّ : ولم يقم دليل ظاهر على الاسميّة ، انتهى.

وعدّوا من أدواته أيضا ، سيّما بعد لا ، فما بعدها مستثني عند الكوفيّين والنحاس والزجّاج والفارسيّ ، ومنع بعضهم كونه مستثني وكونها من أدوات الاستثناء ، وقد مرّ الكلام على ذلك في شرح الديباجة مستوفيا ، وقد يليها ظرف ، كقولك : يعجبني الاعتكاف لا سيّما عند الكعبة ، ولا سيّما إذا قرب الصبح ، ومنه قوله [من الطويل] :

٤٠٠ ـ يسرّ الكريم الحمد لا سيّما لدي

شهادة من في خيره يتقلّب (٥)

أو جملة فعلية كقوله [من المتقارب] :

٤٠١ ـ فق النّاس في الخير لا سيّما

ينيلك من ذي الجلال الرّضا (٦)

أو جملة شرطيّة كقول [من الطويل] :

٤٠٢ ـ أري النيك يجلوا الهمّ والغمّ والعمى

ولا سيّما إن نكت بالمرس الضّخم (٧)

وقد يحذف ما بعدها ، وينقل من معناها الأصليّ إلى معنى خصوصا ، فتكون منصوبة المحلّ على أنّه مفعول مطلق مع بقاء النصب الّذي كان لها في الأصل ، حين

__________________

(١) المحكم والمحيط الأعظم في اللغة لابن سيدة اللغوي المتوفى سنه ٤٥٨ ه‍ ق. كشف الظنون ٢ / ١٦١٦.

(٢) هذا الحديث مع كثرة شهرته في الكتب النحويّة لا يوجد في كتب الحديث.

(٣) هو للنابغة الذبياني. اللغة : الفلول : جمع فل : وهو كسر في حدّ السيف ، القراع : المضاربة ، الكتائب : جمع كتيبه ، وهي الطائفة المجتمعة من الجيش.

(٤) لم يسمّ قائله. اللغة : ترنيّ : من الرنين بمعنى الصوت.

(٥) لم يسمّ قائله.

(٦) لم يسمّ قائلة. اللغة : فق : أمر مخاطب من فاق ا الشيء : علاه ، ويقال : فاق أصحابة : فضلهم وصار خيرا منهم.

(٧) لم يسمّ قائله. اللغة : المرس : جمع المرسة : الحبل.

٤١١

كانت اسم لا التبرئة ، فإذا قلت : أحبّ زيدا ولا سيّما راكبا أو على الفرس ، فهي بمعنى وخصوصا راكبا ، فراكبا حال من مفعول الفعل المقدّر ، أي : وأخصّه بزيادة المحبّة خصوصا راكبا ، وكذا في لا سيّما وإن ركب ، أي : خصوصا إن ركب ، خصّه بزيادة المحبّة وفي لا سيّما وهو راكب ، والواو للحال.

ومنع بعضهم من هذا التركيب وقال : إنّه غير عربيّ ، بل من كلام المولّدين ، وقد تخفّف الياء من لا سيّما كقوله [من البسيط] :

٤٠٣ ـ فه بالعقود وبالأيمان لا سيّما

عقد وفاء به من أعظم القرب (١)

وهل المحذوف الياء الأولى ، وهي العين ، أو الثانية ، وهي اللام؟ خلاف اختار ابن الجنيّ الثاني ، وأبو حيّان الأوّل ، وقد يقال : لا سواء ما مقام لا سيّما.

باب الاشتغال

ص : الثاني : المشتغل عنه العامل ، إذا اشتغل عامل عن اسم مقدّم بنصب ضميره أو متعلّقه كان لذلك الاسم خمس حالات :

* فيجب نصبه بعامل مقدّر ، يفسّره المشتغل إذا تلي ما لا يتلوه إلا فعل كأداة التخصيض ، نحو : هلّا زيدا أكرمته ، وكأداة الشرط ، نحو : إذا زيدا لقيته فأكرمه.

* ورفعه بالابتداء إذا تلي ما لا يتلوه إلا اسم : كإذا الفجائيّة ، نحو : خرجت فإذا زيد يضربه عمرو ، أو فصّل بينه وبين المشتغل ما له الصدر ، نحو : زيد هل رأيته.

* ويترجّح نصبه إذا تلي مظأنّ الفعل ، نحو : أزيدا ضربته ، أو حصل بنصبه تناسب الجملتين في العطف ، نحو : قام زيد وعمرا أكرمته ، أو كان المشتغل فعل طلب ، نحو : زيدا اضربه.

* ويتساوى الأمران إذا لم تفت المناسبة في العطف على التقديرين ، نحو : زيد قام وعمرا أكرمته. فإن رفعت فالعطف على الاسميّة ، أو نصبت فعلى الفعلية.

* ويترجّح الرفع فيما عدا ذلك لأولويّة عدم التقدير ، نحو : زيد ضربته.

ش : الثاني ممّا يرد منصوبا وغير منصوب «المشتغل عنه العامل» ، وهو اسم بعده عامل متصرّف ناصب لضميره أو متعلّقه بواسطة أو غيرها ، ويكون ذلك العامل بحيث

__________________

(١) لم يسمّ قائله. اللغة : فه : فعل أمر من وفي ، والهاء للسكت وإثباتها في الوصل ضرورة.

٤١٢

لو فرغ من ذلك المعمول وسلّط على الاسم لنصبه ، إذا تقرّر هذا فنقول : «إذا اشتغل عامل» فعلا كان أو ما يعمل عمله.

قال ابن الصائغ : ولا يدخل في هذا الباب إلا اسم الفاعل والمفعول دون الصفة المشبهة والمصدر واسم الفعل والحرف ، لأنّه لا يعمل شيء منها فيما قبله عن نصب اسم متقدّم عليه «بنصب ضميره» ، أي ضمير ذلك الاسم ، بمعنى أنّ العامل لم ينصب الاسم المقدّم عليه بسبب نصبه لضميره «أو متعلّقه» ، أي متعلّق الاسم أو متعلّق ضميره ، فلولا ذلك لعمل فيه ، فيفهم منه أنّه ليس هناك مانع لفظيّ أو معنويّ ، بل هو بحيث لو سلّط عليه ، ولم يشتغل بما ذكر لنصبه مع بقاء المعنى الحاصل بالرفع لا محالة.

فظهر أنّه لا حاجة إلى ما زاده ابن الحاجب في الكافية من قول بحيث لو سلّط عليه هو أو مناسبه لنصبه (١) ، والتعلّق يكون بوجوه كثيرة ككون الاسم مضافا إليه ، نحو : زيدا ضربت غلامه ، ومنه نحو : زيدا ضربت عمرا وأخاه ، لأنّ الفعل مشتغل بالمضاف ، لكن بواسطة العطف أو موصوفا لعامل ذلك الضمير أو موصولا له ، نحو : زيدا ضربت رجلا يحبّه ، وزيدا ضربت الّذي يحبّه ، أو معطوفا عليه موصوف عامل الضمير ، أو موصوله ، نحو : زيدا لقيت عمرا ورجلا يضربه ، وزيدا لقيت عمرا والّذي يضربه أو غير ذلك من المتعلّقات. وضابط التعلّق أن يكون ضمير المنصوب من تتمّة المنصوب بالمفسّر ، قاله الرضيّ.

حالات الاسم المشتغل عنه : «كان لذلك الاسم» المشتغل عنه العامل «خمس حالات» : وجوب نصبه ، ووجوب رفعه ، ورجحان نصبه على رفعه ، وتساوي الأمرين ، ورجحان رفعه على نصبه.

«فيجب نصبه بعامل مقدّر» وجوبا «يفسّره» العامل «المشتغل» عنه بنصب ضميره أو متعلّقه ، ولذلك وجب تقديره ، لأنّ المفسّر المتأخّر عوّض عنه ، ولا يجمع بين العوض والمعوّض ، ويجب أن يكون مقدّما على الاسم ، لئلّا يلزم مخالفة الأصل من وجهين : الحذف ووضع الشيء في غير محلّه ، إلا أن يمنع مانع ، فيقدّر مؤخّرا ، نحو : أيّهم رأيته ، إذ لا يعمل في الاستفهام ما قبله ، ولكون المفسّر المذكور دليلا على المقدّر كأنّ الأصل أن يكون المقدّر من لفظ المفسّر ، ومعناه كزيدا ضربته أي ضربت زيدا ضربته (٢) ، إلا إذا حصل مانع صناعيّ ، كما في زيدا مررت به ، أو زيدا حبست عليه ، أو معنويّ ، كما في

__________________

(١) من فظهر حتى هنا سقطت في «س».

(٢) سقط ضربته في «ح».

٤١٣

زيدا ضربت غلامه ، فيقدّر ما يناسبه بالترادف أو باللزوم ، إذ تقدير المذكور يقتضي في الأولين تعدّي القاصر بنفسه ، وفي الثالث خلاف الواقع إذ الضرب لم يقع بزيد ، فوجب أن يقدّر في الأوّل جاوزت ، لأنّ مررت بعد تعديته بالباء بمعنى جاوزت ، وفي الثاني لابست ، لأنّ حبس الشيء يستلزم ملابسته للمحبوس عليه ، وفي الثالث أهنت ، فإنّ ضرب الغلام يستلزم إهانة سيده بحسب العادة.

قال ابن هشام : وليس المانعان مع كلّ متعدّ بالحرف ، ولا كلّ سييّ ، ألا ترى أنّه لا مانع في نحو : زيد شكرت له ، لأنّ شكر يتعدّي بالجارّ وبنفسه ، ونحو : يوم الجمعة صمت فيه ، لأنّ العامل لا يتعدّي إلى ضمير الظرف بنفسه ، مع أنّه يتعدّي إلى الظاهر بنفسه ، وكذلك لا مانع في زيد أهنت أخاه ، لأنّ إهانة أخيه إهانة له بخلاف الضرب ، انتهى.

تنبيه : ما ذهب إليه من أنّ الناصب عامل مقدّر هو مذهب البصريّين والجمهور ، وقيل : هو العامل المذكور ، وهو مذهب الكسائيّ وتلميذه الفرّاء ، ثمّ اختلفا ، فقال الكسائيّ : هو عامل في الظاهر ، والضمير ملغي ، وقال الفرّاء : عامل فيهما ، لأنّهما في المعنى كشيء واحد ، ويرد عليهما أزيدا مررت به.

وإنّما يجب نصبه «إذا تلا ما لا يتلوه إلا فعل كأدوات التحضيض» بحاء مهملة وضادّين معجمتين ، وهي أربعة : هلّا بتشديد اللام ، وهي أشهرها ، ولذلك مثّل بها فقال : «نحو هلّا زيدا أكرمته» ، إلا بتشديد اللام أيضا ، ولو لا ولوما.

وإنّما قال : كأدوات التحضيض لعدم انحصاره ما يتلوه إلا فعل فيهما ، إذ مثّلها أدوات الاستفهام غير الهمزة ، نحو : هل زيدا رأيته؟ ومتى عمرا لقيته؟ وأدوات الشرط غير أمّا ، نحو : إن زيدا لقيته فأكرمه ، إلا أنّ هذين النوعين أعني أدوات الاستفهام والشرط ، لا يقع الاشتغال بعدهما إلا في الشعر ، وأمّا في النثر فلا يليها إلا صريح الفعل ، فلا يجوز : متى عمرا لقيته؟ وحيثما زيدا لقيته فأكرمه ، إلا إذا كانت أداة الشرط إذا مطلقا ، أو إن ، والفعل ماض ، فيقع في نثر الكلام ، «نحو : إذا زيدا لقيته أو تلقاه فأكرمه» ، وإن زيدا لقيته فأكرمه ، ويمتنع في نثر الكلام (١) إن زيدا تلقه فاكرمه ، ويجوز في الشعر ، قاله في الأوضح.

تنبيهات : الأوّل : قيل : عبارة المصنّف أولى من عبارة ابن الحاجب في الكافية ، حيث قال : ويجب النصب بعد حرف الشرط وحرف التحضيض لوجهين : الأوّل لشمولها

__________________

(١) سقطت «يمتنع في نثر الكلام» في «ح».

٤١٤

ظرف الزمان المستقبل ، نحو : آتيك يوم زيدا تلقاه ، والثاني لخروج أمّا عنها ، وهي من حروف الشرط ، ولا يجب النصب بعدها.

الثاني : إنّما استثنيت الهمزة من أدوات الاستفهام ، لأنّها قد تلي الفعل لما سيأتي ، وإمّا من أدوات الشرط ، لأنّ شرطها فعل لازم واجب الحذف غير مفسّر بشيء ، فلا يكون من هذا الباب ، وتقديره إمّا يكن من شيء ، قاله الرضي.

الثالث : قد يضمر مطاوع الظاهر ، فيرفع الاسم ، كقوله [من الكامل] :

٤٠٤ ـ لا تجزعي إن منفسا أهلكته

وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي (١)

التقدير إن هلك منفس أهلكته ، لأنّ هلك مطاوع أهلكته ، يقال : أهلكته فهلك ، ويروى إن منفسا أهلكته ، بالنصب على تقدير أهلكته منفسا أهلكته.

الرابع : ذهب الكوفيّون إلى جواز دخول إذا في الجملتين الفعلية والاسميّة ، إذا كان الخبر فعلا كإذ ، وعن الأخفش والكسائيّ موافقتهم فيهما ، وفي أنّ أيضا بالشرط المذكور ، في الإرتشاف أن سيبويه يجيز أن يرتفع الاسم بالابتداء بعد إذا الشرطية ، وأدوات الشرط ، إذا كان الخبر فعلا ، وفي شرح الكافية للرضيّ إنّ الخلاف المذكور يطّرد في كلّ حرف لا يليه إلا الفعل ، كلو ، نحو : لو ذات سوار لطمتني ، وهلّا ، نحو : هلّا زيد قام ، فعلى هذا يجوز الرفع في المسائل المذكورة كلّها.

«و» يجب «رفعه بالابتداء إذا تلي ما لا يتلوه إلا اسم ، كإذا الفجائيّة» على الأصحّ «نحو : خرجت فإذا زيد يضربه عمرو» ، هذا ما ذكره ابن مالك والرضيّ ، وصحّحه ابن هشام بناء على أنّ إذا لا يليه إلا الجملة الاسميّة ، وبه صرّح المصنّف في حديقة المفردات.

ويقابل الأصح قولان : أحدهما : جواز النصب مطلقا ، قيل : وهو ظاهر كلام سيبويه ، وعليه مشي ابن الحاجب في كافيته ، قال ابن هشام : ومن العجب أنّه أجاز ذلك فيها مع قوله فيها في بحث الظروف ، وقد تكون للمفاجاة ، فيلزم المبتدأ بعدها ، انتهى.

الثاني : التفضيل ، وهو جواز النصب إن اقترن الفعل بقد ، ومنعه إن لم يقترن بها ، وهو مذهب الأخفش ، وتبعه ابن عصفور ، وذلك أنّ الأخفش نقل من العرب أنّ الفعل إذا كان مقرونا بقد ، جاز أن يقع بعد إذا الفجائيّة ، لأنّ العرب أجرت المقرون بقد مجرى الجملة الاسميّة في دخول واو الحال عليه.

__________________

(١) هو للنمر بن تولب. اللغة : المنفس : المال الكثير ، وهو الشيء النفيس الّذي يضنّ أهله به.

٤١٥

ووجّهه في المغني بأنّ التزام الاسميّة مع إذا هذه أنّما للفرق بينهما وبين إذا الشرطية المختصّة بالفعلية ، فإذا اقترنت بقد حصل الفرق بذلك ، إذ لا تقترن الشرطيّة بها ، وبنقل الأخفش المذكور ، خطّأ أبو حيّان ابن مالك في تخطئة سيبويه في تجويزه الاشتغال في نحو : خرجت فإذا زيد ضربه عمرو ، قال : بل يحمل كلامه على هذه الصورة الخاصّة ، وهي ما إذا اقترن الفعل بعدها بقد.

قال بعضهم : وعلى ذلك يحمل كلام ابن الحاجب أيضا في تجويزه الاشتغال بعدها ، وعلى هذا فيكون المراد في قوله في باب الظروف ، فيلزم المبتدأ بعدها اللزوم فيما إذا لم يكن بعدها قد ، وبذلك يندفع تعجّب ابن هشام وتغليط بعض شرّاح الكافية من جهلة العجم له ، كما يندفع على تقدير حمل اللزوم ثمّة على الغلبة ، كما وقع لبعض الشّرّاح ، أو على تقدير حمله على غير صورة الاشتغال ، كما وقع لبعض آخر ، ولقد تمثّلت على لسان ابن الحاجب عند وقوفي على تغليط هذا العجمي له بقول الشاعر [من الوافر] :

٤٠٥ ـ فلو أنّي بليت بهاشميّ

خوولته بنو عبد المدان

لهان على ما ألقى ولكن

تعالوا فانظروا بمن ابتلاني (١)

وإنّما قال المصنّف كإذا لعدم انحصار ما لا يتلوه إلا اسم فيها.

قال ابن هشام في الجامع الصّغير (٢) : ويجب الرفع في نحو : ليتما زيد أضربه ، لامتناع الفعل ، قال شارحه : وذلك بناء على أنّ ليت إذا دخلت عليها ما الحرفيّة لا تزيلها عن الاختصاص بالجمل الاسميّة ، فلو نصبت زيدا بفعل مضمر على الاشتغال لكنت قد أزلتها عن الاختصاص ، ولو نصبته على إعمالها ، وجعلت جملة «أضربه» خبرها جاز ، وأجاز ابن أبي الربيع انتصابه على الاشتغال (٣) ، كما في : إنّما زيدا أضربه بناء على زوال الاختصاص في المعنى ، والصواب انتصابه بليت ، لأنّه لم يسمع ليتما قام زيد ، كما سمع إنّما قام زيد ، انتهى.

«أو فصل بينه» أي الاسم «وبين» العامل «المشتغل» عنه «ما له الصدر» أي صدر الكلام ، لأنّه يمنع أن يعمل ما بعده فيما قبله لمنافاة ذلك الصدارة ، وذلك كالاستفهام والشرط والعرض والتحضيض وإنّ وأخواتها سوى أنّ المفتوحة فلا صدارة ، لكن لا يعمل ما بعدها فيما قبلها ، لكونه حرفا مصدريّا وكألا للتمنّي ولام الابتداء وكم وما وإن النافيتين ، نحو : زيد هل رأيته ، وزيد كم تضربه ، وزيد إن ضربته ضربك ، و

__________________

(١) لم يسمّ قائلها ، وجاء البيتان في مجمع الامثال في ضمن «لو ذات سوار لطمتني» اللغة : الخؤولة : جمع الخال.

(٢) الجامع الصغير في النحو لجمال الدين عبد الله بن يوسف بن هشام النحوي المتوفى سنة ٧٦٣ ه‍. كشف الظنون ١ / ٥٦٤.

(٣) سقطت جملة أجاز ابن أبي الربيع انتصابه على الاشتغال في «س».

٤١٦

زيد من يضربه أضربه ، وزيد ألا تضربه ، وزيد هلّا ضربته ، وزيد إنّي ضربته ، وزيد ألا رجل يضربه ، وزيد لعمرو يضربه ، وزيد كم ضربته ، وزيد ما ضربته ، أو إن ضربته.

قال ابن مالك : وإجراء التحضيض والعرض والتمنّي بألا مجرى الاستفهام في منع تأثير ما بعدها في ما قبلها هو مذهب المحقّقين من العارفين بكتاب سيبويه ، وقد عكس قوم الأمر ، فجعلوا توسّط التحضيض وأخويه قرينة يرجّح بها النصب الاسم السابق ، وممّن ذهب إلى هذا أبو موسى الجزوليّ ، وهو ضدّ مذهب سيبويه.

تنبيهات : الأوّل : يجب رفع الاسم في مسائل أخر :

أحدها : أن يكون العامل صلة أو مشبها بها ، فالأوّل نحو : زيد الّذي ضربته ، لأنّ الصلة لا تعمل فيما قبل الموصول والثاني نحو : (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ) [القمر / ٥٢] ، وزيد يوم تراه يفرح ، فإنّ العامل في الأوّل صفة ، وفي الثاني مضاف إليه ، وكلّ منهما شبية بالصلة في تتميم ما قبله ، فالصفة لا تعمل في موصوفها ولا فيما أضيفت إليه ، والمضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف ، وما لا يعمل لا يفسّر عاملا.

الثانية : أن يكون العامل مسندا إلى الاسم المتقدّم المتّصل ، نحو : زيد ظنّه ناجيا بمعنى ظنّ نفسه ، فلا يجوز نصب الاسم بمقدر يفسّره العامل المشتغل لعدم صحّة عمله فيه ، إذ لا يوقع فعل فاعل مضمر متّصل على مفسّره الظاهر ، لأنّه يلزم منه تفسير المفعول الفاعل ، وهو ممتنع في جميع الأبواب ، أمّا لو رفع فالتركيب صحيح ، إذ ليس فيه إلا ايقاع فعل المضمر المتّصل ، وذلك جائز في باب ظنّ.

الثالثة : أن يكون العامل تإلى استثناء ، نحو : ما زيد إلا يضربه عمرو. قال الرضيّ : وذلك أنّ ما بعد إلا من حيث الحقيقة من جملة مستأنفة ، لكن صيّرت الجملتان في صورة جملة قصدا للاختصار ، فاقتصر على عمل ما قبل إلا فيما يليها فقط ، ولم يجوز عمله في ما بعد ذلك على الأصحّ ، فكيف يصحّ أن يعمل ما بعدها فيما قبلها ، ومثّل هذا العمل فيما هو جملة واحدة خلاف الأصل ، لأنّ الأصل في العامل أن يتقدّم على معموله ، انتهى.

الرابعة : أن يكون العامل جامدا ، نحو : زيدا ما أحسنه ، لأنّ الجامد لا يعمل فيما قبله.

[التنبيه] الثاني : قال ابن هشام وغيره : ليس من مسائل الباب ما يجب رفعه لعدم صدق حدّ المشتغل عنه العامل عليه ، لأنّه يعتبر فيه كما تقدّم أن يكون الاسم المتقدّم بحيث لو فرغ العامل من الضمير وسلّط عليه لنصبه ، وما يجب رفعه ليس بهذه الحيثيّة ، وإنّما ذكره من ذكره لتمام القسمة ، لا يقال فيشكل حينئذ عدّ المصنّف المشتغل عنه

٤١٧

العامل فيما يرد منصوبا وغير منصوب ، لأنّا نقول : جواز رفعه في بعض الصور يكفي في إدخاله في هذا النوع.

المواضع الّتي يترجّح فيها نصبه : «ويترجّح نصبه» بعامل مقدّر يفسّره العامل المشتغل على رفعه بالابتداء إن «تلا مظانّ الفعل» ، [المظانّ] جمع مظنّة بكسر الظاء ، وهي موضع ظنّ الشيء ومعدنه ، مفعلة من الظنّ ، وكان القياس فتح الظاء ، وإنّما كسرت لأجل الهاء ، قاله في النهاية ، والمراد مواقع الفعل الّتي لها مزيد اختصاص به ، وذلك بعد الهمزة الاستفهاميّة «نحو : أزيدا ضربته؟» فترجّح نصب زيدا بفعل محذوف يفسّره المذكور ، ولأنّ الغالب في الهمزة أن تدخل على الأفعال.

وإنّما لم يجب دخولها عليها كباقي أخواتها ، لأنّها أمّ الباب ، وهم يتوسّعون في أمهات الأبواب ما لم يتوسّعوا في غيرها ، وبعد ما أو لا أو إن النافية ، نحو : ما زيدا أو لا زيدا أو إن زيدا رأيته ، فترجّح النصب ، لأنهم شبّهوا أحرف النفي بأحرف الاستفهام في أنّ الكلام معها غير موجب ، وبعد حيث مجرّدة عن ما نحو : حيث زيدا تلقاه فأكرمه ، لأنّها تشبه أدوات الشرط ، فلا يليها في الغالب إلا فعل.

تنبيهات : الأوّل : إذا فصّلت الهمزة من الاسم فالمختار الرفع ، نحو : أأنت زيدا تضربه ، إلا في نحو : أكلّ يوم زيدا تضربه ، لأنّ الفصل بالظرف كلا فصل ، وقال ابن الطراوة : إن كان الاستفهام عن الاسم فالرفع [مختار] نحو : أزيد ضربته أم عمرو ، وحكم بشذوذ النصب في قوله [من الوافر] :

٤٠٦ ـ أثعلبة الفوارس أم رياحا

عدلت بهم طهيّة والخشابا (١)

وقال الأخفش : أخوات الهمزة كالهمزة في ترجيح النصب ، نحو : أيّهم زيدا ضربه؟ ومن أمة الله ضربها؟ قاله [ابن هشام] في الأوضح.

الثاني : ما ذكرناه من ترجّح النصب بعد حروف النفي المذكورة هو ما ذكره ابن مالك وابن عصفور ، وزعما أنّه مذهب الجمهور ، قيل : وظاهر قول سيبويه اختيار الرفع ، لأنّه قال بعد أن ذكر النصب فيه : وإن شيءت رفعت ، والرفع فيه هو الأقوي ، وقال الرضيّ : جعل سيبويه الرفع بعد حروف النفي أحسن منه بعد الهمزة ، وذلك لأنّ الجملة مع الهمزة تصير طلبيّة ، وكون الطلبيّة فعلية أولى إن أمكن ، ولا تصير مع حرف النفي طلبيّة ، انتهى.

__________________

(١) البيت لجرير. اللغة : طهية والخشاب قبيلتان أو حيان من تميم.

٤١٨

الثالث : غير حروف النفي الثلاثة كلم ولمّا ولن ، وليست مثلها ، إذ لا يقدر معمولها ، وهو الفعل لضعفها عن العمل ، فلا يقال : لم زيدا تضربه ، ولا لن بكرا تقتله إلا في الضرورة ، كقوله [من الطويل] :

٤٠٧ ـ ظننت فقيرا ذا غنيّ ثمّ نلته

فلم ذا رجاء ألقه غير واهب (١)

أراد فلم ألق ذا رجاء ألقه.

«أو حصل بنصبه تناسب جملتين في العطف» ، وذلك إذا كانت الجملة المعطوف عليها فعلية ، فينصب الاسم بفعل مقدّر يفسّره المذكور ، فتكون الجملة فعلية ، ويحصل تناسب الجملتين المتعاطفين ، «نحو : قام زيد وعمرا أكرمته» ، فيترجّح نصب عمرا على رفعه لحصول تناسب الجملتين به ، لأنّ تناسب الجملتين المعطوفة إحداهما على الأخرى أحسن من تخالفها ، كذا قالوا.

قال الدمامينيّ : وهذا ممّا يدلّ صريحا على جواز التخالف بالاسميّة والفعلية ، وقد حكى قولان في المسألة بخلاف ذلك ، الأوّل : المنع مطلقا ، حكى عن ابن جنيّ ، والآخر : أنّه يجوز في الواو فقط ، نقل ذلك أبو الفتح عن شيخه أبي على الفارسيّ في سرّ الصناعة (٢) ، انتهى. وقال ابن هشام في شرح اللمحة : وقضية القول بالمنع مطلقا إيجاب النصب هنا ، لكنّي لم أره منقولا عن أحد.

تنبيهات : الأوّل : جرت عادة النّحاة بأن يذكروا العطف على الفعلية من مرجّحات النصب بالنسبة إلى المعطوفة في باب الاشتغال ، كما ذكر ، ولم يذكروا مثل ذلك بالنسبة إلى المعطوف عليها في نحو : زيدا أكرمته وضربت عمرا ، ولا فرق ، نبّه عليه ابن هشام في المغني.

الثاني : إذا فصل العاطف من الاسم بأمّا ، نحو : ضربت زيدا وأمّا عمرو فأهنته ، ترجّح الرفع بالابتداء ، لأنّ أمّا تقطع ما بعدها عمّا قبلها لكونها من الحروف الّتي يبتدأ بها الكلام.

الثالث : حتى ولكن وبل كالعاطف فيما تقرّر ، نحو : ضربت القوم حتى زيدا ضربته ، وما رأيت زيدا ولكن عمرا رأيت أباه ، وما أكرمت زيدا بل عمرا أكرمته ، وإنّما لم يكن للعطف ، لأنّ الاسم المنصوب في باب الاشتغال لا بدّ أن يكون بعض جملة ،

__________________

(١) لم يسمّ قائله.

(٢) سر الصناعة وأسرار البلاغة لأبي على محمد بن حسن الحاتمي المتوفى سنة ٣٨٨ ه‍ ق. ولابن جنيّ أبي الفتح عثمان المتوفى سنة ٣٩٢ في الحروف المفرده. المصدر السابق ٢ / ٩٨٨.

٤١٩

وهي إنّما يعطف بها المفرد لا الجملة ، وهي هنا حروف ابتداء مترلة العاطف في إعطاء حكمه.

«أو كان» العامل «المشتغل فعل طلب» ، أي فعل يفهم معنى الطلب ، فإضافة الفعل إلى الطلب بهذا الاعتبار والمراد به هنا الأمر والنهي والدعاء ، «نحو : زيدا اضربه» ، وعمرا ليضربه بكر ، وخالدا لا تهن ، وبكرا رحمه الله ، ومنه : الأولاد ترضعهنّ الوالدات ، ممّا صورته صورة الخبر ، ومعناه الأمر ، وإنّما ترجّح النصب في ذلك ، لأنّ رفعه بالابتداء يستلزم الإخبار عنه بالجملة الطلبيّة ، والإخبار بها قليل في الاستعمال.

واعترض جواز الاشتغال قبل اللام ولا الطلبيّتين بأنّ ما بعدهما لا يعمل فيما قبلها قياسا ، فكيف جاز ذلك ، وأجاب ابن عصفور بأنهم أجروا الأمر باللام مجرى الأمر بغيرها ، وأجروا النهي بلا مجرى النفي بها.

تنبيه : يترجّح نصب الاسم على رفعه في مسائل أخر :

إحداها : أن يكون الاسم جوابا لاستفهام منصوب بما يليه ، كما إذا قيل : أرايت أحدا؟ أو أيّهم أو غلام أيّهم رأيت؟ فتقول : زيدا ، أو غلام زيد رأيت ، وذلك ليطابق الجواب السؤال في الجملة الفعلية.

الثانية : أن يوهم رفع الاسم وصفا مخلّا ، وذلك كما إذا أردت أن تخبر أنّ كلّ واحد من ممإليكك اشتريته بعشرين ، وإنّك لم تملك واحدا منهم إلا بشرائك هذا الثمن ، فقلت : كلّ واحد من مماليكي اشتريت بعشرين ، فنصب كلّ نصّ في المعنى المقصود ، لأنّ التقدير اشتريت كلّ واحد.

وأمّا إذا رفعت فيحتمل أن يكون اشتريته خبرا له ، وبعشرين متعلّقا به ، أي كلّ واحد منهم مشترى بعشرين ، وهو المعنى المقصود ، ويحتمل أن يكون اشتريته صفة لكلّ واحد ، وبعشرين هو الخبر ، أي كلّ من اشتريته من المماليك فهو بعشرين ، فلا يقع إلا على من اشتريته دون ما حصل منهم بغير الشراء من وجوه التملّكات كالإرث والهبة ونحوهما ، فرفعه موهم لاحتمال غير المقصود ، فيترجّح النصب لكونه نصّا في المعنى المقصود.

الثالثة : أن يكون الاسم نكرة صرفة ، نحو : رجلا ضربته ، فإنّه لا يجوز فيه الرفع لامتناع التنكير الصرف للمبتدإ ، ذكره بعضهم ، وفيه أنّه ينبغي أن يعدّ ممّا يجب فيه النصب ، لا ممّا يترجّح ، وأيضا فالاشتغال في مثل ذلك لعدم شرطه ، قال ابن هشام في المغني : وشرط المنصوب على الاشتغال أن يكون قابلا للابتدا ، انتهى. وبذلك ردّ في موضع آخر من المغني قول بدر الدين بن مالك في قول الحماسي [من الرمل] :

٤٢٠