الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

السيد علي خان المدني الشيرازي

الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

المؤلف:

السيد علي خان المدني الشيرازي


المحقق: الدكتور السيد أبو الفضل سجادي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: روح الأمين
الطبعة: ٠
ISBN: 978-964-518-296-8
الصفحات: ٩٤٧

أنواع البديع : فرغ من تأليفه سنة ١٠٩٣ ه‍. وهو شرح لبديعيته ١٤٧ بيتا ، نظمها في اثنتي عشر ليلة. ٥ ـ الكلم الطيّب والغيث الصيّب في الأدعية المأثورة عن النبي (ص) وأهل البيت (ع). ٦ ـ رياض السالكين في شرح صحيفة سيّد الساجدين. ٧ ـ الحدائق النديّة في شرح الصمديّة : فرغ من تأليفه سنة ١٠٧٩ ه‍. قال عنه السّيّد محسن الأمين : وهو شرح لم يعمل مثله في علم النحو ، نقل فيه أقوال جميع النحاة من كتب كثيرة (١). ٨ ـ شرحان أيضا على الصمدية : المتوسط والصغير. ٩ ـ موضّح الرشاد في شرح الإرشاد : كتاب في النحو. ١٠ ـ رسالة في أغلاط الفيروزآبادي في القاموس. ١١ ـ الزهرة في النحو. ١٢ ـ نغمة الأغان في عشرة الإخوان. ١٣ ـ الطراز في اللغة. ١٤ ـ ديوان شعره.

شعره : قد جاء في مقدّمة كتاب «الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة» أن للسّيّد على خان ديوان شعر ، وهو مخطوط توجد منه في بعض خزائن الكتب في النجف الأشرف وغيرها ، وبعضها بخطّه الشريف ، وهو حافل بغرر الشعر بأنواعه العديدة ، منه قصيدة في مدح الإمام أمير المؤمنين (ع) (٢) [من الوافر] :

أمير المؤمنين فدتك نفسي

لنا من شأنك العجب العجاب

تولّاك الأولى سعدوا ففازوا

وناواك الّذين شقوا فخابوا

ولو علم الورى ما أنت أضحوا

لوجهك ساجدين ولم يحابوا

فلو لا أنت لم يخلق سماء

ولو لا أنت لم يخلق تراب

وفيك وفي ولائك يوم حشر

يعاقب من يعاقب أو يثاب

ومن غرر شعره أيضا قوله يمدح به الإمام أمير المؤمنين (ع) ، لّما ورد إلى النجف الأشرف مع جمع من حجّاج بيت الله الحرام [من السريع] :

يا صاح هذا المشهد الأقدس

قرّت به الأعين والأنفس

والنجف الأشرف بانت لنا

أعلامه والمعهد الأنفس

حضرة قدس لم ينل فضلها

لا المسجد الأقصي ولا المقدس

تودّ لو كانت حصى أرضها

شهب الدجى والكنّس الخنس (٣)

__________________

(١) أعيان الشيعة ، ٨ / ١٥٢.

(٢) السّيّد علي خان ، الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة ، ص ٨.

(٣) اللغة : الشهب : جمع الشهاب ، الدّجي : سواد الليل وظلمته ، الكنّس : الكواكب السيارة ، أو هي النجوم كلّها ، الخنس : الكواكب السيارة دون الثابتة.

٢١

أقسم بالله وآياته

إلية تنجي ولا تغمس (١)

أنّ على بن أبي طالب

منار دين الله لا يطمس

لولاه لم تخلق سماء ولا

أرض ولا نعمى ولا أبؤس

ولا عفا الرحمن عن آدم

ولا نجا من حوته يونس

هذا أمير المؤمنين الّذي

شرائع الله به تحرس

وحجة الله الّتي نورها

كالصبح لا يخفي ولا يبلس (٢)

صلّى عليك الله من سيّد

مولاه في الدارين لا يوكس (٣)

__________________

(١) اللغة : الإلية : اليمين.

(٢) اللغة : لا يبلس : لا ينقطع.

(٣) اللغة : لا يوكس : لا يخسر ، والقصيدة في الغدير ، ١١ / ٣٥٠.

٢٢

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة الشارح

الحمد لله الصّمد بما له من المحامد الأبديّة ، والشّكر له على آمال توجّهت نحوه ، فصرفها بالفوائد الصمديّة ، أحمده حمد من نزه شأنه العلى عن الأشباه والنّظائر ، ففاز بتسهيل الفوائد وتكميل المقاصد في جميع الموارد والمصادر. وأشكره شكر من أيقن بأنّه العالم بما في الصّدور والضّمائر ، فحاز بذلك من الألطاف الكافية الشافية ما أشرق به الباطن والظاهر ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ، لا شريك له ، المتقدّس بذاته ، تمّت كلماته صدقا وعدلا ، لا مبدّل لكلماته ، سبحانه والفاعل لما يشاء ، لا مضادّ له في فعله ، عمّ الأنام كرما وجودا ، فكلّت جمل الكلام عن أن تقوم بوصف مفرد فضله ، تترّهت ذاته العلية عن سمات الحدوث في أوان ، فجلّت أن يحوط بها ظرف زمان أو ظرف مكان.

وأشهد أنّ سيدنا محمّدا عبده ورسوله ، المبعوث من خلاصة العرب ، الممدود بعباب (١) الكرم ، المقصور عليه لباب (٢) الظّفر بنجح الأرب (٣) ، المنعوت بأحسن الأسماء وأشرف الألقاب ، الموصوف فى كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه بفصل الخطاب ، وأصلّى وأسلّم عليه وعلى آله الّذين بضوء أنوارهم بهاء الدين ، وانتصب برفعهم وخفض أعدائهم أعلام الحقّ واليقين ، الهادين بأمرهم ونهيهم إلى أوضح المسالك ، المالكين أزمّة الفضل ، فما منهم إلا مالك لها وابن مالك ، منبع الفتوّة والهداية ، وبيت النبوّة والولاية (٤) على أصحابه الأكرمين أرباب النخوة (٥) المقتفين آثاره الناجين نحوه صلوة وسلاما ، أرجو بهما السّعادة الوافرة ، وأنال بهما جميل الذكر في الدنيا وجزيل الأجر في الآخرة (٦).

__________________

(١) العباب : أوّل الشئ وعباب الكرم أصله.

(٢) واللباب : خالص كلّ شئ.

(٣) الأرب : الحاجة.

(٤) عبارة «الى أوضح المسالك ... الولاية» سقطت في «س».

(٥) في بقية النسخ : التواضع والنخوة. والنخوة : الحماسة والمروءة والعظمة والتكبّر.

(٦) لقد بدأ الشارح مقدّمته ببراعة الاستهلال ، وأشار إلى بعض الكتب النحويّة والصرفيّة «الأشباه والنظائر» للسيوطيّ و «تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد» لابن مالك و «أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك» لابن هشام و «الكافية في النحو والشافية في الصرف» لابن حاجب ، وإلى بعض المباحث النحويّة مثل الضمائر والفاعل والفعل والجمل والوصف وظرف الزمان وظرف المكان والنصب والخفض والرفع ، وإلى عدد من العلماء النّحويّين مثل بهاء الدين (الشيخ البهائي) وابن مالك.

٢٣

التعريف بالمؤلّف والكتاب : أمّا بعد ، فيقول الفقير إلى ربّه الغنىّ المغنىّ ، عليّ صدر الدين المدنىّ بن أحمد نظام الدين الحسينىّ الحسنىّ ، أنالهما الله بكرمه من فضله السنىّ (١) غير خائف : إنّ علم العربية من أهمّ ما تصرف إليه الهمم العلية ، إذ هو المرقاة (٢) إلى فهم كتاب الله العظيم ، والوسيلة إلى معرفة حديث نبيه الكريم [ص] ، وهما الذريعة إلى السعادة الأبديّة ، والتخلّص من الشقاوة السرمدية ، ولا جرم أنّه لا يحصى ما فيه للسلف والخلف من مصنّف ومؤلّف.

وإنّ من أحسن ما صنّف فيه المختصر المسمّى بالفوائد الصمدية ، صنّفه شيخنا الإمام العلامة والهمام (٣) القدوة الفهّامة ، سيد العلماء المحقّقين ، سند العظماء المدقّقين ، نادرة دهره وزمانه ، باقعة (٤) عصره وأوانه (٥) ، ملاذ (٦) المجتهدين وشرفهم ، بحر أولى اليقين ومغترفهم ، شيخنا بهاء الدين محمد العامليّ ، سقي الله ثراه ، وجعل بحبوبة الفردوس مثواه (٧). فإنّه كتاب منفرد في بابه ، قد انطوى من هذا العلم على لبّ لبابه ، اشتمل على مفرداته وجمله وقواعده وضوابطه ، ومثله ما دخل إليه أحد من باب الاشتغال رائد ، إلا وكان عليه بفرائد الفوائد عائد ، لكنّه ربّما احتاج في بعض المباحث إلى توضيح العبارة ، وتصريح ما أومي إليه ببديع الإشارة ، ولم يقع له مع ذلك شرح يبذل مصونه ، ويبرز من خباياه (٨) مكنونه.

فاستخرت الله تعالى ، وشرحته شرحا يكشف رموزه ، ويظهر من مطاويه (٩) كنوزه ، ويرفع حجابه ، ويعقل شوارده (١٠) ، ويذلّل صعابه ، مع فوائد ألحقتها وفرائد في سلك الإفادة نظمتها ، فجاء بحمد الله سبحانه وافيا بالمراد ، منهلا (١١) صافيا للرّواد والورّاد ومنطويا على درر الفوائد ، محتويا على غرر الفرائد ، وسمّيته بالحدائق الندية في شرح الفواعد الصمدية ، ومزجت عبارتى بعبارته ، وقرنت صريح كلامى بخفىّ إشارته ، فاعتدل بتوفيق الله [تعالى] مزاجهما ، واستبان بنور التّأييد منهاجهما ، وعمدتى

__________________

(١) السنيّ : الرفيع.

(٢) المرقاة : وسيلة الرّقيّ أو ألته.

(٣) الهمام : السّيّد الشجاع السخيّ من الرجال.

(٤) الباقعة : الداهية ، الحذر ، ذو حيلة وبصيرة بالأمور.

(٥) الأوان : الحين.

(٦) الملاذ : الملجأ والحصن.

(٧) المثوي : المترل

(٨) الخبايا : جمع الخبيئة وهو ما عمّي من شئ ثم سئل عنه.

(٩) المطاوي : جمع المطوي ، داخل الشئ.

(١٠) الشوارد : جمع الشارد أي الغريب والنادر.

(١١) المنهل : المورد ، أي الموضع الّذي فيه المشرب.

٢٤

في النقل فيه على الكتب المعتبرة ، كما يصدّق إن شاء الله تعالى خبره خبره ، والله الهادى إلى الصّواب ، وإليه سبحانه المرجع والمآب.

ولنقدّم أمام المقصد كلاما مختصرا يتعلّق بترجمة المصنّف (ره) فنقول : هو الإمام الفاضل المحقّق النحرير (١) المحدّث الفقيه المجتهد النحويّ الكبير ، مالك أزمّة الفضائل والعلوم ، محرز قصبات السّبق (٢) في حلبتى (٣) المنطوق والمفهوم ، شيخ العلم وحامل لوائه ، بدر الفضل وكوكب سمائه ، أبو الفضائل بهاء الدين محمد بن الشّيخ عزّ الدين حسين بن الشّيخ عبد الصّمد بن الشيخ الإمام شمس الدين محمّد بن على بن حسين بن محمد بن صالح الجبعيّ العامليّ الحارثيّ الهمدانيّ. مولده عند غروب الشمس يوم الأربعاء سابع عشر ذى الحجّة الحرام سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة ، كذا نقلته من خطّ والده.

كان ذا فضل زاهر وأدب باهر ، ملك للعلوم فيادا (٤). وأعمل فيها رواسم (٥) وجيادا (٦) ، خبّ (٧) فى المعانى ، ووضع ورفع ما شاء ، ووضع فأصبح ، وهو المختلف إليه ، والمتّفق عليه ، حجّته قاطعة ، وبهجته ساطعة ، به يهتدي السارون ، ومنه يحتدي الممتارون (٨) ، لم يكن في زمانه من يجاريه ، ولا يباريه ، بل لا يقاربه ولا يدانيه ، إليه ترجع الأقوال إذا تصعّبت ، وعليه تجتمع الآراء إذا تشعّبت ، فلله هو من إمام ألبست كتابى بذكره تاجا ، وأوضحت له من سبيل اليمن منهاجا ، فأصبح بإكليل (٩) إليها مكلّلا ، وبسماء الفخار مظلّلا ، وناهيك ببهاء الدّين من بهاء ، منه مبدأ الفضل ، وإليه المنتهى.

وكان قد سلك في أوائل عمره نهج السّياحة ، واتّخذ الفقر درعه وسلاحه ، فطوى الأرض ، وذرع منها الطول والعرض ، فكان مدّة سياحته ثلاثين سنة ، لا يلذّ بنوم ، ولا تطيب له سنة إلى أن أقام ببلاد العجم ، تابعا لسلطانها راقيا من المكانة أرفع مكانها ، فغالت (١٠) تلك الدولة في قيمته ، وغالبت في نشر لطيمته (١١) ، فرسا (١٢) بها رسو ثبير (١٣) ، و

__________________

(١) النحرير : العالم الحاذق في عمله (ج) النحارير.

(٢) أحرز قصب السبق : أصله أنهم كانوا ينصبون في حلبة السباق قصبة فمن سبق اقتلعها ، وأخذها ليعلم أنّه السابق.

(٣) الحلبة : ميدان السباق.

(٤) الفيّاد : المتبختر.

(٥) الرواسم : جمع الراسمة بمعني المسرعات في سيرهنّ ، مأخوذ من الرسيم ، وهو ضرب من سير الإبل السريع.

(٦) الجياد : جمع الجواد : النحيب من الخيل.

(٧) خبّ في الأمر : أسرع فيه.

(٨) منه يحتدي الممتارون : تبعه الّذين يجمعون الطعام لأهلهم أو لأنفسهم.

(٩) الإلكيل : التاج.

(١٠) غال في قيمته : بالغ فيها.

(١١) اللطيمة : وعاء المسك.

(١٢) رسا : ثبت.

(١٣) الثبير : جبل بمكّة.

٢٥

ازدحم عليه الصغير والكبير ، فأينعت (١) رياض أصبهان بغوادى (٢) فضله وروائحه ، وطابت بلاد فارس بغوالى (٣) أدبه وروائحه ، وهناك ظهرت فضائله ، وتحقّقت لراجيه مخائله (٤) ، فاض بدرا ، وفاض بحرا ، وصنّف التصانيف الظاهرة ، وألّف التآليف الباهرة ، فأحيا بها من الفضل عافيا ، وأبدى بها من العلم خافيا ، ولم يزل مع ذلك مشوش البال ، كثير الهمّ والبلبال (٥) ، آنفا (٦) من الانحياش (٧) إلى السلطان ، مؤثّرا للغربة على الاستيطان ، يؤمّل العود إلى السياحة ، ويرجو الإقلاع عن تلك الساحة ، رغبة عن دار الفناء في دار البقاء ، فلم يقدر له حتى حواه رمسه (٨) ، وطواه عن غده أمسه ، فعطّلت له المدارس ، وأصبحت ربوع (٩) الفضل ، وهى دوراس (١٠) ، فـ (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) [البقرة / ١٥٦].

وحكى لي بعض أجلاء الأصحاب أنّ الشيخ (ره) قصد زيارة المقابر قبل وفاته بأيام قلائل في جمع من أصحابه ، فما استقرّ بهم الجلوس حتّى قال لهم الشيخ : أسمعتم ما سمعته؟ قالوا ما سمعنا شيئا ، وسألوه عمّا سمعه؟ فلم يجبهم ، ورجع إلى داره ، فأغلق بابه ، فلم يلبث أن أهاب به (١١) داعي الرّدى ، فأجابه ، وانتقل من دار الفناء إلى دار البقاء ، ومن محلّ الحجبة إلى محلّ اللقاء ، ولم يخبر أحدا بما سمعه.

وكانت وفاته ثاني عشر شوال سنة إحدى وثلاثين وألف بأصبهان ، ونقل قبل دفنه إلى طوس ، فدفن بها في داره قريبا من الحضرة الرضوية ، على صاحبها أفصل الصلاة والسّلام والتّحية ، والجبعيّ بضمّ الجيم وفتح الباء الموحدة فعين مهملة مكسورة نسبة إلى جبع ، وهى قرية من قرى جبل عاملة ، والعامليّ بفتح العين المهملة ، وبعدها ألف وميم مكسورة ، نسبة إلى جبل عاملة ، قطر (١٢) بأرض الشام إلى جهة الجنوب من أعمال مدينة صفد (١٣) باعتبار إقامته بها مدّة ، وإلا فمولده بعلبك (١٤) على ما سمع منه ، وعاملة

__________________

(١) أينع : طاب وحان قطافه.

(٢) الغوادي : جمع الغادية : السحابة تنشأ وتمطر غدوة ، وتقابلها الروائح جمع الرائحة.

(٣) الغوالي : جمع الغالية : أخلاط من الطيب كالمسك والعنبر.

(٤) المخائل : جمع مخيلة وهي السحابة الّتي تخالها ماطرة لرعدها وبرقها.

(٥) البلبال : شدّة الهمّ والوسواس ج بلابل وبلابيل.

(٦) آنفا : من أنف ـ بمعني استكف واستكبر.

(٧) الانحياش : الاجتماع.

(٨) الرمس : القبر.

(٩) الربوع : جمع الربع بمعني الدار.

(١٠) دوارس : جمع الدارس بمعني العافي والذاهب أثره.

(١١) أهاب به : دعاه للعمل أو لتركه.

(١٢) القطر : الناحية (ج) اقطار.

(١٣) صفد : مدينة في فلسطين بالجليل الأعلى شرقىّ عكّا.

(١٤) مدينة لبنانية وموقع أثرى من آثارها هيكل باخس والأعمدة الستة.

٢٦

أحد أولاد سبأ أقام بهذا القطر برهة ، فنسب إليه ، والحارثيّ نسبة إلى أبى زهير الحارث بن عبد الله الأعور الهمدانيّ ، لكون نسب المصنّف ينتهي إليه ، كان من أصحاب أمير المؤمنين علي (ع).

قال ابن أبى داود (١) كان من أفقه الناس وأفرضهم ، تعلّم الفرائض من علي (ع) ، مات سنة خمس وستين من الهجرة ، والهمدانيّ نسبة إلى همدان ، بسكون الميم ، قبيلة من اليمن ، ومن تصانيفه : التفسير المسمّى بالعروة الوثقى ، والتفسير المسمّى بعين الحياة والحبل المتين ومشرق الشمسين وشرح الاربعين والجامع العباسي الفارسي ومفتاح الفلاح والزبدة فى الأصول والرسالة الهلالية والأثنى عشريات الخمس ، وأجودهنّ الصلاتية ، ثمّ الصّومية وخلاصة الحساب والمخلاة والكشكول وتشريح الأفلاك والرسالة الأسطرلابية وحواشي الكشّاف وحاشيته على البيضاويّ وحاشيته على خلاصة الرجال ودراية الحديث والفوائد الصّمدية في علم العربية والتهذيب في النحو وحاشية الفقيه ، وله غير ذلك من الرسائل المختصرة ، والفوائد المحرّرة (ره) والله سبحانه أعلم ، وهذا أوان الشروع في المقصود واطلاع الشرح في أفق الوجود وسماء السعود (٢). إن شاء الله تعالى.

ص : بسم الله الرحمن الرحيم

أحسن كلمة يبتدأ بها الكلام ، وخير خبر يختتم به المرام ، حمدك اللهمّ على جزيل الإنعام والصّلاة والسّلام على سيّد الأنام محمّد وآله البررة الكرام ، سيّما ابن عمّه علي عليه السّلام ، الّذي نصبه علما للاسلام ، ورفعه لكسر الأصنام ، جازم أعناق النّواصب الّلئام ، وواضح علم النحو لحفظ الكلام.

الكلام على اسم الجلالة وكلمة التوحيد والرحمن الرحيم : ش : قال شيخنا ومولانا المصنّف : ـ روّح الله تعالى روحه ونوّر ضريحه ـ «بسم» الباء إمّا للإستعانة أو المصاحبة ، وقد ترجّح الأولى بإشعارها بكون ذكر الاسم الكريم عند ابتداء الفعل وسيلة إلى وقوعه على الوجه الأكمل الأتمّ ، حتّى كأنّه لا يتأتّى ولا يوجد بدون التبرّك بذكره والمصاحبة عرية عن ذلك الإشعار ، وأمّا متعلّق الباء فمقدّر خاصّ أو عامّ ، فعل أو

__________________

(١) أحمد بن داود بن جرير بن مالك الأيادي ، أحد القضاة المشهورين من المعتزلة ، ورأس فتنة القول بخلق القرآن. خير الدين الزركلي ، الأعلام ، ج ١ ، الطبعة الثالثة ، ١٩٦٩ م ، ص ١٢٠.

(٢) هذه الفقرة سقطت في «س».

٢٧

اسم ، مؤخّر أو مقدّم ، وأولى هذه الثمانية أوّلها ، أعني الخاصّ الفعليّ المؤخّر ، إذ العام كمطلق الابتداء ، يوهم بظاهره قصر الاستعانة على ابتداء الفعل ، فيفوت شمولها لجملته ، والخاصّ الاسميّ كقرائتي مثلا يوجب زيادة تقدير بإضمار خبره ، إذ تعلّق الظرف به يمنع جعله خبرا عنه ، والمقدّم ك اقرأ بسم الله ى فوت معه قصر الاستعانة على اسمه جلّ وعلا.

قال المصنّف (ره) في المفتاح : وكسرت الباء لاختصاصها بلزوم الجرّ والحرفية (١) ، والاسم لغة علامة الشىء ، وفيه عشر لغات ، وسيأتي معناه اصطلاحا ، وهو عند البصريّن من الأسماء العشرة الّتى حذفت أعجازها ، وأسكنت أوائلها ، وأدخل عليها مبتدأ بها همزة الوصل ، لأنّ من دأبهم أن يبتدئوا بمتحرّك ، ويقفوا على ساكن ، واشتقاقه من السّمّو ، وهو الارتفاع ، ومن السمة عند الكوفيّن ، وهى العلامة ، وأصله وسم ، حذفت الواو ، وعوّضت عنها همزة الوصل ليقلّ إعلاله (٢).

قال الزجاج (٣) : هذا غلط ، لأنّا لا نعرف شيئا دخلت عليه ألف الوصل فيما حذفت فاء فعله نحو : عدة وزنة ، فلو كان من الوسم ، كان تصغيره وسيما ، كما أنّ تصغير عدة وعيد. وحذفت الألف لكثرة الاستعمال وطوّلت الباء عوضا عنها ، ولا تحذف في غير ذلك ك باسم ربّك ، أو ل اسم الله.

قال ابن درستويه (٤) : لا يقاس خطّ المصحّف والعروض ، الله أصله إله ، حذفت الهمزة ، وعوّض منها حرف التعريف ، ثمّ جعل علما للذات المقدّسة الجامعة لصفات

__________________

(١) قال الزمخشريّ : فإن قلت : من حقّ حروف المعاني الّتي جاءت علي حرف واحد أن تبنى علي الفتحة الّتي هي أخت السكون ، نحو كاف التشبيه ولام الابتداء وواو العطف وفائه وغير ذلك ، فما بال لام الإضافة وبائها بنيتا على الكسر؟ قلت : أمّا اللام فللفصل بينها وبين لام الابتداء ، وأمّا الباء فلكونها لازمة للحرفيّة والجرّ. أبو القاسم جار الله الزمخشريّ ، الكشّاف ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، لاط ، ١٤٠٧ ه‍ ق ، ١ / ٤.

(٢) قال الشارح : الاسم لغة علامة الشيء. وإن كان كذا فهو قبل مذهب الكوفيّين الّذين يذهبون إلى أنّ الاسم مشتقّ من الوسم وهو العلامة. ولكن هذا وإن كان صحيحا من جهة المعنى إلا أنّه فاسد من جهة اللفظ ، وهذه الصناعة لفظيّة ، فلا بدّ فيها من مراعاة اللفظ ، ووجه فساده من جهة اللفظ : أوّلا : إنّ الهمزة في أوّله همزة التعويض ، وهمزة التعويض إنّما تقع تعويضا عن حذف اللام ، لا عن حذف الفاء ، فهو مشتقّ من السّمو لا من الوسم ، ثانيا : تصغيره «سميّ» ولو كان مشتقّا من الوسم لكان تصغيره «وسيم» كما يجب أن تقول في تصغير عدة وعيدة ، لأن التصغير يردّ الأشياء إلى أصولها. ثالثا : جمع تكسيره «أسماء» ولو كان مشتقّا من الوسم لوجب أن تقول : أواسم ، وأواسيم. راجع : الأنباري ، الانصاف في مسائل الخلاف ، ج ١ ، بيروت ، المكتبة العصريّة ، لاط ، ١٤١٩ ه‍ ، ص ٦ إلى ١٦.

(٣) إبراهيم بن السري أبو إسحاق الزجاج ، عالم بالنحو واللغة ، من أهل بغداد ، تعلّم على المبرّد ، له : معانى القرآن ، فعلت وأفعلت ، شرح أبيات سيبويه و... جلال الدين عبد الرحمن السيوطي ، بغية الوعاة ، ج ١ ، المكتبة العصرية بيروت ، دون التاريخ ، ص ٤٢٣.

(٤) أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه بن المرزبان الفارسيّ الفسويّ ، محدث وأديب ولغويّ ونحويّ ، ولد في فسا بأقليم فارس (٢٥٨ / ٣٤٧ ه‍). ابن الخراساني وابن الكثير ، دائرة المعارف الإسلامية الكبرى ، ج ٣ ، مركز دائرة المعارف الإسلامية الكبرى ، طهران ١٣٧٧ ش ، ص ٧٨.

٢٨

الكمال ، وزعم بعضهم أنّه اسم جنس موضوع لمفهوم الواجب الوجود لذاته أو المستحقّ للعبودية ، وكلّ منهما كلّيّ انحصر في فرد.

قال العلامة التفتازانيّ (١) في شرح التلخيص : لو كان الأمر على ما زعم ، لما أفاد قولنا ـ لا إله إلا الله ـ التوحيد ، لأنّ المفهوم من حيث هو محتمل للكثرة ، ولا نزاع في أنّ هذه الجملة كلمة توحيد ، وأيضا فالمراد بالإله في هذه الكلمة أمّا المعبود بحقّ ، فيلزم استثناء الشيء من نفسه أو مطلق المعبود ، فيلزم الكذب لكثرة المعبودات الباطلة ، فيجب أن يكون الإله بمعنى المعبود بحقّ ، والله علما للفرد الموجود منه ، والمعنى لا مستحقّ للعبوديّة في الوجود أو لا موجود واجب إلا الفرد الّذى هو خالق العالم ، انتهى.

لكن قال عصام الدين (٢) في شرحه على التلخيص : ـ وفيه بحث ـ لأنّ الله إذا كان علما للفرد الموجود منه ، لم يكن حاصلا في عقولنا إلا بمفهوم الواجب لذاته والمتّصف به محتمل لمتعدّد كالإله بحقّ ، فلا يحصل باستثنائه اثبات ما هو المطلوب بالاستثناء على وجه يوجب التوحيد ، وأيضا لما انحصر الإله بحقّ فيه ، كان استثناؤه إخراج جميع ما تحت المستثنى منه ، فمناط التوحيد على نفى وجود ما يتوهّم معبودا بالحقّ ، وإثبات ما هو المستحقّ للعبوديّة في الواقع أو الواجب لذاته ، وهو يكفي لانحصاره في ذات واحدة ، فالمعنى لا إله يجوّز العقل كونه معبودا بالحقّ إلا الواجب لذاته في الواقع ، ولا يتفاوت في ذلك كون الله بمعنى الواجب لذاته ، أو بمعنى شخص معين ملحوظ بمفهوم الواجب لذاته ، نعم كونه بمعنى الشخص أنسب بمقام التوحيد كما لا يخفى ، انتهى ، وهو حسن.

«الرّحمن الرحيم» صفتان مشبّهتان من رحم بالكسر ، بعد نقله إلى رحم بالضّمّ ، أو بعد تتريل المتعدّي مترلة اللازم ، كما في قولهم فلان يعطي ، لأنّ الصفة المشبهة لا تصاغ من متعدّ. والرحمة رقة وانعطاف ، تقتضي التفضّل ، وأسماؤه تعالى إنّما تطلق باعتبار الغايات دون المبادى ، فالمراد هنا التفضّل أو إرادته ، والرّحمن أبلغ من الرّحيم جريا على القاعدة المشهورة من أنّ زيادة المبنى تدلّ على زيادة المعنى ، وذلك أنّ الأوّل يدلّ على جلائل النعم ، والثانى على دقائقها ، وهما مجروران على الوصفيّة من باب تعدّد

__________________

(١) مسعود بن عمر سعد الدين التفتازانيّ ، عالم بالنحو والتصريف والمعاني والبيان ، له : تهذيب المنطق ، المطول في البلاغة ، شرح التلخيص. مات سنة ٧٩١ ق. بغية الوعاة ٢ / ٢٨٥.

(٢) العلّامة الفاضل المحقق عصام الدين إبراهيم بن عربشاه الإسفرايني المتوفي سنة ٩٤٥ ه‍ ، وهو من الّذين شرح تلخيص المفتاح في المعاني والبيان للشيخ جلال الدين القزويني ، وشرحه ممزوج عظيم يقال له الأطول.

حاجي خليفة ، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ، المجلّد الأوّل ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، لاط ، لات ، ص ٤٧٧.

٢٩

الأوصاف على المشهور ، ويجوز على ذلك من حيث الصناعة قطعهما مرفوعين ومنصوبين وبالتفريق (١).

قال ابن جنىّ (٢) في الخصائص : وما أحسنه هاهنا ، ذلك أنّ الله تعالى إذا وصف ، فليس الغرض من ذلك تعريفه بما يتبعه من صفته ، لأنّ هذا الاسم لا يتعرّض شكّ فيه ، فيحتاج إلى وصف لتلخيصه ، لأنّه الاسم الذى لا يشارك فيه على وجه ، وبقيّة أسمائه جلّ وعلا كالأوصاف التابعة للاسم ، وإذا لم يعترّض شكّ فيه ، لم تجئ صفته لتلخيصه ، بل للثناء على الله تعالى ، وإذا كان ثناء ، فالعدول عن إعراب الأوّل أولى به ، وذلك أنّ اتباعه إعرابه جار في اللفظ مجرى ما يتبع للتلخيص والتخصيص ، فإذا هو عدل عن إعرابه علم أنّه للمدح أو للذمّ فى غير هذا عن الله تعالى ، فلم يبق هنا إلا المدح ، فلذلك قويّ عندنا اختلاف الإعراب بتلك الأوجه التّى ذكرناها ، انتهى.

وذهب الأعلم (٣) وابن مالك (٤) وابن هشام (٥) إلى أنّهما مجروران ، أمّا الرحمن فعلى البدلية من لفظ الجلالة ولا يجوز كونه وصفا ، لأنّه صار علما بالغلبة ، وأما الرحيم فلكونه وصفا للرحمن ، فلا يجوز كونه وصفا للجلالة ، لأنّ البدل لا يتقدّم على الوصف.

قال [ابن هشام] في المغني : فالسؤال الذى سأله الزمخشرى وغيره ، لم قدّم الرحمن مع أنّ عادتهم تقديم غير الأبلغ كقولهم : عالم نحرير وجواد فيّاض ، غير متّجه وممّا يوضح أنّ الرحمن غير صفة مجيئه كثيرا غير تابع ، نحو ، (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ) [الرحمن / ١] ، (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) [الإسراء / ١١٠] ، (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) [الفرقان / ٦٠] ، انتهى.

وابتدأ المصنّف ، رحمه الله ، كتابه بالبسملة ، اقتداء بالكتاب العزيز ، وما عليه الإجماع ، ولأنّه أمر ذو بال ، فينبغى افتتاحه بها لما ورد به الخبر «كلّ أمر ذى بال لم يبدأ

__________________

(١) يعني بما أنّ المنعوت «الله» متّضحا بدون الصفتين «الرحمن والرحيم» جاز فيهما الاتباع والقطع ، وإذا قطع النعت عن المنعوت رفع على إضمار مبتدأ ، أو نصب على إضمار فعل. وبالتفريق يعني برفع الأولى ونصب الثانية وبالعكس.

(٢) ابن جني : هو أبو الفتح عثمان بن جنيّ ، (٩٤٢ ـ ١٠٠٢) يونانىّ الأصل ، ولد فى الموصل قبل ٣٣٠ ه‍ ، من آثاره : الخصائص وسرّ صناعة الإعراب. فؤاد إفرام البستاني ، دائرة المعارف ، ج ٢ ، بيروت ، لاط ، ١٩٦٤ م ، ص ٤١٥.

(٣) يوسف بن سليمان النحويّ الشنتمرىّ المعروف بالأعلم ، كان عالما بالعربيّة واللغة ومعاني الأشعار ، اشتهر بشروحه منها : شرح المعلّقات وشواهد سيبويه ، بغية الوعاة ج ٢ ص ٣٥٦.

(٤) أبو عبد الله جمال الدين ، من الأئمة المشهورين فى علم النحو ، ولد بالأندلس سنة ٦٠٠ ه‍ ، من آثاره «الألفية في النحو» توفّي سنة ٦٧٢ ه‍ بدمشق. فؤاد إفرام البستانىّ ، دائرة المعارف ، ج ٤ ص ١٧.

(٥) عبد الله بن يوسف ابن هشام الأنصاريّ الشيخ جمال الدين النحويّ الفاضل والعلامة المشهور ، صنف : مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ، شذور الذهب في معرفة كلام العرب و... ، بغية الوعاة ٢ / ٦٨.

٣٠

فيه ببسم الله فهو أبتر» (١) ، ثمّ أتبعها بالحمد لما روى أيضا ، كلّ أمر ذى بال لم يبدأ فيه بالحمد ، وفي رواية ، بحمد الله فهو أقطع ، والتوفيق بينهما بحمل الأوّل في الأوّل على الحقيقيّ ، وفي الثانى على الإضافيّ أو العرفيّ ، أو كليهما على العرفيّ.

«أحسن» اسم تفضيل من حسن ، ككرم ونصر. «كلمة» بفتح الكاف وكسر اللام أفصح من فتحها ، وكسرها مع سكون اللام الأولى ، لغة الحجازيّن ، وبها جاء التتريل ، والأخريان لغتا تميم (٢) ، ومثلها في جواز اللغات الثلاث ، كلّ ما (٣) كان على نحو : كتف وعلم ، فإن كان الوسط حرف حلق ، جاز فيه لغة رابعة ، وهي اتّباع الأوّل للثاني في الكسر ، نحو فخذ وشهد ، والمراد بالكلمة هاهنا ، الكلمة التى تطلق على الجمل المفيدة ، ليصحّ كون الخبر ، وهو قوله : حمدك اللهمّ كلمة ، ولا يصحّ حملها على الكلمة الاصطلاحية ، كما كابر (٤) فيه بعض الفضلاء المعاصرين.

«يبتدأ بها الكلام» ، أى يشرع بها في الكلام الّذي يهتمّ به ، حملا للكلام على الكامل منه ، وفي التعبير بالابتداء إشارة إلى الحديث الوارد في الحمد المقدّم ذكره. «وخير خبر» ، أصله أخير خبر ، حذفت الهمزة لكثرة الاستعمال ، كما حذفت في شرّ ، وقد يستعملان على الأصل بقلّة ، وفي خير وخبر جناس التصحيف (٥). «يختم به المرام» ، أى يجعل خاتمة له ، والمرام مصدر ميمىّ من«رام يروم» أى طلب ، وهو هنا بمعنى المفعول أنسب من كونه بمعنى المصدر ، وفي يبتدي ويختتم صناعة الطباق (٦).

«حمدك اللهمّ» ، أى حمدك يا الله ، وإيثار الخطاب بالكاف على اسمه تعالى للدلالة على أنّه قويّ عنده ، محرّك الأقبال وداعي التوجّه إلى جنابه على الكمال ، حتّى خاطبه ، وحرف النداء من اللهمّ محذوف ، عوّض منه الميم في آخره على الأصحّ ، كما سنبيّنه في موضعه إن شاء الله تعالى.

والنداء بالياء مع كونها للبعيد ، وهو تعالى أقرب من حبل الوريد للإشارة إلى هضم نفسه والاستبعاد لها عن مظأنّ القرب ، وذكر اسمه تعالى بعد الكاف الوافية

__________________

(١) أحمد بن حنبل ، مسند ، لاط ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، ٣ ، ١٩٩٤ / ٣٥٩.

(٢) تميم : قبيلة من مضر من قبائل عرب الشمال أو العدنانيّين.

(٣) كلّما «ح».

(٤) كابر : عاند وخالف.

(٥) جناس التصحيف : هو ما تماثل ركناه وضعا واختلفا نقطا ، بحيث لو زال إعجام أحدهما لم يتميّز عن الآخر ، نحو : غرّك عزّك. أحمد الهاشمي ، جواهر البلاغة ، مصر ، مكتبة الاعتماد ، لاط ، ١٣٥٨ ه‍ ، ص ٤١٨.

(٦) الطباق وتسمّى التضاد أيضا ، وهي الجمع بين متضادين أي معنيين متقابلين في الجملة. سعد الدين التفتازاني ، شرح المختصر ، قم ، منشورات دار الحكمة ، ج ٢ ، لاط ، لات ، ص ١٣٦.

٣١

بالدلالة على ذاته من غير احتياج إلى أمر آخر إرشاد إلى التبرّك به ، وتوصّل إلى ندائه بياء المفيدة لهضم نفسه ، كما ذكرنا ، ودفع للتفخيم المستفاد من الخطاب.

فإن قلت : قصده من قوله أحسن كلمة إلى آخره ، بداية كتابه بالحمد ليحصل له الفضل الوارد في ذلك ، وهذا ليس بحمد فضلا عن أن يكون حمدا مبدوّا به ، بل هو إخبار عن حكم من أحكام الحمد؟ قلت : حمد الله تعالى هو الثناء عليه بصيغة الحمد أو غيره ، فالثناء على حمده ثناء عليه ، وسلوكه هذه الطريقة دون غيرها ممّا اشتهر في المؤلفات إشارة إلى أنّ طرق التعبير فى هذا المقام غير منحصرة ، وعمل بمقتضى لكلّ جديد لذّة.

قال النيسابوريّ (١) في تفسيره : أوّل ما بلغت الرّوح إلى سرّة آدم عطس ، فقال : الحمد لله ربّ العالمين.

وآخر دعوى أهل الجنّة : (أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [يونس / ١٠] ، ففاتحة العالم مبنيّة على الحمد ، وخاتمته على الحمد ، فاجهد أن يكون أوّل أعمالك وآخرها مقرونا بكلمة الحمد. فكأنّ المصنّف (ره) لاحظ هذا المعنى ، حيث عبّر بالابتداء والاختتام.

«على جزيل» متعلّق بالحمد ، أى على عظيم «الإنعام» ، وهو إيصال النّعمة ، وعرّفت النعمة لأنّها المنفعة المفعولة على جهة الإحسان إلى الغير ، وإنّما لم يتعرّض للمنعم به إشعارا بقصور العبارة عن الإحاطة به ، ولئلا يتوهّم اختصاصه ببعض دون آخر ، ولتذهب نفس السامع كلّ مذهب ممكن.

«والصلاة» بمعنى الرّحمة على ما هو المشهور من أنّها من الله تعإلى مجاز ، إذ هي حقيقة بمعنى الدعاء من الله وغيره ، وقيل : هي منه تعالى الرحمة ، ومن الملائكة الاستغفار ، ومن الآدميّن التضرّع ، والأوّل أقوى للزوم الثاني الاشتراك ، والمجاز خير منه.

«والسّلام» اسم من التسليم ، وهو التحيّة ، وجمع بينهما عملا بظاهر قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب / ٢٣] ، وغاية السؤال بهما عائدة على السائل ، لأنّ الله تعالى قد أنعم على نبيه (ص) من المترلة والزّلفى (٢) ما لا يوثّر فيه صلوة مصلّ ولا سلام مسلّم ، كما نطقت به الأخبار ، وصرّحت (٣) به العلماء

__________________

(١) النيسابوريّ نظام الدين حسن بن محمد القمىّ النيسابوريّ المتوفّى سنة ٨٥٠ ه‍ ، أصله من قم ومنشأه في نيشابور ، له كتب «غرائب القرآن ورغائب الفرقان» يعرف بتفسير النيسابوري و «شرح الشافية» في الصرف. الأعلام للزركلي ٢ / ٢٣٤.

(٢) الزلفى : القربى والمترلة.

(٣) كلمة العلماء فاعل لفعل صرّحت والعلماء جمع تكسير لمذكر ، والفعل إذا أسند إلى جمع غير سلامة لمذكّر جاز إثبات التاء وحذفها ، يقول ابن مالك :

٣٢

الأخيار ، وهما أمّا معطوفان على الحمد ، فيكونان موصوفين بالأحسنيّة والأخيريّة ، وأمّا مبتدان ، فهما وخبرهما جملة مستأنفة.

«على سيد الأنام» متعلّق بالسّلام ، وهو مطلوب للأوّل معنى ، ولا يجوز تعلّقه به إن جعلناه عطفا على الحمد ، وإن جعلناه مبتدأ ، فهو خبر المبتدأ ، والمعطوف عليه فيتعلّق بكائنان ونحوه.

استعمال السّيد في غير الله تعالى ، وفيه ثلاثة أقوال : و «السيد» من ساد قومه يسودهم ، فهو سيد ، ووزنه فيعل ، فأصله سيود ، قلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء في الياء ، وفيه استعماله في غير الله ـ عزّ وجلّ ـ ، ويشهد له من الكتاب قوله تعالى : (وَسَيِّداً وَحَصُوراً) [آل عمران / ٣٩]. ومن السّنة قوله (ع) : أنا سيد ولد آدم (١).

وفي المقتفى لابن منير (٢) حكاية ثلاثة أقوال في المسألة ، جواز اطلاقه ، على الله تعالى وعلى غيره ، وامتناع اطلاقه على الله تعالى ، حكاه عن ابن مالك ، وامتناع إطلاقه إلا على الله ، تمسّكا بما روى من أنّه (ع) قيل له يا سيدنا ، فقال : إنّما السيّد الله ، (٣) وقد عرفت أنّ في الكتاب والسنّة ما يدلّ على خلاف ذلك.

«والأنام» كسحاب ، والآنام بالمدّ ، والأينم كأمير ، وهو الخلق ، أو الجنّ والإنس ، أو جميع ما على وجه الأرض ، كذا في القاموس (٤).

معنى الآل وأصله واستعماله والكلام على سيّما ولا سيّما : و «آله» ، آل الرجل أهله وعياله ، وآله أيضا أتباعه ، كذا في الصّحاح (٥) ، وآله صلّى الله عليه وآله وسلّم بنو هاشم وبنو المطّلب المؤمنون. وقيل : قرابته الأدنون ، وقيل : أتقياء المؤمنين ، وأصله أهل ، بدليل تصغيره على أهيل ، أبدلت الهاء همزة توصّلا إلى الألف ، ثمّ أبدلت الهمزة ألفا ، لأنّ قلب الهاء ألفا لم يجئ في موضع ، حتّى يقاس عليه ، وأمّا قلب الهمزة ألفا

__________________

والتاء مع جمع سوى السالم من

مذكر كالتاء مع احدى اللبن

(١) سنن أبي داود ، للحافظ أبي داود السجستاني ، الطبع الاول ، دار الفكر ، بيروت ، ١٤٢١ ه‍ ، ص ٨٧٥ برقم ٤٦٧٣.

(٢) ابن منير : أبو محمد فخر الدين عبد الواحد بن منصور بن محمد بن المنير الإسكندريّ ، فقيه ، مفسّر وناظم.

ولد ٦٥١ / ١٢٥٣ وتوفي ٧٣٣ ه‍ / ١٣٣٣. دائرة المعارف فؤاد إفرام البستانى ، ٤ / ٨٨.

(٣) السجستاني ، سنن أبي داود ، الطبعة الأولى ، بيروت دار الفكر ، ١٤٢١ ه‍ ق ، ص ٩٢٠ ، رقم ٤٨٠٦.

(٤) القاموس المحيط والقابوس الوسيط الجامع لما ذهب من كلام العرب شماطيط للفيروزآباديّ الشيرازيّ المتوفّى سنة ٨١٧ ه‍ ، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ، ٢ / ١٣٠٦.

(٥) صحاح اللغة للامام الجوهري الفارابي المتوفى سنة ٣٩٣. كشف الظنون ، ٢ / ١٠٧١.

٣٣

فشائع ، وقيل : أصله أول ، واختار هذا غير واحد من المحقّقين ، ولا يضاف إلا لمن له شرف من العقلاء المذكّرين ، فلا يقال : آل الإسكاف (١) ، ولا آل مكّة ولا آل فاطمة ، وعن الأخفش (٢) أنّهم قالوا : آل المدينة وآل البصرة ، ولا يجوز إضافته إلى المضمر عند الكسائي (٣) وأبي جعفر النحاس (٤) والزبيدي (٥) ، وأجازها غيرهم ، وهو الصحيح.

«البررة» جمع بارّ ، وهو من الجموع المطّردة فى كلّ فاعل صحيح العين ، كسافر وسفرة ، وفاجر وفجرة. والبرّ الصلة والخير. «الكرام» جمع كريم ، والكرم إيثار الغير بالخير.

«سيّما ابن عمّه» ، أى لا سيما ابن عمّه ، حذفت «لا» تخفيفا مع أنّها مرادة ، كقوله تعالى : (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) [يوسف / ٨٥] ، أى : لا تفتأ. وهو تصرّف في لا سيما ، حكاه نجم الأئمة (٦) وغيره ، لكن ذكر البليانىّ (٧) في شرح تلخيص الجامع الكبير أن استعمال سيما بـ [دون] لا لا نظير له في كلام العرب ، والصواب أنّه لم يسمع في كلام العرب (٨) ، ولعلّ مراده نفي حذف لا في غير القسم ، وأمّا في القسم فشائع ، كما في الآية وقول امرئ القيس (٩) [من الطويل] :

١ ـ فقلت يمين الله أبرح قاعدا

ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالى (١٠)

أى لا أبرح.

__________________

(١) الاسكاف : الخرّاز ، وصانع الأحذية.

(٢) هو أبو عبد الله أحمد بن عمران بن سلامة الألهاني ، كان لغوييا ، نحويا ، شاعرا ، أصله من الشام ، وكانت وفاته سنة ٢٦٠ / ٨٧٤. فواد سزگين ، تاريخ التراث العربي ، ج ٨ ، الطبعة الثانية ، مكتبة آية الله مرعشي ، ١٤١٢ ق ، ص ٤٦٥.

(٣) هو أبو الحسن عليّ بن حمزة بن عبد الله ، المتوفى سنة ١٨٩ / ٨٠٥ ، نحويّ مشهور ، وهو أحد القرّاء السبعة ، ويعدّ من اللغويّن ، وله كتاب «معاني القرآن ومتشابه القرآن و...» المصدر السابق ، ٨ ، / ٢٠٢.

(٤) أحمد بن محمد بن إسماعيل يعرف بابن النحاس ، أبو جعفر المصري ، صنف : إعراب القرآن ، معاني القرآن ، شرح شواهد الكتاب و... توفي سنة ٣٣٨. بغية الوعاة ١ / ٣٦٢.

(٥) هو أبو بكر محمد بن الحسن بن عبد الله ولد سنة ٣١٦ / ٩٢٨ بأشبيلية وأصل أسرته من حمص ، وقد برع الزبيديّ في اللغة والنحو ، ومن آثاره : مختصر كتاب العين للخليل بن أحمد و... ، فواد سزگين ، ٨ / ٣٦٥.

(٦) نجم الأئمة لقب الرضيّ الإمام المشهور صاحب شرح الكافية لابن الحاجب ، فرغ من تأليف هذا الشرح سنة ٦٨٣ ه‍ ، وله شرح علي الشافية. بغية الوعاة ١ / ٥٦٧.

(٧) لعلّه ابن بليان الفارسي الحنفيّ المتوفّى سنة ٧٣١ ه‍ ، وهو من الّذين شرح تلخيص الجامع الكبير في الفروع للشيخ الإمام كمال الدين محمد بن عباد المتوفي سنة ٦٥٢ ه‍. كشف الظنون ، ١ / ٤٧٢.

(٨) قال الرضيّ : واعلم أنّ الواو الّتي تدخل على لا سيّما في بعض المواضع كقوله : ولا سيّما يوما بدارة جلجل ، اعتراضيّة ، ... وتصرف في هذه اللفظة تصرفات كثيرة لكثرة استعمالها ، فقيل : سيّما بحذف لا ولا سيما بتخفيف إلياء مع وجود لا وحذفها. ابن حاجب ، الكافية في النحو ، شرحه رضي الدين الأسترآباذي ، بيروت ، دار الكتب العلميّة ، لاط ، ١٤٠٥ ه‍ ، ١ / ٢٤٩.

(٩) امرئ القيس من أصحاب المعلقات ، يلقب بذى القروح والملك الضليل ويعدّ أبا للشعر الجاهلى (ت ٥٤٠ م).

(١٠) ديوان إمرئ القيس ، تحقيق محمد رضا مروة ، الطبعة الأولى ، بيروت ، الدار العالميّة ، ١٤١٣ ، ص ٦٠. اللغة : الأوصال : جمع الوصل : المفصل أو مجتمع العظام.

٣٤

قال بعض المحقّقين ـ وهو يعنى استعمال «سيما» بدون «لا» ـ كثيرا ما يوجد في كلام المتأخّرين من علماء العجم ، فينبغي تجويزه. وقال العلامة أثير الدين أبو حيان (١) في شرح التسهيل : لا يجوز حذف «لا» من لا سيما ، لأنّ حذف الحرف خارج عن القياس ، فلا يقال بشيء منه إلا حيث سمع ، وسبب ذلك أنّهم يقولون : إنّ حروف المعاني إنّما وضعت بدلا من الأفعال طلبا لإختصار ، ولذلك أصل وضعها أن يكون على حرف أو حرفين ، وما وضع مؤدّيا معنى الفعل واختصر في حروف وضعه لا يناسبه الحذف. انتهى.

وهى أعني «لا» لنفى الجنس وسيّ ، كمثل وزنا ومعنى ، وعينه في الأصل واو ، وهو اسم لا عند الجمهور ، وما بعد لا سيما إذا كان مفردا أمّا مجرور على أنّه مضاف إليه ، وما زائدة ، وأمّا مرفوع خبر مبتدأ محذوف ، والجملة صلة ، إن جعلت ما موصولة ، وصفة ، إن جعلت نكرة موصوفة ، والجرّ أولى من هذا الوجه لقلّة حذف صدر الجملة الواقعة صلة أو صفة ، كما صرّح به الرضيّ على أنّه يقدح في اطّراده لزوم إطلاق ما على من يعقل ، وهو ممنوع ، وعلى الوجهين ففتحة سىّ إعراب ، لأنّه مضاف ، وأمّا منصوب على تقدير أعني ، أو على أنّه تمييز ، إن كان نكرة ، كما يقع التمييز بعد مثل في نحو : (وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) [الكهف / ١٠٩] ، وما كافّة عن الإضافة ، والفتحة بنائية مثلها في لارجل ، وقيل على الاستثناء فى الوجهين ، فمنع جواز نصب إذا كان معرفة وهم ، وردّ بأنّ المستثنى مخرج ، وما بعدها داخل في باب الأولى ، وأجيب بأنّه مخرج ممّا أفهمه الكلام السابق من مساواته لما قبلها ، وعلى هذا فيكون استثناء منقطعا ، قيل : ويقدح في الاستثناء اقترانها بالواو ، ولا يقال : جاء القوم وإلا زيدا ، إذ القول بزيادها ضعيف ، بل قيل اقترانها بها واجب.

قال الثعلب (٢) من استعمالها على خلاف ما جاء فى قوله : [من الطويل]

٢ ـ ...

ولا سيّما يوم بدارة جلجل (٣)

فهو مخطئ.

وأجيب بأنّ مراد القائل بالاستثناء أنّ لا سيما مع واو وبدونها نزّلت مترلة أداة الإستثناء ، وعلى التقدير الأوّل خبر لا محذوف عند غير الأخفش ، أى لا مثل ابن عمّه

__________________

(١) العلّامة أثير الدين أبو حيان محمد بن يوسف الأندلسيّ نحويّ عصره ولغويّه ومفسّره ومؤرّخه ، له من التصانيف : البحر المحيط في التفسير ، التذييل والتكميل في شرح التسهيل ، مات سنة ٧٤٥ ه‍ ، بغية الوعاة ، ١ / ٢٨١.

(٢) أحمد بن يحيى ابو العباس ثعلب إمام الكوفيين في النحو اللغة ، صنف : المصون في النحو ، اختلاف النّحويّين ، معاني القرآن ، معاني الشعر و... ومات سنة ٢٩١. المصدر السابق ص ٣٩٦.

(٣) صدره «ألا ربّ يوم لك منهنّ صالح» وهو لامري القيس. اللغة : دارة الجلجل : غدير بعينه.

٣٥

موجود من الآل ، فينبغى أن يكون الصّلاة والسّلام عليه أبلغ من الصّلاة والسّلام على غيره ، والجملة حالية ، إذ هي أعني لا سيما مع ما بعدها بتقديرها جملة مستقلّة ، كما قاله الرضيّ ، وعند الأخفش ما خبر لا ، ويلزمه قطع سيّ عن الإضافة من غير عوض. قيل : ويلزم كون خبر «لا» معرفة ، وأجيب بأنّه قد يقدّر ما نكرة موصوفة أو يكون قد رجع إلى قول سيبويه (١) في «لا رجل قائم» إنّ إرتفاع الخبر بما كان مرتفعا به لا بلاء النافية ، قاله ابن هشام في المغنى ، ولا يخفى أنّ الجواب الثاني لا يجدي نفعا فيما نحن فيه ، كما أشار إليه بعض المحقّقين.

وفي الهيتيات لأبي علي الفارسي (٢) ، إذا قيل : قاموا لا سيما زيد «فلا» مهملة ، وسيّ حال ، أى : قاموا غير ممّاثلين لزيد فى القيام.

قال ابن هشام : ويردّه صحّة دخول الواو ، وهي لا تدخل على الحال المفردة وعدم تكرّر لا ، وذلك واجب مع الحال المفردة ، كما تقول : رأيت زيدا لا مثل عمرو ولا مثل خالد.

وأجاب الدمامينيّ (٣) عن شقّي الاعتراض (٤) ، أمّا عن الأوّل فبالتزام دخول الواو عند اعتقاد أنّه منصوب على الحال ، ودخولها في قولك : قاموا ولا سيما زيد ، لا يرد ، لأنّ سيّا حينئذ لا يكون حالا ، بل هو اسم لا التبرئة ، فلم يلزم دخول واو الحال حينئذ على اسم مفرد. وأمّا عن الثاني فبالتزام وجوب التكرار ، وقد وجد معنى ، وإن انتفى لفظا ، والتكرير اللفظيّ ليس بشرط على ما ذهب إليه الزمخشريّ (٥) في قوله تعالى : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) [البلد / ١١] ، إنّه في معنى فلا فكّ رقبة ، ولا أطعم مسكينا. ووجه ذلك هنا أنّ قولك : قام القوم لا ممّاثلين زيدا ، في معنى قولك لا مساوين لزيد في حكم القيام ، ولا أولى منه به على ما تقرّر في أنّ المذكور بعد لا سيّما أولى بالحكم ، انتهى.

__________________

(١) عمرو بن عثمان بن قنبر إمام البصريّين سيبويه أبو بشر أصله من البيضاء قرب شيراز ونشأ فى البصرة وأخذ عن الخليل ويونس وكتابه فى النحو هو الكتاب. وقيل مات بشيراز سنة ١٨٠. المصدر السابق ، ٢ / ٢٣١.

(٢) أبو عليّ الفارسيّ : أبو الحسن بن أحمد بن عبد الغفّار بن محمد بن سليمان بن أبان الفارسي ، من أئمة النحو المذكورين في القرن الرابع الهجرى ولد بمدينة فسا من بلاد فارس من شيراز ، قدم بغداد وأخذ النحو عن أعيان علمائه ، من آثاره كتاب «الإيضاح في النحو» توفي سنة ٣٧٧ ه‍ ق. دائرة المعارف فؤاد افرام البستاني ، ٤ / ٤٧٠. جاء في مغني اللبيب الهيتيات مسائل نحويّة أملاها في هيت. مغني اللبيب ص ٤١٢.

(٣) الدمامينىّ بدر الدّين محمّد (١٣٦٢ ـ ١٤٢٤) : عالم بالشريعة وفنون الأدب ، ولد في الإسكندرية وتوفّي في الهند ، من كتبه «تحفة الغريب فى شرح مغنى اللبيب» المنجد في الأعلام ، الطبعة الثانية ، دار الفقه ، ١٤٢٢ ه‍ ، ص ٢٤٥.

(٤) يعني صحّة دخول الواو وعدم تكرّر لا.

(٥) محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الزمخشريّ أبو القاسم جار الله ، كان واسع العلم ، كثير الفضل ، متفننا في كلّ علم ، من تصانيفه : الكشاف في التفسير ، المفصل في النحو و... مات سنة ٥٣٨. بغية الوعاة ، ٢ / ٢٧٩.

٣٦

وقد نوقش في كلا الجوابين بما لا نطول بذكره ، وقد بقي فضل الكلام في لا سيما ، طويناه هنا على غرّة ، ولعلّنا نلمّ به في بحث الاستثناء ، إن شاء الله تعالى.

طرف من ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام : «علي» بدل من قوله : «ابن عمه» أو عطف بيان ، ويحتمل الأوجه الثلاثة المذكورة في الإعراب ، وإن لم يساعد رسم الخط النصب ، وهو أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب عبد مناف بن عبد المطّلب ، واسمه شيبة الحمد ، وعنده يجتمع نسبه بنسب النبيّ (ص) ، فهو ابن عمه ، لأنّ أبا طالب أخو عبد الله بن المطّلب ، وهو ابن هاشم ، واسمه عمرو بن عبد مناف ، واسمه المغيرة بن قصيّ ، واسمه زيد بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لوي بن غالب بن فهر بن كنانة ، وأمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ، وهى أوّل هاشميّة ولدت هاشميّا.

أقوال حول ولادة علي (ع): قال ابن الصّبّاغ المالكىّ (١) : ولد علي (ع) بمكّة المشرّفة داخل البيت الحرام فى يوم الجمعة الثالث عشر من شهر الله الأصمّ (٢) رجب الفرد الحرام سنة ثلاثين من عام الفيل قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة ، وقيل بخمس وعشرين ، وقبل المبعث باثنتي عشرة سنة ، وقيل : بعشر سنين ، ولم يولد في البيت الحرام قبلة أحد سواه ، وهي فضيلة خصّه الله تعالى بها إجلالا له وإعلاما لمرتبته وإظهارا لتكرّمه ، وكان (ع) هاشميّا من هاشميين ، فأوّل من ولده هاشم مرّتين (٣) ، انتهى.

حكى ابو عمر والزّاهد (٤) في كتاب اليواقيت ، قال قال ابن الأعرابي (٥) : كانت فاطمة بنت اسد أمّ علي (ع) حاملا بعلي (ع) وأبو طالب غائب ، فوضعته ، فسمّته أسدا لتحيى به ذكر أبيها ، فلما قدم أبو طالب ، فسمّاه عليّا ، انتهى. وفى ذلك يقول أبو طالب [من البسيط] : ب

٣ ـ سمّيته بعليّ كى يدوم له

عزّ العلوّ وفخر العزّ أدومه

__________________

(١) لم أجد ترجمة حياته.

(٢) سمّي شهر رجب بالشهر الأصم ، أو شهر الله الأصم ، لعدم سماع السلاح فيه للحرب. ابن منظور ، لسان العرب ، ج ١ ، الطبعة الأولى ، بيروت ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، ٢٠٠٥ م ، ص ٢٢٤٠.

(٣) أي أبوه وأمّه من هاشميّين.

(٤) محمد بن عبد الواحد أبو عمر الزاهد المطّرز اللغويّ ، له من التصانيف : إليواقيت في اللغة ، شرح الفصيح الموشح و... مات سنة ٣٤٥ ببغداد. بغية الوعاة ، ١ / ١٦٤.

(٥) محمد بن زياد المعروف بابن الأعرابي علامة باللغة من أهل الكوفة ، له كتاب النوادر ومعاني الشعر. الأعلام للزركلي ، ٦ / ٣٦٦.

٣٧

وهو أوّل من آمن بالله تعالى ورسوله (ص) ، قاله ابن عباس (١) وأنس (٢) وزيد بن أرقم (٣) وسلمان الفارسىّ (٤) وجماعة ، ونقل بعضهم الإجماع على ذلك ، ولم يعبد الأصنام قطّ ، وهو أخو رسول الله (ص) بالمؤاخاة وصهره على فاطمة سيدة نساء العالمين وأبو السبطين وسيد العلماء الربانين والشجعان المشهورين والزهّاد المذكورين.

أخرج الطبرانيّ (٥) وابن حاتم (٦) عن ابن عباس (رض) ، قال : ما أنزل الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) [البقرة / ١٥٣] إلا وعليّ أميرها وشريفها. وأخرج ابن عساكر (٧) عن ابن عباس قال : ما نزل فى أحد من كتاب الله ما (٨) نزل في علي (ع) هذا ، وأنا لو ذهبت أذكر يسيرا من مناقبه الجليلة وأوصافه الجميلة ، لخرجت عن المقصود ، وكنت كمن قال لذكاء (٩) : ما أنورك ولخضارة (١٠) ما أغزرك. وفي الكتب المفردة لذلك ما فيه الكفاية ، وقد صحّ النقل أنّه (ع) ضربه عبد الرحمن بن ملجم ليلة الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان المعظّم سنة أربعين من الهجرة ، ومات من ضربته ليلة الأحد ، وهي الليلة الثالثة من ليلة ضرب ، واختلف في موضع دفنه ، والمشهور أنّه بالغرى ، موضع معروف وهو الّذى يزار الآن ، وما كان المقصود من التعرّض لهذا الطرف من ذكره إلا التبرّك به ، ولأنّ المصنّف (ره) نوّه باسمه الشريف ، فكان علينا ذكر شئ من ترجمته الشريفة ، وإنّما خصّه بالذكر لما فيه من براعة الاستهلال ، لأنّه الواضع لعلم النحو ، كما سيأتي عن قريب إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) ابن عباس عبد الله (ت ٦٨ ه‍) ابن عمّ النبي لقّب «حبر الأمّة» ، روي الكثير من حديث الرسول. المنجد في الأعلام ص ١.

(٢) أنس بن مالك بن النضر ، صاحب رسول الله (ص) وخادمه ، روي عنه رجال الحديث ٢٢٨٦ حديثا ، وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة سنة ٩٣ ه‍. الأعلام للزركلي ، ١ / ٣٦٥.

(٣) زيد بن أرقم الخزرجيّ الأنصاريّ ، صحابّي ، غزا مع النبيّ (ص) سبع عشرة غزوة ، له في كتب الحديث ٧٠ حديثا ، مات بالكوفة سنة ٦٨ ه‍. المصدر السابق ، ٢ / ٩٥.

(٤) سلمان فارسي صحابيّ من مقدّميهم وكان قويّ الجسم ، صحيح الرأي. قال رسول الله : سلمان منّا أهل البيت. له في كتب الحديث ٦٠ حديثا. توفّي سنة ٣٦ ه‍. المصدر السابق ٣ / ١٦٩.

(٥) الطبراني (٢٦٠ ـ ٣٦٠ ه‍ ق) هو سليمان بن أحمد بن أيّوب من كبار المحدثين ، له ثلاثة معاجم في الحديث. الأعلام للزركلي ، ٣ / ١٨١.

(٦) سهل بن محمد أبو حاتم السجستاني ، كان إماما في علوم اللقرآن واللغة والشعر ، صنف «إعراب القرآن ، لحن العامة ، ومات سنة ٢٥٠ ه‍. بغية الوعاة ١ / ٦٠٦.

(٧) علي بن الحسن ابن عساكر الدمشقيّ ، له تاريخ دمشق الكبير ، يعرف بتاريخ ابن عساكر ، مات سنة ٥٧١ ه‍. الأعلام للزركلي ٥ / ٨٤.

(٨) ما موصولة.

(٩) الذكاء : الشمس.

(١٠) خضارة : البحر ، سمي بذلك لخضرة مائه.

٣٨

«والّذى نصبه» ، أى رفعه ، وأقامه «علما للإسلام» العلم بالتحريك ما ينصب فى الطريق ، ليهتدي به ، وفيه استعارة مرشّحة ، شبّهه (ع) بالعلم وقرنها بما يلائم المستعار منه ، وهو النّصب.

معنى الإسلام وحكاية كسر الأصنام الّتى كانت على البيت الشريف : والإسلام عبارة عن الإقرار باللّسان ، وقيل : الإقرار باللّسان ، والتّصديق بالجنان ، والعمل بالأركان (١) ، فيكون مرادفا للإيمان ، وهو في الأصل الانقياد والاتّباع ، ولا يطلق على غير هذا الدين الشريف.

«ورفعه لكسر الأصنام» ، جمع صنم بالتّحريك ، وهو ما اتّخذ من دون الله تعالى كالوثن ، ويقال إنّه معرب الشمن ، يشير إلى كسره الصنم الّذى كان على البيت ، لمّا رفعه النبيّ (ص) على منكبيه ، وإنّما عبّر عنه (٢) بالجمع إشارة إلى عظمه ، لأنّه كان أكبر أصنامهم. فكأنّه كان عندهم بمترلة أصنام كثيرة ، وحكاية كسره الصنم المذكور ما ذكره في الرياض النضرة (٣) ، قال : روي عن علىّ (ع) أنّه قال : حين أتينا الكعبة ، قال لى رسول الله (ص) اجلس ، فجلست إلى جنب الكعبة ، فصعد على منكبي ، فذهبت لأنهض به ، فرأى منّى ضعفا تحته ، فقال لى : اجلس فجلست ، فترل عنّى ، وجلس لى رسول الله (ص) وقال : اصعد على منكبى فصعدت على منكبيه ، فنهض بى ، فإنّه تخيّل لي أنّي لو شئت لنلت أفق السماء ، حتّى صعدت البيت.

وفي شواهد النبوّة سأل رسول الله (ص) عليا (ع) حين صعد على منكبيه ، كيف تراك؟ قال عليّ (ع) أراني كأنّ الحجب (٤) قد ارتفعت ، ويخيّل لي أنّي لو شئت لنلت أفق السماء. فقال رسول الله (ص) : طوبى لك ، تعمل للحقّ ، وطوبى لي أن أحمل للحقّ ، انتهى.

قال فصعدت البيت ، وكان عليه تمثال من صفر أو نحاس ، وهو أكبر أصنامهم ، وتنحّى رسول الله (ص) وقال لى : ألق صنمهم الأكبر ، وكان موتّدا على البيت بأوتاد

__________________

(١) التصديق والعمل بالأركان «س».

(٢) الضمير يعود إلى الصنم.

(٣) الرياض النضرة في فضائل العشرة ـ لمحبّ الدين أبى جعفر أحمد بن محمد الطبرى المتوفّى سنة ٦٩٤ ه‍ ، ذكر أنّه جمع ما روي فيهم في مجلة بحذف الأسانيد من كتب عديدة وشرح غريب الحديث. كشف الظنون ، ١ / ٩٣٦.

(٤) الحجب : جمع الحجاب بمعني الساتر.

٣٩

حديد إلى الأرض. فقال رسول الله : إيه إيه (١)(جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ ، إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) [الإسراء / ٨١] ، فجعلت أزاوله ، أو قال : أعالجه عن يمينه وعن شماله ومن بين يديه ومن خلفه ، حتى استمكنت منه ، قال لي رسول الله (ص) : اقذف به ، فقذفت به ، فتكسّر كما تنكسر القوارير (٢) ، فما صعدت حتّى الساعة ، ويروى أنّه كان من قوارير ، رواه الطبرى ، (٣) وقال أخرجه أحمد (٤) ، ورواه الزوندىّ (٥). ثمّ إنّ عليا (ع) أراد أن يترل ، فألقى نفسه من صوب الميزاب (٦) تأدّبا وشفقة على النبيّ (ص) ، ولّما وقع على الأرض تبسّم ، فسأله النبيّ (ص) : عن تبسّمه؟ فقال : إنّي ألقيت نفسي من هذا المكان الرفيع ، وما أصابني ألم. قال قال : فكيف يصيبك ألم؟ لقد رفعك محمّد ، وأنزلك جبرئيل (٧) ، انتهى.

قلت : وفي كتاب المناقب للمؤبّد الخوارزميّ (٨) ما يشعر بأنّ هذه الحكاية كانت قبل الهجرة ، وصرّح في المواهب الدنيّة (٩) بأنّ ذلك كان يوم الفتح ، وهو ظاهر ، والله أعلم.

معنى النواصب وحكاية لطيفة في ذلك : «جازم» أى قاطع ، من الجزم ، وهو لغة القطع ، «أعناق النواصب اللئام» ، الأعناق جمع عنق ، وهو الجيد ، والنواصب والناصبيّة وأهل النّصب ، بفتح النون وسكون الصاد المهملة ، المتديّنون ببغض علي (ع) ، لأنّهم نصبوا له ، أى عادوه ، يقال نصبت لفلان إذا عاديته.

وعلى ذكر النصب فما ألطف ما حكاه القاضي أحمد بن خلكان (١٠) الشافعيّ في تاريخه «وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان» ، قال : ذكر أبو الفتح ابن جنيّ في بعض

__________________

(١) إيه : كلمة استزادة واستنطاق ، وهي مبنية على الكسر ، وقد تنوّن ، تقول للرجل إذ استتردته من حديث أو عمل : إيه. لسان العرب ، ١ / ٢١٠.

(٢) القوارير : جمع القارورة ، وهي وعاء من الزجاج تحفظ فيه السوائل.

(٣) الطبرى أبو جعفر محمد بن جرير (ت ٣١٠ ه‍ ٩٢٣ م) مؤرّخ ومفسّر وفقيه شافعىّ ولد في آمل بطبرستان ، من كتبه جامع البيان في تفسير القرآن. الأعلام للزركلي / ٣٢١.

(٤) أحمد بن محمد بن حنبل ، إمام المذهب الحنبليّ ، صنف «المسند» ستّة مجلّدات ، يحتوي علي ثلاثين ألف حديثا ، وله كتب أخرى ، مات سنة ٢٤١ ه‍. المصدر السابق ، ١ / ١٩٢.

(٥) لم أجد ترجمه حياته.

(٦) الميزاب : المئزاب ، وهو قناة أو انبوبة يصرف بها الماء من سطح بناء أو موضع عال.

(٧) ما وجدت الحديث.

(٨) أبو المؤيد محمد بن محمود الخوارزمي المتوفي سنة ٦٦٥. كشف الظنون ٢ / ١٦٨٠.

(٩) المواهب الدنية بالمنح المحمديّة في السيرة النبوية للشيخ شهاب الدين القسطلاني المصريّ المتوفّى سنة ٩٢٣ ه‍. المصدر السابق ٢ / ١٨٩٦.

(١٠) ابن خلكان مؤرخ ولد في أربيل ، له وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان وهو معجم تاريخيّ شهير ، مات سنة ١٢٨٢ م. المنجد في الأعلام ص ٧.

٤٠