الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

السيد علي خان المدني الشيرازي

الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

المؤلف:

السيد علي خان المدني الشيرازي


المحقق: الدكتور السيد أبو الفضل سجادي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: روح الأمين
الطبعة: ٠
ISBN: 978-964-518-296-8
الصفحات: ٩٤٧

الفعل إلى الاسم ، أي توصله إليه ، وتربطه به ، وحروف الصفات ، لأنّها تحدث صفة في الاسم ، ففي قولك : جلست في الدار ، دلّت في على أنّ الدار وعاء للجلوس ، وقيل : لأنّها تقع صفات لما قبلها من النكرات ، كذا في همع الهوامع.

الحروف الّتي تجرّ الظاهر والمضمر : وهذه الأربعة عشر المشهورة من حروف الجر ، «سبعة منها تجرّ الظاهر والمضمر وهي» : «من» وقد يقال : منا على زنة إلى ، وزعم الكسائيّ والفرّاء أنّها الأصل ، وخفّفت لكثرة الاستعمال ، وقال ابن مالك : هي لغة لبعض العرب ، وقال أبو حيّان : ضرورة ، وقدّمها ، لأنّها أمّ حروف الجرّ كما قاله الحريرى وغيره ، وقال ابن الدهان في الغرة (١) : من أقوي حروف الجرّ ، ولهذا المعنى اختصّت بالدخول على عند انتهى ، ولها ستّة عشر معنى :

أحدها : ابتداء الغاية ، وليس المراد بالغاية هنا نهاية المسافة ، وكذا في قولهم إلى لانتهاء الغاية ، إذ لا معنى لابتداء النهاية وانتهاء النهاية ، وإنّما المراد بالغاية جميع المسافة ، قاله الرضيّ : ويلزم عليه أن يكون استعمال من في الزمان مجازا إلا أن يراد بالمسافة المسافة الحقيقة والتتريلية ، وقال آخر : كثيرا ما يطلقون الغاية ، ويريدون بها الغرض ، والمقصود والمراد هاهنا الفعل ، لأنّه غرض الفاعل ومقصوده ، انتهى.

ويلزم عليه أن تخصّ من الابتدائية بالأفعال الاختياريّة الّتي لها غرض ، ولا يصحّ أن يقال : غلي القدر من أول النهار إلى آخره ، فالأحسن أنّ المراد بالغاية النهاية ، أي لابتداء له نهاية ، ولا يستعمل في ابتداء لا نهاية له ، كالأمور الأبديّة ، قاله عصام الدين ، ثمّ الابتداء يكون في المكان باتفاق نحو (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [الإسراء / ١] ، وفي الزمان خلافا لأكثر البصريّين ، نحو : (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) [التوبة / ١٠٨] ، وفي الحديث : مطرنا من الجمعة إلى الجمعة (٢) ، والشواهد عليه كثيرة ، وتأويلها تعسّف وفي غيرهما ، نحو : من محمد رسول الله (ص) ، و (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ) [النمل / ٣٠] ، وعلامتها صحّة إيراد إلى أو ما يفيد فائدتها قبالتها ، نحو : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، لأنّ معنى أعوذ به ألتجئ إليه.

الثاني : التبعيض ، وعلامتها جواز الاستغناء عنها ببعض ، نحو : أخذت من الدارهم ، أي بعض الدارهم ، والمفعول الصريح في هذا المثال محذوف ، أي أخذت من الدراهم

__________________

(١) لعلّه الغرّة المخفية في شرح الدرّة الألفية. كشف الظنون ٢ / ١١٩٨.

(٢) صحيح البخاري ، ١ / ٤٥٦ ، رقم ٩٥٣.

٣٦١

شيئا ، فإن اعتبرت المفعول مقدّما ، جاز في المجرور وجهان : أن يكون متعلّقا بالفعل ، وأن يكون متعلّقا بمحذوف صفة للمفعول ، وإن اعتبرته مؤخّرا تعيّن تعلّق الجارّ بالفعل.

الثالث : بيان الجنس ، أي إظهار المقصود منه ، نحو : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) [الحج / ٣٠] ، وعلامتها أن يحسن جعل الّذي في مكانها ، لا يقال : لا يصحّ ذلك في نحو : قد كان من مطر أي شيء مع أنّ من بيانّية ، لأنّه يلزم وصف النكرة بالمعرفة ، ويلزم جعل المفرد ، أي مطر صلة ، لأنّا نقول : المراد جعل الّذي في مكانها مع إيراد مقتضيات الموصول.

الرابع : البدل ، نحو : (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) [التوبة / ٣٨] (لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً) [الزخرف / ٦٠] ، ونحو : ولا ينفع ذا الجد منك الجدّ ، وأنكره قوم ، فقالوا : التقدير : أرضيتم بالحياة الدنيا بدلا من الأخرة ، فالمفيد المبدليّة متعلّقها المحذوف ، ومن للابتداء ، وكذا الباقي.

الخامس : التنصيص على العموم ، أو توكيد التنصيص عليه ، وهي الزائدة ، فالأوّل نحو : ما جاءني من رجل ، والثاني نحو : ما جاءني من أحد ، ولها ثلاثة شروط : أن يسبقها نفي أو نهي أو استفهام. وأن يكون مجرورها نكرة ، وأن يكون إمّا فاعلا نحو : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ) [الأنبياء / ٢] ، أو مفعولا نحو : (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ) [مريم / ٩٨] ، أو مبتدأ ، نحو : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) [فاطر / ٣] ، قاله ابن هشام في الأوضح ، وأجاز بعضهم زيادتها بشرط تنكير مجرورها فقط ، نحو : قد كان من مطر ، وأجازها الأخفش والكسائيّ وهشام بلا شرط ، ووافقهم ابن مالك في التسهيل.

السادس : التعليل ، نحو : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا) [نوح / ٢٥].

السابع : الظرفية نحو : (ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) [فاطر / ٤٠].

الثامن : الفصل بالمهلة ، وهي الداخلة على ثاني المتضادين ، نحو : (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) [البقرة / ٢٢٠] ، (حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) [آل عمران / ١٧٩] ، قاله ابن مالك ، قال ابن هشام : وفيه نظر ، لأنّ الفصل مستفاد من العامل ، فإنّ ماز وميّز بمعنى فصل ، والعلم صفة توجب التمييز ، والظاهر أنّ من في الآيتين للابتداء ، أو بمعنى عن.

التاسع : انتهاء الغاية ، وهو قول الكوفيّين ، واختاره ابن مالك ، واستدلّ له بصحة قولك : تقرّبت منه ، وهو بمعنى تقرّبت إليه.

العاشر : مرادفة عن ، نحو : (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) [الزمر / ٢٢] ، و (يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) [الأنبياء / ٩٧].

٣٦٢

الحادي عشر : مرادفة الباء ، نحو : (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) [الشوري / ٤٥] قاله يونس. قال ابن هشام : والظاهر أنّها للابتداء ، وتعقّبه الدمامينيّ بأنّه أريد كون الظرف آلة للنظر ، فمن بمعنى الباء ، كما قاله يونس ، وليس الظاهر كونه حينئذ للابتداء ، وإن أريد أنّ الظرف وقع ابتداء النظر فيه ، فمن لابتداء الغاية لا بمعنى الباء (١) ، فهما معنيان متغايران موكولان إلى إرادة المستعمل فتأمّله ، انتهى.

الثاني عشر : موافقة عند ، نحو : (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) [آل عمران / ١٠] ، قاله أبو عبيدة ، والصحيح أنّها في ذلك للبدل.

الثالث عشر : مرادفة ربّما ، إذا اتّصلت بما كقوله [من الطويل] :

٣٢٨ ـ وإنّا لممّا نصرب الكبش ضربة

على رأسه تلقي اللسان من الفم (٢)

قاله السيرافيّ وابن خروف وابن طاهر والأعلم ، وخرّجوا عليه قول سيبويه ، وأعلم أنّهم ممّا يحذفون كذا قال ابن هشام ، والظاهر أنّ من فيهما ابتدائية ، وما مصدريّة ، وأنّهم جعلوا كأنّهم خلقوا من الضرب ، والحذف مثل (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) [الأنبياء / ٣٧] ، انتهى. قال التقيّ الشّمني : هذا ليس بظاهر في قول سيبويه على ما يخفي.

الرابع عشر : الاستعلاء ، نحو (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ) [الأنبياء / ٧٧] ، وقيل على التضمين أي منعناه منهم بالنصر.

الخامس عشر : التجريد ، نحو : لي من فلان صديق حميم ، قيل : والظّاهر أنّ من التجريديّة ابتدائيّة أو ظرفيّة.

السادس عشر : النسبة ، نحو : قوله (ع) أنت منّي بمترلة هارون من موسى (٣). قيل : والظاهر أنّ من في الحديث للابتداء ، إذ التقدير قربك منّي بمترلة قرب هارون من موسى ، وحذف المضاف لظهور المعنى.

«وإلى» ولها ثمانية معان :

أحدها : انتهاء الغاية المكانيّة والزمانيّة ، نحو (إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) [الاسراء / ١] و (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة / ١٨٧] ، أو غيرهما ، نحو : أعطيته من مائة إلى الألف.

الثاني : المعيّة كمع ، وذلك إذا ضممت شيئا إلى آخر في الحكم به أو عليه أو التعلّق ، نحو : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) [آل عمران / ٥٢] ، (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) [المائدة

__________________

(١) سقطت «فمن لابتداء الغاية لا بمعنى الباء» في «س».

(٢) هو لأبي حية النميرى (ـ ١٨٢ ه‍ ق). اللغة : الكبش : فحل الضأن ، والمراد بالكبش هنا سيد القوم.

(٣) الترمذي ، / ٤٢٢ ، رقم ١١١٤.

٣٦٣

/ ٦] ، (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) [النساء / ٢] قال الرضيّ : والتحقيق أنّها للانتهاء أي مضافة إلى المرافق وإلى أموالكم ، وقال غيره (١) : ما ورد من ذلك يؤوّل على تضمين العامل وابقاء إلى على أصلها ، والمعنى في الآية الأولى من يضيف نصرته إلى نصرة الله تعالى ، أو من نصرني حال كونه ذاهبا إلى الله تعالى.

الثالث : التبيين وهي المتعلّقة في تعجّب أو تفضيل بحبّ أو بعض مبيّنة لفاعلى ة مصحوبها ، نحو : ما أحبّ زيد إلى وقوله تعالى : (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَ) [يوسف / ٣٣] ، وإثبات هذا المعنى لإلى مخصوص بابن مالك.

الرابع : مرادفة اللام ، نحو : (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ) [النمل / ٣٣] ، وقيل : لانتهاء الغاية أي منته إليك.

الخامس : الظرفيّة ، كفي ، ذكره جماعة في قوله [من الطويل] :

٣٢٩ ـ فلا تتركنّي بالوعيد كأنّني

إلى النّاس مطليّ به القار أجرب (٢)

أي في الناس ، وتأوّله بعضهم على تعلّق إلى بمحذوف ، أي مطليّ بالقار مضافا إلى الناس ، فحذف ، وقلب الكلام ، وقال ابن عصفور : وهو على تضمين معنى مبغض ، قال : ولو صحّ مجئ إلى بمعنى في لجاز زيد إلى الكوفة.

السادس : الابتداء ، كقوله [من الطويل] :

٣٣٠ ـ تقول وقد عإلى ت بالكور فوقها

أيسقي فلا يروى إلى ابن أحمرا (٣)

أي منّي.

السابع : موافقة عند ، كقوله [من الكامل] :

٣٣١ ـ أم لا سبيل إلى الشّباب وذكره

أشهي إلى من الرّحيق السّلسل (٤)

الثامن : التوكيد ، وهي الزائدة ، أثبت ذلك الفرّاء مستدلّا بقرأءة بعضهم : (أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) [إبراهيم / ٣٧] بفتح الواو ، أي تهواهم ، وخرّجه غيره على تضمين تهوي بمعنى تميل.

وعن ، ولها سبعة معان :

أحدها : المجاوزة ، وهو الأكثر فيها ، ولم يذكر البصريّون غيره ، والمراد بالمجاوزة بعد شيء عن المجرور بها بسبب إيجاد مصدر الفعل المعدّي بها نحو : سرت عن البلد ، أي بعدت عنها بسبب السير.

__________________

(١) سقطت «وقال غيره» في «ح».

(٢) هو للنابغة الذبياني من اعتذارياته. اللغة : الوعيد : التهديد ، إلى : بمعنى في ، القار : القطران.

(٣) البيت لابن أحمر الباهلي. اللغة : عاليت : رفعت ، الكور : الرحل.

(٤) هو لأبي كبير الهذليّ. اللغة : الرحيق : صفوة الخمر ، السلسل : العذب والبارد.

٣٦٤

الثاني : البدل ، نحو : (لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ) [البقرة / ٤٨] ، وفي الحديث «صومي عن أمّك (١)» أي بدل نفس وبدل أمّك.

الثالث : الاستعلاء ، نحو : (فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) [محمد / ٣٨] ، أي عليها.

الرابع : التعليل : نحو : (وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ) [هود / ٥٢] ، أي لأجله.

الخامس : مرادفة بعد ، نحو (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) [الانشقاق / ١٩] ، أي حالة بعد حالة.

السادس : مرادفة من ، نحو : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) [الشوري / ٢٥] ، أي منهم بدليل : (فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ) [المائدة / ٢٧].

السابع : الاستعانة ، قاله ابن مالك ، ومثّله برميت عن القوس ، لأنّهم يقولون أيضا : رميت بالقوس ، حكاهما الفرّاء ، وفيه ردّ على الحريرى في إنكاره أن يقال ذلك ، إلا إذا كانت القوس هي المرمية ، وحكى أيضا رميت على القوس.

«على» والقول بحرفيّتها هو مذهب البصريّين والكوفيّين ، وزعم ابن الطراوة وابن طاهر وابن خروف وأبو الحجاج ابن معروف (٢) والأستاذ أبو على في أحد قوليه : إنّها اسم دائما ، ولا يكون حرفا ، ونسبوه لسيبوبه ، ولها تسعة معان.

أحدها : الاستعلاء حسّا ، نحو : (وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) [المؤمنون / ٢٢] ، أو معنى ، نحو : (فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) [البقرة / ٢٥٣] ، (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ) [الشعراء / ١٤] ، ثمّ إنّه قد يكون على مجرورها كما مثّل به ، وهو الغالب ، وقد يكون على ما يقرب منه نحو : (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) [طه / ١٠]. قال الزمخشريّ : معنى الاستعلاء على النار أن أهل النار يستعلون المكان القريب منها.

وهاهنا بحث نفيس أثّرت إيراده لما فيه من الفوائد ، وهو منقول من كتاب مطلع السعدى ن (٣) ومجمع البحرين ، وهو تاريخ ألّفه عبد الرزاق ابن اسحق السمرقنديّ ، وكان في حدود سبع وثمانين مائة ، وسبب إيراده له أنّه ذكر أنّ الأمير شريف الدين على الجرجانيّ (٤) ورد إلى سمرقند في سنة تسعين وسبعمائه ، فاكرمه الأمير تيمور (٥) غاية

__________________

(١) صحيح مسلم ، ٢ / ١٧٠ ، رقم ١١٤٨.

(٢) لم أجد ترجمة حياته.

(٣) مطلع السعدين في وقايع عصر السلطان أبي سعيد مع الاشتمال على حوادث الربع المسكون للشيخ كمال الدين عبد الرزاق بن جلالدين اسحق السمرقندي المتوفى سنة ٨٨٧ ه‍ ق كشف الظنون ٢ / ١٧٢.

(٤) مير شمس الدين سيد شريف على بن محمد (٧٠٤ ـ ٨٣٦ ه‍) عالم وأديب من آثاره : الغرة في المنطق. بها الدين خرمشاهي وآخرون ، دائرة المعارف تشيع ، الطبعة الأولى ، طهران ، نشر الشهيد محبتي ، ١٣٧٥ ه‍ ش ، ٥ / ٣٣٢.

(٥) تيمور لنگ (١٣٣٦ ـ ١٤٠٥ م) : ملك المغول حفيد چنگيز خان ، اتخذ سمرقند عاصمة له وجمع فيها الفنانين والعلماء من كل بلاد فتحها فازدهرت فيها الفنون والعلوم. المنجد في الاعلام ص ١٨٩.

٣٦٥

الإكرام ، ثمّ إنّ السّيّد ذكر في بعض مجالس درسه كلام صاحب الكشاف على قوله تعالى : (عَلَى النَّارِ هُدىً) ونقل كلام العلّامة التفتازاني عليه وأبطله ، ولم يكن أحد يتجرّئ على العلّامة بالاعتراض ، فشاع ذلك إلى أن بلغ الأمير تيمور ، فجمع بين العلامة والسّيّد للمناظرة واشترط السّيّد أن لا يتكلّم أحد من تلامذة العلّامة في أثناء البحث ، فلم يتمالك مولانا جلال الدين يوسف (١) ، إلا وبهي ، وتكلّم في أثناء البحث ، وكان أرشد تلامذة العلامة ، حتى أنّه كان قد أذن له في أن يصلح ما يراه من الخلل في تصانيفه.

فغضب الأمير تيمور من تكلّمه ، حيث كان الشرط على خلاف ذلك ، فأمر بإخراجه ، ثمّ إنّ المؤرّخ المذكور ذكر أنّ لأخيه مولانا جلال الدين عبد الغفّار (٢) كلاما في هذا البحث ، ثمّ قال لا بأس بإيراد الكلام الجميع باللغة العربيّة ، فردّ كلام كلّ منهم على هذه الصورة. قال صاحب الكشاف : معنى الاستعلاء في قوله تعالى : (عَلَى النَّارِ هُدىً) [طه / ١٠] ، مثل لتمكّنهم واستقرارهم عليه وتمسّكهم به ، شبّهت حالهم بحال من اعتلي الشيء وركبه.

قال المحقّق التفتازانيّ : يعني هذه الاستعارة تبعيّة تمثيلا ، أمّا التبعية فلجرى انها أوّلا في متعلّق الحرف ، وتبعيّتها في الحرف ، وأمّا التمثيل فلكون كلّ من طرفي التشبيه حالة منتزعة من عدّة الأمور ، واعترض عليه المحقّق الجرجانيّ بأنّ كون على استعارة تبعيّة ، يستلزم كون الاستعلاء شبيها به والتمثيل المستلزم لتركيب الطرفين يستلزم أن لا يكون الاستعلاء شبيها به ، لأنّه معنى مفرد ، فلا يجتمعان ، وأجاب التفتازانيّ بأنّ مبني التمثيل على تشبيه صورة منتزعة من عدّة أمور بصورة أخري كذلك ، وهذا إنّما يوجب اعتبار التعدّد في المأخذ لا فيه نفسه ولا ينافي كونه متعلّق معنى الحرف.

وردّ الجرجانيّ هذا الجواب في كتبه بأنّ تلك الصورة المتترعة من عدّة أمور لا تنتزع بتمامها من كلّ واحد من تلك الأمور ، بل ينتزع من كلّ واحد من تلك الأمور بعض منها ، فيكون كلّ من الطرفين مركّبا بالضرورة ، ومعنى الاستعلاء مفرد ، فلا يكون مشبها به.

وقال أستاذي وأخي : أقول ويمكن الجواب عنه ، لأنّ معنى انتزاعها من تلك الأمور هو أن يكون منتزعة من مجموع تلك الأمور ، وتقارنها وتضامّها كالاستعلاء ، فإنّه هيئة حاصلة من تقارن الراكب والمركوب على كيفيّة المخصوصة ، فيكون واحدا منتزعة من عدّة أمور ، ولهذا صحّ أن يستعار العنقود للثريّا ، مثل أن تقول : لاح في

__________________

(١) لم أجد ترجمة حياته.

(٢) لم أجد ترجمة حياته.

٣٦٦

الصبح عنقود ملاحية في السماء ، وقد استعاروا النطاق والحمائل للكواكب الّتي حول الجوزاء ، والظاهر أن ليس في هذه الاستعارات إلا تشبيه الهئية بالهيئة ، انتهى.

الثاني : المصاحبة كمع ، نحو : (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) [البقرة / ١٧٧] أي مع حبّه.

الثالث : المجاوزة ، كقوله [من الوافر] :

٣٣٢ ـ إذا رضيت على بنو قشير

لعمر الله أعجبني رضاها (١)

وهو لغة بني كعب بن ربيعة ، حكى ذلك المبرّد في الكامل (٢) ، قاله ابن هشام في شرح اللمحة ، وقال في المغني : ويحتمل أنّ رضي ضمّن معنى عطف ، وعن الكسائيّ حمل على نقيضه ، وهو سخط ، انتهى. قال ابن جنيّ في الخصائص : كان أبو على يستحسن قول الكسائيّ في ذلك ، انتهى. لكن قال بعض المحقّقين : إنّه لا يعرف له محصل ، لأنّه إن لم تجعل على بمعنى عن فكيف يصحّ المعنى ، وإن جعلت بمعنى عن لم يكن رضي محمولا على ضدّه ، لأنّ ضدّه لا يطلب حقيقة عن ، نعم لو قيل : رضيت مؤوّل بلم تسخط ، لكان له وجه ، انتهى. وقال أبو عبيدة : إنّما ساغ ذلك ، لأنّ معناه أقبلت على.

الرابع : الظرفية ، نحو : (عَلى حِينِ غَفْلَةٍ) [القصص / ١٥] ، أي في حين غفلة.

الخامس : التعليل ، نحو : (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) [البقرة / ١٨٥] ، أي لأجل هدايته إيّاكم. وقوله [من الطويل] :

٣٣٣ ـ علام تقول الرّمح يثقل عاتقي

إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرّت (٣)

السادس : موافقة من ، نحو : (إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) [المطفّفين / ٢] ، أي من الناس.

السابع : مردافة الباء ، نحو : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ) [الأعراف / ١٠٥] ، وقراءة أبي (٤) بأن لا أقول ، وقالوا : اركب على اسم الله.

الثامن : الاستدارك والإضراب ، نحو : فلان لا يدخل الجنّة لسوء صنيعه ، على أنّه لا ييأس من رحمة الله تعالى ، وقوله [من الطويل] :

٣٣٤ ـ فو الله لا أنسي قتيلا رزئته

بجانب قوسي ما بقيت على الأرض

__________________

(١) هو للقحيف العقيلي ، من كلمة يمدح فيها حكيم بن المسيب القشيرى.

(٢) الكامل في اللغة لأبي عباس محمد بن يزيد المعروف بالمبرد النحوي المتوفى سنة ٢٨٥. كشف الظنون ٢ / ١٣٨٢.

(٣) البيت لعمرو بن معديكرب ، الرمح : منصوب بتقول ، لأنّها بمعنى تظنّ. اللغة : العاتق : المنكب ، كرّت : أقبلت.

(٤) أبي بن كعب (ـ ١٢ ه‍) صحابي من أنصار. كان أقرا الصحابة ، ومن كتاب الوحي ، وممن اشترك في جمع القرآن أيام عثمان. معنى اللبيب ص ١٩٢.

٣٦٧

على أنّها تعفو الكلوم وإنّما

توكّل بالأدنى وإن جلّ ما يمضي (١)

أي على أنّ العادة نسيان المصائب البعيده العهد ، وقوله [من الطويل] :

٣٣٥ ـ بكلّ تداوينا فلم يشف ما بنا

على أنّ قرب الدار خير من البعد (٢)

ثمّ قال :

٣٣٦ ـ على أنّ قرب الدّار ليس بنافع

إذا كان من تهواه ليس بذي ودّ

أبطل بعلى الأولى عموم قوله : لم يشف ما بنا ، فقال : بلي إن فيه شفاء ما ، ثمّ أبطل بالثانية قوله : على أنّ قرب الدار خير من البعد.

وتعلّق على هذه بما قبلها كتعلّق حاشا بما قبلها عند من قال به ، إلا أنّها أوصلت معناه إلى ما بعدها على وجه الإضراب والإخراج ، أو هي خبر لمبتدإ محذوف ، أي والتحقيق على كذا ، وهذا الوجه اختاره ابن الحاجب قال : ودلّ ذلك على أنّ الجملة الأولى وقعت على غير التحقيق ، ثمّ جئ بما هو التحقيق فيها ، قاله ابن هشام.

التاسع : أن تكون زائدة للتعويض ، أو غيره. فالأوّل كقوله [من الرجز] :

٣٣٧ ـ إنّ الكريم وأبيك يعتمل

إن لم يجد يوما على من يتّكل (٣)

أي من يتّكل عليه ، فحذف عليه ، وزاد على قبل الموصول تعويضا له ، قاله ابن جنيّ ، وقيل : المراد إن لم يجد يوما شيئا ، ثمّ ابتدأ مستفهما فقال : على من يتّكل ، والثاني كقوله [من الطويل] :

٣٣٨ ـ أبي الله إلا أنّ سرحة مالك

على كلّ أفنان العضاة تروق (٤)

قاله ابن مالك. قال ابن هشام : وفيه نظر ، لأنّ راقه الشيء بمعنى أعجبه ، ولا معنى له هنا ، وإنّما المراد تعلو وترفع ، انتهى. وفي القاموس ، الروق : مصدر راق عليه ، أي زاد عليه فضلا ، فلا حاجة حينئذ إلى تضمين.

وفي ولها عشرة معان :

أحدها : الظرفية حقيقة مكانية أو زمانية ، وقد اجتمعتا في قوله تعالى : (الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ) [الروم / ١ ـ ٤] ، أو مجازا إمّا أن يكون الظرف والمظروف معنيين ، نحو : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ)

__________________

(١) هما لأبي خراش الهذليّ واسمه خويلد بن مرّة. اللغة : رزئته : أصبت به ، قوسي. موضع ببلاد السراة ، الكلوم : جمع كلم بمعنى الجرح ، نوكل : نحرّق ، جلّ : عظم وكثر.

(٢) هو لعبد الله بن الدمينة. وقوله «بكل» أي بالقرب والبعد.

(٣) الرجز مجهول القائل. اللغة : يعتمل : يعمل بنفسه.

(٤) البيت لحميد بن ثور ، وهو شاعر مخضرم ، أسلم ومات في خلافة عثمان. اللغة : السرحة : الشجرة العظيمة ، وهي في البيت كناية عن امرأة ، والعضاة : شجر له شوك.

٣٦٨

[البقرة / ١٧٩] ، أو الظرف معنى والمظروف ذاتا ، نحو : أصحاب الجنّة في رحمة أو بالعكس ، نحو : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب / ٢١].

الثاني : السببيّة ، نحو : (لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ) [النور / ١٤] ، وفي الحديث : إنّ امرأة دخلت النار في هرّة حبستها (١).

الثالث : المصاحبة ، نحو : (حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ) [فصلت / ٢٥].

الرابع : الاستعلاء ، نحو : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) [طه / ٧١] ، والأولى أن يقال : إنّها بمعناها لتمكّن المصلوب في الجذع تمكّن المظروف في الظرف فهي من باب الاستعارة التبعيّة.

الخامس : مرادفة الباء ، كقوله [من الطويل] :

٣٣٩ ـ ويركب يوم الرّوع منّا فوارس

بصيرون في طعن الأباهر والكلي (٢)

السادس : مرادفة إلى ، نحو : (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) [إبراهيم / ٦].

السابع : مرادفة من ، نحو : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) [النحل / ٨٤] ، أي منهم بدليل الأية الأخرى.

الثامن : مرادفة عن ، نحو : (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) [الإسراء / ٧٢] ، أي عنها وعن محاسنها.

التاسع : المقايسة ، وهي الداخلة بين مفضول سابق وفاضل لاحق ، نحو : (فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) [التوبه / ٣٨].

العاشر : التوكيد ، وهي الزائدة نحو : (ارْكَبُوا فِيها) [هود / ٤١] أي اركبوها.

والباء : وحركتها الكسر ، وقد تفتح مع الظاهر فيقال بزيد ، حكاه أبو الفتح عن بعضهم ، قالها أبو حيّان ، ولها أربعة عشر معنى :

أحدها : الإلصاق ، قيل : وهو معنى لا يفارقها ، فلهذا اقتصر عليه سيبويه ، قال في شرح اللب (٣) : وهو تعلّق أحد المعنيين بالآخر حقيقيا ، نحو : أمسكت بالحبل ومجازيا ، نحو : مررت بزيد ، أي ألصقت مروري بمكان يقرب منه زيد.

الثاني : التعدية ، وهي تغيير معنى الفعل وجعله متضمّنا لمعنى التصيير كما في الهمزة والتضعيف ، وهذا المعنى ممّا انفردت به عن سائر حروف الجرّ ، وتطلق التعدية على

__________________

(١) تقدّم في ص ٢٨٩.

(٢) هو لزيد الخيل الّذي سمّاه النبي (ص) زيد الخير. اللغة : الروع : الخوف والمراد هنا الحرب ، أباهر : جمع أبهر وهو عرق إذا انقطع مات صاحبه ، الكلي : جمع كلية.

(٣) لعلّه لب الألباب في علم الإعراب للاسفرايني أو للبيضاوي.

٣٦٩

معنى آخر ، وهو إيصال معنى الفعل إلى معموله بواسطة حرف الجرّ ، وهي بهذا المعنى متحقّقة في جميع موارد حروف الجرّ ، وذهب ذلك على بعض من عاصرنا ، ففسّر التعدية في هذا المقام بهذا المعنى الثاني ، وهو وهم منه ، قال ابن هشام : وتسمّي بالنقل أيضا ، وهي المعاقبة للهمزة في تصيير الفاعل مفعولا ، وأكثر ما تعدّي الفعل القاصر ، تقول في ذهب زيد : ذهبت بزيد وأذهبته ومنه : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) [البقرة / ١٧] ، وقرئ أذهب الله بنورهم ، وقول والسهيليّ : إن بين التعديتين فرقا مردود بالآية. ومن ورودها مع المتعدّي (دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) [البقرة / ٢٥١] ، وصككت الحجر بالحجر ، والأصل دفع بعض الناس بعضا ، وصكّ الحجر الحجر ، انتهى.

الثالث : الاستعانة ، وهي الداخلة على آلة الفعل حقيقة ، نحو : كتبت بالقلم ، ونجرت بالقدوم ، أو مجازا ، قيل : ومنه باء البسملة ، لأنّ الفعل لا يتأتّي على الوجه الأكمل إلا بها.

الرابع : السّببيّة ، نحو : (إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) [البقرة / ٥٤] ، (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) [العنكبوت / ٤٠] ، ومنه : لقيت بزيد الأسد ، أي بسبب لقائي إيّاه.

الخامس : المصاحبة ، وهي الّتي تصلح في موضعها مع ، أو يغني عنها وعن مصحوبها الحال ، نحو : (دَخَلُوا بِالْكُفْرِ) [المائدة / ٦١] ، أي معه أو كافرين ، قال ابن هشام في المغني : وقد اختلف في الباء من قوله تعالى : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) [غافر / ٥٥] فقيل : للمصاحبة ، والحمد مضاف إلى المفعول ، أي فسبّحه حامدا له ، أي نزّهه عمّا لا يليق به ، وأثبت له ما يليق به ، وقيل للاستعانة ، والحمد مضاف إلى الفاعل ، أي سبّحه بما حمد به نفسه ، إذ ليس كلّ تتريه بمحمود ، ألا ترى أنّ تسبيح المعتزلة (١) اقتضي تعطيل كثير من الصفات ، انتهى.

قال شيخ شيوخنا الحرفوشي (ره) في اللآلى الدريّة بعد نقله ذلك : لا يخفى عليك أنّ المعتزلة ومن وافقهم لم ينفوا الصفات رأسا حتى يلزم التعطيل ، بل نفوا زيادتها ، فقالوا : سمعه عين ذاته ، قدرته عين ذاته ، وكذلك البواقي ، وهذا لا يستلزم ذلك ، بل أدلّ على التتريه ، لأنّ القول بالزيادة يؤدّي إلى محذورات تقتضي عكس ما أرادوا من التتريه ، كما هو المقرّر في علم الكلام ، فليراجع ثمة ، انتهى.

__________________

(١) طائفة بدأت دينية فقط ثمّ خاضت في السياسة ، وقد نشأت إثر اعتزال واصل بن عطاء (ـ ١٣١ ه‍) أستاذه الحسن البصري (ـ ١١٠ ه‍) لاختلافهما في بعض المعتقدات ثمّ صار المعتزلة شيعا ومن أعلامهم الجاحظ والتوحيدي والزمخشري. مغني اللبيب ص ١٤٠.

٣٧٠

السادس : الظرفية ، نحو : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ) [آل عمران / ١٢٣] ، (نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) [القمر / ٣٤].

السابع : البدل ، وهي الّتي يحسن في مكانها بدل ، كقول الحماسي [من البسيط] :

٣٤٠ ـ فليت لي بهم قوما إذا ركبوا

شنّوا الإغارة فرسانا وركبانا (١)

أي بدلهم ، وانتصاب الاغارة على المفعول لأجله.

الثامن : المقابلة ، وهي الداخلة على الأعواض والأثمان ، نحو : كافأت الإحسان بضعف ، واشتريت الفرس بألف.

التاسع : المجاوزة ، فقيل : تختصّ بالسؤال. قال في الهمع : وظاهر كلام أبي حيان أنّ الكوفيّين كلّهم عليه ، نحو : (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) [الفرقان / ٥٨] ، بدليل : (يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ) [الحديد / ١٢] ، وقيل : لا تختصّ به بدليل : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) [الفرقان / ٢٥] ، وجعل الزمخشريّ هذه الباء بمترلتها في شققت السنام بالشّفرة ، على أنّ الغمام جعل كالألة الّتي يشقّق بها.

العاشر : الاستعلاء ، نحو : (مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ) [آل عمران / ٧٥] بدليل (هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ) [يوسف / ٦٤].

الحادي عشر : التبعيض ، أثبت ذلك الأصمعّي والفارسيّ والقتبيّ (٢) وابن مالك ، قيل : والكوفيّون ، وجعلوا منه : (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) [الإنسان / ٦] أي منها ، قال بعضهم : ويمكن أن تكون الباء سببيّة ، أي أنّ العين في اللطافة بحيث تدعو الناظر بها أن يشرب منها ، انتهى.

الثاني عشر : القسم ، وهي أصل حروفه ، ولذلك خصّت بجواز ذكر الفعل معها ، نحو : أقسم بالله لتفعلنّ ، ودخولها على الضمير ، نحو : بك لأفعلن ، واستعمالها في القسم الاستعطافيّ ، وهو المؤكّد لجملة طلبيّة ، نحو : بالله هل قام زيد ، أي أسألك بالله مستحلفا.

الثالث عشر : الغاية ، نحو : (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي) [يوسف / ١٠٠] أي إلى ، وقيل : ضمّن أحسن معنى لطف.

__________________

(١) البيت من مختار أبي تمام في أوايل ديوان الحماسة ، وهو من كلمة لقريط بن أنيف. اللغة : الإغارة : الهجوم على العدو والإيقاع به ، فرسانا : جمع فارس ، وهو راكب الفرس ، ركبانا : جمع راكب ، وهو أعم من الفارس.

(٢) هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري النحويّ اللغويّ ، صنّف : إعراب القرآن ، معاني القرآن ، جامع النحو ، مات سنة ٦٧٠ ه‍ ق ، بغية الوعاة ٢ / ٦٣.

٣٧١

الرابع عشر : التوكيد وهي الزائدة ، وزيادتها في ستّة مواضع على ما في المغني أحدها : الفاعل ، وزيادتها فيه : واجبة ، وغالبة ، وضرورة ، فالواجبة نحو : أحسن بزيد على قول الجمهور. والغالبة في فاعل كفي ، نحو : (كَفى بِاللهِ شَهِيداً) [الرعد / ٤٣] ، والجزم بزيادتها هو الأصحّ كما في الإرتشاف ، وقال الزّجّاج : دخلت الباء لتضمين كفي معنى اكتف ، أي فهي للتعدية ، قال ابن هشام في المغني : وهو من الحسن بمكان ، ويصحّحه قولهم : اتّقي الله امرو فعل خيرا يثبت عليه ، أي ليتّق وليفعل ، بدليل جزم يثب ، ويوجبه قولهم : كفي بهند ، بترك التاء ، فإن احتجّ بالفاصل فهو مجوز لا موجب ، بدليل : (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ) [الأنعام / ٥٩] ، (وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ) [فصلت / ٤٧] ، فإن عورض بقولك : أحسن بهند ، فالتاء لا تلحق صيغ الأمر ، وإن كان معناها الخبر ، انتهى.

ويشكل عليه إسناد الفعل الماضي إلى ضمير المخاطب ، وهو غير جائز. قالوا : ومن مجئ كفي هذه مجرّدا عن الباء قول الشاعر [من الطويل] :

٣٤١ ـ ويخبرني عن غائب المرء هديه

كفى الهدي عمّا غيّب المرء مخبرا (١)

ولا تزاد الباء في فاعل كفي الّتي بمعنى أجزأ وأغني ، ولا الّتي بمعنى وقي ، والأولى متعدّية لواحد كقوله [من الوافر] :

٣٤٢ ـ قليل منك يكفيني ولكن

قليلك لا يقال له قليل (٢)

والثانية متعدية لاثنين ، كقوله تعالى : (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) [الأحزاب / ٢٥]. والضرورة ، كقوله [من السريع] :

٣٤٣ ـ مهما لي الليلة مهما ليه

أودي بنعلى وسربالية (٣)

الثاني ممّا تزاد فيه الباء : المفعول ، نحو : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة / ١٩٥] ، (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) [مريم / ٢٥]. قال ابن هشام : وكثرت زيادتها في مفعول عرفت ونحوه ، وقلّت في مفعول ما يتعدّي لاثنين ، كقولك [من الكامل] :

٣٤٤ ـ تبلت فؤادك في المنام خريدة

تسقي الضّجيع ببارد بسّام (٤)

وقد زيدت في مفعول كفي المتعدّية لواحد ، ومنه الحديث : كفي بالمرء إثما أن

__________________

(١) أنشده ابن الإعرابي في لسان العرب ولم ينسبه إلى قائل معيّن. اللغة : غائب المرء : ما غاب منه ، الهدي : السيرة والطريقة.

(٢) لم يسمّ قائله.

(٣) هو لعمرو بن ملقط الطائي. اللغة : السربال : القميص ، أو الدّرع ، أو كلّ ما لبس.

(٤) هو لحسان بن ثابت. اللغة : تبلت : أسقمت وأفسدت ، الخريدة : البكرو الحسناء من النساء. الضجيج : الّذي ينام معك. البارد : المراد به هنا الريق ، البّسام : كثير التبسم ، والمراد به هنا الثغر.

٣٧٢

يحدّث بكلّ ما سمع (١).

قال المراديّ في الجني : وزيادة الباء في المفعول غير مقيسة مع كثرتها ، ولكن جزم الرضيّ بأنّها تزاد قياسا في مفعول عرفت وعلمت وجهلت وسمعت وتيقّنت وأحسنت.

الثالث : المبتدأ ، وذلك في قولك : بحسبك درهم ، وخرجت فإذا بزيد ، وكيف بك إذا كان كذا ، ومن الغريب أنّها زيدت في ما أصله المبتدأ وهو اسم ليس ، بشرط أن يتأخّر إلى موضع الخبر ، كقراءة بعضهم (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا) [البقرة / ١٧٧] بنصب البرّ ، وقوله [من المتقارب] :

٣٤٥ ـ اليس عجيبا بأنّ الفتى

يصاب ببعض الّذي في يديه (٢)

الرابع : الخبر ، قال ابن هشام في تذكرته : زيادة الباء في الخبر على ثلاثة أقسام : كثير وقليل وأقلّ.

والكثير في ثلاثة مواضع ، وذلك بعد ليس وما نحو (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) [الزمر / ٣٦] ، (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) [الأنعام / ١٣٢] ، وبعد أو ولم نحو : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ) [الأحقاف / ٣٣] ، وذلك لأنّه في معنى أو ليس الله بقادر ، فهو راجع إلى المسألة الأولى في المعنى.

والقليل في ثلاثة مواضع : بعد كان وأخواتها منفيّة ، كقوله [من الطويل] :

٣٤٦ ـ وإن مدّت الأيدي إلى الزّاد لم أكن

بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل (٣)

وبعد ظنّ وأخواتها منفية كقوله [من الطويل] :

٣٤٧ ـ دعاني أخي والخيل بيني وبينه

فلمّا دعاني لم يجدني بقعدد (٤)

وبعد لا العاملة عمل ليس ، كقوله [من الطويل] :

٣٤٨ ـ فكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة

بمغن فتيلا عن سواد بن قارب (٥)

والأقلّ في ثلاثة مواضع :

بعد أنّ ولكنّ وهل ، فالأوّل ، كقوله [من الطويل] :

٣٤٩ ـ فإن تنأ عنها حقبة لا تلاقها

فإنّك ممّا أحدثت بالمجرّب (٦)

_________________

(١) نهج الفصاحة حديث ٢١٣٦ ، ص ٤٥٣.

(٢) هو لمحمود بن حسن الوارق.

(٣) البيت للشنفرى. اللغة : الزاد : الطعام ، أجشع : أشد الحرص والطمع والمراد هذا الحرص على الأكل.

(٤) هو لدريد بن الصّمة. اللغة : القعدد : الجبان والقاعد عن الحرب والمكارم.

(٥) هو لسواد بن قارب السدوسي الصحابي. اللغة : الفتيل : هو الخيط الرقيق الّذي يكون في شق النواة.

(٦) هو لامرئ القيس. اللغة : تنأ : تبعد ، الحقبة من الدهر : المدة لا وقت لها أو السنة.

٣٧٣

والثاني كقوله [من الطويل] :

٣٥٠ ـ ولكنّ أجرا لو فعلت بهيّن

 ... (١)

والثالث كقوله [من الطويل] :

٣٥١ ـ ...

ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم (٢)

انتهى.

وقال في المغني : زيادتها في الخبر ضربان : غير موجب ، فينقاس ، وقد مرّ مثاله ، وموجب ، فيتوقّف على السماع ، وهو قول الأخفش ومن تابعه ، وجعلوا منه : (جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) [يونس / ٢٧] ، والأولى تعليق (بِمِثْلِها) باستقرار محذوف هو الخبر ، انتهى.

الخامس : الحال المنفي عاملها ، كقوله [من البسيط] :

٣٥٢ ـ كائن دعيت إلى بأساء داهمة

فما انبعثت بمزؤود ولا وكل (٣)

السادس : التوكيد بالنفس والعين ، نحو : جاءني زيد بنفسه أو بعينه.

اللام : واللام ، وهي مكسورة مع غير المضمر ، مفتوحة معه في غير لغة خزاعة (٤) ، نحو : لكم ولنا ، وتكسر في لغتهم مطلقا ، وهذا في غير ياء المتكلم ، فإنّها تكسر معها وفي غير المستغاث المباشر للياء ، فإنّها تفتح معه ، نحو : يا لله ، وتفتح الداخلة على الفعل ، نحو : (لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) [إبراهيم / ٤٦] ، قال الرضيّ : ونقل فتحها مع جميع المظهرات ، ولها عشرون معنى :

أحدها : الاستحقاق ، وهي الواقعة بين معنى وذات ، نحو : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) [الحمد / ١].

الثاني : الاختصاص ، نحو : الجلّ للفرس.

الثالث : الملك ، نحو : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) [البقرة / ٢٥٥] ، وبعضهم يستغني بذكره عن ذكر المعنيين قبله تقليلا لاشتراك.

الرابع : التمليك ، نحو : وهبت لزيد دينارا.

الخامس : شبه التمليك ، نحو : (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) [النحل / ٧٢].

السادس : التعليل ، نحو : (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ) [النساء / ١٠٥] ، ومنها اللام الثانية في نحو : يا لزيد لعمرو ، وتعلّقها بمحذوف ، وهل هو فعل من جملة مستقلّة ، أي أدعوك

__________________

(١) تمامه «وهل ينكر المعروف في الناس والأجر» ، ولم يسمّ قائله. اللغة : الهيّن : الحقير ، السهل اليسير.

(٢) هو للفرزدق يهجوبها جريرا. وتمامه «إذا اقلولي عليها وأقردت» ، اللغة : القلولي : ارتفع ، أقردت : لصقت بالأرض وسكنت.

(٣) لم يسّم قائله. اللغة : البأساء : الشدّة. الداهمة : الأمر إذا أتى بغتة ، المزؤود : مفعول من زئد بمعنى ذعر وخوف ، الوكل : العاجز ، البليد ، الجبان.

(٤) من قبائل عرب الجنوب أو القحطانيين.

٣٧٤

لعمرو ، أو اسم هو حال من المنادى ، أي مدعوّا لعمرو ، قولان ، لم يطّلع ابن عصفور على ثانيهما ، فنقل الإجماع على الأوّل.

السابع : موافقة إلى ، نحو : (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) [الزلزلة / ٥].

الثامن : موافقة على ، نحو : (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً) [الإسراء / ١٠٩].

التاسع : موافقة في ، نحو : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) [الأنبياء / ٤٧].

العاشر : موافقة من ، نحو : سمعت له صراخا ، وقول جرير [من الطويل] :

٣٥٣ ـ لنا الفضل في الدّنيا وأنفك راغم

ونحن لكم يوم القيامة أفضل (١)

الحادي عشر : موافقة عند ، كقولهم : كتبته لخمس خلون.

الثاني عشر : موافقة بعد ، نحو : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) [الإسراء / ٧٨]

الثالث عشر : موافقة بعد ، نحو : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) [الأحقاف / ١١] ، قاله ابن الحاجب ، وقال ابن مالك وغيره : هي لام التعليل ، وقيل : غير ذلك.

الرابع عشر : التبليغ ، وهي الجارّة لاسم السامع لقول أو ما في معناه نحو : قلت له ، وأذنت له ، وفسّرت له.

الخامس عشر : الصيرورة ، وتسمّي لام العاقبة ولام المال ، نحو : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص / ٨] ، وأنكرها البصريّون ومن تبعهم ، وردّوها إلى التعليل بحذف السبب وإقامة المسبب مقامه ، وسيأتي عليها مزيد الكلام في حديقة الأفعال ، إن شاء الله تعالى.

السادس عشر : القسم والتعجّب معا ، وتختصّ باسم الله تعالى كقوله [من البسيط] :

٣٥٤ ـ لله يبقى على الأيّام ذو حيد

 ... (٢)

السابع عشر : التعجّب المجرّد عن القسم ، وتستعمل في النداء ، كقولهم : يا للماء ويا للشعب ، إذا تعجّبوا من كثرتهما ، وفي غيره كقوله : لله دره فارسا ، ولله أنت.

الثامن عشر : التعدية ، نحو : ما أضرب زيدا لعمرو ، وقال في التصريح : لأنّ الضرب متعدّ في الأصل ، ولكن لمّا بني منه فعل التعجّب نقل إلى فعل بضمّ العين ، فصار قاصرا ، فعدّي بالهمزة إلى زيد وباللام إلى عمرو ، وهذا مذهب البصريّين. وذهب الكوفيّون

__________________

(١) اللغة : راغم من رغم بمعنى ذلّ ويقال : رغم أنفه : ألصقه بالتراب.

(٢) تمامه «بشمخرّ به الظيّان والأس» ، وهو لأبي ذؤيب الهذلي. اللغة : الحيد : جمع حيدة وهو العقدة في قرن الوعل ، المشمخّر : الجبل ، الظيان والأس : نباتان جبليان زكيان.

٣٧٥

إلى أنّ الفعل باق على تعديته ، ولم ينقل ، وأنّ اللام ليست لتعدية ، وإنّما هي مقوّية للعامل لما ضعف باستعماله في التعجّب ، وهذا الخلاف مبنيّ على أنّ فعل التعجّب إذا صيغ من متعدّ هل يبقي على تعديته أو لا؟ ذهب الكوفيّون إلى الأوّل والبصريّون إلى الثاني ، انتهى.

التاسع عشر : التوكيد ، وهي اللام الزائدة ، وهي أنواع : فمنها المعترضة بين الفعل المتعدّي ومفعوله ، كقوله [من الكامل] :

٣٥٥ ـ وملكت ما بين العراق ويثرب

ملكا أجار لمسلم ومعاهد (١)

ومنها اللام المسمّاة بالمقحمة ، وهي المعترضة بين المتضايفين كقولهم : يا بؤس للحرب ، والأصل يا بؤس الحرب ، فأقحمت اللام تقوية للاختصاص ، وهل انجرار ما بعدها بها أو بالمضاف؟ قولان أرحجهما الثاني (٢) ، لأنّ من شأن المضاف أن يجرّ المضاف إليه ، وإلا فلا إضافة ، ومنها اللام المسمّاة بلام التقوية ، وهي المزيدة لتقوية عامل ضعيف إما بتأخّر ، نحو : (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) [يوسف / ٤٣] ، أو لكونه فرعا في العمل ، نحو : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) [البروج / ١٦] ، (نَزَّاعَةً لِلشَّوى) [المعارج / ١٦] ، ونحو : ضربي لزيد حسن ، وأنا ضارب لعمرو ، وقد اجتمع التأخير والفرعية في نحو : (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) [الأنبياء / ٧٨] ، ومنها لام المستغاث عند المبرّد ، واختاره ابن خروف ، وسيأتي الكلام عليها.

العشرون : التبيين ، وهي على ثلاثة أقسام كما في المغني :

أحدها : ما يبيّن المفعول من الفاعل ، وهذه تتعلّق بمذكور ، وضابطها أن تقع بعد فعل تعجّب أو اسم تفضيل مفهمين حبّا أو بغضا ، تقول : ما أحبّني وما أبغصني ، فإن قلت لفلان فأنت فاعل الحبّ والبغض ، وهو مفعولها ، وإن قلت : إلى فلان فالأمر بالعكس.

قال ابن بابشاذ في شرح الجمل (٣) : ولم أعلم أنّ أحدا من أصحابنا شرح هذا ، وبيّن العلّة فيه الّتي لأجلها اختصّت اللام بالفاعل وإلى بالمفعول ، والقول عندي في ذلك : إنّ اللام لمّا كانت في باب الاستخبار والإخبار تختصّ بالفاعل في المعنى من نحو قولك : لمن

__________________

(١) هو لابن ميّادة واسمه الرماح بن البرد بن ثوبان. اللغة : أجاز : أنقذ وأعاذ ، المعاهد : الّذي أخذ منه العهد للاسلام من أهل الذمة وغيره.

(٢) في رأي ابن هشام أرجحهما الاول ، لأنّ اللام أقرب ، ولأن الجار لا يعلق ، مغني اللبيب ص ٢٨٧.

(٣) الجمل في النحو للزجاجي ، له شروح منها شرح طاهر ابن أحمد المعروف بابن بابشاذ النحويّ المتوفى سنة ٢٥٤. كشف الظنون ١ / ٦٠٣.

٣٧٦

هذا الفعل ، فتقول مجيبا : هو لفلان ، فتأتي باللام ، وليس كذلك إلى ، لأنهّا تدخل في باب الاستخبار والاخبار لمعنى أيضا ، نحو قولك : إلى من يصل هذا الفعل؟ فتقول : إلى فلان.

فإن قيل : ولم كانت اللام في أصلها للفاعل وإلى في أصلها للمفعول؟ قيل؟ إنّ اللام معناها في الأصل الملك والاستحقاق ، والملك والاستحقاق للفاعلين الّذين ملكوا واستحقّوا الاشياء ، وإلى معناها انتهاء الغاية ، والغاية منتهي لفعلك ، فلذلك اختصّ بما ذكرناه ، انتهى.

الثاني والثالث : ما يبيّن مفعوليّة غير ملتبسة بفاعلية ، وما يبيّن فاعلية غير ملتبسة بمفعوليّة ، ومصحوب كلّ منهما إمّا غير معلوم ممّا قبلها ، أو معلوم ، ولكن استوقف بيانه تقوية للبيان وتوكيدا له ، واللام في ذلك كلّه متعلّقة بمحذوف. مثال المبيّنة للمفعول : سقيا لزيد وجدعا له ، التقدير إرادتي لزيد ، ومثال المبيّنة للفاعلية تبا لزيد وسحقا له ، فإنّهما في معنى خسرو هلك.

تنبيه : ممّا يجرّ الظاهر والمضمر من حروف الجرّ الثلاثة الأتيه ذكرها في باب الاستثناء ، وهي عدا وخلا وحاشا.

الحروف الّتي تجرّ الظاهر : «وسبعة منها تجرّ الظاهر فقط ، وهي مذ ومنذ» بضمّ الميم فيها وثبوت النون ساكنة بعد الميم في الثانية ، وكسرها لغة بني سليم (١) ، وقال أبو حيّان : حكى اللحيانيّ (٢) في نوادره كسر منذ عن بني سليم ، وكسر مذ عن عكل (٣). انتهى.

قالوا : ومنذ بثبات النون أصل لمذ بدليل رجوعهم إلى ضمّ ذال مذ عند ملاقات ساكن ، نحو : مذ اليوم ، ولو لا أنّ الأصل الضمّ لكسر ، ولأنّ بعضهم يقول : مذ زمن طويل ، فيضمّ مع عدم الساكن. وقال ابن ملكون (٤) : هما أصلان ، لأنّه لا يتصرّف في الحرف ولا شبهه ، ويردّه تخفيفهم إن وكأن ولكن ورب وقط. وقال المالقيّ (٥) : إذا كانت مذ اسما فأصلها منذ ، أو حرفا فهي أصل ، قاله في المغني.

__________________

(١) من قبائل عرب الشمال أو العدنانيين.

(٢) على بن المبارك أبو الحسن اللحياني أخذ عن الكسائي والأصمعي وله النوادر المشهورة. بغية الوعاة ٢ / ١٨٥.

(٣) قبيلة من الرّباب.

(٤) أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الأشبيليّ نحويّ بارع ، روى عنه ابن خروف والشلوبين ، له شرح الحماسه ، وشرح جمل الزجاجيّ ، مات سنة ٥٨٤ ه‍ ق. المصدر السابق ١ / ٤٣١.

(٥) يحيي بن على بن احمد بن محمد بن غالب أبو زكريا المالقي النحويّ الاديب (٥٧٨ ـ ٦٤٠ ه‍ ق) له شعر جيدّ. المصدر السابق ٢ / ٣٣٧.

٣٧٧

وفي النهاية (١) قالوا : مذ ومنذ حرفان ، وفي هذا نظر ، إذا قالوا : أصل مذ ومنذ ، ويلزم على قولهم : ان المخفّفة من إنّ وأنّ حرفان ، وإنّ ربّ باعتبار لغاتها عشرة أحرف ، حكاه المراديّ في الجنى الداني ، ثمّ قال قلت : الّذي يظهر أنّ مرادهم أنّ مذ كان أصلها منذ ، كاختها ، فحذفت نونها ، وتركت أختها على أصلها ، ألا ترى أنّهم قالوا : الأغلب على مذ الاسميّة ، والأغلب على منذ الحرفيّة ، فلو كانت مذ فرع منذ هذه لساوتها في الحكم ، انتهى.

«وتختصّان بالزمان» غير المستقبل من الماضي ، والحال ، وكان عليه التقييد بذلك ، لئلّا يتوهّم أنّهما لمطلق الزمان ، وليس كذلك ، فإنّهما لا تستعملان في الزمان المستقبل اتّفاقا ، كما قال الرضيّ ، ومعناها ابتداء الغاية إن كان الزمان ماضيا كقوله [من الكامل] :

٣٥٦ ـ ...

أقوين مذ حجج ومذ دهر (٢)

وقوله [من الطويل] :

٣٥٧ ـ ...

وربع عفت آثاره منذ أزمان (٣)

أي من حجج ومن أزمان ، والظرفيّة ، إن كان حاضرا ، نحو : ما رأيته مذ أو منذ يومنا ، أي في يومنا ومعنى من وإلى إن كان معدودا ، نحو : ما رأيته مذ ثلاثة أيام ، أي من ابتدائها إلى انتهائها.

وربّ ، والقول بحرفيّتها كما مشى في إطلاقه السابق هو مذهب البصريّين ، ومذهب الكوفيّين والأخفش في أحد قوليه ، وابن الطراوة ذهب إلى أنّها اسم ، وهو مرتضي الرضيّ. وفيها ثمانية عشر لغة : ضمّ الراء وفتحها مع تشديد الباء وتخفيفها ، والأوجه الأربعة مع التاء مفتوحة وساكنة ، أو مع ما أو معها ، فهذه ستّ عشرة وضمّها مع اسكان الباء وضمّها (٤).

وفي معناها ثمانية أقوال : أحدها : أنّها للتقليل دائما ، وعليه الأكثرون. الثاني : أنّها للتكثير دائما ، الثالث : أنّها لهما على السواء. الرابع : أنّها لم توضع لواحد منهما ، بل هي حرف إثبات لا يدلّ على تكثير ولا تقليل ، وإنّما يفهم ذلك من خارج. الخامس : للتكثير في مواضع المباهات ولافتخار ، وللتقليل فيما عداه. السادس : لمبهم العدد يكون

__________________

(١) النهاية في النحو لابن الخباز أحمد بن الحسن المتوفى سنة ٦٣٧. كشف الظنون ٢ / ١٩٨٩.

(٢) صدره «لمن الدّيار بقنّة الحجر» ، وهو لزهير بن أبي سلمى. اللغة : القنة : أعلى الجبل ، القمة ، الحجر : اسم موضع ، أقوين : خلون ، حجج : سنوات.

(٣) صدره «قفا نبك من ذكري حبيب وعرفان» ، وهو لامرئ القيس وتقدّم برقم ١٦.

(٤) سقطت هذه الجملة في «س».

٣٧٨

تقليلا وتكثيرا. السابع : للتقليل كثيرا وللكثير قليلا. الثامن : عكسه ، أي للتكثير كثيرا وللتقليل قليلا ، وهو الّذي جزم به ابن مالك في التسهيل.

واختاره ابن هشام في المغني ، قال : فمن الأول (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) [الحجر / ٢] ، وقوله (ع) : يا ربّ كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة (١). وسمع الكسائيّ أعرابيّا ، يقول بعد انقضاء شهر رمضان : «يا ربّ صائمه لن يصومه ، ويا ربّ قائمه لن يقومه». وقال الشاعر [من المديد] :

٣٥٨ ـ ربّما أوفيت في علم

ترفعن ثوبي شمالات (٢)

وجه الدليل أنّ الآية والحديث والمثال مسوقة للتخويف ، والبيت مسوق للافتخار ، ولا يناسب واحدا منهما التقليل.

ومن الثاني قول الشاعر [من الطويل] :

٣٥٩ ـ ألا ربّ مولود وليس له أب

وذي ولد لم يلده أبوان

وذي شامة غرّاء في حرّ وجهه

مجلّلة لا تنقضي لأوان

ويكمل في تسع وخمس شبابه

ويهرم في سبع معا وثمان (٣)

أراد آدم (ع) وعيسى (ع) والقمر. انتهى ملخّصا.

وقوله لم يلده بإسكان اللام ، وأصله لم يلده بكسرها وإسكان الدّال ، ثمّ سكنت اللام تشبيها لها بتاء كتف ، فالتقي ساكنان فحرّكت الدّال اتباعا لفتحة الياء ، وبالضّمّ اتّباعا لضمة الهاء. قاله الدمامينيّ.

«وتختصّ ربّ» بالظاهر «النكرة» لفظا ومعنى ، أو معنى فقط ، نحو ربّ رجل وأخيه ، ويغلب وصف هذه النكرة ، ولا يلزم خلافا للمبرّد وابن السّراج والفارسيّ وأكثر المتأخّرين منهم الشلوبين ، وفي البسيط أنّه رأي البصريّين ، لأنّ عاملها يحذف غالبا ، فجعل التزام الوصف كالعوض ، والأوّل هو ظاهر نصّ سيبويه ، وعليه نصّ الأخفش ، وقاله الفرّاء والزّجّاج وابن طاهر وغيرهم ، واختاره ابن عصفور ، لأنّ ما فيها من معنى القلّة والكثرة مغن عن الوصف كما في كم الخبريّة ، واحتجّ عليه بقول أم معاوية [من الكامل المجزوء] :

٣٦٠ ـ يا ربّ قائلة غدا

يا لهف أمّ معاوية (٤)

وقوله [من الطويل] :

__________________

(١) تقدّم في ص ٧١.

(٢) البيت لجذمية ألأبرش اللغة : أوفيت : أشرفت ، العلم. الجبل ، الشمالات : رياح الشمال الشديدة.

(٣) الأبيات لرجل من أزد السراة وقيل : لعمرو الجنبي.

(٤) هو لهند أم معاوية بن أبي سفيان قالته يوم بدر.

٣٧٩

٣٦١ ـ ألا ربّ مولود ...

 ... (١)

ويغلب حذف متعلّقها ومضيّه ، وقد تحذف هي ، فيجب إبقاء عملها وذلك بعد الفاء كثيرا ، كقوله [من الطويل] :

٣٦٢ ـ فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع

 ... (٢)

وبعد الواو كقوله [من الطويل] :

٣٦٣ ـ وليل كموج البحر أرخى سدوله

 ... (٣)

وبعد بل قليلا كقوله [من الرجز] :

٣٦٤ ـ بل مهمه قطعت بعد مهمة (٤)

ومع التجرّد أقلّ ، كقوله [من التخفيف] :

٣٦٥ ـ رسم دار وفقت في طلله

كدت أقضي الحياة من جلله (٥)

تنبيهات : الأوّل : قد تجرّ ربّ ضمير الغيبة ، فيلزم إفراده وتذكيره وتفسيره بتمييز مطابق للمعنى. نحو : ربّه رجلا وربّه رجلين وربّه رجال وربّه امرأة وربّه امرأتين وربّه نساء ، ولقلّة ذلك وشذوذه لم يذكره المصنّف ، فجعلها ممّا يجرّ الظاهر فقط ، وقد صرّح بضعف ذلك في بحث المضمرات ، وتبع فيه ابن مالك ، ومنعه أبو حيّان ، فقال : ما ذكره ابن مالك في بعض كتبه من القلّة وفي بعضها من الشذوذ ليس ذلك ، والنّحويّون أوردوا ذلك على سبيل الجواز أنّه فصيح ، لا شاذّ ، ولا قليل ، إلا أن عنى بالشذوذ شذوذ القياس ، وبالقلة قلّته بالنسبة إلى جرّها المظهر ، لأنّه أكثر من جرّها المضمر ، انتهى. وقد تقدّم الكلام على تعريف هذا الضمير وتنكيره في صدر الكتاب ، فليراجع.

الثاني : تتفرد ربّ من بين حروف الجرّ بوجوب التصدير ، كذا قال غير واحد ، فقيل : لأنّها للإنشاء مثل كم ، وقيل : لأنّها للقلّة الّتي هي بمترلة النفي ، والنفي له صدر الكلام.

قال الدمامينيّ : واستشكل أبو حيّان وجوب التصدير بوقوعها خبرا لأنّ في قوله [من الطويل] :

__________________

(١) تقدم برقم ٣٥٩.

(٢) تمامه «فألهيتها عن ذي تمائم محول» ، وهو من معلّقه امرئ القيس. اللغة : طرقت : جئت ليلا ، تمائم : جمع تميمة ، وهي التعويذة تعلّق على الصبي لتمنعه العين في زعمهم ، محول : اسم فاعل من «أحول الصبي» إذا أتي عليه من مولده عام.

(٣) تمامه «على بأنواع الهموم ليبتلي» ، وهو لامرئ القيس من معلقته. اللغة : أرخى : أرسل ، السدول : جمع سدل : الستر.

(٤) الرجز لرؤبة. اللغة : المهمه : المفازة البعيدة (ج) مهامه.

(٥) البيت لجميل بن معمر العذري. اللغة : الرسم : مالصق بالأرض من آثار الديار كالرماد وغيره ، الطلل : ما شخص وارتفع من أثارها كالوتد ونحوه ، من جلله : يعني من عظمة في نفسي أو من أجلك ، وبسببك.

٣٨٠