الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

السيد علي خان المدني الشيرازي

الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

المؤلف:

السيد علي خان المدني الشيرازي


المحقق: الدكتور السيد أبو الفضل سجادي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: روح الأمين
الطبعة: ٠
ISBN: 978-964-518-296-8
الصفحات: ٩٤٧

ومثله قول الأخر [من الطويل] :

٢٨٦ ـ يقولون هذا عندنا ليس ثابتا

ومن أنتم حتى يكون لكم عند (١)

«ولدى» ، نحو : (لَدَى الْبابِ) [يوسف / ٢٥] ، (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) [ق / ٣٥] ، وهي بمعنى عند ، لكن عند أمكن منها من وجهين : أحدهما أنّها تكون ظرفا للأعيان والمعاني ، نحو : عندي مال ، وهذا القول عندي صحيح ، ويمتنع الثاني في لدي ، ذكره ابن الشجرى في أمإليه ومبرمان (٢) في حواشيه. والثاني أنّك تقول : عندي مال وإن كان غائبا ، ولا تقول ، لديّ مال ، إلا إذا كان حاضرا ، قاله الحريرى وأبو هلال العسكريّ (٣) وابن الشجرى ، قال ابن هشام : وزعم المعريّ أنّه لا فرق بين لدي وعند ، وقول غيره أولى ، انتهى. وتعامل ألفها معاملة ألف إلى وعلى ، فتسلم مع الظاهر ، وتقلب ياء مع المضمر غالبا ، وقد يقال : لداكم.

«وسوى» نحو سوى زيد وسواك ، وسيأتي الكلام عليها في بحث المستثنى إن شاء الله تعالى.

تنبيه : استعمل بعضهم سوى مقطوعة عن الإضافة ، وممّن استعملها كذلك الخزرجيّ (٤) في منظومة العروضية ، فقال : تؤلّف من جزئين فرعين لا سوى وعند النّحويّين لها فيما يلزم الإضافة يقتضي منعه ، فتدبّ.

أو حال كونه «ظاهرا فقط» أي فحسب ، «وهو أولو» بمعنى أصحاب ، اسم جمع لا واحد له من لفظه بل من معناه ، وهو ذو ، قال الله تعالى : (نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ) [النمل / ٣٣].

«وذو» الدال على صحبة ، ولا ذو الموصولة ، نحو قوله تعالى : (وَذَا النُّونِ) [الأنبياء / ٨٧] ، «وفروعها» ، نحو و (أُولاتُ الْأَحْمالِ) [الطلاق / ٤] ، و (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ) [الطلاق / ٦] ، (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ) [الطلاق / ٢] ، (وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) [الأنفال / ١] ، (ذَواتا أَفْنانٍ) [الرحمن / ٤٨] ، (ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ) [سباء / ١٦]. ولا يضافان إلا إلى ظاهر اسم جنس ، ونعني به ما يقابل الصفة ، فلا يقال : جاءني رجال

__________________

(١) لم اهتد على هذا البيت.

(٢) محمد بن على أبو بكر المعروف بمبرمان ، كان قيّما بالنحو ، له من التصانيف ، شرح شواهد سيبويه ، شرح كتاب الأخفش ، النحو المجموع على العلل ، مات سنة ٣٤٥ ه‍ ق. بغية الوعاة ، ١ / ١٧٧.

(٣) الحسن بن عبد الله أبو هلال العسكري صاحب الصناعتين ، كان موصوفا بالعلم والفقه والغالب عليه الأدب والشعر ، له من التصانيف : كتاب صناعتي النظم والنثر ، التخليص في اللغة ، جهرة الامثال و... توفّي بعد سنة ٣٩٥ ه‍ ق. المصدر السابق ص ٥٠٦.

(٤) أحمد بن مسعود الحزرجيّ ، كان إماما في التفسير والنحو واللغة والعروض ، له تاليف حسان وشعر رائق ، الأعلام للزركلي ، ١ / ٢٤١.

٣٤١

أولوا عاقل ولا رجل ذو عاقل ، وذلك لأنّ ذا وأولو فرع عنها في الحقيقة ، إنّما وضعت وصلة إلى جعل أسماء الأجناس صفة ، وذلك لأنّهم لمّا أرادوا أن يصفوا شخصا بالذهب مثلا فلم يتأتّ لهم أن يقولوا : جاءني رجل ذهب ، فجاؤوا بذو وأضافوه إليه ، فقالوا ذو ذهب ، وأمّا إذا جاز كون تإليها صفة فلم يكن للمجيئ بها.

فائدة : قيل : وهذه هي الحكمة الّتي اقتضت اشتراط الظاهر ، لأنّ الضمير بوضعه لا يدلّ على حقيقة معينة ليقصد الوصف بها ، وإن كان المراد معيّنا باعتبار مرجعه ، لكنّه ليس معيّنا باعتبار لفظه ، وأمّا قول الشاعر [من الرمل] :

٢٨٧ ـ وإنّما يعرف ذا الفض

 ... ل من الناس ذووه. (١)

فشاذّ ، وقيل : لحن.

قال الزّجاجيّ في شرح أدب الكاتب (٢) : أنشدنا أبو بكر بن دريد ، قال : أنشدنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي قال : أنشدنا أعرابيّ من بني غنم ثمّ من بني حنظلة لنفسه [من الرمل] :

٢٨٨ ـ من تصدّي لأخيه بالغني فهو أخوه

تلقه المثري فإن أملق أقصاه بنوه

لو رأى الناس بنينا سائلا ما وصلوه

وهم لو طمعوا في زاد كلب أكلوه

لا تراني آخر الدهر بتسال أفوه

أنّ من يسأل سوى الرحمن يكرم حارموه

والّذي قام بإرزاق الورى طرّا سلوه

وعن الناس بحمد الله فاغنوا واحمدوه

تلبسوا أثواب عزّ فاسمعوا قولي وعوه

أنت ما استغنيت عن صاحبك الدهر أخوه

فإذا احتجت إليه ساعة مجّك فوه

أهنا المعروف ما لم تبتذل فيه الوجوه

إنّما يصطنع المعروف في الناس ذووه.

وشذّ أيضا قطعها عن الإضافة وإدخال أل عليها في قول الأخر [من الوافر] :

٢٨٩ ـ فلا أعني بذلك أسفليكم

ولكنّي أريد به الذّوينا (٣)

«أو» حال كونه «مضمرا فقط» وهو نوعان : ما يضاف لكلّ مضمر متكلّم أو مخاطب أو غائب ، مفردا كان أو مثنّى أو مجموعا مذكّرا أو مؤنّثا ، «وهو وحده» ، نحو : (إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ) [غافر / ١٢] ، وقوله [من الرجز] :

٢٩٠ ـ وكنت إذ كنت إلهي وحدكا

 ... (٤)

__________________

(١) لم يسمّ قائله.

(٢) أدب الكاتب لأبي محمد عبد الله بن مسلم المعروف بابن قتيبة النحوي المتوفى ٢٧٠ ه‍ ق له شروح منها شرح أبي القاسم الزجاجي المتوفى سنة ٣٣٩ ه‍ ق. كشف الظنون. ١ / ٤٨.

(٣) البيت للكميت بن زيد. اللغة : أسفلنون جمع أسفل ، وأسفل الشيء ضد أعلاه.

(٤) تمامه «لم يك شيئا يا الهي قبلكا» ، وهو لعبد الله بن عبد الأعلى علي القرشي.

٣٤٢

وقوله [من المنسرح] :

٢٩١ ـ والذّئب أخشاه إن مررت به

وحدي وأخشى الرّياح والمطرا (١)

وهو ملازم للتذكير والإفراد والنصب ، وللنحويّين فيه أقوال :

أحدها : مذهب سيبويه أنّه اسم موضوع موضع المصدر الموضوع موضع الحال فوحد في موضع اتّحاد ، واتّحاد في موضع موحد ، وهو الحال. قال ابن بابشاذ في شرح الجمل : وكان بعض أصحابنا يزيد على ذلك ، فيقول : وحد ناب مناب إيحاد ، وإيجاد ناب مناب موحد ، وموحد ناب مناب انفراد ، وانفراد ، وانفراد ناب مناب منفرد ، ومنفرد هو في الحقيقة حال ، انتهى. وهو تطويل مسافة من غير ضرورة.

الثاني : أنّه مصدر أوحدته ، وهو محذوف الزوائد ، وذهب إليه ابن جنيّ.

الثالث : أنّه مصدر لم يلفظ له بفعل ، وعلى هذين القولين فهو مصدر في موضع الحال.

الرابع : مذهب يونس أنّه نصب على الظرف ، فقول العرب : زيد وحده ، التقدير زيد موضع التفرّد.

وأجاز ابن هشام فيها وجهين : أحدهما ما قاله يونس ، والثاني أن يكون مصدرا بفعل مقدّر ، هو الخبر كما قالوا : زيد إقبالا ، أي أقبل إقبالا.

وحكى الأصمعيّ : وحد يحد ، وعليه هو مصدر لفعل مستعمل ، وقد يجرّ بعلى. حكى أبو زيد : قبضت كلّ درهم على وحده ، أي حدته. وحكى ابن سيدة : جلسا على وحدهما ، وبإضافة نسيج وجحيش تصغر جحش ، وهو ولد الحمار ، وعيير تصغير عير ، وهو الحمار يقال : نسيج وحده وجحيش وحده وعيير وحده ، ومعنى الأوّل المدح وتالييه الذمّ ، وربّما ثنّي مضافا إلى ضمير مثنّى ، حكى ابن سيدة جلسا على وحديهما.

تنبيه : اختلف القائلون بأنّه نصب على الحال فيما إذا قيل : رأيت زيدا وحده ، فالأكثرون يقدّرون في حال إيحادي له بالرّؤية ، ويعبّرون عن هذا بأنّه حال من الفاعل. والمبرّد يقدّره في حال أنّه مفرد بالرّؤية ، ويعبّر عن هذا بأنّه حال من المفعول ، ومنع أبو بكر بن طلحة كونه حالا من الفاعل ، وقال : إنّه حال من المفعول ليس إلا ، لأنّهم إذا أرادوا الفاعل قالوا مررت به وحدي كما قال الشاعر [من المنسرح] :

٢٩٢ ـ والذئب أخشاه إن مررت به

 ... (٢)

__________________

(١) هو للربيع بن ضبع الفزاريّ. اللغة : أخشى : أخاف.

(٢) تقدّم برقم ٢٩١.

٣٤٣

وهذا الّذي قاله ابن طلحة في البيت صحيح ، ولا يمتنع من أجله أن يأتي الوجهان المتقدّمان في رأيت زيدا وحده ، فأنّ المعنى يصحّ معهما.

وما يضاف لضمير المخاطب فقط وهو «لبيّك وأخواته» وهي سعدى ك وحنانيك ودواليك بفتح الدّال المهملة وهجاجيك (١) وهذا ذيك بذالين ، قال [من الرجز] :

٢٩٣ ـ ...

ضربا هذا ذيك وطعنا وخضا (٢)

وقد مرّ معنى ذلك كلّه ، وقول الأعلم : إنّ الكاف فيها لمجرّد الخطاب مثلها في ذلك مردود ، لقولهم حنانيه ولبّي زيد ، ولحذفهم النون لأجلها ولم يحذفوها في ذانك ، وبأنّها لا تلحق الأسماء الّتي تشتبه الحرف ، وشذّت إضافة لبّي لضمير الغائب في نحو قوله [من الرجز] :

٢٩٤ ـ ...

لقلت لبّيه لمن يدعوني (٣)

وإلى الظاهر في قوله [من المتقارب] :

٢٩٥ ـ دعوت لما نابني مسورا

فلبّي يدي مسور (٤)

وقال في الإتشارف : ودعوى الشذوذ فيهما باطلة. قال سيبويه : في هذا البيت ردّ على يونس في زعمه أنّ لبّي مفرد ، فأصله لبّي بألف بعد الموحّدة على زنة فعلى بسكون العين ، فقلبت الألف ياء لأجل الضمير ، كما قلبت في على وعليك ، وقول البدر بن مالك إنّ خلاف يونس جار في لبيّك وأخواته وهم ، وإنّما هو خاصّ بلبيّك.

«تكميل» لأحكام الإضافة «يجب تجريد المضاف من التنوين» ، نحو : جاءني غلام زيد ، وبعضهم يقول : إذا لم يكن في الاسم تنوين يقدّر وجوده ، ثمّ حذفه نحو : كم رجل ، وهنّ حواجّ بيت الله. قال البدر الدمامينيّ ، آخذا من كلام أبي حيان : وهذا عجيب ، فإنّه لا يمكن في مثل هذا تقدير شيء من التنوينات ، أمّا تنوين العوض والمقابلة فواضح ، وأمّا تنوين التنكير فلإختصاصه ببعض المبنيّات فرقا بين معرفتها ونكرتها ، ولا يتحقّق هنا. وأمّا تنوين التمكين فلأنّه علامة على كون الاسم لم يشبه الحرف ، فيبنى ، ولا الفعل فيمنع من الصرف ، فكيف يتصوّر تقدير هذا فيما ينافيه من المبنيّ المشابه

__________________

(١) هجايك : كفّ.

(٢) لم يسم قائله : اللغة : هذا ذيك أي هدّ بعد هذّ ، يعني قطعا بعد قطع : الوخض : الطعن غير الجائف ، قيل : وهو الجائف. الأصمعي : إذا خالطت الطعنة الجوف ولم تنفذ فذلك الوخض والوخط. لسان العرب ، ٤ / ٤٢٤٣.

(٣) قبله

«إنك لو دعوتني ودوني

زوراء ذات مترع بيون»

ولا يذكر قائلها. اللغة : الزوراء : الأرض البعيده الأطراف ، مترع : ممتد ، بيون : البئر البعيدة القعر ، لبيه : في هذا اللفظ التفات من الخطاب إلى الغيبة ، والأصل أن يقول : لقلت لك لبيك.

(٤) هو لرجل إعرابي من بني أسد. اللغة : نائبي : أصابني ، مسور : اسم رجل.

٣٤٤

للحرف وغير المنصرف المشابه بالفعل. والصواب ما قاله الرضيّ ، عليه من الله الرضا ، إنّه يقدّر أنّه لو كان فيه تنوين لحذف لأجل الإضافة ، وهذا لا يرد على ما ورد على تلك العبارة ، انتهى.

وظرف بعضهم حيث يقول [من الوافر] :

٢٩٦ ـ وكنّا خمس عشرة في النيام

على رغم الحسود بغير آفة

وقد أصبحت تنوينا وأضحي

حبيبي لا تفارقه الإضافة

ويجب تجريده أيضا من «نوني المثنّى والجمع» المذكّر السالم و «ملحقاتهما» كقوله تعالى : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) [المسد / ١] ، (وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ) [الحج / ٣٥] ، ونحو : اقبض اثنيك وعشريك ، وإنّما وجب تجريده من ذلك ، لأنّه يدلّ على كمال الاسم ، والإضافة تدلّ على نقصانه ، فلا يجمع بينهما ، وأمّا قوله [من الطويل] :

٢٩٧ ـ هم الفاعلون الخير والآمرونه

 ... (١)

فضرورة ، وقيل : الهاء للسكت.

ولا تحذف نون المفرد وجمع التكسير ، نحو : لسان زيد ، وشياطين الإنس ، وفهم من اقتصاره على تجريده ممّا ذكر أنّه لا يجرّد من غير ذلك كتاء التأنيث ، وقد يجرّد منها عند أمن اللبس ، يقال : هذه عذرتها ، وهو أبو عذرها ، إذا أضافوا إليها حذفوا التاء ، ونظيره قولهم : شعرت به شعرة ، فإذا أضافوا قالوا : ليت شعري ، ومنه قوله تعالى : (أَقامَ الصَّلاةَ) [البقرة / ١٧٧] ونظم ذلك بعضهم فقال [من البسيط] :

٢٩٨ ـ ثلاثة تحذف تاءاتها

مضافة عند جميع النحاة

منها إذا قيل أبو عذرها

وليت شعري وأقام الصلاة (٢)

وقد يفعل ذلك بعدّة وقول الشاعر [من البسيط] :

٢٩٩ ـ ...

وأخلفوك عد الأمر الّذي وعدوا (٣)

أي عدة الأمر ، واشتراط أمن اللبس احتراز من نحو : تمرة وخمسة وبقرة ، فإنّ حذف التاء منهنّ موقع في الإلباس ، وقد خرج جماعة على حذف التاء عند الإضافة قوله تعالى : (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) [البقرة / ٢٨٠] ، بضمّ السين وكسر الرّاء ، وقالوا : الأصل إلى ميسرته ، زاعمين أنّ مفعلا بغير الهاء مفقود ، وأنّ مكرما ومعونا جمع مكرمة ومعونة.

__________________

(١) تمامه «إذا ما خشوا من محدث الأمر معظما» ، ولم يسمّ قائله.

(٢) سقط هذان البيتان في «س».

(٣) صدر البيت «إنّ الخليط أجدّوا البين فانجردوا» ، وهو للفضل بن عباس. اللغة : الخليط : المخالط ، ما اختلط من صنفين أو اصناف ، البين : الفرقة.

٣٤٥

الإضافة اللفظية : «فإن كانت» الاضافة «إضافة صفة» والمراد بها اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة «إلى معمولها» ، أي معمول الصفة قبل الإضافة ، وإلا فكلّ إضافة المضاف إليه فيها معمول للمضاف حال الإضافة على الأصحّ ، ومعمولها إمّا مرفوع أو منصوب «فلفظيّة» نسبة إلى اللفظ لعود فائدتها من التخفيف إلى لفظ المضاف دون معناه ، أو لإفادتها صفة التخفيف لللفظ من غير جعلها معنى له ، قاله بعض المحقّقين.

وتسمّى غير محضة أيضا ومجازيّة ومنفصلة ، فكون الإضافة لفظيّة مبنيّ على كون الصفة عاملة إمّا رفعا أو نصبا ، لأنّها إذا كانت كذلك فالمجرور بها في الظاهر ليس مجرورا في الحقيقة ، والتنوين المحذوف في اللفظ مقدّر منويّ فتكون الإضافة كلا إضافة ، والصفة المشبهة أبدا جائزة العمل فإضافتها إلى ما هو فاعلها معنى بعد جعله في صورة المفعول لفظا كما سيأتي في بابها إن شاء الله تعالى لفظية أبدا.

وكذا عمل اسمي الفاعل والمفعول في مرفوع هو سببها جايز مطلقا نحو : زيد ضامر بطنه ومسوّد وجهه ومؤدّب خدّامه ، فإضافتها إلى ذلك السّييّ نحو : زيد ضامر البطن ومسوّد الوجه ومؤدّب الخدّام لفظيّة أبدا ، وكذا عملها في غير سببها كمررت برجل قائم في داره عمرو مضروب على بابه بكر ، لكن لا يضافان إلى مثل هذا المرفوع إذ لا ضمير فيه ، يصحّ انتقاله إلى الصفة وارتفاعه بها ، فيبقي بلا مرفوع في الظاهر ، وذلك لا يجوز لقوّة شبهها بالفعل.

وأمّا عمل اسم الفاعل في المفعول به واسم المفعول في المفعول الّذي لم يسمّ فاعله أو في المفعول المنصوب في باب أعطى أو عملها في غير المفعول به من المفعولات الأجنبيّة فمحتاج إلى شرط ، وهو الإعتماد ، وكونه بمعنى الحال أو الاستقبال كما سيأتي ، فإذا أضيفا والحالة هذه لذلك المعمول كزيد ضارب عمرا الآن أو غدا ، وزيد مضروب العبد أو معطي الدراهم ، فاضافتها لفظية ، لكن لا يضافان من مطلوباتهما إلا إلى الفاعل والمفعول به لشدّة طلبهما له ، ومثلهما في ذلك أبنية المبالغة. هذا ملخصّ ما قرّره الرضيّ.

«ولا تفيد» الإضافة اللفظيّة «إلا تحفيفا» لفظيّا فقط ، وذلك بحذف التنوين أو نوني المثنّى والجمع على حدّه ، وهو في اسمي الفاعل والمفعول المضافين إلى الأجنبيّ لا يكون إلا في المضاف ، وذلك بحذف التنوين أو النونين ، نحو : ضارب زيد ومعطي درهم وضاربا عمرو ومعطيا درهم وضاربو بكر ومعطو درهم ، وأما في المضافين إلى السييّ والصفة المشبهة فقد يكون في المتضايفين معا ، نحو : زيد قائم الغلام ومؤدّب الخدّام و

٣٤٦

حسن الوجه ، فالتخفيف في المضاف بحذف التنوين ، وفي المضاف إليه بحذف الضمير واستتاره في الصفة.

وقد يكون في المضاف (١) وحده كقائم غلامه ومؤدب خدّامه وحسن وجهه ، عند من جوّز ذلك ، وقد يكون في المضاف إليه وحده كالقائم الغلام والمودب الخدّام والحسن الوجه ، وأفاد المصنّف بحصر مفاد اللفظيّة في التخفيف أنّها لا تفيد غيره ، وظاهر كلام بعضهم أنّها إنّما تفيد في الحسن الوجه رفع القبح لا التخفيف ، وذلك أنّ في رفع الوجه خلوّ الصفة لفظا من ضمير يعود على الموصوف ، لأنّها إذا رفعت الوجه لم ترفع ضميره أو ملابس ضمير ، إذ المرفوع لا يتعدّد ، وليس مع الوجه ضمير يربط الصفة بالموصوف ، وفي نصبه على التشبيه قبح إجراء الوصف القاصر مجرى المتعدّي ، وفي الجرّ مخلص منهما ، ومن ثمّ امتنع الحسن وجهه بالجرّ لانتفاء قبح الرفع لحصول الربط بالضمير المضاف إليه ونحو : الحسن وجه بالجرّ أيضا لانتفاء قبح النصب ، لأن النكرة ينصب على التمييز.

هكذا قررّه ابن هشام في كتبه ، وقال في المغني ، وفي التحفة لابن مالك ردّ على ابن الحاجب في قوله : إلا تخفيفا ، فقال : بل تفيد التخصيص أيضا ، لأنّ ضارب زيدا أخصّ من ضارب ، وهو سهو ، فإنّ ضارب أصله ضارب زيدا بالنصب ، وليس أصله ضارب فقط ، فالتخصيص حاصل بالمعمول قبل أن تأتي الإضافة انتهى. وقد سبقه إلى هذا الرضيّ (ره).

الإضافة المعنويّة : «وإلا» تكن الإضافة إضافة صفة إلى معمولها «فمعنويّة» نسبة إلى معنى اللفظ ، أي المضاف لعود أثرها إليه من التعريف أو التخصيص ، أو لإفادتها معنى لم يكن به قبل الإضافة ، ممّا ذكر ، كذا قرّره بعض المحقّقين.

قال بعضهم : ولا يخفي أنّه أولى من قول كثير لأنّها أفادت أمرا معنويّا ، وهو التعريف أو التخصيص ، وتسمّى محضة ومتّصلة ، لأنّها خالصة من شائبة الانفصال ، ويصدق كون الإضافة غير إضافة صفة إلى معمولها على صدر أحدها ما ليس المضاف صفة ولا المضاف إليها معمولا للمضاف ، أي قبل الإضافة كغلام زيد ونحوه ممّا إضافته على معنى الحرف كما سيأتي.

ومنه إضافة المسمّى إلى الاسم ، نحو : سعيد كرز وشهر ربيع الأوّل وذو وذوات مضافين إلى المقصود بالنسبة نحو : ذا صباح وذات يوم ، وهذا النوع قال الرضيّ متّفق

__________________

(١) المضاف إليه «س».

٣٤٧

على جواز إضافته ، ويجب فيه التأويل بالمسمّى ، أي مسمّى كرز ، وكذا الباقي ، وإضافة الاسم إلى الصفة كمسجد الجامع وصلاة الأولى وجانب الغربيّ وبقله الحمقاء ، إن قلنا : إنّ الحمقاء (١) صفة للبقلة ، لأنّها تنبت في مجاري السيل. ورأيت في بعض الكتب الطبيّة أنّها إنّما أضيفت إلى الحمقاء ، لأنّ سيّدتنا فاطمة الزهراء ، عليها السّلام ، كانت تستطبّها ، فسمّتها بنو أميّة لعنهم الله بقلة الحمقاء ، ثمّ وقفت على ذلك في بعض كتب الحديث.

وعكسه هو إضافة الصفة للاسم ، نحو : سحق عمامة وجرد قطيفة وإخلاق ثياب ، إذ الأصل مسجد جامع وقطيفة جرد ، وكذا الباقي ، وهذان القسمان اختلف في جواز الإضافة فيهما ، فجوّزها الكوفيون حيث اختلف اللفظان مستندين إلى ما سمع من ذلك ممّا ذكرناه من غير تأويل ، ومنعها البصريّون ، وأوّلوا ما ورد منهما ، لأنّ الصفة هي الموصوف ، ولا يضاف الشيء إلى نفسه.

ثمّ قال الأكثرون منهم في تأويل الأوّل منهما : هو على حذف موصوف ، أي مسجد المكان الجامع وصلاة الساعة الأولى ، وفي الثاني كجرد قطيفة ، إنّه من باب خاتم فضة ، لأنّ المعنى شيء جرد ، أي بال ، ثمّ حذف الموصوف ، وأقيمت صفته إلى جنسها للتبيين ، أي شيء جرد من جنس قطيفة ، وشيء سحق من جنس عمامة ، ولا ينقاس ذلك ، بل مقصور على السماع.

وإضافة الموصوف إلى القائم مقام وصفه كزيد إليعملات أي صاحب إليعملات وإضافة المؤكّد بفتح الكاف إلى المؤكّد بكسرها كحينئذ ويومئذ ، قال الشاعر [من الطويل] :

٣٠٠ ـ فقلت أنجوا عنها نجا الجلد إنّه

سيرضيكما منها سنام وغاربه (٢)

النجا بالقصر الجلد من قولك : نجوت جلد البعير عنه ، وأنجبيته إذا سلخته فكأنّه قال : جلد الجلد ، فأضاف المؤكّد إلى المؤكّد. قال الفرّاء : أضاف النجاء إلى الجلد ، لأنّ العرب تضيف الشيء إلى نفسه إذ اختلف اللفظان نحو : حقّ اليقين وحبّ الحصيد وحبل الوريد ، ومذهب أكثر البصريّين أنّ هذا في غاية الندور ، فلا يقاس عليه ، ولا يتعدّي به مورد السماع ، واضافة الملغي إلى المعتبر كقول لبيد [من الطويل] :

٣٠١ ـ إلى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما

 ... (٣)

__________________

(١) إن قلنا إنّ الحمقاء سقطت في «ط».

(٢) هو لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت ، أو لأبي الغمر الكلابي. اللغة : السنام : كتل من الشحم محدّبة على ظهر البعير والناقة ، الغارب من البعير : ما بين السنام والعنق.

(٣) تمامه : «ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر».

٣٤٨

ومنه قوله : هذا حيّ زيد أي زيد ، وسمع الأخفش أعرابيّا يقول : عائبا الأبيات قالهنّ شاعر يسمّي رياح قالهن حيّ رياح. وإضافة المعتبر إلى الملغي الّذي لا يعتدّ به إلا كالاعتداد بالحرف الزائد للتاكيد كقول الحطيئة [من الطويل] :

٣٠٢ ـ ولو بلغت عوّا السماك قبيلة

لزادت عليها نهشل وتعلّت (١)

وقول الآخر [من الطويل] :

٣٠٣ ـ أقام ببغداد العراق وشوقه

لأهل دمشق الشّام شوق مبرّح (٢)

الصورة الثانية : ما المضاف فيها صفة ، لكنّ المضاف إليه ليس معمولا لها ، وذلك كاسم التفضيل ، نحو : أفضل اليوم على الأصحّ ، والوصف الّذي لم يرد به الحال والاستقبال كما في خالق السموات ومصارع مصر ، لأنّه لا يعمل ، فالمضاف إليه في ذلك ليس معمولا له فإضافته معنويّة.

الصورة الثالثة : أن يكون المضاف إليه معمولا للمضاف قبل الإضافة ، لكن ليس المضاف صفة ، وذلك كالمصدر المضاف لمرفوعه أو منصوبه كضرب الأمير وأكل الخبر على الأصحّ.

تنبيه : المشهور تقسيم الإضافة إلى هذين القسمين. أعني اللفظيّة ، تسمّى غير محضة ، والمعنويّة ، وتسمّى المحضة كما مرّ ، وأثبت ابن مالك في التسهيل قسما ثالثا سمّاه شبيها بالمحضة وواسطة ، وهو إضافة المسمّى إلى الاسم ، والاسم إلى الصفة وعكسه ، والموصوف إلى القائم مقام وصفه ، والموكّد إلى الموكّد والملغي إلى المعتبر وعكسه ، وقد مرّ آنفا أنّ الإضافة في ذلك كلّه داخلة في المحضة.

وذهب قوم إلى أنّها غير محضة ، لأنّها في تقدير الانفصال من حيث إنّ المعنى لا يصحّ إلا بتكلّف خروجه عن الظاهر ، وابن مالك جعلها واسطة بينهما ، لأنّ لها اعتبارين : أحدهما من جهة الانفصال المذكور ، والثاني من جهة الاتّصال من حيث إنّه لا ضمير فاصل بين المضاف والمضاف إليه ، كما كان في نحو ضارب زيد ، قال أبو حيّان : ولا أعلم له سلفا في ذلك.

«وتفيد» الإضافة المعنويّة «تعريفا» للمضاف «مع» المضاف إليه «المعرفة» كغلام زيد وعبد هذا وضارب زيد أمس ، وزيد أفضل الناس ، «و» تفيد «تخصيصا» للمضاف «مع» المضاف إليه «النكرة» ، نحو : غلام رجل ، والمراد بالتخصيص الّذي لم

__________________

(١) اللغة : عوّا : مترل من منازل القمر ، السماك : كلّ ما سمك ، حائطا كان أو سقفا.

(٢) البيت لبعض الطائيين.

٣٤٩

يبلغ درجة التعريف ، فإنّ غلام رجل أخصّ من غلام ، ولكنّه لم يتميّز بعينه كما تميّز زيد ، قاله في المغني.

وقال البدر الدمامينيّ في شرحه : فيه نظر ، فإنّ مقتضاه أنّه لو أطلق التخصيص ، ولم يرد به ما ذكره لدخل فيه التعريف ، وليس كذلك ، فإنّ التخصيص في عرفهم تقليل الاشتراك العارض في النكرة ، نحو : رجل صالح ، فهذا فيه تخصيص بخلاف زيد ، فإنّه في اصطلاحهم معرفة ، ولا يقال له : مخصّص ، انتهى.

وبهذا يدفع كلام أبي حيّان حيث قال : تقسيم النّحويّين الإضافة إلى التخصيص والتعريف ليس بصحيح ، لأنّه من جعل القسم قسيما لأنّ التعريف يخصّص ، وهو قسم منه لا قسيم له ، والإضافة إنّما تفيد التخصيص ، لكنّ أقوي مراتبه التعريف ، فإن أضيف إلى معرفة اكتسب التخصيص التامّ ، انتهى.

تنبيهات : الأوّل : أستفيد من كلام المصنّف هنا شيئان ، أحدهما أنّ الاضافة المعنويّة لا تجامع التعريف ، بل شرطها تجرّد المضاف منه غالبا ، لأنّ الأهمّ من الإضافة للمعرفة تعريف المضاف ، وهو حاصل للمعرفة ، فيكون تحصيلا للحاصل ، بل متى أريد إضافة المعرّف فإن كان بأل حذفت منه ، أو بالعلميّة نكّر بأن يجعل واحدا من الجملة ، فلا يقال : الغلام زيد ولا زيدكم ، إلا حذفت أل من الأوّل وقدّر الشياع (١) في الثاني ، ولذلك امتنعت إضافة المضمرات والمبهمات لتعذّر تقدير تنكيرها.

الثاني : أنّ المقصود لذاته هو المضاف ، فالصفة في قولك : جاء غلام زيد الظريف له لا للمضاف إليه إلا بدليل ، لأنّ المضاف إليه إنّما جئ به لغرض التعريف أو التخصيص ، ولم يؤت به لذاته ، وقد يكون الأمر بالعكس ، نحو : كلّ فتى يتّقي فائز ، فالصفة في ذلك للمضاف إليه ، لأنّ المضاف إنّما جئ به لقصد التعميم لا لحكم عليه ، ولذلك ضعف قوله [من الوافر] :

٣٠٤ ـ وكلّ أخ مفارقه أخوه

لعمر أبيك إلا الفرقدان (٢)

ذكره في المغني.

التنبيه الثاني : يستثنى من إفادة الإضافة التعريف للمضاف مع المعرفة مضافان ، فإنّهما يتخصّصان ولا يتعرّفان : أحدهما ما لا يقبل التعريف كغير ومثل وحسب ، إذا أريد بها مطلق المغايرة والمماثلة والكفاية ، كمررت برجل غيرك أو مثلك ، أو حسبك من رجل ،

__________________

(١) أي نكّر الاسم ثمّ أدخلت عليه أل ، أو إذا أضيف العلم نكّر ـ مغني اللبيب ص ٧٥. ويمكن القول إن العلم إذا أضيف ، أضيف الموصوف إلى القائم مقام الوصف يعني في الأصل زيد صاحبكم ، ثمّ حذفت الصفة. موسوعة النحو والصرف ، إميل بديع يعقوب ، ص ٩٧.

(٢) البيت لعمرو بن معديكرب. اللغة : الفرقدان : نجمان قريبان من القطب.

٣٥٠

ولذلك صحّ وصف النكرة بها ، واختلف في سبب ذلك ، أعني عدم قبول التعريف ، فقيل : لشدّة الإبهام ، وهو رأي ابن السّراج والسيرافيّ ، وارتضاه الشلوبين ، وذهب سيبويه والمبرّد إلى أنّ السبب في ذلك أنّ الاضافة إضافة تخفيف ، فينوى فيه التنوين ، لا إضافة تعريف كما في اسم الفاعل ، إلا أنّهم التزموا التخفيف في ذلك ، ولم يلتزموه في اسم الفاعل ، أمّا إذا أريد المماثلة والمغايرة في شيء مخصوص كما إذا اشتهر شخص بمماثلتك في شيء من الأشياء كالعلم أو الشجاعة ونحوها فقيل : جاء مثلك ، كان معرفة إذا قصد الّذي يماثلك في الشيء الفلاني ، وكذا غيرك.

قال ابن مالك في شرح التسهيل ، وقد يعني بغير ومثل مغايرة خاصّة ومماثلة خاصّة ، فيحكم بتعريفها ، وأكثر ما يكون ذلك في غير ، إذا وقعت بين الضدّين ، نحو : فليكن المغلوب غير الغالب ، والمسلوب غير السالب ، وأجاز بعض العلماء منهم السيرافيّ أن يحمل على هذا : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) [الحمد / ٧] ، لوقوع غير فيه بين متضادّين ، وليس ذلك بلازم لقوله تعالى (نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) [فاطر / ٣٧] ، فنعت به النكرة مع وقوعه بين متضادّين ، انتهى.

وأجاب الرضيّ عن هذا بأنّه على البدل لا الصفة وكغير ومثل وحسب وكلّ ما كان في معناه من شبهك ونظيرك وسواك ونحوك وضربك وتربك وندّك وحسبك وناهيك وشرعك وبجلك وقدّك قال [أبو حيّان] في الإرتشاف : ومأخذه السماع.

الثاني : ما كان واقعا موقع نكرة لا تقبل التعريف ، نحو : ربّ رجل وأخيه وكم ناقة وفصيلها ، وفعل ذلك جهده وطاقته ، ونحو : لا أبا له ، لأنّ ربّ وكم لا يجرّان المعارف ، والحال لا تكون معرفة ، ولا لا تعمل في المعرفة.

فائدة : في نحو لا أبا له ثلاثة مذاهب :

أحدها : أنّ أبا مضاف إلى ما بعد اللام ، والخبر محذوف ، واللام زائدة بين المتصايفين تحسينا لللفظ ورفعا لوقوع اسم لا معرفة في الظاهر ، والدّليل على زيادتها أنّها قد جاءت في قوله [من الوافر] :

٣٠٥ ـ أبالموت الّذي لا بدّ أنّي

ملاق لا أباك تخوّفيني (١)

وهذا مذهب سيبويه والجمهور.

الثاني : أنّ اللام غير زائدة ، وأنّها وما بعدها صفة لما قبلها ، فتتعلّق بكون محذوف ، وأنّهم نزّلوا الموصوف مترلة المضاف لطوله بصفته ومشاركته للمضاف في أصل معناه ،

__________________

(١) هذا الشاهد من كلام أبي حية النميرى.

٣٥١

إذ أبوك وأب لك واحد ، وهذا مذهب هشام وابن كيسان وابن الحاجب وابن مالك.

الثالث : أنّ الاسم مفرد ، وجاء على لغة القصر كقولهم : مكره أخاك لا بطل ، واللام وما بعدها الخبر ، وهو مذهب الفارسيّ وابن يسعون (١) وابن الطراوة. قال [السيوطي] في الهمع ، وهو المختار عندي لسلامته ممّا في القولين الأخرين من تأويل وزيادة وحذف ، وكلّها خلاف الأصل.

قال ابن هشام ويشكل على الأوّل قولهم لا أبا لي ، ولا يجوز أن تعرب الأسماء الستّة بالأحرف إذا كانت مضافة للياء ، وعلى الثاني أنّ الأسماء الستّة لا تعرب بالحروف إلا إذا كانت مضافة ، وإنّهم يقولون : لا غلامي له ، فيحذفون النون ويجاب عنهما بأنّ شبيه الشيء جار مجراه ، وعلى القولين فيحتاج إلى تقدير الخبر. قال ويردّ الثالث أمران : أحدهما أنّ الّذي يقول : جاءني أباك بعض العرب ، والّذي يقول : لا أبا لزيد جميع العرب ، والثاني قولهم : لا غلامي له بحذف النون ، انتهى.

الثالث : هل إضافة الجمل للتعريف ، لأنّها في تأويل المصدر المضاف إلى فاعله أو التخصيص ، لأنّ الجمل نكرات ، احتمالان : لصاحب البسيط وميل أبي حيّان الثاني ، واستظهر المراديّ الأوّل ، والمضاف إليه أي في الإضافة المعنويّة إن كان جنسا للمضاف ، أي صادقا عليه وعلى غير ، بشرط أن يكون المضاف أيضا صادقا على غير المضاف إليه فيكون بينهما عموم وخصوص من وجه ، قال معناه الفاضل الهنديّ في حواشي الحاجبيّة.

«فهي» أي الإضافة المعنويّة «بمعنى من» التبينيّة كخاتم فضّة ، فإنّ الفضة فقد تكون خاتما ، وقد لا تكون ، وكذا الخاتم قد يكون فضّة ، وقد لا يكون ، «أو» كان المضاف إليه «ظرفا له» أي للمضاف ، سواء كان ظرف زمان أو ظرف مكان «فبمعنى في الظرفية» ، فظرف الزمان نحو : (مَكْرُ اللَّيْلِ) [سبأ / ٣٣] ، (تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) [البقرة / ٢٢٦] ، وظرف المكان حقيقيا ، نحو : فتيل كربلاء وشهيد الدار ، ومجازيّا نحو (أَلَدُّ الْخِصامِ) [البقرة / ٢٠٤] ، وهذه الإضافة أعني الّتي بمعنى في أثبتها المصنّف (ره) تبعا لابن الحاجب وابن مالك.

__________________

(١) هو يوسف بن يوسف بن يسعون التحبيي الباجليّ ، كان نحويّا لغويّا ، وألّف : المصباح في شرح ما اعتمّ من شواهد الإيضاح. مات سنة ٥٤٠ ه‍ ق. بغية الوعاة ٢ / ٣٦٣.

٣٥٢

قال ابن مالك : وقد أغفلها أكثر النّحويّين ، وهي ثابتة في الفصيح بالنقل الصحيح ، ولا يصحّ تقدير غير في شواهد إلا بتكلّف قال أبو حيّان : لا أعلم أحدا ذهب إلى هذه الإضافة غيره ، وما استدلّ به مؤوّل ، انتهى.

وما قاله أوّلا مردود ، فقد قال بها عبد القاهر والزمخشريّ ، وحكاه عنهما ابن أياز ، وصرّح بها ابن الحاجب في كافيّته ، ولم يذكر المصنّف قلّتها ، وذكرها ابن الحاجب وابن مالك ، وعلّله بعضهم بأنّه لم تكثر إضافة الشيء إلى الظرف ، قال بعض المحقّقين : وفيه بحث ، لأنّ هذا إنّما يتمّ لو أريد بالظرف الظرف الحقيقيّ ، أمّا لو أريد مدخول في فلا ، إذ إضافة الألوان إلى محالّها أكثر من أن تحصي ، فبياض زيد بمعنى بياض في زيد. والظاهر أنّ المراد بالظرف مدخول في ، إذ نظر الكتاب يبنغي أن يكون بمعنى النظر في الكتاب ، والفرق بينه وبين ضرب اليوم تحكّم ، انتهى.

قال بعضهم : وقد يجاب بحمل القلّة على الإضافيّة ، فإنّ تقدير الإضافة بفي قليل بالنسبة إلى تقديرها باللام ومن ، كما صرّح به ابن مالك وغيره أو كان المضاف إليه غيرهما أي غير جنس المضاف وظرفه بأن كان مباينا للمضاف أو أخصّ منه مطلقا ، فبمعنى اللام كغلام زيد ويوم الأحد وشجر الأراك وعلم الفقه ، فإنّ بين الغلام وزيد تباينا ، وبين اليوم والأحد عموما وخصوصا مطلقا ، فإنّ اليوم قد يكون أحدا ، وقد لا يكون ، والأحد لا يكون إلا يوما ، وكذا بين العلم والفقه ، فإنّ العلم قد يكون فقها وقد لا يكون ، والفقه لا يكون إلا علما ، فأمّا إذا كان المضاف أخصّ من المضاف إليه مطلقا كأحد اليوم أو مساويا له كليث أسد فالإضافة ممتنعة.

تنبيهان : الأوّل : كون الإضافة في نحو يوم الأحد وعلم الفقه وشجر الأراك بمعنى اللام هو ما صرّح به أئمة العربيّة ، قال بعض المحقّقين : ولا يظهر ما دعاهم إليه ، والأنسب بالمعنى أنّ الإضافة في ذلك بيانيّة ، وإظهار من فيها خال عن التكلّف ، قال بعضهم : ويمكن أن يقال إنّ الحامل لهم على ذلك أنّهم اشترطوا في الإضافة بمعنى من كون المضاف إليه جنس المضاف وجائز الحمل عليه ، وهنا ليس كذلك ، إذ ليس كلّ واحد من الأحد والفقه والأراك جنسا لما أضيف إليه ، ولا يحمل عليه ، إذ لا يقال : اليوم الأحد والعلم الفقه والشجر الأراك ، وإنّما يقال : الأحد يوم والفقه علم والأراك شجر ، انتهى.

الثاني : لم يبيّن المصنّف تقدير الحرف في الإضافة اللفظيّة مع اقتضاء حدّه للمضاف إليه التقدير فيها أيضا ، والمشهور أنّ التقدير أنّما هو في الإضافة المعنويّة خاصّة ، وذهب بعضهم إلى أنّ الاضافة اللفظيّة تقدّر بمعنى اللام لظهورها في نحو : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ)

٣٥٣

[هود / ١٠٧] ، (مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ) [البقرة / ٩١] ، وردّ بعدم اطّرادها إذ لا يسوغ في الصفة المشبهة. ونقل الشاطبيّ القول بالتقدير فيها عن ابن جنيّ وعن الشلوبين ، وإنّه لا بدّ منه وإنّ ظاهر كلام النحاة متأوّل.

قد يكتسب المضاف التذكير والتأنيث من المضاف إليه : «وقد يكتسب المضاف المذكّر من المضاف إليه المؤنّث تأنيثه وبالعكس» أي يكتسب المضاف المؤنّث من المضاف إليه المذكّر تذكيره ، وليس ذلك في الصورتين مطلقا بل «بشرط الاستغناء عنه» أي عن المضاف عند سقوطه «بالمضاف إليه» مع صحّة المعنى في الجملة كقوله ، وهو الأعشي ، [من الطويل] :

٣٠٦ ـ وتشرق بالقول الّذي قد أذعته

كما شرقت صدر القناة من الدّم (١)

فأنّث شرقت مع أنّه مسند إلى مذكّر وهو صدر ، لأنّه اكتسب التأنيث من القناة ، وقبل هذا البيت :

٣٠٧ ـ فلو كنت في جبّ ثمانين قامة

ورقّيت أسباب السماء بسلّم

ليستدرجنك القول حتى تهرّه

وتعلم أنّي عنكم غير مقحم

الجبّ : البئر الّتي لم تطو وأسباب السماء : أبوابها ، والسّلّم : المرقاة. قيل : سمّي سلما ، لأنّه يسلّمك إلى المرتقى إليه ، وتهرّه : تكرهه وتبغضه ، وأقحمت فلانا أي لم يطق أن يجيبني ، يقول : لو كنت مثلا في جبّ بعيد القعر أو صعدت إلى السماء لم تتخلّص منّي ، واستصعدك من الجبّ ، وأستترلك من السماء بالقول الّذي يستدرجك حتى تكرهه ، وتعلم أني لست مقحما عن جوابك ولا عاجزا عن وصولي إلى الغرض منك.

قال الجار البرديّ (٢) : والواو من قوله : ورقّيت بمعنى أو ، لأنّه على وزن قوله تعالى : (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ) [الأنعام / ٣٥] ، ويقال شرق بريقه أي غصّ به كما يقال : غصصت باللقمة ، وأذعته : أفشيته ، يخاطب رجلا مذياعا لا يكتم ما يسمعه ، والمعنى أنّك تشرق بالقول الّذي أفشيته ، وأظهرته للناس ، كما أنّ القناة تشرق بالدم ، ولا تشربه ، فاستعمال الشرق في صدر القناة استعارة من

__________________

(١) اللغة : أذغته : مخاطب من الإذاعة بمعنى الإفشاء. وأراد بالقول الّذي أذاعه هجاؤه إيّاه ، وصدر القناة : من وسطها إلى مستدقها ، والقناة : الرمح.

(٢) أحمد بن الحسن الجاربرديّ الشيخ فخر الدين ، كان فاضلا ديّنا خيرا وقورا مواظبا على العلم. وصنّف شرح منهاجه ، شرح الشافية لابن الحاجب ، شرح الكشاف ومات سنة ٧٤٦ ه‍ ق. بغية الوعاه ١ / ٣٠٣.

٣٥٤

جمود الدم عليه ، بحيث يكون بين الظهور ، ويصير سمة بادية عليه ، قاله الدمامينيّ في التحفة ، وإلى هذا أشار ابن حزم الظاهريّ (١) في قوله [من الطويل] :

٣٠٨ ـ تجنّب صديقا مثل «ما» واحذر الّذي

يكون كعمرو بين عرب وأعجم

فإنّ صديق السوء يزري وشاهدي

كما شرقت صدر القناة من الدم

ومراده بما الكناية عن الرجل الناقص كنقص ما الموصولة ، وبعمرو عن الرجل المريد (٢) الأخذ ما ليس له كأخذ عمرو الواو في الخطّ ، قاله في المعنى وغيره.

وظاهر ممّا ذكره جوازا أن يكون المراد بما الموصوفة ، وكأنّ إيثاره الموصولة بالذكر لكونها أشهر ، والنقص فيها أظهر ، قال بعض المتأخّرين : ويمكن أن يكون مراده بما ما النافية ، لأنّ السلب نقص ، كما أنّ الإيجاب شرف على ما تقرّر في علم المنطق. قال الصلاح الصفديّ : ويحتمل أن يكون مراده ، بعمرو عمرو المذكور في قول الشاعر [من البسيط] :

٣٠٩ ـ المستجير بعمرو عند كربته

كالمستجير من الرمضاء بالنّار (٣)

ومثل البيت المستشهد به قول الأخر [من الرجز] :

٣١٠ ـ طول اللّيإلى أسرعت في نقضي

نقضن كلّي أو نقضن بعضي (٤)

وقوله [من الوافر] :

٣١١ ـ وما حبّ الدّيار شغفن قلبي

ولكن حبّ من سكن الدّيارا (٥)

قال ابن هشام في المغني : يحتمل أن يكون من ذلك (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) [الأنعام / ١٦٠] (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) [آل عمران / ١٠٣] ، أي من الشفا ، ويحتمل أنّ الضمير للنار ، وأنّ الأصل فله عشر حسنات أمثالها ، فالمعدود في الحقيقة الموصوف المحذوف ، انتهى.

وعبارة المصنّف شاملة لما كان المؤنّث فيه ظاهرا أو مضمرا ، وزعم الفرّاء أنّه لا يجوز مع المضمر ، فلا يجوز الأصابع قطعت بعضها ، ولا القناة أشرقت صدرها ، وإنّ

__________________

(١) ابن حزم الأندلسي أبو محمد على بن أحمد (٩٩٤ ـ ١٠٦٤ م) كان شاعرا وفيلسوفا له «طوق الحمامة» أثر شهير في الأدب و «جهرة أنساب العرب». المنجد في الاعلام ص ٦.

(٢) في جميع النسخ «عن الرجل المتزيد» ولكن في المغني عن الرجل المريد. مغني اللبيب ص ٦٦٧.

(٣) البيت للبحترى. اللغة : المستجير : اسم الفاعل من استجار بمعنى استغاث ، الكربة : الحزن والغم ، الرمضاء : شدّة الحر.

(٤) هو من أبيات للأغلب العجلي ، وقيل للعجلاج التميمي واسمه عبد الله بن رؤبة. اللغة : نقضن : كسرن ، كلي وبعضي : كل أعضائي وبعض أعضائي.

(٥) هو للمجنون. اللغة : شغفن : أصبن قلبي.

٣٥٥

العرب منعت من استجازته ، ذكره في الإرتشاف ، وأجازه بعضهم مستشهدا بقوله [من الطويل] :

٣١٢ ـ تمنّيت شمسا أستضئ بنورها

فلمّا أضاءت أحرقتني ضياؤها (١)

والثاني نحو قوله [من البسيط] :

٣١٣ ـ إنارة العقل مكسوف بطوع هوي

وعقل عاصي الهوي يزداد تنويرا (٢)

فذكّر مكسوف ، والقياس مكسوفة ، لأنّه خبر مؤنّث ، وهو إنارة ، لأنّها اكتسبت التذكير من إضافتها إلى العقل. قال ابن هشام : ويحتمل أن يكون منه قوله تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف / ٥٦] ، وتبعده (لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) [الشورى / ١٧] ، فذكّر قريب حيث لا إضافة ، ولكن ذكر الفرّاء أنّهم التزموا التذكير في قريب ، إذا لم يرد قرب النسب قصدا للفرق ، انتهى.

واشترط جواز الاستغناء عن المضاف بالمضاف إليه في الصورتين ، لأنّه لو لم يجز ذلك لم يكتسب المضاف الحكم المذكور في مسألتين «ومن ثمّ امتنع قامت غلام هند» وجاء أمة زيد. إذ لا يقال : قامت هند وأنت تريد غلامها ، ولا جاء زيد وأنت تريد أمته ، وزاد ابن مالك في التسهيل شرطا آخر لم يذكره المصنّف ، وهو كون المضاف بعضا من المضاف إليه كمثال المتن أو كبعضه ، نحو اجتمعت أهل اليمامة.

قال البدر الدمامينيّ في شرحه : فإن قلت : ما الّذي استفيد من هذا القيد بعد اعتبار القيد الأوّل ، وهو صحّة الاستغناء بالمضاف إليه عن المضاف ، فإنّ هذا ملزوم لكون المضاف بعضا أو كبعض ، قلت : لا نسلم هذه الملازمة ، ألا ترى أنّه لا يصحّ أن تقول : أعجبتني يوم عروبة ، وإن صحّ الاستغناء مع كون المضاف ليس بعضا للمضاف إليه ولا كبعضه ، لأنّ اليوم نفس عروبة فقد ظهرت فائدة الإتيان بهذا القيد ، انتهى. وعروبة وباللام يوم الجمعة (٣).

وزاد الفارسيّ قسما آخر ، يجوز فيه التأنيث ، وهو أن يكون المضاف إلى المؤنّث [كلمة] كلّ ، كقول عنترة [من الكامل] :

٣١٤ ـ جادت عليه كلّ عين ثرّة

فتركن كلّ حديقة كالدّرهم (٤)

__________________

(١) هو لأبي بكر الشبلي.

(٢) لم يسمّ قائله ، اللغة : المكسوف. اسم مفعول من الكسف بمعنى الاحتجاب ، الطوع : الانقياد.

(٣) العروبة ويوم العروبة : يوم الجمعة في الجاهلية.

(٤) هو من قصيدة لعنترة بن شدّاد العبسي وهي إحدى المعلقات. اللغة : الثرّة : الكثيرة الماء.

٣٥٦

ومنه قوله تعالى : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) [آل عمران / ٣٠] (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ) [آل عمران / ٢٥]. قال المراديّ في شرح التسهيل : والأفصح في هذا القسم التأنيث بخلاف ما سبق ، انتهى.

وأشار المصنّف (ره) بقد التقليليّة إلى أنّ ذلك وإن جاز وصحّ لكنّ الأصل والأفصح التذكير في الصورة الأولى ، والتأنيث في الصورة الثانية.

تكميل : وقد يكتسب المضاف من المضاف أمورا غير ذلك :

أحدها : وجوب التصدير إذا أضيفت لمصدّر ، ولهذا وجب تقديم المبتدأ في نحو : غلام من عبدك ، والخبر في نحو : صبيحة أيّ يوم السفر ، والمفعول في نحو : غلام أيّهم اكرمت ، ومن ومجرورها في نحو : من غلام أيّهم أنت أفضل ، ووجب الرفع في نحو : علمت أبو من زيد ، وإلى هذا أشار الشيخ أمين الدين العروضيّ المحليّ (١) بقوله [من الطويل] :

٣١٥ ـ عليك بأرباب الصدور فمن غدا

مضافا لأرباب الصدور تصدّرا

وإيّاك أن ترضي صحابة ناقص

فتنحطّ قدرا من علاك وتحقرا

فرفع «أبو من» ثمّ خفض «مزمّل»

يبيّن قولي مغريا ومحذّرا

والإشارة بقوله : ثمّ خفض مزمل إلى قول امرئ القيس [من الطويل] :

٣١٦ ـ كأنّ ثبيرا في عرانين وبله

كبير أناس في بجاد مزمّل (٢)

وذلك لأنّ مزمّلا صفة لكبير ، فكان حقّه الرفع ولكنّه خفض لمجاوزته للمخفوض.

الثاني : المصدريّة ، نحو قوله تعالى : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء / ٢٢٧] ، فأيّ مفعول مطلق ناصبه ينقلبون ، ويعلم معلّقة عن العمل بالاستفهام.

الثالث الظرفية ، نحو : (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ) [إبراهيم / ٢٥] وقوله [من السريع] :

٣١٧ ـ أنا أبو المنهال بعض الأحيان

 ... (٣)

الرابع : البناء قال ابن هشام في المغني وذلك في ثلاثة أبواب :

أحدها أن يكون المضاف مبهما كغير ومثل ودون ، واستدلّوا بقوله تعالى : (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) [سبأ / ٥٤] ، (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) [الذاريات

__________________

(١) محمد بن على بن موسى أمين الدين الأنصاري المحليّ ، نحويّ ، درّس النحو بالقاهرة ، له شعر حسن وكتب ، منها : أرجوزة في العروض ، مات سنة ٦٧٣ ه‍. الأعلام للزركلي ، ٧ / ١٧٢.

(٢) البيت من معلقة امرئ القيس. اللغة : ثبير : جبل بعينه والعرنين : الأنف والجمع العرانين ثمّ استعار العرانين لأوائل المطر ، البجاد : كساء مخطط والجمع البجد ، التزميل : التلفيف بالثياب.

(٣) تمامه «ليس على حسبي بصوان» ، وهو لابن دارة سالم بن مسافع. اللغة : الصوّان : مبالغة من الصون بمعنى الحفظ.

٣٥٧

/ ٢٣] ، في من فتح مثلا ، وهو صفة لحقّ وقراءة بعض السّلف : (أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ) [هود / ٨٩] ، وقول الفرزدق [من البسيط] :

٣١٨ ـ ...

 ... وإذ ما مثلم بشر (١)

وقول الآخر [من البسيط] :

٣١٩ ـ لم يمنع الشّرب منها غير أن نطقت

حمامة في غصون ذات أوقال (٢)

فغير فاعل ليمنع ، وقد جاء مفتوحا ، وقد يوؤّل جميع ذلك ، وزعم ابن مالك أن ذلك لا يكون في مثل لمخالفتها المبهمات بأنّها تثنّي وتجمع ، كقوله تعالى : (إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) [الأنعام / ٣٨] وقول الشاعر [من البسيط] :

٣٢٠ ـ ...

والشّرّ بالشّرّ عند الله مثلان (٣)

وتأوّل الآية ، وأمّا بيت الفرزدق ففيه أجوية مشهورة ، ولا يأتي بحثه هذا في غير ، لأنّ قولهم : غيران وإغيار ليس يعرف ، ولو كان المضاف غير مبهم لم يبن.

الثاني : أن يكون المضاف زمانا مبهما والمضاف إليه إذ نحو : (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) [هود / ٦٦] ، و (مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ) [المعارج / ١١] يقرءان بجرّ يوم وفتحه.

الثالث : أن يكون زمانا مبهما والمضاف إليه فعل مبنيّ كقوله [من الطويل] :

٣٢١ ـ على حين عاتبت المشيب على الصّبا

وقلت ألّما أصح والشّيب وازع (٤)

وقوله [من الطويل] :

٣٢٢ ـ لأجتذبن منهنّ قلبي تحلّما

على حين يستصبين كلّ حليم (٥)

رويا بالفتح ، وهو أرحج من الإعراب عند ابن مالك ، ومرجوح عند ابن عصفور.

فإن كان المضاف إليه فعلا معربا أو جملة اسميّة ، فقال البصريّون : يجب الإعراب ، والصحيح جواز البناء ، ومنه قراءة نافع : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) [المائدة / ١١٩] ، بالفتح بناء وقراءة غير أبي عمرو : (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ) [الانفطار / ١٩] ، وقال [من الطويل] :

٣٢٣ ـ إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني

نسيم الصّبا من حيث يطّلع الفجر (٦)

__________________

(١) تمام البيت

«فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم

 ... إذ هم قريش.»

(٢) البيت لأبي قيس بن الأسلت «صيفي بن عامر» اللغة : ذات أو قال : ذات ثمرات.

(٣) صدره «من يفعل الحسنات الله يشكرها» هو لكعب بم مالك أو لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت الأنصاري. اللغة : مثلان : سيّان.

(٤) هو للنابغة الذبياني. اللغة : عاتبت : لمت في تسخط ، الصبا : اسم للصبوة ، وهي الميل إلى هوي النفس واتباع شهواتها ، المشيب : ابيضاض المسود من الشعر. وزاع : زاجر ، ناه.

(٥) لم يسمّ قائله. اللغة : التحلّم : تكلّف الحلم.

(٦) هو لأبي صخر الهذليّ. اللغة : اسلو : أنسي ، يهيج : يثير.

٣٥٨

وقال آخر [من الطويل] :

٣٢٤ ـ ألم تعلمي يا عمرك الله أنّني

كريم على حين الكرام قليل

وأنّي لأخزى إذا قيل مملق

سخيّ وأخزي أن يقال بخيل (١)

رويا بالفتح ، قال البدر الدمامينيّ في شرح التسهيل قال ابن هشام : سألني سائل من أين تهبّ الصبا؟ فأنشدته ألم تعلمي البيتين ، ولم يزد على ذلك ، فتنبّه ، انتهى.

وقال في شرح المغني بعد حكاية ذلك : وجه صلاحية هذا اللجواب أنّه اشتمل على بناء حين المضافة إلى الجملة في قوله : على حين الكرام قليل ، فأشار به إلى البيت في هذا الحكم حيث قيل هذا حين أسلو ، فبني حين المضاف إلى الجملة (٢) ، ولا يخفي أنّ هذا البيت المشار إليه بإنشاد ذينك البيتين صريح في ذكر محلّ الصبا ، إذ قال فيه نسيم الصبا من حيث يطلع الفجر فظهر المقصود ، ولله الحمد.

المجرور بالحرف

ص : الثاني : المجرور بالحرف ، وهو ما نسب إليه شيء بواسطة حرف جرّ ملفوظ ، والمشهور من حروف الجر أربعة عشر : سبعة منها تجرّ الظاهر والمضمر ، وهي : من وإلى وعن وعلى وفي والباء واللام. وسبعة منها تجرّ الظاهر فقط وهي : منذ ومذ تختصّان بالزّمان ، وربّ تختصّ بالنكرة ، والتّاء تختصّ باسم الله تعالى وحتى والكاف والواو لا تختصّ بالظاهر المعيّن.

ش : «الثاني» ما يرد مجرورا لا غير «المجرور بالحرف ، وهو ما» أي اسم «نسب إليه شيء» دخل نسبة الفعل إلى الفاعل والمفعول ، نحو : ضرب زيد عمرا ، وغير ذلك ممّا ليس من المعرّف كما مرّ ، وخرج بقوله «بواسطة حرف جرّ ملفوظ».

واعلم أنّه ليس في كلامه ما يقتضي أنّ الفعل يضاف حيث يكون حرف الجرّ ملفوظا ، كمررت بزيد ، فلا ينبغي حمله على ذلك ، وإن كان محتملا له ، إذ الحقّ أنّ المضاف لا يكون إلا اسما كما صرّح به الزمخشريّ وغيره ، فإذا قلت : مررت بزيد ، فمررت من حيث إنّ زيدا مفعول به ، ليس مؤوّلا باسم ، ومن حيث هو مضاف إلى زيد مؤوّل به ، أي بمرور مضاف ، فالمضاف هو المرور لا الفعل الاصطلاحيّ ، والّذي

__________________

(١) هما لمبشرين عذيل أو لموبال بن جهم المذحجي. اللغة : أخزي : من الخزي بمعنى الذلّ والهون ، المملق : الفقير.

(٢) سقطت هذه الجمل في «س».

٣٥٩

دعا شرّاح كلام ابن الحاجب في كافيته إلى حمل عبارته على أنّ المضاف يكون فعلا تعريفه لحروف الجرّ بأنّها ما وضع لافضاء الفعل أو معناه إلى ما يليه ، وهو صريح في ذلك.

«والمشهور من حروف الجرّ أربعة عشر» حرفا بإسقاط عدا وخلا وحاشا ولعلّ ومتى وكي ، فجملتها مطلقا عشرون ، ودعوى كون الثلاثة الأوّل غير مشهورة غير مسلّمه ، فإنّها ليست في الاشتهار دون ما ذكره ، وإن نصبت أفعالا ، لكنّ الجرّ بها ثابت بالنقل الصحيح في الكلام الفصيح ، وسيأتي الكلام عليها في باب الاستثناء إن شاء الله تعالى. وأمّا الثلاثة الأخيرة فشاذّة ، أمّا لعلّ فلا يجرّ بها إلا عقيل. قال شاعرهم [من الوافر] :

٣٢٥ ـ لعلّ الله فضّلكم علينا

 ... (١)

بجرّ لفظ الجلالة ، ولهم في لامها الأولى الإثبات والحذف ، وفي الثانية الفتح والكسر.

وأمّا متى فلا يجرّ بها إلا هذيل (٢) ، وهي عندهم بمعنى من الإبتدائية. سمع من بعضهم : أخرج متى كمّه ، وقال أبو ذويب الهذلي (٣) ، يصف السحاب [من الطويل] :

٣٢٦ ـ شربن بماء البحر ثمّ ترفّعت

متى لجج خضر لهنّ نئيج (٤)

وأمّا كي فعدّها من حروف الجرّ مذهب البصريّين ، قالوا : ولا يجرّ بها إلا ما الاستفهامية ، كقولهم في السؤال عن علّة الشي : كيمه بمعنى لمه ، وما وإن المصدريّتان ومع صلتهما كقوله [من الطويل] :

٣٢٧ ـ إذا أنت لم تنتفع فضرّ فإنّما

يرجّى الفتى كيما يضرّ وينفع (٥)

ونحو : جئتك كي تكرمني ، إذا قدّرت إن بعدها ، وأمّا الكوفيّون فعندهم أنّها ناصبة دائما ، واختاره المصنّف كما سيأتي بيانه في حديقة الأفعال.

سبب تسمية حروف الجرّ : وسمّيت هذه الحروف حروف الجرّ ، قال ابن الحاجب : لأنّها تجرّ معنى الفعل إلى الاسم. وقال الرضيّ : بل لأنّها تعمل إعراب الجرّ كما قيل : حروف النصب وحروف الجزم ، ويسمّيها الكوفيّون حروف الإضافة ، لأنّها تضيف

__________________

(١) تمامه «بشيء أنّ أمّكم شريم» ، هو لرجل من عقيل ولم ينسب لقائل معيّن. اللغة : الشريم : المراة المفضاة.

(٢) قبيلة من مضر من عرب الشمال أو العدنانيون.

(٣) شاعر مخضرم (ت نحو ٦٤٨) اشترك في فتح إفريقية ، أشهر شعره قصيدته العينيّة الّتي رثي بها أبناؤة. الجامع في تاريخ الأدب العربي. ١ / ٤١٢.

(٤) اللغة : ترفعت : تصاعدت ، وتباعدت ، لجج : جمع لجة بمعنى معظم الماء ، نئيج : هو الصوت العإلى المرتفع.

(٥) نسب هذا البيت إلى النابغة الجعدي وإلى النابغة الذبياني وإلى عبد الأعلى بن عبد الله.

٣٦٠