الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

السيد علي خان المدني الشيرازي

الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة

المؤلف:

السيد علي خان المدني الشيرازي


المحقق: الدكتور السيد أبو الفضل سجادي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: روح الأمين
الطبعة: ٠
ISBN: 978-964-518-296-8
الصفحات: ٩٤٧

المراد بالمنصرف : والمراد بالمنصرف ما دخلة الصرف الّذي هو التنوين الدّالّ على الأمكنية ، وجرّ بالكسرة.

وقد تلخّص ممّا مرّ إلى هنا أنّ الاسم المفرد والجمع المكسّر المنصرفين يرفعان بالضّمّة ، وينصبان بالفتحة ، ويجرّان بالكسرة هذا هو الأصل ، نحو : جاء زيد ورجال ، ورأيت زيدا ورجالا ، ومررت بزيد ورجال ، وما عدا ذلك فرع ، كما اتّضح ويتّضح.

«و» الثالث : «الجمع المؤنّث السالم» ، فهو يرفع بالضّمّة ، وينصب ويجّر بالكسرة ، نحو : جاءت الهندات ، ورأيت الهندات ، ومررت بالهندات ، وكذا ما حمل عليه.

«و» أمّا «الياء» فتكون علامة للجرّ نيابة عن الكسرة «في» ثلاثة مواضع : أحدها «الأسماء السّتّة» المقدّم ذكرها ، فتلخّص أنّها ترفع بالواو ، وتنصب بالألف ، وتجرّ بالياء نيابة عن الحركات.

هذا هو المشهور من أقوال عشرة ، ذكرها أبو حيّان في الإرتشاف ، وشرحه على التسهيل ، وهو مذهب قطرب (١) والزياديّ (٢) والزجاجيّ من البصريّين وهشام من الكوفيّين.

وردّ بأنّ الإعراب زائد على الكلمة ، فيؤدّي إلى بقاء «فيك» و «ذي مال» على حرف واحد ، ولا نظير لذلك ، وأجاب الرّضيّ بأنّه لا محذور في جعل الإعراب من سنخ الكلمة لغرض التخفيف ، فيقتصر على ما يصلح للإعراب من سنخها ، كما اقتصر في المثنّى والمجموع على ما يصلح للإعراب من سنخها (٣) ، أعني علامة التثنية والجمع ، إذ هي من سنخ المثنّى والمجموع ، انتهى.

قالوا : وإنّما أعربت هذه الأسماء بالحروف ، لأنّهم لمّا أعربوا المثنّى والمجموع بالحروف ، أرادوا أن يجعلوا إعراب بعض الآحاد أيضا كذلك ، لئلا يكون بينهما وبين الآحاد منافرة تامّة ، ولأنّ الحروف وإن كانت فروعا للحركات إلا أنّها أقوي منها ، لأنّ كلّ حرف علّة كحركتين ، فكرهوا استبداد المثنّي والمجموع الفرعين عن المفرد بالاعراب بالأقوي ، فاختاروا هذه الأسماء ، وجعلوها معربة بالحروف ، ليكون في المفردات الإعراب بالأصل ، وهو الحركة ، وبالأقوي وهو الحرف.

__________________

(١) محمد بن مستنير أبو علي النحوي المعروف بقطرب ، له من التصانيف ، العلل في النحو ، إعراب القرآن ، المصنّف الغريب في اللغة ، مات سنة ٢٠٦ ، بغية الوعاة ١ / ٢٤٢.

(٢) إبراهيم بن سفيان أبو إسحاق الزيادي ، كان نحوّيا لعّويا راوية ، صنّف : النقط والشكل ، شرح نكت سيبويه. مات سنة ٢٤٩ ه‍ ، المصدر السابق ص ٤١٤.

(٣) هذه الجملة سقطت في «س».

١٤١

وإنّما اختاروا أسماء ستّة ، لأنّ إعراب كلّ من المثنّى والمجموع ثلاثة ، فجعلوا في مقابلة كلّ إعراب اسما ، وإنّما اختاروا هذه الأسماء الستّة كمشابهتما لهما في أنّ معانيها منبئة عن التعدّد كالاخ للأخ والأب للابن مع وجود حرف صالح للإعراب في أواخرها حين الإعراب سماعا بخلاف سائر الأسماء المحذوفة الأعجاز كيد ودم ، فإنّه لم يسمع فيها من العرب إعادة الحرف ، وخصّوا ما ذكر بحالة إضافتها لتقوّي المشابهة بظهور التعدّد.

وقال أبو حيّان : والصحيح أنّها معربة بحركات مقدّرة في الحروف ، وأنّها ما قبل الآخر وللآخر ، فإذا قلت : قام أبوك ، فأصله «أبوك» بوزن فرسك ، ثمّ اتبّعت حركة الباء لحركة الواو ، فصار أبوك ، فاستثقلت الضمّة على الواو فحذفت ، وإذا قلت : رأيت أباك ، فأصله أبوك ، بوزن فرسك. قيل : فتحرّكت الواو ، وانفتح ما قبلها ، فقبلت ألفا ، وقيل ذهبت حركة الباء لتتبع حركة الواو ثمّ انقلبت الواو ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ، فإذا قلت : مررت بأبيك ، فأصله مررت بأبوك ، على وزن فرسك ، ثمّ اتّبعت حركة الباء لحركة الواو وفصارت بأبوك ، فاستثقلت الكسرة على الواو ، فحذفت ، وسكنت ، وقبلها كسرة ، فانقلبت ياء ، كما انقلبت في ميزان.

الكلام على ابنم وامرئ : قال : وهذا الاتّباع وجد نظيره في امرئ وابنم على أجود اللغتين فيهما فتقول : هذا ابنم وامرؤ ، ورايت امرء وابنما ، ومررت بابنم وامرئ.

وهذا مذهب البصريّين ، وذهب الكوفيّون إلى أنّ امرء وابنما معربان من مكانين ، فالحركة في الرّاء والنّون ليست اتباعا لحركة الهمزة والميم.

واللغة الأخري فيهما فتح الرّاء والنون في الأحوال الثلاثة ، ولم يسمع بتأنيث ابنم ، ولا بجمعه بالواو والنّون ولا بتكسيره ، قال : وهذا المذهب من اتّباع ما قبل الآخر للآخر هو مذهب سيبويه والفارسيّ والجمهور من البصريّين وأصحابنا ، انتهى.

قال الدمامينيّ : ولا خفاء بما في هذا التقدير من التكلّف للإتيان بما يوجب زيادة النقل من غير داع إليه.

ما وجد بيد إليهود بخط علي (ع) ، كتبه علي بن أبو طالب : تنبيه : لا يرد على ما تقرّر ما وجد بيد إليهود بخطّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) كتبه علي بن أبو طالب (١) قيل : لأنّ خطّه ذلك (ع) كان بالكوفيّ ، والياء فيه قريبة من الواو في الشكل ، فاشتبه

__________________

(١) كتبه علي بن أبو طالب سقطت في «ط».

١٤٢

على من قرأ خطّه (ع) الياء بالواو ، فظنّها واوا ، وإنّما هي ياء ، وهذا الخطّ المعروف الآن إنّما هو حادث. قال ابن خلّكان : أوّل من نقل هذه الطريقة من الخط الكوفيّ وأبزارها في هذه الصورة عليّ بن مقلة الوزير (١). انتهى.

وقيل بل هي ياء (٢) ، وهو محمول على الحكاية ، وعليه حديث قابل بن حجر من محمد رسول الله (ص) إلى شيخ المهاجرين أبو أمية (٣). قال ابن الورديّ (٤) في شرح النفحة الورديّة (٥) : وعندي أنّ الواو في أبو هنا إنّما هي تنبيه على الأصل في الخطّ ، ولا ينطق بها في اللفظ ، كالواو في الصلوة والزكوة ، فاعرفه فهو حسن ، انتهى.

وفي شرح الكافية لابن مالك : يمكن أن يكون من الحكاية ما كتب بواو في خطّ الصحابة ، فلان ابن أبو فلان بالواو ، كأنّه قال : فلان ابن المقول فيه أبو فلان.

والمختار عند المحقّقين أن يقرأ بالياء ، وإن كان مكتوبا بالواو ، كما تقرأ الصلوة والزكوة بالألف ، وإن كانتا مكتوبين بالواو وتنبيها على أن المنطوق منقلب عن واو ، انتهى.

وقال الشيخ خالد الأزهريّ (٦) في التصريح : وعندي أن تقرأ بالواو لوجهين : أحدهما أنّ الفرض أنّه محكيّ ، وقراءته بالياء تقوّي ذلك بخلاف الصلوة والزكوة ، فإنّهما غير محكيين. والثاني : أنّه يحتمل أن يكون وضع بالواو ، فيكون من استعمال الاسم على أوّل أحواله وذلك لا يغيّر ، انتهى.

«و» الثاني والثالث : «المثنّى والجمع المذكّر السالم» وملحقاتهما ، فتلخّص أنّ المثنّى يرفع بالألف والجمع بالواو ، وكلاهما يجرّان وينصبان بالياء نيابة عن الحركات الثلاث ، وكذا ملحقاتهما ، وإنّما أعربا بذلك ، أعني بالحروف ، لأنّهما فرعا الواحد ، وفي آخرهما حرف يصلح للإعراب ، وهو علامة التثنية والجمع ، فناسب أن يجعل ذلك الحرف إعرابهما ، ليكون إعرابهما (٧) فرعا لإعرابه ، كما أنّهما فرعان له ، لأنّ الإعراب بالحروف فرع الإعراب بالحركات ، واختصّ المثنّى في الرفع بالألف ، والمجموع فيه

__________________

(١) ما وجدت ترجمه حياته.

(٢) في «ح» هي واو.

(٣) أبي أميّة في «ح».

(٤) ابن الوردي هو زين الدين عمر المعروف بابن الوردي ولد ٦٨٩ ه‍ في معّرة النعمان في عهد الانحطاط ، وكتب في التاريخ والنحو والشعر ، وتوّفي في حلب سنة ٧٤٩ ه‍. الجامع في تاريخ الادب العربي ١ / ١٠٤٨.

(٥) النفحة الوردية ـ في النحو ، منظومة لابن الوردي شرحها عبد الشكور. كشف الظنون ٢ / ١٩٦٩.

(٦) خالد بن عبد الله الأزهري ، نحوي من أهل المصر ، له «المقدمة الأزهرّية في العربية» و «موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب» و «التصريح بمضمون التوضيح» و... مات سنة ٩٠٥ ه‍. الأعلام للزركلي ٢ / ٣٣٨.

(٧) ليكون إعرابها محذوف «ط».

١٤٣

بالواو ، لأنّ المثنّى أكثر دورانا في الكلام من الجمع والألف خفيفة ، والواو ثقلية بالنسبة إليه (١) فجعلوا الخفيف في الكثير والثقيل في القليل ، ليكثر في كلامهم ما يستخفّون ويقلّ ما يستثقلون.

قاله ابن أياز (٢) في شرح الفصول : وفيه نظر إذ لقائل أن يقول : لم لم يجعلوا الألف علامة للنصب أو الجرّ في المثنّى ، والواو كذلك في الجمع مع بقاء هذا التعليل ، فيحتاج إلى تعليل آخر ، نعم هذا يصلح تعليلا لجعل الألف علامة للتثنية والواو علامة للجمع ، والصواب أن يقال : «إنّما أعرب المثنّى والمجموع هذا الاعراب المعيّن ، أي بالألف في المثنّى والواو في المجموع رفعا ، والياء فيهما جرّا ونصبا ، لأنّ الألف كان قد جلب قبل الإعراب في المثنّى علامة للتثنية والواو في الجمع علامة للجمع ، وهما يصلحان للإعراب كما مرّ ، وأسبق إعراب الرفع ، لأنّه علامة العمدة ، فجعلوا ألف المثنّى وواو المجموع علامة للرفع فيهما ، فلم يبق إلا الياء للجرّ والنصب فيهما ، والجرّ أولي بها ، إذ علامته الأصلية الكسرة ، وهي بعض الياء ، وحمل عليه النصب ، لكونها علامتي الفضلات.

وفرّق ما بين المثنّى والمجموع بأن فتحوا ما قبل الياء في التثنية لخفّة الفتحة وكثرة المثنّى ، وكسروه في الجمع لثقل الكسرة وقلّة المجموع ، وكسرت النون المزيدة لرفع توهّم إضافة أو افراد في المثنّى ، لأنّها ساكنة في الأصل ، والأصل في تحريك الساكن أن يكون بالكسرة ، وفتحت النون المزيدة أيضا لدفع توهّم إضافة أو افراد في الجمع للفرق في نحو المصطفين وطرد الباب في الباقي.

حدّ ما لا ينصرف : «و» أمّا «الفتحة» فتكون علامة للجرّ نيابة عن الكسرة عند تعذّرها «في» موضع واحد ، وهو «غير المنصرف» ، ويقال : ما لا ينصرف ، وهو ما فيه علّتان مؤثّرتان من علل تسع ، أو واحدة تقوم مقام العلّتين ، وسيأتي بيانها إن شاء الله تعإلى في آخر الحديقة الثانية ، سواء كان مفردا أو جمع تكسير كقوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ) [النساء / ١٦٣] ، و (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ) [سباء / ١٣] ، وإذا دخلت عليه أل أو أضيف ، جرّ بالكسرة ، كما سيأتي ، نحو : (وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) [البقرة / ١٨٧] ، (خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين / ٤].

__________________

(١) سقط إليه في «س وط».

(٢) جمال الدين أبو محمد حسين بن بدر بن أياز بن عبد الله النحوي المتوّفى سنة ٦٨١ ، من تصانيفه : قواعد المطارحة ، والإسعاف في الخلاف ، وله شرح فصول ابن معط. بغية الوعاة ١ / ٥٣٢.

١٤٤

الكلام على عرفات : تنبيهات : الأوّل : قيل يرد عليه نحو : عرفات من قوله تعإلى : (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ) [البقرة / ١٩٨] لكونه غير منصرف ، وجرّه بالكسرة ، وقد يجاب بأنّا لا نسلم أنّ عرفات غير منصرف ، بل منصرف كما صرّح به الزمخشريّ وغيره ، أو يوصف بالانصراف وعدمه ، كما ذهب إليه بعضهم ، قاله الدمامينيّ في شرح التسهيل.

قال بعض المحقّقين : والأوجه أن يجاب بأن الغرض ، كما هو ظاهر ، بيان غير منصرف من حيث إنّه غير منصرف ، وجرّ مثل عرفات بالكسرة على القول : بأنّه غير منصرف ، كما ذهب إليه الجمهور ، واختاره ابن الحاجب وابن مالك وغيرها ليس من هذه الحيثيّة ، بل هو من حيث إنّه كان في الأصل يجرّ بالكسرة ، فقصد استصحاب ذلك الحكم ، انتهى.

الثاني : قال بعضهم : الّذي لا يندفع مثل جوار من نحو : مررت بجوار ، فإن الفتحة ليست علامة للجرّ نيابة عن الكسرة لا لفظا ولا تقديرا ، وإلا كان مفتوحا لفظا لخفّته ، انتهى.

وأجيب بأنّ الفتحة مقدّرة ، وإن كانت في نفسها خفيفة ، لكنّها لمّا كانت هنا نائبة عن الكسرة الّتي حقّ هذه الكلمة أن تعرب بها ، والكسرة على الياء ثقيلة بلا شكّ ، أعطي نائبها ، وهو الفتحة ، حكمها في الاستثقال ، فقدّرت على أنّ المفهوم من كلام المصنّف ، فيما سيأتي ، أنّ المقدّر هنا في حالة الجرّ هي الكسرة لا الفتحة ، كما ستراه.

علامة الجزم

ص : وعلامتها الجزم : السكون ، والحذف ، فالسكون في المضارع صحيحا ، والحذف فيه معتلا ، وفي الأفعال الخمسة.

ش : «وعلامتا الجزم» وهو حذف الحركة أو الحرف للجازم اثنتان (١). أصالة ونيابة ، إحداهما : «السكون» وهو حذف الحركة ، وهو الأصل ، لذا قدّمه. والثانية : الحذف وهو إسقاط حرف العلة أو النون للجازم ، وهو فرع نائب عن السكون ، إذ الأصل في الإعراب أن يكون بالحركات أو بالسكون ، ومتى كان بالحروف أو «بالحذف» كان على خلاف ذلك.

__________________

(١) سقط اثنتان في «ح».

١٤٥

الصحيح والمعتلّ في اصطلاح النّحويّين والصرفيّين : فأمّا «السكون» فيكون علامة للجزم أصالة لفظا أو تقديرا «في» موضع واحد ، وهو الفعل «المضارع» حال كونه «صحيحا» وهو في اصطلاح النّحويّين ما ليس لامه حرف علّة ، أي واوا أو ألفا أو ياء ، ولذلك لم يحتج إلى ذكر الآخر بل لا يصحّ ذكره.

نعم يتّجه ذلك على اصطلاح الصرفيّين ، فإنّ الصحيح عندهم ما ليس أحد أصوله حرف علّة ، سواء كان فاء أو عينا أو لاما ، وسمّيت هذه الأحرف أحرف علّة ، لأنّ من شأنها أن ينقلب بعضها إلى بعض ، وحقيقة العلّة تغيير الشئ عن حالة ، وقيّده بذلك لإخراج المعتلّ ، فإنّ حكمه سيأتي ، وينبغي تقييده أيضا بكونه غير متّصل به شىء ممّا مرّ ، نحو : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) [الإخلاص / ٤] ، و (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ) [البينة / ١].

«و» أمّا «الحذف» فيكون علامة للجزم نيابة عن السكون في موضعين : أحدهما «فيه» ، أي في الفعل المضارع حال كونه «معتلّا» ، وهو في اصطلاح النّحويّين ما لامه حرف علّة ، ولذلك لم يحتج إلى ذكر الآخر كما مرّ بخلافه في اصطلاح الصرفيّين ، فإنّه ما أحد أصوله حرف علّة ، وإنّما جزم بحذف الآخر نيابة عن السكون ، لأنّ أحرف العلّة لضعفها بسكونها صارت كالحركات في الخفّة ، فتسلّط عليها العامل تسلّطة على الحركات ، وذلك نحو : لم يغز ولم يخش ولم يرم ، بحذف آخرهنّ ، والحركات أدلّة عليهنّ.

وأمّا قوله تعإلى : (لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى) [طه / ٧٧] بإثبات الألف ، فمؤوّل بحذف الالف الّتي هي لام الفعل (١) ، وهذه الألف ألف أخري ، جئ بها للفواصل كما في : (الظُّنُونَا) [الأحزاب / ١٠] ، و (السَّبِيلَا) [الأحزاب / ٦٧] ، قاله السيرافيّ. قال ابن هشام : إنّ لاء الثانية نافية ، فالواو للاستيناف أي : وأنت لا تخشى ، وأما قوله [من البسيط] :

٧٥ ـ هجوت زبّان ثمّ جئت معتذرا

من هجو زبّان لم تهجو ولم تدع (٢)

وقوله [من الوافر] :

٧٦ ـ ألم يأتيك والأنباء تنمي

بما لاقت لبون بني زياد (٣)

وقوله [من الرجز] :

٧٧ ـ إذا العجوز غضبت فطّلق

ولا ترضّاها ولا تملّق (٤)

__________________

(١) باثبات الالف الّتي هي لام الفعل «ح».

(٢) هو لزبان بن العلاء. اللغة : هجوت : شتمت.

(٣) هو مطلع قصيدة لقيس بن زهير : اللغة : الأنباء : جمع النباء : الخبر ، تنمي : ترتفع وتنشر ، اللبون : ذات اللبن ، أي الإبل.

١٤٦

فضرورة : قدر لأجلها الجزم في الجميع على حرف العلّة ، لأنّه آخر الكلمة ، وهو محلّ الإعراب ظاهرا ومقدّرا ، قاله ابن مالك ، وقيل : هذه الأحرف إشباع ، والحروف الأصليّة محذوفة للجازم.

تنبيهات : الأوّل : ما ذكره من أنّ علامة الجزم في الأفعال المذكورة حذف حرف العّلة ، إنّما يتمشّى على قول ابن السراج ومتابعيه ، من أنّ هذه الأفعال لا يقدّر فيه الإعراب بالضّمة في حالة الرفع والفتحة في حالة النصب ، وعلّل ذلك بأنّ الإعراب إنّما قدّرناه في الاسم ، لأنّه فيه أصل ، فتجب المحافظة عليه ، وأمّا الفعل فهو فيه فرع فلا حاجة لتقديره فيه ، وجعل الجازم كالدواء المسهّل ، إن وجد فضلة أزالها ، وإلا أخذ من قوي البدن.

وذهب سيبويه إلى تقدير الإعراب فيها ، فعليه لمّا دخل الجازم حذف الحركة المقدّرة ، واكتفى بها ، ثمّ لمّا صارت صورة المجزوم والمرفوع واحدة فرّقوا بينهما بحذف حرف العلّة ، فحرف العلّة محذوف عند الجازم لا به.

وعلى قول ابن السراج الجازم حذف حرف العلّة نفسه ، فظهر أنّ من يقول بعدم التقدير يقول : إنّ الجزم بحذف حرف العلّة ، ومن يقول بالتقدير يقول : إنّ الجزم ليس بحذف الآخر بل بحذف الحركة ، وحذف الآخر للفرق ، نبّه عليه ابن هشام وغيره ، فقول المصنّف هنا إنّ الحذف علامة الجزم ، أي الجزم به لا يناسب ما ذهب إليه فيما سيأتي عن قريب ، إن شاء الله تعالى ، من أنّ الفعل المضارع مقدّر فيه الإعراب ، فتدبّر.

الثاني : إذا كان حرف العلّة بدلا من همزة كيقرأ ، مضارع قرأ ، ويقرئ مضارع أقرأ ، ويوضؤ مضارع وضؤ بضمّ الضّاد المعجمة بمعنى حسن وجمل جاز فيه وجهان : حذف حرف العلّة مع الجازم وبقاؤه ، وهذان الوجهان مبنيّان على أنّ إبدال حرف العلّة هل هو بدل قياسيّ أو غير قياسيّ ، فإن قلنا : إنّه قياسيّ ثبت حرف العلّة مع الجازم ، لأنّه همزة كما كان قبل البدل ، وإن قلنا : إنّه بدل غير قياسيّ صار حرف العلّة متمحّضا ، وليس همزة فيحذف ، كما يحذف حرف العلّة المحض في يغزو ويخشى ويرمى ، قاله ابن النحاس. وقال ابن هشام في الأوضح : إن كان الإبدال بعد دخول الجازم فهو قياسيّ ، ويمتنع حينئذ الحذف لاستيفاء الجازم مقتضاه ، وإن كان قبله فهو إبدال شاذّ ، ويجوز مع الجازم الإثبات والحذف بناء على عدم الاعتداد بالعارض وهو الأكثر والاعتداد به ، انتهى.

١٤٧

وما ذكره من جواز الأمرين ، هو قول ابن عصفور ، والصحيح القول بوجوب الإثبات ، وهو ما عليه الأكثرون ، فلا ينافي ذلك ما اقتضاه كلام المصنّف هنا لاحتمال بنائه على هذا القول.

والثاني (١) : «وفي الأفعال الخمسة» ، يعني الأمثلة الخمسة المقدّم ذكرها ، فتلخّص أنّها ترفع بثبوت النون ، وتنصب وتجزم بحذفها ، نحو : يفعلون ولم يفعلوا ، ولن تفعلوا ، حملوا النصب على الجزم كما حملوه على الجرّ في المثنّى وجمع المذكّر السالم ، لأنّ الجزم نظير الجرّ في الاختصاص ، ويفعلان كالزيدان ، ويفعلون كالزيدون.

وقد استعمل المصنّف في تعداد هذه العلامات ، وذكر مواضعها ما فعله صاحب الاجرومية. قيل : وهي من أرذل العبارت لما فيها من تشويش الخاطر على المبتدئ بكثرة التكرار ، وكان الأولى أن يبيّن ما جاء على غير الأصل ، ويترك ما جاء على الأصل إذ أمره بيّن كما فعله أكثر المؤلّفين في مختصراتهم ومطوّلاتهم.

فصل في الإعراب التقديري

ص : فائدة : تقدير الإعراب في سبعة مواضع ، كما هو المشهور ، فمطلقا في الاسم المقصور : كموسي والمضاف إلى الياء كغلامي ، والمضارع المتّصل به نون التأكيد غير مباشرة ، كيضربان ، ورفعا وجرّا في المنقوص كقاض ، ورفعا ونصبا في المضارع المعتلّ بالألف كيحيى ، ورفعا في المضارع المعتلّ بالواو والياء كـ «يدعو» و «يرمي» والجمع المذكّر السالم المضاف إلى ياء المتكلّم كمسلميّ.

ش : هذا فصل في الإعرب التقديريّ ، تعرّض لتعيين المقدّر إعرابه لإمكان ضبطه فيبقي ما عداه ظاهر الإعراب. «تقدير الإعراب» حركة كان كان أو حرفا «في سبعة» أشياء من اسم أو فعل «كما هو المشهور» أي على ما هو المشهور عند النّحويّين ، وأمّا غير المشهور ففوق السبعة كما سنبيّنه.

«فمطلقا» أي فيقدّر تقديرا مطلقا ، أو حال كونه مطلقا ، أو زمانا مطلقا ، أي في الحالات الثلاثة : الرّفع والنصب والجرّ (٢) ، أو الرفع والنصب والجزم.

الاسم المقصور : فالثلاث الأوّل «في الاسم المقصور» ، وهو كلّ اسم معرب بالحركات ، آخره ألف لازمة ، قبلها فتحة «كموسى» لتعذّر تحريك الألف مع بقاء

__________________

(١) سقط الثاني في «ح».

(٢) في «س» الجزم.

١٤٨

كونها ألفا ، وسمّي مقصورا من القصر لامتناع مدّه ، أو لأنّه مقصور عن الحركة. والقصر الحبس ، قال الرّضيّ : والأوّل أولي ، لما يلزم على هذا من إطلاق المقصور على المضاف إلى الياء ، انتهى.

وجه المناسبة لا يوجب التسمية : وظاهر أنّ المراد من قوله : يلزم اللزوم بحسب الظاهر دون التحقيق ، لأنّ ما ذكر وجه مناسب للتسمية ، ووجه المناسبة لا يوجب التسمية كما هو مشهور.

قال صاحب المفتاح : واعتبار التناسب في التسمية مزّلة أقدام ، وربّما شاهدت فيها من الزلل ما تعجّبت ، فإيّاك والتسوية بين تسمية إنسان له حمرة بأحمر وبين وصفه بأحمر أن تزلّ ، فإنّ اعتبار المعنى في التسمية لترجيح الاسم على غيره حال تخصيصه بالمسمّى ، واعتبار المعنى في الوصف لصحّة إطلاقه عليه ، فأين أحدهما عن الأخر ، انتهى.

وقال بعضهم : لك أن تجعل المقصور من القصر كعنب خلاف الطول ، فإنّ الممدود طويل بالنسبة إلى المقصور.

تنبيه : في تمثيلة بموسي إشارة إلى اختياره قول ابن فلاح إليمنيّ من أنّ المقصور غير المنصرف يعرب بالحركات الثلاث تقديرا ، قال : لأنّ الكسرة إنّما امتنعت فيما لا ينصرف كأحسن للثّقل ، ولا ثقل مع التقدير ، والّذي عليه الجمهور أنّ إعرابه بالحركات الثلاث مقدّرة مخصوص بالمنصرف منه (١) أما غير المنصرف منه كـ «موسى» ، فالمقدّر فيه الضّمّة والفتحة فقط ، دون الكسرة لعدم دخولها فيه وفي الاسم المعرب بالحركات.

الاسم المضاف إلى الياء كغلامي : «والمضاف إلى الياء كغلامي» لالتزامهم الإتيان بحركة قبل الياء تجانسها هي الكسرة ، فإذا استحقّ الاسم الإعراب بالتركيب لم يمكن المجيء (٢) بحركات الإعراب ، إذ لا يقبل المحلّ الواحد في الآن الواحد حركتين متماثلتين أو مختلفتين. وبهذا يردّ على ابن مالك في دعواه أنّ الكسرة لم تقدّر في حالة الجرّ ، بل هي إعراب لأنّها تستحقّه قبل التركيب ، كذا قال غير واحد.

قال بعض المحقّقين المتأخّرين : وفي الحكم بتقدّم كسرة المناسبة مع تقدّم عامل الجرّ حسّا نظر. قال الدّمامينيّ في شرح التسهيل : وينبغي لابن مالك إذ زعم في نحو : غلامي ،

__________________

(١) بالمنصرف منه كموسى «ح».

(٢) لم يكن المجئ «ح».

١٤٩

أنّ الجرّ فيه ظاهر ، أن يقول في نحو : مسلماتي ، أي ما جمع بألف وتاء مزيدتين أنّه في حال النصب كذلك ، انتهى.

وذهب الجرجانيّ وابن الخشاب (١) والمطرزيّ (٢) ، ونقله الرضي عن النحاة أنّ نحو : غلامي مبنيّ لإضافته إلى المبنيّ ، والحقّ أنّه معرب مقدّر الإعراب ، كما ذهب إليه المصنّف وفاقا للمحقّقين بدليل إعراب نحو : غلامه وغلامك وغلاماي ، والإضافة إلى المبنيّ مطلقا ليست من أسباب البناء.

وقال أبو البقاء في اللباب : ذهب قوم إلى أنّه غير مبنيّ ، إذ لا علّة فيه توجب البناء ، وغير معرب إذ لا يمكن ظهور الإعراب فيه مع صحّة إعرابه وسمّوه خصيّا ، والّذي ذهبوا إليه فاسد ، لأنّه معرب عند قوم ، ومبنيّ عند آخرين ، على أنّ تسميتهم إياه خصيّا خطأ ، لأنّ الخصيّ ذكر حقيقيّ ، وأحكام الذكور ثابتة له ، وكان الأشبه بما ذهبوا إليه أن يسمّوه خنثى مشكلا ، انتهى.

«و» تقدّر الثلاث الآخر ، وهي الرّفع والنصب والجزم «في المضارع المتّصل به نون تأكيد غير مباشرة كيضربان» من نحو قولك : هل تضربانّ ، وأن لا تضربانّ ولا تضربانّ يا زيدان ، مقدّرا في كلّ ذلك الإعراب ، هذا مفهوم كلامه ، وهو سهو منه ، رحمه الله.

فإنّ الإعراب إنّما يقدّر في الصورة الأولي فقط ، وهي قولنا : هل تضربانّ ، فإنّه المقدّر فيه ثبوت النون ، والأصل هل تضرباننّ بثلاث نونات. الأولى : نون الرفع ، والثانية : نون التأكيد الثقيلة ، حذفت نون الرفع لثقل اجتماع النونات ، فحيث حذفت قدّر ثبوتها ، لأنّها علامة الرفع بخلاف نحو : أن لا تضربانّ من قولك : أمرتكما يا زيدان أن لا تضربانّ عمرا ، فأنّ أصله قبل دخول الناصب «لا تضربان» بتخفيف نون الرفع ولا نافية ، فدخل الناصب فحذفت نون الرفع علامة للنصب ، ثمّ أكّد بالنون الثقيلة ، وجاز تاكيده بها لمكان لا النافية ، فإنّه يجوز تأكيده بها لمكان لا النافية ، فإنّه يجوز تاكيده بها بعدها بقّلة كما مرّ ، وكذا نحو : لا تضربانّ.

__________________

(١) عبد الله بن أحمد ابن الخشاب أبو محمد النحوى ، كان أعلم أهل زمانه بالنحو ، صنّف : شرح الجمل للجرجاني ، الرّد على الحريريّ في مقاماته و... توفّي سنة ٥٦٧ ه‍. المصدر السابق ٢ / ٢٩.

(٢) ناصر بن سعيد ابو الفتح النحويّ الأديب المشهور بالمطرزّي من أهل الخوارزم ، برع في النحو واللغة والفقه ، صنّف : شرح المقامات ، الاقناع في اللغة ، مختصر المصباح في النحو و... مات سنة ٦١٦ ه‍. المصدر السابق ص ٣١١.

١٥٠

المضارع المتّصل به نون تأكيد غير مباشرة : وحرّكت نون التاكيد في الصور الثلاث لالتقاء الساكنين الألف والنون المدغمة ، ولم تحذف الألف لئلا يلتبس بفعل الواحد ولا النّون لفوات المقصود منها وحرّكت بالكسر تشبيها بنون التثنية الواقعة بعد الألف وقد ظهر أنّ المضارع المتّصل به نون تأكيد غير مباشرة لا يقدّر فيه إلا الرفع فقط بخلاف النّصب والجزم ، فإنهما فيه لفظيّان.

واحترز بقيد غير المباشرة عن المباشرة ، فإنّ الفعل مبنيّ معهما كما مرّ ، وأظنّ المصنّف تبع في هذا السهو ابن هشام في الأوضح ، لكنّ ابن هشام لم يذكر التقدير إلا في صورة الجزم ، والمصنّف قاس النصب عليه على أنّ تأكيد المضارع بالنون بعد الناصب غير مسموع ، ولا يجوز إلا في نحو المثال الّذي ذكرناه على تقدير أن تكون لا نافية وأن مصدريّة ، وإلا فيجوز تقديرها ناهية ، فتكون أن مفسّرة ، لا مصدريّة ، فيجب الجزم حينئذ ، ويجوز الرفع أيضا على تقدير (١) لا نافية وأن مفسّرة.

تتمة : ويقدّر الإعراب بالحركات مطلقا أيضا ، أعني الرفع والنصب والجرّ في الاسم الّذي يسكن آخره للإدغام ، كجاء قاضيّ ، ورأيت قاضيّ ، ومررت بقاضيّ ، بكسر الضّاد وتشديد الياء المفتوحة في الثلاث ، والأصل قاضيي بياء محركة وساكنة ، أدغمت إحداهما في الأخري ، فالمانع من ظهور الحركة استحالة ظهورها لوجود إدغام حرف الاعراب ، فسكونه واجب ، إذ المدغم لا يكون إلا ساكنا.

ومثّل أبو حيّان للمدغم في حالة الرّفع بنحو : (وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ) [البقرة / ٢٥١] بإدغام دال داود في جيم جالوت ، فداود مرفوع بضّمّة مقدّرة ، وفي حالة النصب بنحو : (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى) [الحج / ٢] ، بإدغام السّين في السّين ، فالناس منصوب بفتحة مقدّرة ، وفي حالة الجرّ بنحو : (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) [العاديات / ١] بإدغام التاء في الضاد ، فالعاديات مجرور بكسرة مقدّرة.

وتقدّر أيضا في الحكايات على قول البصريّين ، نحو : من زيد ، لمن قال : جاء زيد ، ومن زيدا ، لمن قال : رأيت زيدا ، ومن زيد ، لمن قال : مررت بزيد.

وتقدّر مطلقا في الحروف في نحو : جاءني أبو القوم ، ورأيت أبا القوم ، ومررت بأبي القوم ، بأنّه لمّا أسقطت حروف الإعراب عن اللفظ بالتقاء الساكنين لم يبق الإعراب لفظيّا ، بل صار تقديريا ، وهذه الصور الثلاث زيادة على السبعة الّتي ذكرها المصنّف ، وظاهر كلامة أنّها غير مشهورة ، وليس كذلك.

__________________

(١) سقط تقدير في «س».

١٥١

الاسم المنقوص : «و» تقدير الإعراب «رفعا وجرّا» أي في حالة الرفع والجرّ لا غير ، كائن «في» الاسم «المنقوص» ، وهو كلّ اسم معرب بالحركات ، آخره ياء لازمة بعد كسرة ، كقاض ، تقول : جاء قاض ، ومررت بقاض ، مقدّرا الضّمّة والكسرة لاستثقالهما على الياء ، وأمّا الفتحة فتظهر لخفّتها عليها ، نحو (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) [العلق / ١٧] ، وينبغي على رأي ابن فلاح ومختار المصنّف كما أفهمه ما مرّ من تمثيله بموسى أن يكون هنا فرق بين ما كان على صيغة منتهي الجموع وغيره في أنّ الكسرة هي المقدّرة كما تقدّم في المقصور ، فتأمّل.

وأمّا على مذهب الجمهور فلا يقدّر فيما كان على صيغة منتهي الجموع إلا الضّمّة والفتحة ، وأمّا الكسرة فلا ، لعدم دخولها فيه.

قالوا : وإنّما لم تظهر الفتحة فيه لنيابتها عن حركة ثقيلة كما تقدّم ، وقد جاء ظهورها عن بعض العرب ، قال الفرزدق [من الطويل] :

٧٨ ـ فلو كان عبد الله مولى هجوته

ولكنّ عبد الله مولى مواليا (١)

وهي لغة قليلة ، واختارها يونس (٢) والكسائيّ ، وسمّي هذا الاسم منقوصا لكونه نقص بعض الحركات منه ، وقيل لحذف لامه بسبب التنوين.

تنبيه : قال ابن هشام في بعض كتبه : يستثنى من هذه القاعدة منقوص ، هو أول جزئين ، جعل مجموعهما اسما واحدا على لغة من جعلها اسمين متضايفين نصّ عليه من النحاة أبو علي وعبد القاهر وغيرهما لثقل التركيب.

قال أبو حيّان : ما أعرب من مركّب إعراب متضائفين وآخر أوّلهما ياء نحو : رأيت معدي كرب ، ونزلت قالى قلا (٣) ، فإنّه يقدّر في آخر الأوّل منهما الفتحة في حالة النّصب بلا خلاف استصحابا لحكمة في حالتي البناء ومنع الصرف ، انتهى.

فإن قلت : هذه الصورة واردة على كلام المصنّف. قلت : لا ورود ، إذ لا منقوص في ذلك على التحقيق ، كما يظهر بتأمّل تعريفه السابق ، وأمّا استثناء ابن هشام فبناء على الظاهر دون نفس الأمر ، قاله بعض المحقّقين.

__________________

(١) اللغة : عبد الله هو عبد الله بن أبي اسحاق الزياديّ الخضري.

(٢) يونس بن جيب الضبيّ ، بارع في النحو من أصحاب أبي عمرو بن العلاء ، وله القياس في النحو ، ومذاهب يتفرّد بها ومات سنة ١٨٢ ه‍ ق ، المصدر السابق ٣٦٥.

(٣) قالى قلا : اسمان جعلا واحدا. لسان العرب ، ٣ / ٣٣١٢.

١٥٢

الفعل المضارع المعتلّ الألف كيحيا : «ورفعا ونصبا» أي في حالّتي الرفع والنصب لا غير كائن «في» الفعل «المضارع المعتل» بالالف لتعذّر تحريكها كيحيا ويخشى ، وأمّا الجزم فقد مرّ بيانه.

كتابة نحو يحيا والفرق بينه علما وفعلا : تنبيه : كلّ ألف رابعة فصاعدا سبقت بياء تكتب بالالف ، سواء كانت منقبلة عن ياء أو واو كـ «يحيا» وأحيا والدنيا ، كراهة اجتماع اليائين ، إلا في يحيي علما ، فإنّها تكتب بالياء للعلمية ، ولا يقاس عليه علم مثله ، وقيل للفرق بينه فعلا وبينه اسما ، وإنّما لم يعكسوا لأنّ الاسم أخفّ من الفعل فكان أحمل للاجتماع المثلين ، قيل : ويبتني (١) على هذا الخلاف ، الخلاف في كتابته بعد التنكير ، فإن علّلناه بالعلميّة كتبناه بالألف لأنّه قد زالت علميّته ، وإن علّلناه بالفرق كتبناه بالياء ، لأنّ الاسميّة موجودة فيه ، انتهى ، وفيه بحث ، فقد مرّ عن بعض المحقّقين أنّ العلم المنكّر باق على تعريفه وعلميّته ، فراجعه.

المضارع المعتلّ بالواو أو الياء : «ورفعا» أي في حالة الرفع فقط كائن «في» الفعل «المضارع المعتل بالواو أو الياء» لثقل الضمّة عليهما كـ «يدعو» و «يرمي» ، وأمّا في حالة النصب فلا يقدّر لخفّة الفتحة فتظهر ، وقد تظهر الضّمّة في الضرورة كقوله [من الطويل] :

٧٩ ـ إذا قلت علّ القلب يسلو قيّضت

هواجس لا تنفكّ تغريه بالوجد (٢)

وقوله [من الطويل] :

٨٠ ـ فعوّضني عنها غنائي ولم تكن

تساوي عنزي غير خمس دراهم (٣)

وقد تقدّر أيضا الفتحة كقوله [من الطويل] :

٨١ ـ وما سوّدتني عامر عن وراثة

أبى الله أن أسمو بأم ولا أب (٤)

تنبيه : قد مرّ أنّ من يقول بتقدير الحركات في المعتلّ ، يقول : إنّ جزمه بحذف الحركة ، ومن يقول بعدم تقديرها فيه يقول : أنّ جزمه بحذف آخره ، والمصنّف جمع بين

__________________

(١) ينبغي و «س».

(٢) لم يذكر قائله. اللغة : يسلو : ينكشف ، ينسي. الهواجس : جمع الهاجس بمعنى الخاطر.

(٣) لم يسمّ قائله.

(٤) هذا البيت لعامر بن الطفيل. اللغة : أسمو : مضارع سما بمعنى علا وارتفع.

١٥٣

دعوي (١) تقدير الحركة ، وحذف الحرف للجازم ، وهو في ذلك مخالف للقولين جميعا ، وقد تبع في ذلك ابن هشام في أكثر مؤلفاته.

جمع المذكّر السالم المضاف إلى الياء : «و» في «جمع المذكّر السالم المضاف إلى الياء كمسلميّ» ، لأنّ علامة الرفع فيه الواو ، وقد أبدلت في حالة الرفع بالياء ، وذلك لأنّ أصله «مسلموي» اجتمعت الواو والياء ، وسبقت إحداهما بالسكون ، فقلبت ياء ، وأدغمت الياء في الياء ، وكسر ما قبل الياء اتماما للتخفيف ، فلمّا لم تبق الواو لفظا ، قدّرت ضرورة.

ولا يجوز الحكم بأنّ هذه الياء المنقلبة عن الواو علامة الرفع ، كما كانت علامة الجمع ، لأنّ كون الواو علامة الجمع من حيث هي حرف لين وهو باق وعلامة الرفع من حيث الخصوصيّة الواو وهو زائل بالابدال.

وأمّا في حالتي النصب والجرّ فإعرابه لفظيّ ، نحو : رأيت مسلميّ ، ومررت بمسلميّ ، لأنّ الياء الّتي بها إعرابه في هاتين الحالتين ثابتة لفظا ، غاية ما هناك أنّها مدغمة فيما بعدها ، والإدغام لا يخرج الحرف عن حقيقته بخلاف الإبدال.

فإن قيل : خصوصية الواو وإن لم تبق لكن بقي بدلها وهو خصوصيّة الياء فلم لا يجوز أن يكون معربا بالإعراب اللفظيّ في حالة الرفع لوجود بدل خصوصيّة الواو كما أنّهم حكموا على غير المنصرف وعلى جمع المؤنّث السالم في النصب بالإعراب اللفظيّ لوجود البدل (٢) فيهما ، وهو الفتحة في الأوّل والكثرة في الثاني؟ فالجواب عن ذلك أمّا أوّلا فبأنّ ذلك من قبيل الحمل ، والحمل في باب الإعراب إنّما يكون بين النصب والجرّ لا بينهما والرفع ، وأمّا ثانيا فبأنّ الواو في حكم الموجود ، أمّا لأنّ المقدّر الأصليّ يعتبر قطعا ، وأمّا لأنّ الزائل بالإعلال في حكم الباقي ، وإذا كان في حكم الموجود يكون الرفع بالواو التقديريّ ، لأنّا لا نعني بالاعراب التقديري إلا الإعراب بما هو في حكم الموجود ، فلو كان خصوصيّة الياء إعرابا لكان لكلمة واحدة إعرابان : تقديريّ ولفظيّ ، ولم يعهد مثله بخلاف الكسرة في غير المنصرف ، والفتحة في الجمع المؤنّث السالم فإنّهما ليسا في حكم الموجود ، قاله نجم الدين سعيد (٣) في شرح الكافية.

__________________

(١) سقط «دعوي» في «ح».

(٢) بالإعراب اللفظي في حالة الرفع لوجود البدل «س».

(٣) نجم الدين سعيد العجمي من شراح الكافية في النحو لابن الحاجب ، يقال له الشرح السعيدي ، وهو كبير وفيه أبحاث حسنة. كشف الظنون ٢ / ١٣٧١.

١٥٤

ثمّ القول بأنّ الإعراب في هذه الحالة مقدّر كما ذكره المصنّف ، هو مذهب ابن الحاجب وابن مالك وزعم أبو حيّان أنّه لا تحقيق فيه ، لأنّ المقدّر ما لم يوجد والواو فيه موجودة ، إلا أنّها انقلبت ياء كما في ميزان ، فكذلك هنا ، وبما مرّ يعلم أنّ هذا هو الّذي لا تحقيق فيه.

تنبيه : من ذهب إلى أنّ الإعراب في الأسماء السّتّة والمثنّي والمجموع على حدّه بحركات مقدّرة فيحتاج إلى عدّها في قسم التقدير كما لا يخفى.

١٥٥
١٥٦

الفصل الثاني الحديقة الثانية

١٥٧
١٥٨

ص : الحديقة الثانية : فيما يتعلّق بالأسماء.

الاسم : إن أشبه الحرف فمبنيّ وإلا فمعرب. والمعربات أنواع : الأوّل ما يرد مرفوعا لا غير ، وهو أربعة :

ش : الحديقة الثانية فيما يتعلّق بالأسماء ، وذكر غيرها من الأفعال والحروف استطرادا ، وضرورة تعلّق الأسماء بها كما ستراه ، إن شاء الله تعالى.

المعرب والمبنيّ وأسباب البناء

«الاسم» ضربان ، معرب ومبنيّ ، لأنّه «إن أشبه الحرف» شبها قويا يدنيه منه في وصفه أو معناه أو استعماله أو افتقاره أو إهماله أو لفظه «فمبنيّ ، وإلا» يشبه الحرف ، بأن سلم من شبهه «فمعرب».

هذا مذهب ابن مالك ، وتعقبه أبو حيّان بأنّ الناس ذكروا للبناء أسبابا غير ذلك ، وأجيب بأنّه لم ينفرد به ، فقد نقله جماعة عن ظاهر كلام سيبويه ، ونقله ابن القواس (١) عن أبي على الفارسيّ وغيره ، وصرّح به ابن جنيّ في الخصائص وأبو البقاء في التعلى ق (٢) ، وابن السرّاج في الأصول ، والزّجاجيّ في الجمل.

وذكر بعض شراحه أنّه مذهب الحذّاق من النّحويّين ، وذهب الزمخشريّ والجزوليّ (٣) وابن معط وجماعة آخرون إلى أنّ سبب البناء ليس الشبه المذكور وحده ، بل والوقوع موقع المبنيّ ، ومناسبة المبنيّ ، والإضافة إلى المبنيّ.

__________________

(١) لعلّه ابن القواس (عبد العزيز بن جمعة) النحويّ صاحب شرح الكافية علاء الدين بن علي الأربلي ، جواهر الأدب ، الطبعة الأولى ، دار النفائس ، بيروت ، ١٤١٢ ه‍ ، ص ٢٠٩.

(٢) التعليق في الخلاف من تصانيف ابو البقاء العكبري.

(٣) الجزولي هو أبو موسى عيسى بن يللبخت قرأ على ابن بريّ كتاب الجمل للزجاجي ، وجرى فيها بحث نتج عنه مقال طويل جعله مؤلفا «المقدّمة» ومات سنة ٦٠٥ ه‍. محمد الطنطاوي ، نشأة النحو ، الطبعة الأولى ، بيروت ، عالم الكتب ، ١٤١٧ ه‍. ص ١٣٧.

١٥٩

وزاد بعضهم غير ذلك ، ثمّ على كلا القولين هل السبب مجوّز للبناء أو موجبه؟ قولان : ذهب الشيخ عبد القاهر إلى الأوّل ، مستدلّا بأيّ الموصولة ، والجمهور إلى الثاني ، واعتذروا عن إعراب أيّ ، ويحتاجون إلى الاعتذار عن إعراب قد الاسميّة ، فإنّهم قالوا ببنائها مع جواز الإعراب.

ونعني بالشبه الوضعيّ أن يكون الاسم موضوعا في الأصل على حرف أو حرفين ، «كتاء» قمت ، ونا من قمنا ، والشبّه المعنويّ أن يتضمّن الاسم معنى من معاني الحروف ، سواء وضع لذلك المعنى حرف أو لا ، فالأوّل كمتى ، والثاني كهنا.

والشبه الاستعمإلى أن يكون الاسم نائبا عن الفعل ، ولا يتأثّر بالعامل كهيهات ، والشبه الافتقاريّ أن يكون الاسم لازم الافتقار إلى جملة ، يتمّ بها معناه كالّذي ، والشبه الإهمإلي أن يكون الاسم مشبها للحرف في كونه لا عاملا ولا معمولا كأوائل السور والأسماء قبل التركيب ، وأدخل بعضهم هذا القسم تحت الشبه الاستعمالي ، والشبه اللفظيّ أن يكون الاسم مشبها للحرف في صورة لفظه ، كحاشا الاسميّة بنيت لشبهها بحاشا الحرفيّة ، ذكره ابن مالك ، وأورد عليه أنّ مجرّد الشبه لفظا غير كاف بدليل «إلى» الاسميّة الّتي بمعنى النعمة ، إذ هي معربة قطعا مع مشابهتهما لفظا إلى ، الّتي هي حرف جرّ.

تنبيهات : الأوّل : قد يجتمع في مبنيّ شبهان فأكثر ، ومنه المضمرات ، فإنّ فيها الشبه المعنويّ ، إذ التّكلّم والخطاب والغيبة من معاني الحروف ، والافتقاريّ ، لأنّ كلّ ضمير يفتقر إلى ما يفسّره ، والوضعيّ ، إذ غالب الضمائر على حرف أو حرفين ، وحمل الباقي عليه طردا للباب (١).

الثاني : ما ذكرناه من أنّ الأوائل السّور مبنيّة للشبه الإهمإلي ، أنّما هو على القول بأنّها لا محلّ لها من الإعراب ، لأنّها من المتشابه الّذي لا يدرك معناه ، وقيل : إنّها في محلّ رفع على الابتداء أو الخبر ، أو نصب باقرأ ، أو جرّ بالقسم ، والله أعلم.

الكلام في إثبات واسطة بين المعرب والمبنيّ : الثالث : الأصحّ انحصار الاسم في المعرب والمبنيّ خلافا لمن أثبت واسطة بينهما لا توصف بالإعراب ولا بالبناء ، وذلك في أشياء ، منها الأسماء قبل التركيب.

وذهب قوم إلى أنّها واسطة ، لا معربة ولا مبنيّة ، لفقد موجب الإعراب والبناء والسكون آخرها وصلا بعد ساكن ، نحو : قاف سين ، وليس في المبنيّات ما يكون كذلك ،

__________________

(١) أي يمكن أن نجعله قياسا للباقي.

١٦٠