الصوت اللغوي في القرآن

الدكتور محمد حسين علي الصّغير

الصوت اللغوي في القرآن

المؤلف:

الدكتور محمد حسين علي الصّغير


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المؤرّخ العربي
الطبعة: ١
الصفحات: ٢١٥

فالصوت في المعاني كلها الصوت نفسه ، والصدى ذات الصدى ، ومن هنا أورد الراغب ( ت : ٥٠٢ هـ ) : أن الرجس يقع على أربعة أوجه : إما من حيث الطبع ، وأما من جهة العقل ، وإما من جهة الشرع ، وإما من كل ذلك. والرجس من جهة الشرع الخمر والميسر ، وقيل : إن ذلك رجس من جهة العقل ، وجعل الله تعالى الكافرين رجساً من حيث أن الشرك بالعقل أقبح الأشياء (١).

٣ ـ وحينما نقف عند الصاد في مثل قوله تعالا :

( قالت أمرأت العزيز الآن حصحص الحق ) (٢). فإننا نستمع إلى الصوت المدوّي ، إذ كانت الصاد واضحة الصدور من المخرج الصوتي. فكانت « حصحص » واضحة الظهور بانكشاف الأمر فيما يقهره على الأذغان ، وهنا قد يمتلكك العجب لدى اختيار هذا اللفظ في أزيزه ، ووضوح أمره مع القهر، فلا تردّ دلائله ، ولا تخبو براهينه.

فإذا شددت الصاد كانت دلالتها الصوتية ، وإرادتها المعنوية ، أوضح لزوماً ، وأشد استظهاراً ، وأكثر إمعاناً كما في قوله تعالا : ( أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور * وحصل ما في الصدور ) (٣).

فالتحصيل إخراج اللب من القشور ، كإخراج الذهب من حجر المعدن ، والبر من السنابل ، فهو إضهار لما فيها كإظهار اللب من القشر ، أو كإظهار الحاصل من الحساب (٤).

والصوت في صيغة الإرعاب ، وفي سياق الوعيد ، قد تلمس فيه نزع ما في القلوب من أسرار ، واستخراج ما فيها من خفايا ، دون طواعية من أصحابها؟؟.

وقد يعطي دوي العبارة ، وهيكل البيان ، صيغة الإنذار ، وأنت تصطدم بالوقوف عند السين من حروف الصفير في قوله تعالى : ( فلآ أقسم بالخنس *

__________________

(١) ظ : الراغب ، المفردات : ١٨٨.

(٢) يوسف : ٥١.

(٣) العاديات : ٩ ـ ١٠.

(٤) ظ : الراغب ، المفردات : ١٢١.

١٨١

الجوار الكنس* واليل إذا عسعس * والصبح إذا تنفس ) (١).

الصوت بين الشدة واللين :

ولا نريد بهذا الملحظ المظاهر الصوتية للحروف الشديدة أو حروف اللين ، وإنما نريد الدلالة الأصواتية للكلمات وهي تتشكل في سياق يمثل الشدة حيناً ، والرقة حيناً آخر ، في دلالة تشير إلى أحدهما أولهما في ذات اللفظ ، أو جملة العبارة.

ومن فضيلة النظم القرآني أن تنتظم هذه الظاهرة في الصوائت والصوامت من الأصوات ، والصوائت ما ضمت حروف العلة عند علماء الصرف ، وهي : الألف والياء والواو ؛ والصوامت بقية حروف المعجم ، وهي الصحيحة غير المعتلة.

ويبدو أن الأصوات الصائتة بعد هذا هي الأصوات المأهولة بالانفتاح المتكامل لمجرى الهواء ، فتنطلق دون أي دوي أو ضوضاء ، وتصل إلى الأسماع مؤثرة فيها تأثيراً تلقائياً في الوضوح والصفاء ، وعلة ذلك انبساطها مسترسلة دون تضيق في المخارج.

ويتضح من هذا أن الأصوات الصامتة ما كانت بخلاف ذلك فهي تتسم بتضيّق مجرى الهواء واختلاسه ، فتنطلق أصواتها بأصداء مميزة تختلف شدة وضعفاً بحسب مخارجها فتحدث الضوضاء من خلالها نتيجة احتباس الهواء بقدر ما.

ففي الصوائت نلحظ قوله تعالى : ( ونفس وما سواها * فألمها فجورها وتقواها ) (٢). في اقتران الواو والألف في موضع واحد من سوى وتقوى ، كما نلحظ اقتران الياء والألف في سقيا من قوله تعالا :

( فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها ) (٣).

__________________

(١) التكوير : ١٥ ـ ١٨.

(٢) الشمس : ٧ ـ ٨.

(٣) الشمس : ١٣.

١٨٢

فتجد استطالة هذين الحرفين في كلا الموضعين ، لا يصدهما شيء صوتياً ، وهما يتراوحان دلالياً في ألفاظ تحتكم الشدة واللين ، فالتذكير بخلق النفس الإنسانية قسماً إلى جنب عملها بين الفجور والتقوى ، والتحذير من الناقة إلى جنب التحذير من منع السقيا.

وفي الصوامت تجد مادة « مسّ » قي القرآن بأزيزها الحاكم ، وصوتها المهموس ، ونغمها الرقيق ، نتيجة لتضعيف حرف الصفير ، أو التقاء حرفيه متجاورين كقوله تعالى : ( ولو لم تمسسه نار ) (١).

هذه المادة في رقتها صوتياً ، وشدتها دلالياً ، تجمع بين جرس الصوت الهادىء ، وبين وقع الألم الشديد ، فالمس يطلق ـ عادة ـ ويراد به كل ما ينال الإنسان من أذى ومكروه في سياق الآيات التالية :

قال تعالى : ( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ) (٢).

وقال تعالى : ( وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم ) (٣).

وقال تعالى : ( فإذا مس الإنسان ضر دعانا ) (٤).

وقال تعالى : (ولئن اذقناه نعماء بعد ضرآء مسته ) (٥).

وقال تعالى : ( ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ) (٦).

وقال تعالى : ( لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيمآ أخذتم عذاب عظيم ) (٧).

وقال تعالى : ( وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) (٨).

فهذه الصيغ المختلفة من المادة ، أوردناها للدلالة على شدة البلاء ،

__________________

(١) النور : ٣٥.

(٢) آل عمران : ١٤٠.

(٣) الروم : ٣٣.

(٤) الزمر : ٤٩.

(٥) هود : ١٠.

(٦) الأنبياء : ٤٦.

(٧) الأنفال : ٦٨.

(٨) الأنبياء : ٨٣.

١٨٣

ووقع المصاب ، وفرط الأذى ، واللفظ فيها رفيق رقيق ، ولكن المعنى شديد غليظ.

وللدلالة على هذا الملحظ ، فقد وردت المادة في صوتها الحالم هذا مقترنة بالمس الرفيق لاستخلاص الأمرين في حالتي ، السراء والضراء ، الشر والخير ، كما في كل من قوله تعالى :

أ ـ ( وقالوا قد مس ءابآنا الضرآء والسرآء ) (١).

ب ـ ( إن الإنسان خلق هلوعاً * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعاً ) (٢).

فالضراء تمسهم إذن ، والسراء تمسهم كذلك ، والشر يمسهم والخير كذلك ، ولم يشأ القرآن العظيم تغيير المادة بل اللفظ عينه في الحالتين ، وذلك للتعبير عن شدة الملابسة والملامسة والالتصاق.

وكما ورد اللفظ في مقام الضر منفرداً في أغلب الصيغ ، وورود مثله جامعاً لمدركي الخير والشر ، فقد ورد للمس الجميل خاصة في قوله تعالى : ( إن تمسسكم حسنة تسؤهم ) (٣).

وقد ينتقل هذا اللفظ بدلائله إلى معان آخر ، لا علاقة لها بهذا الحديث دلالياً ، وإن تعلقت به صوتياً ، كما في إشارة القرآن إلى المس بمعنيين مختلفين أخريين.

الأول : كنى فيه بالمس عن النكاح في كل من قوله تعالا :

أ ـ ( قالت أنا يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ) (٤).

ب ـ ( لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن ) (٥).

الثاني : وقد عبر فيه بالمس عن الجنون كما في قوله تعالا :

____________

(١) الأعراف : ٩٥.

(٢) المعارج : ١٩ ـ ٢١.

(٣) آل عمران : ١٢٠.

(٤) مريم : ٢٠.

(٥) البقرة : ٢٣٦.

١٨٤

( الذين يأكلون الربوا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخطبه الشيطان من المس ) (١).

وقد اجتمعت كلها في طبيعة الصوت.

الألفاظ دالة على الأصوات :

توافرت طائفة من الألفاظ الدقيقة عند إطلاقها في القرآن ، وتتميز هذه الدقة بكون اللفظ يدل على نفس الصوت ، والصوت يتجلى فيه ذات اللفظ ، بحيث يستخرج الصوت من الكلمة ، وتؤخذ الكلمة منه ، وهذا من باب مصاقبة الألفاظ للمعاني بما يشكل أصواتها ، فتكون أصوات الحروف على سمت الأحداث التي يراد التعبير عنها.

يقول ابن جني ( ت : ٣٩٢ هـ ) « فأما مقابلة الألفاظ بما يشكل أصواتها من الأحداث فباب عظيم واسع ، ونهج متلئب عند عارفيه مأموم ، وذلك أنهم كثيراً مايجعلون أصوات الحروف على سمت الأحداث المعبر عنها ، فيعدلونها بها ، ويحتذونها عليها ، وذلك أكثر مما نقدره ، وأضعاف ما نستشعره ، ومن ذلك قولهم : « خضم وقضم ، فالخضم لأكل الرطب ... والقضم لأكل اليابس » (٢).

ونضع فيما يأتي أمثلة لهذا الملحظ في بعض ألفاظ القرآن العظيم :

١ـ مادة « خر » توحي في القرآن بدلالتها الصوتية بأن هذا اللفظ جاء متلبساً بالصوت على سمت الحديث في كل من قوله تعالى :

أ ـ ( ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء ) (٣).

ب ـ ( فخر عليهم السقف من فوقهم ) (٤).

جـ ـ ( فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ) (٥).

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

(٢) ابن جني ، الخصائص: ١|٦٥.

(٣) الحج : ٣١.

(٤) النحل : ٢٦.

(٥) سبأ : ١٤.

١٨٥

د ـ ( فأستفغر ربه وخر راكعا وأناب ) (١).

فإن هذا اللفظ وقد جاء بصيغة واحدة في عدة استعمالات ، يدل بمجمله على السقوط والهوي ، وهذا السقوط ، وذلك الهوي : مصحوبان بصوت ما ، وهذا الصوت هو الخرير ، والخرير هو صوت الماء ، أو صوت الريح ، أو صوتهما معا ، فالحدث على هذا مستل من جنس الصوت ، ومن هنا يستشعر الراغب ( ت : ٥٠٢ هـ ) دلالة اللفظ الصوتية فيقول :

« فمعنى خرّ سقط سقوطاً يسمع منه خرير ، والخرير يقال لصوت الماء والريح وغير ذلك مما يسقط من علو ؛ ..

وقوله تعالى : ( خروا سجدا ) (٢) فاستعمال الخر تنبيه على اجتماع أمرين : السقوط ، وحصول الصوت منهم بالتسبيح ، وقوله من بعده ( وسبحوا بحمد ربهم ) (٣). فتنبيه أن ذلك الخرير كان تسبيحاً بحمد الله لا بشيء آخر » (٤).

ووجه الدلالة فيما يبدو أن الخر يأتي بمعنى السقوط من شاهق ، وأن الخرير إنما يستعمل لصوت الماء أو الريح أو الصدى محاكياً لهذا اللفظ في ترديده ، فلم يرد مجرد السقوط من « خر » وإنما أراد الصوت مضافاً إليه الوقوع والوجبة في إحداث هذا الصوت ، وكانت هذه الإضافة الدلالية صوتية سواءً أكانت في صوت الماء ، أم بالوقوع والسقوط ، أم بالتسبيح. والله أعلم.

٢ ـ مادة « صرّ » في كلمة « صر » من قوله تعالى :

( كمثل ريح فيها صر ) (٥).

أو كلمة « صرصر » في كل من قوله تعالا :

أ ـ ( وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية ) (٦).

__________________

(١) ص : ٢٤.

(٢) السجدة : ١٥.

(٣) السجدة : ١٥.

(٤) الراغب ، المفردات : ١٤٤.

(٥) آل عمران : ١١٧.

(٦) الحاقة : ٦.

١٨٦

ب ـ ( إنّا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر ) (١).

هذه المادة في هذه الصيغ الثلاث : مرفوعة ، مجرورة ، منصوبة ، وردت في القرآن وأنت تلمس فيها اصطكاك الأسنان ، وترديد اللسان ، فالصاد في وقعها الصارخ ، والراء المضعّفة ، والتكرار للمادة في صرصر ، قد أضفا صيغة الشدة ، وجسّد صورة الرهبة ، فلا الدفء بمستنزل ، ولا الوقاية متيسرة ، وذلك ما يهد كيان الإنسان عند التماسه الملجأ فلا يجده ، أو النجاة فلا يصل شاطئها ، أو الوقاية من البرد القارس فلا يهتبلها.

في لفظ « الصر » ذائقة الشتاء ، ونازلة الثلوج ، وأصوات الرياح العاتية ، مادة الصر إذن : كما عبر عنها الراغب ( ت : ٥٠٢ هـ ) « ترجع إلى الشدة لما في البرودة من التعقد » (٢).

قال الزمخشري ( ت : ٥٣٨ هـ ) : « الصر الريح الباردة نحو الصرصر ، وفيه أوجه :

أحدها : أن الصر في صفة الريح بمعنى الباردة ، فوصف بها القرة بمعنى فيها قرة صر ، كما تقول : برد بارد على المبالغة.

الثاني : أن يكون الصر مصدراً في الأصل بمعنى البرد فيجيء به على أصله.

الثالث : أن يكون شبه ما كانوا ينفقون بالزرع الذي جسه البرد فذهب حطاماً (٣).

ولكننا نضع أيدينا على الحس الصوتي في اللغة ، فيعطينا دلالة خاصة ، مواكبة لسياق الحدث في هذا الصوت ؛ فريح صر وصرصر شديدة البرودة ، وقيل : شديدة الصوت ، وصر وصرصر : صوت الصرير.

قال ابن الأنباري في قوله تعالى : ( كمثل ريح فيها صر ) (٤). فيها أقوال : أحدها : فيها صر أي برد ، والثاني فيها تصويت وحركة.

__________________

(١) القمر : ١٩.

(٢) الراغب ، المفردات : ٢٧٩.

(٣) الزمخشري ، الكشاف : ١|٤٥٧.

(٤) آل عمران : ١١٧.

١٨٧

والصرة أشد الصياح تكون في الطائر والإنسان. وصر صماخه صريراً : صوّت من العطش ، وصرصر الطائر : صوت.

وفي حديث جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام والصر عصفور أو طائر في قده ، أصفر اللون سمي بصوته ؛ يقال صر العصفور يصرّ إذا صاح وصر الجندب يصر صريراً ، وصر الباب يصر ، وكل صوت شبه ذلك فهو صرير إذا امتدّ ، فإذا كان فيه تخفيف وترجيع في إعادة ضوعف كقوله : صرصر الأخطب صرصرة ، كأنهم قدروا في صوت الجندب المد ، وفي صوت الأخطب الترجيع فحكوه على ذلك (١).

فالصوت هنا ملازم لـ ( صر ) و ( صرصر ) تارة في الشدة ، وأخرى في صوت الريح ، ومثلها في أشد الصياح ، وتارة في التصويت من العطش ، وسواها في تصويت الطائر ، وأهمها ( الصر ) سمي بصوته ، ويليه العصفور إذا صاح ، ومن ثم صرير الباب ، وصر الجندب ، وكل صوت يشبه ذلك في التخفيف أو الترجيع.

و« صر » في الآيات ليست بمعزل عن هذه المصاديق في الشدة والصوت والتصويت ، وتسمية الشيء باسم صوته.

والذكر الحكيم حافل بالألفاظ دالة على الأصوات ، جرياً على سنن العرب في تسمية اللفظ باسم صوته.

والله تعالى أعلم.

اللفظ المناسب للصوت المناسب :

كل لفظ في القرآن الكريم أختير مكانه وموضعه من الآية أو العبارة أو الجملة فإن غيره لا يسد مسدّه بداهة ، فقد اختار القرآن اللفظ المناسب في الموقع المناسب من عدة وجوه ، وبمختلف الدلالات ، إلا أن استنباط ذلك صوتياً يوحي باستقلالية الكلمة المختارة لدلالة أعمق ، وأشارة أدق ، بحيث يتعذر على أية جهة فنية استبدال ذلك بغيره ، إذ لا يؤدي غيره المراد

__________________

(١) ظ : ابن منظور ، لسان العرب : مادة : صرر.

١٨٨

الواعي منه ، وذلك معلم من معالم الإعجاز البياني في القرآن.

١ـ في قوله تعالى : ( ياجبال أوبي معه والطير ) (١). جرس موسيقي حالم ، وصدى صوتي عميق ، وإطلاق للأصوات من أقصى الحلق وضمها للشفة ثم إعادة إطلاقها ، فيما به يتعين موقع « أوبي » بحيث لا يسدّ مسدّها غيرها من الألفاظ ، فالمراد بها ترجيع التسبيح من آب يؤوب ، على جهة الإعجاز بحيث تسبح الجبال ، وهو خلاف العادة ، وخرق لنواميس الكون في ترديد الأصوات من قبل ما لا يصوت ، ولو استبدل هذا اللفظ في غير القرآن لعاد النظر مهلهلاً ، والدلالة الصوتية منعدمة.

قال الزمخشري ( ت : ٥٣٨ هـ ) : « فإن قلت : أي فرق بين هذا النظم وبين أن يقال : وآتينا داود منا فضلاً تأويب الجبال معه والطير؟ قلت : كم بينهما؟ ألا ترى إلى ما فيه من الفخامة التي لا تخفى من الدلالة على عزة الربوبية ، وكبرياء الألوهية ، حيث جعلت الجبال منزّلة منزلة العقلاء الذين إذا أمرهم أطاعوا وأذعنوا ، وإذا دعاهم سمعوا وأجابوا ،أشعاراً بأنه ما من حيوان وجماد ، وناطق وصامت إلا وهو منقاد إلى مشيئته ، غير ممتنع عن إرادته » (٢).

وتقرأ الآية : ( ياجبال أوبي معه والطير ) (٣). بالتشديد ، وتقرأ بالتخفيف ، فمن قرأ ( أوبي ) بالتشديد فمعناه : يا جبال سبحي معه ، ورجعي التسبيح لأنه قال : سخرنا الجبال معه يسبحن ، ومن قرأ ( أوبي ) بالتخفيف ؛ فمعناه : عودي معه بالتسبيح كلما عاد فيه (٤).

فالنظام الصوتي بهذا هو الذي يحقق المعنى الجملي ، فإن كانت ( أوبي ) بالتشديد ، وهي القراءة المتعارفة ، فالمراد : التسبيح في ترديده وترجيعه ، وإن كانت بالتخفيف ؛ فتعني الرجوع والأوبة ، وعليه فالمراد إذن : العودة إلى التسبيح كلما عاد :

__________________

(١) سبأ : ١٠.

(٢) الزمخشري ، الكشاف : ٣|٢٨١.

(٣) سبأ : ١٠.

(٤) ظ : ابن منظور ، لسان العرب : ١|٢١٢.

١٨٩

٢ ـ في قوله تعالى : ( مثل الذين اتخذوا من دون الله اولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ) (١). تبرز كلمة « أوهن » لتعطي معنى الضعف ، وقد تحقق هذا المعنى كلمة ( أوها ) ولكن القرآن الكريم استعمل أوهن دون أوها ، وذلك لما يفرزه ضم حروف الحلق ، وأقصا الحلق إلى النون من التصاق وغنة لا تتأتى بضم الألف المقصورة إليها صوتياً ، وحينئذ تصل الكلمة إلى الأسماع ، وتصك الآذان ، وهي تحمل لوناً باهتاً للعجز مؤكداً بضم هذه النون ـ من ملحظ صوتي فقط ـ إلى تلك الحروف لتحدث واقعًا خاصاً يشعر بالضعف المتناهي لا بمجرد الضعف وحده. وكان هذا بتأثير مباشر من دلالة اللفظ الصوتية ، إذ أحدثت فيها النون وهي من الصوامت الأنفية صدى وإيقاعاً لا تحدثه الألف المقصورة وهي صوت حلقي خالص ، لا غنة معه ، ولا ضغط ، ولا إطباق.

وهذا التشبيه باختيار هذا اللفظ صوتياً ، يجمع إليه إيحائياً دلالة أن الأصنام والأشخاص والقيم اللاإنسانية .. واهنة متداعية عاجزة حتى عن حماية كيانها ، وصيانة وجودها ، لأنها في تكوين رخو واهن ، وبناء تتداعى أركانه ، ومثل هذا التكوين وذلك البناء لا اعتماد عليهما ، ولا اعتداد بهما ، إنما القوة بالله ، والحماية من الله ، والالتجاء إلى الله فهو وحده الركن القويم.

قال الزمخشري ( ت : ٥٣٨ هـ ) : « وقد صح أن أوهن البيوت بيت العنكبوت ، وكما أن أوهن البيوت إذا استقريتها بيتاً بيتاً بيت العنكبوت ، كذلك أضعف الأديان إذا استقريتها ديناً ديناً عبادة الأوثان لوكانوا يعلمون » (٢).

واذا كان القرآن الحكيم قد امتاز بتخير الألفاظ وانتقائها ، فإنه يرصد بذلك ما لهذه الألفاظ دون تلك :

« من قوة تعبيرية ، بحيث يؤدي بها فضلاً عن معانيها العقلية ، كل ما

__________________

(١) العنكبوت :٤١.

(٢) الزمخشري ، الكشاف : ٣|٢٠٦.

١٩٠

تحمل في أحشائها من صور مدخرة ، ومشاعر كامنة ، لفّت نفسها لفاً حول ذلك المعنى العقلي » (١).

وهو ما تنبّه إليه الزمخشري في تعليله ذلك من ذي قبل.

٣ ـ وفي قوله تعالى : ( وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوى هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ) (٢).

تنهض كلمة «كل » وهي صارخة مشرأبة ، لتوحي عادة بمعنى العالة في أبرز مظاهرها ، وقد استعملها القرآن لإضاءة المعنى بما فيها من غلظة وشدة وثقل ، لهذا الصدى الصوتي الخاص المتولد من احتكاك الكاف وإطباق اللام على اللهاة ، وما ينجم عن ذلك من رنة في الذاكرة ، وشدة على السمع ، فصوت الكاف في العربية ، وهو من حروف الإطباق ، شديد انفجار مهموس ، وصوت اللام في العربية ، وهو من حروف الأسنان واللثة ، مجهور متوسط بين الشدة والرخاوة (٣).

وقد اجتمع المهموس والمجهور معاً في هذا اللفظ ، فإذا علمنا أن المهموس هو الصوت الذي يظل النفس عند النطق به جارياً لا يعوقه شيء ، وأن المجهور هو الصوت الذي يمتنع النفس عن الجريان به عند النطق أدركنا سر اجتماع الكاف المهموسة واللام المجهورة في هذا اللفظ ، وما في ذلك من عسر في اللفظ دال على المعنى وغلظته.

يقول أستاذنا المخزومي : « فإذا اجتمع صوت مجهور ، وآخر مهموس ؛ فقد اجتمع صوتان مختلفان لكل منهما طبيعة خاصة ، والجمع بين هذين الصوتين يقتضي عضو النطق أن يعطي كل صوت منهما حقه ، وفي ذلك عسر لا يخفى ، فإذا تألفت كلمة وقد تجاور فيها صوتان ، أحدهما مجهور ، والآخر مهموس ، فما يزال أحدهما يؤثر في الآخر حتى يصيرا مجهورين معاً ، أو مهموسين معاً » (٤).

__________________

(١) تشارلتن ، فنون الأدب : ٧٦.

(٢) النحل : ٧٦.

(٣) ظ : ابن جني ، سر صناعة الأعراب : ١|٦٩.

(٤) مهدي المخزومي ، في النحو العربي ، قواعد وتطبيق : ٨.

١٩١

لقد ظل النفس جارياً مستطيلاً في اللام عند مجاورتها للكاف ، وزاد التشديد في استطالتها ، لتوحي الكلمة بأبعادها الصوتية : بأن هذا العبد شؤم لا خير معه ، وبهيمة لا أمل بإصلاحه ، فهو عالة وزيادة ، بل هو « كل » بكل التفصيلات الصوتية لهذا اللفظ.

لقد كان اختيار اللفظ المناسب للصوت المناسب حقلاً يانعاً في القرآن لا للدلالة الصوتية فحسب ، بل لجملة من الدلالات الإيحائية واللغوية والهاميشية ، وتلك ميزة القرآن الكريم في تخير الألفاظ.

١٩٢

« خاتمة المطاف »

١٩٣

١٩٤

بعد هذه الجولة الفسيحة في أبعاد الصوت اللغوي في القرآن الكريم ، يجدر بي في خاتمة المطاف أن أضع أبرز النتائج والكشوفات العلمية التي يسرها البحث.

كان الفصل الأول بعنوان : أبعاد الصوت اللغوي وقد بحثنا فيه :

١ ـ مصطلح الصوت اللغوي ، فأفضنا الحديث عن الصوت لغةً ، والصوت ذبذبة ، والصوت غنائياً ، والصوت عند الأصواتين العرب ، وانتهينا أن الصوت بوصفه لغوياً يعني في هذه الدراسة المتخصصة : تتبع الظواهر الصوتية لحروف المعجم العربي ، وتطبيقها تنظيريا في القرآن العظيم بخاصة لأنه حقل البحث ، وموضوع تفصيلاته اللغوية ، فيما أثبت البحث : أن مصطلح علم الأصوات : مصطلح عربي أصيل سبق إليه علماء الإسلام والعربية.

٢ ـ وعرض الفصل إلى تقسيم الصوت بين العرب والأوروبيين ، فكانت دقة العرب أن توصلوا إلى تقسيم الحروف إلى طائفتين صوتيتين هما : الأصوات الصائتة والأصوات الصامتة ، وكانت هذه التسمية دليل الأوروبيين ـ فيما بعد ـ في التقسيم إلى الأصوات الساكنة وأصوات اللين.

وتوصل العرب إلى صفات هذه الأصوات في مخارجها ، وقسموا الصوت بعد ذلك إلى مجهور ومهموس ، وشديد ومطبق ، وسواهما ، وهو ما توصل إليه المحدثون بعد دراسات تشريحية لأجهزة النطق.

وكان تقسيم العرب والمسلمين للأصوات باعتبار مخارجها مخططاً

١٩٥

تفصيلياً لعملية إحداث الأصوات مع تسمياتها في المصطلح الصوتي ذلك ما قاربه وحقق القول فيه علماء الأصوات المحدثون ، وهم يسخرون لذلك أجهزة العلم الفيزولوجية ، بينما اكتشفه المسلمون والعرب بذائقتهم الفطرية الخالصة.

٣ ـ وعرضنا لتطور الصوت اللغوي في التحول التأريخي لنظام الأصوات ، ووقفنا عند التحول التركيبي الذي ينشأ عادةً نتيجة لظواهر تغيير أصوات اللغة الواحدة ، واستبدال صوت منها بصوت آخر ، مما نشأ عنه مصطلح المماثلة عند استجابته للإبدال الصوتي الموقت ، ومصطلح المخالفة فيما استجاب للإبدال الصوتي الدائم ، وبحثنا المصطلحين في شذرات أحسبها مفيدة ، وعرضنا بعد هذا الجزء ـ في ضوء تطور الصوت في المقطع أو عند المتكلم ـ لظاهرتي النبر والتنغيم ، وهما موضع عناية عند العرب من الناحية النظرية ، مع فرض توافر لحاظه المشترك في التطبيق القرآني.

٤ ـ وتناولنا نظرية الصوت اللغوي عند العرب فيما شهد بأصالته المحدثون من الأوروبيين والمستشرقين ، فكان ما توصل إليه العرب : عبارة عن المادة التخطيطية لمئات الجزئيات ، وعشرات الموضوعات الصوتية المتخصصة مما أشاروا إليه في كتبهم مفردات منظمة متناسقة مثلت نظرية الصوت في جميع المستويات الصوتية المعقدة ، ابتداءً من أجهزة النطق ، ومروراً بكل التفصيلات المضنية للأصوات ، وانتهاءً بأقيسة الزمان والمكان للصوت.

وكان الفصل الثاني بعنوان : منهجية البحث الصوتي وقد عرضنا فيه لتأريخية البحث الصوتي في منهجيته العربية المقارنة بالفكر الأوروبي الحديث مما توصل معه البحث إلى أصالة المنهجية الصوتية عند العرب بدءاً من :

١ ـ الخليل بن أحمد الفراهيدي ومدرسته الصوتية ، فرأينا الخليل ( ت : ١٧٥ هـ ) أول من وضع الصوت اللغوي موضع التطبيق الفني في مقدمة العين باعتبارها أول مادة صوتية وصلت إلينا في كتب اللغة ، وتتبعنا ذلك في أبرز إفاضات الخليل فوجدناه قد نص على تسمية كل نوع من

١٩٦

الأصوات ، وقد تذوق الحروف من مخارجها ، وحدد كل صنف من أصناف الحروف المعجمية على بنية صوتية متميزة عن سواها ، ووضع مخططاً شاملا لمخرج كل صوت انساني مضاف الى حيزه الخاص ، وعرض الى التمايز الصوتي في اللغة ، فهو يرى في اللغة امتداداً طبيعياً للأصوات من خلال حصره للمعجم العربي بأبعاد صوتية لم تخطىء ولا مرة واحدة.

٢ ـ ووجدنا سيبويه ( ت : ١٨٠ هـ ) قد تأثر بمدرسة الخليل الصوتية فسار على نهجه في كثير من الأبعاد ، واجتهد في القسم الآخر ، وكان له قدم سبق في قضايا الإدغام ، وتمييزه الدقيق بين صفتي الجهر والهمس ، ورأينا ابن دريد ـ وهو امتداد لهما ـ يصدر في الجمهرة عن علم الخليل ومنهجية سيبويه ، ويضيف بعض الإشارات الصوتية في ائتلاف الحروف.

٣ ـ ووقفنا عند الفكر الصوتي لأبي الفتح عثمان بن جني ( ت : ٣٩٢ هـ ) باعتباره أول من استعمل مصطلحاً فنياً للدلالة على الأصوات سماه : « علم الأصوات » وكان منهجه الصوتي مثار إعجاب للبحث بما صح أن يطلق عليه اسم الفكر الصوتي ، لأنه يتمحّض لهذا العلم ، ويعرض فيه عصارة تجاربه الصوتية دقيقة منظّمة ، ويتفرغ لبحث أصعب المشكلات الصوتية بترتيب حصيف في بحوث قيّمة عرضت لجوهر الصوت في كتابيه : سر صناعة الاعراب والخصائص.

وكان منهجه يضم تتبع الحروف من مخارجها وترتيبها على مقاطع ، وإضافته ستة أحرف مستحسنة بأصواتها إلى حروف المعجم ، وثمانية أحرف فرعية مستقبحة بأصواتها ، ويحصر مخارج الحروف في ستة عشر مخرجاً تشريحياً منظّراً له بأمثلته ، فكان فكر ابن جني الصوتي قد حقق نظاماً أصواتياً قارنّاه بالفكر الصوتي العالمي من خلال هذه الظواهر :

أ ـ مصدر الصوت ومصطلح المقطع.

ب ـ جهاز الصوت المتنقل.

جـ ـ أثر المسموعات في تكوين الأصوات.

د ـ محاكاة الأصوات.

١٩٧

وكان ما قدمه ابن جني تأصيلاً صوتياً لكثير من الملامح والخصائص المكتشفة في ضوء تقدم العلم الفيزولوجي الحديث.

٤ ـ وعالجنا موضوع : القرآن والصوت اللغوي ، فوجدنا المباحث الصوتية عند العرب قد اتخذت القرآن أساساً لتطلعاتها ، وآياته مضماراً لاستلهام نتائجها ، فهي حينما تمازج بين الأصوات واللغة ، وتقارب بين اللغة والفكر ، فإنما تتجه بطبيعتها التفكيرية لرصد تلك الأبعاد مسخرة لخدمة القرآن العظيم.

ووجدنا أن جوهر الصوت العربي قد اتسم بالوضوح لأنه يتمثل في قراءة القرآن ، فكان القرآن هو المنطلق الأساس لعلم الأصوات في مجموعتين دراسيتين هما :

الدراسات القرآنية + الدراسات البلاغية.

وأعطينا مجملاً صوتياً لكلا المنهجين.

وكان الفصل الثالث بعنوان : الصوت اللغوي في فواتح السور القرآنية.

وقد بحث بشكل دقيق المفردات الآتية :

١ ـ توجيه القرآن الكريم اهتمام العرب والمسلمين للصوت اللغوي منذ عهد مبكر للإفادة من الزخم الصوتي في اللغة ، وهو يستهل بعض السور القرآنية بجملة محددة من الحروف الهجائية التي تنطق بأصواتها أسماءً ، لا بأدواتها حروفاً للإفادة من صوتيتها لدى الاستعمال دون حرفيتها ، وقد شغل علماء الإعجاز القرآني بالتصنيف الصوتي لهذه الحروف في دلائلها الصوتية ، وأسرارها التركيبة ، واستيعابها لأنواع الأصوات وتقسيماتها كافة مجهورها ومهموسها ، شديدها ورخوها ، مطبقها ومنفتحها ... إلخ.

٢ ـ وعرض البحث لما أفاض الباقلاني في تقسيمه أصناف هذه الأصوات ، فجعلها مشتملة على كل الأصناف الصوتية في النطق.

٣ ـ وتناول اهتمام الزمخشري بجدولة فواتح السور القرآنية ، وعدد

١٩٨

المهموس والمجهور ، والشديد والرخو، والمطبق والمنفتح ، والمستعلي والمنخفض ، وحروف القلقلة ، فسبرها تفصيلاً وأورد المسميات تخصيصاً بعد تعقب حكمة هذا التركيب ، وفلسفة هذه الأصوات ، فكان الله سبحانه وتعالى قد عدد على العرب الأصوات التي منها تركيب كلامهم إلزاماً للحجة.

٤ ـ ووجد البحث أن الزركشي قد وقف عند الصدى الصوتي لهذه الحروف من عدة وجوه منها :

أ ـ عدد هذه الأصوات فيما ابتدىء به بثلاثة احرف وعلل ذلك صوتياً في المخرج واعتماد اللسان ، واعتبر ذلك مجارياً لأصل مخارج الحروف : الحلق ، اللسان ، الشفتين.

ب ـ تعقب ملاءمة بعض الأصوات لبعضها في فواتح السور.

جـ ـ تنبهه إلى علاقة بدء السورة بصوت ما ، وإشتمال السورة على صورة ذلك الصوت في حروف كلماتها ، أو دلائل عبارتها.

٥ ـ ولم يفت الفصل أن يستقري المراد من هذه الحروف والأصوات في بدايات السور ، وأن يستجلي الحكمة من إيرادها ، وأعطى كشفاً تفصيلياً للآراء المتضاربة أو المتقاربة في ذلك ، وانتهى أنها من المتشابه الذي استأثر الله تعالى بعلمه ، ولكن هذا لا يخرجها من جوهرها الإنصاتي فهي من جنس أصوات العرب ، وهي من سنخ حروف معجمهم اللغوي ، ومن روح أصداء لغة القرآن العظيم ، فهي إشارات إلهية لبيان إعجاز القرآن ، وذلك من جملة الفوائد المترتبة على أسرار هذه الحروف.

وكان الفصل الرابع بعنوان : الصوت اللغوي في الأداء القرآني. وقد تناول الموضوعات الآتية :

١ ـ أصول الأداء القرآني في أول إشارة إليه عند أمير المؤمنين الإمام علي عليه‌السلام في معرفة الوقف وتجويد الحرف.

فتحدث عن الوقف في مختلف الوجوه ، وشتى الأحوال ، لا سيما مصطلحاته الفنية عند علماء الأداء.

١٩٩

٢ ـ مهمة الوقف في الأداء القرآني ، وقد عرض فيه إلى شيوع الوقف في فواصل الآي بصورها كافة ، ومقابلة ظواهر الاعراب في علاماتها بالآيات التي تلتزم حرفاً معيناً ، والتي لا تلتزمه في أواخر الفواصل ، وبيان فضله في تناسق العبارة وتقاطرها ، وهي مختلفة في المواقع الاعرابية.

٣ ـ نصاعة الصوت في الأداء القرآني ، وقد تناول نصاعة الصوت في إعطاء الحرف حقه من النطق المحقق الذي لا يشتبه بسواه ، ونشوء مصطلح التجويد ، وابتناء قواعده على مخارج الحروف صوتياً ، مع كشف بتلك المخارج أدائياً.

وكان الحديث عن خصائص كل صوت ، وسمات كل حرف ، تنفيذاً عملياً للآداء القرآني على الوجه الأكمل.

٤ ـ الصوت الأقوى في الأداء القرآني ، وقد عرض لظاهرة الإدغام عرضاً وافياً لمقاربتها من ظاهرة المماثلة عند الأصواتيين المحدثين ، فأبان حدّه وتفريعه وتقسيمه وتنظيره ، وربط بين ذلك وبين شقي المماثلة الرجعية والتقدمية ، وقد ظهر من بين ذلك : أن الصوت القوي هو الذي يحتلّ مساحة النطق ، بدل الصوت الضعيف ، فالصوت الأقوى هو المسيطر على النطق. وعرض لدور أبي عمرو بن العلاء في إرساء قواعد الإدغام والقول به ، وتحدث عن الحروف التي تدغم في أمثالها ، والحروف التي تدغم في مجانسها ومقاربها ، ونظّر لذلك تطبيقاً بكوكبة من آيات القرآن العظيم لكلا النوعين المماثل والمجانس. وقام برصد النتائج الصوتية في حصر الحروف التي تدغم في أمثالها وأجناسها ، وكشف الحروف التي تتدغم ويدغم فيها ، وخلص إلى رصد طائفة من الظوابط الصوتية ، وألحق ذلك بدراسة عن الإظهار ، والإقلاب ، وتوسع في التنظير للإخفاء لكونه حالة بين الإظهار والإدغام.

٥ ـ توظيف الأداء القرآني في الأحكام ، وقد وجد البحث أن أداء القرآن في ضوء التلاوة قد عاد موضوعاً للأحكام الشرعية الدقيقة في ملحظ القراءة بالذات ، وذلك بأداء الحروف من مخرجها ، وأن تكون هيئة كل كلمة موافقة للأسلوب العربي في حركة البنية والسكون والاعراب والبناء والحذف والقلب والادغام والمد الواجب ، وأمثال هذا في عدة ملاحظ ، أمكن رصدها بالآتي :

٢٠٠