النحو العربى

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربى

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٩٤

والآخر : أن يكون النعت (اسم التفضيل) مضافا إلى المعرف بالأداة ، وحينئذ يجوز فيه الوجهان السابقان. فتقول : جاء الطالب أحسن الموجودين ، جاءت الطالبة أحسن الموجودات ، أو حسنى الموجودات ، جاء الطالبان أحسن الموجودين ، أو : أحسنا الموجودين ، جاءت الطالبتان أحسن الموجودات ، أو حسنيا الموجودات.

جاء الطلاب أحسن الموجودين ، أو : أحاسن الموجودين ، أو : أحسنو الموجودين ، جاءت الطالبات أحسن الموجودات ، أو : حسنيات الموجودات.

خامسا : النعت بالمصدر :

إذا نعت بالمصدر فإن النعت يتبع المنعوت فى الإعراب والتعريف أو التنكير فقط ، ويلزم النعت المصدر الإفراد والتذكير. ولا ينعت بالمصدر الميمى ولا بالمصدر المؤول ـ على الأرجح ـ ، فيوصف بالمصدر الصريح ، فتقول : احترمت رجلا عدلا ، ورجلين عدلا ، ورجالا عدلا وامرأة عدلا ، وامرأتين عدلا ، ونساء عدلا.

الحظ لزوم المصدر النعت الإفراد والتذكير ، وتوافقه مع المنعوت فى التنكير والنصب.

سادسا : صفة المضاف إلى (كل):

تعرب صفة المضاف إلى (كل) إعراب المضاف إليه ، وهو الأكثر ، فتقول : كل رجل صالح فيرضى الله ، حيث (صالح) مجرورة على أنها نعت لرجل المجرور بالإضافة.

ومنه : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) [البقرة : ٢٧٦].

(وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) [الأنبياء : ٣٠].

(أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) [ق : ٢٤].

كل من : (أثيم ، وحى ، وعنيد). صفة ، وقد تبعت موصوفها المضاف إلى (كل) ، ولم تتبع (كل).

٦١

القسم الثانى : النعت السببى

هو النعت الذى لا يتوجه بمعناه إلى ذاتية المنعوت كلّها ، ولكنه يتوجه أو يصف شيئا متعلقا به أو جزءا من أجزائه ، فهو وصف بحال متعلق الموصوف ، وتركيب النعت السببى له ثلاثة أجزاء : المنعوت النحوى ، والنعت السببى ، والمنعوت المعنوى. والمنعوت المعنوىّ جزء من المنعوت النحوىّ ؛ كالوجه ، واليد ، والشعر ، والقامة ، والسمع ، والبصر ، ... أو شىء متعلق به : كالثياب ، والدرجات ، والمنزل ، والأب ، والبلد ، والموطن ... إلخ.

لذلك فإن المنعوت المعنوىّ يجب أن يتضمن ضميرا يعود إلى المنعوت النحوىّ ، كى يربط النعت بمنعوته ، فلا يكون أجنبيا عنه ، فالنعت السببىّ بمثابة شبه الجملة ، وقد يكون جملة مقلوبة الركنين ، ومن هنا لزم تضمن الضمير العائد على المنعوت ، والنعت السببى من النعت بالمفرد المشتق.

قضية المطابقة فى النعت السببى :

ذكرنا أن النعت السببىّ بمثابة الجملة ، ولأن النعت مشتقّ ؛ فإنه يكون بمثابة الجملة الفعلية ، لذلك فإنك فى تركيب النعت السببىّ تحتسب فعلا قائما مقام النعت السببىّ ، حيث يكون الفعل متقدما على فاعله ، فإذا استذكرت قوانين الجملة الفعلية فإنك تجد أن الفعل يتفق مع فاعله فى التذكير والتأنيث ، حيث يلحق بالفعل ما يفيد التأنيث مع الفاعل المؤنث ، كما لا يلحق الفعل ما يدلّ على تثنية أو جمع مع الفاعل المثنى أو المجموع ، باستثناء بعض اللغات القبلية ، فالفعل يلزم الدلالة على المفرد.

كذلكم النعت السببىّ يتفق مع منعوته المعنوىّ ـ الذى هو بمثابة فاعله والذى يذكر بعده ـ فى التذكير أو التأنيث ، ويلزم الإفراد.

أما جانبا التعريف أو التنكير والإعراب فإنه يتفق فيهما مع منعوته النحوىّ الذى يسبقه ، حيث يكون التركيب النعتى كذلك ، وحيث هما جانبان خارجان عن سمات الفعل ، فالفعل لا يعرف ولا ينكر ، كما أن إعرابه خاص به. والتخطيط التالى يوضح ذلك :

٦٢

تقول : جاءنى رجل قائم غلامه ، حيث النعت السببى (قائم) ، والمنعوت المعنوى (غلامه) فالقائم هو الغلام ، والمنعوت النحوى (رجل) ، والغلام متعلق بالرجل ، فتضمن ضميرا يرجع إليه ، وهو هاء الغائب ، لزم النعت الإفراد ، واتفق مع رجل فى التنكير والرفع ، واتفق مع غلام فى التذكير. الحظ أن إعراب (غلام) فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة ، وهو فاعل لاسم الفاعل قائم.

وتقول : رأيت الرجلين القائم غلامهما ، اتفقت الصفة (القائم) مع الرجلين فى التعريف والنصب ، ومع غلام فى التذكير ، ولزمت الإفراد.

وأعجبت بالمرأة الحسن خلقها. (خلق فاعل مرفوع بالصفة المشبهة) اتفقت الصفة (الحسن) مع (المرأة) فى التعريف والجر ، ومع (خلق) فى التذكير ، ولزمت الإفراد.

٦٣

وأعجبت بالطلاب المرتفعة درجاتهم ، اتفق النعت (المرتفعة) مع الطلاب فى التعريف والجر ، ومع درجات فى التأنيث ، ولزم الإفراد.

مررت برجل قائمة أمّه : اتفق النعت (قائمة) مع رجل فى التنكير والجر ، ومع (أمه) فى التأنيث ، ولزم الإفراد.

ورأيت امرأتين قائما أبواهما. اتفق النعت (قائما) مع امرأتين فى التنكير والنصب ، ومع (أبواهما) فى التذكير ، ولزم الإفراد.

ورأيت النساء القاعد غلمانهن. اتفق النعت (القاعد) مع النساء فى التعريف والنصب ، ومع غلمان فى التذكير ، ولزم الإفراد.

هذا رجل قائم أخوه. اتفق النعت مع رجل فى التنكير والرفع ، ولزم الإفراد ، واتفق مع (أخوه) فى التذكير.

أعجبت بمحمد المرتفعة درجاته. اتفق النعت (المرتفعة) مع محمد فى التعريف والجر ، ولزم الإفراد ، واتفق مع (درجات) فى التأنيث.

رأيت فتاتين مقبلا أبوهما ، وقاعدة أمهما ، ومنطلقا إخوتهما.

نظرت إلى الرجال الطويلة قاماتهم ، والقصيرة شعورهم ، والبديع فكرهم.

احترمت النساء الحسنة أخلاقهن ، وجاءتنا الفتيات المغطّى شعرهن.

استمعت إلى درس جذاب إلقاؤه ، وتركت درسين غامضا عنواناهما.

ملحوظات فى قضية المطابقة فى النعت السببى :

أولا : المنعوت المعنوى المؤنث تأنيثا مجازيا :

إذا كان تأنيث المنعوت المعنوىّ غير حقيقىّ جاز فى النعت ـ وهو الصفة العاملة ـ التذكير والتأنيث ، كما يجوز ذلك فى الفعل العامل ، فتقول : جاءنى رجل مقطوع أذنه ، ومقطوعة أذنه ، كما تقول فى الفعل : قطع أذنه ، وقطعت أذنه ، حيث موضع جواز التأنيث إذا كان الفاعل مجازىّ التأنيث ، و (أذن) تأنيثها تأنيث مجازى ، فجاز إلحاق تاء التأنيث بالعامل ، كما جاز عدم إلحاقها به. وكما يجوز

٦٤

القول : طلع الشمس ، وطلعت الشمس ، يجوز فى النعت : هذا اليوم طالع شمسه ، وطالعة شمسه.

ثانيا : عدم لزوم النعت الإفراد :

يجوز فى لغة من يلحق الضمائر بالفعل المتقدم على فاعله أو نائب فاعله إتباع الصفة معمولها فى العدد (الإفراد والتثنية والجمع) ، وذلك على لغة : (أكلونى البراغيث). فتقول على لغتهم : مررت برجل قاعدين غلمانه ، حيث الشائع (قاعد) بالإفراد ، لكنه على لغتهم يلحق بالنعت علامة الجمع لتتوافق مع المنعوت المعنوىّ المجموع (غلمان). وتقول ـ على لغتهم : رأيت رجلين قاعدين غلاماهما ، وقاعدين غلمانهما ؛ لأنهم يقولون : قعدا غلاماهما ، وقعدوا غلمانهم.

ثالثا : إعراب النعت على المحل :

لكلّ كلمة فى الإعراب تقديران : تقدير لفظىّ تنطق عليه أو به ، وجانب محلى أو موضعى تكون عليه موقعيتها ، والجانبان قد يتفقان فى الكلمة الواحدة ، وقد يختلفان حال إعرابهما ، فإذا اختلف الجانبان فى إعراب المنعوت فأصبح له لفظ ومحلّ أو موضع ، كما هو فى المسبوق بحرف جر زائد مثلا ... ، فإن نعته قد تجريه على اللفظ فيتفقان فى الإعراب ، وقد تجريه على المحلّ فيختلفان.

فتقول : ما جاءنى من طالب مهمل بالجر على اللفظ ، ومهمل بالضمّ أو الرفع على المحل ؛ لأن طالبا فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة منع من ظهورها اشتغال المحلّ بحركة حرف الجرّ الزائد.

كما أن النعت قد يتفق مع منعوته فى حركة بنائه ، أو أن يعرب على المحلّ ، كما هو فى اسم (لا) النافية للجنس ، والمنادى المبنى ، فتقول : لا طالب مهملا أو مهمل بيننا ، باحتساب (مهمل) صفة لاسم (لا) النافية للجنس (طالب) ، وشبه الجملة (بيننا) فى محلّ رفع خبر (لا) ، أو متعلقة بخبر محذوف. واسم (لا) النافية (طالب) مبنى على الفتح فى محلّ نصب ، فتنصب الصفة (مهمل) وتكون

٦٥

منونة على المحل ، وتبنيها وتكون مفتوحة على اللفظ ، وهذا ضعيف فى هذا التركيب لتوالى ثلاثة مبنيات ، وفيه وجه ثالث وهو أن ترفع الصفة على محل (لا مع اسمها) ، ومحلهما الرفع ؛ لأن موضعهما ابتداء.

وتقول : يا رجل قارئا أسمعنى ، يا رجل قارئ أسمعنى ، حيث (رجل) منادى مبنى على الضم فى محلّ نصب ، فتكون صفته (قارئا) منصوبة ، وتكون منونة بالفتح على المحل ، وتكون مضمومة على أنها مبنية بناء منعوتها على اللفظ.

وتقول : يا زيد الظريف ، والظريف ، الضم على اللفظ ، والنصب على المحلّ.

وتقول : ما من طالب واحد غاب اليوم ، حيث (طالب) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد (من). (واحد) نعت لطالب مجرور على اللفظ ، وعلامة جره الكسرة ، ومرفوع على المحل وعلامة رفعه الضمة.

ومنه قول الأعشى :

وقصيدة تأتى الملوك غريبة

قد قلتها ليقال من ذا قالها.

حيث (قصيدة) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجرّ الشبيه بالزائد ، فتكون (غريبة) نعتا لقصيدة مجرورا على اللفظ ، ومرفوعا على المحل.

قطع النعت عن المنعوت

تنعت الأسماء لافتراض أنها غير محددة لدى السامع ، أو غير متضحة المدلول ، فتوضّح أو تخصص بما تقرن به من نعوت ، سواء أكان المنعوت نكرة أم معرفة.

لكنه يمكن أن يقطع النعت عن المنعوت فى عدة دلالات معينة ، وحينئذ يقدر النعت جملة اسمية محذوفة المبتدإ ، أو جملة فعلية محذوفة الفعل والفاعل ، فيتحصل بقطع النعت عن المنعوت أوجه ثلاثة إعرابية للنعت :

ـ الإتباع ؛ على أنه نعت لمنعوته.

٦٦

ـ الرفع ؛ على أنه خبر لمبتدإ محذوف يعود على المنعوت.

ـ النصب ؛ على أنه مفعول به لجملة فعلية يقدر فعلها وفاعلها تبعا للسياق ، وفاعله ضمير المتحدث دائما ، فيمكن أن تقدر الجملة بأعنى .. أو أذكر .. ، أو أعظم .. أو أمدح .. ، أو أذم ... أو غير ذلك مما يتطلبه السياق.

يذكر ابن مالك فى ذلك :

وارفع وانصب إن قطعت مضمرا

مبتدأ أو ناصبا لن يظهرا

ويجوز أن يقطع النعت عن المنعوت فى موضعين (١) : إلى جانب موضع عام ، وهما :

أحدهما : أن يقدر المنعوت المجهول كالمعلوم تعظيما له ، وكأن المخاطب يتبين بالصفة موصوفها ، وإن لم تورد تابعة للمعرفة ، فيقال : مررت برجل شريف الآباء ، (شريف) نعت لرجل مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، يجوز أن يرفع على أنه خبر لمبتدإ محذوف ، والتقدير : هو شريف ، ويجوز أن ينصب على أنه مفعول به لفعل محذوف ، والتقدير : أمدح ، أو : أذكر ، أو : أعنى ... إلخ.

والآخر : أن يكون النعت مسبوقا بنعت آخر مقارن له فى المعنى ، كقولك : مررت برجل شجاع فارس ، حيث (فارس) نعت لرجل مجرور ، وعلامة جره الكسرة ؛ ولأن النعت مسبوق بنعت آخر مقارن له فى المعنى جاز أن يقطع عن المنعوت ، فيجوز فى (فارس) أن ينصب على المفعولية لفعل محذوف ، وجاز أن يرفع على الخبرية لمبتدإ محذوف. من ذلك قول أمية بن عائذ الهذلى يصف صائدا :

ويأوى إلى نسوة عطّل

وشعثا مراضيع مثل السّعالى (٢)

__________________

(١) ينظر : شرح القمولى على الكافية : ٢ ـ ٤٢٣.

(٢) ديوان الهذليين : ٢ ـ ٢٨٤ / الكتاب ١ ـ ٣٩٩ / معانى القرآن للفراء ١ ـ ١٠٨ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ١٨ / المقرب ١ ـ ٢٢٥ / شفاء العليل ٢ ـ ٢٥٧.

عطل : خالية من الحلى ، شعث : مغبرة الرأس / السعالى : جمع سعلاة ، وهى أخبث الغول (يأوى) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو. (إلى) حرف.

٦٧

حيث قطع النعت (شعثا) عن منعوته ، فنصب على تقدير فعل محذوف.

هذا إلى جانب الموضع العام ، أو الفكرة العامة ، حيث يعلم المنعوت بدون النعت ، مثل «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ» ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

يجوز فى الصفتين بعد لفظ الجلالة ، وهما (الرحمن والرحيم) ، القطع ، فيرفعان على الخبرية لمبتدإ محذوف ، أو ينصبان على المفعولية لجملة فعلية محذوفة.

ويجوز فى الصفة (الرجيم) المذكورة بعد المنعوت (الشيطان) القطع ، فترفع ، أو تنصب ، حيث المنعوت معلوم بدون الصفة.

ملحوظات فى قطع النعت عن المنعوت :

أولا : حال تعدد النعت :

يجوز الإتباع مع القطع إذا تعددت النعوت ، حيث يجوز إتباع كلّ النعوت ، أو بعضها الأول ، أو قطع كلّ النعوت ، أو بعضها الأخير. أى : يجوز اجتماع الإتباع مع القطع إذا تعددت النعوت لمنعوت واحد ، مع مراعاة عدم الإتباع بعد القطع ، فإذا قطعت وأتبعت فى نعوت متعددة فإن التابع يكون أولا.

فتقول : أعجبت بمحمد الكريم الشجاع العاقل ، بجرّ الصفات الثلاث على الإتباع فى كلها ، أو نصبها كلّها ، أو رفعها كلّها ، أو إتباع أولاها ورفع أو جرّ ما بعدها ، أو إتباع الأولى والثانية منها ، ورفع أو نصب الثالثة.

والضابط لذلك هو مدى معرفة المنعوت بالنعوت كلّها ، أو بدون النعوت كلّها ، أو بدون بعضها المذكور أولا ، فالقدر من النعوت الذى لا يعرف إلّا به يجب أن يكون تابعا ، ويجوز فى القدر الآخر القطع والإتباع ؛ سواء أكان كلّ النعوت أم بعضها. من ذلك قول خرنّق ابنة بدر بن هفان :

__________________

جر مبنى لا محل له من الإعراب. (نسوة) اسم مجرور بإلى وعلامة جره الكسرة ، وشبه الجملة متعلقة بيأوى. (عطل) نعت لنسوة مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (الواو) حرف عطف مبنى لا محل له من الإعراب. (شعثا) منصوبة بفعل محذوف تقديره : أعنى أو أذم على سبيل قطع النعت ، وقد تكون منصوبة على التخصيص. (مراضيع). كإعراب شعث. (مثل) كإعراب شعث. (السعالى) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة المقدرة ، منع من ظهورها الثقل.

٦٨

لا يبعدن قومى الذين همو

سمّ العداة وآفة الجزر

النازلين بكل معترك

والطيبون معاقد الأزر (١)

حيث (الذين ، والنازلين ، والطيبين) نعوت لقوم. فالذين فى محل رفع نعت ، ثم نصب (النازلين) ، ورفع (الطيبين) على القطع ، الأول على النصب بفعل محذوف ، والثانى على الرفع خبرا لمبتدإ محذوف.

ويروى : (الطيبين) بالعطف على النازلين ، أو : بالنصب على المفعولية لفعل محذوف ، كما يروى بالعكس ، برفع كليهما.

ثانيا : القطع فى النعت الواحد :

منع بعض النحاة القطع فى النعت الواحد ، ولكن ذكر عند سيبويه قولهم : الحمد لله الحميد ، بنصب (الحميد) ، والحمد لله أهل الحمد ، حيث نصب الحميد ،

__________________

(١) الديوان : ٢٩ / الكتاب ١ ـ ٢٠٢ ، ٢٤٩ ، ٢٨٨ / المحتسب ٢ ـ ١٩٨ / الجمل ٢٨ / الحلل فى شرح أبيات الجمل : ١٥ / شرح جمل الزجاجى لابن هشام : ١١٣ / الأشباه والنظائر ٣ ـ ٢٣٤ / الخزانة ١ ـ ٣٠١.

لا يبعدن : لا يهلكن ، أسلوب دعائى ، سم العداة : كالسم للأعداء ، آفة الجزر : هم كالعلة للإبل لكثرة نحرهم لها كناية عن الكرم ، معاقد : جمع معقد : مكان عقد الإزار وربطه ، الطيبون معاقد الأزر : كناية عن العفة.

(لا) حرف نهى مبنى لا محل له من الإعراب. (يبعدن) فعل مضارع مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المباشرة فى محل جزم بلا الناهية ، والنون حرف لا محل له من الإعراب يفيد التوكيد. (قومى) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بكسرة ضمير المتكلم. والياء ضمير مبنى فى محل جر بالإضافة.

(الذين) اسم موصول مبنى فى محل رفع ، نعت لقوم. وقد يكون بدلا ، أو عطف بيان ، وهو فى النعت هنا أولى. (هم) ضمير مبنى فى محل رفع مبتدإ. (سم) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، والجملة الاسمية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. (العداة) مضاف إلى سم مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (وآفة) الواو : حرف عطف مبنى لا محل له من الإعراب. آفة : معطوف على سم مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (الجزر) مضاف إلى آفة مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (النازلين) مفعول به لفعل محذوف تقديره أمدح ، أو أذكر ، منصوب ، وعلامة نصبه الياء ؛ لأنه جمع مذكر سالم. (بكل) جار ومجرور ، وشبه الجمل متعلقة بالنازلين. (معترك) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. و (الطيبون) الواو حرف عطف مبنى ، الطيبون : خبر لمبتدإ محذوف تقديره هم. (معاقد) تمييز للطيبين منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (الأزر) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

٦٩

وأهل. ومنه قوله تعالى : (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) [المسد : ٤]. فنصب (حمالة) على أنه مفعول به لفعل محذوف تقديره (أذم). وقوله تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [لمؤمنون : ١٤] ، بنصب (أحسن) ، وذلك على القطع ، فيكون مفعولا به لفعل محذوف ، تقديره : أعظم ، ...

ثالثا : جواز ذكر المبتدإ والجملة الفعلية المقدرين حال القطع :

إن كانت الصفة للمدح أو للذم أو للترحم وقطعت عن المنعوت وجب حذف المبتدإ ، أو الفعل الناصب وفاعله. وإن كانت لغير ذلك جاز الذكر.

ففى قولك : مررت بمحمد التاجر ؛ لك فى الصفة الأوجه الثلاثة ، مع إضمار المبتدإ (هو) ، والجملة الفعلية (أعنى) ، ولك أن تظهرهما ، فتقول : مررت بمحمد هو التاجر ، أو : أعنى التاجر. وإن كان الموصوف معلوما لدى المخاطب ؛ وكانت الصفة للمدح أو للذمّ أو للترحم جاز فيها الإتباع والقطع ، وإن كانت واحدة.

رابعا : مواضع امتناع القطع :

لا يجوز قطع النعت عن المنعوت فى المواضع الآتية :

أ ـ إذا كان النعت لمجرد التوكيد ، نحو : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) [الحاقة : ١٣] ، حيث (واحدة) نعت لنفخة ، وهو نعت مؤكد للعدد الواحدة.

ب ـ إذا كان النعت ملتزم الذكر ، نحو : جاؤوا الجماء الغفير ، (الغفير) نعت للجماء منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، حيث إنه أسلوب متوارث.

ج ـ إذا كان النعت لمشار به ، نحو : أعجبت بهذا المخلص ، (المخلص) نعت لاسم الإشارة (هذا) مجرور ، وعلامة جرّه الكسرة ، ولا يجوز قطع النعت عن المنعوت فى مثل هذا التركيب ؛ لأن اسم الإشارة لا بدّ له من مشار إليه حتى يتضح معناه ، فهو من الأسماء المبهمة التى تتضح بمدلول ما جاءت له ، وبذلك فإنه يكون منعوتا لا بدّ له من نعت.

د ـ إذا كان النعت خاصا بمن جرى عليه ، نحو أن تقول : هذه امرأة حامل.

٧٠

ه ـ إذا بنى المتكلم كلامه على ذكر الصفة ، فلا تقطعها عن موصوفها ؛ لأن المتكلم أراد بالصفة عودها على موصوفها لتوضحه ، كأن تقول : يكافأ محمد الأول ، حيث الصفة (الأول) هى المحددة للموصوف (محمد) المرتبط بالحدث المكافأة ، فهى مخصصة للأول لا لمن اسمه محمد.

و ـ إذا كان المنعوت نكرة تعيّن فى الأول من النعوت الإتباع ، كما وضحنا من قبل ، حيث إن النكرة تتخصص بالنعت ، فيحدث الغرض من إنشاء النعت ، وهو التخصيص ، وهو المعنى الذى يحدث بالتبعية. ذلك إذا لم نتوهم أن المنعوت المجهول كالمعلوم تعظيما له.

قضية التعدد فى النعت والمنعوت (١)

قد يتعدد النعت كما يتعدد المنعوت ، لكن هذا التعدد قد يحدث فى اللفظ والمعنى معا ، أو فى أحدهما دون الآخر ، كما أنه قد يكون بين منعوتين مختلفى المواقع الإعرابية ، أو متّحديها ، أو مختلفى التعيين (التعريف والتنكير) أو متحديه ، كما أن العوامل قد تتحد أو تختلف ـ لفظا ومعنى وعملا وبنية ـ ويؤثر فى هذه القضية ـ كذلك ـ الغرض من الجملة التى تعدد فيها

النعت والمنعوت بين الإخبار والاستخبار ، فينشأ عن ذلك صور عديدة مختلفة تتباين فى أحكامها من حيث الإتباع والقطع بين النعت المتعدد والمنعوت المتعدد ، والتعدد فى المعنى يعنى الجمع ، أما التعدد فى اللفظ فيعنى أن المعنى يكون فى أكثر من لفظ واحد ، واتحاد اللفظ يعنى أن المعنى فى لفظ واحد لكنه يدلّ على الجمع ، وبذلك فإن المعنى فى قضية التعدد لا بدّ أن يكون محفوظا ، أما الاتحاد والتعدد فقد يتعاقبان فى اللفظ ، ذلك على النحو الآتى :

أولا : مع اتفاق المنعوتين والنعوت فى التعيين (التعريف والتنكير) ، والإخبار أو الاستخبار ، والموقع الإعرابى ، وجهة العامل ، نلحظ الصور الآتية :

__________________

(١) يعتمد فى هذا القسم من الدراسة على : المساعد على تسهيل الفوائد : ٢ ـ ٤١٣ وما بعدها / ارتشاف الضرب : ٢ ـ ٥٨٩ / شرح التصريح : ٢ ـ ١١٣ وما بعدها.

٧١

١ ـ تعدد النعت لفظا ومعنى لمنعوت مفرد :

قد يكون المنعوت مفردا ؛ والنعت متعدد ـ لفظا ومعنى ـ فيجوز على هذا التركيب أحكام القطع والإتباع السابقة تبعا لكون المنعوت نكرة أو معرفة ، فإذا كان المنعوت معرفة كأن تقول : احترمنا محمدا الشاعر الكاتب الحكيم ، تنصب النعوت (الشاعر ، الكاتب ، الحكيم) إتباعا للمنعوت المفعول به المنصوب (محمدا) ، كما يجوز قطعها عن المنعوت إذا اتضح بدونها ، ويجوز قطع بعضها الأخير ، وإتباع بعضها الأول.

ومنه بواسطة حرف العطف قوله تعالى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى) [الأعلى : ١ ، ٢ ، ٣ ، ٤].

وإذا كان المنعوت نكرة ، وهو واحد لفظا متعدد معنى ، وتعددت نعوته مع المطابقة العددية مع المنعوت تعيّن فى الأول منها الإتباع لإيفاء الغرض من إنشاء النعت ، وهو التخصيص ، وهو المعنى الذى يحدث بالتبعية ، وجاز فى سائر النعوت الإتباع والقطع. منه قول أبى أمية الهذلى يصف قائدا :

ويأوى إلى نسوة عطّل

وشعثا مراضيع مثل السعالى (١)

حيث وصف الشاعر المنعوت المتحد لفظه (نسوة) بالنعتين : شعثا ، ومراضيع ، فجعل النعت الأول تابعا ، وجرّه ليطابق منعوته فى الإعراب ، ونصب الثانى (شعثا) على القطع ، على أنه مفعول به لفعل محذوف ، وتقديره : أذم ، أعنى ...

ومنه قوله تعالى : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) [القلم ١٠ ، ١١ ، ١٢ ، ١٣]. حيث الموصوف (حلاف) نكرة فكانت النعوت كلها توابع له.

٢ ـ تعدد النعت والمنعوت معنى ، واتحاد كل منهما لفظا :

قد يأتى النعت متعدد المعنى لكنه ذو لفظ واحد ، ويكون المنعوت كذلك متعددا معنى متحدا لفظا ، كأن تقول : حضر الطلاب المجتهدون والطالبات المجتهدات ،

__________________

(١) سبق ذكره فى قضية قطع النعت عن المنعوت.

٧٢

فالمجتهدون والمجتهدات نعتان يدلان على الجمع فى المعنى ؛ لكنهما فى لفظ واحد ، وكذلك المنعوت (الطلاب والطالبات).

وتقول : هل كافأتم الطلاب الأوائل؟ (الأوائل) نعت للطلاب منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

٣ ـ تعدد النعت لفظا ومعنى ، والمنعوت متعدد معنى واحد لفظا :

قد يكون النعت متعددا فى اللفظ والمعنى ، لكن منعوته المتعدّد فى المعنى واحد فى اللفظ حيث يفرق بين النعوت لاختلافها ، ولا تتوافر المطابقة العددية بين النعت والمنعوت كأن تقول : كافأنا العمال المخلص والمتقن والمتفانى فى عمله ، وهذا يجب فيه الإتباع ؛ لأن مجموع النعت المفصل مطابق للمنعوت ، فلا يصحّ القطع ؛ لأن القطع يمثل جملة مستقلة ، وتقول فى ذلك : احترمت الطلاب المجتهد والمهذب والملتزم.

ثانيا : مع مراعاة الخلاف أو الاتفاق بين النعت المتعدد والمنعوت المتعدد أو أجزاء

أىّ منهما فى جوانب الإعراب أو التنكير والتعريف أو الإخبار والاستخبار أو العامل وبنيته ، أو المظهر والمضمر ، أو اسم الإشارة وغيره ... إلى غير ذلك ممّا ينتج عن ذلك النمط الذى يتمثل فى :

تعدد النعت معنى فى لفظ واحد مع تعدد المنعوت لفظا ومعنى :

فقد يكون النعت متعددا فى المعنى لكنه فى لفظ واحد ، ويكون المنعوت متعددا فى اللفظ والمعنى ، فينشأ عن مراعاة الجوانب السابقة أو أحدها بين الخلاف الكلى أو الخلاف الجزئى وبين الاتفاق تراكيب وأحكام وأفكار مختلفة تتمثل فى الصور الآتية :

١ ـ بين النعت والمنعوت اتفاق فى كلّ الجوانب السابقة :

إذا كان بين المنعوتين اتفاق فى الإعراب ، والتنكير أو التعريف ، والإخبار أو الاستخبار ، والإظهار أو الإضمار ، واسم الإشارة أو غيره ، مع وحدة العامل فيها فإنه يجوز فى النعت القطع والإتباع.

٧٣

فتقول : جاء محمد وأحمد وعلىّ العقلاء ، حيث كلّ من (محمد وأحمد وعلى) مرفوع ، وهم المنعوتون ، و (العقلاء) نعت لهم جميعا ، والمنعوتون متفقون فى الإعراب ، فجاز رفع العقلاء من وجهين : (النعت والخبرية لمبتدإ محذوف على سبيل القطع) ، كما جاز فيه النصب لفعل محذوف على سبيل القطع. ومنه أن تقول : أريت محمدا محمودا أخاك العقلاء (بالنصب من وجهين ، وبالرفع من وجه واحد). ولتلحظ اتفاق المنعوتين فى التعريف والإخبار والموقع الإعرابى والعامل والإظهار ، وعدم الجمع بين اسم الإشارة وغيره.

وتقول فى الجمع بين الاستخبار فى المنعوتين : من المخطئ؟ ومن المصيب؟

الواقفان أو الواقفين؟ ، (فترفع النعت من وجهين ، وتنصبه من وجه واحد).

وتقول فى الجمع بين أسماء الإشارة فى المنعوت : أكرمت هذا وقدرت ذاك العاقلان أو العاقلين ، فتنصب من وجهين ، وترفع من وجه واحد.

٢ ـ أثر الموقع الإعرابى :

فإذا اجتمعت الجوانب السابقة مع مراعاة الموقع الإعرابى تنتج الأحكام الآتية :

أ ـ إذا كان بين المنعوتين اتفاق فى الموقع الإعرابىّ مع وحدة العامل فإنه تنشأ الصورة السابقة بأحكامها فى جواز الإتباع والقطع كما مثّلنا.

ب ـ إذا اختلف المنعوتون فى الموقع الإعرابىّ فإنه يجب القطع بين النعت والمنعوت المتعددين. فتقول : احترم الأخ أخاه العاقلين أو العاقلان ، حيث وصفت الصفة (العاقلان) كلا من الفاعل المرفوع (الأخ) ، والمفعول به المنصوب (أخاه) مجتمعين ، فوجب القطع ، فتعرب الصفة إما خبرا لمبتدإ محذوف تقديره : (هما) ، وإما مفعولا به منصوبا لفعل محذوف تقديره : أعنى ، أو أمدح ... إلخ.

ج ـ فإذا كان المنعوتون متفقين فى الإعراب ، ولكن من أوجه مختلفة فإنه يجب فى النعت القطع. فتقول : قام محمد وهذا علىّ العاقلان ، أو العاقلين ، حيث (العاقلان) نعت لمحمد وعلى معا ، وكلّ منهما مرفوع ، لكن الأول مرفوع من جهة الفاعلية ، والثانى مرفوع من جهة الخبرية ، فارتفعا من جهتين مختلفتين

٧٤

بعاملين مختلفين ، فوجب قطع النعت عن المنعوت ، ويرفع النعت (العاقلان) على أنه خبر لمبتدإ محذوف ، وينصب على أنه مفعول به لفعل محذوف.

وتقول : دعوت محمدا وكان المكافأ أحمد المحترمان أو المحترمين ، حيث نصب المنعوت الأول (محمد) على المفعولية ، ونصب المنعوت الثانى (أحمد) على أنه خبر لكان. وتقول : مررت بمحمد ودخلت إلى محمود الكريمان أو الكريمين ، حيث اختلاف حرف الجرّ بمثابة اختلاف فى الجهة الإعرابية لأن المعنى اختلف.

د ـ فإذا اختلف المنعوتون في الموقع الإعرابىّ لكنه كان بينها اتفاق فى المعنى وتطابق فى الجملة فالجمهور يذهبون إلى القطع. فتقول : خاصم زيد عمرا المتشاكسان أو المتشاكسين ، حيث الصفة (المتشاكسان) تصف الفاعل المرفوع (زيد) والمفعول به المنصوب (عمرا) ، وهما ـ وإن كانا مختلفين فى الموقع الإعرابى ـ فمعناهما واحد ؛ لأن كلا منهما فاعل ومفعول به ، فكل منهما مخاصم (بكسر الصاد) ومخاصم (بفتح الصاد) ، فيقطع النعت عن المنعوت.

ومن النحاة من يغلّب المرفوع على المنصوب ـ حينئذ ـ ومنهم من يغلّب المنصوب على المرفوع ، فكلّ منهما فاعل ومفعول به فى المعنى (١).

ويردّ البصريّون ذلك بأنه لا يجوز رفع نعت المنصوب ، ولا نصب نعت المرفوع حملا ذلك على المعنى ، وكذلك عند اجتماعهما (٢). ومن ذلك : قاتل علىّ سميرا المتجاورين أو المتجاوران ، شارك محمود محمدا الصديقان أو الصديقين.

٣ ـ الخلاف فى التعريف والتنكير :

إن كان هناك خلاف بين المنعوتين فى التعريف والتنكير وجب القطع ؛ دون النظر إلى ما يوجد من خصائص أخرى. فتقول : جاء محمد وصديق المجتهدان ، أو المجتهدين ، فالمجتهدان نعت لمحمد وصديق معا ، وأولهما معرفة ، والآخر نكرة ، فكان القطع فى النعت المتعدد معنى المتحد لفظا ، ويكون (المجتهدان) خبرا

__________________

(١) ينظر : توضيح المقاصد ٢ ـ ١٤٨.

(٢) ينظر : شرح الأشمونى ٣ ـ ٦٧.

٧٥

لمبتدإ محذوف ، أو مفعولا به لفعل محذوف. ومنه أن تقول : استلمت الكتاب ومعجما الجديدين والجديدان ، وأعجبت بمحمود وزميل الأخوين والأخوان.

٤ ـ الخلاف فى الإخبار أو نوع الاستخبار :

إن كان بعض المنعوتين مستفهما عنه ، وبعضهم ليس مستفهما عنه ، أى : اختلف المنعوتون فى الإخبار والاستخبار فإنه لا يجب أن يكون فيه إتباع أو قطع ، أى : لا يكون فيه نعت (١).

٥ ـ أثر العامل فى قضية التعدد :

حال تعدد المنعوت لفظا ومعنى ، ووحدة نعته لفظا لا معنى ، إذا اجتمعت الجوانب السابقة فى المنعوتين ، من حيث الاتفاق فى الإخبار أو الاستخبار ، والتعريف أو التنكير ، فإن العامل يلحظ أثره فى الإتباع والقطع على النحو الآتى :

أ ـ تعدد العوامل مع اتفاقها لفظا ومعنى وعملا :

إن تعددت العوامل لكنها اتفقت فى كلّ الجوانب ـ لفظا ومعنى وعملا وجنسا ـ جاز الإتباع والقطع. فتقول : هذا شريف وهذا رفيق وهذا حاتم العقلاء ، برفع الصفة من وجهين ، ونصبها من وجه واحد ، حيث وصفت (العقلاء) الأخبار المرفوعة (شريفا ورفيقا وحاتما) ، فالعامل متفق فى كلّ الجوانب ، فجاز الإتباع والقطع. ومنه : قام محمد وقام علىّ الكريمان أو الكريمين ، برفع الصفة من وجهين ، ونصبها من وجه واحد ، وأعجبت بسعيد وأعجبت بزميله المجدين أو المجدان ، بجر الصفة ، ونصبها ، ورفعها.

وقد منع ابن السراج الإتباع إلا أن يقدر الاسم الثانى معطوفا على الأول ، ويكون ـ لديه ـ العامل الثانى مؤكدا للأول ، وهو غير عامل فى الثانى ، فيوافق ـ لذلك ـ على الإتباع لاتحاد العامل (٢).

__________________

(١) ينظر : ارتشاف الضرب ٢ ـ ٥٩٠.

(٢) ينظر : شرح جمل الزجاجى لابن عصفور ١ ـ ٢١٢.

٧٦

ب ـ اتفاق العوامل معنى لا لفظا مع اتفاقها عملا :

فإن كان الاتفاق بين المنعوتين قائما ؛ إلا أن العوامل متعددة واتفقت معنى لا لفظا ؛ فإن أغلب النحاة يجيزون الإتباع والقطع. فيقال : ذهب زيد وانطلق عمرو العاقلان ، أو العاقلين ، حيث العاقلان نعت لزيد وعمرو ، وقد اتفقا فى التعريف والإخبار والرفع ، لكن العاملين الفعلين (ذهب وانطلق) اختلفا فى اللفظ ، ومعناهما واحد ، فيجوز ـ حينئذ ـ الإتباع والقطع ، فتكون الصفة (العاقلان) مرفوعة من وجهين ، ومنصوبة من وجه واحد. ومنه : جاء زيد وأتى عمرو العاقلان أو العاقلين ، وهذا زيد وذاك خالد الكريمان ، أو الكريمين ، ورأيت زيدا وأبصرت عمرا الظريفين أو الظريفان.

وتقول : قعد خالد وجلس سعيد الواقفين أو الواقفان ، ورجع محمود وتقهقر أحمد الخائفان أو الخائفين.

ومنع ابن السّراج الإتباع ، حيث يرى أن الإتباع يلزم منه إعمال عاملين فى معمول واحد ، فالعامل فى الصفة عنده هو العامل فى الموصوف (١).

ج ـ اختلاف العوامل لفظا ومعنى مع اتفاقها عملا :

فإن كان التركيب كذلك واختلفت العوامل المتحدة فى النوع لفظا ومعنى ـ نحو : أقبل زيد وأدبر عمرو ، وحضر محمود وذهب على ـ فإن قوما أجازوا الإتباع والقطع ، ومنع الإتباع قوم (٢) ، والقياس يقبل القطع فى هذا التركيب ، وذهب المبرد وابن السراج إلى وجوب القطع.

د ـ اختلاف العوامل معنى لا لفظا :

فإن اختلفت العوامل معنى لا لفظا ، نحو : وجد من وجدان الضالّة ، ووجد عليه من الغضب ، فمثل السابق أجاز قوم الإتباع والقطع ، ومنع الإتباع قوم.

__________________

(١) الموضع السابق.

(٢) ينظر : الكتاب : ٢ ـ ٦٠ / شرح جمل الزجاجى ١ ـ ٢١٢.

٧٧

فتقول : وجد محمد الكتاب ، ووجد أحمد على محمود العاقلان أو العاقلين.

ومذهب المبرد وابن السراج القطع دون الإتباع (١) ، والقياس يقبل القطع فى هذا التركيب.

ه ـ اختلاف العوامل فى بنيتها :

فإن كان التركيب كذلك واختلفت العوامل فى بنيتها فليس إلا القطع ، كأن يكون أحد العوامل فعلا والآخر اسما ، فتقول : جاء محمد والمقبل علىّ الكريمان أو الكريمين ، النعت يكون مرفوعا على الخبرية لمبتدإ محذوف ، أو منصوبا على المفعولية لفعل محذوف ، وكلاهما على القطع.

أو يكون أحد العوامل فعلا والآخر حرفا ، فتقول : أقبل محمود واستمعت إلى علىّ المحترمان أو المحترمين ، فتقطع ، والحرفان المختلفان فى المعنى بمنزلة العاملين المختلفين فى هذا الجانب ، حيث تقول : أعجبت بمحمد وذهبت إلى علىّ المحبوبان أو المحبوبين ، فتقطع النعت.

ومن اختلاف العوامل فى بنيتها أن تقول : هذا محمود وجاء أحمد الظريفان أو الظريفين ، (الرفع على الخبرية فى الأول ، وعلى الفاعلية فى الثانى) ، ومررت بسمير وهذا عادل الحكيمان أو الحكيمين (الجر بالحرف فى الأول ، والرفع على الخبرية فى الثانى) ، احترمت الأول وإنّ عليّا الثانى المجتهدان أو المجتهدين ، (النصب على المفعولية فى الأول ، وبالحرف الناسخ فى الثانى) ، وتقول : هذا مكافئ علىّ ويحترم محمودا المخلصان ، أو المخلصين ، (بجر الأول على الإضافة مع أنه فى محل نصب ، ونصب الثانى على المفعولية). فتقطع فى كلّ ذلك ، وإن كان الأخفش والجرمىّ قد أجازا الإتباع فى مثل تلك التراكيب.

و ـ اختلاف العوامل فى النوع :

فإن اختلفت العوامل فى النوع (التعدى واللزوم ، أو الإسناد للفاعل أو نائب الفاعل ... إلخ) فإنه يجب القطع ، فتقول : جاء محمد ودخلت إلى على العاقلان

__________________

(١) ينظر : المقتضب ٤ ـ ٣١٥ / شرح جمل الزجاجى ١ ـ ٢١٢.

٧٨

أو العاقلين ، حيث الصفة (العاقلان أو العاقلين) ، تصف محمدا وعليا وقد اتفقا فى التعريف ، ولكن عامليهما اختلفا فى النوع فاختلف موقعاهما الإعرابى ، فوجب القطع ، فتعرب الصفة على الرفع من وجه أنها خبر لمبتدإ محذوف ، وتنصب على أنها مفعول به لفعل وفاعل محذوفين.

ومنه : أعجبت بمحمد وذهبت إلى محمود الكريمان والكريمين ، اختلف العاملان فى البناء للمعلوم والبناء للمجهول.

ويجيز الجرمىّ ذلك ؛ لأن العامل فى النعت عنده إنما هو التبع ، والتبع عامل واحد (١).

ز ـ اختلاف العوامل فى العمل :

فإن كان التركيب قد اختلفت عوامله فى العمل فإنه يجب القطع ، فتقول : هذا مكرم محمود ومبغض سميرا الشاعران أو الشاعرين ، حيث عمل الأول الجر فى معموله ، وعمل الثانى النصب ، فاختلف عملهما فى معموليهما ، فوجب قطع النعت حيث ينصب على المفعولية لفعل محذوف ، أو يرفع على الخبرية لمبتدإ محذوف.

ح ـ اتحاد العوامل عملا واختلاف جنس معنى الكلام :

إن اتفقت عوامل المنعوتين فى العمل فى المنعوت ولكن اختلفت جملها بين الخبر والإنشاء بحيث ألا يكون أحد المنعوتين مستفهما عنه ، فإنه يجب القطع فى النعوت. فتقول : أقبل علىّ وهل جاء أحمد المحاضران أو المحاضرين؟ بالرفع على الخبرية لمبتدإ محذوف ، وبالنصب على المفعولية لفعل محذوف ، ويمتنع الإتباع فى ذلك ، وتقول : أكرمت عليّا وهل قابلت محمودا الزائران أو الزائرين؟

ثالثا : اختلاف المنعوتين فى التذكير والتأنيث :

إذا اختلف أجزاء المنعوت المتعدد فى التذكير والتأنيث فإن المذكر يغلّب على المؤنث ، أى : تبنى الصفة على التذكير ، فتقول : أكرمت رجلا وامرأة صالحين ،

__________________

(١) ينظر : المساعد ٢ ـ ٤١٥.

٧٩

حيث (صالحين) نعت للمنصوبين (رجل وامرأة) ، وقد اختلفا فى التذكير والتأنيث ، فجاءت الصفة مذكرة لتغليب المذكر. وتقول : احترمت الطالبة والطالب المجدين ، وأقبل الأول والأولى المجتهدان ، وأعجبت بسعيد وأخته المهذبين واستقبلت محمدا وأخته المحمولين.

رابعا : اختلاف المنعوتين فى العقل :

إذا اختلفت أجزاء المنعوت المتعدد فى العقل فإن العاقل يغلب على غير العاقل فى النعت ، أى : تبنى الصفة على العقل. فتقول : قرأت قصة جحا وحماره المضحكين ، وجاء محمود وناقته المسرعان ، واستقبلت محمدا وأثاثه المحمولين.

خامسا : المنعوت اسم الإشارة :

إذا كان المنعوت اسم إشارة وتعددت النعوت ؛ فإنه لا يجوز تفريقها ، فلا يقال : مررت بهذين الرجل والمرأة ، ولكن يقال : مررت بهذين الرجلين ، وهاتين المرأتين ، وذلك لالتزامهم فى اسم الإشارة مطابقة الصفة لموصوفها عددا.

ومن النحاة من يرى أنّ مثل ذلك يجوز على أن يكون بدلا أو عطف بيان.

سادسا : المنعوت النكرة :

إذا كان المنعوت نكرة فإنه يتعيّن فى نعتها الأول الإتباع ، ويجوز فى الباقى القطع والإتباع ، كما ذكر فى قول أبى أمية الهذلى السابق :

ويأوى إلى نسوة عطّل

وشعثا مراضيع مثل السعالى

حيث النكرة (نسوة) موصوفة بالنعوت (عطل ، وشعث ، ومراضيع ، ومثل السعالى) ، فتعين فى النعت الأول (عطل) الإتباع ، فجاء مجرورا كالمنعوت ، ثم نصبت باقى الصفات على القطع على المفعولية.

الحذف فى التركيب النعتى

تدرس قضية الحذف فى التركيب النعتى من ثلاثة جوانب ، حيث يكون الحذف إما فى المنعوت ، وإما فى النعت ، وقد يعرضون للحذف فى النعت والمنعوت معا ، ذلك على النحو الآتى :

٨٠