النحو العربى

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربى

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٩٤

مصدرة بـ (إذا) الفجائية ، ومثل ذلك قوله تعالى : (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) [الأعراف : ١٣٥](١).

(فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) [سبأ : ١٤] ، جواب (لما) الجملة الفعلية (ما دلهم) ، وفعلها ماض مسبوق بـ (ما) النافية.

ومثله : (فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً) [فاطر : ٤٢].

ومن مواضع (لمّا) كذلك :

ـ (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ) [العنكبوت : ٣١].

(فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) [هود : ٦٦].

(فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ) [الأعراف : ١٦٥].

(فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا) [يوسف : ٨٠].

(فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ) [يوسف : ٨٨].

__________________

فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدإ. (الناس) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (كخشية) جار ومجرور ، وعلامة جره الكسرة ، وشبه الجملة فى محل نصب ، نعت لمصدر محذوف. أى : خشية كخشية الله. وقد تكون فى محل نصب ، حال ، والتقدير : مشبهة خشية الله. وصاحبه ضمير الخشية المحذوف. أو ضمير الرفع فى يخشون ، يكون التقدير : .. مثل أهل خشية الله. (أشد) معطوف على الحال ، و (خشية) تمييز منصوب ، وعلامة نصب كل منهما الفتحة ، وقد يكونان على التقديم والتأخير ، أى : خشية أشد ، فتكون خشية معطوفة على محل الكاف فى : كخشية. وأشد تكون منصوبة على الحالية من خشية ، حيث قدم نعت النكرة عليها.

(١) (إلى أجل) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالكشف ، وقد تكون منصوبة على الحالية من الرجز ، ويؤيد ذلك ذكر (إذا) الفجائية بعدها. فالمعنى أن العذاب كان مؤجلا. (هُمْ بالِغُوهُ) ضمير مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. وخبره المرفوع ، وعلامة رفعه الواو ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة. والجملة الاسمية فى محل جر ، نعت لأجل. (إذا) للمفاجأة ، (هم) ضمير مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (ينكثون) جملة فعلية فى محل رفع ، خبر المبتدإ. و (إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) جواب لما.

٤٠١

(فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ) [يونس : ١٢](١).

* قد تزاد (أن) للتوكيد بعد (لمّا) التى فيها معنى الشرط ، كما هو فى قوله تعالى : (وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) [العنكبوت : ٣٣].

وقوله : (فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ) [القصص : ١٩](٢) ، حيث (أن) بعد (لما) حرف زائد للتوكيد مبنى لا محل له من الإعراب.

ملحوظة : من أقسام (لمّا) (٣) :

كما ذكرنا فى بداية دراسة (لمّا) أنه من أقسامها :

__________________

(١) جملة (مرّ) جواب لما. (كأن) الكاف حرف جر مبنى. (أن) مخففة من الثقيلة حرف ناسخ مبنى يفيد التوكيد والصلة. واسمها ضمير الشأن محذوف. (لم) حرف نفى وجزم وقلب مبنى ، لا محل له من الإعراب. (يدعنا) فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة. وفاعله ضمير مستتر تقديره :هو ، وضمير المتكلمين مبنى فى محل نصب ، مفعول به. والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر كأن. والجملة المنسوخة ، أو جملة التشبيه ، فى محل نصب ، حال من فاعل مر. أى : مشبها من لم يدع إلى كشف ضر. (مسّه) فعل ماض مبنى على الفتح. وفاعله ضمير مستتر ، تقديره : هو. وضمير الغائب مبنى فى محل نصب ، مفعول به. والجملة الفعلية فى محل جر ، نعت لضر.

(٢) (لما) حرف فيه معنى الشرط مبنى لا محل له من الإعراب. جملة شرطه (أراد) وجملة جوابه (قال). (أن يبطش) أن : حرف مصدرى ونصب مبنى لا محل له من الإعراب. يبطش : فعل مضارع منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو. والمصدر المؤول فى محل نصب ، مفعول به لأراد. (بالذى) جار ومجرور ومبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالبطش. (هو عدو) مبتدأ وخبر ، والجملة الاسمية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. (لهما) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالعداوة. (يا) حرف نداء مبنى لا محل له من الإعراب. (موسى) منادى مبنى على الضم المقدر ، وجملة النداء فى محل نصب ، مقول القول. (أتريد) الهمزة للاستفهام حرف مبنى لا محل له. وفعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت. والجملة جواب النداء ، (أن تقتلنى) حرف مصدرى ، وفعل مضارع منصوب ، وفاعل مستتر تقديره : أنت ، ونون الوقاية ، وضمير المتكلم فى محل نصب ، مفعول به. والمصدر المؤول فى محل نصب ، مفعول به لتريد (كما قتلت) حرف جر ، وحرف مصدرى. وفعل ماض ، وتاء الفاعل والمصدر المؤول (ما قتلت) فى محل جر بالكاف. وشبه الجملة فى محل نصب ، نعت لقتل ، لمصدر محذوف ، والتقدير : قتلا كقتلك. (نفسا) مفعول به. (بالأمس) جار ومجرور وشبه الجملة متعلقة.

(٣) ينظر : مغنى اللبيب ١ ـ ٢٧٨.

٤٠٢

ـ أن تكون جازمة للفعل المضارع ، فتنفى زمنه فى الماضى ، وتصله إلى الحاضر منفيا ، فتقول : لمّا أفهم هذا الدرس.

ـ ومنها (لمّا) الاستثنائية فى قوله تعالى : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) [الطارق : ٤](١) ؛ بتضعيف الميم ، فتدخل على الجملة الاسمية.

وعلى الفعل الماضى لفظا لا معنى ، كما فى القول : أنشدك الله لمّا فعلت ، أى : ما أسألك إلا فعلت.

(أمّا):

حرف فيه معنى الشرط والمجازاة (٢) ، وهو مبنى لا محلّ له من الإعراب ، ويقدرونه بـ (مهما يكن من شىء) ، وهو تعبير شرطىّ ، ولذلك فإن الفاء تلزم الجواب ، لما فيه من معنى الجزاء ، ويقدرها بعضهم بـ (إن أردت معرفة حال كذا فهو كذا). وتحذف أداة الشرط وفعل الشرط وينوب عنهما (أمّا). فقولك : أما محمد فعالم ، فإنه يقدر على ذينك التأويلين ، أى : مهما يكن من شىء فمحمد عالم ، أو : إن أردت معرفة حال محمد فهو عالم.

يرى الجمهور أن (أما) حرف بسيط ، ولكننا نجد من النحاة (ثعلبا) من يذهب إلى أنها مركبة من (إن) الشرطية و (ما) ، فلما حذف فعل الشرط بعدها فتحت همزتها مع حذف الفعل ، وكسرت مع ذكره (٣).

__________________

(١) قرئت (لمّا) بالتشديد والتخفيف ، مع تخفيف نون (إن) ، فمع التشديد تكون : (إن) نافية ، (لمّا) بمعنى (إلا) الاستثنائية. (كل) مبتدأ ، شبه جملة (عليها) خبر مقدم ، (حافظ) مبتدأ مؤخر ، والجملة الاسمية فى محل رفع خبر كل. أو : حافظ خبر كل ، وعليها متعلقة بحافظ. أو عليها خبر كل ، وحافظ فاعل بشبة الجملة. ومع التخفيف يذهب البصريون إلى أن : إن مخففة من الثقيلة. واللام هى الفارقة داخلة على الخبر. ما : مزيدة بعد اللام الفارقة. مع الأوجه الإعرابية المذكورة مع التشديد. أما الكوفيون فيذهبون إلى أن :إن : نافية ، واللام بمعنى إلا. ما : مزيدة ، مع الأوجه السابقة. وقرئت (إنّ) مشددة ، مع نصب (كل) وهى اسمها ، و (ما) مزيدة ، واللام داخلة على الخبر ، و (حافظ) خبر ، ها وعليها متعلقة بحافظ.

(٢) ينظر : الكتاب ٤ ـ ٢٣٤ ، ٢٣٥ / المقتضب ٢ ـ ٦٨ ٣ ـ ٢٧.

(٣) ينظر : الجنى الدانى ٥٢٢ ، ٥٢٣.

٤٠٣

قد تبدل ميمها الأولى ياء ، فيقال : أيما ، وينشد لعمر بن أبى ربيعة : رأت رجلا أيما إذا الشمس عارضت فيضحى وأمّا بالعشىّ فيخصر (١)

أى : أمّا إذا الشمس عارضت.

ولتركيب (أما) خصائص ، هى :

١ ـ يجب أن يذكر فيما بعد (أمّا) فاء الجواب أو الجزاء ، فتقول (٢) : الدرس فأنا أفهمه ، فما بعد الفاء جواب وجزاء لما قبلها ، وهو ما بعد (أما).

وقد تحذف للضرورة ، كما جاء فى قول الحارث بن خالد المخزومى :

فأما القتال لا قتال لديكم

ولكنّ سيرا فى عراض المواكب (٣)

والتقدير : فلا قتال ...

وأما قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) [آل عمران ١٠٦](٤). فالتقدير : فيقال لهم : أكفرتم ... ، وقيل : الجواب عن ما بعد (أما) ، وجملة (أكفرتم) هو قوله : فذوقوا العذاب ، وهى جملة متضمنة الفاء.

__________________

(١) ديوانه ٩٤ / الأزهية ١٥٧ / مغنى اللبيب ١ ـ ٥٦ / الجنى الدانى ٥٢٧. عارضت : ارتفعت ، يضحى :يظهر / يخصر : يؤلمه البرد فى أطرافه.

(٢) ينظر : الكتاب ٤ ـ ٢٣٥.

(٣) ينظر : المقتضب ٢ ـ ٦٩ / أسرار العربية ١٠٦ / شرح المفصل ٧ ـ ١٣٤ / مغنى اللبيب ١ ـ ٥٦ / الجنى الدانى ٥٢٤. العراض : جمع عرض وهو الناحية.

(القتال) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة وخبره (لا قتال لديكم) بتقدير الفاء محذوفة. (سيرا) اسم لكن منصوب وعلامة نصبه الفتحة. شبه جملة (فى عراض) متعلقة بسير ؛ لأنه مصدر ، أو فى محل نصب نعت له ، وخبر (لكن) محذوف.

(٤) جملة (اسودت وجوههم) صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. جملة (أكفرتم) فى محل نصب مقول القول المحذوف. (بعد) ظرف زمان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة متعلق بالكفر. (بما) الباء حرف جر مبنى. ما. حرف مصدرى مبنى لا محل له من الإعراب. والمصدر المؤول ما كنتم تكفرون فى محل جر بالباء ، وشبه الجملة متعلقة بالذوق. وجملة (تكفرون) فى محل نصب ، خبر كان. ويجوز أن تجعل (ما) اسما موصولا فى محل جر بالباء على أن صلته (كنتم تكفرون) ، والعائد محذوف تقديره (به).

٤٠٤

٢ ـ يجب أن يفصل بين (أما) وفاء الجزاء بواحد من :

أ ـ المبتدإ ، نحو : (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ) [السجدة : ٢٠] ، الاسم الموصول (الذين) فى محلّ رفع ، مبتدأ ، خبره جملة (فمأواهم) النار) ، وهى اسمية.

ب ـ الخبر : كأن تقول : أما فى المسجد فرجال يعرفون طريق الحق. شبه الجملة (فى المسجد) فى محلّ رفع خبر مقدم للمبتدإ المؤخر (رجال).

وتقول : أما فى الصباح فالمحاضرة ، وأما فى الظهر فالغذاء ، وأما مساء فالندوة.

وكلّ من شبه الجملة (فى الصباح ، فى الظهر ، مساء) فى محل رفع ، خبر مقدم للمبتدإ الذى يلى فاء الجواب.

ج ـ معمول ما بعد الفاء : نحو : أما اليوم فأنا زائرك ، حيث (اليوم) ظرف زمان منصوب معمول لاسم الفاعل (زائر) ، وتقول : أما فى المنزل فمحمد ماكث ، شبه الجملة (فى المنزل) متعلقة باسم الفاعل (ماكث).

ومنه قوله تعالى : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) [الضحى : ٩ ، ١٠] كلّ من (اليتيم والسائل) منصوب لأنه مفعول به لما بعد الفاء من فعل :

(تقهر ، تنهر).

ومنه أن تقول : أما راجلا فقد حضرت ، (راجلا) حال منصوبة من ضمير المتكلم بعد الفاء. وتقول : أما فهما فافهم ، (فهما) مفعول مطلق من الفعل (افهم).

ومن أمثلة سيبويه : أمّا العبيد فذو عبيد (١) ، وأما البصرة فلا بصرة لك (٢) ، ليكون ما بعدها مبتدأ ، فصلت فاء الجزاء بينه وبين خبره.

وكذلك : أمّا علما فعالم ، أمّا سمنا فسمين (٣). فيفصل المصدر المنصوب الواقع موقع الحال بين أمّا وفائها. ويكون (عالم) خبرا لمبتدإ محذوف ، والتقدير : فهو عالم.

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ٣٨٧.

(٢) السابق ١ ـ ٣٨٩.

(٣) السابق ١ ـ ٣٨٤.

٤٠٥

فإذا عرّفت ما بعدها فقلت : أما العلم فعالم ، فإنه من الأفضل أن ترفع ما بعدها على الابتدائية ، خبره الجملة الاسمية بعد فاء الجواب ، والتقدير : ...

فهو عالم.

ومنه قول الرماح بن ميادة :

ألا ليت شعرى هل إلى أمّ معمر

سبيل فأمّا الصبر عنها فلا صبرا (١)

ويروى بالنصب على الحالية.

وكذلك : أما صديقا مصافيا فليس بصديق مصاف ، وأما عالما فعالم ، فيكون كل من (صديقا ، وعالما) منصوبا على الحالية ؛ لأنه صفة مشتقة.

د ـ معمول لمحذوف يفسرّه ما بعد الفاء : أى : ما يكون فى قضية الاشتغال من ذكر الضمير الذى يعود على اسم سبق العامل ، وقد اشتغل العامل بالضمير وذكر الاسم السابق منصوبا ، فتقول : أما محمدا فكافئه ، حيث يرى جمهرة النحاة أن (محمدا) منصوب بفعل محذوف ، يفسره الفعل المذكور بعد الفاء.

ومنه قراءة : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) [فصلت : ١٧] ، بنصب (ثمود) فى بعض القراءات (٢) على أن التقدير : وأما ثمود هديناهم فقد هديناهم. على أن (أما) لا يليها الأفعال.

وأما إذا قلت : أما محمدا فإنى مكافئ ، وأما فى القاعة فإن الطلاب يجلسون ، وأما اليوم فإنى زائرك ، فإن جمهور النحاة يرون أن ما بعد (أما) من معمول ليس لما بعد فاء الجواب ؛ لأن ما بعدها (إنّ) ، وخبر (إن) لا يتقدم عليها ، وبالتالى فإن معمول خبرها لا يتقدم عليها. لكننا نجد من النحاة (المبرد وابن درستويه والفراء) من يجيز ذلك.

__________________

(١) ينظر : الكتاب ١ ـ ٣٨٦ / أمالى الشجرى ٢ ـ ٣٤٩ / الخزانة ١ ـ ٢٨٦ / شواحق المغنى للسيوطى ٢٩٦ / الأغانى ٢ ـ ٨٩. وفيه أم جحدر.

(٢) قراءة ابن عباس وابن إسحاق والأعمش والحسن وابن هرمز وعاصم. (الدر المصون ٦ ـ ٦٣).

٤٠٦

ه ـ جملة الشرط : كما فى قوله تعالى : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) [الواقعة : ٨٨ ، ٨٩]. فما فصل بين (أما) والفاء إنما هو حرف الشرط (إن) ، وجملة الشرط (كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) ، وما ذكر بعد الفاء إنما هو جملة جواب الشرط (فروح).

ومثله : (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩١) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (٩٢) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ) [الواقعة : ٩٠ ـ ٩٣]. وهذه الجمل من اعتراض الشرط على الشرط ، حيث يجتمع شرطان ، فيكون الجواب المذكور لأحدهما ، أما جواب الآخر فإنه يحذف لدلالة المذكور عليه ، والأرجح أن يكون الجواب المذكور لـ (أما).

٣ ـ لا يليها فعل : لا يلى (أما) فعل ؛ لأنها ـ كما ذكرنا ـ تقوم مقام أداة الشرط وفعل الشرط ، فلو ذكر فعل بعدها لتوهم أنه فعل الشرط (١).

٤ ـ لا يفصل بينها وبين الفاء بجملة : ولكنه قد يفصل بينهما بجملة اعتراضية ، كأن تكون جملة دعائية ، فتقول : أما أنت ـ عافاك الله ـ فلك الأجر من الله.

دلالة (أما):

أ ـ الشرط والجزاء : كما ذكر فى الأمثلة السابقة ، وهو أصلها الدلالى.

ب ـ التفصيل : قد تأتى (أما) فى التركيب الشرطى مفيدة التفصيل ، كأن تقول : جاءنا ثلاثة رجال ، أما الأول فهو عالم ، وأما الثانى فإنه تاجر ، وأما الثالث فزائر.

ومنه قوله تعالى : (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (٧٩) وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (٨٠) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (٨١) وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ) [الكهف : ٨٠ ـ ٨٢].

__________________

(١) الجنى الدانى ٥٢٥.

٤٠٧

وعند دلالتها على التفصيل فإنها تكرر كما ذكر فى الآيات السابقة ، وكقوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ) [البقرة : ٢٦] وهذا المعنى يتكرر كثيرا (١).

وقد يترك تكرارها ـ حينئذ ـ استغناء بذكر أحد طرفى التفصيل عن ذكر الآخر ، كما هو فى قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ ...) [آل عمران : ٧] أى : وأما غيرهم فيؤمنون به ...

ج ـ التوكيد : يذكر الزمخشرى : «أما حرف فيه معنى الشرط ، ولذلك يجاب بالفاء ، وفائدته فى الكلام أن يعطيه فضل توكيد ، تقول : زيد ذاهب ، فإذا قصدت توكيد ذلك ؛ وأنه لا محالة ذاهب ؛ وأنه بصدد الذهاب ؛ وأنه منه عزيمة ؛ قلت ؛ أما زيد فذاهب» (٢).

ملحوظة :

قد يلتبس بين (أما) الحرف الشرطى والجزائى ، وما يشابهها فى النطق من :

ـ (أم) المنقطعة المتلوة بـ (ما) الاستفهامية ، كما فى قوله تعالى : (أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النمل : ٨٤]. حيث (أم) العاطفة المنقطعة ، و (ما) اسم استفهام مبنى فى محل رفع ، مبتدأ.

تلحظ أن (أمّا) فيها ميم مضعّفة ، أى : ميمان مدغمتان ، وكذلك (أم) و (ما) المتتاليتان فيهما ميم ساكنة متلوة بميم متحركة فيدغمان.

ـ (أن) المصدرية و (ما) التى هى عوض من (كان) ، كما فى قول عباس بن مرداس :

__________________

(١) يرجع إلى الآيات : آل عمران ٥٦ ، ٥٧ ، ١٠٦ ، ١٠٧ / التوبة ١٢٤ ، ١٢٥ / هود ١٠٦ ، ١٠٨ / يوسف ٤١ / الرعد ١٧ / الكهف ٨٧ ، ٨٨ / الروم ١٥ ، ١٦ / السجدة ١٩ ، ٢٠ / فصلت ١٥ ، ١٧ / الجائية ٣٠ ، ٣١ / الحاقة ٥ ، ٦ ، ١٩ ، ٢٥ / النازعات ٣٧ ـ ٤١ / عبس ٥ ـ ١٠ / الانشقاق ٧ ـ ١١ / الفجر ١٥ ، ١٦ / الليل ٥ ـ ١٠ / القارعة ٦ ـ ٩.

(٢) الكشاف ١ ـ ٤٧ / وانظر : مغنى اللبيب ١ ـ ٥٧.

٤٠٨

أبا خراشة أمّا أنت ذا نفر

فإن قومى لم تأكلهم الضبع (١)

والأصل : لأن كنت ذا نفر ، فحذف حرف التعليل و (كان) ، وعوض عنهما بـ (ما) ، فأصبح التركيب : أما أنت ذا ...

تلحظ أنّ (أن) و (ما) ينطقان بنون ساكنة متلوّة بميم ، فتقلب النون الساكنة ميما ، وتدغم فى الميم ، فيكون النطق مثل (أمّا).

إعراب أدوات الشرط

تتنوع أدوات الشرط ـ كما ذكرنا ـ بين الحروف وهى لا محلّ لها من الإعراب ، والأسماء التى يجب أن يكون لها موقعها الإعرابى ، وتتنوع أسماء الشرط بين الظروف التى تلزم محلا إعرابيا واحدا ، وغير الظروف التى يتنوع محلّها بين الرفع والنصب والجرّ ، وربما لزم أحدها محلا إعرابيا واحدا للزومه موقعا إعرابيا واحدا ، كموقع المصدرية ، أو الحالية.

تفصيل ذلك على النحو الآتى :

أ ـ أدوات شرط (حروف) لا محلّ لها من الإعراب :

أدوات الشرط الحرفية لا يكون لها محلّ من الإعراب ؛ لأن الحروف جميعها لا محلّ لها من الإعراب ، فمعناها فيما يلحق بها من فعل أو اسم ، وهى :

ـ (إن) وهو حرف شرط جازم ، لا محلّ له من الإعراب.

ـ (إذ ما) وهو حرف شرط ـ على رأى الجمهور ـ جازم لا محلّ له من الإعراب.

__________________

(١) ديوانه ١٢٨ / الكتاب ١ ـ ١٤٨ / المنصف ٣ ـ ١١٦ / الأزهية ١٥٦ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ٩٩ ، ٨ ـ ١٣٢ / مغنى اللبيب ١ ـ ٥٩ / الجنى الدانى ٥٢٨ / شرح شذور الذهب ١٨٦. الضبع : المقصود بها السنة المجدبة. (أبا) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الألف ؛ لأنه من الأسماء الستة. (خراشة) مضاف إلى أى مجرور ، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة ؛ لأنه ممنوع من الصرف. (أما) أصلها : لأن كنت ، أن : حرف مصدرى ونصب ، ما عوض من كان المحذوفة ، والمصدر المؤول فى محل جر باللام المقدرة قبلها ، (أنت) اسم كان المحذوفة فى محل رفع ، (ذا) خبر كان المحذوفة منصوب ، وعلامة نصبه الألف ؛ لأنه من الأسماء الستة. (نفر) مضاف إلى ذى مجرور ، وعلامة جره الكسرة. جملة (لم تأكلهم الضبع) فى محل رفع خبر إن. (الضبع) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

٤٠٩

ـ (لو) وهو حرف شرط غير جازم ، لا محل له من الإعراب.

ـ (لو لا) حرف شرط غير جازم ، لا محلّ له من الإعراب.

ـ (أمّا) حرف فيه معنى الشرط ، لا محل له من الإعراب.

ـ (لمّا) حرف ـ على الأرجح ـ فيه معنى الشرط لا محل له من الإعراب.

ب ـ أسماء شرط فى محل نصب دائما :

إذا دلت أداة الشرط على الظرفية ـ أو المصدرية أو الحالية ـ فإنها تكون فى موضع نصب ؛ حيث يكون كلّ من الظرف والمصدر والحال منصوبا دائما.

والظروف التى تكون شرطا فتكون فى محلّ نصب على الظرفية تنقسم ما بين الزمانية والمكانية : ما يفيد التعلق الزمانيّ ، فهى ظروف زمانية : (متى وأيّان وحين) من أسماء الشرط الجازمة ، (وإذا وكلما) من أسماء الشرط غير الجازمة.

ما يفيد التعلق المكانىّ ، فهى ظروف مكانية : (أين وأنّى وحيثما) وهى أسماء شرط جازمة.

(أى) : تكون منصوبة على الظرفية إذا كانت مضافة إلى زمان أو مكان ، وتكون منصوبة على المصدرية إذا أضيفت إلى مصدر.

ومن أمثلة ذلك : متى ما تلقنى تلمس ترحيبا ، أيّان ما تدع الله فى إخلاص يجب لك ، حينما تزر والديك تكن مرحوما ، إذا أردت فعل شىء تجاه الآخرين فطبّقه على نفسك أولا ، كلّما أتقنت عملك نلت احترام رؤسائك المخلصين ، أينما تتوجه تر الخير والنماء ، أنّى تسر فلتكن ذا سنّة حسنة ، حيثما تكن يكن الصدق.

كلّ من : (متى ، وأيّان ، وحين ، وإذا) ظرف زمان مبنى فى محلّ نصب على الظرفية ، أما (كل) فإنها منصوبة على الظرفية.

وكلّ من : أين وأنى ، وحيث ظرف مكان مبنى فى محلّ نصب على الظرفية.

٤١٠

ومنه قول خالد بن زهير :

متى ما تشأ أحملك والرأس مائل

على صعبة حرف وشبك طمورها (١)

وقول أبى خراش :

إذا ذكرتها العين أغرقها البكا

وتشرق من تهمالها العين بالدم (٢)

وتقول : أىّ موضع تجلس لا تسر فيه نميمة ، فتكون (أى) منصوبة على الظرفية المكانية ، وأىّ وقت تعد المريض يثبك الله ، فتكون (أى) منصوبة على الظرفية المكانية.

ما يفيد المصدرية :

وتقول : أىّ تبسّم تتبسّم فى وجه صديقك فهو صدقة ، أىّ قراءة تقرأ فهى مفيدة لعقل ناضج ، فتكون (أى) فى الموضعين فى محلّ نصب على المصدرية.

ما ينصب على الحالية :

(كيفما) ، حيث تقول : كيفما تعمل أعمل ، فتكون (كيف) مبنية على الفتح فى محلّ نصب على الحالية.

لكن ما عامل النصب فى تلك الأسماء؟

يتفق جمهور النحاة على أن عامل النصب فى أسماء الشرط التى تكون فى محل نصب إنما هو فعل الشرط (٣).

__________________

(١) ديوان الهذليين ١ ـ ١٥٦ / شرح السكرى ١ ـ ٢١٤. الحرف : الضامر ، وشيك طمورها : سريع وثوبها ، والرأس مائل من المرح والنشاط.

(متى) اسم شرط جازم مبنى فى محلّ نصب على الظرفية. (ما) حرف توكيد وتوسع مبنى ، لا محل له من الإعراب. (تشأ) فعل الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون. وفاعله مستتر تقديره : أنت. (أحملك) فعل جواب الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، وفاعله مستتر تقديره : أنت ، وضمير المخاطب مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (والرأس) الواو للحال أو للابتداء حرف مبنى لا محل له. الرأس : مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (مائل) خبر المبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، والجملة الاسمية فى محل نصب حال. (على صعبة) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بمائل. (حرف) نعت لصعبة مجرور وعلامة جره الكسرة. (وشيك) نعت ثان لصعبة مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، (طمورها) فاعل لوشيك مرفوع وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائبة مبنى فى محل جر ، مضاف إليه.

(٢) ديوان الهذليين ٢ ـ ١٥١ / شرح السكرى ٣ ـ ١٢٢٣. تشرق : تنشب ، ومنه شرق بالماء إذا انتشب الماء فى حلقه.

(٣) ينظر : المقتصد ٢ ـ ١١١٢.

٤١١

ج ـ أسماء شرط يتغير موقعها الإعرابى :

أما بقية أسماء الشرط ، وهى ما كانت غير ظرف وغير مصدرية وغير حالية فإنها يتغير موقعها الإعرابىّ طبقا لموقعها فى التركيب ، وموقعها الإعرابىّ يتنوع كما يلى :

أولا : تكون مجرورة :

تكون أسماء الشرط فى محلّ جرّ إذا سبقت بحرف جر ، ويكون حرف الجرّ متعلقا بفعل الشرط ، كما تكون فى محلّ جرّ إذا أضيفت.

مثال اسم الشرط الذى فى محلّ جرّ أن تقول : على من تنزل ضيفا تنل غاية الإكرام ، بمن تعجب ينل شهرة. إلى من تتوجّه يستقبلك فى سرور. وكل من أسماء الشرط فى الأمثلة السّابقة فى محلّ جرّ بحرف الجر السابق عليه (على ، الباء ، إلى).

وتقول : غلام من تكرم يكرمك ، ابن من تستقبل يثن عليك. اسم الشرط (من) فى الموضعين فى محل جرّ بالإضافة إلى ما قبله (غلام ، ابن).

ثانيا : يكون اسم الشرط فى محلّ رفع على الابتدائية :

وذلك فى التراكيب ذات الخصائص الآتية :

١ ـ إذا كان فعل الشرط لازما ، حيث لا يتعدى إلى مفعول به بنفسه ، فيكون اسم الشرط فى محلّ رفع على الابتدائية ، من ذلك قول المعطل :

فمن يبق منكم يبق أهل مضنة

أشاف على غنم وجنب مقذعا (١)

__________________

(١) ديوان الهذليين ٣ ـ ٤٣ / شرح السكرى ٢ ـ ٦٣٤. مضنة : أى : يبقى مضنونا به ، أشاف : أشرف ، المقذع :الكلام القبيح.

(من) اسم شرط جازم مبنى على السكون فى محل رفع ، مبتدأ. (يبق) فعل الشرط مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو. (منكم) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجمله فى محل نصب حال. (يبق) فعل جواب الشرط مضارع مجزوم. وعلامة جزمه حذف حرف العلة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو. (أهل) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة. (مضنة) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (أشاف) فعل ماض مبنى على الفتح ، والفاعل ضمير مستتر

٤١٢

فعل جملة الشرط (يبق) لازم ، يتعدى بواسطة ، لذلك فإن اسم الشرط (من) فى محل رفع ، مبتدأ.

ومنه قوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) [لبقرة : ١٩٤] ، (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) [الأنعام : ١٦٠].

٢ ـ إن كان فعل جملة الشرط متعدّيا وذكر فى التركيب ما يحتاج إليه من مفعول أو أكثر وكان الفاعل ضميرا يعود على اسم الشرط فإن اسم الشرط يعرب مبتدأ ، من ذلك قول أبى كبير :

من يأته منهم يؤب بمرشّة

نجلاء تزغل مثل عطّ المستر (١)

حيث فعل جملة الشرط (يأت) متعدّ إلى واحد ، وقد ذكر مفعوله وهو ضمير الغائب ، وفاعله ضمير الغائب المستتر الذى يعود على اسم الشرط ، ولذلك فإن اسم الشرط (من) يعرب مبتدأ ، ومنه قول ربيعة بن الجحدر :

ومن يلق خيرا يحمد الناس أمره

ومن يلق شرا يبك والدهر زائده (٢)

__________________

تقديره : هو ، والجملة الفعلية فى محل نصب ، حال ثانية من فاعل يبق (على غنم) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بأشاف (وجنب) الواو حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. جنب :فعل ماض مبنى علي الفتح مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره : هو. (مقذعا) مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، والجملة الفعلية فى محل نصب بالعطف على الجملة السابقة.

(١) ديوان الهذليين ٢ ـ ١٠٤ / شرح السكرى ٣ ـ ١٠٨٣. بمرشة : يريد بطعنة ذات رشاش ، تزغل : تدفع بالدم دفعة بعد دفعة ، المستر : الثوب الذي يستر به الإنسان.

(من) اسم شرط جازم مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. جملة الشرط (يؤب) ، وجملة الجواب (يؤب). (بمرشة) شبه جملة متعلقة بيئوب. (نجلاء) نعت لمرشة مجرور ، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة. (تزغل) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والفاعل ضمير مستتر تقديره : هى ، والجملة الفعلية فى محل جر ، نعت ثان لمرشة (مثل) حال منصوبة وعلامة نصبها الفتحة من فاعل تزغل. ويجوز أن تكون نعتا لمصدر محذوف ، والتقدير : زغلا مثل : (عط) مضاف إليه مثل ، والمستر مضاف إليه مجرور.

(٢) شرح السكرى لأشعار الهذليين ٢ ـ ٦٤٧.

٤١٣

حيث اسم الشرط (من) فى الشطرين فى محل رفع ، مبتدأ.

ومن ذلك الأفعال الناقصة التى تضمّن التركيب اسمها وخبرها فيعرب اسم الشرط مبتدأ كذلك ، كما ورد فى قول إياس بن سهم بن أسامة بن الحارث :

أخيّر أصحابى فمن كان منهم

خسيسا على أجزائه زيد أعظما (١)

جملة الشرط (كان منهم خسيسا) جملة فعلية فعلها ناقص (كان) ، وقد تضمنت الجملة اسمه (ضمير الغائب المستتر) ، وهو عائد على اسم الشرط ، وخبره (خسيسا) فيعرب اسم الشرط (من) مبتدأ فى محل رفع.

ومنه أن يكون الفاعل مضافا إلى الضمير العائد على الاسم الموصول ، مع ذكر ما يحتاج إليه فعل الشرط من مفعول به أو أكثر ، كأن تقول : من يكرم أبوه ابنا لى أكرمه.

٣ ـ يوجد تركيب يكون فيه اسم الشرط مبتدأ بالضرورة ، لكن كتب النحاة لم تذكره ، وذلك إذا كان فعل جملة الشرط متعديا ولا مفعول له ، ولكن اسم الشرط لا يتحمل معنى المفعولية ، كأن تقول : من يقرأ يستفد ، حيث (يقرأ) فعل الشرط متعد ولا مفعول له لكن معنى اسم الشرط ـ وهو عاقل ـ لا يحتمل معنى المفعول به ؛ لأن المقروء لا يكون عاقلا ، وإنما يكون شيئا معينا فيكون اسم الشرط مبتدأ ، ومن ذلك قول مالك بن الحارث :

ومن تقلل حلوبته وينكل

عن الأعداء يغبقه القراح

حيث (تقلل) فعل الشرط متعدّ ، والفاعل مضاف إلى ضمير اسم الشرط ، ولا يوجد مفعول به ، لكن اسم الشرط (من) لا يحتمل معنى مفعولية الإقلال ؛ لأن إقلال الحلوبة يكون إقلالا للبنها. فيعرب اسم الشرط مبتدأ.

ومنه قوله تعالى : (وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) [يونس : ١٠٨] ، حيث (من) اسم شرط فى محل رفع مبتدأ ، مع أن فعل الشرط متعدّ ، ولا يوجد مفعوله ،

__________________

(١) شرح السكرى لأشعار الهذليين ٢ ـ ٥٤. الخسيس : القليل ، الأعظم : يريد العظم وهو النصيب ، وكل نصيب من الجزور فى الأيسار عظم.

٤١٤

لكن اسم الشرط لا يتحمل معنى المفعولية ، وجملة جواب الشرط (إنما يضل) مقرونة بالفاء.

خبر اسم الشرط المبتدإ :

لكن إذا كان اسم الشرط فى محلّ رفع ، مبتدأ ، فما خبره؟

اختلف النحاة فيما بينهم فى خبر اسم الشرط إذا كان مبتدأ ، وتركز خلافهم فى أربعة آراء :

الأول : أن يكون خبره جملة الشرط ، وذلك لأن أصحاب هذا الرأى يجعلون اسم الشرط اسما تاما ، كما أنهم يرون أن جملة الجواب لا يلزمها أن يكون بها ضمير يعود على اسم الشرط ، فى حين أن هذا الضمير يجب أن تتضمنه جملة الشرط ؛ لذا كانت جملة الشرط هى الخبر لديهم.

الثانى : أن يكون الخبر جملة الجواب ؛ وذلك لأن الكلام لا يتم إلا بها ، ويلزم بعضهم جملة جواب الشرط ضميرا يعود على اسم الشرط ، وهى نظير الخبر فيما إذا كان اسم الشرط صلة (١).

الثالث : أن يكون الخبر جملتى الشرط والجواب معا ؛ وذلك لأن المعنى لا يتم إلا بذكر الجواب ، فلا بدّ أن يكون ذلك داخلا فى الخبر (٢).

الرابع : أن يكون خبر اسم الشرط المبتدإ ما كان فيه ضمير يعود على المبتدإ ، سواء أكان جملة الشرط ، أم جملة الجواب.

وربّما كان الرأى الثانى أرجح لدىّ ، حيث إن اسم الشرط بمثابة الاسم ، أو الاسم المبهم ، وكلاهما يحتاج إلى توضيح وبيان ، وتكون جملة الشرط هى الموضحة والمبينة لاسم الشرط ، فاسم الشرط وجملة الشرط بمثابة الاسم الواحد ، حيث قولك : من يذاكر ، يكون بمثابة (المذاكر) ، فجملة الشرط بمثابة جملة

__________________

(١) مغنى اللبيب ٢ ـ ٨٤.

(٢) اللباب ٢ ـ ٤٨٠.

٤١٥

الصلة ، أو جملة النعت للاسم المبهم ، أما جملة الجواب فهى الجملة التى لا يتمّ المعنى إلا بها ، ولا يصلح معنى جملة الشرط مع الأداة إلا بمعناها ، وبذلك فإنها من حيث الجانب المعنوى تكون جملة الخبر.

أما من حيث الجانب اللفظى فإنها يجب أن تتضمن ضميرا يعود على اسم الشرط ، كما يكون ذلك جملة الخبر ، وإن وجد ما لم يتضمّن ضمير الربط فإنه يلتمس بالتقدير ، كما فى قول أبى المثلّم :

أصخر بن عبد الله من يغو سادرا

يقل ـ غير شكّ ـ لليدين وللفم (١)

جملة جواب الشرط الجملة الفعلية (يقل) ، وتقديرها : يقل له : قع لليدين ، فتضمنت ضميرا مقدرا ، ومثله قول بدر بن عامر :

ومن كان يعنيه مقاذعة امرئ

ثاو بمعركة فما يعنينى (٢)

جملة جواب الشرط جملة (فما يعنينى) تقديرها : فما يعنينى مقاذعته. أو : فما يعنينى فعله ، أو : هو ، ولذلك فإننا نلمس فيها ضميرا يعود على اسم الشرط.

لذلك فمن الأرجح أن تكون جملة جواب الشرط خبر اسم الشرط إذا كان مبتدأ.

المشكل هنا أن جملة جواب الشرط تكون فى محلّ جزم إذا كانت مقترنة بالفاء ، وخبر المبتدإ يكون فى محلّ رفع ، فيجتمع فى الجملة محلان : جزم ورفع ، لكنه يمكن أن نجعل الخبر معنويا ، أى : نذكر أن جملة الجواب فى محلّ جزم ، وهى خبر المبتدإ فى المعنى ، كما نذكر فى إضافة الفاعل إلى المصدر أو الصفة المشتقة أو ، إضافة المفعول به إليهما.

ثالثا : يكون اسم الشرط فى محلّ نصب على المفعولية :

وذلك إذا كان فعل الشرط متعديا ، ولا يذكر المفعول به أو أحدها ، ويتحمل اسم الشرط معنى هذه المفعولية غير المذكورة ، وتلحظ ـ حينئذ ـ أن الفاعل غير

__________________

(١) ديوان الهذليين ٢ ـ ٢٢٦ / شرح السكرى ١ ـ ٢٦٧. السادر : الراكب رأسه فى غيّه كأنه لا يعقل ، لليدين وللفم : أى : قع على يديك وعلى فمك.

(٢) ديوان الهذليين ٢ ـ ٢٢٦ / شرح السكرى ١ ـ ٤١٩.

٤١٦

اسم الشرط أو ما يعود عليه. مثال ذلك قولك : من تكرم أكرمه ، (تكرم) فعل الشرط متعدّ ، ولا يوجد مفعوله واسم الشرط (من) للعاقل يحتمل معنى الإكرام ، فيكون (من) اسم شرط جازما مبنيا فى محلّ نصب مفعول به.

ومثله أن تقول : ما يفعل محمود أحذر منه ، وتقول : من تعط صدقة يدع لك بالخير ، حيث فعل الشرط (تعط) متعدّ إلى مفعولين ، ولم يذكر فى جملة الشرط إلا مفعول به واحد (صدقة) ، والفاعل ضمير مستتر تقديره (أنت) ، وهو غير اسم الشرط ، واسم الشرط يحتمل معنى المفعولية الثانية ، وهو : وقوع الإعطاء ، أو : أخذ الصدقة ، إذن ؛ يعرب اسم الشرط مفعولا به أول فى محلّ نصب.

وقد يكون اسم الشرط فى محلّ نصب ، المفعول به المكمل لثلاثة مفعولين ، كأن تقول : من تنبئ عليا مسكينا يعطه صدقة ، ومن تعلم محاضرة النحو ملقاة يهرع إليها ، من تخبّر الأذان قائما يتوجّه إلى الصلاة.

ومنه قول المتنخل :

إذا سدته سدت مطواعة

ومهما وكلت إليه كفاه (١)

(مهما) اسم شرط مبنى جازم فى محلّ نصب ، مفعول مقدم ؛ لأن فعل الشرط (وكلت) متعدّ ، والفاعل غير اسم الشرط ، واسم الشرط يتحمل معنى المفعولية.

تأمل ما يأتى : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) (البقرة : ٢٦٩](٢) ، (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها) [آل عمران : ١٤٥]. (وَمَنْ يَفْعَلْ

__________________

(١) ديوان الهذليين ٢ ـ ٣٠ / شرح السكرى ٣ ـ ١٢٧٧ ، أى : إذا كنت فوقه أطاعك ولم يحسدك.

(٢) (من) اسم شرط جازم فى محل رفع ، مبتدأ. (يؤت) فعل الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة ، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره : هو. (الحكمة) مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة (فقد) الفاء واقعة فى جواب الشرط. قد : حرف تحقيق مبنى لا محل له. (أوتى) فعل ماض مبنى على الفتح مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو ، والجملة الفعلية فى محل جزم جواب الشرط. (خيرا) مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة. (كثيرا) نعت لخبر منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

٤١٧

ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) [الفرقان : ٦٨] ، (وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) [النور : ٢١] ، (فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) [فاطر : ٣٩] ، (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) [الطلاق : ٢].

وكذلك قول ربيعة بن الكودن :

أتاك بقول كاذب فاستمعته

وأيقنت أن مهما يحدّثك يصدق (١)

(مهما) اسم شرط جازم مبنى فى محل نصب ، مفعول به ثان مقدم ؛ لأن فعل الشرط (يحدّث) يتعدى فى هذا التركيب إلى مفعولين ، فالحديث ـ هنا ـ ليس فعلا قلبيا بمعنى الإعلام ، وإنما هو بمعنى التحديث ، أى : إحداث حديث ، اسم الشرط يحتمل معنى المفعولية.

ومنه قوله تعالى : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) [الرعد : ٣](٢) ، (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) [الأعراف : ١٧٨].

قول ساعدة بن جؤية :

قد أوبيت كلّ ماء فهى طاوية

مهما تصب أفقا من بارق تشم (٣)

اسم الشرط (مهما) جازم مبنى فى محلّ نصب ، مفعول به لتصب ـ على الوجه الأرجح ـ و (أفقا) ظرف ، و (من بارق) تفسير لـ (مهما) ، أو : متعلق بـ (تصب) ، والتقدير : أى شىء تصب فى أفق من ...

__________________

(١) شرح السكرى لأشعار الهذليين ٢ ـ ٦٥٦.

(أن) مخففة من الثقيلة ، اسمها ضمير الشأن محذوف ، وخبرها التركيب الشرطى.

(٢) (من) اسم شرط جازم مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (من هاد) من حرف جر زائد مبنى لا محل له.

هاد : مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعة الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. جملة (فما له من هاد) فى محل جزم جواب الشرط.

(٣) ديوان الهذليين ١ ـ ١٩٨ / شرح السكرى ٣ ـ ١١٢٨.

أوبيت كل ماء : منعت كل ماء ، طاوية : ضامرة ، تشم : تقدر أين موقعه ثم تمضى إليه من شام شيما ، تصب أفقا : تجدنا حية.

٤١٨

رابعا : اسم الشرط بين الرفع والنصب :

قد يكون اسم الشرط جائزا فيه الرفع والنصب ، وذلك إذا شغل الشرط بضمير اسم الشرط ، من ذلك قول أبى العيال :

إنّى أتانى عنك قول قلته

مهما تقله يؤذنى ويسونى (١)

فعل الشرط (تقل) قد ذكر مفعوله ، وهو ضمير الغائب العائد على اسم الشرط (مهما ، فإذا جعلت الضمير مؤكدا أو لغوا فإن اسم الشرط (مهما) يكون فى محلّ نصب ، مفعول به لفعل الشرط ، وإذا جعلت الضمير هو المفعول به فإن اسم الشرط يكون فى محلّ نصب ، مفعول به لفعل محذوف ، يقدر من جنس فعل جملة الشرط.

ومثل ذلك قول أبى جندب :

أحصّ فلا أجير ومن أجره

فليس كمن تدلّى بالغرور (٢)

حيث فعل الشرط المتعدى (أجر) ذكر مفعوله ضمير الغائب (الهاء) العائد على اسم الشرط ، فيعرب اسم الشرط مفعولا به فى محل نصب ، أو مبتدأ فى محلّ رفع ، وهو الأرجح.

دخول أدوات الشرط على بعض الحروف

قد تدخل أداة الشرط أو يلحق بها أداة عاملة نحويا ، أو أخرى غير عاملة لأداء دلالة خاصة بهذه الأداة ، فإذا كانت الأداة اللاحقة عاملة فإن أثر الإعراب فى فعل الشرط ، يكون لها وهى (لم) ، وإذا كانت غير عاملة فإن الأثر الأعرابىّ يكون لأداة الشرط ، وهى : لا ، وما. ذلك على التفصيل الآتى :

__________________

(١) شرح السكرى لأشعار الهذليين ١ ـ ٤١١.

(قول) فاعل مرفوع. وجملة (أتانى قول) فى محل رفع ، خبر إن. جملة (قلته) فى محل رفع ، نعت لقول.

(٢) ديوان الهذليين ٣ ـ ٩١ / شرح السكرى ١ ـ ٣٥٥ وبه يدلى. أحص : أمتنع وآبى.

جملة (فليس كمن) فى محل جزم جواب الشرط.

٤١٩

أ ـ دخول أداة الشرط الجازمة على (لم):

(لم) أداة نفى وجزم للفعل المضارع ، أى : إلى جانب أنها تنفيه فإنها تجزمه ، وتقلب زمنه إلى الماضى ، وقلب الفعل المضارع المسبوق بـ (لم) ماض معنوى.

فعند ما تذكر أداة الشرط الجازمة قبل (لم) ، ويذكر بعدهما فعل مضارع ، فإن المضارع يجزم وهو مسبوق بعاملى جزم ، ففى قول جنوب أخت عمرو ذى الكلب :

وكلّ قبيل وإن لم تكن

أردتهم منك باتوا وجالا (١)

اجتمعت أداة الشرط الجازمة (إن) وأداة جزم الفعل المضارع (لم) ، وجزم الفعل المضارع (تكن) بعدهما. ولما كان المضارع بعد (لم) يكون ماضيا معنويا وأدوات الشرط الجازمة لا تؤثر فى الماضى نحويا ، و (لم) جازمة بالضرورة للفعل المضارع ؛ وهى مختصة به دون أدوات الشرط التى تدخل على المضارع والماضى ، ولا يجوز أن يفصل بين (لم) والفعل المضارع (٢) ، وهى مختصة به دون أدوات الشرط ، كانت (لم) هى الجازمة للفعل المضارع دون أداة الشرط التى تسبقها ، وهذا يتفق مع تعليل سيبويه لذلك ؛ بأن (لم أفعل) ماض معنوىّ ، فهو نفى (فعل) (٣) ، ونعلم أن أداة الشرط الجازمة لا يظهر تأثيرها فى الفعل الماضى.

وقد اجتمعا فى قول أبى المثلّم الهذلى :

أصخر بن عبد الله قد طال ما ترى

ومن لم يكرّم نفسه لم يكرّم

__________________

(١) ديوان الهذليين ٣ ـ ١٢٣ / شرح السكرى ٢ ـ ٥٨٦. (كل) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (وإن) الواو للإحاطة حرف مبنى. إن : حرف شرط جازم مبنى. (لم) حرف نفى وجزم وقلب مبنى لا محل له (تكن) فعل الشرط مضارع مجزوم بعد لم ، وعلامة جزمه السكون. واسمه ضمير مستتر تقديره : أنت.

(أردتهم) فعل ماض وتاء الفاعل ، والضمير مفعول به مبنى ، والجملة الفعلية فى محل نصب ، خبر تكن ، وجملة جواب شرط إن محذوفة دل عليها جملة (كل قبيل باتوا). (باتوا) فعل ماض مبنى على الضم ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، اسم بات. (وجالا) خبر بات منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدإ (كل).

(٢) اللباب ٢ ـ ٤٧٣.

(٣) الكتاب ٤ ـ ٢٢٠.

٤٢٠