النحو العربى

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربى

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٩٤

وسيبويه يخرج الرفع على أنه على نية التقديم ، أما المبرد فيرى أنه على نية الفاء ، أما الجرجانى فإنه يذهب إلى أن الثانى المضارع لم يجزم حملا على عدم ظهور الجزم فى الأول لكونه ماضيا.

رابعا : الأول مضارع والثانى ماض :

الفعل المضارع حالىّ الزمن أو مستقبليّه ، أما الفعل الماضى فهو ذو زمن مضى ، والشرط تعليق حدوث معنى لا حق على حدوث معنى سابق ؛ لذا فإن معظم النحاة لا يجيزون تقديم الفعل المضارع على الماضى فى التركيب الشرطيّ ، أى لا يكون فعل الشرط مضارعا ، وفعل الجواب ماضيا ، لكننا نجد أن المبرد يذكر «لو قال : من يأتنى أتيته لجاز» (١) ، ويذكر أن هذا التركيب قد يجاز فى غير الشعر (٢) ، كما يجعله متباعدا عن حرف الجزاء ، ويذكر منه قول أبى زبيد الطائى :

من يكدنى بسيّئ كنت منه

كالشّجا بين حلقه والوريد (٣)

كما يذكر الجرجانى : «واعلم أن الجزاء إذا كان فعلا لم يخل من ثلاثة أوجه :

أحدها : أن يكون الأول مضارعا لفظا ، والثانى ماضيا ، نحو قولك : إن تضرب زيدا ضربتك ، فليس فى ذا إلا جزم الأول الذى هو الشرط ، وإبقاء الثانى على سمت الماضى» (٤).

ويذكر الرضىّ هذا التركيب ، ويجعل المضارع ـ وهو فعل الشرط ـ مجزوما (٥).

__________________

(١) المقتضب ٢ ـ ٥٨.

(٢) السابق ٢ ـ ٦٩.

(٣) المقتضب ٢ ـ ٥٨. المقرب ٥٩ / الصبان على الأشمونى على الألفية ٤ ـ ١٧.

(بسيئ) شبه جملة متعلقة بيكد. (منه) شبه جملة فى محل نصب ، حال ، (كالشجا) شبه جملة فى محل نصب خبر كان ، أو متعلقة بخبرها المحذوف (بين) ظرف مكان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، (حلقه) مضاف إليه بين ، ومضاف إليه حلق. وشبه جملة (بين حلقه) فى محل نصب حال. أو متعلقة بالحال المحذوفة.

(٤) المقتصد ٢ ـ ١٠٤٥.

(٥) شرح الكافية ٢ ـ ٢٦٠.

٣٦١

وقد ورد هذا التركيب فى قول ساعدة بن جؤية :

فاليوم إمّا تمس فات مزارها

منا وتصبح ليس فيها مأرب (١)

وقول عبد مناف بن ربع الجربى :

إن يقتلوا لم يخافوا القتل يومئذ

فإنهم قتلوا عمرا ولم يخف (٢)

تلحظ أن فعل الشرط مضارع مجزوم فى كلّ الأمثلة.

المتوسط بين فعلى الشرط والجواب :

قد يتوسط فعل مضارع فعلى الشرط والجواب ؛ ولهذا التوسط صورتان ، لأنه إما أن يكون مسبوقا بحرف عطف ، وإما أن يكون غير مسبوق بحرف عطف ، ذلك على النحو الآتى :

أ ـ المتوسط بالعطف :

إذا توسط فعل مضارع بين جملتى الشرط والجواب بالعطف ، أى : كان معطوفا على فعل الشرط المضارع ، وكانت أداة الشرط جازمة ، فإن إعرابه يمكن أن يوجه طبقا لحرف العطف الرابط ، وللمعنى المراد ، على النحو الآتى :

١ ـ الأصل فى الفعل المعطوف على فعل الشرط المجزوم أن يجزم مثله ، ويرجع سيبويه الجزم إلى العلة المعنوية ، حيث ربط حرف العطف بين الفعلين ربطا معنويا ، فقد أشرك الثانى فيما دخل فيه الأول إشراكا معنويا (٣) ، فكان الإتباع فى علامة الإعراب. فتقول : إن تأتنى فتسألنى أعطك ، أو : ثم تسألنى ، وذلك بجزم الفعل المعطوف بالفاء أو بثم (تسأل) بالعطف على فعل الشرط (تأت). ومن ذلك قول إياس بن سهم :

__________________

(١) ديوان الهذليين ١ ـ ١٨٣ / شرح السكرى ٣ ـ ١١١٤. (مأرب) اسم ليس مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

(٢) شرح السكرى ٢ ـ ٦٧٧. جملة (قتلوا) فى محل رفع ، خبر إن. (ولم يخف) جملة فى محل نصب ، حال من عمرو ، (يخف) فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، وحرك بالكسر من أجل الروى.

(٣) ينظر : الكتاب ٣ ـ ٨٨.

٣٦٢

متى تتّخذ رمحا عتيدا وتطّرح

رماح الموالى تنب عنك وتكلل

وفيه الفعل (تطرح) مجزوم بالعطف على فعل الشرط المجزوم (تتخذ). وحرف العطف الواو.

وكذلك قول أبى صخر :

فإن تبد أو تستخف تفض على أذى

ويخطفك نابا حية وسمامها (١)

حرف العطف (أو) عطف المضارع (تستخف) على فعل الشرط المضارع المجزوم (تبد) ، فكان المعطوف مجزوما.

وقول مالك بن خالد :

يامىّ إن تفقدى قوما ولدتهم

أو تخلسيهم فإن الدهر خلّاس (٢)

(تخلس) فعل مضارع معطوف بالحرف (أو) على فعل الشرط المضارع المجزوم (تفقدى) ، فكان مجزوما ، وعلامة جزمه حذف النون ؛ لأنه من الأفعال الخمسة.

__________________

(١) (إن) حرف شرط جازم مبنى ، (تبد) فعل الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة.

وفاعله مستتر تقديره : أنت. (أو) حرف عطف مبنى. (تستخف) فعل مضارع معطوف على (تبد) مجزوم ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة ، وفاعله مستتر تقديره : أنت. (تفض) فعل جواب الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت. (على أذى) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالإفضاء. (ويخطفك) عاطف ومعطوف على تقض مجزوم ، وضمير المخاطب مبنى فى محل نصب مفعول به. (نابا) فاعل يخطف مرفوع ، وعلامة رفعه الألف لأنه مثنى. (حية) مضاف إليه مجرور. وعلامة جره الكسرة. (وسمامها) عاطف ومعطوف على نابى مرفوع ، ومضاف إليه مبنى فى محل جر.

(٢) ديوان الهذليين ٣ ـ ١ / شرح السكرى ١ ـ ٢٢٦. الخلس : أخذ الشىء بسرعة يحدث الشاعر امرأته ، وقد فقدت أولادها فبكت.

(مى) منادى مبنى على الضم فى محل نصب ، جملة (ولدتهم) فى محلّ نصب نعت لقوم. (تخلس) معطوف على فعل الشرط مجزوم ، وعلامة جزمه حذف النون. وياء المخاطبة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، جملة (فإن الدهر خلّاس) فى محل جزم جواب الشرط. (خلاس) خبر إن مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

٣٦٣

والعطف بالفاء فى قول زهير :

ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله

على قومه يستغن عنه ويذمم (١)

٢ ـ يجوز أن ينصب الفعل المعطوف على فعل الشرط إذا كان حرف العطف الواو أو الفاء أو : أو ، وهذا ما رآه الخليل وسيبويه ، ومن نهج نهجهم ، وهم فى ذلك يرجحون الجزم ، ووجه النصب من قبيل حمل الآخر على الاسم ، فلما قبح أن يردّ الفعل على الاسم نوى (أن) المصدرية ، لأن الفعل معها اسم (٢). فتأويل سيبويه للقول : إن تأتنى فتحدثنى أو : وتحدثنى أحدثك / بنصب المضارع المعطوف فى الموضعين هو : إن يكن إتيان فحديث ، أو : وحديث آتك (٣).

ومنه قول الشاعر :

ومن يقترب منا ويخضع نؤوه

ولا يخش ظلما ما أقام ولا هضما (٤)

(يخضع) فعل مضارع منصوب بـ (أن) المضمرة بعد الواو العاطفة إياه على فعل الشرط ، والتقدير : إن يكن اقتراب وخضوع.

فى قول زهير :

ومن لا يقدّم رجله مطمئنة

فيثبتها فى مستوى الأرض يزلق (٥)

__________________

(١) (من) اسم شرط جازم مبنى على السكون فى محل رفع ، مبتدأ. (يك) فعل الشرط مضارع ناقص ناسخ مجزوم ، وعلامة جزمه السكون على النون المحذوفة ، واسمه ضمير مستتر تقديره ، هو (ذا) خبر يكون منصوب ، وعلامة نصبه الألف ؛ لأنه من الأسماء الستة. وهو مضاف. (وفضل) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (فيبخل) الفاء : حرف عطف مبنى لا محل له من الإعراب. يبخل : فعل مضارع مجزوم بالعطف على فعل الشرط ، وعلامة جزمه السكون ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو. (بفضله) جار مبنى ومجرور بالكسرة وضمير مبنى فى محل جر ، مضاف إليه ، وشبه الجملة متعلقة بالبخل. (على قومه) جار ومجرور ومضاف إليه ، وشبه الجملة متعلقة بالبخل. (يستغن) فعل جواب الشرط مضارع مبنى للمجهول مجزوم ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة. (عنه) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل رفع ، نائب فاعل. (ويذمم) الواو : حرف عطف مبنى ، يذمم : فعل مضارع مجزوم بالعطف على يستغن ، وعلامة جزمه السكون ، وحرك بالكسر للروى. ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره : هو.

(٢) ينظر : الكتاب ٣ ـ ٨٨

(٣) الموضع السابق

(٤) عمدة الحافظ ٢٥١.

(٥) الكتاب ٣ ـ ٨٦ / المقتضب ٢ ـ ٦٥.

٣٦٤

يذكر سيبويه أن النصب فى هذا جيد ، أى : النصب فى (يثبت) بعد الفاء من أجل النفى ، فكأنه قال : من لا يقدم لم يثبت زلق ، أو : من لا يقدم مثبتا.

٣ ـ إذا كان المضارع المعطوف على فعل الشرط مرفوعا فإن حرف العطف يجب أن يكون الواو ، وتكون الجملة التى تكوّنه فى محل نصب على الحالية ، باحتساب اسم محذوف ، حيث لا يجوز أن تكون الجملة فعلية فعلها مضارع ؛ لأن واو الحال لا تدخل على المضارع المثبت المجرد من (قد) ، فتقول : من يأتنا ويسألنا نعطه.

(برفع يسأل) ، تريد : من يأتنا وهذه حاله نعطه (١) ، فالجملة الفعلية (يسألنا) فى محلّ رفع ، خبر لمبتدإ محذوف تقديره : هو ، والجملة الاسمية تكون فى محل نصب ، حال من فاعل (يأت).

ب ـ المتوسط بدون عاطف :

قد يكون المضارع المتوسط بين فعلى الشرط والجواب بدون ذكر حرف العطف ، وحينئذ يكون له وجهان يعتمدان على العلاقة المعنوية القائمة بين فعل الشرط المضارع والفعل المضارع المتوسط ، حيث يمكن أن يكون المعنى فيه ترادف أو تضمّن معنوى ، فيكون الثانى بدلا من الأول ، فيجزم جزمه. أو يكون المعنى غير قائم على الترادف ، فيرفع ، وتكون جملته فى محل نصب على الحالية.

من الأول قول عبد الله بن الحر :

متى تأتنا تلمم بنا فى ديارنا

تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا (٢)

حيث الفعل المضارع (تلمم) بدل من فعل الشرط (تأتنا) بدل اشتمال ـ على الأرجح ـ ولذلك فقد جزم جزمه. وفعل جواب الشرط هو المضارع المجزوم (تجد).

__________________

(١) ينظر : المقتضب ٢ ـ ٦٣.

(٢) الكتاب ٣ ـ ٨٦ / المقتضب ٢ ـ ٦١ / شرح ابن يعيش ٧ ـ ٥٣ ، ١٠ ـ ٢٠. شرح ألفية ابن معطى ٢ ـ ٨١٢. جزلا : غليظا ، وينسب إلى الحطيئة كذلك.

٣٦٥

ومنه أن تقول : إن تأتنى تجئ إلىّ أكرمك ، ومن يصلّ يسجد لله يهده ، متى تتوجه إلى الكلية تذهب إلى عملك تستفد خيرا. كلّ من الأفعال المضارعة المجزومة (تجئ ، يسجد ، تذهب) بدل من أفعال الشرط المضارعة المجزومة (تأت ، يصل ، تتوجه) ، أما أفعال جواب الشرط فهى الأفعال المضارعة المجزومة (أكرم ، يهد. تستفد).

ومن الثانى قول الحطيئة :

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره

تجد خير نار عندها خير موقد (١)

والتقدير : متى تأتيه عاشيا إلى ضوء ... ، فتكون الجملة الفعلية (تعشو) فى محل نصب على الحالية ، ويكون الفعل (تعشو) مرفوعا ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة.

ومنه ما ذكره سيبويه من : إن تأتنى تسألنى أعطك ، وإن تأتنى تمشى أمش معك (٢) ، والتقدير ، إن تأتنى سائلا ، وإن تأتنى ماشيا ، فيرفع كل من الفعلين (تسأل وتمشى) ، وتكون جملتاهما فى محلّ نصب على الحالية.

ملحوظة :

ليس من قبيل المتوسط بين فعلى الشرط والجواب قول زهير :

ومن لا يزل يستحمل الناس نفسه

ولا يغنها يوما من الدهر يسأم (٣)

حيث جملة (يستحمل) فى محل نصب ، خبر (يزال) ، ويجوز فى جملة (ولا يغنها) أن تكون معطوفة على جملة الشرط ، فيجزم (يغن) كما هو عليه ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة ، وكأنه قال : ومن لا يزل ومن لا يغن نفسه ، ويجوز فيها أن تكون معطوفة على جملة (يستحمل) فيرفع الفعل (يغنى) ، وكأنه قال : من لا يزل يستحمل ومن لا يزل لا يغنى نفسه.

__________________

(١) ديوانه ٢٥ / الكتاب ٣ ـ ٨٦ / المقتضب ٢ ـ ٦٣ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ٦٦ / ٤ ـ ١٤٨ / ٧ ـ ٤٥ ، ٥٣.

(٢) الكتاب ٣ ـ ٨٥ / وينظر : المقتضب ٢ ـ ٦٣.

(٣) الكتاب ٣ ـ ٨٥ / المقتضب ٢ ـ ٦٣ / الهمع ٢ ـ ٦٣.

٣٦٦

التابع لفعل جواب الشرط المجزوم المجرد من الفاء :

قد يتبع الفعل المضارع فعل جواب الشرط المضارع المجرد من الفاء ، ويكون ذلك فى صورتين :

أولاهما : يتبعه إتباع البدل ويكون ـ حينئذ ـ مجزوما ، من ذلك قوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (٦٨) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [الفرقان : ٦٨ ، ٦٩] ، الفعل المضارع (يضاعف) بدل اشتمال ـ على الأرجح ـ من فعل جواب الشرط المضارع المجزوم (يلق) ، فكان مجزوما.

وقد يرفع ـ على قراءة ابن عامر وأبى بكر ـ وتكون جملته ـ حينئذ ـ استئنافية ، أو فى محل نصب على الحالية من فاعل (يلق).

ومن أمثلة سيبويه فى ذلك : «إن تأتنا نحسن إليك نعطك ونحملك ، تفسر الإحسان بشئ هو هو ، وتجعل الآخر بدلا من الأول» (١).

ومنه قوله تعالى : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) [فاطر : ١٦]. حيث المضارع (يأت) مجزوم بالعطف على فعل جواب الشرط المجزوم (يذهب) ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة.

والأخرى : إتباعه إتباع العطف ، وفيه ثلاثة أوجه :

أ ـ الجزم : مع استعمال جميع أدوات العطف ، حيث يجزم المضارع المعطوف على جواب الشرط المضارع المجزوم ، من ذلك قول مليح بن الحكم :

ومن يتعلّق حبّ شمّاء أو تكن

له شجنا يكثر حنينا ويشتق (٢)

__________________

(١) الكتاب ٣ ـ ٨٧.

(٢) شرح السكرى لأشعار الهذليين ٣ ـ ١٠٠٢.

(من) اسم شرط جازم مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. جملة الشرط (يتعلق) فعلها مضارع مجزوم. (حب) منصوب على التوسع ، أو على نزع الخافض. (شماء) مضاف إلى حب مجرور ، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة ؛ لأنه ممنوع من الصرف. (تكن) فعل مضارع معطوف على يتعلق مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، واسمه ضمير مستتر تقديره : هى ، (له) شبه جملة متعلقة بالشجن. (شجنا) خبر تكن منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (حنينا) تمييز منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

٣٦٧

الفعل المضارع (يشتق) معطوف بحرف العطف (الواو) على مضارع جواب الشرط المجزوم (يكثر) ، فكان المعطوف عليه مجزوما ، وحرك بالكسر من أجل الروى.

ب ـ النصب : يجوز أن ينصب المضارع المعطوف على مضارع الجواب المجزوم إذا كان حرف العطف الواو أو الفاء ، وذلك على تقدير (أن) محذوفة ، فتقول : إن تأتنى آتك وأحدّثك ، أو : فأحدّثك ، بنصب (أحدث) على تقدير (أن) بعد الواو والفاء. ويكون المصدر المؤول معطوفا على المصدر المتوهّم من فعل جواب الشرط ، والتقدير : إن تأتنى يكن إتيان وحديث.

ج ـ الرفع : يجوز أن يرفع المضارع المعطوف على مضارع الجواب المجزوم إذا كان حرف العطف الواو أو الفاء أو ثم ، ويكون على القطع من الأول ، وعطف جملة على جملة ، وإنما كان الجزم فى المضارع المعطوف ؛ لأنه جواب الشرط لأداة شرط جازمة.

ويجوز فى المعطوف بالواو أن تكون جملته فى محلّ نصب على الحالية. منه قوله تعالى : (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) [آل عمران ١١١] ، حيث رفع الفعل المضارع (ينصرون) ، وهو معطوف بـ (ثم) على مضارع جواب الشرط المجزوم (يولوا) ، وذلك على سبيل عطف جملة على جملة.

فى قوله تعالى : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) [البقرة : ٢٨٤] ، الفعلان المعطوفان على مضارع جواب الشرط (يغفر ، ويعذب) فيهما ثلاث قراءات (١) :

الأولى : الرفع فى قراءة ابن عامر وعاصم ، وذلك على الاستئناف ، وذلك من قبيل عطف جملة على جملة ، أو بتقدير مبتدإ محذوف ، أى : فهو يغفر.

الثانية : الجزم فى قراءة الباقين من السبعة ، وذلك بالعطف على مضارع جواب الشرط المجزوم.

__________________

(١) ينظر : الدر المصون ١ ـ ٦٩٠.

٣٦٨

الثالثة : النصب فى قراءة ابن عباس والأعرج وأبى حيوة ، وذلك بإضمار (أن) ، وتكون مع ما بعدها مصدرا مؤولا معطوفا على المصدر المتوهم من فعل جواب الشرط ، والتقدير : تكن محاسبة فغفران وعذاب.

التابع لجواب الشرط المقرون بالفاء :

إذا عطف الفعل المضارع على جواب الشرط المقرون بالفاء فإن الوجه الرفع ، ومن أمثلة سيبويه ؛ إن تأتنى فهو خير لك وأكرمك ، وإن تأتنى فأنا آتيك وأحسن إليك ، برفع المعطوفين : (أكرم وأحسن) ؛ «لأن الكلام الذى بعد الفاء جرى مجراه فى غير الجزاء ، فجرى الفعل هنا كما كان يجرى فى غير الجزاء» (١).

ومنه : إن تأتنى فلن أوذيك وأستقبلك بالجميل (٢).

ويجوز الجزم على موضع جملة الجواب ، حيث إنها فى محلّ جزم ، من ذلك قوله تعالى : (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) [البقرة : ٢٧١] حيث : قراءة الجمهور برفع (يكفر). وتوجّه على الاستئناف ، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أى : هو يكفر ، أو بالعطف على محل ما بعد فاء جواب الشرط.

وفيه قراءة بنصب (يكفر) على إضمار (أن) ، وعطف المصدر المؤول على مصدر متوهم من جواب الشرط ، والتقدير : يكن خير وتكفير.

وفيه قراءة بجزم (يكفر) بالعطف على محلّ جملة جواب الشرط ، وهو الجزم.

يلحظ أن (يكفر) يقرأ بين الياء والتاء والنون.

أما قوله تعالى : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الأعراف : ١٨٦](٣) ، ففيه قراءتا الرفع والجزم فى (يذر) ، وتؤولان التأويل السابق.

__________________

(١) الكتاب ٣ ـ ٩٠.

(٢) الكتاب ٣ ـ ٩١.

(٣) (من) اسم شرط جازم مبنى على السكون فى محل نصب ، مفعول به. (يضلل) فعل الشرط مضارع

٣٦٩

إهمال أداة الشرط الجازمة وإعمالها :

ذكر كثير من النحاة والباحثين قضية إهمال أداة الشرط الجازمة وإعمالها فى التركيب ، حيث تدخل بعض الأدوات العاملة أو غير العاملة نحويا فتجعل أداة الشرط الجازمة مهملة أو غير مهملة.

ويعلل سيبويه لحال الإهمال بذهاب معنى الجزاء ، ولم يكن الموضع الجديد ـ بعد دخول الأداة العاملة ـ من مواضع الجزاء ، حيث تعمل الأداة الداخلة على أداة الشرط ولا يجوز تعليقها.

نذكر فى هذا الموضع الأمثلة التى ذكرها سيبويه (١) ، كما نذكر حكم أداة الشرط من حيث الإهمال والإعمال بعد دخول الأدوات الأخرى عليها ، كما ذكرها سيبويه ، ثم نخرج بالنتائج بعد الاستقراء والتحليل.

أمثلة إعمال أداة الشرط :

(إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) [طه : ٧٤]. إنه من يأتنا نأته. وقوله تعالى : (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) [المائدة : ٧٢] ، كنت من يأتنى آته.

إعمال اسم الشرط فيما سبق للفصل بين (إنّ وكان) من جانب واسم الشرط (من). وكذلك : كان من يأته يعطه ، ليس من يأته يحببه.

__________________

مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين. (الله) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (فلا) الفاء حرف رابط الشرط بجوابه مبنى لا محل له. لا : نافية للجنس حرف مبنى لا محل له من الإعراب. (هادى) اسم لا النافية للجنس مبنى فى محل نصب. (له) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر لا النافية للجنس ، أو متعلقة بمحذوف خبرها. (ويذرهم) الواو استئنافية حرف مبنى لا محل له. يذر : فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله مستتر تقديره : هو ، وضمير الغائبين مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (فى طغيانهم) جار ومجرور ومضاف إليه مبنى ، وشبه الجملة متعلقة بالضمة. (يعمهون) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، والجملة الفعلية فى محل نصب ، حال من ضمير الغائبين المفعول به.

(١) ينظر الكتاب ٣ ـ ٧١ : ٨٣.

٣٧٠

وإعمال اسم الشرط فى هذين المثالين بسبب الإضمار فى (كان وليس) ، فإن لم يكن الإضمار فالإهمال واجب (١) ، ويكون التركيب الشرطىّ فى محلّ نصب ، خبر (كان وليس) مع الإضمار الذى يكون فيه اسمهما.

ومن إعمال أداة الشرط بسبب الإضمار بعد العوامل السابقة لها ، ما ذكره سيبويه من القول : «إنّ من يأتنى آته» (٢). وما جاء فى الشعر من قول الأعشى :

إنّ من لام فى بنى بنت حسّا

ن ألمه وأعصه فى الخطوب

والتقدير ؛ إنه من لام .. وقول أمية بن أبى الصلت :

ولكنّ من لا يلق أمرا ينوبه

بعدته ينزل به وهو أعزل (٣)

والتقدير : ولكنه من لا يلق ...

__________________

(١) والإهمال أن تقول : كان من يأتيه يعطيه ، وليس من يأتيه يحبّه ، ويكون (من) اسما موصولا مبنيا فى محل رفع ، اسم (كان) و (ليس) ، وجملة (يأتيه) صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب ، وجملتا (يعطيه ويحبه) فى محل نصب ، خبر (كان وليس).

(٢) خبر (إن) التركيب الشرطى (من يأتنى آته) فى محل رفع ؛ ذلك لأن اسمها ضمير الشأن المحذوف.

ومع الإهمال تقول : إن من يأتينى آتيه ، برفع الفعلين ، ويكون (من) اسما موصولا فى محلّ نصب اسم (إن) ، وصلته الجملة الفعلية (يأتينى) ، وجملة (آتيه) فى محلّ رفع ، خبر (إن).

(٣) خبر (لكن) التركيب الشرطى (من لا يلق ينزل) حيث اسم (لكن) ضمير الغائب محذوف. (لكن) حرف استدراك مبنى لا محل له من الإعراب. واسمه ضمير الشأن محذوف. (من) اسم شرط جازم مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (لا) حرف نفى مبنى لا محل له من الإعراب (يلق) فعل الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو ، (أمرا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (ينوبه) فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله مستتر تقديره : هو ، وضمير الغائب (الهاء) مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، والجملة الفعلية فى محل نصب ، نعت لأمر. (بعدته) جار ومجرور ومضاف إليه ، وشبه الجملة متعلقة بينوب ، (ينزل) فعل جواب الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو. (به) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالنزول ، وجملتا الشرط والجواب فى محل رفع ، خبر اسم الشرط المبتدأ ـ على رأى جمهور النحاة ـ والتركيب الشرطى فى محل رفع ، خبر لكن. (وهو) الواو : للابتداء أو للحال حرف مبنى لا محل له من الإعراب ، هو : ضمير مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (أعزل) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، والجملة الاسمية فى محل نصب ، حال من فاعل (ينزل).

٣٧١

قد علمت أن من يأتنى آته (١). أى : أنه ، حيث تخفيف نون (أن) يوجب إضمار هاء الشأن ، وجاء منه قول عدىّ بن زيد :

أكاشره وأعلم أن كلانا

على ما ساء صاحبه حريص

والتقدير : أعلم أنه كلانا على ما ساء ..

جواز القول : أتذكر إذ من يأتنا نأته. وقيد هذا بجواز حدوثه فى الشعر. ومنه قول لبيد :

على حين من تلبث عليه ذنوبه

يرث شربه إذ فى المقام تدابر (٢)

حيث أعمل اسم الشرط (من) مع دخول (حين) عليه.

أتذكر إذ نحن من يأتنا نأته. حيث فصل (نحن) بين (إذ) واسم الشرط (من) ، فجاز الإعمال.

مررت به فإذا من يأته يعطه ؛ لأن الإضمار يحسن هاهنا. والتقدير : فإذا هو من يأته يعطه. ويكون التركيب الشرطى فى محلّ رفع ، خبر لمبتدإ محذوف.

لا من يأتك تعطه ، ولا من يعطك تأته ؛ لأن (لا) لغو ، ليست كـ (إذ) وأشباهها ، واعتبرها سيبويه بمثابة الحروف الزائدة.

ما أنا ببخيل ولكن إن تأتنى أعطك. جاز هذا وحسن ؛ لأنك قد تضمر هاهنا كما تضمر فى (إذا). ومنه قول طرفة :

ولست بحلّال التلاع مخافة

ولكن متى يسترفد القوم أرفد (٣)

__________________

(١) (علمت) فعل ماض مبنى على السكون ، وضمير المتكلم مبنى فى محل رفع ، فاعل. (أن) حرف توكيد ونصب مبنى مخفف من الثقيلة لا محل له من الإعراب ، واسمه ضمير الشأن محذوف. (من) اسم الشرط جازم مبنى على السكون فى محل رفع ، مبتدأ ، خبره جملتا الشرط والجواب (يأتنى آته).

والتركيب الشرطى فى محل رفع ، خبر (أن) ، والمصدر المؤول (أن من يأتنى آته) سدّ مسدّ مفعولى (علم) فى محل نصب.

(٢) يرجع إلى : الكتاب ٣ ـ ٧٥ / الإنصاف م ٣٨ / شرح التسهيل لابن مالك ٤ ـ ٨٧.

(٣) ينظر : الكتاب ٣ ـ ٧٨ / شرح التسهيل ٤ ـ ٧١ ، ٩٠ / شرح ابن الناظم ٦٩٤ / شذور الذهب رقم ١٣٥. التلاع : جمع تلعة ، وهو ما ارتفع من الأرض ، يسترفد القوم : يطلبون العطاء ، أرفد : أعطى ، حلال : صيغة مبالغة من الحل وهو المكث.

٣٧٢

والتقدير : ولكن أنا متى يسترفد ... ، فأعمل اسم الشرط للإضمار.

على أىّ دابة أحمل أركبها ، بمن نؤخذ أوخذ به.

عمل اسم الشرط الجزم لأن حرف الجر لم يغيره عن حال الجزاء ، ومنه قول ابن همام السلولى :

لمّا تمكّن دنيا هم أطاعهم

فى أىّ نحو يميلوا دينه يمل

حيث عمل اسم الشرط (أى) مع دخول حرف الجر (فى) عليه ؛ لأنه لم يغيره عن حال الجزاء.

بمن تمرر أمرر. على من تنزل أنزل. يجوز أن تعمل اسم الشرط إذا أردت معنى : به وعليه ، والتقدير مع الإعمال : أمرر به ، وأنزل عليه.

وبذلك فإنك تعمل الأداة فى : بمن تمرر أمرر به ، وبمن تؤخذ أوخذ به. تثبت الباء مع الفعل الآخر ؛ لأنه لا يصل إلا بحرف الجر.

غلام من تضرب أضربه (١). تعمل اسم الشرط (من) ؛ لأن ما يضاف إلى (من) بمنزلة (من) ، وقد أضيف (غلام) إلى اسم الشرط.

__________________

(لست): (ليس) فعل ماض ناقص ناسخ مبنى على السكون ، وتاء المتكلم ضمير مبنى فى محل رفع ، اسم ليس. (بحلال) : الباء حرف جر زائد مبنى لا محل له من الإعراب. حلال : خبر ليس منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. وهو مضاف.

و (التلاع) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (مخافة) مفعول لأجله منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (ولكن) حرف عطف ، وحرف استدراك مبنيان لا محل لهما من الإعراب. (متى) اسم شرط جازم مبنى فى محل نصب على الظرفية. (يسترفد) فعل الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين. (القوم) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (أرفد) فعل جملة جواب الشرط مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، وحرك بالكسر من أجل الروى. وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنا.

(١) (غلام) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (من) اسم شرط جازم مبنى فى محل جر بالإضافة. (تضرب) فعل الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، وفاعله ضمير مستتر تقديره (أنت) ، (أضربه) فعل جواب الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، وفاعله مستتر تقديره أنا ، وضمير الغائب مبنى فى محل نصب مفعول به فى محل نصب.

٣٧٣

بغلام من تؤخذ أوخذ به. كأنك قلت : بمن تؤخذ أوخذ به

أإن تأتنى آتك؟ ، أمتى تشتمنى أشتمك؟ أمن يفعل ذلك أزره؟

وذلك لأن همزة الاستفهام دخلت على كلام قد عمل بعضه فى بعض ، فلم يغيّره.

ومثل همزة الاستفهام فى إعمال أداة الشرط الواو والفاء ولا ، ونحو ذلك.

أمثلة إهمال أداة الشرط :

إنّ من يأتينى آتيه. كان من يأتينى آتيه. ليس من يأتينى آتيه.

إهمال اسم الشرط (من) لضرورة إعمال العوامل (إن ، وكان ، وليس) ، فلا يجوز أن تعلق ، ولا تعملها فى شىء ، ويكون (من) اسما موصولا مبنيا فى محل نصب ، اسم (إن) ، وفى محل رفع ، اسم كان وليس ، وخبر كل منها جملة (آتيه).

ولكن يمكن أن تعمل أداة الشرط فى هذه التراكيب إذا فصل بين الأداة العاملة واسم الشرط ، كأن يذكر اسم مبتدأ بينهما ، أو يقدر ضمير شأن بينهما.

ـ أتذكر إذ من يأتينا نأتيه؟

ـ أتذكر حين من نلقاه نعطيه؟

أهمل اسم الشرط هنا ؛ لأنه ليس من مواضع الجزاء ؛ حيث إن أسماء الزمان لا تضاف إلى الشرط.

فإذا ورد ما يظهر فيه إضافة الشرط إلى اسم زمان فإنه يقدر محذوف ، كما ورد فى قول لبيد :

على حين من تثبت عليه ذنوبه

يجد فقدها إذ فى المقام تدابر (١)

حيث يقدر فيه ضمير الشأن بعد الحين.

__________________

(١) الكتاب ٣ ـ ٧٥ ، وفيه : تلبث ... يرث شربه / الإنصاف م ٣٨ / شرح التسهيل ٢ ـ ٨٧.

٣٧٤

ـ ما من يأتينا نأتيه.

ـ ما أيها تشاء أعطيك.

يهمل اسم الشرط فيما سبق ؛ لأنهما ليسا من مواضع الجزاء ، حيث إن (ما) لا تنفى الجملة الشرطية ، بخلاف (لا) النافية ، ينفى بها الشرط ، فيعمل اسم الشرط بعدها ، فتقول : لا من يأتنا نأته.

ـ مررت به فإذا من يأتيه يعطيه.

تهمل أداة الشرط بعد (إذا) الفجائية ؛ لأنها لا تدخل على الشرط والجزاء.

لكنك إن أضمرت بعد (إذا) فإنك تجزم.

ـ أمّا من يأتينا نأتيه.

تهمل أداة الشرط ، حيث إنه ليس من مواضع الجزاء ، فلا يجوز أن تقول : أمّا إن يأتنا ... ، ولذلك فإنه لا يصح أن يكون فى سائر أدوات الشرط.

وتكون (من) اسما موصولا مبنيا فى محل رفع ، مبتدأ ، وصلته الجملة الفعلية التى تليه ، أما خبره فهو الجملة الأخرى.

ـ بمن تمرّ به أمرّ ـ على أيّهم تنزل عليه أنزل ـ بما تأتينى به آتيك.

ترفع الفعل بعد اسم الشرط ـ أى : تهمل أداة الشرط ـ لأن الفعل أوصلته إلى الهاء بالباء الثانية ، والباء الأولى للفعل الآخر ، فتغير عن حال الجزاء ، فيصير اسم الشرط بمنزلة (الذى) ، فصار حرف الجر الأول كـ (كان وإن) ، وعملت الباء فيما بعدها عمل (كان وإن) فيما بعدهما. وكذلك (على).

ويفهم من كلام سيبويه أن الكلام فيه تقديم وتأخير ، فكأن الكلام : أمرّ بمن تمرّ به ، وأنزل على أيّهم تنزل عليه ، آتيك بما تأتينى به ، وهذا ليس تركيبا شرطيا ، فلا يكون فيه (من ، وأى ، وما) أسماء شرط ، بل هى أسماء موصولة ، لأنها لا تتطلب جملتين.

ـ هل من يأتينا نأتيه؟

٣٧٥

ليس فى هذا إلا الرفع ، حيث (من) هنا موصولة ، وليست شرطية ؛ لأنه لا يستفهم عن الشرط بـ (هل) ، هذا غير الهمزة ؛ لأنه يجوز أن يستفهم بها عن الشرط ، فتقول : أمن يأتنا نأته؟

ـ أئن تأتنى آتك.

ـ ما أنا ببخيل ، ولكن من يأتينى أعطيه (١).

ترفع بعد (من) ؛ لأنها تكون هنا اسما موصولا ، حيث لا تدخل (لكن) على الشرط.

لكن لو أضمر بينهما وجب الإعمال ، ولو قدر إضمار الشأن ؛ لجاز هذا الإضمار ، وأعملت أداة الشرط.

بين الإعمال والإهمال :

الذى إن تأته يأتك زيد. تعمل حرف الشرط لأنك جعلت التركيب الشرطىّ كلّه وصلا.

الذي إن تأته يأتيك زيد. أنا إن تأتنى آتيك ، جعلت (يأتيك) صلة الذى ، فالتقدير : الذى يأتيك زيد إن تأته ، أو : الذى يأتيك ـ إن تأته ـ زيد ، وتكون جملة جواب الشرط محذوفة دل عليها المذكور.

أما فى المثل الثانى فإنك لم تجعل التركيب الشرطىّ خبرا للمبتدإ (أنا) ، ولكنك جعلت الخبر الجملة الفعلية ذات الفعل المضارع المرفوع (آتيك) ، وتكون أداة الشرط وجملة الشرط اعتراضيتين ، وجملة جواب الشرط محذوفة

دل عليها المذكور ، والتقدير : أنا آتيك إن تأتنى آتك.

النتيجة :

نصدر هذه النتائج بما ذكره ابن مالك فى قوله : «لإن الشرطية صدر الكلام ، فلا يتقدم عليها ما بعدها ، ولا يعمل فيها ما قبلها ، ولا تكون مع الشرط والجزاء

__________________

(١) يرجع إلى : شرح التسهيل ٢ ـ ٩٠.

٣٧٦

إلا كلاما مستأنفا ، أو مبنيا على ذى خبر ونحوه ، كقولك : زيد إن يقم يقم أخوه ، وكذا جميع أسماء الشرط» (١).

وبالتمعن فى الأمثلة السابقة التى ذكرها سيبويه وتناقلها النحاة من بعده والتى تعرض أدوات الشرط الجازمة بين الإعمال والإهمال بعد دخول بعض الأدوات العاملة أو غير العاملة عليها ؛ نستطيع أن نضع قانونا عاما يحكم هذه القضية كما نستنتجه من خلال أمثلة سيبويه ، وهو :

أولا : إذا كان التركيب الشرطيّ يمثل ركنى الأداة العاملة التى تسبقه ؛ أى : إن الأداة التى تسبقه تتطلب جملة متكاملة تتمثل فى التركيب الشرطىّ ؛ أي : يكون التركيب الشرطىّ قائما مقام الجملة بعد الأداة العاملة ، فإن أداة الشرط تهمل ؛ لأن العمل يكون للأداة التي تسبقها ، وتكون أدوات الشرط حينئذ أسماء ، يمكن أن تكون اسما موصولا ، مثل : من ، وما ومهما ، وأىّ.

وهذه الأدوات العاملة هى : كان وأخواتها ، وإنّ وأخواتها ، وإنّ وأخوتها ، وإذ ، وإذا ، وأمّا ، وما. وكلّ من هذه الأدوات العاملة تحتاج إلى جملة تامة الركنين ، فتقع هذه الأدوات على جملتى الشرط والجواب وكأن كلّ جملة تقوم مقام ركن من ركنى الجملة ، ولا بدّ أن نعتبر أن أداة الشرط وجملة الشرط (فعل الشرط) بمثابة الركن الأول ، وأن جملة الجواب بمثابة الركن الثانى.

فبالإضافة إلى الأمثلة السابقة تقول : إنّ من يذاكر ينال الاحترام ، كان ما تقوم به من مؤازرة يحفّزنى على العمل. إذ أن كلا من (أن وكان) يحتاج إلى جملة تامة ، وليس ذلك إلا فى التركيب الشرطىّ ، فتهمل أداة الشرط ، وتتحول إلى اسم موصول له موقعه الإعرابى.

وتقول : أتذكر إذ من يخاصمنا لا نحقد عليه؟ ؛ حيث (إذ) تحتاج إلى جملة لتضاف إليها ، ولذلك فإن اسم الشرط يفقد المجازاة ، ويكون اسما موصولا ، ليمثل الركن الأول من الجملة المضافة إلى (إذ) ، ومثلها (إذا).

__________________

(١) شرح التسهيل ٤ ـ ٨٦.

٣٧٧

أما (أمّا) فإنه لا بد من دخولها على جملة ، وكذلك (ما) حيث لا تنفى إلا جملة ، كما أنها تعمل فى الجملة الاسمية.

ثانيا : تعمل أداة الشرط الجازمة إذا كانت الأداة السابقة له مهملة فى أثرها الإعرابىّ ، أو كان التركيب الشرطىّ يمثل ركنا واحدا من ركنى الجملة المتطلبة للأداة العاملة إعرابيا ، ويكون الخبر دائما ، أو كان التركيب الشرطىّ يقوم مقام الاسم ، ولأن الاسم له موقعه الإعرابىّ بالضرورة فإن التركيب الشرطىّ إذا كان له موقعه الإعرابى فإن الأدوات الجازمة تعمل ، ويكون ذلك فى المعانى التى يصح أن يقع لها ، كأن يكون خبرا ، أو حالا ، أو نعتا ، أو مفعولا ، أو مضافا إلى ما لا يفقده صدارته ، أو كان التركيب الشرطىّ مكمّلا لاسم ، كأن يكون صلة ... فإن الأداة الجازمة تعمل. ويكون ذلك فى التراكيب الآتية :

أ ـ إذا كان التركيب الشرطىّ مسبوقا بأداة غير مؤثرة إعرابيا ، ويصحّ أن يقع بعدها (إن) الشرطية ، نحو : همزة الاستفهام دون (هل) ، (لا) النافية غير العاملة غير (ما) ، وحروف الجرّ المتعلقة بفعل الشرط لا بفعل الجواب. مثل ذلك : أمن يصلّ لله ينم وقلبه به حقد؟ ، لا من يؤدّ الصلاة يراء بها الناس. لمن تعطه كتابك آخذه.

ب ـ إذا أضيف اسم الشرط إلى ما لا يفقده صدارته ، نحو : ابن من تستضفه أكرمه.

ج ـ إذا فصل بين الأداة المؤثرة إعرابيّا والتركيب الشرطىّ بفاصل ، يكون ممثلا لركن من ركنى الجملة التى تتطلبها الأداة المؤثرة. فيكون التركيب الشرطىّ هو الركن الآخر ، ويكون الخبر دائما.

من ذلك قول مالك بن خالد الهذلى :

فلا تتهدّدنا بقحمك إننا

متى تأتنا ننزلك عنه ويعقر (١)

__________________

(١) ديوان الهذليين ٣ ـ ٧ / شرح السكرى لأشعار الهذليين ١ ـ ٤٥١. القحم : الكبير من الإبل والناس وغيرهم المسن ، ويريد فرسه.

٣٧٨

دخلت الأداة العاملة (إن) على اسم الشرط (متى) ، وفصل بينهما بضمير المتكلمين (نا) ، فعملت (متى) الجزم ، وأصبح الضمير فى محل نصب اسم (إن) ، والتركيب الشرطى فى محلّ رفع خبرها.

ومنه قول أبى ذؤيب الهذلى :

فإنك إن تنازلنى تنازل

فلا تكذبك بالموت الكذوب (١)

حيث التركيب الشرطى فى محل رفع ، خبر (إن) ، واسمها ضمير المخاطب (الكاف) ؛ لذلك عمل حرف الشرط الجازم (إن).

ومنه قوله تعالى : (وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ) [لشورى : ٤٨] ، حيث التركيب الشرطى (إذا أذقنا .. فرح) فى محلّ رفع ، خبر (إن) ، واسمها ضمير المتكلمين فى محلّ نصب ، وقد عطف على خبرها التركيب الشرطىّ (إن تصبهم) ، ولذلك فإن حرف الشرط الجازم (إن) جزم فعل شرطه بالسكون.

ومنه قوله تعالى : (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ) [نوح : ٢٧]. التركيب الشرطىّ فى محلّ رفع ، خبر (إن).

وقوله تعالى : (رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) [آل عمران : ١٩٢].

__________________

(لا) حرف نهى مبنى لا محل له من الإعراب. (تتهددنا) فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، وفاعله مستتر تقديره (أنت) ، وضمير المتكلمين مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (بقحمك) جار ومجرور ومضاف إليه. وشبه الجملة متعلقة بتهدد. (إننا) حرف توكيد ونصب مبنى لا محل له من الإعراب ، وضمير المتكلمين مبنى فى محل نصب ، اسم إن ، (متى) اسم شرط جازم مبنى فى محل نصب على الظرفية. (تأتنا) فعل الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة. وفاعله ضمير مستتر تقديره (أنت) ، وضمير المتكلمين مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (ننزلك) فعل جواب الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، وفاعله ضمير مستتر تقديره (نحن) ، وضمير المخاطب مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (عنه) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بننزل ، والتركيب الشرطى فى محل رفع ، خبر إن. (ويعقر) الواو : حرف عطف مبنى. يعقر : فعل مضارع مجزوم بالعطف على ننزل ، وحرك بالكسر من أجل الروىّ ، ونائب فاعله مستتر تقديره : هو.

(١) ديوان الهذليين ١ ـ ٩٧ / شرح السكرى ١ ـ ١١٠ ، وبه (فلا تغررك) ، الكذوب : أراد نفسه.

٣٧٩

ومنه قول امرئ القيس :

أغرّك منى أن حبّك قاتلى

وأنّك مهما تأمرى القلب يفعل (١)

وقول حاتم الطائى :

وإنك مهما تعط نفسك سؤلها

وفرجك نالا منتهى الذّمّ أجمعا (٢)

وقد يضمر الفاصل الذى يمثل ركنا من ركنى الجملة ، كما هو فى قول ربيعة بن الكودن :

أتاك بقول كاذب فاستمعته

وأيقنت أن مهما يحدثك يصدق

عمل اسم الشرط (مهما) الجزم فى الفعلين المضارعين (يحدث ، يصدق) ، وذلك لأن التركيب الشرطى يمثل ركنا واحدا وهو خبر (أن) المخففة ، حيث يضمر اسمها ، وهو ضمير الشأن.

ومنه قول أمية بن أبى الصلت :

ولكنّ من لا يلق أمرا ينوبه

بعدّته ينزل به وهو أعزل (٣)

__________________

(١) الكتاب ٤ ـ ٢١٥ / الكشاف ٢ ـ ١٠٦ / مشكل إعراب القرآن ١ ـ ٣٢٦ / شرح ابن يعيش ٧ ـ ٤٣.

(أغرك) أغر : فعل ماض مبنى على الفتح. وكاف المخاطبة ضمير مبنى فى محل نصب مفعول به (منى) حار ومجرور ومبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالغرور. (أن) حرف توكيد ونصب مبنى لا محل له من الإعراب. (حبك) حب : اسم إن منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف وكاف المخاطبة ضمير مبنى فى محل جر مضاف إليه. (قاتلى) قاتل : خبر أن مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بالكسرة المناسبة لضمير المتكلم ، وهو مضاف ، وضمير المتكلم مبنى فى محل جر مضاف إليه ، والمصدر المؤول فى محل رفع ، فاعل أغر .. (وأنك) الواو : حرف عطف مبنى لا محل له من الإعراب. أن حرف توكيد ونصب مبنى. وضمير المخاطبة مبنى فى محل نصب ، اسم أن. (مهما) اسم شرط جازم مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (تأمرى) فعل الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف النون. وياء المخاطبة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. (القلب) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة (يفعل) فعل جواب الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، وحرك بالكسرة للروى ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو. والتركيب الشرطى فى محل رفع ، خبر أن. والمصدر المؤول فى محل رفع بالعطف على فاعل أغر.

(٢) الكشاف ٢ ـ ١٠٧. التركيب الشرطى (مهما تعط .. نالا) فى محل رفع ، خبر إن. (نفس) مفعول به أول منصوب ، (وسؤل) مفعول به ثان منصوب. (أجمع) حال منصوبة ، والألف للإطلاق.

(٣) ديوانه ٤٦ / الكتاب ٣ ـ ٧٣.

٣٨٠