النحو العربى

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربى

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٩٤

رابعا : يجوز فى البدل المفصل من المجمل البدلية والقطع :

وذلك إذا كان الثانى موفيا الأول ، فتقول : عندى ثلاثة إخوة محمد وأحمد وعلىّ ، استوفى البدل للمبدل منه فى عدده ، فيجوز فى البدل الرفع على البدلية ، والقطع بالرفع على أنها أخبار لمبتدآت محذوفة ، أو بالنصب على أنها مفعولات لأفعال محذوفة ، تقديرها : أعنى ، أو : أذكر فى كل مواضعها.

وتقول : أكرمت أبنائى الأربعة ؛ شريفا ورفيقا وحاتما وغادة ، بالنصب على البدلية ، أو بتقدير فعل محذوف ، وبالرفع على تقدير مبتدإ محذوف.

فإن لم يستوف البدل للمبدل منه وجب القطع ، فتقول : لى خمسة أبناء محمد وشريف ورفيق ، بالنصب على المفعولية لفعل محذوف ، أو بالرفع على الخبرية لمبتدإ محذوف ، والتقدير : منهم محمد ، أو أذكر منهم محمدا ، فإن قدرت معطوفات محذوفة جاز البدلية والقطع.

خامسا : البدل والاعتماد عليه فى التركيب :

قد يجىء البدل فى التركيب معتمدا عليه ، حيث يكون مسندا إليه ، نحو : إنّ محمدا خطّه حسن ، وكان علىّ خطبته بليغة ، وإن محمودا كرمه محمود ، وكانت فاطمة سلوكها رزين. فكلّ من : (خطه ، وخطبته ، وكرمه ، وسلوكها) معناها أبدال مما قبلها ، لكنه إذا صحّ كون الاسم بدلا وكونه مبتدأ خبره يصح ما بعده فالرفع على الابتداء أكثر قياسا ، وهو الأكثر فى كلام العرب.

فى قوله تعالى : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) [الزمر : ٦٠] ، (برفع وجوه ومسودة) على أنهما جملة اسمية من مبتدإ وخبر ، والجملة في محلّ نصب على الحالية من الاسم الموصول ، حيث الرؤية بصرية ، وإن جعلت الرؤية قلبية ـ وهو بعيد ـ فإن الجملة الاسمية تكون فى محلّ نصب ، مفعول به ثان لترى. وقد قرئا بالنصب ، ويكون (وجوه) بدلا من الاسم الموصول بدل بعض من كلّ ، وتكون مسودة حالا من وجوه ، أو مفعولا ثانيا.

١٦١

سادسا : الرتبة بين البدل والمبدل منه والحكم المشترك بينهما :

ربما يحدث التباس بين بعض أنواع البدل ـ بعض من كل ، وبدل الاشتمال ـ والمبتدإ الثانى الذى يكون فى صدر جملة الخبر ، نحو : الفاروق حكمه عادل ، الكتاب نصفه مقروء.

وإذا جاز لنا أن نضع ضابطا تركيبيا لذلك فليكن ما يأتى :

يلحظ أن هذين النوع من البدل يجب أن يذكر الحكم الذى يشترك فيه كل من البدل والمبدل منه قبلهما معا ، فإذا ذكر بعدهما ؛ أو بعد أى منهما يخرجان من البدلية.

ولنلحظ الأمثلة الآتية :

ـ الكتاب نصفه مشروح.

الحكم ـ وهو الشرح ـ مذكور بعدهما (الكتاب ، ونصفه) ، فيعرب (نصف) مبتدأ ثانيا ، (مشروح) خبر المبتدإ الثانى ، والجملة فى محل رفع ، خبر المبتدأ (الكتاب)

ـ الكتاب مشروح نصفه :

الحكم مذكور بعد أحدهما ، وهو (الكتاب) ، فيعرب (مشروح) خبر المبتدأ (الحكم) ، أما (نصف) فتكون نائب فاعل مرفوعا.

ـ شرح الكتاب نصفه.

الحكم مذكور قبلهما ، فيعرب (نصف) بدل بعض من كل من (الكتاب).

ويمكن أن نلحظ ذلك فى يسر فى :الفاروق عادل حكمه.

أعدل بالفاروق حكمه.

١٦٢

لكن هذا لا ينطبق على البدل المطابق ، حيث تقول : الخليفة عمر حاكم عادل ، أعجبت بالفاروق عمر ، حيث (عمر) فى المثالين بدل مطابق ، ويجوز أن يعرب عطف بيان.

سابعا : تراكيب فى البدل :

قوله تعالى : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢) وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٤) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (٥) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ) [الزلزلة ١ ـ ٦].

(إذا) ، و (يومئذ) الأولى ، و (يومئذ) الثانية ثلاثة ظروف ، يحتاج كلّ منها إلى عامل ، وعامل كلّ منها هو (١) :

ـ (إذا) إذا جعلتها منصوبة بمحذوف أو بما بعدها ، كان العامل فى يومئذ الأولى (تحدث).

وإن جعلت ناصب (إذا) (تحدث) كان (يومئذ) الأولى بدلا منها.

ـ (يومئذ) الثانية : إما أن تكون بدلا من الأولى ، وإما أن تكون منصوبة بالفعل (يصدر) ، أو بفعل مقدر بـ (اذكر).

ـ فى قوله تعالى : (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ) [الأعراف : ٧٥] ، (لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) بدل من (لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) ، ويمكن أن يفسر على نوعين ، بالنظر إلى مرجع الضمير فى شبه الجملة (منهم) التى يتضمنها البدل ، على النحو الآتى :

ـ إن كان الضمير فى (منهم) يعود على (قومه) ، فإنه يكون بدل كلّ من كلّ ، ويكون التقدير : قال المستكبرون من قوم صالح للمستضعفين منهم وهم المؤمنون منهم.

ـ وإن كان الضمير فى (منهم) يعود على (الذين استضعفوا) فإنه يكون بدل بعض من كلّ ، وكان المؤمنون من قوم صالح بعض المستضعفين.

__________________

(١) ينظر : الدر المصون ٦ ـ ٥٥٤.

١٦٣

ـ قوله تعالى : (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) [الأعراف : ٨٠] لتقدير فى (لوط) والظرف (إذ) : واذكر لوطا وقت قال لقومه ، وبذلك فإن : الظرف (إذ) يكون بدل اشتمال من لوط.

ويتكرر هذا التركيب فى مواضع كثيرة ، منها :

(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا) [مريم : ١٦].

(وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ) [الأنبياء : ٧٦].

(وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ) [الأنبياء : ٧٨].

(وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ) [الأنبياء : ٨٣].

(وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) [الأنبياء : ٨٧](وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ) [الأنبياء : ٨٩].

(وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً) [الروم ٣١ ـ ٣٢]. (من الذين) بدل من (من المشركين) بإعادة العامل.

ـ ويجوز أن يكون مثله : (وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ) [الأنعام : ٩٩].

حيث (من النخل) خبر مقدم للمبتدإ (قنوان) ، أما (من طلعها) فهو بدل من (من النخل) بإعادة العامل.

ـ ومثله : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) [الأحزاب : ٢١] حيث (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ) بدل من (لكم) بإعادة العامل.

ـ (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) [آل عمران : ٩٧] ، من الأوجه الموقعية (لمقام) أن تكون بدلا مرفوعا من (آيات) ، على أنه عطف على (مقام) (ومن دخله كان آمنا) ، فأصبح البدل من الجمع (آيات) مثنى (المقام والأمن) ، والمثنى فى حكم الجمع ، أو أن المقام يشتمل على آيات كثيرة ، كما أنه يجوز فى البدل ذكر بعض ما يدل على الجمع ، والسكوت عن الباقى.

١٦٤

العطف

العطف فى تركيب الجملة العربية «ضربان : عطف بيان ، وعطف نسق» (١).

ولكل من المصطلحين جهتان ، يشتركان فى إحداهما ، وهى العطف ، ويفترقان فى الأخرى من المصطلح ، وهى البيان مقابل النسق.

والعطف فى اللغة يعنى الرجوع إلى الشىء ، والانصراف عنه (٢) ، أو : بعد الانصراف عنه (٣) ، وهو الحمل والردّ ، يقال : عطف الفارس على قرنه ؛ إذا حمل عليه (٤).

وكلّ من الرجوع والحمل أو الرد يعنى وجود سابق ، وكذلك كل من نوعى العطف ، حيث إنهما من التوابع ، أى : يكونان تابعين لسابق عليهما ، ويردّان إليه ، حكما أو معنى ، وإعرابا.

فالمتكلم بعطف البيان يرجع إلى الأول ـ وهو المعطوف عليه ـ ليوضحه ، أو يخصصه ، فهذا حكم أو معنى.

ولكنه بعطف النسق يرجع إلى الأول لينسق عليه ما جاء به معطوفا بواسطة حرف ما حيث علاقتهما فى الحكم المسند إليه ، وتختلف هذه العلاقة باختلاف الحرف العاطف الوسيط ، أو الرابط بينهما.

فعطف البيان تكرير للأول دون اتحاد اللفظين ، وذلك لزيادة البيان ، فكأنك رددته على نفسه (٥).

__________________

(١) شرح ألفية ابن معطى ١ ـ ٧٦٨.

(٢) المعجم الوسيط ، مادة (عطف).

(٣) الصبان على الأشمونى على ألفية ابن مالك ٢ ـ ٨٥.

(٤) شرح الجمل لابن خروف : ٣١٩.

(٥) المساعد على التسهيل ٢ ـ ٤٢٣.

١٦٥

أما عطف النسق فإنه عطف اللفظ الذى جىء به على نسق الأول (١) ، ويجعله سيبويه باب الشركة (٢).

فنوعا العطف يشتركان فى معنى العطف ، والتبعية التى ينتج عنها الاشتراك فى تأثير العامل فى المعطوف والمعطوف عليه فى النوعين.

ويجعل بعض النحاة عطف البيان عطف نسق فى الأصل ، فالقول : جاء أخوك زيد ؛ أصله : وهو زيد ، فحذف الحرف والضمير ، وأقيم زيد مقامه (٣).

لكن بين نوعى العطف فروقا ، يمكن أن نذكرها فيما يأتى :

١ ـ عطف البيان تكرار للمعطوف عليه بواسطة المعطوف ، إذ إن الثانى مرادف للأول ، فكأنك عطفت الأول على نفسه (٤).

أما عطف النسق فإنه يكون بين متغايرين لفظا ومعنى ، وإن كانا مشتركين فى علاقتهما بالحكم بوجه ما ، يحدده الحرف العاطف.

٢ ـ لذلك فإن عطف البيان لا يحتاج إلى واسطة بين المتعاطفين ؛ لأن الثانى هو الأول.

أما عطف النسق فإنه يحتاج إلى حرف بين المتعاطفين ، حيث إنهما متغايران ، فالثانى فيه غير الأول (٥) ، والحرف الوسيط يحدد علاقة اشتراكهما ، أوجهة نسقهما.

ولذلك فإن النحاة يذكرون أن العطف ضربان : عطف بيان ، وعطف نسق ؛ لأنه إن احتاج الثانى إلى حرف ؛ لكونه مغايرا للأول لفظا ومعنى فهو عطف النسق.

وإن لم يحتج إلى حرف فهو عطف البيان (٦).

__________________

(١) الصبان على الأشمونى على الألفية ٣ ـ ٨٩.

(٢) الكتاب ٣ ـ ٢٣ ، ٤٧.

(٣) المساعد على التسهيل ٢ ـ ٤٢٣.

(٤) شرح التصريح ٢ ـ ١٣٠.

(٥) شرح المفصل لابن يعيش ٨ ـ ٨٨.

(٦) شرح ألفية ابن معطى ١ ـ ٧٦٨.

١٦٦

٣ ـ الغرض فى عطف البيان «رفع اللّبس ، كما فى الوصف» (١) ، فهو «لإيضاح ما يجرى عليه ، وإزالة الاشتراك الكائن فيه (٢). ولهذا يجب أن يكون أحد الاسمين يزيد عن الآخر.

أما النسق فإنه يكون لإشراك الثانى مع الأول فى حكم مذكور معه ، إشراكا من جهة معنوية معينة خاصة بحرف العطف المذكور ، سواء أكانت علاقة الإشراك ، أم التعقيب ، أم التراخى ، أم النفى ، أم الإضراب ... أم غيرها. فالغرض من عطف النسق الاختزال أو الاقتصاد فى اللفظ.

٤ ـ من الفرق السابق نلمس أن البيان من قبيل الإطناب ، أما النسق فهو من قبيل الحذف ، أو الاقتصاد والاختزال ، أو الاختصار (٣).

٥ ـ عطف البيان يكون بالأسماء الصريحة غير المأخوذة من الفعل ، كالكنى والأعلام ... (٤). أى : يكون فى الأسماء الجامدة.

أما عطف النسق فإنه يكون بكل الأسماء والأفعال ، والجمل ، وأشباه الجمل ، ويكون من المفردات والمركبات.

٦ ـ المعطوف والمعطوف عليه فى البيان يشتركان فى حكم واحد مذكور ، ولا يحتمل تقدير غيره.

أما هما فى عطف النسق فقد يشتركان فى الحكم المذكور ، وقد يتغير حكم المعطوف عن الحكم المنسوب إلى المعطوف عليه ، ويحدد ذلك حرف العطف المذكور ، فلكل حرف فى عطف النسق دلالته الخاصة به ، وتنسحب هذه الدلالة على المتعاطفين.

__________________

(١) أسرار العربية ٢٩٦.

(٢) شرح المفصل لابن يعيش ٣ ـ ٧١.

(٣) شرح ألفية ابن معطى ١ ـ ٧٧٣.

(٤) شرح المفصل لابن يعيش ٣ ـ ٧١.

١٦٧

٧ ـ «لا خلاف فى موافقة عطف البيان متبوعه فى الإفراد والتثنية والجمع ، والتذكير والتأنيث ، ويتوافقان أيضا فى التعريف والتنكير» (١).

أما المتعاطفان فى النسق فلا يلزم ذلك فيهما ، لكنهما يجب أن يتوافقا معنويا ، وجنسا لفظيا غالبا ، دون اشتراط موافقتهما عددا أو نوعا.

٨ ـ «عطف البيان تابع كالنعت فى المعنى ، وكالبدل فى اللفظ ..» (٢) أما النسق فإنه يخالف سائر التوابع ؛ لأنه الذى يختص بوجود واسطة بين المتعاطفين.

٩ ـ البيان جملة واحدة ، أما النسق فجملتان على الوجه الأرجح ...

١٠ ـ يختلفان فى توجيه النحاة للعامل فى كلّ من البيان والنسق ، وينبع هذا الخلاف من خلال طبيعة التركيب فى كل منهما.

__________________

(١) شرح التسهيل ٣ ـ ٣٢٦.

(٢) شرح الجمل للخفاف ٣١٩.

١٦٨

عطف البيان (١)

يسمى عطف البيان لأنه تكرار للأول بذكر مرادفه لزيادة البيان ، فكأنك عطفته على نفسه (٢).

والعطف ـ لغة ـ يعنى الرجوع إلى الشىء بعد الانصراف عنه ، فكأن ذكر الاسم الثانى يعنى الرجوع إلى الاسم الأول بعد ذكره ، والرجوع يعطى فائدة كون الأول هو المقصود بالكلام ، وهكذا يكون عطف البيان ، ويكون المقصود من ذكر المعطوف والمعطوف عليه ، فالأول هو المقصود بالإسناد إليه ، أما الثانى فإنه تتمّة له وتوضيح. ولكنك فى البدل تقصد بالإسناد إسنادا إلى الثانى ، ويكون الأول توطئة وتمهيدا له.

وعطف البيان ـ اصطلاحا : تابع جامد غير صفة يبيّن الأول ، حيث يوضحه أو يخصّصه ، ويكون أشهر من متبوعه. فـ (جامد) صفة خاصة بعطف البيان ، و (غير صفة) مخرج للصفة ، و (يبين الأول) مخرج لسائر التوابع ؛ لأنه ليس فيها ما يوضح متبوعه غير الصفة.

وشرط عطف البيان مغايرته المعطوف عليه فى اللفظ كى يحصل بانضمامه مع الأول زيادة وضوح (٣).

__________________

(١) يرجع فى هذه الدراسة إلى : الكتاب ٢ ـ ١٨٤ ، ١٩٠ / المقتضب ٤ ـ ٢٠٩ ، ٢٢٠ ، ٢٢٧ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ١٨٣ / شرح المقدمة المحسبة لابن بابشاذ ٢ ـ ٤٢١ / المقتصد فى شرح الإيضاح ٢ ـ ٩٢٧ / شرح عيون الإعراب ٢٣٣ / الهادى فى الإعراب ١٢٤ / المفصل ١٢٢ / شرح ابن يعيش ٣ ـ ٧١ / الإيضاح فى شرح المفصل ١ ـ ٤٥٣ / الرضى على الكافية ١ ـ ٣٤٣ / المقرب ١ ـ ٢٤٨ / البسيط فى شرح جمل الزجاجى ١ ـ ٢٩٥ / التسهيل ١٧١ / شرح ابن الناظم ٥١٤ / شرح ألفيه ابن معطى ١ ـ ٧٦٨ / شرح ابن عقيل ٣ ـ ٢٢٠ / المساعد شرح التسهيل ٢ ـ ٤٢٣ / شفاء العليل للسلسيلى ٢ ـ ٧٦٣ / الجامع الصغير ١٩٢ / الصبان على الأشمونى على ألفية ابن مالك ٣ ـ ٨٥ / الفوائد الضيائية ٢ ـ ٦٤ ، ٦٨ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٦٠٥ / شرح اللمحة البدرية ٣٠١ / شرح التحفة الوردية ٢٩٠ / كشف الوافية فى شرح الكافية ٢٧٥ / شرح التصريح ٢ ـ ١٣٠ / همع الهوامع ٢ ـ ١٢١.

(٢) ينظر : شرح التصريح ٢ ـ ١٣١.

(٣) ينظر : شرح ابن الناظم ٥١٦.

١٦٩

والفارق بين الصفة وعطف البيان أن الصفة لا تكون إلا بالمشتقّ أو ما فى معناه ، ويكون مؤولا بالمشتق. أما عطف البيان فإنه يكون بالأسماء الجامدة من الأعلام والكنى والألقاب ونحوها.

فلم يقل إنه نعت لأنه اسم غير مشتقّ من فعل أو غيره ، ولا هو حلية ولا ضرب من ضروب الصفات ، ولذلك عدلوا عن تسميته نعتا ، وجعلوه عطف بيان ؛ لأنه للبيان جئ به (١).

من عطف البيان قول أعرابى :

أقسم بالله أبو حفص عمر

ما مسّها من نقب ولا دبر

اغفر له اللهمّ إن كان فجر (٢)

__________________

(١) ينظر : شرح عيون الإعراب ٢٣٤.

(٢) قصة هذا الشعر : أنه أتى أعرابى إلى عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ فقال : إن أهلى بعيد ، وإنى على ناقة دبراء (مجروح ظهرها من الرحل) ، عجفاء (هزيلة) ، نقباء (رق خفه ، وفعله نقب ينقب بكسر القاف فى الماضى وفتحها فى المضارع) ، واستحمله (طلب منه حمولة ـ بفتح الحاء ـ أى ركوبة) فظنه كاذبا ، فلم يحمله فانطلق الأعرابى ، فحمل بعيره ، ثم استقبل البطحاء ، وجعل ينشد ذلك ، وعمر مقبل من أعلى الوادى ، فإذا قال : اغفر له اللهم إن كان فجر ، قال : اللهم صدق ، حتى التقيا ، فأخذ بيده ، فقال : ضع عن راحلتك ، فوضع ، فإذا هى نقبة عجفاء ، فحمله على بعيره ، وزوّده ، فكساه. (الرضى ١ ـ ٣٤٣ / الفوائد الضيائية ٢ ـ ٦٨ / الخزانة ٢ ـ ٣٥١).

(أقسم) فعل ماض مبنى على الفتح. (بالله) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالقسم. (أبو) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الواو لأنه من الأسماء الستة ، (حفص) مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة. (عمر) بدل أو عطف بيان من أبى حفص مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (ما) حرف نفى مبنى لا محل له من الإعراب. (مسّها) فعل ماض مبنى على الفتح. وضمير الغائبة مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (من نقب) من : حرف جر زائد مبنيلا محل له ، نقب : فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. (ولا) الواو : حرف عطف مبنى لا محل له من الإعراب. لا : حرف مبنى زائد لتأكيد النفى. (دبر) معطوف على نقب مرفوع على المحل ، أو مخفوض على اللفظ. (اغفر) فعل أمر مبنى على السكون ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : أنت ، (له) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالغفران. (اللهم) منادى مبنى على الضم ، والميم عوض من حرف النداء. (إن) حرف شرط جازم مبنى على السكون. (كان) فعل الشرط ماض مبنى على الفتح ناقص ناسخ. واسمه ضمير مستتر تقديره : هو. (فجر) فعل ماض مبنى على الفتح ، وفاعله مستتر تقديره : هو ، والجملة الفعلية فى محل نصب ، خبر كان. وجملة جواب الشرط محذوفة دل عليها ما سبق. والتقدير : اغفر له اللهم إن كان فجر.

١٧٠

حيث (أبو حفص) كنية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، وعمر عطف بيان له.

ـ عطف البيان لا يتبع إلا معرفة ، والنعت يتبع المعرفة والنكرة.

لا يلزم فى عطف البيان أن يكون أوضح من متبوعه ، بل ينبغى أن يحصل من اجتماعهما إيضاح لا يحصل فى أحدهما بانفراده (١) ، ولذلك فإنه يصحّ أن يكون الأول أوضح من الثانى ، كما ذكر فى الشعر السابق ، وكما يذكر فى قولهم : يا هذا ذا الجمّة (٢). فذا الجمّة عطف بيان لاسم الإشارة (هذا). مع أن اسم الإشارة أوضح من المضاف إلى المعرف بالأداة ، ولا يصحّ أن يكون نعتا لاسم الإشارة ؛ لأن نعته لا يكون إلا معرفا بالأداة ، كما ذكر فى النعت.

ـ من النحاة من يرى أن عطف البيان لا يكون إلا بالأعلام ، اسما ، أو كنية ، أو لقبا ، ومنهم من يخصّه بالمعارف على أنواعها ، ومنهم من يجيزها فى النكرات.

ـ النعت يجوز فيه القطع عن المنعوت ، أما عطف البيان فلا قطع فيه.

ـ وإنك إن عكست فى رتبة النعت ومنعوته لتحول التركيب الوصفىّ إلى معطوف وعطف بيان (٣) ، فإنك إن قلت : حضر محمد المدرس ، وأحمد المسلم ، وخالد صديقك ، وعبد الله الخياط ، كانت الصفات : المدرس والمسلم وصديقك والخياط نعوتا لما قبلها ، فإذا قدمت النعوت فقلت : حضر المدرس محمد ، والمسلم أحمد ، وصديقك خالد ، والخياط عبد الله ، لأصبحت المنعوتات عطف بيان ، وهى : محمد ، وأحمد ، وخالد ، وعبد الله. وقد تكون أبدالا.

قضية المطابقة :

يوافق عطف البيان متبوعه فيما يوافق فيه النعت منعوته ، وتلك الجوانب هى : الجنس أو النوع (التذكير والتأنيث) ، والتعيين (التعريف والتنكير) ، والعدد (الإفراد والتثنية والجمع) ، والإعراب (الرفع والنصب والجر).

__________________

(١) الفوائد الضيائية ٢ ـ ٦٨.

(٢) الجمة (بفتح الجيم) : الشعر الواصل إلى المنكبين.

(٣) ينظر : شرح عيون الإعراب ٢٣٣.

١٧١

من ذلك أن تقول : أكرمت الطالبة فاطمة ، حيث (فاطمة) عطف بيان للطالبة منصوب ، وهما متطابقان فى الإفراد والتأنيث والنصب والتعريف. ويجوز أن تكون (فاطمة) بدلا مطابقا.

وتقول : جاد الرجلان : محمد وعلى ، (محمد وعلى) عطف بيان للرجلين مرفوع ، ويجوز أن يكونا بدلا ، والتابع والمتبوع يتطابقان فى التثنية ، والتعريف ، والتنكير ، والرفع.

ومنه أن تقول : هذا الغضنفر ، أى الأسد ، فيكون (الأسد) عطف بيان للغضنفر ؛ لأنه توضيح له ، وأكثر شهرة منه.

ويجعلون منه قوله تعالى : (وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) [إبراهيم : ١٦].

حيث النكرة (صديد) عطف بيان للنكرة (ماء) مجرور ، وعلامة جرّه الكسرة ، ويجوز أن يكون بدلا.

وقوله تعالى : (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ) [المائدة : ٩٥] ، حيث النكرة (طعام) عطف بيان للنكرة (كفارة) ، مرفوع وعلامة رفعه الضمة ، ويجوز أن يكون بدلا.

ومثلهما قوله تعالى : (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) [النور : ٣٥] ، حيث النكرة (زيتونة) عطف بيان للنكرة (شجرة) ، مجرور وعلامة جره الكسرة ، ويجوز أن تكون بدلا منها.

وقد ذكرت هذه الأمثلة مجتمعة لأشير إلى أن عطف البيان فى النكرات لا يجيزه البصريّون ، وإنما يجعلونه فى المعارف لا غير ، ولذلك فإن كلا من : (صديد ، والطعام ، وزيتونة) بدل من المتبوع لا عطف بيان على رأيهم ؛ لأنها فى النكرات.

ولكن الكوفيين وأبا على الفارسى يقولون بعطف البيان فى النكرات. ويميل إلى ذلك كثير من النحاة منهم ابن جنى والزمخشرى واختاره ابن عصفور وابن مالك ، ويرون أن النكرة تقبل التخصيص بالجامد ، كما تقبل المعرفة التخصيص

١٧٢

والتوضيح به (١) ، كما يذكرون أن النكرات أخصّ من بعض ، والأخصّ يبيّن الأعمّ (٢).

لذلك فإن كلّ تركيب أورده الكوفيون ممّا يوهم جواز كونه عطف بيان جعله البصريون بدلا.

ولا يشترط رتبة المعرفة فى عطف البيان ـ على الوجه الأرجح ـ حيث يشترط جماعة كونه أعرف من متبوعه (٣) وعارضهم فى ذلك جماعة آخرون (٤) ، ومنه ما ذكره سيبويه : يا هذا ذا الجمّة ، من أن ذا الجمة عطف بيان أو بدل ، واسم الإشارة أعرف منه (٥).

وجوانب المطابقة بين التابع ومتبوعه فى عطف البيان متفق عليها بين النحاة ، ولذلك فإنهم يردّون الزمخشرى فى جعله (مقام) عطف بيان على (آيات) (٦) فى قوله تعالى : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) [آل عمران : ٩٧] ، حيث (مقام) مفرد (وآيات) جمع ، كما أنهما اختلفا فى التذكير والتأنيث ، والتعريف والتنكير ، ويكون (مقام) بدلا من آيات باعتبار تأوّلات معنوية ، أو يكون (مقام) مبتدأ خبره محذوف ، والتقدير : منها مقام إبراهيم ، وقد يكون خبرا حذف مبتدؤه ، والتقدير : هو مقام (٧).

بين عطف البيان والبدل

يذكر النحاة جوانب خلافية بين عطف البيان والبدل (٨) ، بعضها جوانب خلافية عامة ، أى : بين عطف البيان والبدل مشتملا جميع أنواعه ، وبعضها جوانب

__________________

(١) شرح الشافية الكافية ٣ ـ ١١٩٤ / الأشمونى على الألفية ٣ ـ ٨٦.

(٢) الصبان على الأشمونى على الألفية ٣ ـ ٨٦.

(٣) ينظر : شرح جمل الزجاجى لابن عصفور ١ ـ ٢٩٤ / الكواكب الدرية ٢ ـ ١٠٣.

(٤) شرح التصريح ٢ ـ ١٣٢.

(٥) الكتاب ٢ ـ ١٨٩ ، ١٩٠.

(٦) ينظر : الكشاف ١ ـ ١٥٥.

(٧) ينظر : إملاء ما منّ به الرحمن ١ ـ ١٤٤.

(٨) ينظر : شرح ابن يعيش ٣ ـ ٧٢ / شرح ابن الناظم ٥١٥ / شرح ألفية ابن معطى ١ ـ ٧٦٨ / الأشمونى على الألفية ٣ ـ ٨٨ / مغنى اللبيب ٢ ـ ٧٩.

١٧٣

خلافية خاصة ، أى : بين عطف البيان نوع واحد من البدل ، وهو البدل المطابق ، حيث يكون كلّ بدل كلّ من كلّ عطف بيان إلا فى تركيب واحد نذكره ، كما يكون عطف البيان بدل كلّ من كلّ إلا فى بعض المواضع كما أنه يتعيّن الإبدال دون عطف البيان فى موضع ، هذه المواضع هى الجوانب

الخلافية الخاصة.

أولا : الجوانب الخلافية العامة بين عطف البيان والبدل :

يمكن أن أقسمها إلى جوانب خلافية معنوية ، وأخرى بنيوية ، وثالثة لفظية.

أ ـ جوانب الخلاف المعنوية :

يخالف عطف البيان البدل فى التوجيه والمقصود المعنويّين لكلّ منهما ، وذلك فيما يأتى :

١ ـ البدل هو المقصود من حيث المعنى ، أما فى عطف البيان فإن المتبوع هو المقصود ، أى : أن المتحدث إذا قصد الأول ؛ وقصد إسناد الحكم إلى الأول ؛ ثم أراد أن يوضحه ويبيّنه فذكر الثانى تتمة له ؛ فهذا عطف البيان ، أما إذا قصد الثانى ، وقصد إسناد الحكم إلى الثانى ، ولكنه ذكر الأول توطئة له وتهيئة فهذا هو البدل.

٢ ـ لا يشترط فى البدل أن يوضح الأول لأنه بدل منه فقط ، وكلّ من البدل والمبدل منه مستقلّ بجملته ، فهما من جملتين ، أما عطف البيان فإنه يشترط فيه إيضاح الأول ، وإيضاح جانب فيه لم يذكر فى المعطوف عليه المذكور أولا ، فباجتماع المعطوف والمعطوف عليه فى عطف البيان تحصل فائدة معنوية لا تحصل بانفراد كلّ منهما. فالمقصود من ذكر البدل الاستقلال فى المعنى عن المتبوع ، أما المقصود من ذكر عطف البيان أن يوضح الأول ، ويبيّن ما لم يتضح إلا بذكره.

ب ـ جوانب الخلاف البنيوية :

يخالف عطف البيان البدل فى بنية عطف لفظ كلّ منهما ، وذلك فيما يأتى :

١ ـ قد يكون البدل نكرة ـ اتفاقا ـ لكن الاتفاق على كون عطف البيان معرفة ، والخلاف قائم فى كونه نكرة ، حيث يمنعه البصريون ، ويجيزه الكوفيّون والفارسى وابن جنى والزمخشرى وابن عصفور.

١٧٤

٢ ـ قد يكون البدل فى المشتقّ والجامد ، أما عطف البيان فإنه لا يكون إلا فى الجامد ـ عند أكثر النحاة.

٣ ـ لا يكون عطف البيان مضمرا ولا تابعا للمضمر ؛ لأنه فى الجوامد نظير النعت فى المشتقات ، والضمير لا ينعت ولا ينعت به ، أما البدل فإنه يكون تابعا للمضمر باتفاق ، حيث يبدل المظهر من المضمر ، والمضمر من المضمر ، والمضمر من المظهر على خلاف كما اتضح فى البدل.

من ذلك قوله تعالى : (وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ) [مريم : ٨٠] ، حيث يجعلون (ما) بدلا من ضمير الغائب بدل اشتمال ، ويرى بعضهم تقدير محذوف مضاف ، والتقدير : نرثه معنى ما يقول (١).

ومنه قوله تعالى : (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) [الكهف : ٦٢] حيث المصدر المؤول (أن أذكره) بدل من ضمير الغائب فى (أنسانيه) ، والتقدير : ما أنسانى ذكره ، وهو بدل اشتمال.

٤ ـ لا يكون عطف البيان إلا فى الأسماء دون الضمائر ـ كما ذكرنا ـ فلا يكون فى الجمل ولا فى الأفعال ، لا تابعا ولا متبوعا ، لكن ذلك جائز فى البدل ، كما هو مدروس فى البدل ، وكما هو فى قوله تعالى : (ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ) [فصلت : ٤٣] حيث يجعل بعضهم (إن ربك لذو مغفرة) بدلا من (ما) ، وهى مع ما بعدها فى تأويل مصدر نائب فاعل (٢).

__________________

(١) فى (ما) وجه إعرابىّ آخر ، وهو أن تكون مفعولا به ، وضمير الغائب منصوب على نزع الخافض ، والتقدير : ونرث منه. ينظر : الدر المصون ٤ ـ ٥٢٥.

(٢) (إن ربك لذو مغفرة) مفسر للمقول ، والتقدير : قيل للرسل : إن ربك .. وقيل : هى جملة استئنافية.

(ما) حرف نفى مبنى لا محل له. (يقال) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (لك) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالقول. (إلا) حرف استثناء مبنى لا محل له من الإعراب ، والاستثناء هنا مفرغ ، فيكون إعراب ما بعد (إلا) حسب موقعه فى الجملة. (ما) اسم موصول مبنى فى محل رفع ، نائب فاعل. (قد) حرف تحقيق مبنى على السكون لا محل له من الإعراب. (قيل) فعل ماض مبنى للمجهول مبنى على الفتح ، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره : هو ، والجملة صلة

١٧٥

وكما ذكرنا فى بدل الجملة من الجملة فى قوله تعالى : (أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (١٣٢) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ) [الشعراء : ١٣٢ ، ١٣٣].

ج ـ جانب خلافىّ لفظى :

من جوانب الخلاف بين عطف البيان والبدل أن عطف البيان لا يكون بلفظ المتبوع ، لكن ذلك جائز فى البدل عند قوم ، بشرط أن يفيد الثانى زيادة بيان ، وجعلوا منه قراءة يعقوب قوله تعالى : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الجاثية : ٢٨](١). بنصب (كل) الثانية فى قراءة يعقوب ، وتوجّه على أنها بدل نكرة موصوفة من مثلها.

__________________

الموصول لا محل لها من الإعراب. (للرسل) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالقول. (من قبلك) جار ومجرور ومضاف إليه ، وشبه الجملة متعلقة بالقول. (إن) حرف توكيد ونصب مبنى. (ربك) اسم إن منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وضمير المخاطب مبنى فى محل جر بالإضافة إليه. (لذو) اللام لام الابتداء أو التوكيد أو اللام المزحلقة. ذو : خبر إن مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ؛ لأنه من الأسماء الستة ، والجملة الاسمية المنسوخة (إن ومعموليها) فى محل رفع بدل من (ما) أو مفسرة للمقول ، أو استئنافية. (مغفرة) مضاف إلى ذى مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (وذو) الواو حرف عطف مبنى لا محل له. ذو :معطوف على ذى مرفوع ، وعلامة رفعه الواو. (عقاب) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (أليم) صفة لعقاب مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

(١) (ترى) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : أنت.

(كل) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (أمة) مضاف إلى كل مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

(جاثية) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة. (كل) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، (أمة) مضاف إليه كل مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (تدعى) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره ، هى ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدأ (إلى كتابها) جار ومجرور ومضاف إليه ، وشبه الجملة متعلقة بتدعى. (اليوم) ظرف زمان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة وهو متعلق بتجزى. (تجزون) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون ، وهو مبنى للمجهول ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، نائب فاعل. (ما) اسم موصول مبنى فى محل نصب ، مفعول به ثان. (كنتم) فعل ماض ناقص ناسخ مبنى على السكون ، وضمير المخاطبين مبنى فى محل رفع ، اسم كان. (تعملون) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، والجملة الفعلية فى محل نصب ، خبر كان. والجملة الفعلية المحولة (كان ومعمولاها) صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. وجملة (اليوم تجزون ما كنتم تعملون) مقول لقول مقدر.

١٧٦

ملحوظة : يذكر بعض النحاة جوانب أخرى خلافية بين البدل وعطف البيان ، منها (١) : أن بعض أقسام البدل ـ وهو بدل البداء ـ يتعدد ، كما لحظنا فى البدل ، هذا إلى جانب تنويع البدل ، أما عطف البيان فإنه لا يتعدد.

قد يحذف المبدل منه ؛ لكنه لم يذكر حذف المعطوف عليه فى عطف البيان ، وجعلوا منه قوله تعالى : (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ) [النحل : ١١٦] ، حيث قدروا أن الكذب بدل من الضمير المحذوف فى (تصف) ، والتقدير : تصفه.

ثانيا : جوانب الخلاف الخاصة بين عطف البيان والبدل :

هذه الخلافات تخص العلاقة بين عطف البيان والبدل المطابق ، إذ أن كلّ بدل مطابق يصحّ أن يكون عطف بيان بالنظر إلى المقصود بإسناد الحكم إليه ، فإن كان الأول فهو عطف بيان ، وإن كان الثانى فهو بدل مطابق ، لكنه لا يكون كلّ عطف بيان بدلا مطابقا ، لأن هناك مواضع يفرضها التركيب ـ صناعة لفظية ، وأخرى معنوية ـ يجب أن يحتسب فيها التابع عطف بيان دون البدلية ، كما أن هناك موضعا ـ يفرضه التركيب ـ يتعيّن فيه البدلية بدلا مطابقا دون عطف البيان ، وهذه مواضع خلافية خاصة بعطف البيان والبدل المطابق.

١ ـ المواضع التى يتعيّن فيها عطف البيان :

المواضع التى لا يصحّ أن يكون فيها عطف البيان بدلا (٢) يضبطها فكرة أن البدل فى نية تكرير العامل ، أى أنّ البدل والمبدل منه جملتان ، فإذا وجد ما يخرج عن الصنعة اللفظية أو القواعد الضابطة بالجمل ذات التراكيب الخاصة انتفى وجود جملتين ، وهذه الفكرة النحوية تتشعب إلى فكرتين ضابطتين لقواعد الجملة ، وهما : عدم الاستغناء عن الثانى وضرورته للجملة الأولى ، وعدم إحلال الثانى محلّ الأول ، فينتفى لذلك تقدير جملتين ، فيكون الثانى عطف بيان بالضرورة لا

__________________

(١) الصبان على الأشمونى على الألفية ٣ ـ ٨٨ / حاشية الشيخ يس العليمى على شرح التصريح ٢ ـ ١٣٣.

(٢) ينظر : ارتشاف الضرب ٢ ـ ٦٠٦ / الصبان على الأشمونى على الألفية ٣ ـ ٨٦ / شرح التصريح ٢ ـ ١٣٣.

١٧٧

بدلا ؛ لأن عطف البيان ليس على نية تكرير العامل ، فيكون مع متبوعه جملة واحدة. ذلك على التفسير الآتى :

أولا : عدم استغناء الجملة الأولى عن التابع :

إذا احتاجت الجملة التى تضم المتبوع إلى التابع ولم تستغن عنه ؛ كان التابع عطف بيان ؛ لأن البدل فى نية تكرير العامل ، أى : أن البدل والمبدل منه فى حكم جملتين ، وينتفى بعدم الاستغناء تقدير جملتين ، فتنتفى البدلية لذلك ، وتتضح هذه الفكرة فى الجمل المتعلقة : كجملة الخبر أو النعت أو الصلة أو الحال ... وهى التى تحتاج إلى ضمير رابط عائد يربطها بصاحبها ، وإلا صارت أجنبية عنه.

فإذا قلت : هند قام زيد أخوها. حيث (هند) مبتدأ ، خبره الجملة الفعلية (قام زيد) تحتاج جملة الخبر إلى رابط ضمير عائد إلى المبتدإ ، هذا الرابط موجود فى الكلمة (أخوها) ، وهو ضمير الغائبة (ها) ، لذا وجب احتساب هذه الكلمة فى جملة الخبر ، فتكون عطف بيان لزيد مرفوعا ، وعلامة رفعه الواو لأنه من الأسماء الستة ، ولو أننا احتسبناه بدلا لأصبح كأنه جملة غير جملة الخبر ، فتخلو جملة الخبر من الضمير العائد ، وهذا ممتنع ، لذا وجب احتسابه عطف بيان بالضرورة ؛ ليكون من جملة الخبر ؛ لأنه يحمل الضمير العائد الذى يربطها بالمبتدإ.

ومثل ذلك فى جملة الصلة أن تقول : هذا محمد الذى قابلنا عليا أباه ، حيث جملة الصلة (قابلنا عليا) لا تتضمن ضميرا يعود على الاسم الموصول ويطابقه ، وهذا الضمير العائد يوجد فى التابع (أباه) ؛ لذا وجب احتسابه ضمن جملة الصلة ، فيكون عطف بيان بالضرورة ، لأن عطف البيان ضمن جملة متبوعه ، ولا يكون بدلا ؛ لأن البدل فى نية جملة أخرى غير جملة المتبوع.

وإذا قلت : أعجبنا بصديق مقدم البرنامج محمود أخوه. فالجملة الاسمية (مقدم البرنامج محمود) فى محل جر نعت لصديق ، لكنها تفتقر إلى الضمير العائد على منعوتها حتى لا تكون أجنبية عنه ، وهو موجود فى التابع (أخوه) ، لذا وجب أن يكون التابع ضمنها ، فيكون عطف بيان بالضرورة.

١٧٨

وتقول : عاتبنا الوالد يهمل أحمد ابنه. فتكون الجملة الفعلية (يهمل أحمد) فى محلّ نصب حال من الوالد ، لكنها تفتقر إلى ما يربطها به ، وهو الضمير الراجع إليه ، ويوجد فى التابع (ابنه) ، لذا لزم أن يكون التابع ضمن جملة الحال ، فيكون عطف بيان ، وامتنع احتسابه بدلا ، حتى لا يكون من جملة أخرى.

ومنه : زيد جاء الرجل أخوه. احترمنا المرأة تلتزم غادة ابنتها.

ثانيا : عدم جواز إحلال التابع محلّ المتبوع :

جواز إحلال التابع محلّ المتبوع يعنى أنهما من جملتين ، فيكون ذلك دليلا على نية تكرير العامل ، وتجوز البدلية عندئذ ، فإذا لم يصحّ هذا الإحلال يعنى هذا أنه لا يصحّ الفصل بينهما فى جملتين ، ووجب كونهما جملة واحدة ، وبذلك يجب أن يحتسب التابع عطف بيان دون البدلية ، حيث لا يصحّ احتساب جملتين ، يكون ذلك فى المواضع الآتية :

أ ـ التابع الخالى من الألف واللام لما فيه الألف واللام

، وهو مضاف إلى صفة مشتقة معرفة بالأداة ، نحو : هذا الضارب الرجل زيد ، (زيد) تابع للرجل المعرف بالأداة ، وهو مضاف إلى اسم الفاعل المعرف بالأداة (الضارب) ، فوجب احتساب (زيد) عطف بيان ، ولا يصحّ أن يكون بدلا ؛ لأن البدل فى نية تكرير العامل ، أى : يباشره العامل ، فلو جعلته بدلا لكان التقدير : هذا الضارب زيد ، وهو ممتنع إضافته ، حيث لا تضاف الصفة المشتقة المعرفة بالأداة إلى معمولها. إلا إذا كان معرفا بالأداة ، وعلى ذلك فإنه لا يصح إحلال التابع محل المتبوع.

من ذلك قول المرار الأسدى :

أنا ابن التارك البكرىّ بشر

عليه الطير ترقبه وقوعا (١)

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ١٨٢ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ١٨٤ / شرح ابن يعيش ٣ ـ ٧٢ / المقرب ١ ـ ٢٤٨ / شرح جمل الزجاجى لابن عصفور ١ ـ ٢٩٦ / شرح التصريح ٢ ـ ١٣٣ / الصبان على الأشمونى على الألفية ٣ ـ ٨٧.

(أنا) ضمير مبنى فى محل رفع مبتدإ. (ابن) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (التارك) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (البكرى) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة وهو مفعول به

١٧٩

حيث يتعين كون (بشر) عطف بيان للبكرىّ ، ولا يجوز أن يكون بدلا ، لأن البدل فى نية إحلاله محلّ الأول ، ولا يصحّ القول : أنا ابن التارك بشر ، لأن ما يضاف إلى التارك فى مثل هذا التركيب يجب أن يكون معرفا بالأداة ، فلا يصح إحلال التابع محلّ المتبوع.

ب ـ التابع المعرف بالأداة للمنادى :

لا تجتمع أداة النداء وأداة التعريف ، فلا يجوز أن يكون المنادى معرفا بالأداة ، فإذا قلت : يا زيد الحارث ، كان (زيد) منادى مبنبا على الضمّ ، و (الحارث) تابع له على أنه عطف بيان ، ولا يجوز جعله بدلا ، لأن البدل فى نية تكرير العامل ، فلو نادينا (الحارث) بالأداة لما صحّ ؛ لأن أداة النداء وأداة التعريف لا يجتمعان.

ج ـ إذا كان تابع المنادى علما منصوبا :

إذا افتقد تابع المنادى أحكام النداء ـ كأن يكون علما منصوبا وهو على سبيل تفصيل للمنادى ، حينئذ لا يجوز تكرير أداة النداء ـ يكون التابع عطف بيان بالضرورة. كأن تقول : يا أصدقاءنا عبد الله ومحمود وعليا ، حيث كان (على) منصوبا ، وهو علم مفرد ، فلا يجوز تكرير العامل حينئذ ، لأنه على نية تكرير العامل ، يجب أن يبنى على الضمّ إذا عددته منادى.

ومنه قول طالب بن أبى طالب :

أيا أخوينا عبد شمس ونوفلا

أعيذ كما بالله أن تحدثا حربا (١)

__________________

للتارك. (جاز اجتماع أداة التعريف والإضافة هنا). (بشر) عطف بيان للبكرى مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (عليه) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر مقدم ، (الطير) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة الاسمية فى محل نصب ، مفعول به ثان للتارك ، إن قدرناه بمعنى الصير ، وإلا فهى فى محل نصب ، حال من البكرى. (ترقبه) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : هى ، وضمير الغائب مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، والجملة الفعلية فى محل نصب ، حال. (وقوعا) مصدر واقع موقع الحال من الضمير الفاعل ، والتقدير : واقعة عليه ، أو مفعول لأجله منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. يجوز أن نجعل شبه الجملة (عليه) متعلقة بالوقوع. وتكون الجملة الاسمية (الطير ترقبه) فى محل نصب ، حال من البكرى. والتقدير : الطير ترقبه وقوعا عليه.

(١) شرح ابن الناظم ٥١٧ / الأشمونى ٣ ـ ٨٧ / الجامع الصغير ١٩٢ / شرح التصريح ٢ ـ ١٣٢ / الهمع ٢ ـ ١٢١.

١٨٠