النحو العربى

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربى

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٩٤

سابعا : ما يجرى مجرى التوكيد :

قد تجرى العرب مجرى التوكيد ألفاظا سمعت فى أقوالهم ، وهى على قسمين :

١ ـ ما ينتمى إلى المؤكّد جزئيا أو كليا أو نسبيا :

نحو : اليد ، والرجل ، والضرع ، والبطن ، والظهر ، والسهل ، والجبل ، والصغير ، والكبير ، والقوى ، والضعيف.

فتقول : ضرب زيد الظهر والبطن ، وضرب عمرو اليد والرجل ، وضرب القوم صغيرهم وكبيرهم ، وقويّهم وضعيفهم ، ومطرنا السهل والجبل ، فتكون الألفاظ : الظهر والبطن ، اليد والرجل ، صغيرهم وكبيرهم ، قويهم وضعيفهم ، السهل والجبل ، توكيدا ومعطوفا على التوكيد ، والمؤكدات هى : زيد ، وعمرو ، والقوم ، وضمير المتكلمين.

وتلحظ أن كلّ لفظ من الألفاظ التى أكد بها لا بد له من معطوف عليه ليعطيا معا معنى الإحاطة والشمول. كما أن ما أكد به من معطوف ومعطوف عليه ينتمى إلى المؤكّد ؛ إما عن طريق البعضية ، أو الكلية ، أو النسبة.

من النحاة من يرى أن هذه أبدال ، إما بدل بعض من كل ، وإما بدل كل من كل ، ومنهم من يجيز فيها الأمرين : البدل والتوكيد.

٢ ـ أسماء العدد من الثلاثة إلى العشرة :

تجرى العرب مجرى التوكيد أسماء العدد من الثلاثة إلى العشرة ، فتقول : مررت بالقوم ثلاثتهم أو أربعتهم ، أو خمستهم إلى عشرتهم ، وفيما زاد على العشرة خلاف.

ومن النحاة من يرى أن هذه أبدال مما سبقها مراد بها التوكيد ، والحجازيون ينصبون هذه الألفاظ فى مثل هذه التراكيب ، فيقولون : مررت بالقوم خمستهم ، بنصب خمسة على الحال عند سيبويه ، وعلى الظرفية عند غيره. ولكننى أرى أن النصب على الحالية أرجح.

١٢١

ثامنا : التوكيد والنكرة :

ألفاظ التوكيد معارف بما تضاف إليه من الضمائر ، أو بعلمية بعضها على الإحاطة ، لذا ؛ فإن النحاة ينقسمون إزاء توكيد النكرة بألفاظ التوكيد إلى قسمين :

أولهما : يرى البصريون أنه لا يجوز توكيد النكرة بألفاظ التوكيد ؛ ذلك لأنها معارف ، فلا تجرى على النكرات.

ثانيهما : ما أجازه الكوفيون من توكيد النكرة إذا كانت محدودة بلفظ التوكيد (كل) وما فى معناه ، كقولك : أكلت رغيفا كلّه ، وسرت يوما كلّه. قضيت عاما

كلّه فى الخارج.

ويستشهدون لذلك بقول عبد الله بن مسلم بن جندب الهذلى :

لكنه شاقه أن قيل ذا رجب

يا ليت عدة حول كلّه رجب (١)

حيث أكد النكرة (حولا) بـ (كل) ، لكن النحاة يوجهون ذلك على وجهين مختلفين :

أولهما : أن هذا شذوذ ، لا يقاس عليه ، وهو ما رآه البصريون.

__________________

(١) شرح ابن الناظم ٥٠٧ / الصبان على الأشمونى على ألفية ابن مالك ٣ ـ ٧٧ / شرح ألفية ابن معطى ـ ٧٦٤ / شرح التصريح ٢ ـ ١٢٥ /.

(لكنه) حرف استدراك مبنى لا محل له من الإعراب. وضمير الغائب مبنى فى محل نصب اسم لكن. (شاقه) فعل ماض مبنى على الفتح ، وضمير الغائب مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (أن) حرف توكيد ونصب مخفف من الثقيلة. واسمه ضمير الشأن محذوف. (قيل) فعل ماض مبنى على الفتح مبنى للمجهول. (ذا) اسم إشارة مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (رجب) خبر المبتدإ اسم الإشارة مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة الاسمية فى محل رفع ، نائب فاعل ، أو بدل من محذوف نائب الفاعل لقيل ، وجملة : قيل فى محل رفع خبر أن ، والمصدر المؤول (أن قيل) في محل رفع ، فاعل لشاق. (يا) حرف نداء مبني ، والمنادى محذوف ، والتقدير : يا قوم. (ليت) حرف تمنى ناسخ مبنى لا محل له. (عدة) اسم ليت منصوب وعلامة نصبه الفتحة. (حول) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (كله) توكيد لحول مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة. (رجب) خبر ليت مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

١٢٢

ثانيهما : أن هذا جائز ؛ لأن الحول محدودة ، فهى نكرة محدودة ، لها أول وآخر ، و (كل) من ألفاظ الإحاطة ، فالتوكيد بها لمثل هذه النكرة المحدودة فيه إفادة معنى ، وهو ما يذهب إليه الكوفيون.

تاسعا : التوكيد بأجمع دون (كل):

ورد فى استشهادات بعض النحاة ما يدل على التوكيد بأجمع وتوابعها بدون سبقها بكلّ ، أو بدون سبق التوابع بأجمع.

ومن ذلك قول الشاعر :

إنّا إذا خطّافنا تقعقعا

قد صرّت البكرة يوما أجمعا (١)

حيث أكد النكرة (يوما) بـ (أجمع) ، دون سبقه بكلّ وهو شرط ، ففيه خروجان : توكيد النكرة بلفظ من ألفاظ التوكيد ، والتوكيد بأجمع دون سبقة بكل.

ومنه قول الآخر :

يا ليتنى كنت صبيا مرضعا

ترضعنى الذلفاء حولا أكتعا

إذا بكيت قبّلتنى أربعا

ذا ظللت الدهر أبكى أجمعا (٢)

فأكد النكرة (حولا) بلفظ التوكيد (أكتع) وأكد بدون ذكر (أجمع). ولا (كل) ، وهو شرط فى التوكيد بهذه الألفاظ كما أنه أكّد فى البيت الثانى بأجمع دون سبقه بكلّ.

__________________

(١) شرح جمل الزجاجي لابن عصفور ١ ـ ٢٦٨ / المقرب ١ ـ ٢٤٠ / شرح ابن الناظم ٥٠٧ / المساعد ٢ ـ ٣٨٨ / شرح ابن عقيل ٣ ـ ٢١١ / الصبان على الأشمونى ٣ ـ ٧٨ / شرح ألفية ابن معطى ١ ـ ٧٦٥. صرت : صوتت ، البكرة : ما يستقى عليه.

(٢) الجمل ١٩١ / البسيط فى شرح الجمل ١ ـ ٣٨٠ / المقرب ١ ـ ٢٤٠ / شرح الرضى على الكافية ١ ـ ٣٣٥ شرح ابن الناظم ٥٠٥ / المساعد ٣ ـ ٢٩١ / الصبان على الأشمونى ٣ ـ ٧٦ / شرح اللمحة البدرية ٢ ـ ١٨٩. الذلفاء : اسم امرأة مأخوذ من الذلف ، وهو صغر الأنف واستواء الأرنبة ، أكتعا : تاما. المنادى محذوف تقديره : يا قوم. جملة (كنت صبيا) فى محل رفع خبر ليت ، (ترضعني الذلفاء) جملة في محل نصب ، نعت ثان لصبى. (حولا) ظرف زمان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (أربعا) نائب عن المفعول المطلق منصوب ، والتقدير : أربع قبلات ، (إذا) حرف جواب وجزاء لشرط محذوف ، والتقدير : إن لم يكن ما أريد إذن أبكى الدهر ، (الدهر) ظرف زمان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (أبكى) جملة فى محل نصب ، خبر ظل.

١٢٣
١٢٤

البدل (١)

البدل ـ لغويا ـ يعنى العوض ، وهو عند الكوفيين الترجمة والتبيين والتكرير ، وعند البصريين البدل (٢).

فهو وضع شىء لغرض ما ، وهو ذكر ملفوظ بعد ملفوظ سابق لغرض دلالىّ ، وهو إرادة التبيين والتوضيح للأول بغرض التحديد والتقييد المعنوى ، وكلّ من البدل والمبدل منه مراد به معنى الجملة من عامل ومعمولات وتوابع.

فإذا قلت : زارنى أخوك ، وأردت تحديدا أكثر للزائر وتقييدا لمعناه فإنك تذكر ما يوضحه من ملفوظ أكثر تحديدا لجهة معنوية ما فى الأول ، كأن تذكر اسمه ، فتقول : محمود. وتلحظ أن كلا من الملفوظين يمكن وضعه محلّ الآخر ، ويمكن أن تذكر العامل نفسه لكلّ منهما ، فتقول : زارنى محمد ، كما قلت : زارنى أخوك.

ولذلك فإنهم يقولون : إن البدل فى نيّة تكرير العامل. ويعترض على ذلك بأنك لو قلت : قام الذى رأيته زيدا ، و (زيد) بدل من ضمير الغائب المفعول به

__________________

(١) يرجع فى هذه الدراسة إلى : الكتاب ١ ـ ١٥٠ / ٢ ـ ٩ ، ٣١١ ، ٣٨٦ / ٣ ـ ٨٦ / المقتضب ١ ـ ٢٦ / ٢ ـ ٦٢ ، ٣٥٨ / ٣ ـ ٢١١ ، ٢٧٥ / ٤ ـ ٢١١ ، ٢٩٠ ، ٣٥١ ، ٤٠٦ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ١٥٦ / شرح المقدمة المحسبة لابن بابشاذ ٢ ـ ٤٢٣ / المقتصد فى شرح الإيضاح ٢ ـ ٩٢٩ / شرح عيون الإعراب ٢٣٩ / المفصل ١٢١ / شرح المفصل لابن يعيش ٣ ـ ٦٣ / الهادى فى الإعراب ١٢٣ / الإيضاح فى شرح المفصل ١ ـ ٤٤٩ / الرضى على الكافية ١ ـ ٣٣٧ / المقرب ١ ـ ٢٤٢ / البسيط فى شرح جمل الزجاجى ١ ـ ٣٨٧ / التسهيل ١٧٢ / شرح ابن الناظم ٥٥٣ / شرح ألفية ابن معطى ٢ ـ ٧٩٩ / شرح ابن عقيل ٣ ـ ٢٤٧ / المساعد على شرح التسهيل ٢ ـ ٤٢٧ / شفاء العليل ٢ ـ ٧٦٧ / الجامع الصغير ١٩٩ / شرح جمل الزجاجى لابن هشام ١٢١ / الصبان على الأشمونى على ألفية ابن مالك ٣ ـ ١٢٣ / الفوائد الضيائية ٢ ـ ٦٢ / شرح اللمحة البدرية ٢ ـ ٢٩٤ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٦١٩ / شرح التحفة الوردية ٢٨٥ / كشف الوافية فى شرح الكافية ٢٧٦ / شرح التصريح على التوضيح ٢ ـ ١٥٥ / همع الهوامع ٢ ـ ١٢٥.

(٢) الهمع ٢ ـ ١٢٥ / شرح التصريح ٢ ـ ١٥٥ / الخضرى على ابن عقيل ٢ ـ ٦١.

١٢٥

(الهاء) ، فإنه لا يصح تكرير العامل ؛ لأنه لا يصح القول : قام الذى رأيت زيدا ، حيث لا يصح أن تكون جملة الصلة بلا ضمير عائد (١).

حدّه النحوى :

هو التابع المقصود بالحكم المنسوب إلى متبوعه نفيا أو إثباتا بلا واسطة ، ودون المتبوع ، أى : على تقدير تكرير العامل. فالمقصود بالحكم مخرج للنعت وعطف البيان لأنهما للإيضاح والبيان ، ومخرج للتوكيد لأنه تقوية فهى ليست مقصودة بالحكم ، وإنما هى مكملات للمقصود بالحكم. فكلّ من الثلاثة مرتبط بمتبوعه فقط لا يتعدّاه ، أما البدل فهو مرتبط بكلّ أجزاء الجملة التى يذكر فيها.

فإذا قلت : أكرمت الطالب المتفوق ، فإن (المتفوق) وهو نعت يتعلق بمنعوته الطالب ، ولكن الإكرام خاصّ ومستند إلى الطالب الذى بين ووضّح وقيّد بالتفوّق.

وإذا قلت : أىّ الطالبين محمدا وعليا أعطيت الجائزة؟ فإنك لا تريد بمحمد وعلى تكريرا ، وإنما تريد بهما إيضاحا وبيانا للطالبين ، ولذلك فإنك لا تستطيع أن تضعهما موضع (الطالبين).

وإذا قلت : حضر المتفوق نفسه. فإنك تذكر لفظ التوكيد (نفسه) لتقوى وتؤكد لفظ (المتفوق).

والقول (بلا واسطة) مخرج للمعطوف عطف نسق ؛ لأنه لا يؤدّى إلا بواسطة حروف العطف ، وهو فى ذاته مقصود بالحكم.

ويفيد القول : (دون المتبوع) ذلك المعنى ، أى : معنى نسبة الحكم إلى البدل دون المتبوع ؛ لأن المتحدث يذكر البدل لأنه أحسّ أثناء حديثه أنه يمكن الاستغناء به عن المبدل منه فى إرادة الحكم ، أو نسبة المعنى المراد دون طرحه تماما ، فإذا قلت : أعجبتنى الجارية حسنها ، فالمقصود نسبة الإعجاب إلى الحسن دون الجارية ، أما لفظ (الجارية) فقد ذكر تمهيدا وتوطئة (٢).

__________________

(١) ينظر : شرح عيون الإعراب ٢٣٩.

(٢) ينظر : شرح القمولى على الكافية ٢ ـ ٤٨٨.

١٢٦

ويختلف النحاة فيما بينهم فى كون الأول وهو المبدل منه مطروحا من الكلام أم لا. وإذا كان البدل فى نية تكرير العامل فإن طرح المبدل منه يكون رأيا راجحا ؛ لأن المتحدث لمّا أراد بالثانى إرادة الأول فى الحكم والمدلول والأحكام كان الثانى إما أنه لا جدوى من ذكره ، وإما أن جدوى ذكره الإرادة الكاملة للنسبة والحكم من الجملة المذكورة ، فإذا كان الأول فإن البدل يكون حشوا فى الكلام ، وإذا كان الثانى فإنه يكون من طبيعة بنى الإنسان ، وهو التوضيح والبيان ، أو السهو والنسيان ، أو الميل والانحراف للتدقيق فى الكلام.

لذلك فإن البدل توكيد للحكم وتقرير له ، والتوكيد والتقرير ـ مرتبطين بالحكم ـ يستلزمان تقدير تكرير العامل ، سواء كان المبدل منه فى حكم الطرح ، أم كان غير ذلك.

العامل فى البدل :

اختلاف النحاة فى العامل فى البدل يرجع إلى نظرتهم إلى كون العامل مكررا أم غير مكرر ، كما أنه يرتبط بفكرة طرح المبدل منه أو عدم طرحه ، فهى علاقة ثلاثية.

ـ فمن رأى منهم أن العامل مكرر على نية طرح المبدل منه كان عليه أن يقدر جملتين ، أولاهما : المبدل منه بعامله ، والأخرى : البدل مع تقدير عامل من لفظ عامل المبدل منه ، وربما كان هذا مقبولا فى بدل الغلط وبدل النسيان وبدل الإضراب.

ـ ومن رأى أن العامل فى البدل مكرر ، لكنه ليس على نية طرح المبدل منه مع عامله ، فإنه يقدر جملتين ، وكلّ منهما لها تقديرها فى المعنى ، فكل جملة قائمة بنفسها.

ـ وعلى الاتجاهين السابقين ـ وهو ما يذهب إليه جمهور النحاة ـ فالبدل على نية تكرير العامل ، ويقدر فى البدل منه جملتان ، يتكرر العامل فى كلّ منهما ، كما هو فى قوله تعالى : (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ

١٢٧

مِنْهُمْ) [الأعراف : ٧٥]. حيث الاسم الموصول (من آمن) بدل من الاسم الموصول (الذين استضعفوا) ، فكرّر عامل الجرّ (اللام).

ومثله قوله تعالى : (لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً) [الزخرف : ٣٣].

(بيوتهم) بدل من الاسم الموصول (من يكفر) ، وتكرر عامل الجرّ (اللام). وهذا البدل بدل اشتمال.

ومما تكرر فيه العامل قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً) [الروم : ٣١ ، ٣٢]. حيث الاسم الموصول (الذين فرقوا) بدل مطابق من (المشركين) وتكرر العامل حرف الجر (من).

وكذلك قوله تعالى : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [إبراهيم : ١](١) ، حيث (صراط) بدل من (النور) وكلّ منهما مجرور ، فتكرر حرف الجرّ العامل (إلى).

__________________

(١) يجوز فى شبه الجملة (إلى صراط) أن تكون متعلقة بمحذوف ، على أن المحذوف جواب لسؤال مقدر بالقول : إلى أى نور؟

(كتاب) مرفوع وعلامة رفعه الضمة لأنه إما خبر للمبتدإ المذكور قبله ، وهو (الر) وإما خبر لمبتدإ محذوف ، تقديره : هو ، وإما مبتدأ خبره الجملة الفعلية (أنزلناه) وجاز الابتداء بالنكرة ـ هنا ـ لأنها موصوفة بمقدر ، والتقدير : كتاب عظيم. (أنزلناه) فعل ماض مبنى على السكون ، وضمير المتكلمين مبنى فى محل رفع ، فاعل ، وضمير الغائب مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، والجملة الفعلية إما : فى محل رفع نعت لكتاب إن جعلنا كتابا خبرا ، وفى محل رفع ، خبر إن جعلنا كتابا مبتدأ. (إليك) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالإنزال. (لتخرج) اللام حرف تعليل مبنى لا محل له من الإعراب. تخرج : فعل مضارع منصوب بعد لام التعليل ، أو بأن مقدرة بعدها ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : أنت ، ولتخرج متعلق بالإنزال. (الناس) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (من الظلمات) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالإخراج. (إلى النور) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالإخراج. (بإذن) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالإخراج. أو فى محل نصب ، حال من فاعل تخرج ، أو متعلق بحال محذوفة. (ربهم) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، وضمير الغائبين مبنى فى محل جر بالإضافة إليه. (إلى صراط) جار ومجرور ، وهى بدل من إلى النور بإعادة العامل. أو متعلق بجواب سؤال مقدر. (العزيز) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (الحميد) بدل من العزيز مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

١٢٨

ومما تكرر فيه العامل قوله تعالى : (وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ) [الدخان : ٣٠].

ويستدلّون على أن البدل فى نية تكرير العامل بأن البدل من المنادى المنصوب إذا كان مما يبنى فإنه يبنى كذلك على ما يرفع به ، ذلك نحو قولك : يا أخانا محمد ، حيث المنادى (أخ) منصوب ، وعلامة نصبه الألف ؛ لأنه من الأسماء الستة ، وهو منادى منصوب لأنه مضاف ، أما (محمد) البدل من المنادى المنصوب فإنه يبنى على الضمّ ؛ لأنه علم غير مضاف وغير شبيه بالمضاف ، ذلك لأنه فى نية تكرير حرف النداء ، فكأنه : يا محمد. ومثله القول : يا طالب العلم محمود اجتهد.

ـ وذكر آخرون أن العامل فى البدل هو العامل فى المبدل منه ، لكنهم اختلفوا فى تقدير أنه عوض من عامل محذوف أم لا على رأيين (١) :

أولهما : منهم من رأى أن عامل الأول عامل فى الثانى ، لا على أنه عوض من عامل محذوف ، وهو اختيار المبرد ، وينسبونه إلى سيبويه (٢).

والآخر : أنه عامل فيه على سبيل العوض ، ولما حذف عامل الثانى كان عامل الأول خلفا عنه فى العامل ، وهو اختيار ابن عصفور (٣).

ـ وقال آخرون : العامل فى البدل عامل معنوىّ ، وهو التبعية فعامل الرفع فى البدل كونه بدلا من مرفوع ، وكذلك عامل النصب أو الجرّ فيه كونه بدلا من منصوب أو مجرور ، وينسب هذا الرأى إلى الأخفش.

أنواع البدل

ينقسم البدل إلى ستة أقسام ، يجوز أن تندمج فى أربعة أقسام ، يتضح ذلك فى التفصيل الآتى :

__________________

(١) ينظر : شرح اللمحة البدرية ٢ ـ ٢٥٨.

(٢) ينظ : ر المقتضب ٤ ـ ٢٩٥.

(٣) ينظر : المقرب ١ ـ ٢٤٢.

١٢٩

الأول : بدل كل من كل :

وهو البدل المطابق ، أو بدل الشىء من الشىء ؛ ذلك لأنه بدل الشىء مما طابق معناه ، فالثانى منه عين الأول وطبقه ، فهما لمعنى واحد ، يتطابقان عليه ، ويتساويان معه ، والبدل والمبدل منه فى هذا النوع يتطابقان فى التذكير والتأنيث ، والإفراد والتثنية والجمع ، ما لم يقصد به التفصيل حال التثنية والجمع أو اسم الجمع ، حيث يفرق البدل ، ويعطف بعضه على بعض ـ حينئذ (١).

ومن هذا النوع من البدل المطابق : احترمت أباك محمودا ، حيث (أباك) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الألف ؛ لأنه من الأسماء الستة ، وضمير المخاطب مبنى فى محلّ جرّ بالإضافة إليه (أب) ، و (محمودا) بدل من المفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

ومنه : خطبت أختك فاطمة. وأعجبت بابنك علىّ. حيث (فاطمة) بدل من (أخت) منصوب وعلامة نصبه الفتحة ، و (على) بدل من (ابن) مجرور ، وعلامة جرّه الكسرة. ومن ذلك كلّ درجات القرابة.

ومنه الأمثلة الآتية : الخليفة عمر حاكم عادل. الشاعر حافظ شاعر النيل.

المنصورىّ أحمد رجل ذكىّ ، هذا الطالب مجتهد ، ذو العلم محمود شغوف به.

ومنه قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) [الفاتحة : ٦ ، ٧](٢).

__________________

(١) ينظر : التسهيل ١٧٢ / الهمع ٢ ـ ١٢٥.

(٢) (اهدنا) فعل أمر مبنى على حذف حرف العلة ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : أنت ، وضمير المتكلمين مبنى فى محل نصب ، مفعول به أول. (الصراط) مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

(المستقيم) نعت للصراط منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (صراط) بدل من الصراط منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، (الذين) اسم موصول مبنى فى محل جر بالإضافة. (أنعمت) فعل ماض مبنى على السكون ، وضمير المخاطب مبنى فى محل رفع ، فاعل. والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. (عليهم) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالإنعام.

١٣٠

ومنه كذلك : يا صديقنا علىّ زرنا اليوم ـ يا ذا المال أحمد تصدّق به ، ببناء كلّ من (على ، وأحمد) على الضمّ.

فكلّ من : عمر مطابق للخليفة ، وحافظ مطابق للشاعر ، وأحمد مطابق للمنصورى ، والطالب مطابق لاسم الإشارة (هذا) ، ومحمود مطابق لذى العلم ، و (صراط الذين) مطابق للصراط المستقيم ، وعلى مطابق لصديق ، وأحمد مطابق لذى المال. ولذلك فإن الأول بدل من الثانى بدل كلّ من كلّ.

الحظ الأمثلة الآتية :

أعجبت بصاحبك سمير ، وأخيك عبد الله ، وبصديقه سعيد.

قوله تعالى : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) [ص : ١٧](١).

(هارُونَ أَخِي) [طه : ٣٠] ، (هارون) منصوب على البدلية من (وزير) فى الآية السابقة : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ،) و (أخى) بدل مطابق من (هارون) (٢).

(يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) [النور : ٣٥]. (زيتونة) بدل كلّ من كل من (شجرة).

__________________

(١) (اذكر) فعل أمر مبنى على السكون ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : أنت. (عبدنا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وضمير المتكلمين مبنى فى محل جر بالإضافة. (داود) بدل من عبد منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. أو عطف بيان أو منصوب بأعنى مقدرا. (ذا) نعت لداود منصوب ، وعلامة نصبه الألف ؛ لأنه من الأسماء الستة. (الأيد) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (إنه) حرف توكيد ونصب ، وضمير الغائب مبنى فى محل نصب ، اسم إن. (أواب) خبر إن مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

(٢) فى الآيتين الأوجه الإعرابية الآتية :

أ ـ شبه الجملة (لى) تكون مفعولا ثانيا مقدما للفعل (اجعل) ، و (وزيرا) مفعول به أول ، فيكون (هارون) بدلا من (وزيرا) ، و (أخى) يكون بدلا من (هارون) ، أو عطف بيان له ، أما شبه الجملة (من أهلى) فتكون صفة لوزير ، أو متعلقة بالجعل.

ب ـ أو : (هارون) مفعول أول ، و (وزيرا) مفعول ثان مقدم ، فتكون شبه الجملة (لى) متعلقة بالجعل ، أو حالا من النكرة (وزيرا).

ج ـ وقد يكون (وزيرا) مفعولا أول ، وشبه الجملة (من أهلى) يكون مفعولا ثانيا ، فيكون (هارون) ، بدلا من (وزير) ، و (أخى) يعرب بدلا من هارون. أو عطف بيان له.

١٣١

(مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) [إبراهيم : ١٦]. (صديد) يجوز أن يكون بدلا من ماء (١).

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً) [الأنعام : ٧٤].

(مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) [الحج : ٧٨] ، (إبراهيم) بدل من (أبيكم) مجرور وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة ؛ لأنه ممنوع من الصرف ، تلحظ أن (ملة) مفعول به لفعل محذوف تقديره : اتبعوا أو الزموا.

الثانى : بدل بعض من كل :

أو : بدل جزء من كلّ ، يكون فيه البدل جزءا من أجزاء المبدل منه ، سواء أكان نصفه ، أم أقلّ منه ، أم أكثر منه. ولذلك ، وحتى يرتبط هذا الجزء بكلّه ؛ فلا بدّ من إضافته إلى ضمير يعود على المبدل منه ، ويطابقه فى النوع والعدد ، ومنه : أعجبنى زيد وجهه ، وأكلت الرغيف ثلثه ، ومنه قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [آل عمران : ٩٧]. حيث الاسم الموصول المبهم (من) مبنى فى محلّ جرّ بدل من (الناس) ، ولما كان جزءا من الناس أو بعضهم ؛ لأن المستطيعين إلى الحجّ ليسوا كلّ الناس ؛ كان بدل جزء من كلّ (٢) ، أما الضمير العائد على المبدل منه فإنه محذوف تقديره : (منهم).

__________________

د ـ أن يكون (أخى) مبتدأ ، خبره الجملة (اشدد به ...) ينظر : الدر المصون ٥ ـ ١٧ ، ١٨.

(١) فى صديد وجهان إعرابيان :

أولهما : أنه نعت لماء ، على حذف أداة التشبيه ، أو أنهما متشابهان.

والآخر : أن يكون عطف بيان لماء.

(٢) قد يعرب (من) على أوجه أخرى :

ـ أن تكون شرطية مبنية فى محل رفع مبتدإ ، وجواب الشرط محذوف ، تقديره : فعليه ذلك.

ـ أن تكون فى محل رفع فاعل للمصدر (حج).

ـ أن تكون فى محل رفع خبر لمبتدإ محذوف ، والتقدير هو : من استطاع.

ـ أن تكون فى محل نصب مفعول به لفعل محذوف ، والتقدير : أعنى من استطاع.

ينظر : شرح جمل الزجاجى لابن عصفور ١ ـ ٢٨٥ / البحر المحيط ٢ ـ ١١ / الدر المصون ٢ ـ ١١٧.

١٣٢

ومنه قوله تعالى : (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [البقرة : ١٢٦] ، الاسم الموصول (من آمن) فى محل نصب بدل من (أهل) ، وهو بدل بعض من كل ، وتلحظ الضمير العائد إلى المبدل منه فى (منهم).

وقوله تعالى (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ) [المائدة : ٧١] ، حيث (كثير) بدل بعض من كلّ من الفاعل واو الجماعة فى (عموا) ، وهو مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة (١).

ملحوظة :

تثار بين النحاة قضية التعريف بالأداة وعدمه فى (كل وبعض) ، حيث :

يرى جمهور النحاة أن تعريف (كل وبعض) بالأداة غير جائز ؛ لأنهما ملازمان للإضافة فيهما إن لم تكن ظاهرة ، فهى منوية دائما ، ولا تجتمع (أل) مع الإضافة ، ولذلك فإن الحال تأتى منهما ، وهما بدون (أل) ، فنقول : مررت بكلّ قائما ، وببعض قاعدا. كما أنهما لا يجوز أن يوصفا بالنكرة ، فهذان دليلان على كونهما معرفتين من طريق الإضافة المنوية.

ولكن بعض النحاة يجيز تعريفهما بالأداة حملا لهما على ما فى معناهما ، فـ (كلّ) تحمل على (جميع) ، و (بعض) تحمل على (جزء) ، وكلاهما يعرّف بالأداة ، ولذلك فإن هؤلاء يمنعون لزومهما الإضافة. وقد يستعملان غير مضافين ، ويروون من ذلك عن العرب : جاء قومك كلا ، على أنّ (كلا) حال ،

__________________

(١) فى (كثير) أوجه إعرابية أخرى ترتبط باحتساب الواو :

ـ أن تكون (كثير) بدلا من الواو فى الموضعين ، فيكون الضمير مفسرا بما بعده.

ـ أن تكون (كثير) بدلا من الواو ، والواو فاعل عائد على ما قبله فى (حسبوا).

ـ أن تكون (كثير) خبرا لمبتدإ محذوف ، والتقدير : العمى والصّمّ كثير منهم.

أن تكون (كثير) مبتدأ مؤخرا ، خبره الجملة الفعلية المقدمة : (عموا وصموا).

أن تكون (كثير) فاعلا لعمى ، والواو علامة جمع ملحقة بالفعل ، وهى لغة قوم ، وتدعى بلغة (أكلونى البراغيث).

١٣٣

ومنها قراءة (إِنَّا كُلٌّ فِيها) [غافر : ٤٨](١). على أن (كلا) منصوبة على الحالية من ضمير المتكلمين ، أو : توكيد لاسم (إن) المنصوب عند الزمخشرى.

ويبدو أن (بعضا وكلا) حال تنوينهما يكونان مقطوعين عن الإضافة ، حيث لا تنوى الإضافة فيهما ، لكنه انقطاع لفظى لا معنوى.

الثالث : بدل الاشتمال :

وهو أن تبدل فيه لفظا من لفظ بينهما ملابسة بغير البعضية والكلية (٢). ويشترط فيه أن يكتفى بذكر الأول عن الثانى ، كقولك : أعجبنى عبد الله علمه ، أو : حسنه ، حيث كلّ من (علم وحسن) بدل من (عبد الله) مرفوع ، وعلامة رفع كلّ منهما الضمة. وتلحظ أن كلا منهما ليس جزءا من المبدل منه (عبد الله) ، وليس مطابقا له ، لكن بين البدل والمبدل منه ملابسة ؛ لذلك فقد أضيفا إلى ضمير المبدل منه. ويختلف النحاة فيما بينهم فيما هو مشتمل فى بدل الاشتمال بين البدل والمبدل منه والعامل ، لكن الجمهور على أن المبدل منه هو المشتمل ، ومنه : سرق عبد الله ثوبه أو فرسه.

ومن الأمثلة السابقة تستنتج أن بدل الاشتمال يكون بذكر شىء ينتمى إلى المبدل منه ، لكنه ليس هو هو ، وليس جزءا من أجزائه المكونة لذاته ، أو : عضوا من أعضائه ، وأكثر ما يكون بدل الاشتمال بالمعانى والصفات ، وما يتنزل منزلة المعانى ، من نحو العقل والحسن والحكمة والرأى والعلم والظرف ، وقد جعلوا منه ما كان ذاتا ، كما ذكر فى أمثلة سابقة.

يذكر المرادى أنه : لا بدّ فى بدل الاشتمال من مراعاة أمرين :

أحدهما : إمكان فهم معناه عند الحذف ، ومن ثمّ جعل نحو : أعجبنى زيد أخوه ، بدل إضراب لا بدل اشتمال ، إذ لا يصحّ الاستغناء عنه بالأول.

__________________

(١) الكشاف : ٢ ـ ٤٣٠.

عامة القراء على قراءة الرفع فى (كل): «إنّا كلّ فيها». ورفع (كل) على الابتداء ، وخبره شبه الجملة (فيها) ، والجملة الاسمية فى محلّ رفع ، خبر (إن) ؛ لأن اسمها ضمير المتكلمين (نا). أما نصب (كل) ففيه ثلاثة أوجه : إما على البدل من اسم إن ، وإما على الحالية ، وإما على توكيد اسم (إن).

(٢) الأمالى النحوية ٣ ـ ٥٥.

١٣٤

والآخر : حسن الكلام على تقدير حذفه ، ومن ثمّ امتنع : «أسرجت زيدا فرسه ؛ لأنه وإن فهم معناه فى الحذف لا يستعمل مثله ، ولا يحسن ، فلو ورد مثل هذا فى الكلام لكان بدل غلط (١).

لا بدّ أن يشتمل بدل الاشتمال على ضمير يعود على المبدل منه ، ويطابقه فى النوع والعدد ، كما هو واضح سابقا.

مثل ذلك قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) [البقرة : ٢١٧](٢) ، حيث (قتال) بدل اشتمال من (الشهر) مجرور ، وعلامة جرّه الكسرة ، وهو بدل اشتمال ؛ لأنه ليس عضوا من مكونات الشهر ، كما أنه لا يطابقه. والضمير العائد على المبدل منه ضمير الغائب فى (فيه) ، وهو شبه جملة متعلقة بالقتال ؛ لأنه مصدر عامل عمل الفعل ، وقد تكون فى محل جر صفة لقتال.

وإذا افتقد الضمير العائد على المبدل منه فإنه يجب أن يقدر عند جمهور النحاة ، كما هو فى قوله تعالى : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (٤) النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) [البروج : ٤ ، ٥](٣) ، حيث (النار) بدل من الأخدود مجرور ، وعلامة جرّه الكسرة ، وهو بدل اشتمال ؛ لأن النار ليست عضوا مكونا للأخدود ، كما أنها ليست مطابقة له. وفيه ضمير محذوف يعود على المبدل منه ، والتقدير : النار فيه.

__________________

(١) حاشية العليمى على شرح التصريح ٢ ـ ١٥٧ ، ١٥٨.

(٢) (يسألونك) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون ؛ لأنه من الأفعال الخمسة ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، وضمير المخاطب مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (عن الشهر) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالسؤال. (الحرام) صفة للشهر مجرورة ، وعلامة جرها الكسرة. (قتال) بدل من الشهر مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (فيه) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل جر ، صفة لقتال ، أو متعلقة بقتال ؛ لأنه مصدر. (قل) فعل أمر مبنى على السكون ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : أنت. (قتال) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (فيه) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل رفع ، نعت لقتال ، أو فى محل نصب متعلقة به ، وكلاهما يبيح الابتداء بالنكرة قتال. (كبير) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

(٣) (قتل) فعل ماض مبنى على الفتح ، مبنى للمجهول. (أصحاب) نائب فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

(الأخدود) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، (النار) بدل من الأخدود مجرور ، وعلامة جره

١٣٥

ويرى بعض النحاة أن الصحيح أنه لا يشترط أن يكون فى بدل الاشتمال ضمير (١). ولذلك لا يوجبون تقدير (فيه) فى الموضع السابق.

ملحوظة :

سمّى بدل الاشتمال بذلك لأن الأول مشتمل على الثانى ، بسبب الملابسة القائمة بينهما ، وإن كان هذا مناسبا لبدل الجزء من الكلّ ، إلا أنه ـ فى رأيى ـ أكثر مناسبة لبدل الاشتمال ؛ لأن البدل فيه ليس جزءا منه ، ولكنه منتم إليه ، أو متعلق به ، فاشتمله دون أن يكون مكوّنا منه ، وقد ينفصلان عضويا. وهذا مذهب الفارسى والرمانى.

ومن النحاة من يرى أنه سمى بذلك لاشتمال الثانى على الأول ، حيث إنه مضاف إلى ضميره ، كما أنه من سببه ، وهذا رأى الفارسى.

وقيل : إن كلّ واحد من الاسمين مشتمل على الآخر.

ومن النحاة من يرى أن العامل هو المشتمل ، وهو قول المبرد والسيرافى وابن خروف.

الرابع : البدل المباين :

فى هذا النوع من الأبدال يباين البدل المبدل منه فى الحكم ، حيث يذكر المبدل منه منسوبا إليه الحكم ، ثم ينتقل هذا الحكم نقلا تاما من المبدل منه إلى البدل ، سواء أكان هذا بسبب الإضراب أم الغلط أم النسيان.

لذلك ؛ فإن هذا النوع من البدل من الأفضل أن ينقسم إلى ثلاثة أقسام :

أولها : بدل الغلط :

هو أن ينطق اللسان أولا بغير المقصود ، فالمبدل منه المنطوق أولا بنسبة الحكم أو المعنى إليه غير مقصود بالكلام ، لكن اللسان يسبق إلى النطق به ، فهذا البدل سببه الغلط.

__________________

الكسرة. إما بدل اشتمال ، وإما بدل كل من كل. (ذات) نعت للنار مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (الوقود) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

(١) ينظر : شرح الكافية الشافية ٢ ـ ١٢٧٩.

١٣٦

ثانيها : بدل النسيان :

فيه يكون الأول المبدل منه مقصودا بالنطق ، فيتبين للمتحدث بعد ذكره أنه غير المقصود فى الإخبار والإرادة ، فينطق بالبدل ليصحح سهوه ، فهو بدل من مبدل منه ذكر نسيانا ، فكلّ من البدل والمبدل منه مقصود فى النطق ببدل النسيان ، لكن المبدل منه غير مقصود فى القلب والإرادة ، ولكنه نسيان.

فبدل الغلط زلّة اللسان ، وبدل النسيان زلّة الجنان ، بدل الغلط غير مقصود باللسان والجنان ، أما بدل النسيان فمقصود باللسان دون الجنان.

فإذا قلت : مررت بزيد حمار ؛ فإذا قصدت مرورك بحمار ؛ ولكن لسانك سبقك فنطق (بزيد) ، دونما قصد فكرىّ ، فهذا بدل غلط ، وإذا قصدت الأول ، وهو زيد ، نطقا وفكرا ، ثم ظهر لك فساد ذلك ، فصوّبته بذكر البدل (حمار) ، فيكون ذلك بدل نسيان ، فكأنك فى بدل الغلط لم تقصد الإخبار أولا عن المبدل منه ما خلا أنه سبق لسانك إليه ، وفى بدل النسيان قصدت الإخبار عن المبدل منه ، ثم استدركت (ما) تركت (١).

مع التنبيه إلى أن البدل فى كلّ (من) بدل النسيان والغلط يحتمل معنى (بل) الدالة على الإضراب ، حتى لا يتوهم فيه الصغة.

ثالثها : بدل البداء :

يسمى بدل الإضراب ، وهو أن تبدل شيئا مقصودا باللسان والجنان من آخر مقصود بهما ، فبعد نطقك الأول بدا لك أولوية الثانى ، فأضربت عن الأول إلى الثانى ، ولذلك سمى بالبداء ، أى الظهور ، أو الإضراب ، أى التحول عن الأول إلى الثانى.

كأن تقول : أعط السائل جنيها جنيهين ، حيث أمرته أولا بإعطائه جنيها ، ثم بدا لك فكر آخر ، فأضربت عن التعبير بجنيه إلى التعبير بجنيهين ، وعلامته صحة معنى (بل) قبله ، وهى التى تفيد معنى الإضراب.

__________________

(١) شرح القمولى على الكافية ٢ ـ ٤٩٦.

١٣٧

ومن بدل البداء أو الإضراب قوله صلّى الله عليه وسلّم : «إن الرجل ليصلىّ الصلاة ما كتب له نصفها ثلثها ربعها إلى عشرها» (١) ، فكلّ من الثلث والربع والعشر وما بينها مراد فى المعنى وإسناد الحكم إرادة المبدل منه وهو النصف.

ويعطى المثل : «خذ نبلا مدى» (٢) للبدل المباين بأضربه الثلاثة ، فإذا أردت النطق بالنبل ، فتبين لك أنه ليس المقصود فى الفكر ، فنطقت بالمدى ؛ كان بدل نسيان. وإن أردت التعبير بالمدى ، فسبق لسانك بالنطق بالنبل كان بدل غلط. وإن أردت التعبير بالنبل فنطقت به ، فتبيّن لك أنه غير المقصود ؛ فنطقت بالمدى لتضرب عن الأول غير المقصود إلى الثانى المقصود كان بدل بداء وإضراب.

ويمكن أن تطبق هذه الفكرة على القول : ركبت المحطة القطار.

ملحوظات :

أ ـ البدل المباين والوقف :

فى البدل المباين بأضربه الثلاثة إن كان قد تبيّن للمتحدث غلطه أو نسيانه أو سهوه بعد أن نوّن الاسم الأول أتى بالاسم الثانى ، ووقف عليه ، أو أعرب إن اتصل بشىء بعده. وإن كان قد تبيّن له الغلط قبل أن يتمّ الاسم الأول ؛ فإنه يقف عليه ، ولا يجوز أن يعربه ؛ لأنه يصير بذلك معتمدا على الغلط ، وهذا غير جائز (٣).

ب ـ البدل المباين والقرآن والشعر

لا يجوز أن يقع البدل المباين بأضربه فى القرآن الكريم ، ولا فى الشعر ؛ لأن القرآن كلام الله تعالى ، وهو منزّه عن ذلك ـ سبحانه وتعالى ـ أما الشعر فإن الشاعر يحككه ، ويعيد فيه نظره ، ويثقفه ، وينقحه مرات ومرات ، فلا يجوز منه ذلك لذلك (٤).

__________________

(١) مسند الإمام أحمد بن حنبل ٤ ـ ٣١٩.

(٢) متن الألفية : باب البدل.

(٣) ينظر : شرح عيون الإعراب ٢٤٤.

(٤) ينظر : الموضع السابق.

١٣٨

ج ـ بدل كلّ من بعض :

زاد بعضهم نوعا من البدل بدل كلّ من بعض ، ويجعلون منه قول الشاعر :

كأنّى غداة البين يوم تحمّلوا

لدى سمرات الحىّ ناقف حنظل (١)

حيث يجعلون (يوم تحملوا) بدلا من (غداة) ، واليوم كلّ للغداة ، وهى بعضه ، فيكون بدل كلّ من بعض. والجمهور ينفونه ، ويتأولون البيت بأن (يوما) معناه (وقت).

كما يجعلون منه القول : نظرت إلى القمر فلكه ، حيث الفلك كلّ بالنسبة إلى القمر الذى هو جزء منه ، فيجعلونه بدل كلّ من بعض. ، وقوله تعالى : (فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (٦٠) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ) [مريم : ٦٠] ، حيث البدل (جنات) وهو جمع ، والمبدل منه (الجنة) وهو مفرد ، فيكون بدل كلّ من بعض ، ولكنهم يجعلون المبدل منه المفرد (الجنة) اسم جنس ، وهو يقوم مقام جمع الجنس ، فتكون (جنات عدن) بعضا منه ، ويكون بدل بعض من كلّ.

__________________

(١) ينظر : البسيط فى شرح جمل الزجاجى ١ ـ ٣٩٣ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٦٢٥ / الصبان على الأشمونى على الألفية ٣ ـ ١٢٦ / همع الهوامع ٢ ـ ١٢٧.

البين : الفراق ، تحملوا : ارتحلوا ، سمرات جمع سمرة وهى شجرة الطلح ناقف : من يخرج حب الحنظل ، أى : دمعت عيناه كما تدمع عين ناقف الحنظل لحرارته. (كأنى) كأن : حرف تشبيه ناسخ مبنى لا محلّ له من الإعراب ، والنون للوقاية حرف مبنى لا محل له من الإعراب ، وضمير المتكلم مبنى فى محل نصب ، اسم كأن. (غداة) ظرف زمان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة متعلق بما فى كأن من معنى الفعل ، (البين) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (يوم) بدل من غداة منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، أو ظرف زمان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، ويكون متعلقا بالبين. (تحملوا) فعل ماض مبنى على الضم ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، والجملة الفعلية فى محل جر بالإضافة ، (لدى) ظرف مكان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة. (سمرات) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (الحى) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (ناقف) خبر كأن مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وهو مضاف. (حنظل) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

١٣٩

قضية المبنى فى البدل

تدرس قضية المبنى فى البدل من حيث نوع المبنى من : اسم ، وفعل ، ثم جملة ، وشبه جملة ، وما يمكن أن يكون عليه مبنى كلّ من البدل والمبدل منه من اتفاق فى الأنواع السابقة ، أو تبادل بين نوعين منها ، ثم تدرس القضايا التى تتعلق بكل قسم مدروس ، كقضايا الإظهار والإضمار ، وقضايا التعريف والتنكير ، والإبدال من اسم الاستفهام ، والإبدال من اسم الشرط ... إلخ.

أولا : الإبدال فى الأسماء :

يبدل الاسم من الاسم بأنواعه المختلفة ، محكوما بقواعد بنيوية خاصة ، تختلف باختلاف الاسم بين التعريف والتنكير ، والإظهار والإضمار ، وكونه شرطا أو استفهاما ... إلخ ، ذلك على النحو الآتى :

أ ـ من حيث التعيين :

أى : التعريف والتنكير ، وليس التطابق بين البدل والمبدل منه فى التعريف والتنكير واجبا ، لكنه جائز على النحو الآتى : إبدال المعرفة من المعرفة جائز ، نحو ، أكرمت محمدا أخاك ، حيث المعرفة (أخ) بدل مطابق من المعرفة محمد منصوب.

وأكلت البرتقالة نصفها ، المعرفة (نصف) بدل بعض من كل من المعرفة (البرتقالة). أعجبنى الصديق خطّه ، المعرفة (خط) بدل اشتمال من المعرفة (الصديق) ، لقيت زيدا عليا ، المعرفة (على) بدل مباين من المعرفة (زيد). وأنت ترى أن كلا من البدل والمبدل منه معرفة.

إبدال المعرفة من النكرة : يجوز إبدال المعرفة من النكرة :

نحو : أكرمت رجلا محمودا ، المعرفة (محمود) بدل مطابق من النكرة (رجل).

قرأت درسا ثلثه ، المعرفة (ثلث) بدل جزء من كلّ من النكرة (درس).

أعجبنى حاضر خلقه ، المعرفة (خلق) بدل اشتمال من النكرة (حاضر).

١٤٠