النحو العربى

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربى

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٩٤

وقد تؤكد الجملة بدون العاطف كقوله ـ صلّى الله عليه وسلّم : «والله لأغزونّ قريشا» ، كرّرها ثلاث مرات.

وإذا خيف من اللبس إذا ذكر حرف العطف فإنه يجب تركه ، نحو قولك : عاقبت المهمل ، عاقبت المهمل ، حيث يوهم دخول حرف العطف بين الجملتين بتكرير المعاقبة ، وأنت تريد تأكيدها لا تضعيفها.

من توكيد الجملة قول الشاعر :

أيا من لست أقلاه

ولا فى البعد أنساه

لك الله على ذا كا

لك الله لك الله (١)

حيث كرر الجملة الاسمية (لك الله) للتوكيد اللفظى.

وقوله تعالى : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) [القيامة : ٣٤ ، ٣٥].

وكذلك قول المؤذن : حىّ على الفلاح ، حىّ على الفلاح ، حيث الجملة الثانية تأكيد للأولى.

وقوله تعالى : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) [الانشراح : ٥ ، ٦](٢).

__________________

ضمير مستتر تقديره : هو. وضمير المخاطب مبنى فى محل نصب ، مفعول به. والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدإ. (ما) اسم استفهام مبنى فى محل رفع خبر مقدم ، أو مبتدأ. (يوم) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، أو خبر ما. والجملة الاسمية فى محل نصب على نزع الخافض بأدرى. (الدين) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (أدرى) بالهمزة تتعدى إلى اثنين ، أولهما بنفسه ، والآخر بواسطة حرف الجر الباء ، وبدون همزة تتعدى إلى واحد بالباء ، أو تكون بمعنى علم فتتعدى إلى اثنين. (ثم) حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. (ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) كإعراب سابقتها ، وهى مؤكدة لها.

(١) المساعد ٢ ـ ٣٩٧ / العينى على الأشمونى على الصبان ٣ ـ ٨٠.

(٢) (يسرا) اسم إن مؤخر منصوب وعلامة نصبه الفتحة ، وخبرها المقدم شبه الجملة (مَعَ الْعُسْرِ).

١٠١

ومنه قول الشاعر :

قم قائما قم قائما

إنك لا ترجع إلا سالما (١)

تاسعا : التأكيد بالمرادف أو ما يقوم مقامه :

قد يكون التأكيد اللفظىّ بذكر مرادف الكلمة (٢) ، نحو : حقيق جدير ، وحقيق قمن ، وصمت سكت زيد ، وأجل جير ، وقعدت جلست ، وأنت ترى أنها ـ جميعا ـ تكرير من طريق ذكر المرادف.

ومنه قوله ـ تعالى : (وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ) [فاطر : ٢٧]. حيث (غرابيب) جمع غربيب ، وهو الأسود المتناهى فى السواد ، فهو تابع للأسود ، كالقانى والناصع والناضر. ولذلك فإن اللفظ الثانى تقوية وتوكيد بالمرادف للأول.

وقد يؤكد فعل باسم فعل ، نحو : انزل نزال ، أدرك دراك ، اسمع سماع.

ومنه قول الأسود بن يعفر :

فرّت يهود وأسلمت جيرانها

صمّى لما فعلت يهود صمام (٣)

حيث (صمام) اسم فعل مقوّ لفعل الأمر (صمّ) من (صمم) ، ويخاطب الشاعر به الأذن.

وقد يؤكد اسم بضميره ، كما ذكر فى قوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) [هود : ١٠٨]. حيث (فيها) توكيد لفى الجنة ، بذكر الضمير العائد على الجنة.

__________________

(١) المساعد ٢ ـ ٣٩٧ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٦١٦.

(قائما) حال منصوبة وعلامة نصبها الفتحة. (لا ترجع) جملة فعلية في محل رفع ، خبر إن ، واسمها ضمير المخاطب. (سالما) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة.

(٢) ينظر : شرح التصريح ٢ ـ ١٢٧.

(٣) (فرت) فعل ماض مبنى على الفتح ، والتاء حرف تأنيث مبنى لا محل له من الإعراب. (يهود) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (وأسلمت) الواو : حرف عطف مبنى. أسلم. فعل ماض مبنى على

١٠٢

يلحظ أنه :

١ ـ لا يزيد التوكيد اللفظىّ على ثلاث.

٢ ـ اختلف النحاة فى احتساب التكرير فى قوله تعالى : (كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [الفجر : ٢١ ، ٢٢].

حيث يرى كثيرون أنه توكيد ، ويرى غيرهم أنه ليس من قبيل التوكيد لأنه جاء فى التفسير أن معناه : دكا بعد دكّ ، وصفا بعد صفّ ، فليس المعنى الثانى هو نفس المعنى الأول ، بل هو من قبيل : علمته الحساب بابا بابا.

وكذلك ـ على رأى بعض النحاة ـ ليس من تأكيد الجملة قول المؤذن : الله أكبر.

الله أكبر ؛ لأن الثانية إنشاء لتكبير ثان ، فليس التكبير الثانى هو الأول بلفظه ومعناه. ذلك بخلاف قوله : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، حيث جىء بالثانية تأكيدا للأولى (١).

التوكيد المعنوى

يكون التوكيد المعنوىّ بألفاظ خاصة فى اللغة لإزالة الشكّ عن المؤكّد بها فى نسبة المعنى المسند إليه فى الجملة ، فهو يرفع احتمال إرادة غير المذكور ، أو احتمال عدم شموليته.

ويمكن تقسيم هذه الألفاظ إلى ثلاثة أقسام حسب ما تؤكده عدديا.

القسم الأول : ما يؤكد به سائر الأسماء :

تؤكّد سائر الأسماء توكيدا معنويا ؛ مفردة أو مثناة أو مجموعة مذكرة أو مؤنثة باستخدام اللفظين : نفس وعين.

__________________

الفتح ، والتاء حرف تأنيث مبنى. والفاعل ضمير مستتر تقديره هي. والجملة معطوفة على سابقتها. (جيرانها) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وضمير الغائبة مبنى فى محل جر بالإضافة. (صمى) فعل أمر مبنى على حذف النون ؛ لأنه من الأفعال الخمسة ، وياء المخاطبة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. (لما) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بصم. (فعلت) فعل ماض وتاء تأنيث مبنيان. (يهود) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. (صمام) اسم فعل أمر مبنى على الكسر ، وهو توكيد لفظى للفعل (صم).

(١) ينظر : شرح قطر الندى ٤١٢ ، ٤١٣.

١٠٣

والتوكيد بالنفس والعين يراد به تحقيق النسبة إلى المخبر عنه ، ونفى احتمال أن يكون الإخبار عن شىء من سببه.

يلحظ ما يلى فى التوكيد بالنفس والعين :

أ ـ يجب أن يتصلا بضمير يعود على المؤكد بهما وذلك فى كلّ مواقعهما التوكيدية ويطابقهما فى النوع والعدد حتى لا يكونا أجنبيين عنه ، ويرتبطان به ، فهما بمثابة التكرير له ، ويكون هذا التكرير من خلال تضمّنها ضميره.

ب ـ إذا أكّد بهما المثنى فمن الأرجح أن يأتيا بلفظ الجمع المكسر الذى يفيد القلة (أنفس وأعين) ، وقد يفردان (نفس ، وعين) ، وذكر التثنية ـ حينئذ ـ بعض النحاة.

ج ـ فى تأكيد الجمع بهما يلاحظ أنهم لم يستعملوا منهما إلا جمع القلة دون الكثرة ، أى : أنفس وأعين دون نفوس وعيون.

د ـ إذا اجتمعا فى مؤكد واحد فإن النفس تذكر أولا ثم العين. فتقول فى التوكيد بهما : حضر المواطن نفسه أو عينه (بالرفع) ، وأعجبت بالمواطنة نفسها أو عينها (بالجر) ، وكافأت المخلصين أنفسهما أو أعينهما (بالنصب) ، وأجابت الطالبتان أنفسهما أو أعينهما (بالرفع) ، وشرحت الدرس للحاضرات أنفسهن أو أعينهن (بالجر).

ه ـ قد يجران بباء زائدة ، فيقال : جاء محمد بنفسه ، أو بعينه ، والتقدير :

نفسه ، أو عينه. فتكون الباء حرف جر زائدا مبنيا لا محل له من الإعراب ، وما بعده من نفس أو عين توكيد لما قبله معربا إعرابه مقدرا ، فنفس أو عين توكيد لمحمد مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحلّ بحركة حرف الجرّ الزائد.

و ـ هناك صيحات تجيز استخدامهما مضافين إلى المؤكد بهما ؛ استنادا إلى استخدامها كذلك فى القرون الوسطى ؛ لكننا نحترز من هذا الجواز احترازا يصل إلى درجة التخطىء ؛ حيث يؤدى ذلك إلى الالتباس ، فاللفظان يستخدمان فى اللغة

١٠٤

فى غير التوكيد ، ولنلحظ الجمل : خرجت المرأة عينها ، خرجت عين المرأة ، خرجت سعاد نفسها ، خرجت نفس سعاد ؛ لنتأكد من صحة التركيب الذى أوجبه النحاة الأوائل.

وليس الأمر كذلك مع (كل وجميع) ؛ حيث يفيدان الشمول والإحاطة فى كل تركيب.

القسم الثانى : ما يختص بتوكيد المثنى :

المثنى له طبيعته الخاصة فى اللغة العربية ، ولذلك فإن له ألفاظه الخاصة التى يؤكّد بها ، وهى : (كلا) للمثنى المذكر ، و (كلتا) للمثنى المؤنث ، ويفيد التوكيد بهما الإحاطة والشمول لجزأى المثنى ، وينفيان توهّم الاقتصار على بعض المؤكد بهما.

يرى الكوفيون أن (كلا وكلتا) مثنيان لفظا ومعنى ، ويجعلون لهما مفردا ، أما الكوفيون فإنهم يرون أنهما مفردان لفظا مثنيان معنى ، ويمثلونهما بكلمة (زوج) (١).

ولنا فى هذه القضية رأى في كتاب (كلا وكلتا بين التراث النحوىّ والواقع اللغوىّ) أوجزه فى أنهما يدلان على المفرد لفظا ومعنى ، لكن المفرد الذى يؤكدانه يجب أن يكون له قرين ، فإذا ذكرا بعد المثنى وأضيفا إلى ضميره كانا تكريرا له فى التعبير عن التثنية ، نحو : المواطنان كلاهما مخلصان ، والمواطنتان كلتاهما مثقفتان ، وهما ـ حينئذ ـ يلحقان بالمثنى ، ويعربان إعرابه. وإن أضيف إليهما المثنى الاسم الظاهر كانا تعبيرا عن كلّ واحد من جزأيه ، فيفردان ، فتقول : كلا الرجلين أمين ، وكلتا المرأتين وفية.

ويذهب النحاة إلى جواز معاملتهما معاملة المثنى ـ حينئذ ـ باحتساب المعنى ، فيقال : كلا الرجلين أمينان ، وكلتا المرأتين وفيتان ، لكن كثيرا منهم يفضل احتساب اللفظ فى مثل هذا التركيب ، أى : إذا أضيفا إلى مثنى مظهر ، أو اسم مظهر ،

__________________

(١) ينظر : الإنصاف م ٦٢ / شرح جمل الزجاجى لابن عصفور ١ ـ ٢٧٥ / الهمع ١ ـ ٤١.

١٠٥

ويحتسبون المعنى قليلا (١) ، وقد أكدنا وجوب احتساب اللفظ فى مثل هذا التركيب ؛ حيث يجب إفراد الخبر (٢)

يشترط فى التوكيد بـ (كلا وكلتا) ما يأتى (٣) :

١ ـ كون المؤكد بهما مثنى بخاصة ، نحو : جاءنى الرجلان كلاهما ، (كلاهما) توكيد للرجلين مرفوع ، وعلامة رفعه الألف ؛ لأنه ملحق بالمثنى ، وضمير الغائبين مبنى فى محل جر بالإضافة إلى (كلا).

وتقول : أكرمت الفتاتين كلتيّهما. (كلتيهما) توكيد للفتاتين منصوب وعلامة نصبه الياء ؛ لأنه ملحق بالمثنى ، وضمير الغائبين مبنى فى محل جر بالإضافة إلى (كلتى).

٢ ـ أن يضاف إليهما ضمير المثنى الذى يعود على المؤكد بهما : وأنوه إلى أن ضمير المثنى للنوعين واحد ، وهو : (هما ، كما ، نا) ، نحو : فهما كلاهما وكلتاهما ، وفهمتما كلاكما وكلتاكما ، وفهمنا كلانا ، وكلتانا.

٣ ـ أن يكون المؤكد بهما مقصودا للإخبار من الكلام (٤) بالجملة الاسمية أو الفعلية : فلا يجوز القول : ضربت عبد الزيدين كليهما ؛ لأن المقصود من الإخبار بالجملة هو العبد ، وليس الزيدين فيؤكدان ، ولذا لا يجوز تأكيدهما.

كما لا يجوز لك أن تقول : ضربت أحد الرجلين كليهما ؛ حيث الضرب واقع على (أحد) ، فالجملة تشمل الضرب وتاء الفاعل وأحدا ، فلا يجوز لذلك توكيد الرجلين.

لذلك فإنه يمكن القول : إن التوكيد بهما يجب أن يفيد فى المعنى. والضابط لذلك أنه يصحّ وقوع (أحد) محلّ المؤكد بهما ، فإذا صحّ ذلك جاز تأكيده بهما.

فلا يجوز القول فيما سبق : ضربت عبد أحدهما ، أو ضربت أحد أحدهما.

__________________

(١) ينظر : شرح التسهيل لابن مالك ١ ـ ٦٧ ، ٣ ـ ٢٤٥ / شرح المفصل لابن يعيش ١ ـ ٥٤ / شرح التصريح ٢ ـ ٤٣.

(٢) ينظر / كتاب (كلا وكلتا بين التراث النحوي والواقع اللغوى) للمؤلف.

(٣) المصدر السابق ص ٢٤ وما بعدها.

(٤) ينظر شرح جمل الزجاجى لابن عصفور ١ ـ ٢٧١ / شرح الكافية الشافية ٣ ـ ١١٧٨.

١٠٦

وعليه فإنه لا يصحّ القول : اختصم الزيدان كلاهما ؛ لأن كلمة (أحد) لا يصحّ أن تحلّ محلّ الزيدين. فلا تقول : اختصم أحدهما ؛ لأن الفعل (اختصم) يتطلب الزيدين معا.

٤ ـ اتحاد عامل المؤكد بهما فى اللفظ والمعنى أو فى المعنى :

ومما يظهر فيه اتحاد المؤكد بهما لفظا ومعنى أن تقول : جاء الطالبان كلاهما ، حيث المؤكد بهما المثنى (الطالبان) له عامل واحد ، فيكون متحدا فى اللفظ والمعنى.

فإذا قلت : جاء زيد وأقبل عمرو كلاهما ، وانطلقت فاطمة وذهبت سعاد كلتاهما ؛ فإن العاملين (جاء وأقبل) والعاملين (انطلق وذهب) قد اتحدا فى المعنى ، فجاز توكيد معمولهما بكلا وكلتا.

ولا يقال : مات زيد وعاش عمرو كلاهما ؛ لاختلاف العاملين لفظا ومعنى.

ومن التوكيد بكلا وكلتا قول عدى بن الرقاع :

فما رمتها حتى غدا اليوم نصفه

وحتى سرت عيناى كلتاهما دمعا (١)

حيث (كلتاهما) توكيد للمثنى (عيناى) مرفوع ، وعلامة رفعه الألف ؛ لأنه ملحق بالمثنى.

وقول معقل بن خويلد :

أبلغ أبا عمرو وعمرا كليهما

وجلّ بنى دهمان عنى المراسلا (٢)

__________________

(١) ديوانه ٦١ / معجم البلدان ٥ ـ ١٦٥.

(٢) شرح أشعار الهذليين ١ ـ ٤٧٣ / المراسل جمع رسالة ومرسلة.

(أبلغ) فعل أمر مبنى على السكون ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت. (أبا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (عمرو) مضاف إلى أبى مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (وعمرا) الواو حرف عطف مبنى لا محل له من الإعراب. عمرا ، معطوف على أبى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (كليهما) توكيد لأبى عمرو منصوب ، وعلامة نصبه الياء لأنه ملحق بالمثنى ، وضمير الغائبين مبنى فى محل جر بالإضافة. (وجل) الواو حرف عطف مبنى. جل ، معطوف على أبى عمرو منصوب ، وعلامة

١٠٧

(كليهما) توكيد لأبى عمرو وعمرو منصوب ، وعلامة نصبه الياء.

وقول زهير :

وثاروا بها من جانبيها كليهما

وجالت وإن يجشمنّها الشّدّ تجهد (١)

تلحظ توافر الشروط السابقة فى التركيب التوكيدى بكلا وكلتا في الشواهد السابقة ، حيث كان المؤكد بهما مثنى (عيناى ، أبا عمر وعمرا ، جانبيها) ، كما كان مقصودا به الإخبار فى الجملة ، فالأول فاعل العامل ، والثانى مفعوله ، والثالث متعلق به ، كما تضمنت كلّ من (كلا وكلتا) ضميرا يعود على المؤكد ويطابقه فى النوع والعدد ، كما كان العامل في كل موضع واحدا ، فهو متحد لفظا ومعنى.

القسم الثالث : ما يؤكد به غير المثنى :

أى : يختص هذا القسم بما يؤكد المفرد بنوعيه والجمع بنوعيه ، وهو : كل ، وأجمع ، وأكتع ، وأبتع ، وأبصع ، وأبضع ، والتوكيد بهذه الألفاظ يفيد الإحاطة والشمول ونفى توهم الاقتصار على بعض المؤكد بها.

التوكيد بـ (كل):

للتوكيد بكلّ شروط يجب أن تتوافر فيها وفى المؤكد بها ، وهي :

١ ـ أن يكون المؤكد بها جمعا ، أو مفردا.

__________________

نصبه الفتحة. (بنى) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الياء. (دهمان) مضاف إلى بنى مجرور ، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة ؛ لأنه ممنوع من الصرف. (عنى) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بأبلغ. (المراسلا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. والألف للإطلاق.

(١) يجشمنها : يكلفنها الجرى ويحملنها عليه ، تجهد : تسرع وتجتهد.

(ثاروا) فعل ماض مبنى على الضم ، وواو الجماعة ضمير مبني في محل رفع ، فاعل. (بها) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بثار. (من جانبيها) جار ومجرور ومضاف إليه ، وشبه الجملة متعلقة بثار ، (كليهما) توكيد لجانبى مجرور وعلامة جره الياء ؛ لأنه ملحق بالمثنى ، وضمير الغائبين مبنى فى محل جر بالإضافة. (وجالت) حرف عطف ، وفعل ماض مبنى ، وتاء تأنيث ، وفاعل مستتر تقديره هى ، والجملة معطوفة على الجملة السابقة. (الواو) حرف ابتداء مبنى لا محل له. (إن) حرف شرط جازم مبني على السكون لا محل له من الإعراب. (يجشمنها) فعل الشرط مضارع مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المباشرة ، في محل جزم. والنون حرف توكيد مبنى لا محل له ، وضمير الغائبة مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (الشد) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (تجهد) فعل جواب الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، وحرك بالكسر للروى. والفاعل ضمير مستتر تقديره : هى.

١٠٨

٢ ـ سأن يتصل بها ضمير يعود على المؤكد ، ويطابقه فى النوع والعدد.

ولذلك فإن أكثر النحاة لا يرون توكيدا فى قوله تعالى : (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ) [غافر : ٤٨] ، بنصب (كل) فى قراءة ابن السميفع وعيسى بن عمر ، على أنه توكيد لاسم (إنّ) ، حيث إن بعضهم يجعل التنوين عوضا من المضاف إليه ، وخبر (إن) شبه الجملة (فيها) وبهذا التحليل يجعلونه توكيدا (١).

٣ ـ أن يقبل المؤكد بها التبعيض : أى : أن يكون ذا أجزاء. قد تكون تجزئته فى ذاته ، كأن يكون جمعا ، نحو : حضر الطلاب كلّهم ، وكافأت الطالبات كلّهن.

ومنه قوله تعالى : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) [الحجر : ٣٠]. حيث (كل) فيما سبق تؤكد الجمع الذى يسبقها (الطلاب ، الطالبات ، الملائكة) ، والجمع ذو أفراد أو أجزاء ، وتكون هذه التجزئة تجزئة حسيّة.

قد تكون التجزئة حكما فيما إذا كانت بالعامل ، نحو : اشتريت العبد كلّه ، حيث المؤكد (العبد) يقبل التجزئة باعتبار الشراء ، فقد يشترك في ملكيته اثنان فأكثر.

وتقول : بعت المنزل كلّه ، والسيارة كلّها ، حيث كلّ من : (المنزل والسيارة) يقبل التجزئة في بيع كلّ منهما ؛ لأنهما يحتملان الشركة بين أكثر من واحد.

ومعنى التجزئة سواء أكانت تجزئة حسية أم حكما إنما ليفيد التوكيد بها معنى ، فتحصل به الفائدة. فلا تقول لذلك : سافر محمد كلّه ؛ لأنه لا تحصل به الفائدة ، وليست فيه تجزئة ـ حسا ولا حكما ـ لأنه لا يتجزأ بذاته ، كما لا يتجزأ بعامله.

ولكنك يمكن لك أن تقول : رأيت محمدا كلّه ، حيث إن الرؤية يمكن أن تتبعّض أو تتجزأ بالنسبة للشخص ، حيث يمكن رؤية جزء منه ، أو أجزاء منه.

__________________

(١) فى نصب (كل) وجهان آخران : أولهما : أن تكون منصوبة على الحالية ، والآخر : أن تكون بدلا من اسم (إن) ، وكأنه قيل : إن كلا فيها.

١٠٩

ملحوظة :

قد يؤكد بكلّ مضافة إلي مثل لفظ المؤكّد بها ، كما هو فى قول عمر بن أبى ربيعة :

كم قد ذكرتك لو أجزى بذكركم

يا أشبه الناس كلّ الناس بالقمر (١)

حيث أكد الشاعر المضاف إليه (الناس) بـ (كل) مضافة إلى لفظ المؤكد بدلا من ضميره. وقد جعل بعض النحاة (كلا) فى هذا التركيب نعتا ، لكن (كل) فى مثل هذا التركيب تحتسب نعتا إذا أفادت دلالة الكمال فى الصفة ، ويبدو أنها تفيد هنا الإحاطة والشمول.

التوكيد بـ (أجمع):

يذكر ابن مالك :

ودون كلّ قد يجىء أجمع

جمعاء أجمعون ثم جمع

تقوية التوكيد بكل :

إذا أريد تقوية التوكيد بكلّ فإنه يجوز أن يؤتى بعده بأجمع منصرفة بحسب حال المؤكد من التذكير والتأنيث ، ومن الإفراد والتثنية والجمع ، والحالة الإعرابية ،

__________________

(١) مغنى اللبيب ١ ـ ١٩٤ / الصبان على الأشمونى على الألفية ٣ ـ ١٧٥ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٦١٠ / حاشية الشيخ يس على شرح التصريح ٢ ـ ١٢٢ ، وينسب كذلك لكثير.

(كم) خبرية مبنية على السكون ، اسم يدل على الكثرة فى محل رفع ، مبتدأ ، وتمييزها محذوف يقدر بـ : (مرات) ، (قد) حرف تحقيق مبنى لا محل له من الإعراب. (ذكرتك) فعل ماض مبنى على السكون ، وضمير المتكلم مبنى فى محل رفع ، فاعل ، وضمير المخاطب مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، والجملة الفعلية فى محل رفع خبركم. (لو) حرف شرط غير جازم مبنى على السكون لا محل له من الإعراب. (أجزى) فعل الشرط ماض مبنى على الفتح المقدر مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره :أنا. (بذكركم) جار ومجرور ومضاف إليه ، وشبه الجملة متعلقة بالجزاء. وجملة جواب الشرط محذوفة دل عليها ما سبق. (يا) حرف نداء مبنى لا محل له من الإعراب. (أشبه) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (الناس) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، (كل) توكيد للناس مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (الناس) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (بالقمر) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بأشبه.

١١٠

فتقول : حضر الطلاب كلّهم أجمعون ، أجابت الطالبات كلهن جمع ، انتصر الجيش كلّه أجمع ، وانتصرت الفرقة كلّها جمعاء. تلحظ أن المؤكد (الطلاب) قوى توكيده بـ (أجمعون) ، فتطابقا في (أجمع) والتذكير والرفع ، و (الطالبات) مع (جمع) تطابقا فى الجمع والتأنيث والرفع ، والجيش مع أجمع تطابقا فى الإفراد والتذكير والرفع ، و (الفرقة) مع (جمعاء) تطابقا فى الإفراد والتأنيث والرفع ، ومنه قوله تعالى : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) [الحجر ٣٠ ، ص ٧٣].

التوكيد بأجمع مستقلة :

قد يؤكد بأجمع ومتصرفاتها مستقلة ، فتقول : رأيت الزائرين أجمعين ، والزائرات جمع ، الكلية جمعاء تقدّره ، والنفر أجمع يحترمه.

وتقول : حضر الطلاب أجمعون. أجابت الطالبات جمع. انتصر الجيش أجمع ، وانتصرت الفرقة جمعاء.

ومنه قوله تعالى : (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [الحجر : ٣٩]. (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ) [الحجر : ٤٣].

توابع أجمع :

قد يراد زيادة تقوية التوكيد بأجمع ، فيتبع أجمع ومتصرفاته بأكتع ومتصرفاته ، ثم أبصع ومتصرفاته ، ثم أبتع ومتصرفاته ، مع ملاحظة الإتباع فى التذكير أو التأنيث ، والإفراد أو التثنية أو الجمع ، والحالة الإعرابية.

فتقول : خرجت القرية كلّها جمعاء كتعاء بصعاء بتعاء.

واستعد الجيش كله أجمع أكتع أبصع أبتع ، وأيّده أهالى المدينة كّلهم أجمعون أكتعون أبصعون أبتعون ، شجبت النساء الإرهاب كلّهن جمع كتع بصع بتع.

ملحوظات :

أولا : عدم تثنية (أجمع):

يرى البصريون أنه لا يثنى (أجمع وجمعاء) استغناء عن تثنيتهما بكلا وكلتا.

١١١

أما الكوفيون والأخفش فيرون تثنيتهما ، وعلي رأى هؤلاء يمكن القول : جاء الفريقان أجمعان ، وانتصرت الفرقتان جمعاوان. وعلى ذلك يجرى ما وازنهما من ألفاظ التوكيد السابقة التابعة لها ، فتقول : جاء الفريقان أجمعان أكتعان أبصعان أبتعان ، وانتصرت الفرقتان جمعاوان كتعاوان بصعاوان بتعاوان.

ثانيا : التأكيد بجميع وعامة وبعامة :

قد يؤكد ما يؤكد بـ (كلّ) بألفاظ : جميع وعامة وبعامة ، فيقال : اشتريت العبد ، جميعه ، حيث (جميع) تأكيد منصوب للمفعول به المنصوب (العبد) وعلامة نصبه الفتحة.

وتقول : جاءنى القوم جميعهم. (جميع) توكيد مرفوع للفاعل (القوم).

واحترمت النسوة جميعهن. (جميع) توكيد منصوب للمفعول به النسوة ، وعلامة نصبه الفتحة.

ويمكن أن تضع عامة وبعامة موضع (جميع) للتأكيد.

من ذلك قول امرأة من العرب ترقّص ولدها (١) :

فداك حىّ خولان

جميعهم وهمدان

وكلّ آل قحطان

والأكرمون عدنان

حيث (جميع) توكيد مرفوع للخبر (حى) ، وعلامة رفعه الضمة.

والتاء لازمة في عامة وبعامة ، مثل : نافلة ، ويذكر ابن مالك فى ذلك :

واستعملوا أيضا ككلّ فاعلة

من عم في التوكيد مثل النّافلة

وتقول : جاد القوم عامتهم ، وأحببت الأسرة عامتها ، وأكرمت بناتى عامتهن ، واحترمت الفوج عامّته.

يلزم إضافة (جميع وعامة وبعامة) إلي ضمير المؤكد حتى تكون ألفاظ توكيد تتبع ما قبلها فى الإعراب ، وذلك كما ذكرنا فى الأمثلة السابقة ، ولكى ترتبط

__________________

(١) شرح التصريح ٢ ـ ١٢٣.

١١٢

بمؤكدها باحتوائها على ضميره ، فتكون بمثابة التكرير والإعادة له ، مع إعطاء معنى الشمول والإحاطة.

فلو لم تكن مضافة إلى ضمير المؤكد فإنها تأتى منصوبة على الحالية ؛ لأنها تكون قد افتقدت الارتباط به ، وأصبحت فى معنى غير معنى التوكيد الذى هو إعادة للمؤكد.

فتقول : جاء القوم جميعا ، وعامة ، وهما منصوبتان ، لأنهما حالان من القوم.

ثالثا : (باء بعامة):

حرف الجرّ الباء السابق لعامة فى قولنا (بعامة) إنما هو حرف جرّ زائد لتأكيد عموم المؤكد به. فتقول : أجاب الطلاب عن السؤال بعامتهم. (بعامتهم) توكيد للطلاب ، حيث الباء حرف جر زائد مبنى ، لا محل له من الإعراب ، وعامة توكيد للطلاب مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحلّ بحركة حرف الجر الزائد ، وضمير الغائبين مبنى فى محل جر بالإضافة.

وتقول : أكرمت الأوائل بعامتهم ، فتكون الباء حرف جر زائدا ، وعامة توكيد للأوائل منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، وضمير الغائبين مبنى فى محل جر بالإضافة.

كما تقول أعجبت بالمجيبين عن السؤال بعامتهم. (عامة) توكيد للمجيبين مجرور ، وعلامة جرّه الكسرة لاشتغال المحلّ بحركة حرف الجرّ الزائد ، وضمير الغائبين مبنى في محلّ جر بالإضافة.

رابعا : نصب أجمع :

قد ينصب (أجمع وجمعاء وأجمعون وجمع) على الحالية ، فتقول : أعجبني القصر أجمع ، والدار جمعاء (١). بنصب (أجمع وجمعاء) على الحال.

__________________

(١) المساعد على تسهيل الفواد ٢ ـ ٢٩١.

١١٣

توكيد الضمير توكيدا معنويا

أى : بألفاظ التوكيد التى ذكرناها سابقا ، من : النفس والعين وكل وأجمع وتوابعهما ، وندرس فيه الأفكار الآتية :

أولا : توكيد الضمير بالنفس والعين :

تختلف كيفية توكيد الضمير بالنفس والعين باختلاف الضمير من منفصل ومتصل ، ومرفوع ومنصوب ومجرور ، ذلك على النحو الآتى :

أ ـ الضمير المنفصل :

يؤكد الضمير المنفصل فى كلّ مواقعه الإعرابية بالنفس والعين مباشرة ، فيقال : هو نفسه حاضر. حيث (نفس) توكيد معنوى للمبتدإ الضمير المنفصل (هو) مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. وتقول : هن أنفسهن مهذّبات ، وهم أنفسهم مكرمون.

وفى قولك : ما أكرمنى إلا أنت نفسك. (نفس) توكيد معنوىّ للفاعل ضمير المخاطب المنفصل (أنت) مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

ب ـ الضمير المتصل :

تختلف أحكام توكيد الضمير بالنفس والعين باختلاف موقعيته ، ذلك على النحو الآتى :

١ ـ الضمير المتصل المنصوب والمجرور :

قد يؤكد الضمير المتصل المنصوب والمجرور بالنفس والعين مباشرة بلا ذكر ضميره المنفصل ، وقد يذكر ضميره المنفصل ، فتقول : محمد أكرمته نفسه ، بنصب لفظ التوكيد (نفس) ؛ لأنه توكيد للضمير المتصل المفعول به هاء الغائب.

المجتهد أعجبت به عينه ، بجر (عين) ؛ لأنه توكيد لضمير الغائب المتصل المجرور بالباء.

ويجوز أن تقول : محمد أكرمته هو نفسه ، بنصب (نفس) ، والمجتهد أعجبت به هو عينه ، بجر (عين).

١١٤

ومنه أن تقول : المخلصون احترمتهم أنفسهم أعينهم (بنصب نفس وعين) ، والملتزمات احترمتهن أنفسهن أعينهن (بالنصب) ، استمعت إليهما أنفسهما أعينهما (بجر نفس وعين) ؛ لأنهما توكيد لضمير الغائبين المتصل المجرور بإلى.

٢ ـ الضمير المرفوع المتصل :

لا يؤكد الضمير المرفوع المتصل بالنفس والعين إلا إذا فصل بينهما بضميره المنفصل ، ويذكر ذلك ابن مالك في قوله :

وإن تؤكّد الضمير المتصل

بالنفس والعين فبعد المنفصل

والمقصود بالضمير المتصل في هذا البيت الضمير المتصل المرفوع.

نحو : استمعا أنتما أنفسكما ، (أنفس) توكيد مرفوع للضمير المتصل الفاعل (ألف الاثنين) ، ولذا لزم الفصل بينهما بتوكيد المتصل بضميره المنفصل (أنتما).

ومثله أن تقول : المجتهدون يناقشون هم أعينهم ، لتأكيد واو الجماعة بأعين ذكر ضميره المنفصل (هم) ، فأعين توكيد لواو الجماعة مرفوع وعلامة رفعه الضمة.

وافعلى الخير أنت نفسك. لتأكيد ياء المخاطبة الفاعل بالنفس ذكر ضميرها المنفصل (أنت) مكسور التاء ، فنفس توكيد لياء المخاطبة مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

المؤمنات يعملن هن أنفسهن الصالحات ، لتأكيد نون النسوة بأنفس فصلنا بضميرها المنفصل (هن) ، فأنفس توكيد لنون النسوة مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

والضمير المستتر في ذلك بمثابة الضمير المرفوع المتصل ، فعند توكيده بالنفس والعين يلزم توكيده أولا بضميره المنفصل. فتقول : انتبه أنت نفسك عينك. ففاعل (انتبه) ضمير مستتر تقديره (أنت) ، أما الضمير البارز أنت فهو الفاصل بين لفظى التوكيد (نفس وعين) ، والضمير المستتر أو المؤكد له للتهيئة للتوكيد بالنفس والعين ، ولصلاحية هذا التوكيد ، وتكون لذلك (نفس وعين) وتوكيدا للفاعل الضمير المستتر مرفوعا ، وعلامة الرفع الضمة.

١١٥

وكانت هذه الشروط فى الضمير المتصل المرفوع بخاصة ؛ لأن النفس والعين يستخدمان لغير التوكيد ، كما تدخل عليهما العوامل اللفظية فلو لم يؤكّد الضمير المتصل المرفوع بهما بضمير منفصل فاصل بينهما لالتبس فى بعض التراكيب بكونهما مقصودين فى أنفسهما ، أم مؤكّدين لغيرهما. ذلك نحو : طابت نفسه.

حيث (نفس) فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة ، وتقول : طابت نفسها ، وطابت هى نفسها. فتكون (نفس) الأولى فاعلا مرفوعا ، وعلامة رفعه الضمة ، والثانية تكون توكيدا للضمير المستتر الفاعل الذى أكّد بالضمير المنفصل (هى).

وتقول المرأة خرجت عينها ، والمرأة خرجت هى عينها. (عين) الأولى فاعل ، والثانية توكيد مرفوع.

واختص ذلك بالضمير المتصل المرفوع لشدة اتصاله بعامله ، وتنزّله منه منزلة الجزء.

ثانيا : توكيد المرفوع المتصل بكل وأجمع :

إذا أكد الضمير المرفوع المتصل بـ (كل) و (أجمع) فإنه لا يلزم وجوب الفصل بالضمير المنفصل ، حيث (أجمع) لا تستعمل أبدا إلا مؤكّدة ، وحمل عليها (كل) ؛ لأنها بمعناها ، ولأن ولايتها للعوامل قليل ، فتقول : جاؤوا كلّهم ، وحضروا جميعهم. حيث (كل ، وجميع) توكيد للفاعل الضمير المرفوع واو الجماعة مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، ولم يفصل بينهما بالضمير المنفصل.

ثالثا : إعراب ضمير النصب المنفصل بعد المتصل :

إذا ذكر الضمير المنفصل المنصوب بعد الضمير المتصل ، فإنه يكون توكيدا له ـ على الأرجح ـ على رأى الكوفيين ، ومنهم من جعله بدلا منه ، وهم البصريون ، ذلك نحو : أكرمك إياك ، حيث (إياك) ضمير نصب منفصل جاء بعد ضمير النصب المتصل (كاف المخاطب) فيكون توكيدا له ؛ لأنه بمثابة التكرير اللفظىّ له. ومنهم من يعربه في محلّ نصب على البدلية.

ومنه أن تقول فى ضمير الجر المتصل : أعجبت بكما إياكما ، وهذا لكم إياكم ، وسلمتهم مكافآتهم إياهم.

١١٦

وهناك من فصّل : إذا ذكر ضمير الرفع المنفصل كان توكيدا ، وإذا ذكر ضمير النصب المنفصل كان بدلا ، فإذا قلت : رأيتك إياك كان بدلا ، وإذا قلت : رأيتك أنت ؛ كان توكيدا (١).

رابعا : ذكر المضمر والمظهر مع التوكيد بالنفس والعين :

يجوز أن تذكر الضمير المنفصل بعد الاسم الظاهر والضمير المتصل المنصوب والمجرور إذا أكدت بالنفس والعين. فتقول : جاء محمد نفسه هو ، وأقبل الولدان أعينهما هما. وأكرمت الأوائل أنفسهم هم ، واحترمت المهذبات أنفسهن هنّ.

تلحظ أن الضمير المنفصل ذكر بعد تأكيد الاسم الظاهر بالنفس والعين.

ملحوظات فى التوكيد المعنوى :

أولا : كل وأجمع دلاليا :

يفرق بعضهم دلاليا بين التوكيد بـ (كل) والتوكيد بـ (أجمع) ، حيث يرون أن التوكيد بـ (كل) فى مثل القول : (جاء القوم كلّهم) يحتمل مجيئهم مجتمعين ومتفرقين ، وإنما يدل التوكيد على مجيئهم أولهم وآخرهم.

أما إذا قلت : جاء القوم أجمعون ؛ فإن ذلك يقتضى مجيئهم مجتمعين غير متفرقين ، لكن أكثرهم يرى أنه لا فرق بين التركيبين فى المعنى.

ثانيا : (كل) بعد النهى أو النفى دلاليا :

إذا أكدت بـ (كل) فى النفى أو النهى فإننا نجد أننا أمام ثلاثة تراكيب يتغاير المعنى معها :

الأول منها : أن تذكر (كل) وهى مؤكّدة بعد النفى أو النهى نحو : لم أفهم الدرس كلّه ، وفيه يتوجه النفى إلى الكلية أو المجموع ، ولا يتوجه إلى كلّ واحد ، وهنا يحتمل المعنى البعضية ، فيكون المفهوم : فهمت الدرس بعضه. فتقول لذلك : لا تكرم القوم كلّهم وأكرم بعضهم أو أحدهم ، لا تلم طلبة الفرقة كلّهم ، وإنما لم المخطئ منهم.

__________________

(١) ينظر : شرح المفصل ٣ ـ ٤٣.

١١٧

والثانى منها : أن تذكر (كل) وهى غير مؤكّدة بعد النفى أو النهى كذلك ، نحو : لم أفهم كلّ الدرس ، والمفهوم منه كالمفهوم من التركيب الأول ، حيث يتوجه النفى إلى الكلّية أو المجموع ، ولا يتوجه إلى أجزاء الكلّ ، فيحتمل المعنى البعضية ، ويكون المفهوم فهمت بعض الدرس.

فتقول لذلك : لا تكرم كلّ القوم وأكرم بعضهم أو أحدهم. ولا تلم كلّ طلبة الفرقة ، وإنما لم من أخطأ منهم.

والثالث منها : أن تذكر (كل) قبل أداة النفى أو أداة النهى ، نحو : كل الدرس لم أفهم ، وفيه يتوجه النفى أو النهى إلى المعنى بعدهما ، دون الكلية أو المجموع ، فالنفى فى المثال السابق متوجّه إلى الفهم ، أما الكلية فمحكوم عليها بعدم الفهم ؛ لأن الجملة الفعلية المنفية خبر المبتدإ.

فى قول أبى النجم :

فقد أصبحت أمّ الخيار تدّعى

علىّ ذنبا كلّه لم أصنع (١)

برفع (كل) ؛ لأن مرادة أنه لم يصنع الذنب كلّه ، ولم يصنع بعضه ، فرفع كلا حتى تكون فى موقع الابتدائية ، فيحكم عليها بعدم الصنع ، ويتوجه النفى إلى ما بعد الكلية وهو الصنع ، فبالرفع ينفى الصنع عن كلّ الذنب وعن بعضه.

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ٨٥ / معانى القرآن للفراء ٢ ـ ٩٥ / معانى القرآن للأخفش ١ ـ ٢٥٣ / المسائل البصريات ١ ـ ٦٣٤ / الخصائص ١ ـ ٢٩٢ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٢٠١ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ٣٠ / المساعد ٢ ـ ٣٩٤ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٦١٥.

(قد) حرف تحقيق مبنى لا محل له من الإعراب. (أصبحت) فعل ماض ناقص ناسخ مبنى على الفتح.

والتاء حرف تأنيث مبنى لا محل له من الإعراب. (أم) اسم أصبح مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة للثقل ، وفاعله ضمير مستتر ، تقديره : هى ، والجملة الفعلية فى محل نصب خبر أصبح. (على) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالادعاء. (ذنبا) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. (كله) كل : مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة. وهو مضاف ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر مضاف إليه. (لم) حرف نفى وجزم مبنى لا محل له من الإعراب. (أصنع) فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون ، وحرك بالكسر للروى ، وفاعله ضمير مستتر تقديره أنا ، والجملة الفعلية فى محل رفع خبر المبتدأ ، والجملة الاسمية فى محل نصب نعت لذنب.

١١٨

أما إذا نصب كلا فإنها تدخل فى حيّز النصب ، فيقع عليها عدم الصنع ، ويقتضى ذلك صنع بعض الذنب ، حيث تكون موقعية الكلية بعد النفى.

ومثله قول الآخر :

فكيف وكلّ ليس يعدو حمامه

وما لامرئ عمّا قضى الله مرحل (١)

حيث رفع (كل) فتخرج من حيّز النفى ، ويقع على ما بعدها ، وهو عدو الحمام ، ويكون محكوما على كلّ بهذا المعنى المنفىّ ، وعلى الرفع فإن المعنى يكون : ليس الكل أو البعض أو أحد من هذه الكلية يعدو حمامه.

وقوله صلّى الله عليه وسلّم فى حديث ذى اليدين عند ما قال له : أقصرت الصلاة أم نسيت؟

فقال صلّى الله عليه وسلّم : «كلّ ذلك لم يكن» أى لم يكن شىء من ذلك ولا بعضه ، ولو أخّر (كلا) وأدخله فى حيّز النفى لاقتضى أن يكون بعض ذلك قد كان فى ظنّه.

يذكر أبو حيان : «ذهب ابن أبى العافية وقال الأستاذ أبو على : لا فرق بين الرفع والنصب» (٢).

ثالثا : ترتيب ألفاظ التوكيد المجتمعة :

إذا اجتمعت ألفاظ التوكيد بدأت منها بالنفس فالعين ، ثم بكل ، ثم بأجمع فأكتع ، يليها أبتع وأبصع ، ولك أن تقدم إحدى الأخيرتين على الأخرى ، فتقول : حضر الطلبة أنفسهم أعينهم كلّهم أجمعهم أكتعهم أبتعهم أبصعهم. ذلك على الترتيب السابق ، فإذا أهملت الأول أتيت بما يليه ، وإذا أهملت أحدها ذكرت ما يليه.

رابعا : توابع أجمع :

ما يذكر بعد (أجمع) من ألفاظ التوكيد (أكتع وأبتع وأبصع) توابع لأجمع بخاصة ، بحيث إنه إذا لم تأت بها فإنك لا تأتى بما بعدها من هذه التوابع ، حيث لا يؤتى بالتابع دون المتبوع ، كما فى قولك : حسن بسن ، شيطان ليطان ، جائع نائع ، كثير بثير ... إلخ.

__________________

(١) البحر المحيط ٢ ـ ٤١٨.

(٢) ارتشاف الضرب ٢ ـ ٦١٥.

١١٩

خامسا : أجمع وتوابعها والصرف :

(أجمع) وما وازنها من ألفاظ التوكيد : على وزن (أفعل) ، وهو (أكتع ، أبتع ، وأبصع) ممنوعة من الصرف للعلمية ووزن الفعل ، وعلميّة هذه الألفاظ تتأتّى من أنها علم على معنى الإحاطة والشمول ، فتقول : انتصر الجيش كلّه أجمع أكتع أبتع أبصع ، برفع كلّ المؤكدات (كل) وما بعدها ، لكن (كلا) لا تنوّن ؛ لأنها مضافة.

أما أجمع وأكتع وأبتع وأبصع فإنها ترفع بضمة واحدة ؛ لأنها ممنوعة من الصرف للعلمية ووزن الفعل ، فلا تنوّن.

أما (جمعاء) وما وازنها من ألفاظ التوكيد (كتعاء وبتعاء وبصعاء) فإنها تمنع من الصرف لاختتامها بألف التأنيث الممدودة. فتقول : كافأنا الفرقة كلّها جمعاء كتعاء بتعاء بصعاء ، حيث (كل) وما بعدها من ألفاظ التوكيد منصوبة ، فلم تنون (كل) لإضافتها إلى الضمير ، أما ما بعدها فإنها لم تنوّن ؛ لأنها ممنوعة من الصرف ؛ لأنها مختومة بألف التأنيث الممدودة.

وأما (جمع) وما وازنه من ألفاظ التوكيد (كتع وبتع وبصع) فإنها ممنوعة من الصرف للعدل والتعريف السابق فى أجمع من العلمية ، فتقول : احترمت الزميلات كلّهن جمع كتع بتع بصع. حيث (كل) وما بعدها من ألفاظ التوكيد منصوبة ، ولم تنوّن (كل) لإضافتها إلى الضمير ، أما ما بعدها فلم تنوّن ؛ لأنها ممنوعة من الصرف للعدل والتعريف السابق فى أجمع ، وأرى أن المنع من الصرف فيها للعدل والوصفية.

سادسا : العطف والقطع فى المؤكدات :

لا يجوز عطف ألفاظ التوكيد على بعضها الآخر ، كما لا يجوز عطفها على مؤكداتها ، ولا يجوز فيها القطع إلى الرفع أو النصب ، فهى تابعة لا غير لمتبوعها ، وكلها ـ مهما تعددت ـ إتباع وتوكيد لمتبوعها (١).

__________________

(١) ينظر : الصبان على الأشمونى على ألفية ابن مالك ٣ ـ ٧٧.

١٢٠