النحو العربى

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربى

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٩٤

أولا : حذف المنعوت :

إذا كانت الصفة اسما فإنه يجوز أن يحذف المنعوت ويقام النعت مقامه فى المواضع الآتية :

أ ـ إذا ذكر الموصوف بلفظه قبل الصفة : كما هو فى قولهم : اسقنى ماء ولو حارا ، أى : ولو ماء حارا فكلمة (حارا) صفة لمحذوف.

ب ـ إذا كانت الصفة خاصة بجنس الموصوف ، نحو : أعجبت بكاتب ، أى : برجل كاتب ، حيث الكتابة تختصّ بالعقلاء. ومن ذلك : مررت برجل راكب صاهلا ، أى : فرسا صاهلا ، فالصهيل يختصّ به الخيل. ومنه قوله تعالى : (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ) [ص : ٥٢]. هذا بخلاف قولك : مررت برجل طويل ، حيث الصفة غير مختصّة بجنس الموصوف. ومنه قول أبى ذؤيب :

وعليهما مسرودتان قضاهما

داود أو صنع السوابغ تبّع (١)

حيث (مسرودتان) نعت لمحذوف ، والتقدير : درعان مسرودتان ، والسوابغ المراد بها (الدروع السوابغ).

ج ـ إذا كان النعت جملة أو شبه جملة والمنعوت بعض اسم تقدم عليه مجرور بـ (من ، أو فى) ، ومنهم من يشترط أن يكون المنعوت مرفوعا (٢).

من ذلك قولهم : منا ظعن ومنا أقام (٣) ، أى : إنسان ظعن ، وإنسان أقام ، فيكون كلّ من الجملتين الفعليتين : (ظعن ، وأقام) نعتا لمحذوف ، وتلحظ أن

__________________

(١) (عليهما) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر مقدم. (مسرودتان) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الألف ؛ لأنه مثنى. (قضاهما) فعل ماض مبنى على الفتح المقدر ، وضمير الغائبين مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (داود) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، نعت للمبتدإ. (أو) حرف عطف مبنى لا محل له إعرابيا. (صنع) معطوف على داود مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (السوابغ) مضاف إلى صنع مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (تبع) بدل أو عطف بيان مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

(٢) ينظر : شرح التصريح ٢ ـ ١١٨.

(٣) ينظر : شرح جمل الزجاجى لابن عصفور ١ ـ ٢١٩ / همع الهوامع ٢ ـ ١٢٠ / شرح التصريح ٢ / ١١٨.

٨١

المنعوت المحذوف (إنسان) بعض اسم تقدم عليه ، وهو ضمير المتكلمين ، وقد جرّ بحرف الجرّ (من).

ومنه قوله تعالى : (وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) [الجن : ١١] ، أى : ومنا قوم دون ذلك ، فتكون شبه الجملة (دون ذلك) نعتا لمحذوف ، وهو بعض ضمير المتكلمين المجرور بمن. ويرى الأخفش أن (دون) مرفوع استعمل هنا اسما (١).

ومنه قوله تعالى : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) [النساء : ٤٦] ، أى : قوم يحرفون ، فالجملة الفعلية (يحرفون) نعت لمحذوف ، هو جزء من الاسم الموصول المجرور بمن (٢).

وقوله تعالى : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ) [المائدة : ١٤]. أى : قوم أخذنا ميثاقهم.

وكذلك قوله تعالى : (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ) [التوبة : ١٠١] أى : قوم مردوا.

وقوله تعالى : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) [الصافات ١٦٤](٣) ، أى : ما من ملائكتنا إلا ملك له مقام.

ومنه : ما منا إلا على أهبة ، أى : إلا رجل على أهبة ، فشبه الجملة (على أهبة) نعت لمحذوف هو جزء من ضمير المتكلمين الذى هو فى محل جرّ بالحرف (من).

__________________

(١) حيث يكون فى إعراب (دون) وجه آخر ، وهو أنها بمعنى غير ، فتكون مبتدأ ، وبنى على الفتح لأنه اسم مبهم مضاف إلى مبنى ، فيبنى على الفتح.

(٢) يكون الإعراب على ذلك : (من الذين) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة خبر مقدم. (هادوا) فعل وفاعل ، والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب ، ومبتدأ الخبر شبه الجملة محذوف تقديره : قوم ، أو : فريق ، أو من ... (يحرفون) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، نعت للمبتدإ المحذوف. (الكلم) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (عن مواضعه) جار ومجرور ومضاف إليه مبنى ، وشبه الجملة متعلقة بالتحريف.

(٣) (منا) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر مقدم ، والمبتدأ محذوف وتكون الجملة الاسمية (له مقام) فى محل رفع ، نعت للمبتدإ المحذوف.

٨٢

ومن ذلك قول تميم بن مقبل :

وما الدهر إلا تارتان فمنهما

أموت وأخرى أبتغى العيش أكدح (١)

أى : فمنهما تارة أموت فيها وتارة أخرى ، فتكون الجملة الفعلية (أموت) فى محلّ رفع نعت لمنعوت محذوف ، وتقديره : تارة ، والمبتدأ المنعوت المحذوف جزء من الخبر المتقدم شبه الجملة : منهما.

وكذلك قول ذى الرمة :

فظلّوا ومنهم دمعه سابق له

وآخر يثنى دمعة العين باليد (٢)

ويجعلون تقديره : ومنهم من دمعه سابق له ، فتكون الجملة الاسمية فى محلّ رفع نعت لمبتدإ محذوف ، خبره المتقدم (منهم) ، وهو جزء منه.

__________________

(١) ديوانه ٢٤ / الكتاب ٢ ـ ٣٤٦ / المحتسب ١ ـ ١١٢ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٦٠٢ / همع الهوامع ٢ ـ ١٥١ / الدر المصون ٢ ـ ٣٧١.

(ما) حرف نفى مبنى. (الدهر) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (إلا) حرف استثناء مبنى. (تارتان) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الألف ؛ لأنه مثنى (فمنهما) الفاء تعقيبية لا محل لها. (منهما) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر مقدم ، والمبتدأ المؤخر محذوف تقديره تارة. (أموت) فعل مضارع مرفوع ، وفاعله مستتر تقديره : أنا ، والجملة الفعلية فى محل رفع نعت للمبتدإ المحذوف. (وأخرى) الواو حرف عطف مبنى. (أخرى) معطوف على المبتدإ المحذوف مرفوع ، وفاعله مستتر تقديره :أنا ، والجملة الفعلية فى محل رفع نعت لأخرى. (العيش) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (أكدح) فعل مضارع مرفوع ، وفاعله مستتر تقديره : (أنا) ، والجملة الفعلية فى محل نصب على الحالية.

(٢) ديوانه ١ ـ ١٤١ / البحر المحيط ٣ ـ ٢٦٢ / الدر المصو ٢ ـ ٣٧٢.

(ظلوا) فعل ماض مبنى على الضم ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع اسمها ، وخبرها محذوف دل عليه ما سبق ، تقديره : على هذه الحال ... (ودمعه) الواو للابتداء أو للحال ، مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة. (سابق) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، والجملة الاسمية فى محل رفع نعت للمبتدإ المحذوف. (له) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بسابق. (وآخر) الواو : حرف عطف مبنى. آخر : معطوف على المبتدإ المحذوف مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (يثنى) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : هو ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، نعت لآخر. (دمعة) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (العين) مضاف إليه دمعة مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (باليد) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بيثنى.

٨٣

ومن المقدم المجرور بحرف الجر (فى) قولهم : ما فى الناس إلا شكر أو كفر ، أى : إلا رجل شكر أو رجل كفر ، حيث الجملتان الفعليتان (شكر وكفر) نعتان لمحذوفين ، وكلّ منهما جزء من (الناس) المجرور بحرف الجر (فى).

ومنه قول أبى الأسود الجمالى : وينسب إلى حكيم بن معية :

لو قلت ما فى قومها لم تيثم

يفضلها فى حسب وميسم (١)

أى : لو قلت ما فى قومها أحد يفضلها لم تأثم فى قولك ، فالجملة الفعلية (يفضلها) نعت لمحذوف ، وتقديره : أحد ، وهو بعض الاسم المقدم المجرور بفى ، وهو (قومها).

أما قول الراجز : يرمى بكفّى كان من أرمى البشر (٢). فتقديره : بكفى رجل أو إنسان كان ... فحذف المنعوت فيه ضرورة ، حيث لم يكن مما سبق.

الموصوف والصفة فى لفظ واحد :

تتيح اللغة العربية فى ميلها إلى الإيجاز أن تبنى كلمات تحمل الواحدة منها الموصوف والصفة معا ، منها :

١ ـ المصغر : حيث تحمل الأسماء المصغرة دلالة اللفظ الجذرية والبنائية التى وضعت لهما ، مع تغيير فى البنية على أسس أحكام التصغير ، يضاف إليها دلالات التصغير من : تصغير ، وتقريب للزمن ، وتقريب للمسافة ، وتعظيم ، واستملاح ، وتحقير ... ، ذلك مثل : رجيل ، بنىّ ، بعيد ، قديديمة ، وأميميمة ، وشويعر ، ...

٢ ـ الصفات المشتقة : الصفة المشتقة يمكن أن نجعلها من الأسماء التى تحمل الشىء والحدث ، ولذلك فإنه يمكن أن يستغنى بها عن المنعوت.

__________________

(١) الكتاب ٢ ـ ٣٤٥ / معانى القرآن للفراء ١ ـ ٢٧١ / الخصائص ٢ ـ ٣٧٠ / شرح ابن يعيش ٣ ـ ٥٩ / شرح جمل الزجاجى لابن عصفور ٢٢١ / المساعد ٢ ـ ٢٣١ / شرح التصريح ٢ ـ ١١٨ / الأشمونى ٣ ـ ٧٠ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٦٠٣.

لم تيثم : لم تأثم ، الميسم : الجمال.

(٢) الإنصاف ١ ـ ١١٥ / المقرب ١ ـ ٢٢٧ / الأشمونى على ألفية ابن مالك ٣ ـ ٧١ / الخزانة ٥ ـ ٦٥. ويروى : (ترى بكفى ، وجادت بكفى).

٨٤

ومنهم من يرى وجوب حذف المنعوت كما فى قولك : جاء الفارس ، أى : الرجل الراكب الفرس ، ولا تقول : جاء الرجل الفارس ، وتقول : جاء الصاحب ، أى : الرجل الصاحب ، ولا تقول : جاء الرجل الصاحب (١).

٣ ـ إذا كانت الصفة هى المقصودة فى المعنى ، كما هو فى معنى المدح فى قوله تعالى : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) [آل عمران : ١١٥] ، أى : بالعباد المتقين. وكذلك كما هو فى معنى الذمّ فى قوله تعالى : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) [البقرة : ٩٥] ، أى : بالعباد الظالمين.

٤ ـ إذا كان المنعوت قد صاحبه ما يعنيه ، كأن يصحبه ما يصنع منه ، أو ما يتفرع عنه ، أو غير ذلك من القرائن الدالّة على الموصوف ، وذلك كما هو فى قوله تعالى : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) [سبأ : ١٠ ، ١١] ، إذ السابغات صفة للدروع ، وهى تصنع من الحديد ، فالحديد مصاحب للمنعوت ، فجاز حذفه.

٥ ـ الاستغناء عن الموصوف لقصد العموم : نلمس هذه الدلالة فى اجتماع صفتين متناقضتين عن طريق الحصر والقصر فى موصوف واحد ، كما هو فى قوله تعالى : (ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) [الكهف : ٤٩] ، حيث كل من : (صغيرة وكبيرة) صفتان لمحذوف ، وهما محصورتان بالنفى والاستثناء ليؤكدا عمومية الموصوف وشموليته ، ومثل ذلك قوله تعالى : (وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [الأنعام : ٥٩].

٦ ـ إذا استعملت الصفة استعمال الأسماء التى توصف بها ، بحيث إنها قد أصبحت دليلا عليها ، ومصطلحا عليها بين أبناء المجتمع اللغوىّ ، من مثل : الأبطح (للمكان الفسيح) ، والأبرق (للمكان الذى فيه حجارة سود وبيض) ، والأجزع (للمكان المستوى) ، والأدهم (للقيد الأسود)

__________________

(١) ينظر : حاشية الشيخ يس على شرح التصريح ٢ ـ ١١٨.

٨٥

ثانيا : حذف النعت :

يجوز حذف النعت إن علم. ويجعلون منه قوله تعالى : (وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) [الكهف : ٧٩] ، والتقدير : كل سفينة صالحة ، وبدليل أن سفينة المساكين قد أعيبت حتى لا يأخذها الملك.

ومن ذلك قول عباس بن مرداس :

وقد كنت فى الحرب ذا تدرإ

فلم أعط شيئا ولم أمنع (١)

حيث يذكر الشاعر أنه لم يعط شيئا ، ثم يذكر أنه لم يمنع تماما ، إذن هو قد أعطى ، لكن العطاء لم يكن مجزيا أو مقنعا ، ولذلك تقدر صفة محذوفة لشىء حتى يستوى المعنى ، والتقدير : فلم أعط شيئا طائلا.

وقول المرقش الأكبر :

وربّ أسيلة الخدّين بكر

مهفهفة لها فرع وجيد (٢)

__________________

(١) الصبان على الأشمونى على ألفية ابن مالك ٣ ـ ٧٢ / شرح التصريح ٢ ـ ١١٩. ذا تدرإ : صاحب قوة وعدة على دفع الأعداء.

(قد) حرف تحقيق مبنى لا محل له من الإعراب. (كنت) فعل ماض مبنى على السكون ، وتاء المتكلم ضمير مبنى فى محل رفع اسم كان. (ذا) خبر كان منصوب ، وعلامة نصبه الألف لأنه من الأسماء الستة. (تدرأ) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (فلم) الفاء تعقيبية لا محل لها. لم : حرف نفى وجزم وقلب مبنى لا محل له. (أعط) فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة ، مبنى للمفعول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره : أنا. (شيئا) مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (ولم أمنع) مثل إعراب الجملة السابقة عليها.

(٢) الصبان على الأشمونى على ألفية ابن مالك ٣ ـ ٧١ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٦٠٠ / شرح التصريح ٢ ـ ١١٩. الفرع : الشعر ، الجيد : العنق.

(رب) حرف جر شبيه بالزائد مبنى لا محل له إعرابيا. (أسيلة) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة. (الخدين) مضاف إلى أسيلة مجرور ، وعلامة جره الياء. (بكر) نعت لأسيلة مجرور على اللفظ ، (مهفهفة) نعت ثان لأسيلة مجرور على اللفظ ، (لها) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر مقدم. (فرع) مبتدأ مؤخر مرفوع ، والجملة فى محل رفع ، نعت ثالث لأسيلة. (وجيد) عاطف ومعطوف على فرع ، أما خبر المبتدإ أسيلة فهو فى الأبيات التالية.

٨٦

حيث قوله : لها فرع وجيد يصلح لكلّ الناس رجالهم ونسائهم ، وكلّ فتاة لها فرع وجيد بالضرورة ، إذن ؛ المعنى الذى يريده الشاعر يتطلب تقدير صفات محذوفة ، والتقدير : فرع فاحم وجيد طويل.

يذكر ابن مالك فى حذف النعت :

وما من المنعوت والنعت عقل

يجوز حذفه وفى النعت يقل

ثالثا : حذف النعت والمنعوت معا :

يذكر المفسرون واللغويون حذف النعت والمنعوت معا فى قوله تعالى : (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) [طه : ٧٤](١). حيث يقدرون : ولا يحيا حياة نافعة ، فحذف المنعوت والنعت معا.

قضايا أخرى فى النعت

يدرس فى هذا القسم القضايا الأخرى التى تتصل بالنعت ولم تذكر فى القضايا المجملة السابقة ؛ أن هذه تختص بالنعت والمنعوت معا ، أو بالنعت بمفرده ، ذلك على النحو الآتى :

أولا : الفصل بين النعت والمنعوت :

يكون الفصل بين النعت ومنعوته بما يأتى (٢) :

__________________

(١) (إنه) حرف توكيد ونصب ناسخ مبنى ، وضمير الشأن مبنى فى محل نصب ، اسم إن ، وخبره التركيب الشرطى. (من) اسم شرط جازم مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (يأت) فعل الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : هو. (ربه) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، أو منصوب على التوسع ، أو على نزع الخافض ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة إلى رب. (مجرما) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة. (فإن) الفاء حرف مبنى واقع فى جواب الشرط. إن : حرف توكيد مبنى لا محل له من الإعراب. (له) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل رفع خبر إن مقدم. (جهنم) اسم إن مؤخر منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط. (لا) حرف نفى مبنى. (يموت) فعل مضارع مرفوع ، وفاعله ضمير مستتر تقديره هو ، والجملة الفعلية فى محل نصب حال من الضمير الغائب ، أو من جهنم. (فيها) جار ومجرور مبنيان وشبه الجملة متعلقة بالموت. (ولا يحيى) عاطف وجملة فعلية منفية فى محل نصب بالعطف على جملة الحال.

(٢) ينظر : حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك : ٣ ـ ٥٧ ، ٥٨.

٨٧

١ ـ بالجملة الاعتراضية : ومنه قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) [الواقعة : ٧٦] ، حيث (عظيم) صفة لقسم مرفوعة ، وعلامة رفعها الضمة ، وتلحظ أنه قد فصل بينهما بالجملة الاعتراضية (لو تعلمون) ، وهى جملة لا محلّ لها من الإعراب.

٢ ـ بمعمول الصفة : نحو : (ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ) [ق : ٤٤] ، حيث (يسير) نعت لحشر مرفوع ، وشبه الجملة (علينا) متعلقة بالنعت (يسير) ، وكانت فاصلة بين المنعوت ونعته.

٣ ـ بمعمول الموصوف : كأن تقول : كانت مكافأتك الأول القيمة حافزا له ، حيث (القيمة) نعت لاسم كان (مكافأة) ، وفصل بينهما بمعمول المنعوت (الأول) ، فالأول مفعول به منصوب لمكافأة. ومنه قولهم : يعجبنى ضربك زيدا الشديد. يؤلمنى سبّك صديقنا المهين. أعجبت بإجابتك السؤال الأول الشاملة.

٤ ـ بعامل الموصوف : كأن تقول : الابن أكرمت الصغير ، حيث (الصغير) نعت منصوب للابن ، والمنعوت (الابن) مفعول به لـ (أكرم) الفاصل بينهما ، ومنه قولهم : زيدا ضربت القائم.

ويجعلون من ذلك مفسر عامل الموصوف ، وذلك فى قوله تعالى : (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ) [النساء : ١٧٦] ، حيث الجملة الفعلية (ليس له ولد) فى محل رفع نعت (امرؤ) وفصل بينهما بالفعل (هلك) ، وهو مفسر لفعل الشرط المحذوف العامل فى (امرؤ) ، ويقدر بـ (هلك) ، حيث يرى جمهور النحاة أن أدوات الشرط الجازمة لا يليها إلا الفعل ، ومثله أن تقول : إن رجل قام عاقل فأكرمه.

٥ ـ بمعمول عامل الموصوف : ومنه قوله تعالى : (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٩١) عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) [المؤمنون : ٩١ ، ٩٢] ، حيث (عالم) صفة مجرورة للفظ الجلالة (الله) ، وهو معمول للمصدر (سبحان) فهو مضاف إليه مجرور فى محلّ نصب مفعول به له ، وفصل بين النعت ومنعوته بشبه الجملة (عما يصفون) ، وهى

٨٨

متعلقة بسبحان ، أى : فصل بين النعت ومنعوته بمعمول عامل الموصوف ، وقد تعرب عالم (بدلا).

٦ ـ بالجملة الفعلية التى يكون فيها المنعوت والنعت فضلة فيها : كما هو فى قوله تعالى : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الأنعام : ١٤] ، (فاطر) نعت للفظ الجلالة (الله) ، وهما مجروران ، وقد فصل بينهما بالفعل والفاعل والمفعول به الأول (أتخذ وليا) ، هى الجملة التى كان فيها ما أضيف إلى المنعوت مفعولا به ثانيا. للعامل فيها (أتخذ) ، وهو (غير).

٧ ـ بالمبتدإ الذى تقدم خبره وفيه الموصوف : ومنه قوله تعالى : (أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [إبراهيم : ١٠] ، حيث (فاطر) نعت للفظ الجلالة (الله) ، وقد فصل بينهما بالمبتدإ (شك) ، والمنعوت جزء من الخبر المتقدم. ويجوز أن تعرب (فاطر) بدلا أو عطف بيان.

٨ ـ بالخبر : كقولهم : زيد قائم العاقل ، (العاقل) صفة للمبتدإ زيد ، وفصل بينهما بالخبر قائم.

٩ ـ بالقسم : كقولهم : زيد ـ والله ـ العاقل قائم ، (العاقل) صفة لزيد ، وفصل بينهما بالجملة القسمية (والله).

١٠ ـ بجواب القسم : كما هو فى قوله تعالى : (بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ) [سبأ : ٣]. حيث (عالم) نعت مجرور للمقسم به المجرور (رب) ، وقد فصل بينهما بجملة جواب القسم (لتأتينكم) ، وقد يعرب بدلا.

١١ ـ بالاستثناء : كقولهم : ما جاءنى أحد إلا زيدا خير منك ، حيث (خير) صفة مرفوعة للفاعل (أحد) ، وقد فصل بينهما بأداة الاستثناء والمستثنى (زيدا).

ثانيا : تقديم الصفة على الموصوف :

لا يجوز تقديم الصفة على الموصوف ، حيث إنها ـ فى أصل بنيتها ـ تحمل ضميرا مستترا أو مقدرا يعود على منعوتها ، وبذلك لا يجوز تقدمها عليه ، فإن

٨٩

تقدم النعت على منعوته وكان المنعوت نكرة أعربت حالا ، كما هو فى قول الشاعر :

لميّة موحشا طلل

يلوح كأنّه خلل (١)

المقصود (طلل موحش) ، فموحش صفة لطلل ، فلما تقدمت عليه أصبحت حالا ونصبت. وإن تقدم النعت على المنعوت ـ وكان معرفة ـ أعرب المنعوت بدلا من النعت المتقدم. ومنه قوله تعالى : (إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١) اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) [إبراهيم : ١ ، ٢] ، حيث (العزيز والحميد) صفتان للفظ الجلالة (الله) ، فلما تقدمتا عليه صارتا بدلين منه.

ومن النحاة من يعرب مثل هذه الصفات المعرفة المتقدمة صفات مقدمة.

ثالثا : إضافة الصفة إلى الموصوف :

قد تضاف الصفة إلى الموصوف ، وتصبح مضافا له موقعه الإعرابى الذى كان يحتلّه موصوفها ، ويصبح الموصوف مضافا إليها مجرورا ، من ذلك قوله تعالى : (وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً) [الجن : ٣] ، وأصله : (ربنا الجد) ، أى : العظيم ، وتكون (جد) فاعلا مرفوعا ، وعلامة رفعه الضمة ، أما (ربنا) فإنه يكون مضافا إلى جد مجرورا ، وعلامة جره الكسرة ، وضمير المتكلمين مبنى فى محلّ جر بالإضافة إلى (رب).

رابعا : تقديم معمول الصفة :

لا يجوز تقديم معمول الصفة على موصوفها ، ففى القول : هذا رجل يأكل طعامك ، حيث الجملة الفعلية (يأكل) فى محل رفع نعت لرجل ، و (طعام) مفعول

__________________

(١) (لمية) اللام : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. مية : اسم مجرور بعد اللام ، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة ؛ لأنه ممنوع من الصرف. وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر مقدم. (موحشا) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة. (طلل) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (يلوح) فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله مستتر تقديره : هو ، والجملة الفعلية فى محل رفع نعت لطلل. (كأنه) حرف تشبيه مبنى لا محل له إعرابيا ، وضمير الغائب مبنى فى محل نصب اسم كأن. (خلل) خبر كأن مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، والجملة فى محل نصب ، حال من الضمير المستتر فى يلوح.

٩٠

به للفعل يأكل ، فيكون معمولا للصفة ، فلا يجوز تقديمه على الموصوف ، فلا يقال : هذا طعامك رجل يأكل. بنصب (طعام).

وأجازه الكوفيون والزمخشرى (١) ، وجعلوا منه قوله تعالى : (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) [النساء : ٦٣] ، حيث شبه الجملة (فى أنفسهم) متعلقة ببليغ ، وهى صفة لقول ، وقد تقدمت على الموصوف. فبهذا التحليل تقدم معمول النعت على المعمول (٢).

خامسا : النعت بلفظ (آخر وأخرى):

إذا كان النعت بلفظى (آخر وأخرى) فإنه يشترط فى الوصف به أن يتقدم على الموصوف لفظ آخر صادق عليه. فتقول : جاءنى رجل ورجل آخر ؛ لأن كلا من الموصوف وما عطف عليه يصدق على الآخر ، ولا تقول : جاءنى زيد وعمرو الآخر ؛ لأن عمرا غير زيد. وتقول : رأيت محبا ومبغضا لك آخر ، لأنهما صفتان لموصوف محذوف يصدق عليهما ، وهو إنسان ، ولكنك لا تقول : رأيت إنسانا وحيا آخر.

وتقول : رأيت زينب وهندا جارتها الأخرى ، إذا كانت هند جارة لزينب ، ليصدق عليهما لفظ واحد وهو (جارة). وتقول : دخلت دار عبد الله ومنزله الآخر ؛ لأن الدار والمنزل يصدق كلّ منهما على الآخر. وتقول : رأيت طفلة وصبية أخرى ، وجاءنى رجل ورأيت طفلا وصبية أخرى (٣).

سادسا : عطف النعوت :

يجوز عطف بعض النعوت على بعضها السابق عليها بجميع أحرف العطف عدا (أم) ، وأجاز ابن خروف العطف به ، فتقول : أجاب طالب منتبه وذكىّ فيحرص على استيعاب الشرح ثم يناقش فيه ، حيث كلّ من : (منتبه ، وذكى ، ويحرص ،

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ٣ ـ ٢٨١ / الكشاف ١ ـ ٥٣٧.

(٢) فى تعلق شبه الجملة أوجه منها : تعلقها بفعل الأمر : قل. (ينظر : الدر المصون ٢ ـ ٣٨٣).

(٣) ينظر فى ذلك : شرح القمولى ٢ ـ ٤٣٣.

٩١

ويناقش) صفات للموصوف (طالب) ، وقد عطفت على الأولى منها باستخدام الواو ، والفاء ، وثم.

يذكر أبو حيان : «ولما كانت المعانى متقاربة لم يكن العطف مختارا ، نحو قوله تعالى : (هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ) [الحشر : ٢٤] ، ولمّا تباعدت كان العطف مختارا ، نحو قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى) [الأعلى : ٢ ، ٣ ، ٤]. والعطف سائغ سواء أكانت النعوت متبعة أو مقطوعة» (١).

سابعا : عطف النعت بالفاء :

قد يعطف بين النعوت بحرف العطف (الفاء) لأداء إحدى الدلالتين الآتيتين :

الأولى : للدلالة على ترتيب معانى الصفات فى الوجود. من ذلك قول ابن زيّابة :

يا لهف ابن زيّابة للحارث

فالصابح فالغانم فالآيب (٢)

حيث : (الصابح ، والغانم ، والآيب) صفات للحارث ، وقد عطف بينها بالفاء للدلالة على الترتيب ، أى : الذى صبح فغنم فآب.

والأخرى : للدلالة على ترتيبها فى التفاوت. كأن يقال : خذ الأفضل فالأكمل ، فالأكمل صفة تفوق صفة الأفضل ، ولذلك استخدمت الفاء للعطف بينهما للدلالة على التفاوت بين الصفتين. وتقول : أجب عن السؤال السهل فالعسير فالأعسر.

وتقول فى المصرىّ الذى استوطن دمشق فبغداد : الرجل المصرى والدمشقى والبغدادى ؛ لأداء ترتيب الصفات. وقد تقول مستخدما العاطف (ثم) : الرجل المصرى ثم الدمشقى ثم البغدادى.

ثامنا : في ترتيب الصفات حال تعددها وتعدد موصوفاتها :

إذا تعددت النعوت ، وكان منها ما هو خاص ومنها ما هو عام ؛ فيجب أن نتبع كلّ منعوت بنعته الخاص به ، والذى لا يشركه فيه منعوتات أخرى مذكورة ؛ وبعد

__________________

(١) ارتشاف الضرب : ٢ ـ ٥٩٤.

(٢) ينظر : الجنى الدانى : ٦٥ / شرح القمولى على الكافية : ٢ ـ ٤١٧.

٩٢

ذكر كل المنعوتات تذكر النعوت العامة التى تشترك فيها كل المنعوتات المذكورة فى الجملة.

كأن تقول : جاءنى رجل وامرأتان ، وتريد أن تصفهم جميعا بأنهم عقلاء ، وتصف المرأتين بأنهما حبليان ، وتصف الرجل بأنه حكيم ، ؛ فتقول : جاءنى رجل حكيم وامرأتان حبليان عقلاء (١).

تاسعا : الصفة والموصوف كالاسم الواحد :

الصفة والموصوف بمثابة الاسم الواحد ، ويمكن أن ندلل على ذلك ـ فى إيجاز ـ من خلال ما يأتى :

أ ـ تتضمن الصفة الموصوف فى دلالة بنيتها الشائعة ، فإذا كانت البنية لا تتحمل الموصوف فإنها توؤل إلى ما يتحمله من بنية.

ب ـ المطابقة الواجبة بين الصفة والموصوف ، وقد فسرت فى كل نوع من نوعى النعت.

ج ـ إذا أخبرت عن اسم بما يدلّ على العموم ، وذلك بذكر فاء الجواب والجزاء فى صدره ؛ فإن المبتدأ يجب أن يوصف بما يدل على العموم. ففى قوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) [الجمعة : ٨] ، تجد أن خبر اسم (إن) وهو : (فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) قد تصدر بفاء الجواب والجزاء ، ذلك لأن المبتدأ ، وهو اسم (إن) : (الموت) قد وصف بما يدل على العموم ، وهو الاسم الموصول (الذى) مع صلته ، مما أجاز دخول الفاء على الخبر ، وهذا دليل على أن الموصوف أصبح اسما عاما باعتبار صفته الاسم العام.

ولو أنك حذفت الصفة فقلت : إن الموت فإنه ملاقيكم ـ فإنه لا يجوز (٢).

__________________

(١) يرجع إلى : البحر المحيط ١ ـ ٣٤٩ / الدر المصون ١ ـ ٦٧٦.

(٢) ينظر : شرح المفصل لابن يعيش ٢ ـ ٤.

٩٣

د ـ كما أن الدليل على أن الصفة كالجزء من الموصوف أنها لا تتقدم عليه ، فلا تقول : مررت بظريف رجل ولا العاقل الرجل ، تريد برجل ظريف ، والرجل العاقل (١).

عاشرا : ربما جاؤوا بالصفة على قياس الفعل ، ولا يتكلمون بفعلها

، من ذلك أنهم قالوا : رجل أظفر ، للطويل الأظفار ، وأعين ، للكبير العين ، وأعنق ، للطويل العنق ، ورجل أشعر ، للطويل الشعر ، وكبش أصوف (٢).

__________________

(١) ينظر : المقتصد فى شرح الإيضاح ٢ ـ ٧٧١.

(٢) يرجع إلى : أمالى المرزوقى ١٠٥.

٩٤

التوكيد (١)

التوكيد والتأكيد لغتان ، حيث يقال : وكّد توكيدا ، وأكّد تأكيدا ، وهو بالواو أكثر ، فهما مصدران وضعا على الأسماء.

والتوكيد ـ اصطلاحا : تابع يقرر أمر المتبوع فى النسبة أو الشمول (٢)

والغرض من التوكيد فى الكلام تمكين المعنى فى نفس السامع ، وإزالة اللّبس الذى قد يتوهّم ، ورفع أى مجاز قد يحتمله الكلام ، فالتوكيد يستخدم لإثبات الحقيقة التى يقصد المتحدث إيصالها للمستمع أو المتلقى.

يطلق الكوفيون اسم النعت على التأكيد ، ولا يريدون حقيقة النعت ، لكن التأكيد يعد تكريرا للأول ، إما باللفظ نفسه ، وإما بما يزيل الشكّ فى إرادته ذاته ، دون غيره أو سببه ، وإما بما يؤكد الإحاطة به كله ، وشمول مدلول لفظه.

وللتوكيد نوعان : لفظىّ ، ومعنوىّ.

التوكيد اللفظىّ :

يتحقق التوكيد اللفظىّ بتكرير الأول بعينه ؛ لأداء المعنى الأول ذاته ، لتمكين معناه فى النفس سواء أكان اسما ، أم فعلا ، أم حرفا ، أم جملة.

__________________

(١) اعتمدت هذه الدراسة على :الكتاب ١ ـ ٢٤٧ ، ٢٧٩ / ٢ ـ ١٩٤ ، ٣٥١ / ٣ ـ ٥٠٢ / المقتضب ١ ـ ١٤ / ٢ ـ ٢٢٨ / ٣ ـ ٢١ ، ٢٠٩ ، ٢٤١ ، ٣٨٠ / ٤ ـ ٣٧١ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ١٦٣ / شرح المقدمة المحسبة لابن بابشاذ ٢ ـ ٤٠٧ / المقتصد فى شرح الإيضاح ٢ ـ ٨٩٦ / شرح عيون الإعراب ٢٢١ / المفصل ١١٠ / الهادى فى الإعراب ٥٨٠ / شرح المفصل لابن يعيش ٣ ـ ٣٩ / الإيضاح فى شرح المفصل لابن الحاجب ١ ـ ٤٣٥ / الرضى على الكافية ١ ـ ٣٢٨ / المقرب ١ ـ ٢٣٨ / البسيط فى شرح جمل الزجاجى ١ ـ ٣٦١ / التسهيل ١٦٤ / شرح ابن الناظم ٥٠١ / شرح ألفية ابن معطى ١ ـ ٧٥٥ / شرح ابن عقيل ٣ ـ ٢٠٦ / المساعد ٢ ـ ٣٨٤ / شفاء العليل ٢ ـ ٧٣٥ / الجامع الصغير ١٨٨ / شرح جمل الزجاجى لابن هشام ١١٩ / الصبان على الأشمونى على ألفية ابن مالك ٣ ـ ٧٣ / الفوائد الضيائية ٢ ـ ٥٦ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٦٠٨ / شرح اللمحة البدرية ٢ ـ ٢٨٤ / شرح التحفة الوردية ٢٧٦ / كشف الوافية فى شرح الكافية ٢٧٠ / شرح التصريح ٢ ـ ١٢٠ / همع الهوامع ٢ ـ ١٢٢.

(٢) شرح الرضى على الكافية ١ ـ ٣٢٨.

٩٥

ذلك نحو : حضر المجتهد المجتهد. كلمة (المجتهد) الثانية توكيد لفظىّ للأولى مرفوعة ، وعلامة رفعها الضمة.

جاء رجل رجل. النكرة (رجل) الثانية توكيد للفاعل النكرة (رجل) الأولى ، مرفوع وعلامة رفعه الضمة.

ومن توكيد الفعل أن تقول : جاء جاء رجل.

ومن توكيد الجملة : حضر الأول ، حضر الأول ، وحضر الأول حضر ، وافهم افهم ، ومنه قول الشاعر.

فأين إلى أين النجاة ببغلتى

أتاك أتاك اللّاحقون احبس احبس (١)

حيث الفعل (أتى) توكيد للفعل الأول ، ولو لم يكن كذلك لألحقته واو الجماعة ، أو ألحقت بالأول منهما.

وتقول : أعجبت بالحريص على أداء واجبه بالحريص على أداء واجبه ، حيث تكرر حرف الجر بما اتصل به.

وتقول : إن زيدا إن زيدا قائم ، وفى قوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) [هود : ١٠٨] ، (فيها) توكيد لقوله تعالى (فى الجنة).

كيفية التوكيد اللفظى

أولا : الاسم الظاهر :

إذا أريد توكيد الاسم الظاهر فإنه يكرر بلا شرط ، فتقول : محمد محمد مجد.

(محمد) الثانية توكيد للأولى مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

ومنه قول مسكين الدارمى :

أخاك أخاك إن من لا أخا له

كساع إلى الهيجا بغير سلاح (٢)

__________________

(١) الخصائص ٣ ـ ١٠٣ / الجمل ١٨٨ / شرح الكافية الشافية ٢ ـ ٦٤٢ / شرح ألفية ابن معطى ١ ـ ٧٥٥ / المساعد ١ ـ ٤٥٠ / شرح ابن عقيل ٣ ـ / ٢١٤ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٦١٦.

(٢) ديوانه ٢٩ / الجامع الصغير ١٨٨ / العينى على الأشمونى على الصبان ٣ ـ ١٩٢ / وينسب إلى إبراهيم بن هرمة. ملحقات ديوانه ٢٦٣.

٩٦

حيث كرر المنصوب على الإغراء (أخاك) للتوكيد.

ومنه قول جرير :

فهيهات هيهات العقيق ومن به

وهيهات خلّ بالعقيق نواصله (١)

حيث أكد الشاعر اسم الفعل (هيهات) توكيدا لفطيا بتكريره ، ولذلك فإن

هيهات الثانية لا تحتاج إلى فاعل ؛ لأنها لم يؤت بها إلا لتأكيد الأول.

ثانيا : الضمير المنصوب المنفصل :

يؤكد الضمير المنصوب المنفصل توكيدا لفظيا بتكريره بلا شرط فتقول : إياه إياه أعنى ، حيث (إياه) ضمير مبنى فى محلّ نصب ، مفعول به مقدم ، و (إياه) الأخرى توكيد لفظىّ ضمير مبنى في محلّ نصب.

ومنه قول الفضل بن عبد الرحمن :

فإيّاك إيّاك المراء فإنه

إلى الشرّ دعّاء وللشرّ جالب (٢)

حيث (احذر) ضمير مبنى فى محل نصب على التحذير ، مفعول به لفعل محذوف تقديره احذر ، أما (إياك) الضمير الثانى فهو فى محلّ نصب على التوكيد اللفظى للأول.

ثالثا : الفعل :

يؤكد الفعل توكيدا لفظيا بلا شرط ، فيقال : كوفئ كوفئ المجدّ ، حيث (كوفئ) فعل ماض مبنى على الفتح مبنى للمجهول ، و (كوفىء) الثانى فعل ماض مبنى على الفتح ، توكيد لفظى للأول.

__________________

(١) الخصائص ٣ ـ ٤٢ / الإيضاح ١ ـ ١٦٥ / شرح المفصل لابن يعيش ٤ ـ ٣٥ / البسيط فى شرح جمل الزجاجى ١ ـ ٣٦ / المقرب ١ ـ ١٣٤ / شرح اللمحة البدرية ١ ـ ٣٣٩ / شرح التصريح ١ ـ ٣١٨ ، ٢ ـ ١٩٩.

(٢) الكتاب ١ ـ ٢٧٩ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ٢٥ / الصبان على الأشمونى على الألفية ٢ ـ ٨٠ / شرح التصريح ٢ ـ ١٢٨ / الخزانة ١ ـ ٤٦٥. المراء : الجدال.

٩٧

رابعا : الحرف الجوابى

يؤكد الحرف الجوابى بتكريره بلا شرط ، والحرف الجوابى نحو : لا ، نعم ، إى ، جير ، بلى. ومنه قول جميل بثينة :

لا لا أبوح بحبّ بثنة إنها

أخذت علىّ مواثقا وعهودا (١)

حيث أراد الشاعر توكيد حرف النفى الجوابىّ (لا) فكرّره.

خامسا : الحرف غير الجوابىّ :

إذا أكد الحرف غير الجوابىّ توكيدا لفظيا وجب أن يعاد معه ما يدخل عليه.

ومنه أن تقول : إنّ محمدا إن محمدا لفاضل ، وقد تقول : إن محمدا إنه لفاضل ، فكرّرت الحرف الناسخ المؤكد (إن) ، كما كررت ما نسخه أو أكّده وهو (محمد) ، أو كررت ضميره كما هو فى المثال الثانى.

ومنه قوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) [هود : ١٠٨](٢) ، حيث تكرر حرف الجر (فى) على سبيل التوكيد ، فأعيد ضمير ما دخل عليه.

فالمؤكّد (فى الجنة) ، والتوكيد (فيها).

__________________

(١) الجامع الصغير ١٨٨ / شرح ألفية ابن معطى ١ ـ ٧٥٦ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٦١٦ / الصبان على الأشمونى على ألفية ابن مالك ٣ ـ ٨٤ / شرح التصريح ٢ ـ ١٢٩ / الهمع ٢ ـ ١٢٥ / الخزانة ٢ ـ ٣٥٢ / الدرر ٢ ـ ١٥٩.

شبه جملة (بحب) متعلقة بالبوح. (بثنة) مضاف إلى حب مجرور ، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة ؛ لأنه ممنوع من الصرف. جملة (أخذت) الفعلية فى محل رفع خبر إن. (علىّ) شبه جملة متعلقة بالأخذ. (مواثقا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو ممنوع من الصرف ؛ لأنه منتهى الجموع ؛ لكنه صرف هنا للضرورة الشعرية.

(٢) (أما) حرف فيه معنى الشرط مبنى لا محل له من الإعراب. (الذين) اسم موصول مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (سعدوا) فعل ماض مبنى على الضم لإسناده إلى واو الجماعة ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، نائب فاعل ، والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. (ففى) الفاء جواب وجزاء مبنى لا محل له من الإعراب. (في) حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. (الجنة) اسم مجرور بفى ، وعلامة جره الكسرة. وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر المبتدإ. (خالدين) حال من واو الجماعة أو من الضمير المستتر في محذوف شبه الجملة الخبر منصوبة ، وعلامة نصبها الياء. (فيها) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالخلود.

٩٨

ومنه قوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [آل عمران : ١٠٧] ، (فيها) توكيد لفظى للحروف ، والتقدير : فهم خالدون فى رحمة الله فيها ، فأكد اللفظ بإعادة ضمير ما دخل عليه.

وقوله تعالى : (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) [المؤمنون : ٣٥] من أوجه إعراب (أن) الثانية أنها توكيد للحرف الأول (أنّ) توكيدا لفظيا ، فتكرر معه ما اتصل به من ضمير المخاطبين.

ومنه قول الكميت بن زيد الأسدى :

فتلك ولاة السوء قد طال مكثهم

فحتّام حتّام العناء المطوّل (١)

وقد شذّ من ذلك قول خطام المجاشعى أو الأغلب العجلى :

حتى تراها وكأنّ وكأن

أعناقها مشددات بقرن (٢)

حيث كرر حرف التشبيه (كأنّ) للتوكيد ، لكنه لم يكرر ما دخل عليه.

ومما شذّ كذلك قول رجل من بنى أسد :

فلا والله لا يلفى بهم لما بى

ولا للما بهم أبدا دواء (٣)

__________________

(١) ارتشاف الضرب ٢ ـ ٦١٦ / المساعد ٢ ـ ٣٩٧ / العيني على الأشمونى والصبان ٣ ـ ٨٠ (تلك) اسم إشارة مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (ولاة) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، (السوء) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (قد) حرف تحقيق مبنى لا محل له من الإعراب. (طال) فعل ماض مبنى على الفتح (مكثهم) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. وضمير الغائبين مبنى في محل جر بالإضافة. والجملة الفعلية فى محل نصب ، حال. (فحتام) الفاء حرف تعقيب مبنى لا محل له من الإعراب. حتى : حرف غاية وجر مبنى لا محل له من الإعراب. وما : اسم استفهام مبنى فى محل جر : بحتى. وشبه الجملة متعلقة بالخبر المحذوف. (يلاحظ حذف ألف ما فى الكتابة لأن ما مسبوقة بحرف جر : حتى) (حتام) توكيد لحتام الأولى. (العناء) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (المطول) صفة للعناء مرفوعة ، وعلامة رفعها الضمة.

(٢) شرح ابن الناظم ٥١٢ / المساعد ٢ ـ ٣٩٩ / شفاء العليل ٢ ـ ٧٤٤ / شرح التصريح ٢ ـ ١٣٠ / الصبان على الأشمونى ٣ ـ ٨٣ / همع الهوامع ٢ ـ ١٢٥ / الدرر ٢ ـ ١٦٠ ، القرن : الحبل يقرن به البعير.

(٣) شرح ابن الناظم ٥١٢ / المقرب ١ ـ ٢٣٨ / المساعد ٢ ـ ٣٩٨ / شفاء العليل ٢ ـ ٧٤٤ / شرح التصريح ٢ ـ ١٣٠ / الصبان على الأشمونى ٣ ـ ٨٣ / الدرر ٢ ـ ١٥.

٩٩

حرف الجر (اللام) مؤكد موضوع على حرف واحد ، واتصل بمثله بدون تكرار ما دخل عليه ، فتوالى الحرفان بلا فاصل ، والنحاة يشترطون وجود فاصل بين الحرفين المؤكد والمؤكد به.

سادسا : تأكيد الاسم الموصول :

إذا أكد الاسم الموصول تأكيدا لفظيا فإنه يتكرر بإعادة صلته ، فتقول : كوفئ الذى أجاب الذى أجاب.

سابعا : تأكيد الضمير المتصل :

إذا أكد الضمير المتصل تأكيدا لفظيا فإنه يكون بضمير الرفع المنفصل الذى يقابله ، فتقول : كوفئت أنت. حيث ضمير الرفع المنفصل (أنت) تأكيد لضمير الرفع المتصل (التاء).

ونقول : كافأتك أنت ، وأعجبت بك أنت ، واستمعت أنا إليه هو.

فإذا أردنا توكيد الضمير المتصل لفظيا بتكريره ذاته فإننا نكرّره مع ما اتصل به ، فيقال : حضرت حضرت ، أفهمك أفهمك. طلبت منك منك ، وطلبت طلبت منك.

يذكر ابن مالك :

ولا تعد لفظ ضمير متصل

إلا مع اللفظ الذى به وصل

ثامنا : تأكيد الجملة :

عند ما تؤكد الجملة تأكيدا لفظيا فالأكثر أن تقرن بحرف العطف (ثم) ، من ذلك قوله تعالى : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) [التكاثر : ٣ ، ٤] ، حيث تكررت الجملة للتوكيد ، وفصل بين الجملتين بحرف العطف (ثم).

وقوله تعالى : (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) [الانفطار ١٧ ، ١٨](١).

__________________

(١) (ما) اسم استفهام مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (أدراك) فعل ماض مبنى على الفتح المقدر. والفاعل

١٠٠