النحو العربي - ج ٣

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٣

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٦٠٨

لصاحب الحال الواحدة عدة أحوال ، أى : عدة هيئات أثناء إحداث حدث واحد ؛ لأنه يجوز أن يقبل علينا محمد وهو فى حال مشى ، وحال ضحك ، وحال إمساك بكتابه بيده اليمنى ، وحال رفع لقلمه بيده اليسرى ، وحال تغطية لرأسه ، وحال تجرد من ملابسه الخارجية .... إلى غير ذلك من الهيئات التى تبين حاله أثناء إقباله علينا ، وهو عمل واحد لصاحب واحد فى وقت واحد ، ولكن الهيئات متعددة ، بشرط ألا تكون هيئات متناقضة ، كالمشى والجرى أو الضحك والبكاء ، أو التجرد من الملابس ولبسها ، إلى غير ذلك. فتقول فيما سبق : أقبل علينا محمد ماشيا ، ضاحكا ، ممسكا كتابه بيمناه ، رافعا قلمه بيسراه ، مغطيا رأسه ، متجردا من ملابسه الخارجية ... إلخ.

كما يجوز تعدد الحال من صاحب واحد ، لعامل واحد والأحوال مختلفة المبنى ، فتقول : قرأت الموضوع فكرة فكرة ، فى انتباه ، فاهما كلّ أفكاره ، وأنا مستغرق فى قراءته ، لا أنصرف عنه إلى موضوع آخر. وكل من : الاسم الجامد : فكرة فكرة ، وشبه الجملة (فى انتباه) ، والصفة المشتقة (فاهما) ، والجملة الاسمية (وأنا مستغرق) ، والجملة الفعلية (لا أنصرف) حال من الفاعل ضمير المتكلم فى (قرأت) ، والعامل الفعل (قرأ).

نتقابل فى دراسة تعدد الحال مع عدة تراكيب يكون عليها التعدد :

 ـ فقد يكون التعدد فى الحال فى اللفظ والمعنى وصاحبها واحد ، نحو : أقبلت على دراستى شغوفا مجتهدا لدىّ أمل فى التفوق. حيث كل من : (شغوفا ، مجتهدا ، لدىّ أمل) حال منصوبة فى الأولى والثانية ، وفى محل نصب فى الثالثة ، وهى جملة اسمية ، وصاحب الحال الفاعل تاء المتكلم فى (أقبلت) ، فالحال متعددة فى اللفظ والمعنى.

ومنه قول الشاعر :

علىّ إذا لاقيت ليلى بخلوة

أن أزور بيت الله رجلان حافيا (١)

__________________

(١) شرح التصريح ١ ـ ٣٨٥.

٨١

حيث (رجلان حافيا) حالان من الفاعل المستتر فى (أزور).

ومنه قوله تعالى : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً) [الفجر : ٢٧ ، ٢٨]. (راضية مرضية) حالان منصوبتان ، وعلامة نصب كل منهما الفتحة ، وصاحبهما ضمير المخاطبة الفاعل فى (ارجعى).

ومنه ما ذكرناه من قوله تعالى : (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (٢) خافِضَةٌ رافِعَةٌ) [الواقعة : ٢ ـ ٣] بنصب (خافضة ورافعة).

ومنه قوله تعالى : (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً) [الأعراف : ١٥٠].

وكل من : (غضبان ، وأسفا) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة من (موسى) ، وهو فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة.

الحظ أن (غضبان) لم تنون ؛ لأنها ممنوعة من الصرف ؛ للوصفية ووزن فعلان الذى مؤنثه (فعلى) ، (غضبى).

ومن ذلك قول المتنبى :

قبّلتها ودموعى مزج أدمعها

وقبّلتنى على خوف فما لفم (١)

حيث شبه الجملة (على خوف) ، والاسم الجامد (فما لفم) حالان من الفاعل الضمير المستتر فى (قبّلتنى) ، فالحالان صاحبهما واحد.

 ـ وقد يكون تعدد الحال مع تعدد فى اللفظ والمعنى ، وصاحبها متعدد فى المعنى دون اللفظ ، كما فى قوله تعالى : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ) [الرحمن : ١٩ ، ٢٠]. كل من : الجملة الفعلية (يلتقيان) ، والجملة الاسمية (بينهما برزخ) ، والجملة الفعلية (لا يبغيان) فى محل نصب ، حال من (البحرين).

__________________

(١) الجملة الاسمية (ودموعى مزج أدمعها) فى محل نصب على الحالية من الفاعل ضمير المتكلم فى (قبلتها). يجوز أن تجعل شبه الجملة (على خوف) حالا من الفاعل المستتر فى قبلتنى ، أو من الفاعل والمفعول به معا ، والتقدير : خائفة ، أو : خائفين.

٨٢

 ـ قد يكون التعدد كما هو فى التركيب السابق لكنه باستعمال حرف العطف ، كأن تقول : أقبلت على دراستى شغوفا ومجتهدا ، ولدىّ أمل فى التفوق. أنت تلحظ عطف الأحوال بوساطة الواو.

ومنه قوله تعالى : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ)(١) [آل عمران : ٣٩].

كل من : (مصدقا ، سيدا ، حصورا ، نبيا) حال من يحيى ، لكنها أحوال معطوفة على الحال الأولى.

ومن النحاة من يرى أن مثل هذا التركيب ليس من قبيل تعدد الحال ؛ لأنّ من شرط التعدد عدم الاقتران بحرف العطف (٢).

 ـ قد يكون تعدد الحال فى اللفظ دون المعنى وصاحبها واحد ، كأن يقال : أكلت الرمان حلوا حامضا ، حيث (حلوا حامضا) حالان فيهما تعدد فى اللفظ ، لكن معناهما واحد ، وهو : (مزّ) ، فكأنك سبكت من الحالين حالا واحدة ، أو حولت الحال الواحدة إلى حالين متضامنتين فى المعنى.

 ـ قد يكون تعدد الحال فى المعنى دون اللفظ ، سواء أكان صاحبها متعددا فى المعنى دون اللفظ ، نحو : جاء الطالبان مسرعين ، وجلس الحاضرون منتبهين ، حيث كل من (مسرعين ، منتبهين) حال من الطالبين والحاضرين ، وإن كان المعنى فيهما يدل على التثنية فى الأولى ، والجمع فى الثانية ، فاللفظ واحد.

ومنه قوله تعالى : (وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ) [لنحل : ١٤]. (مواخر) حال منصوبة بالفتحة من (الفلك) ، وهو جمع.

__________________

(١) الجملة الاسمية (وهو قائم) فى محل نصب على الحالية من المفعول به ضمير الغائب فى (نادته). الجملة الفعلية (يصلى) يجوز أن تكون خبرا ثانيا للمبتدإ (هو) فى محل رفع ، ويجوز أن تجعلها فى محل نصب على الحالية من الضمير المستكن فى اسم الفاعل (قائم). (أن الله يبشرك) المصدر المؤول من (أن) المفتوحة الهمزة ، واسمها لفظ الجلالة ، وخبرها الجملة الفعلية فى محل نصب على نزع الخافض ، أو فى محل جر بتقدير وجود حرف الجر. والتقدير : بأن الله يبشرك. وفيها قراءة كسر همزة (أن) على إجراء النداء مجرى القول ، أو على إضمار القول ، والتقدير : فقالت له الملائكة : إن ، أو : فنادته فقالت ...

(٢) شرح التصريح ١ ـ ٣٨٥.

٨٣

أم كان صاحبها متعددا فى اللفظ والمعنى ، نحو : زار محمد محمودا متحابّين ، جلس علىّ وأحمد وسمير مشتاقين لاستكمال الدرس ، حيث (متحابّين) حال منصوبة بالياء لأنها تدل على مثنى ، وصاحبها محمد ومحمود ، وكلّ منهما مشترك فى هيئة واحدة فى المعنى أثناء حدوث الفعل (الزيارة) ، وكذلك الحال (مشتاقين) منصوبة بالياء لأنها تدل على جمع ، وصاحبها على وأحمد وسمير ، وهم مشتركون فى هيئة واحدة ، فاتحدت الحال فى اللفظ.

من ذلك قوله تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ) [إبراهيم : ٣٣].

حيث (دائبين) حال منصوبة بالياء من (الشمس والقمر).

وقوله تعالى : (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) [الأعراف : ٥٤].

(مسخرات) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الكسرة ؛ لأنه مجموع بالألف والتاء المزيدتين ، وصاحبها المفعولات : الشمس والقمر والنجوم.

ومنه قول عنترة :

متى ما تلقنى فردين ترجف

روانف أليتيك وتستطارا (١)

حيث (فردين) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الياء لأنها تدل على مثنى ، وهى متعددة فى المعنى دون اللفظ ، حيث دلالتها على مثنى ، وصاحبها الفاعل والمفعول به الضميران فى (تلقنى) : الأول فاعل مستتر تقديره : أنت ، والثانى ضمير المتكلم (الياء) ، وهو فى محل نصب ، فصاحب الحال متعدد فى اللفظ والمعنى.

وكثير من النحاة لا يجعلون مثل هذا التركيب ـ بقسميه ـ من قبيل تعدد الحال.

 ـ قد تتعدد الحال لفظا ومعنى ، كما يتعدد صاحبها لفظا ومعنى لكن كلّ حال مذكورة بعد صاحبها مباشرة ، فتذكر كلّ حال مع صاحبها على التوالى ، نحو : ضرب زيد قائما عمرا مشدودا ، حيث (قائما) حال من زيد ، و (مشدودا) حال من عمرو.

__________________

(١) شرح الكافية الشافية ٢ ـ ٧٥٥.

٨٤

وليس في هذا التركيب إشكال معنوى ، حيث وجوب احتساب كل حال لصاحبها المقترنة به نطقا ، وعلى الترتيب ، دون افتراض تقديم أو تأخير.

ومنه أن تقول : أقبل سمير مسرورا بخالد باكيا. (مسرورا) حال من سمير ، و (باكيا) حال من خالد.

ومنه : لقيت منحدرا زيدا مصعدا ، (منحدرا) حال من تاء الفاعل ، و (مصعدا) حال من (زيد).

ويرى كثير من النحاة أن الحال وصاحبها إذا تعددا لفظا ومعنى ، فإنه يجب أن يلتزم بهذا التركيب.

 ـ وقد يكون تعدد الحال لفظا ومعنى مع الجمع بينهما ، كما يتعدد صاحبها لفظا ومعنى مع الجمع بينهما ، لكن هناك قرينة تحدد صاحب الحال.

من ذلك قول عمرو بن كلثوم :

وإنّا سوف تدركنا المنايا

مقدّرة لنا ومقدّرينا (١)

حيث (مقدرة) حال من الفاعل (المنايا) ، والقرينة الإفراد والتأنيث ، وقد عطف عليها الحال المنصوبة (مقدرين) من ضمير المتكلمين المفعول به فى (تدركنا) ، والقرينة الجمع.

 ـ هناك تركيب للحال وصاحبها يمثل مشكلة معنوية ـ وحق ذلك ـ حيث تتعدد الحال لفظا ومعنى مع الجمع بينها فى النطق ، ويتعدد صاحبها ـ كذلك ـ لفظا ومعنى مع الجمع بينها فى النطق ، فتنطق الأحوال متوالية ، كما ذكرت أصحابها متوالية ، وهنا تثور المشكلة المعنوية ، أى صاحب للحال الأولى؟ ، وأى صاحب للثانية؟ ... وهكذا. وذلك أن تقول : قابل محمد محمودا ضاحكا باكيا.

فمن الضاحك؟ ومن الباكى؟ ينقسم النحاة إزاء ذلك إلى قسمين :

__________________

(١) (إنا) حرف توكيد ونصب ناسخ مبنى لا محل له من الإعراب ، وضمير المتكلمين مبنى فى محل نصب اسم إن. (سوف) حرف استقبال مبنى ، لا محل له من الإعراب. (تدركنا) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير المتكلمين مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (المنايا) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة للتعذر.

٨٥

ـ يرى بعض النحاة ـ منهم ابن عصفور وأبو البقاء ـ أن الحال الأولى للصاحب الأول ، والثانية للثانى ، فيكون محمد ضاحكا ، ويكون محمود باكيا.

 ـ ويرى كثير من النحاة أن الحال الأولى للصاحب الثانى ، وذلك لقربهما ، والحال الثانية تكون للصاحب الأول ، فيكون محمد باكيا ، ويكون محمود ضاحكا ، ويرجحون ذلك لعدم الفصل بين إحدى الحالين وصاحبها ، وتقليلا للفصل كذلك.

ويمثلون لذلك بقولهم : لقيت زيدا مصعدا منحدرا. فزيد المصعد ، والفاعل التاء فى (لقيت) هو المنحدر.

 ـ قد يكون تعدد الحال مع تعدد صاحبها مع عدم الترتيب والتوالى كما هو فى التركيب السابق ، لكنه يوجد قرينة لفظية أو معنوية تربط بين الحال وصاحبها ، كعلامة التأنيث ، أو المخاطبة ، أو الغيبة أو التكلم ، أو الدلالة على الإفراد وغيره ، أو المعنى ، أو غير ذلك ، نحو : لقيت هندا منحدرة مصعدا.

(منحدرة) حال من (هند) ، لوجود علامة التأنيث فى الحال ، أما (مصعدا) فهى حال من ضمير الفاعل (التاء) ، والمتحدث مذكر بالضرورة.

وكذلك قولك : قابلتنى فاطمة راكبة ماشيا.

ومن ذلك قول الشاعر :

عهدت سعاد ذات هوى معنّى

فزدت وعاد سلوانا هواها

حيث (ذات) حال من (سعاد) منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة ، للمطابقة فى التأنيث ، و (معنّى) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة المقدرة ، وصاحبها تاء الفاعل فى (عهدت) ؛ للمطابقة فى التذكير.

ومنه كذلك قول امرئ القيس :

خرجت بها أمشى تجرّ وراءنا

على أثرينا ذيل مرط مرحّل

٨٦

الجملة الفعلية (أمشى) فى محل نصب ، حال من الضمير الفاعل فى (خرجت) وهو التاء ، وبينهما مطابقة فى التكلم.

والجملة الفعلية (تجر) فى محل نصب ، حال من ضمير الغائبة المجرور فى (بها) ، وبينهما مطابقة فى التأنيث والغيبة ، وهما القرينة.

وأما قول الشاعر :

لقى ابنى أخويه خائفا

نجديه فأصابوا مغنما

ففيه (خائفا) وهى الحال الأولى وصاحبها الفاعل الضمير المستتر فى (لقى) ، أما (منجديه) فهى الحال الثانية وصاحبها المفعول به (ابنى) ، والمطابقة بين الحال الأولى وصاحبها الإفراد ، أما القرينة فى الحال الثانية مع صاحبها فهى التثنية.

والأمر واضح إذا قلت : قابلنى علىّ وهو يضحك وأنا عابس ، حيث الجملة الاسمية (وهو يضحك) فى محل نصب حال من الفاعل (على) ، حيث المطابقة فى الغيبة ، أى : ليس التكلم ولا الخطاب ، أما الجملة الاسمية (وأنا عابس) فهى فى محل نصب حال من ضمير المتكلم المفعول به (الياء) فى (قابلنى) ، والقرينة دلالة التكلم ، حيث (ياء المتكلم وأنا).

 ـ هناك تركيب فى التعدد يثير جدلا واسعا بين النحاة (١) ، وهو مجىء الحال متعددة فى المعنى دون اللفظ من صاحبين مختلفى اللفظ والمعنى مع تعدد العامل ، نحو : سافرت هند وجاء عمرو ضاحكين.

منع ذلك ابن السراج مطلقا ، سواء اتحد جنس العامل أم اختلف ، لكن الجرمى أجازه مطلقا.

وكان سيبويه قد أجازه فى حال اتحاد العاملين معنى ، فأجاز : ذهب زيد وانطلق عمرو مسرعين ، وإن اختلفا فلا.

 ـ قد تأتى الحال متعددة فى المعنى دون اللفظ لأصحاب مختلفين فى اللفظ والمعنى. فتقول : هذان رجلان وعبد الله منطلقين. حيث (منطلقين) حال منصوبة ،

__________________

(١) شرح القمولى على الكافية : ٢٣٣.

٨٧

وعلامة نصبها الياء ؛ لأنها جمع مذكر سالم ، وصاحبها (رجلان وعبد الله) ، وهو متعدد لفظا ومعنى.

ومن ذلك : هذه ناقة وفصيلها راتعين.

أما القول هذا رجل مع رجل قائمين. فإن (قائمين) حال بالضرورة منصوبة ، وصاحبها (رجل ، ورجل) وهو متعدد اللفظ والمعنى ، ووجبت الحالية لاختلاف الإعراب فى صاحبى الوصف ، فلا يصح أن تعرب على الوصفية.

وجوب تعدد الحال :

قد يكون تعدد الحال واجبا فى التركيب ، وذلك فى المواضع الآتية :

 ـ أن تذكر الحال بعد (إما) فإنه يجب تعددها لوجوب تكرير (إما) ، فتقول : لقد أقبل إلينا محمد إما راكبا وإما محمولا. كلّ من (راكبا) و (محمولا) حال منصوبة من (محمد) ، ووجب تعدد الحال لذكرها بعد (إما) التفصيلية ، وهى واجبة التكرير.

وتقول : استقبله إما مبتسما وإما صامتا.

ومنه قوله تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) [الإنسان : ٣]. وفيه (شاكرا) حال منصوبة من المفعول به ضمير الغائب فى (هديناه). وهى مذكورة بعد (إما) ، فوجب ذكر حال أخرى ، فذكرت بعد (إما) الثانية : (وإما شكورا).

يلحظ : أن الحال قد أردفت يحال أخرى مع تكرير (إما) مفصولا بينهما بحرف العطف (الواو).

وقد تردف الحال المذكورة بعد (إما) بحال أخرى مفصولا بينهما بحرف العطف (أو) دون تكرير (إما) ، وقد ورد ذلك فى قول الشاعر :

قد شفّنى أن لا يزال يروعنى

خيالك إمّا طارقا أو مغاديا

ذكرت الحال الأولى (طارقا) بعد (إما) ، فوجب إردافها بحال أخرى ، وكان الإرداف مع الفصل بحرف العطف (أو) ، (أو مغاديا).

٨٨

 ـ أن تذكر الحال بعد (لا) النافية ، حيث إنه يغلب تكريرها ، فتقول : أقبل محمود لا ماشيا ولا راكبا ، حيث (ماشيا وراكبا) حالان منصوبان من الفاعل (محمود) ، وتعدّدت الحال لذكرها بعد (لا) النافية التى تحتاج إلى تكرير.

ومنه قولك : أتناول الطعام لا شرها ولا مزدردا ، بل قانعا ماضغا. جئتك لا راغبا ولا راهبا.

وإفراد الحال دون تكرار عد (لا) نادر فى النظم ، وقد جاء منه قول الشاعر :

قهرت العدا لا مستعينا بعصبة

ولكن بأنواع الخدائع والمكر

حيث (مستعينا) حال من الفاعل الضمير تاء الفاعل فى (قهرت) ، وهى حال مذكورة بعد (لا) ، ولم تكرر (لا) ، ولا الحال.

الحذف والذكر فى الحال

نعرض فى هذا القسم قضية الحذف فى الحال من ثلاث جهات : حذف الحال ، وحذف العامل فى الحال ، وحذف صاحب الحال ، كما نعرض قضية الذكر فى الحال من جهتين : وجوب ذكر الحال ، ووجوب ذكر عاملها.

أولا : حذف الحال :

قد تحذف الحال فى التركيب ويبقى عاملها ، وعلامة ذلك أن تجد الكلام يحتاج إلى وصل الأول بالآخر ، وذلك من خلال تقدير حال محذوفة تؤدى هذا الوصل ، ويكون موضعها النصب على الحالية ، وهذا الحذف فيه حكم الجواز.

ففى قوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ ...). [الرعد : ٢٣ ، ٢٤]. الجملتان (يدخلون) ، و (سلام عليكم) يحتاجان إلى وصل بينهما ، ولذلك فإنهم يجعلون الجملة الاسمية (سلام عليكم) جملة محكية بقول محذوف ، وهذا المحذوف فى موضع نصب على الحالية من الضمير الفاعل (واو الجماعة) فى (يدخلون) ، والتقدير : يدخلون عليهم قائلين : سلام عليكم.

٨٩

ومن ذلك قوله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة : ١٢٧](١). الجملة الفعلية (يرفع إبراهيم القواعد وإسماعيل) تحتاج إلى ربط بالجملة الدعائية (ربنا تقبل منا) ، ولذلك فإنه يقدر محذوف بينهما ، تقديره : قائلين ، أو : يقولان ، ويكون هذا على تقدير أن (إسماعيل) معطوف على (إبراهيم) ، ومشارك له فى الفاعلية ، ويكون تقدير الكلام على وصله : يرفع إبراهيم وإسماعيل القواعد قائلين ربنا تقبل منا.

ويجوز أن تجعل الواو التى تسبق (إسماعيل) واو الحال ، ويكون (إسماعيل) مبتدأ ، خبره محذوف تقديره : يقول ، عامل فيما بعده ، وهو : ربنا تقبل منا ، وتكون الجملة الاسمية : (وإسماعيل يقول) فى محلّ نصب على الحالية ، لكن الوجه الأول أظهر وأوضح وأوجه. والفرق المعنوىّ بين التقديرين بيّن.

وإذا قدرنا أن القول المحذوف عامل فى (إذ) فإن المحذوف لا يعدّ حالا.

__________________

(١) (إذ) ظرف زمان مبنى على السكون فى محل نصب ، بالعطف على (إذ) سابقتها ، والعامل فى الأولى محذوف تقديره (اذكر) ، أو (قال) المذكور بعدها. (يرفع) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

(إبراهيم) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، لم ينون لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة الزائدة على ثلاثة أحرف ، والجملة الفعلية فى محل جر بالإضافة. (القواعد) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (من البيت) جار ومجرور ، وشبه الجملة فى محل نصب ، حال من القواعد ، أو متعلقة بيرفع.

(وإسماعيل) الواو حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب ، إسماعيل معطوف على إبراهيم مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وهو ممنوع من الصرف. (ربنا) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وضمير المتكلمين مبنى فى محل جر بالإضافة ، (تقبل) فعل أمر مبنى على السكون ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت ، وجملة النداء وجملة جوابه فى محل نصب لقول محذوف ، والقول المحذوف فى محل نصب ، حال من إبراهيم وإسماعيل. ويجوز أن تجعل (إسماعيل) مبتدأ خبره قول محذوف ، والجملة الاسمية فى محل نصب ، حال ، والتقدير : وإسماعيل يقول ربنا. (منا) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالقبول. (إنك) إن حرف توكيد ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب ، وضمير المخاطب مبنى فى محل نصب ، اسم إن ، (أنت) ضمير فصل مبنى ، لا محل له من الإعراب ، أو توكيد لضمير المخاطب ، أو مبتدأ مبنى فى محل رفع. (السميع) خبر أول لإن مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، أو خبر أول للمبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، والجملة الاسمية فى محل رفع ، خبر إن. (العليم) خبر ثان لإن مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، أو خبر ثان للمبتدإ (أنت) مرفوع وعلامة رفعه الضمة.

٩٠

ومنه قوله تعالى : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) [غافر : ٧]. الجملة الفعلية (يستغفرون) تحتاج إلى ما يصلها بالجملة الندائية والتقريرية بعدها (ربنا وسعت) ، ويقدر هذا الوصل بقول محذوف ، ويكون التقدير : يستغفرون للذين آمنوا يقولون ربنا وسعت ، أو قائلين ، ويكون المحذوف فى محل نصب على الحالية من الضمير الفاعل واو الجماعة فى (يستغفرون) (١).

ثانيا : حذف العامل فى الحال :

لحذف العامل فى الحال ثلاث أحوال : جواز الحذف ، ووجوب الحذف ، ووجوب ذكر العامل.

أ ـ جواز حذف العامل فى الحال :

قد يحذف العامل فى الحال لوجود دليل عليه ، سواء أكان دليلا مقاميا أو حاليا ، أم كان دليلا مقاليا أو لفظيا. كأن تقول لمن أراد السفر : بسلامة الله ، أى : تسافر بسلامة الله ، فشبه الجملة (بسلامة) فى محل نصب على الحالية من فاعل العامل المحذوف (تسافر) ، أو تقول له : راشدا مهديا كما تقول للقادم من الحجّ : مأجورا ، أى : رجعت مأجورا.

ومن الدليل المقالى على حذف عامل الحال قوله تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً) [البقرة : ٢٣٩] ، أى : فصلّوا رجالا أو ركبانا ، فكلّ من (رجالا وركبانا)

__________________

(١) يذهب بعض اللغويين إلى رأى آخر فى إعراب المحذوف حيث يقدرونه خبرا بعد خبر للاسم الموصول (الذين) ، فيكون فى موضع رفع ، لكننى أرى أن القول (ربنا وسعت) يتلاءم مع القول : (يستغفرون) فالاستغفار يتطلب التوسل بإظهار صفة المستغفر منه فى هذا المعنى ، فيكون بأن رحمته وسعت كلّ شىء ، وبذلك فإن الإعراب على الحالية أكثر ملاءمة للمعنى. الدر المصون : ٦ ـ ٣١.

(الذين) اسم موصول مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (من) اسم موصول مبنى فى محل رفع بالعطف على (الذين). (يسبحون) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدإ (الذين). (ربنا) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وحرف النداء محذوف ، وضمير المتكلمين مبنى فى محل جر بالإضافة ، وجملة النداء فى محل نصب ، مقول القول. (رحمة) تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة. وهو تمييز نسبة محول عن الفاعلية ، والتقدير : وسعت رحمتك كل شىء.

٩١

حال حذف عاملها ، والجملة المحذوفة فى محل جزم جواب الشرط المقترن بالفاء.

ومنه قوله تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ) أن لن (نَجْمَعَ عِظامَهُ (٣) بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) [القيامة ٣ ، ٤](١). أى : بل نجمعها قادرين ... ، فـ (قادرين) حال منصوبة وعلامة نصبها الياء ، وعاملها محذوف.

ومن الحذف لدليل مقالى أو لفظى أن تكون الحال جوابا عن استفهام ، نحو : راجلا ، جوابا عن السؤال : كيف جئت؟ ، أو القول : بلى ؛ فاهما. جوابا عن السؤال ألم تسمع الشرح؟.

ب ـ وجوب حذف العامل فى الحال :

يجب أن يحذف العامل فى الحال وجوبا فى مواضع أربعة :

أولها : أن تكون الحال سادّة مسدّ الخبر :

نحو : ضربى زيدا قائما ، حيث (ضرب) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، وخبره محذوف تقديره : حاصل ، أو : ضربه ، (زيدا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، (قائما) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة ، وهى سادة مسد الخبر. وتقدير الكلام : حاصل إذا كان قائما ، أى إذا وجد أو وقع ، أو التقدير : ضربه قائما ، و (قائما) حال فى التقديرين.

__________________

(١) (أيحسب) الهمزة استفهامية مبنية ، لا محل لها من الإعراب ، يحسب : فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (الإنسان) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (أن) حرف مصدرى ونصب ناسخ مخفف من الثقيلة مبنى ، لا محل له من الإعراب ، واسمه محذوف تقديره ضمير الشأن ، والتقدير : أنه. (لن) حرف نفى ونصب للمضارع مبنى ، لا محل له من الإعراب. (نجمع) فعل مضارع منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : (نحن) ، والجملة فى محل رفع ، خبر (أن) ، والمصدر المؤول من (أن) ومعموليها سد مسدّ مفعولى يحسب. (عظامه) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة. (بلى) حرف جوابى مبنى لا محل له من الإعراب (قادرين) حال منصوبة. (على) حرف جر مبنى. (أن) حرف مصدرى ونصب مبنى. (نسوى) فعل مضارع منصوب بعد أن ، وعلامة نصبه الفتحة ، وفاعله مستتر تقديره : نحن ، والمصدر المؤول فى محل جر بعلى ، وشبه الجملة متعلقة بالقدرة. (بنانه) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة.

٩٢

عليك أن تلحظ أن (قائما) لا تصلح أن تكون خبرا للمبتدإ ؛ لأن الضرب لا يكون قائما ، وإنما المضروب هو القائم.

ومثله أن تقول : تأديبى ابنى مهملا ، مكافأتى المجدّ حاصلا على الدرجات العليا.

ثانيها : أن تؤكد الحال مضمون الجملة التى تسبقها :

إذا كانت الحال مؤكدة ، أى : تؤكد مضمون الجملة التى تسبقها فإن عاملها يجب حذفه. كأن تقول : هو أخوك عطوفا ، فـ (عطوفا) ، حال من ضمير دلّ عليه الكلام ، أو من ضمير فى الأخ ، وهى حال مؤكدة لمضمون الجملة (هو

أخوك) ، فهى جملة اسمية الخبر فيها هو المبتدأ ، فأصبحت الحال مؤكدة لمضمون المبتدإ مع الخبر ؛ لأن معنى الحال تضمن معنى الجملة السابقة عليها.

ومثله أن تقول : هو أبوك رحيما ، ومنه قوله تعالى : (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) [فاطر : ٣١](١).

فـ (مصدقا) حال منصوبة ، وهى مؤكدة لمضمون الجملة (هو الحق).

الحظ أنها جملة اسمية المبتدأ فيها هو الخبر.

ومنه قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا

__________________

(١) (الذى) اسم موصول مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (أوحينا) فعل ماض مبنى على السكون ، وضمير المتكلمين فاعله مبنى فى محل رفع ، والجملة الفعلية صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب. (إليك) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بأوحى. (من الكتاب) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بأوحى. ومن ـ هنا ـ إما للبيان ، وإما للجنس ، وإما للتبعيض. (هو) ضمير فصل مبنى ، لا محل له من الإعراب ، أو مبتدأ ثان مبنى ، لا محل له من الإعراب. (الحق) خبر الاسم الموصول مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، أو خبر المبتدإ الثانى ، والجملة الاسمية فى محل رفع ، خبر الاسم الموصول. (مصدقا) حال مؤكدة منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة. (لما) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بـ (مصدقا).

(بين) ظرف مكان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، والظرف شبه جملة صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب ، أو متعلق بمحذوف صلة الموصول. (يديه) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الياء لأنه مثنى ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة.

٩٣

وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ) [البقرة : ٩١](١). (مصدقا) حال منصوبة مؤكدة للجملة السابقة عليها (هو الحق).

عليك أن تلحظ أن الجملة (هو الحق) وهى التى أكدتها الحال جملة اسمية الخبر فيها هو المبتدأ. وقدر النحاة ذلك : وهو الحق أحقه مصدقا.

ومن ذلك قول سالم بن دارة :

أنا ابن دارة معروفا بها نسبى

وهل بدارة يا للنّاس من عار (٢)

(معروفا) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة ، وهى حال مؤكدة للجملة الاسمية التى تسبقها (أنا ابن دارة) ، وتلحظ ـ كذلك ـ أن المبتدأ فيها هو الخبر.

ثالثها : أن تكون الحال مبينة لزيادة أو نقص تدريجيين :

إذا كانت الحال مبينة لزيادة تدريجية ، نحو : تصدقت بدرهم فصاعدا ؛ فإن عامل الحال يجب أن يحذف ، حيث (صاعدا) حال تبيّن أن هناك زيادة فى المعنى السابق عليها ، والتقدير : فذهب المتصدق به صاعدا. ولذلك فإن بعض النحاة يرون أن هذه حال مؤكدة ، حيث إن الزيادة تعنى الصعود.

__________________

(١) (يكفرون) جملة استئنافية لا محل لها من الإعراب ، أو جملة فعلية فى محل رفع ، خبر مبتدإ محذوف ، والتقدير : وهم يكفرون ، والجملة فى محل نصب ، حال من واو الجماعة فى (قالوا). (وراءه) شبه جملة صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب. (وهو الحق) جملة اسمية فى محل نصب على الحالية من واو الجماعة فى (يكفرون).

(٢) ينظر : الكتاب ٢ ـ ٧٩ / الخصائص ٢ ـ ٢٦٨ / الأشمونى ٢ ـ ١٨٥ / شرح الشذور.

(أنا ضمير مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (ابن) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (دارة) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة ؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. (بها) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بـ (معروفا). (نسبى) نائب فاعل لمعروف ، وهو مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها مناسبة الكسرة لضمير المتكلم ، والياء ضمير مبنى فى محل جر بالإضافة. (هل) حرف استفهام مبنى ، لا محل له من الإعراب. (بدارة) شبه جملة فى محل رفع ، خبر مقدم. (يا للناس) حرف نداء ، واللام الجارة ، والناس اسم مجرور باللام والتركيب اعتراضى للتعجب ، لا محل له من الإعراب. (من عار) من حرف جر زائد مبنى ، لا محل له من الإعراب ، عار : مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.

٩٤

وكذلك إذا كانت الحال مبينة لنقص مع التدريج فإن عاملها يجب أن يحذف ، نحو : اشتريت بجنيه فسافلا ، أى : فانحطّ المشترى به سافلا ، حيث (سافلا) حال مبينة لنقص فى الشراء مع التدريج ، والانحطاط يعنى التدرج إلى أسفل.

وتذكر الفاء فى هذا التركيب بخاصة ، ولا يجوز الواو لأنك لا تريد أن تخبر أن الدرهم مع صاعد ثمن لشىء ، كقولك : بدرهم وزيادة ، ولكنك تخبر بأدنى الثمن ، فتجعله أولا ، ثم تقرر شيئا بعد شىء لأثمان شتى ؛ لهذا كانت الفاء التى تفيد التعقيب المباشر فى الزمن (١).

و (ثم) بمنزلة الفاء ، كما يذكر سيبويه ، إلا أن المبرد يذكر أن الفاء أجود ؛ لأن معناه الاتصال (٢).

رابعها : أن تكون الحال مسوقة للتوبيخ :

إذا أفادت الحال وصفا فيه توبيخ ، أى : لوم وتقريع ، كانت الحال بدلا من اللفظ بالفعل فيحذف عاملها. فتقول : أمتوانيا وقد جدّ غيرك؟! ، أى : أتوجد متوانيا؟ ، فـ (متوانيا) حال منصوبة محذوفة العامل ، ومن ذلك : أملتزما يوما ومهملا آخر؟! ، أى : أتتحول ملتزما؟. فـ (ملتزما) حال منصوبة.

ويمثلون لذلك بقولهم : أقائما وقد قعد الناس؟! (٣). حيث (قائما) حال منصوبة. ويكون لمن لا يثبت على حال.

وقول بعضهم : أتميميّا مرة وقيسيّا أخرى؟! ، على أن التحول فى حال كونه تميميّا ، فتكون (تميميا وقيسيا) حالين منصوبتين ، ومن النحاة من يرى أنه يتحول هذا التحول المخصوص من التميمية إلى القيسيّة فهو مصدر لا حال ، ويجعل سيبويه هذه تحت عنوان : «هذا باب ما جرى من الأسماء التى لم تؤخذ من الفعل مجرى الأسماء التى أخذت من الفعل» (٤). ومن أمثلة الأخير قول الشاعر :

__________________

(١) العلاقة بين المعنى والعلامة الإعرابية فى كتاب سيبويه ٥٣.

(٢) المقتضب ٣ ـ ٢٥٥.

(٣) ينظر : شرح التصريح ١ ـ ٣٩٣.

(٤) الكتاب : ١ ـ ٢٤٣ ، وانظر : المقتضب ٣ ـ ٢٦٥.

٩٥

أفى الولائم أولادا لواحدة

وفى العيادة أولادا لعلات

حيث (أولادا) فى الموضعين منصوبة على الحالية.

وكذلك قول هند بنت عتبة :

أفى السلم أعيارا جفاء وغلظة

وفى الحرب أشباه النساء العوارك

حيث نصب (أعيارا) و (أشباه) على الحالية.

ومن النحاة من يرى النصب على المصدرية ، وتقديرهم : أتتحولون هذا التحول ، وتنتقلون هذا التنقل (١).

تتعلق شبه الجملة (فى السلم) بما فى الأعيار من معنى البلادة ، وهو الناصب للحال ، والتقدير : أتتبلدون فى السلم أعيارا ، وأتلينون وتضعفون فى الحرب أشباه ...؟

مواضع أخرى يحذف فيها عامل الحال :

أ ـ الصفة التى تذكر بعد (أما) ، وتتخذ معيارا للحكم على اللاحق بها بعد فاء الجزاء ؛ نحو : أما صديقا مصافيا فليس بصديق مصاف (٢) ، فـ (صديقا) منصوبة لأنها حال ، والتقدير : أما هو من حيث حالة الصداقة الصافية فليس بصديق ... ، أى أن الملفوظ به يتضمن جانبين : أولهما : الحالة التى يراد الحكم عليه من ناحيتها ، وثانيهما : الحكم عليه من حيث هذه الحالة ، وكل منهما يمثل جملة ، والجملة الأولى يحذف منها ركناها الأساسيان ، ويتبقى الحال التى يراد الحكم بها عليه ، فكان نصب الصفة المذكورة على الحالية.

ومثل ذلك : أما طاهرا فليس بطاهر ، وأما عالما فعالم. فكلّ من (طاهرا) ، و (عالما) منصوبة على أنها حال ، وكلّ منهما صفة مذكورة بعد (أما) ، وهى معيار لحكم لاحق بها بعد فاء الجزاء.

__________________

(١) شرح المفصل لابن الحاجب ١ ـ ٣٤٨ / الخزانة ٣ ـ ٢٦٣.

(٢) الكتاب ١ ـ ٣٨٧ / المقتضب ٣ ـ ٢٥١ / المفصل ٦٣ / التسهيل ١١٠.

٩٦

ب ـ المصدر المذكور بعد (أما) ، ويتّخذ معيارا للحكم اللاحق به بعد فاء الجزاء : الفرق بين هذا الموضع وسابقه أن المنصوب فى السابق صفة ، وهو ـ هنا ـ مصدر ، ونعلم أن المصادر تؤول بالمشتقات ، وذلك كالقول : أمّا سمنا فسمين. فـ (سمنا) مصدر منصوب واقع موقع الحال ، يضع سيبويه عنوانا لمثل هذا قوله : «هذا باب ما ينتصب من المصادر لأنه حال صار فيه المذكور» (١) ، وإذا أثبتنا أن الحال قد تبنى من المصادر ، فإنه يجوز لنا أن نعرب المصدر حالا دون تأويله بالمشتق. ويكون التقدير : أما من حيث حال السمن فهو سمين.

«ولا جدال فى أن سبق المصدرية للحكم التقريرى الذى يتلوها بعد فاء الجزاء يعطى معنى الحالية ، حيث لا يراد بالمصدر تأكيد للوصف المشتقّ الذى يتلو فاء الجزاء ، ولكن يراد بها بيان وجهة معينة يحكم عليها بما بعد فاء الجزاء» (٢).

وعليه يقال : أما علما فعالم ، وأما جهلا فليس بجاهل ، أما أمانة فأمين.

ج ـ ما يمكن أن يكون مسموعا مما يؤول حالا عند فريق من النحاة ، ومن ذلك القول : هنيئا لك. حيث يعرب فريق من النحاة (هنيئا) أنه منصوب على الحالية لفعل محذوف مع فاعله ، والتقدير : ثبت لك الخير هنيئا.

وجوب ذكر الحال :

إذا كنا قد أدركنا أن الحال يجوز فيها أن تحذف وهذا هو الأصل ، فإن هناك مواضع يجب أن تذكر فيها ، منها (٣) :

أ ـ أن تكون جوابا :

إذا كانت الحال جوابا عن سؤال فإنها يجب أن تذكر ، ولا يجوز حذفها ، كأن يسأل سائل : كيف جئت؟ فيجاب عليه : راجلا ، أو راكبا ، فـ (راجلا) حال

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ٣٨٤.

(٢) العلاقة بين العلامة الإعرابية والمعنى فى كتاب سيبويه للمؤلف ٤٨.

(٣) ينظر : هامش شرح التصريح ١ ـ ٣٩٣.

٩٧

منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة ، ولا يجوز حذفها ؛ لأنها المقصودة من إنشاء السؤال وطلب الإجابة بها.

ب ـ أن تكون الحال هى المقصودة من إنشاء الجملة :

 ـ كأن تكون مقصودة من النهى :

يجب أن تذكر الحال إذا كان منهيّا عنها ، ومن ذلك قوله تعالى : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) [الإسراء : ٣٧]. حيث (مرحا) مصدر واقع موقع الحال ، وقد يقدر حذف مضاف ، أى : ذا مرح ، ويكون حالا (١).

وبقراءة كسر الراء حال منصوبة ، ولا يجوز أن تحذف الحال حتى لا يفسد المعنى.

ومن ذلك قوله تعالى : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) [النساء : ٤٣].

حيث الجملة الاسمية (وأنتم سكارى) فى محل نصب ، حال من الفاعل واو الجماعة ، ومعناها هو المقصود من دلالة النهى عن العامل فيها ، وهو (لا تقربوا).

 ـ أو أن تكون مقصودة من التركيب الشرطى :

وذلك فى قوله تعالى : (وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) [الشعراء : ١٣]. حيث (جبارين) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الياء ، ولا يجوز حذفها حتى يكتمل المعنى ، فمعناها هو المقصود بالشرط الزمنى.

 ـ أو أن تكون مقصودة من النفى :

وذلك فى قوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) [الأنبياء : ١٦]. حيث (لاعبين) حال منصوبة من الفاعل ضمير المتكلمين فى (خلقنا) ، ولا بد من ذكر الحال ، وحذفها يفسد المعنى تماما ؛ لأن معناها هو المقصود من إنشاء الجملة.

__________________

(١) قد يعرب (مرحا) مفعولا لأجله منصوبا.

٩٨

 ـ أو أن تكون مقصودة من الجملة الاسمية :

يتضح ذلك فى قوله تعالى : (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) [هود ٧٢]. حيث إن معنى الجملة الاسمية ليس المقصود إلا بذكر معنى الشيخوخة ، و (شيخا) حال منصوبة من الخبر (بعل) ، فوجب ذكرها ، ولا يجوز حذفها.

ج ـ أن يكون معنى الحال مقصودا فى الحصر :

المعنى المراد حصره يجب ذكره ، فإذا كان معنى الحال مقصودا حصره فذكرها واجب ، نحو : ما نظرت إليه إلا محيّيا ، وما أقبل علينا إلا مبتسما.

فكل من (محييا ، ومبتسما) حال أريد حصر معناها ، عن طريق النفى والاستثناء فوجب ذكرهما.

د ـ أن تذكر الحال بعد (أمّا):

(أمّا) حرف فيه معنى الشرط ، ويجب أن يتلوها فاء الجزاء والجواب ، لكنه يجب أن يفصل بينهما ، فإن أريد الفصل بينهما بالحال فإنها يجب أن تذكر ، ويمتنع حذفها ، كما يجب أن تتقدم ، مثال ذلك : أما فاهما فقد ذاكرت ، وأما مسرعا فأتيت ...

ه ـ أن تكون الحال قائمة مقام الخبر فى الجملة الاسمية التى يكون المبتدأ فيها اسما عاملا فى الحال : نحو : ضربى زيدا قائما. حيث (قائما) حال منصوبة من (زيد) ، فـ (ضربى) مبتدأ يحتاج إلى خبر ، ولا يصح (قائما) أن تكون خبرا عن (ضرب) فى المعنى ؛ لأنه ليس المقصود أن الضرب (قائم) ، وإنما زيد هو القائم ، فينصب (قائما) على الحالية ، وتقوم الحالية مقام الخبر.

ومثله أن تقول : فهمى الدرس مشمولا ، قراءتى الموضوع مستوعبا ، أكلى الطعام لذيذا.

٩٩

وجوب ذكر العامل فى الحال :

إن كنا قد ذكرنا أن العامل فى الحال يجوز أن يحذف ، وفى مواضع يجب ألا يذكر ، فإن هناك مواضع يجب أن يذكر فيها العامل فى الحال عند أكثر النحاة (١) ، وذلك إذا ما كان العامل معنويا ، ومنها :

 ـ أن يكون العامل فى الحال ظرفا :

مثال ذلك : الطائر فوق الشجرة مغردا. الأستاذ أمام طلابه شارحا. فكلّ من : (مغردا وشارحا) حال من : الطائر ، والأستاذ ، والعامل فى الأول الظرف : فوق ، وفى الثانى الظرف : أمام ، أو ما تعلقا به من محذوف.

 ـ أن يكون العامل فى الحال الجار والمجرور :

مثال ذلك : هو فى القاعة منظفا إياها. فـ (منظفا) حال من ضمير الغائب (هو) ، والعامل الجار والمجرور (فى القاعة) ، أو ما تعلق به شبه الجملة من محذوف. ومنه : صديقى فى الحجرة مقهقها.

 ـ أن يكون العامل فى الحال اسم الإشارة :

نحو : هذا معلمنا هاديا ، فـ (هاديا) حال مؤكدة للجملة السابقة ، والعامل فيها اسم الإشارة (هذا) ، أو ما تضمنه اسم الإشارة من معنى الفعل.

 ـ أن يكون العامل فى الحال حرف التشبيه :

نحو : كأنك القمر ساطعا ، حيث (ساطعا) حال من القمر ، والعامل فيها حرف التشبيه (كأن) ، أو ما تضمنه من معنى الفعل.

 ـ أن يكون العامل فى الحال حرف التمنى :

نحو : ليت ابن أخى مقيما عندنا.

 ـ أن يكون العامل فى الحال حرف الترجى :

نحو : لعل كتاب النحو معنا مكتملا.

__________________

(١) ينظر : همع الهوامع ١ ـ ٢٤٩.

١٠٠