النحو العربي - ج ٣

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٣

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٦٠٨

اسم الفاعل المعرف بالأداة (القاتلين) نصب مفعولا به ، وهو (الملك). وهو دالّ على الزمن الماضى. وفاعله ضمير مستتر تقديره : هم.

ومن أمثلتهم : هذا الضارب أبوه زيدا أمس (١).

ب ـ اسم الفاعل المجرد من أداة التعريف :

إذا كان اسم الفاعل مجردا من (أل) فإنه لا يعمل عمل فعله إلا بشرط :

١ ـ أن يدلّ على الحال أو الاستقبال ؛

لأنه ـ حينئذ ـ يشبه الفعل الذى بمعناه لفظا ومعنى. وهو الفعل المضارع. فإذا قلت : زيد ضارب غلامه عمرا غدا.

فـ (ضارب) اسم فاعل خبر المبتدإ ، و (غلام) فاعله مرفوع ، و (عمرا) مفعول به منصوب باسم الفاعل.

وتقول : زيد ضارب غلامه عمرا الآن. ذلك لأن اسم الفاعل ـ حينئذ ـ يجرى مجرى الفعل (يضرب). وهو مضارع يدلّ على الحال والاستقبال ، فاسم الفاعل يعمل قياسيا على الفعل المضارع ، لا الفعل الماضى.

لذلك يمتنع دلالته على الماضى حين تجرده من أداة التعريف (٢) ، خلافا للكسائى (٣) ، وابن مضاء ، وابن هشام (٤).

وقد استدلّ المجيزون إعماله حين دلالته على الماضى بقوله تعالى : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) [الكهف : ١٨] ولكنّ السّياق يتأوّل على حكاية الحال ، فهو للحال ، حيث يتخيل المتحدث نفسه فى وقت حدوث ما يحكيه ، ويستدلّون لذلك بأنّ الواو للحال ، ويحسن بعدها كون الفعل مضارعا (يبسط) ، لا ماضيا (بسط). كما يدلّ على ذلك قوله تعالى : (وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ) [الكهف : ١٨]. حيث استعمل الفعل المضارع (نقلب) (٥) ، ولم يستعمل الماضى.

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ١٣ ، ١٧١ / المقتضب ٤ ـ ١٤٨ / شرح ابن الناظم ٤٣٢.

(٢) الكتاب ١ ـ ١٣٠ ، ١٧١ / المقتضب ٤ ـ ١٤٨ / شرح ابن الناظم ٤٢٣.

(٣) التسهيل ١٣٧ / شرح التصريح ٢ ـ ٦٦.

(٤) شرح الشذور ٣٨٧.

(٥) ينظر : إملاء ما منّ به الرحمن ٢ ـ ١٠٠ ، ١٠٣ / شرح الشذور ٣٨٧ / شرح التصريح ٢ ـ ٦٦. الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٩٣ ، ٢٩٤.

٤٨١

٢ ـ أن يعتمد على شىء قبله يقرّبه من الفعل :

من نحو : الاستفهام ، النفى ، المبتدإ ، النداء ، الموصوف ، الحال ، وذلك كما يأتى :

 ـ الاستفهام : نحو : أفاهم درسك (١)؟ (فاهم) اسم فاعل مجرد من (أل) ، اعتمد على حرف الاستفهام (الهمزة) ، فعمل النصب فى (درس).

وفى اسم الفاعل ضمير مستتر تقديره : أنت ، وهو فاعل اسم الفاعل.

ومنه قول الشاعر :

أناو رجالك قتل امرئ

من العزّ فى حبك اعتاض عذرا (٢)

حيث (ناو) اسم فاعل مجرد من الأداة ، واعتمد على استفهام ، فعمل عمل فعله ، حيث رفع الفاعل (رجال) ونصب مفعوله (قتل).

وقد يكون الاستفهام مقدرا ، كقول الشاعر :

ليت شعرى مقيم العذر قومى

أم همولى فى حبها عاذلونا (٣)

والتقدير : أمقيم العذر قومى ، بدليل وجود (أم) المعادلة التى تستلزم وجود همزة الاستفهام قبلها ؛ لذلك فإن اسم الفاعل قد نصب مفعولا به ، وهو (العذر) ، وذكر فاعله المرفوع (قوم).

ومنه : مهين زيدا عمرا أم مكرمه؟. أى : أمهين ...؟

__________________

(١) (فاهم) مبتدأ مرفوع ، أو خبر مقدم ، أما الضمير المستتر فهو خبر المبتدإ ، أو مبتدأ مؤخر.

(٢) شرح التسهيل ٣ ـ ٧٣ / شرح الشذور ٣٨٩ / العينى ٣ ـ ٥٦٦ / الدر رقم ٢ ـ ١٢٨.

الجملة الفعلية (اعتاض عذرا) نعت لامرئ فى محل جر. (ناو) على وزن (فاع) وهو مبتدأ مرفوع ، وفاعله (رجال) سد مسدّ الخبر.

(٣) شرح التسهيل ٣ ـ ٧٤ / المساعد على التسهيل ٢ ـ ١٩٥ / شرح الشذور ٣٩٠.

(ليت شعرى) أسلوب تعجبى من ليت واسمها المضاف إلى ضمير المتكلم ، وخبرها المحذوف. (مقيم) مبتدأ ، سد مسدّ خبره ، فاعله (قومى). (هم) مبتدأ مبنى فى محل رفع. (عاذلون) خبره مرفوع ، وعلامة رفعه الواو. والجملة الاسمية معطوفة على جملة (مقيم قومى) ، لا محل لها من الإعراب.

٤٨٢

 ـ النفى : نحو : ما محترم نفسه من يهمل حقّه. حيث (محترم) اسم فاعل مسبوق بالنفى (ما) ، وقد نصب المفعول به (نفس) ، أما فاعله فهو الاسم الموصول (من).

ومنه : ما ضارب زيد عمرا. ما مكرم أبوك عمرا.

وقول الشاعر :

ما راع الخلّان ذمّة ناكث

بل من وفى يجد الخليل خليلا (١)

(راع) اسم فاعل من (رعى) ، وهو على وزن (فاع) بحذف اللام ، وقد اعتمد على حرف النفى (ما) ، وهو غير معرف بالأداة ، فرفع الفاعل (الخلان) ، ونصب المفعول به (ذمة). واسم الفاعل مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الحرف المحذوف ، وفاعله (الخلان) سدّ مسدّ الخبر.

وقد يكون النفى مؤولا ، كما هو فى قول الشاعر :

وإنّ امرأ لم يعن إلا بصالح

لغير مهين نفسه بالمطامع (٢)

(مهين) اسم فاعل مجرد من أداة التعريف ، منفى بإضافة الاسم النافى (غير) إليه. وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو ، وقد نصب المفعول به (نفس).

__________________

(١) شرح التسهيل ٣ ـ ٧٣ / شرح الشذور ٣٨٨.

(من) اسم موصول مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. وصلته الجملة الفعلية (وفى) ، وخبره الجملة الفعلية (يجد). (الخليل) مفعول به أول منصوب ، (خليلا) مفعول به ثان منصوب.

(٢) شرح التسهيل ٣ ـ ٧٣ / المساعد على التسهيل ٢ ـ ١٩٥.

(امرأ) اسم إن منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (لم) حرف نفى مبنى ، لا محل له من الإعراب. (يعن) فعل مضارع مجزوم بعد لم ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة ، وهو مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره : هو. والجملة الفعلية فى محل نصب ، نعت لاسم إن. (إلا) حرف استثناء مبنى ، لا محل له من الإعراب (بصالح) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بيعن. (لغير) اللام : حرف توكيد أو ابتداء ، أو مزحلق لا محل له من الإعراب ، (غير) خبر إن مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وهو مضاف ، و (مهين) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، وفيه ضمير مستتر تقديره : هو فاعله. (نفسه) نفس :

مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، مضاف ، وضمير الغائب الهاء مبنى فى محل جر ، مضاف إليه. (بالمطامع) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة باسم الفاعل.

٤٨٣

ويجعلون من النفى المؤول القول : إنّما قائم الزيدان ، والتقدير : ما قام إلا الزيدان ؛ لأن الأسلوب أسلوب حصر وقصر فى الجملتين.

 ـ المبتدأ : نحو : المحسن متمثّل ربّه دائما. اسم الفاعل (متمثل) خبر المبتدإ (المحسن) ، فاعتمد على ابتداء ، وهو مجرد من أداة التعريف ، وفيه ضمير مستتر تقديره : هو ، فاعله ، وقد نصب المفعول به (ربّ).

ومنه : زيد ضارب أبوه رجلا.

أنتم فاهمون درس اليوم.

هما مخترعان آلة جديدة.

العلماء مقيمون اجتماعا مساء.

فى قوله تعالى : (وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ) [البقرة :١٤٥]. تجد أن اسم الفاعل (تابع) قد وقع خبرا ، فاعتمد على ابتداء ، لذلك فقد نصب كلّ منهما مفعولا ، وهو (قبلة) فى الموضعين.

وقد يدخل على المبتدإ العوامل المختصة فى صحة الاعتماد عليه ، مثل : كان ، وإنّ.

من ذلك قوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ) [الكهف : ٦]. لكن اسم الفاعل هنا خبر (لعلّ) ، فاعتمد على ما أصله مبتدأ ، وهو اسم حرف ناسخ ؛ لذلك فقد نصب المفعول به (نفس).

ومنه قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ) [الطلاق : ٣]. حيث قراءة السبعة ما عدا حفصا بتنوين (بالغ) بالرفع ، ونصب (أمر) (١) ، فيكون اسم الفاعل (بالغ) غير المعرف بالأداة خبر (إن) ، فاعتمد على إسناد ؛ لذلك فقد نصب المفعول به (أمر).

وفى اسم الفاعل ضمير مستتر تقديره : هو ، يكون فاعله.

__________________

(١) إملاء ما منّ به الرحمن ٢ ـ ٢٦٣ / البيان ٢ ـ ٤٤٤ / البحر المحيط ٨ ـ ٢٨٣ / الدر المصون ٦ ـ ٣٢٩.

٤٨٤

ومنه أن تقول :كان زيد قائما غلاماه.

ظننت زيدا ضاربا غلامه بكرا.

إنّ زيدا مكرم ضيفه.

أنبأت عليّا محمدا مكرما ضيفه.

حيث اعتمد اسم الفاعل فى كل جملة على إسناد سابق عليه ، ففى المثال الأول وقع اسم الفاعل (قائما) خبرا لكان. وفى الثانى وقع (ضاربا) مفعولا به ثانيا لظنّ. وفى الثالث وقع (مكرم) خبرا لإنّ. وفى الرابع وقع مفعولا ثالثا لأنبأ.

وكل من مفعولى (ظن) ، والمفعولين الثانى والثالث لأنبأ أصلهما مبتدأ وخبر.

ومنه أن تقول :زيد مكرم ضيفه.

كان محمد مكرما ضيفه.

أعلمت محمودا سميرا معدّا المأدبة اليوم.

فى قول الشاعر :

وما كلّ ذى لبّ بمؤتيك نصحه

وما كلّ مؤت نصحه بلبيب

(مؤت) اسم فاعل من الفعل (آتى) ، على وزن (مفع) ، بحذف اللام. ورد فى البيت فى موضعين ، وكان فيهما غير معرف بالأداة ، وهو :فى الموضع الأول وقع خبرا لما الحجازية ، أو خبرا للمبتدإ (كل) ، إن كانت ما تميمية ، واسم الفاعل فى التقديرين اعتمد على إسناد ، لذا فقد نصب المفعول به الثانى (نصح) ، وهو مضاف إلى المفعول به الأول.

وفى الموضع الثانى اعتمد على موصوف محذوف ، والتقدير : وما كلّ رجل مؤت ؛ لذا نصب المفعول به (نصح). وفى اسمى الفاعل فى الموضعين ضمير مستتر ، هو الفاعل.

٤٨٥

 ـ النداء : نحو : يا ذاكرا ربّك حفظك الله. يا طالعا جبلا ؛ احرص فى صعودك.

كل من (ذاكرا ، وطالعا) اسم فاعل ، ذكر بعد حرف النداء ، فجاء عاملا عمل الفعل ، حيث تضمّن فاعلا ضميرا مستترا تقديره : أنت ، وقد نصب كلّ منهما مفعولا به : (ربّ ، جبلا).

والصواب أن النداء ليس مسوّغا لعمل اسم الفاعل ؛ لأن حرف النداء مختص بالاسم ، فكيف يقربه من الفعل؟! (١). ليس ذلك إلا أن اسم الفاعل بعد حرف النداء يعتمد على موصوف محذوف ، فتقدير ما سبق : يا رجلا ذاكرا ... ، يا رجلا طالعا ...

 ـ الموصوف (٢) : أى : يعتمد اسم الفاعل غير المقرون بأداة التعريف على موصوف سابق عليه ، سواء أكانت هذه الوصفية من طريق : النعت : نحو : أعجبت بطالب فاهم درسه ، حيث (فاهم) اسم فاعل مجرد من الأداة ، وهو نعت للمجرور (طالب) ، فنصب المفعول به (درس) ، وفى اسم الفاعل ضمير مستتر تقديره : (هو) فاعله.

ومنه : مررت برجل راكب فرسا. مررت برجل قائد بعيرا. استمعت إلى مدرس فاهم درسه.

 ـ الحال : أى : يكون الموصوف صاحب حال ، والحال اسم فاعل مجرد من أداة التعريف. وذلك نحو : أقبل الصديق إلينا فاغرا فاه. (فاغرا) اسم فاعل. حال منصوبة ، وصاحبها الفاعل (الصديق) ؛ لذا نصب اسم الفاعل المفعول به (فا) ، وعلامة نصبه الألف ؛ لأنه من الأسماء الستة.

ومنه : جاء زيد طالبا أدبا. أقبل زيد راكبا فرسا. (طالبا وراكبا) حالان اسما فاعل ، فنصب كلّ منهما مفعولا به ، وهما : أدبا ، فرسا ، وفى كلّ اسم فاعل ضمير مستتر فاعله.

__________________

(١) الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٩٣.

(٢) ينظر : شرح التسهيل ٣ ـ ٧٢ / شرح ابن الناظم ٤٢ / المقرب ١ ـ ١٢٤ / المساعد ٢ ـ ١٩١ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٩٣.

٤٨٦

ومنه : هذا زيد قائما غلامه. حيث (قائما) حال من (زيد) ، وهى اسم فاعل ، فجاز إعماله ، فرفع فاعله (غلام).

ومنه قوله تعالى : (وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) [الأنبياء : ٢ ، ٣]. (لاهية) حال من واو الجماعة ، وهى اسم فاعل ، رفع فاعله (قلوب).

وقد جمع ابن مالك اعتماد اسم الفاعل المجرد من أداة التعريف على سابق يكون بمثابة الموصوف ؛ ويتمثل فى المبتدإ والموصوف وصاحب الحال ؛ فى مثاله الذى ذكره : زيد مكرم رجلا طالبا العلم محققا معناه. حيث (مكرم) خبر ، وهو اسم فاعل نصب (رجلا) ، و (طالبا) نعت اسم فاعل ، ونصب (العلم) ، و (محققا) حال اسم فاعل ، نصب (معنى).

ونجعل مثله القول : إنه مستقبل ضيفا ناظما شعرا مجيدا نظمه ، محسنا إلقاءه.

كان محمد مجيبا سؤالا شاملا نصف المقرر ، متضمنا أشدّ مسائله تعقيدا. وقد يكون الموصوف الذى يعتمد عليه اسم الفاعل مقدرا ، فيعمل عمل الفعل ، وهو خال من أداة التعريف. ذلك كما ورد فى قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) [فاطر : ٢٨]. أى : صنف ، أو نوع مختلف ... فاسم الفاعل (مختلف) نعت لمحذوف ، ولذلك فقد رفع فاعلا ، وهو (ألوان).

ومنه قول الأعشى ميمون قيس :

كناطح صخرة يوما ليوهنها

فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل (١)

بتنوين (ناطح) بالكسر ، ونصب (صخرة) ، على أنها مفعول به لاسم الفاعل المجرد من الأداة (ناطح) ، وقد اعتمد اسم الفاعل على موصوف محذوف ، وهو (وعل) ، والتقدير : كوعل ناطح ...

__________________

(١) ديوانه ١٤٨ / شرح ابن الناظم ٤٢٤ / شرح الشذور ٣٩٠ / أوضح المسالك رقم ٢٧١ / العينى ٣ ـ ٥٢٩ / شرح التصريح ٢ ـ ٦٦ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٩٥. يوهنها : يضعفها ، يضرها : يضرها ، أوهى : أضعف.

٤٨٧

وقول عمر بن أبى ربيعة :

وكم مالئ عينيه من شىء غيره

إذا راح نحو الجمرة البيض كالدّمى (١)

وفيه (مالئ) اسم فاعل مجرد من (أل) ، وقد اعتمد على موصوف محذوف ، يقدر بالموصوف : شخص ، والتقدير : وكم شخص مالئ ، لذلك فقد تضمّن ضميرا مستترا تقديره : هو ، ونصب المفعول به (عينيه) ، وعلامة نصبه الياء ؛ لأنه مثنى.

كما يكون الاعتماد على مقدر فى باب الحال ، وذلك بحذف صاحب الحال ، وتقديره ، ويكون ذلك فى الإجابة عن السؤال : كيف رأيت محمودا؟ فيجاب :

متقيا ربّه ، بنصب (رب) باسم الفاعل ، وهو حال منصوبة ، حذف صاحبها ؛ لدلالة السؤال عليه. (رأى) البصرية التى تنصب مفعولا واحدا.

وخالف فى ذلك الأخفش ، حيث يذهب إلى أن اسم الفاعل يعمل دون اعتماد على شىء ممّا هو مذكور سابقا.

٣ ـ ألا يكون مصغّرا ، إذ التصغير من خصائص الأسماء ، فالتصغير يبعد اسم الفاعل عن الفعل ، لا يقربه إليه. وخالف الكسائى فى ذلك.

فإذا صغّر اسم الفاعل فإنه لا ينصب ، ولكن يجب إضافته ، فتقول : هذا ضويرب زيد ، بالجر على الإضافة ، لا النصب على المفعولية.

وخالف فى ذلك الكسائى.

٤ ـ ألا يكون موصوفا قبل العمل ، وخالف فى ذلك الكسائى ، ومجموعة من الكوفيين ، حيث أجازوا إعماله مطلقا. ومنهم من يرى عدم إعماله مطلقا إذا وصف ، سواء أكان الوصف قبل العمل ، أم بعده (٢).

__________________

(١) ديوانه ١٤ / الجمل للزجاجى ٩٧ / دلائل الإعجاز ٣٤ / شرح ابن الناظم ٤٢٥ / شرح ابن عقيل رقم ٢٥٦ / العينى ٣ ـ ٥٣١. الجمرة : مجتمع الحصى بمنى ، البيض : جمع بيضاء ، ويقصد النساء البيض. راح : سار ...

(٢) التسهيل ١٣٦ / المقرب ١ ـ ١٢٤ / المساعد ٢ ـ ١٩١ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٩٥ / شرح التصريح ٢ ـ ٦٥.

٤٨٨

فلا تقول : هذا ضارب زيدا عاقل ـ على رأى جمهور النحاة ـ ، خلافا لبعضهم فى عدم إعماله مطلقا ؛ إذا وصف.

وتلحظ أن الخلاف فى هذه المسألة من حيث نصبه المفعول ، كما هو فى سابقتها.

ج ـ إضافة اسم الفاعل إلى مرفوعه :

لا يضاف اسم الفاعل إلى مرفوعه إلا إذا تحوّل فى المعنى والسياق إلى صفة مشبّهة ، يراد بها الثّبوت واللزوم.

فتقول : هو طاهر الثوب. (طاهر) على وزن (فاعل) ، لكنه فى المعنى صفة مشبّهة ، فأضيف إلى ما يمكن أن يكون فاعله ، وهو (الثوب).

وتقول : هو كريم الخلق ، وجميل الوجه. إنهما مستقيما الجسم.

ويجوز نصب معموله على التشبيه بالمفعول به إن كان معرفة ، وعلى التمييز إن كان نكرة ، هذا إلى جانب رفعه. وهو ما يكون فى معمول الصفة المشبهة.

* * * *

٤٨٩

صيغ المبالغة

تسمى المثال ، أو أمثلة المبالغة ، وهى تحويل لصيغة (فاعل) الدالة على اسم الفاعل ؛ لإفادة دلالة المبالغة والكثرة (١) ، وتكرير الفعل مرة بعد أخرى ، ليكون على مثال : فعّال (بفتح ففتح مشدّد) ، وفعول (بفتح فضم طويل) ، ومفعال (بكسر فسكون ففتح طويل) ، وفعيل (بفتح فكسر طويل) ، وفعل (بفتح فكسر).

وهذه أمثلة لا تعمل إلا عند قصد المبالغة (٢) ، ويذكر النحاة أن إعمال الثلاثة الأولى أكثر (٣) ، وإعمال (فعيل) قليل ، ويذكر المبرد جواز سيبويه نصبه لمعموله (٤) ، أما هو فإنه لا يجيزه (٥).

إعمالها :

حكم إعمال صيغ المبالغة إعمال الفعل هو حكم اسم الفاعل ، حيث إنها معدولة عن الفاعل ، ومعنى المبالغة فيها أغناها عن جريانها على الفعل فى اللفظ ، فعدلت عنه ، وهى :

 ـ تعمل مطلقا إن كانت مقرونة بأداة التعريف ، وتدل على معنى الماضى والحاضر والمستقبل.

 ـ إن كانت مجردة من أداة التعريف فإنها لا تعمل إلا بتوافر الشروط المذكورة فى إعمال اسم الفاعل المجرد من أداة التعريف. وهى ـ فى إيجاز :

١ ـ أن تدلّ على الحال أو الاستقبال.

٢ ـ أن تعتمد على شىء قبلها ، يقربها من الفعل ، كأن يكون استفهاما ، أو نفيا ، أو ابتداء ، أو نداء ، أو موصوفا من طريق التركيب النعتى ، أو التركيب الحالى ، سواء أكان الموصوف ظاهرا ، أم مقدرا.

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ١١٠ / المقتضب ٢ ـ ١١٣ ، ١١٤.

(٢) الكتاب ١ ـ ١١٧.

(٣) الكتاب ١ ـ ١١٠ / ١١٤ المقتضب ٢ ـ ١١٣ / ١١٤ التسهيل ١٣٦ / المقرب ١ ـ ١٢٨.

(٤) الكتاب ١ ـ ١١٠.

(٥) المقتضب ٢ ـ ١١٤.

٤٩٠

٣ ـ ألا تكون مصغرة.

٤ ـ ألا تكون موصوفة قبل العمل.

ولا يجيز الكوفيون إعمال أمثلة المبالغة ، ويجعلون المنصوب الذى يأتى بعدها معمولا لفعل مضمر.

ولكننا نجد أن صيغ المبالغة من اسم الفاعل ، فهى اسم فاعل يعمل فعله كثيرا ، وقد عدلت عنه لتدلّ على المبالغة ؛ لذا فإنها تعمل مثل ما يعمل عمل فعله بشروطه المذكورة سابقا ؛ ولذلك فقد جاءت عاملة فى المأثورات اللغوية.

من إعمال صيغ المبالغة :

أ ـ (فعّال) : فى نحو قولهم : «أمّا العسل فأنا شرّاب» (١). بنصب (العسل) على المفعولية ، والعامل صيغة المبالغة (شراب) ، وقد تقدم المفعول به ليكون فاصلا بين (أمّا) و (فاء الجزاء). وفى (شرّاب) ضمير مستتر تقديره (أنا) ، وهو الفاعل ، وصيغة المبالغة خبر المبتدإ (أنا).

ومنه قول القلاخ بن حزن :

أخا الحرب لبّاسا إليها جلالها

وليس بولّاج الخوالف أعقلا (٢)

(جلال) منصوب ؛ لأنه مفعول به لصيغة المبالغة (لباس). وفى (لباس) ضمير مستتر ، تقديره : هو ، فاعلها.

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ١١١ / المقتضب ٢ ـ ١١٣ / شرح ألفية ابن معطى ٢ ـ ٩٨٩ / المساعد على التسهيل ٢ ـ ١٩٢.

(٢) الكتاب ١ ـ ١١١ / المقتضب ٢ ـ ١١٣ / شرح ابن يعيش ٦ ـ ٧ / شرح ألفية ابن معطى ٢ ـ ٩٨٩ / شرح ابن الناظم ٤٢٦ / العينى ٣ ـ ٥٣٥ / شرح الشذور رقم ٢٠٧ / القطر رقم ١٢٩ / أوضح المسالك رقم ٣٧٢ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٩٦.

جلالها : ما يلبس فى الحرب من دروع وغيرها ، ولاج : كثير الولوج ، وهو الدخول ، الخوالف : جمع خالفة ، وهى عماد البيت ، والمقصود بها الخيام.

(بولاج) الباء : حرف جر زائد ، ولاج : خبر ليس منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. (أعقلا) خبر ثان لليس ، منصوب وعلامة نصبه الفتحة ، والألف للإطلاق.

٤٩١

وقول سعد بن ناهب :

فيالرزام رشّحوا بى مقدّما

إلى الموت خوّاضا إليه الكتائبا (١)

(الكتائبا) مفعول به منصوب لصيغة المبالغة (خوّاض).

ب ـ مفعال : كما ذكر فى قول سيبويه : «إنّه لمنحار بوائكها» (٢). بنصب (بوائك) على أنه مفعول به لصيغة المبالغة (منحار) ، وفيها ضمير مستتر ، تقديره :

هو ، هو الفاعل. و (منحار) خبر (إن) مرفوع.

ومنه : إنه لمطعام ضيفه. لقد كان مذكارا الأخبار.

ج ـ فعول : ذكرت عاملة فى قول أبى طالب بن عبد المطلب :

ضروب بنصل السيف سوق سمانها

إذا عدموا زادا فإنك عاقر (٣)

حيث (ضروب) صيغة مبالغة على مثال (فعول) ، وقد نصبت المفعول به (سوق) ، وفيها ضمير مستتر ، تقديره : هو ، فاعلها. وصيغة المبالغة خبر لمبتدإ محذوف ، تقديره : هو.

وقول ذى الرّمّة :

هجوم عليها نفسه غير أنه

متى يرم فى عينيه بالشّبح ينهض (٤)

__________________

(١) علل البناء والإعراب للعكبرى ٢ ـ ٣٧٠ / شرح ألفية ابن معطى ٢ ـ ٩٨٩. رزام : مستغاث به.

رشحوا : أهّلوا.

(٢) الكتاب ١ ـ ١١٢ / شرح ألفية ابن معطى ٢ ـ ٩٩١ / شرح ابن يعيش ٦ ـ ٧١ / شرح التسهيل ٣ ـ ٧٩ / شرح ابن الناظم ٤٢٧ / المساعد ٢ ـ ١٩٣ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٩٧. بوائكها : سمانها.

(٣) الكتاب ١ ـ ١١١ / ابن الشجرى ٢ ـ ١٠٦ / شرح ابن يعيش ٦ ـ ٧٠ / شرح ألفية ابن معطى ٢ ـ ٩٩١ / العينى ٣ ـ ٥٣٩ / شرح الشذور ٣٩٣ / أوضح المسالك رقم ٣٧٣ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٩٧. سوق : جمع ساق. أراد أنه يعقر الإبل السمان عند عدم الزاد.

(٤) ديوانه ٤٧ الكتاب ١ ـ ١١٠ / شرح التسهيل ٣ ـ ٧٩.

الشبح : الشخص ، ينهض : يفارق الظليم بيضه ، ويهرب ، أى : إذا رأى ذكر النعام شبحا ؛ فإنه يترك بيضه ، ويهرب ، حيث إنه كان هاجما نفسه عليها ، حاضنا لها.

(هجوم) خبر لمبتدإ محذوف ، تقديره : هو. وشبه الجملة (عليها) متعلقة بصيغة المبالغة. (غير) منصوب على الاستثناء ، وعلامة نصبه الفتحة. (أنه) حرف توكيد ونصب ، وضمير الغائب مبنى فى محل نصب ، اسم أن. وخبر أن التركيب الشرطى بعده (متى يرم ينهض). (متى) اسم شرط جازم مبنى فى محل نصب

٤٩٢

صيغة المبالغة (هجوم) نصبت المفعول به (نفس) ، وفيها ضمير مستتر تقديره :هو ، فاعلها.

د ـ فعيل : وردت عاملة فى قول عبد الله بن قيس الرّقيات :

فتاتان أمّا منهما فشبيهة

هلالا والأخرى منهما تشبه البدرا (١)

بنصب (هلال) ؛ لأنها مفعول به لصيغة المبالغة (شبيهة) ، وهو مؤنث (شبيه) على مثال (فعيل) ، وفيها فاعلها ضمير مستتر تقديره : هى. لكنه يلحظ أن صيغة المبالغة من (أشبه).

ومنه قول بعضهم : «إنّ الله سميع دعاء من دعاه» (٢). حيث (دعاء) مفعول به لصيغة المبالغة (سميع) ، على وزن فعيل.

ه ـ فعل : وردت عاملة فى قول الشاعر :

حذر أمورا لا تضير وآمن

ما ليس منجيه من الأقدار (٣)

__________________

على الظرفية متعلق بالجواب. (يرم) فعل الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة. ونائب الفاعل ضمير مستتر ، تقديره : هو. (فى عينيه) حرف جر ، واسم مجرور ، وعلامة جره الياء ؛ لأنه مثنى ، مضاف ، وضمير الغائب مضاف إليه. وشبه الجملة متعلقة بالرمى. (بالشبح) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالرمى. (ينهض) فعل جواب الشرط مضارع جزوم ، وعلامة جزمه السكون ، وحرك بالكسر من أجل الروى ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو.

 (١) شرح التسهيل ٣ ـ ٨١ شرح الكافية الشافية ٢ ـ ١٠٣٧ / شرح ابن الناظم ٤٢٨ ضياء السالك ٣ ـ ١٨ / شرح التصريح ٢ ـ ٨٦ الصبان الأشمونى ٢ ـ ٢٩٧.

(فتاتان) خبر لمبتدإ محذوف مرفوع ، وعلامة رفعه الألف ، والتقدير : هما فتاتان ، (أما) حرف تفصيل لا محل له من الإعراب. (منهما) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل رفع نعت لمبتدإ محذوف. والتقدير : واحدة منهما. (فشبيهة) : الفاء للجواب والجزاء ، شبيهة : خبر المبتدإ المحذوف مرفوع. (هلالا) مفعول به لشبيهة. (الواو) حرف عطف جملة على جملة مبنى. (الأخرى) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة. (منهما) جار ومجرور ، وشبه الجملة فى محل نصب ، حال من الأخرى. (تشبه) فعل مضارع مرفوع ، وفاعله ضمير مستتر. والجملة الفعلية خبر المبتدإ (الأخرى) فى محل رفع. (البدرا) مفعول به منصوب ، والألف للإطلاق.

(٢) شرح التسهيل ٣ ـ ٨١ / شرح ابن الناظم ٣ ـ ٤٢٧ / المساعد ٢ ـ ١٩٣.

(٣) ينسب إلى أبان اللاحقى ، وقيل : إنه مصنوع :

الكتاب ١ ـ ١١٣ / التبصرة ١ ـ ٢٢٧ / شرح ابن يعيش ٦ ـ ٧١ شرح التسهيل ٣ ـ ٨١ / شرح ابن الناظم ٤٢٨ / المساعد على التسهيل ٢ ـ ١٩٤ / شواهد العينى ٣ ـ ١٠٧ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٩٨.

٤٩٣

صيغة المبالغة (حذر) على وزن (فعل) قد نصبت المفعول به ، خبر لمبتدإ محذوف تقديره : هو.

وقول لبيد ، وينسب لعمرو بن أحمر ، ويخطئ ذلك كثير منهم :

أو مسحل شنج عضادة سمحج

بسراته ندب لها وكلوم (١)

(شنج) صيغة مبالغة من (شانج) ، نصبت المفعول به (عضادة) ، وفيها فاعلها ضمير مستتر ، تقديره : هو. والشانج هو الملازم.

بناء صيغة المبالغة من (أفعل) ، وهو غير ثلاثى :

ذكرنا أن صيغ المبالغة تحويل لصيغة فاعل لقصد المبالغة والكثرة ، وصيغة فاعل تكون من الثلاثى ؛ ولذلك فإنهم يجعلونها لا تبنى من غير الثلاثى ؛ لكنه ربما بنوها من وزن (أفعل) ، أى : من الثلاثى المزيد بالهمزة. ويسحب ابن مالك ذلك على الأمثلة :

فعّال ، ومفعال ، وفعيل ، وفعول (٢) ، وهو نادر.

ومن ذلك قول حميد بن ثور :

جهول وكان الجهل منها سجيّة

ولكنها للقائدين زهوق (٣)

(زهوق) صيغة مبالغة على وزن (فعول) ، وهى من الفعل (أزهق). فهى كثيرة الإزهاق لمن يقودها.

__________________

الجملة الفعلية (لا تضير) نعت لأمور فى محل جر. (آمن) معطوف على حذر مرفوع. وفيه ضمير مستتر تقديره : هو ، فاعله. (ما) اسم موصول مبنى فى محل نصب مفعول به لآمن. وجملة (ليس منجيه) صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. (من الأقدار) شبه جملة متعلقة باسم الفاعل (منجى).

 (١) الكتاب ١ ـ ١١٢ / شرح ابن يعيش ٦ ـ ٧٢ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٩٨. مسحل : الحمار الوحشى ، شنج : ملازم ، عضادة : جانب العضد ، أو : الجانب ، السمحج : الأتان الطويلة الظهر ، سراة : أعلى الظهر ، ندب : جمع ندبة ، وهى أثر الجرح ، كلوم : جمع كلم ، وهو الجرح. (بسراته ندب) جملة اسمية من خبر مقدم ومبتدإ مؤخر ، نعت ثان لمسحل ، فى محل رفع ، وقد تكون فى محل نصب على الحالية ، وصاحبها نكرة مخصصة بالصفة.

(٢) التسهيل ١٣٦ / شرح التسهيل ٣ ـ ٧٢ ، ٨٢ / المساعد ٢ ـ ١٩٤ / الجامع الصغير ١٥٦ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٩٨.

(٣) ينظر المواضع السابقة. يقول : تزهق قائدها ، فتسبقه لنشاطها.

٤٩٤

وقول معديكرب الزبيدى :

أمن ريحانة الداعى السميع

يؤرقنى وأصحابى هجوع (١)

أراد : الداعى المسمع ، فتكون صيغة المبالغة (السميع) مبنية من (أسمع) ، لا (سمع).

ويذكرون من ذلك : أدرك فهو درّاك ، أسأر فهو سئّار ، أى : كثير الإبقاء فى الكأس عند الشرب ، أنذر فهو نذير ، آلم فهو أليم ، أسمع فهو سميع ، أعطى فهو معطاء ، أهان فهو مهوان ، أعان فهو معوان ؛ إلى جانب ما ذكرناه من أزهق فهو زهوق. وأشبه فهو شبيه ، فى قول عبد الله بن قيس الرقيات السابق : فتاتان أمّا منهما فشبيهة ...

تعقيب :

سمعت ألفاظ أخرى تؤدى معنى المبالغة ، منها :

 ـ صدّيق ، على مثال : فعّيل.

 ـ معطير ، على مثال : مفعيل.

 ـ همزة ، على مثال : فعلة. ومنه : بلغة ، لمزة ، ضحكة.

 ـ فاروق ، على مثال : فاعول. ومنه : ماء حاطوم ، وسيل جاروف ، وماء فاتور (٢) ..

 ـ علّامة ، على مثال : فعّالة. ومنه : فهّامة ، نسّابة ...

 ـ طوال ، على مثال : فعال. ومنه : كبار ...

 ـ طوّال ، على مثال : فعّال ، ومنه : كبّار ...

 ـ مغشم ، على مثال : مفعل.

__________________

(١) شرح التسهيل ٣ ـ ٨٢ / شرح الكافية الشافية / ٢ ـ ١٠٣٤ / المساعد ٢ ـ ١٩٤.

(٢) ينظر : الكتاب ٤ ـ ٢٤٩.

٤٩٥

ملحوظات

أولا : جواز جرّ المعمول ونصبه (١) :

اسم الفاعل وصيغ المبالغة إذا خلت من أداة التعريف ، وكانت للحال أو الاستقبال ، أى : كانت صالحة للعمل ، جاز فى معمولاتها أن تضاف إليها ، وأن تنصب بها ، إذا كانت مباشرة لها ، دون انفصال. والإضافة على سبيل التخفيف ، فهى إضافة لفظية ، أو غير محضة ، أو غير حقيقية.

فإذا أريد نصب المعمول نوّن اسم الفاعل أو صيغة المبالغة ، إن كانا ممّا يستحقّ التنوين ، وأثبتت نون المثنى أو نون الجمع إن كانا مثّنيين أو مجموعين جمعا سالما ، ليكونا من الأسماء التامة التى تنصب معمولاتها. فتقول :

 ـ أنا مقدر الصديق. (مقدر) اسم فاعل مجرد من (أل) عامل لاجتماع الشروط فيه ، ونوّن ، فنصب المفعول به (الصديق).

 ـ نحن فاهمان الدرس (بنصب الدرس). بنصب الدرس على أنه مفعول به لاسم الفاعل (فاهمان) ، وهو مثنى ، وثبتت به النون ، فأصبح اسما تامّا.

 ـ هم ذكّارون الله. (ذكّارون) صيغة مبالغة ، وهى جمع مذكر سالم ، ثبتت بها النون ، فأصبحت اسما تاما ، فنصب معمولها ، وهو لفظ الجلالة.

ويكون كلّ من المنصوبات السابقة مفعولا به للاسم التام العامل.

وإذا أريد جرّ المعمول حذف التنوين ، أو نون التثنية ، أو نون الجمع من أجل الإضافة ؛ لأن الاسم ـ حينئذ ـ يكون ناقصا ، لا يكون تامّا إلا بالإضافة ، وتكون إضافته إلى معموله.

فتقول : أنا مقدر الصديق ، نحن فاهما الدرس ، هم ذكّارو الله. بجرّ كلّ من : الصديق ، والدرس ، ولفظ الجلالة على الإضافة.

__________________

(١) ينظر : شرح التسهيل ٣ ـ ٨٣ / شرح ابن الناظم ٤٣١ / المساعد ٢ ـ ٢٠٠ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٩٩.

٤٩٦

وتلحظ أن الإضافة تكون إلى المفعول به الاسم الظاهر.

وجاء المعمول مجرورا بالإضافة فى قوله تعالى : (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) [المائدة : ٩٥]. وقوله تعالى : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) [المائدة : ١]. تلحظ جرّ كلّ من (الكعبة ، والصيد) بالإضافة إلى اسمى الفاعل (بالغ ، محلى).

وجاء المعمول منصوبا فى قوله تعالى : (وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) [البقرة :

٧٢]. اسم الفاعل (مخرج) منون ، فأصبح اسما تاما ، فنصب معموله وهو الاسم الموصول (ما) ، فهو مفعول به فى محل نصب.

وقوله تعالى : (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) [المائدة : ٢] ، (آمين) جمع اسم الفاعل (آمّ) ، وهو جمع مذكر سالم ، اسم تامّ ، حيث وجود نون الجمع ؛ ولذلك فقد نصب مفعوله (البيت).

وقرأ عبد الله ومن تبعه : «ولا آمّى البيت» (١) ، بحذف النون من اسم الفاعل ، فوجب إضافة معموله إليه ، لأنه أصبح اسما ناقصا.

وقوله تعالى : (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ) [النساء : ١٦٢].

ومن أمثلة سيبويه : هذان الضاربان زيدا ، وهؤلاء الضاربون الرجل (٢).

وقد قرئ على الوجهين قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ) [الطلاق : ٣]. بدون تنوين اسم الفاعل (بالغ) ، مع جرّ معموله (أمر) ، وهذه قراءة حفص. وقراءة باقى السبعة بالتنوين مع نصب (أمر) (٣) ، ذلك لتمام اسم الفاعل بالتنوين.

وقوله تعالى : (إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ) [الزمر : ٣٨].

__________________

(١) الدر المصون ٢ ـ ٤٨٠.

(٢) الكتاب ٢ ـ ١٨٣.

(٣) إملاء ما من به الرحمن ٢ ـ ٢٦٣ / البحر المحيط ٨ ـ ٢٨٣ / الدر المصون ٦ ـ ٣٢٩.

٤٩٧

قرأ أبو عمرو اسمى الفاعل (كاشفات ، وممسكات) بالتنوين ، ونصب معموليهما (ضرّ ، ورحمة). وقرأ الباقون بدون تنوين اسمى الفاعل ، وجرّ معموليهما (١).

ونصب معمول اسم الفاعل بعد تنوينه ؛ لأنه أصبح اسما تاما بالتنوين ، فوجب إعماله.

وقوله تعالى : (رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) [آل عمران : ٩](٢). بجر (الناس) لإضافته إلى اسم الفاعل (جامع).

وقرأ أبو حاتم : جامع الناس. بتنوين (جامع) ، ونصب (الناس) ، حيث أصبح اسم الفاعل بالتنوين اسما تاما.

ويدخل فى ذلك خبر (كان) ، حيث يجوز إضافته ونصبه إلى اسم الفاعل منها.

فتقول : هذا كائن أخاك ، وهذا كائن أخيك.

فإن اقتضى اسم الفاعل أو صيغة المبالغة مفعولا آخر وجب نصبه (٣).

فتقول : أنت كاسى خالد ثوبا. الآن ، أو غدا. هو معطى الفقير صدقة.

كل من (خالد ، والفقير) مضاف إلى اسم الفاعل الذى يسبقه ، وأما (ثوبا ، وصدقة) فكل منهما مفعول به ثان منصوب. ذلك لأن اسمى الفاعل يحتاجان إلى مفعولين ، أولهما أضيف إليه ، والآخر وجب نصبه.

وتقول : محمد معلم علىّ خالدا بريئا.

(معلم) اسم فاعل يحتاج إلى ثلاثة مفعولات ، أولها أضيف إليه ، فكان مجرورا لفظا ، منصوبا محلا ، أما الثانى والثالث فكلّ منهما منصوب وجوبا ، حيث إن اسم الفاعل قد تمّ بالإضافة.

__________________

(١) إملاء ما من به الرحمن ٢ ـ ٢١٥ / الدر المصون ٦ ـ ١٨.

(٢) (ربنا) منادى منصوب ، وضمير المتكلمين مضاف إليه مجرور. (جامع) خبر إن مرفوع ، وهو مضاف ، و (الناس) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (ليوم) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة باسم الفاعل. (لا ريب فيه) لا : نافية للجنس ، حرف مبنى لا محل له من الإعراب. ريب : اسم لا النافية للجنس ، مبنى على الفتح فى محل نصب. فيه : جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة خبر لا فى محل رفع ، أو متعلقة بخبر لا المحذوف ، وجملة (لا ريب فيه) نعت ليوم فى محل جر.

(٣) شرح ابن الناظم ٤٣١ / المساعد على التسهيل ٢ ـ ٢٠٠.

٤٩٨

ثانيا : جواز تقديم المعمول :

يعمل اسم الفاعل وصيغة المبالغة غير المقرونين بأداة التعريف فى المعمول إذا تقدم عليهما إعمالهما فيه إذا تأخر. ما لم يكن مجرورا بحرف الجر الأصلى أو الإضافة.

فيقال : عليّا أنا محترم. حيث (عليا) مفعول به لاسم الفاعل (محترم) ، وقد تقدم عليه ، وظهر فيه النصب.

ومنه قول الشاعر :

قلى دينه واهتاج للشّوق إنّها

على الشّوق إخوان العزاء هيوج (١)

صيغة المبالغة (هيوج) نصبت المفعول به المقدم (إخوان) ، وفيها ضمير مستتر تقديره : هو ، وفاعلها. أما صيغة المبالغة فهى خبر (إن) مرفوع.

وقول الآخر :

بكيت أخا اللأواء يحمد يومه

كريم رؤوس الدارعين ضروب (٢)

فقد نصبت صيغة المبالغة (ضروب) المفعول به (رؤوس) ، وقد تقدم عليها ، وفيها فاعلها ضمير مستتر تقديره : هو. أما (ضروب) فهى خبر ثان لمبتدإ محذوف.

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ١١١ ، وينسب فيه لأبى ذؤيب الهذلى ، وينسب فى غيره للراعى / شرح التسهيل ٣ ـ ٧٩ / شرح ابن الناظم ٤٢٧ / شرح الكافية الشافية ٢ ـ ١٠٣٣ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٧٩.

قلى : أبغض ، هيوج : كثير الهياج ، يصف المرأة أنها لو نظر إليها راهب لترك دينه ، وهاج شوقا إليها.

(٢) الكتاب ١ ـ ١١١ / شرح ابن يعيش ٦ ـ ٧١.

اللأواء : الشدة ، يحمد يومه : يحمد زمانه ، حيث إنه كريم فى عطائه ، باسل فى الحرب ، يضرب رؤوس لابسى الدروع.

(بكيت) فعل ماض مبنى ، وفاعل مبنى فى محل رفع. (أخا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الألف ، وهو مضاف ، و (اللأواء) مضاف إليه مجرور. (يحمد) فعل مضارع مرفوع ، مبنى للمجهول. (يومه) نائب فاعل مرفوع ، والضمير فى محل جر ، مضاف إليه. والجملة الفعلية فى محل نصب ، حال من (أخ).

(كريم) خبر لمبتدإ محذوف ، تقديره : هو ، يعود على (أخا اللأواء) ...

٤٩٩

وقول حميد بن ثور :

جهول وكان الجهل منها سجية

ولكنها للقائدين زهوق (١)

شبه الجملة (للقائدين) متعلقة بصيغة المبالغة (زهوق) ، وقد تقدمت عليه.

ثالثا : إعمالها حال التثنية والجمع :

يعمل اسم الفاعل وصيغ المبالغة حال تثنية كل منهما أو جمعه جمعا سالما ، أو جمع تكسير ، وذلك بوجود الشروط السابقة (٢).

من ذلك قوله تعالى : (وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ) [الأحزاب : ٣٥].

(فروج) مفعول به منصوب لجمع اسم الفاعل (الحافظين) ، وهو جمع (الحافظ) ، ولفظ الجلالة مفعول به منصوب لجمع اسم الفاعل (الذاكرين) ، وهو جمع (ذاكر).

وقوله تعالى : (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) [القمر : ٧]. (أبصار) فاعل لجمع اسم الفاعل (خشّع) ، وهو جمع خاشع.

وقول عنترة :

الشّاتمى عرضى ولم أشتمهما

والنّاذرين إذا لم ألقهما دمى (٣)

حيث نصب المفعول به (دم) باسم الفاعل (الناذرين) ، وهو مثنى (الناذر).

وقول طرفة بن العبد :

ثمّ زادوا أنّهم فى قومهم

غفر ذنبهم غير فخر (٤)

__________________

(١) ينظر فكرة (بناء صيغة المبالغة من أفعل).

(٢) الكتاب ١ ـ ١٠٩ ، ١١٠ ، ١١٢ / شرح ابن يعيش ٦ ـ ٧٤ / شرح التسهيل ٣ ـ ٧٢ / شرح ابن الناظم ٤٢٨ / المقرب ١ ـ ١٢٣ / المساعد ٢ ـ ١٩٢ / شرح التصريح ٢ ـ ٦٩ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٩٨.

(٣) شرح التصريح ٢ ـ ٩٦ / ضياء السالك ٣ ـ ٢٠ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٩٩.

(٤) ديوانه ١ ـ ٥٨ / الكتاب ١ ـ ١١٣ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٢٢٨ / شرح ألفية ابن معطى ٢ ـ ٩٩٢ /

٥٠٠