النحو العربي - ج ٣

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٣

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٦٠٨

الأول : اسم المصدر العلم :

المصدر العلم ما دلّ على معنى المصدر دلالة تغنى عن تعريفه بالألف واللام ؛ لتضمنه الإشارة إلى حقيقة (١). ذلك نحو : سبحان (علم على التسبيح) ، فجار (علم على الفجرة) ، حماد (علم على المحمدة) ، يسار (علم على اليسر) ، برّة (علم على البرّ) ، وهى أعلام جنس على المعانى المذكورة ، أفعالها تكون أكثر من الثلاثية : سبحّ ، أفجر ، أحمد ، أيسر ، أبرّ.

وهذا النوع لا يعمل عمل الفعل اتفاق (٢). ولا يقوم مقام المصدر الأصلى فى توكيد الفعل ، أو بيان نوعه ، أو عدد مرّاته.

ذلك لأنه يخالف المصادر الأصلية فى أنه لا يضاف ، ولا يوصف ، ولا يعرّف بالأداة ، ولا يحلّ محلّ الفعل ، ولا موقع ما يوصل به الفعل.

ومنه قول حميد بن ثور :

فقلت امكثى حتى يسار لعلّنا

نحجّ معا قالت أعاما وقابله (٣)

وفيه (يسار) اسم مصدر معدول عن الميسرة.

وقول النابغة :

إنّا اقتسمنا خطّتينا بيننا

فحملت برّة واحتملت فجار (٤)

حيث (فجار) اسم مصدر علم معدول عن الفجرة. وبرّة اسم مصدر علم على البر.

الثانى : اسم المصدر الناشئ عن مصدر منقوص لفظا :

هذا القسم من أسماء المصدر ينشأ عن نقص فى أصوات أو حروف المصدر القياسى ، فينشأ عنه مصدر لفعل ثلاثى ، مع ملاحظة أن الفعل الذى يؤدى المعنى ، ويجب أن يستخدم فى التركيب المنشأ يكون أكثر من ثلاثى.

__________________

(١) شرح التسهيل ٣ ـ ١٢١.

(٢) أوضح المسالك ٢ ـ ١١٩.

(٣) الكتاب ٣ ـ ٢٧٤ ، وفيه : فقلت / شرح ابن يعيش ٤ ـ ٥٥ / شرح التسهيل ٣ ـ ١٢١.

(٤) ديوانه ٣٤ / الكتاب ٣ ـ ٢٧٤ / الخصائص ٢ ـ ٢٩٨ / ٣ ـ ٢٦١ ، ٢٦٥ / شرح ابن يعيش ١ ـ ٣٨ / ٤ ـ ٥٣ / شرح التسهيل ٣ ـ ١٢١.

٤٦١

وقد ذكرنا لذلك من قبل : طهرا اسم مصدر للفعل (تطهّر). ومنه :أعطيت عطاء. والمصدر القياسى (إعطاء).

اغتسلت غسلا. والمصدر (اغتسالا).

كلّمته كلاما. والمصدر (تكليما).

أثبته ثوابا. والمصدر (إثابة).

تزكّيت زكاة. والمصدر (تزكية).

فأسماء المصادر هذه إنما هى مصادر لغير الأفعال التى يجب أن تستخدم فى التركيب الذى تذكر فيه لأداء الدلالة المقصودة ، وقامت بهذه الوظيفة الدلالية ـ اجتماعيا واصطلاحيا ـ ؛ لذا فإنها تساوت مع المصدر ـ فيما ذكر سابقا ـ من الأداء المعنوى ، والشياع ، وقبول أداة التعريف ، والإضافة ، والوقوع موقع الفعل أو ما يوصل به الفعل ، على الرغم من خلوه لفظا أو تقديرا دون عوض من بعض ما فى الفعل (١).

هذا القسم من أسماء المصادر جاء عاملا عمل الفعل.

ومنه قول القطامى يمدح زفر بن الحارث الكلابى :

أكفرا بعد ردّ الموت عنّى

وبعد عطائك المائة الرّتاعا (٢)

(عطاء) اسم مصدر لإعطاء ؛ لأن الفعل هو (أعطى). وهو مضاف إلى فاعله (كاف المخاطب). (المائة) مفعول به منصوب باسم المصدر. و (الرتاع) صفة للمائة منصوبة ، والمصدر مضاف إلى الظرف (بعد).

__________________

(١) شرح التسهيل ٣ ـ ١٢٢.

(٢) التبصرة والتذكرة ١ ـ ٢٤٤ / الخصائص ٢ ـ ٢٢١ / شرح ابن يعيش ١ ـ ٢٠. ٣ ـ ١٢٣ / شرح ابن الناظم ٤١٩ / شرح ابن عقيل ٣ ـ ٩٩ / شرح الشذور ٤١٢ / أوضح المسالك رقم ٣٦٧ / شرح التصريح ٢ ـ ٦٤ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٨٨. الرتاع : الراتعة من الإبل.

(الهمزة) حرف استفهام مبنى ، لا محل له من الإعراب ، يفيد الاستنكار. (كفرا) مفعول مطلق منصوب بفعل محذوف ، والتقدير : أأكفر كفرا.

٤٦٢

وقول الشاعر :

بعشرتك الكرام تعدّ منهم

فلا ترين لغيرهم الوفاء (١)

فيه (عشرة) اسم مصدر للمصدر (معاشرة) ؛ لأن الفعل الذى يؤدى المعنى هو (عاشر) ، وقد أضيف اسم المصدر إلى فاعله (كاف المخاطب) ، ونصب المفعول به (الكرام). واسم المصدر مجرور بالباء.

وقول الشاعر :

قالوا كلامك هندا وهى مصغية

يشفيك قلت صحيح ذاك لو كانا (٢)

وفيه اسم المصدر (كلام) مضاف إلى فاعله (كاف المخاطب) ، وقد نصب مفعولا به (هندا). وكلام واسم ومصدر ؛ لأنه بمعنى (تكليم) ، مصدر الفعل (كلّم) ، وهو مبتدأ مرفوع.

وقول الشاعر :

إذا صحّ عون الخالق لم يجد

عسيرا من الآمال إلا ميسّرا (٣)

__________________

(١) شرح التسهيل ٣ ـ ١٢٣ / شرح ابن عقيل ٣ ـ ١٠٠ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٨٨.

فى بعض المصادر : ألوفا ، وبناء (ترى) للمجهول ، ويكون مفعولا ثانيا لترى. ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره : أنت وهو المفعول الأول. (بعشرتك) شبه الجملة متعلقة بالفعل (تعد). (فلا ترين) جملة جواب شرط محذوف ، والتقدير : إن كان الأمر كذلك فلا ترين. لا : حرف نهى مبنى ، ترى : فعل مضارع مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المباشرة. وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت. (الوفاء) مفعول به للفعل (ترى).

(٢) شرح التسهيل ٣ ـ ١٢٣ ، وفيه (دعدا). شرح الشذور ٢٧ رقم ٨ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٨٨.

الجملة الاسمية (وهى مصغية) فى محل نصب حال. اسم المصدر (كلام) مبتدأ ، خبره الجملة الفعلية (يشفيك) ، والمبتدأ وخبره جملة فى محل نصب ، مقول القول (قلت). الجملة الاسمية (صحيح ذاك) فى محل نصب ، مقول القول (قلت). جملة جواب (لو) محذوفة دلّ عليها ما تقدم.

(٣) شرح التسهيل ٣ ـ ١٢٣ / شرح ابن عقيل ٣ ـ ١٠٠ / المساعد على التسهيل ٢ ـ ٢٣٨.

شبه الجملة (من الآمال) فى محل نصب ، نعت للمفعول به عسير ، أو متعلقة به (ميسرا) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة ؛ لأن وجد من وجدان الضالة ، وليس القلبى ، فإن جعلته قلبيا كان (ميسرا) مفعولا ثانيا لوجد.

٤٦٣

(عون) اسم المصدر (إعانة) ؛ لأن الفعل الذى يؤدى المعنى (أعان). وقد أضيف اسم المصدر إلى فاعله (الخالق) ، ونصب مفعولا به ، وهو (المرء). واسم المصدر فاعل مرفوع للفعل (صحّ).

ومنه قول حسان بن ثابت :

لأنّ ثواب الله كلّ موحّد

جنان من الفردوس فيها يخلّد (١)

(ثواب) اسم للمصدر (إثابة) ، فالفعل الذى يؤدى المعنى هو (أثاب) ، وقد أضيف اسم المصدر إلى فاعله (لفظ الجلالة) ، ونصب مفعولا به ، وهو (كل). اسم المصدر اسم (أن) منصوب ، وخبر (أن) هو (جنان).

وفيه رواية بنصب (جنان) (٢) ، فتكون مفعولا ثانيا لاسم المصدر ؛ لأن (أثاب) يتعدى إلى مفعول بنفسه ، وقد يتعدى إلى مفعول به ثان بواسطة ، أو بدون واسطة ، وعلى هذا فإن شبه الجملة (من الفردوس) ، والجملة الفعلية (يخلد) يكونان فى محل نصب. ويكون خبر (أن) محذوفا ، تقديره : ثابت ، أو : لازم ... أو غير ذلك.

ومن إعمال اسم المصدر ما جاء فى الحديث الشريف : «من قبلة الرجل امرأته الوضوء» (٣) ، حيث (قبلة) اسم مصدر ؛ لأن الفعل المؤدّى المعنى هنا هو (قبل) ، بتضعيف العين ، ومصدره (تقبيل) ، وقد أضيف اسم المصدر إلى فاعله (الرجل) ، ونصب مفعولا به هو (امرأة). واسم المصدر مجرور بحرف الجر (من).

__________________

(١) شرح التسهيل ٣ ـ ١٢٣ / شرح الشذور ، رقم ٢٢٠ / الدر رقم ٢ ـ ١٢٨ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٨٨.

شبه الجملة (من الفردوس) فى محل رفع ، نعت لجنان ، أو متعلقة بنعته المحذوف. شبه الجملة (فيها) متعلقة بالفعل يخلد. الجملة الفعلية (يخلد) فى محل رفع ، نعت ثان لجنان ، أو فى محل نصب ، حال منها ، على أنها نكرة تخصصت بالنعت ، فجاز أن تكون صاحب حال.

(٢) الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٨٨.

(٣) الموطأ لمالك ، طهارة ٦٥ ، ٦٦.

٤٦٤

رابعا : المصدر الميمى :

المصدر الميمى (١) نوع من الأسماء التى تؤدى دلالة المصدرية ، أى : دلالة الحدثية ، مع تفخيم للدلالة ، وقوة تأكيدها ؛ لكنه يبدأ ـ دائما ـ بميم زائدة لغير المفاعلة ، تكون مفتوحة إذا كان من فعل ثلاثى ، نحو : مضرب ، ومقتل ، ومعناهما : ضرب ، وقتل ، وتكون مضمومة إذا كان من فعل أكثر من ثلاثى ، نحو : مفتتح ، ومستعمل ، أى : افتتاح ، واستعمال.

وبعضهم يجعل هذا المصدر من أسماء المصدر ، وربما يعود فيذكر أنه كالمصدر اتفاقا (٢) ، وبعضهم يسميه اسم مصدر تجوزا.

والمصدر الميمى يصاغ ـ فى إيجاز ـ من الفعل الثلاثى على وزن (مفعل) نحو :

ملعب (لعب) ، مشرح (شرح) ، مطلع (طلوع) ، محيا (حياة) ، ممات (موت).

فإن كان مثالا صحيح اللام محذوف الفاء فى المضارع فإن عينه تكسر فى المصدر الميمى (مفعل) ، نحو : وعد موعدا (وعدا) ، وجد موجدا. (وجودا) وزن موزنا (وزنا).

ومن غير الثّلاثى يصاغ على زنة اسم المفعول ، نحو : مستطلع (استطلاع) ، مقتتل (اقتتال) ، مكرم (إكرام) ، متعلّم (تعلّم).

ويحترز بالقول : لغير المفاعلة من مصدر فاعل مفاعلة ، نحو : قاتل مقاتلة ، ضارب مضاربة ، عاود معاودة ، فهذه مصادر قياسية ، وتبدأ بميم ، وهذا الوزن من المصادر فيه معنى المفاعلة.

المصدر الميمى يعمل عمل الفعل كالمصادر العاملة ـ اتفاقا (٣).

وأتخذ من حرص النحاة على إعمال المصدر الميمى باتفاق ووصفه بأنه كالمصادر ، ثم حرص كثير منهم على أن يجعلوا عمل اسم المصدر غير العلم قليلا ،

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ٢٣٣ ، ٤ ـ ٨٧ ، ٩٥ / المقتضب ٢ ـ ١١٩ / شرح التصريح ٢ ـ ٦٣ ، ٦٤.

(٢) شرح ابن الناظم ٤١٦ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٨٧ ، ٢٨٨.

(٣) المقتضب ٢ ـ ١١٩ / المساعد على التسهيل ٢ ـ ٢٣٩ / أوضح المسالك ٣ ـ ٦.

٤٦٥

دليلا محفّزا على أن أجعل المصدر الميمىّ قسما برأسه من المصادر. فيكون عاملا ، على غير ما يكون عليه نوعا اسم المصدر اللذان ذكرناهما : العلم ، والناشئ من نقص فى اللفظ.

ومنه قول الشاعر :

أظلوم إنّ مصابكم رجلا

أهدى السّلام تحية ظلم (١)

وفيه (مصاب) مصدر ميمى ، بمعنى : إصابة ، وهو مضاف إلى فاعله (ضمير المخاطبين) ، و (رجلا) مفعول به للمصدر الميمى منصوب. والمصدر الميمى اسم (إن).

ومنه قول لقيط الإيادى :

يا دار عمرة من محتلّها الجرعا

هاجت لى الهمّ والأحزان والوجعا (٢)

أى : من احتلالها الجرع ، (محتل) مصدر ميمى ، أضيف إلى فاعله (ها) الغائبة.

(الجرع) مفعول به للمصدر الميمى.

ومنه ما ذكره ابن مالك فى شرحه لتسهيله من قول الشاعر :

مستعان العبد الإله يريه

كلّ مستصعب من الأمر هينا (٣)

__________________

(١) التبصرة والتذكرة ١ ـ ٢٤٥ / شرح التسهيل ٣ ـ ١٢٤ / المساعد ٢ ـ ٢٣٩ / شرح الشذور ٤١١ / أوضح المسالك رقم ٣٦٦ / شرح التصريح ٢ ـ ٦٤ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٨٧ ، ٢٨٨.

ينسب للحارث بن خالد المخزومى ـ على الأصح.

وفيه : أظليم.

ظلوم : اسم امرأة.

(أظلوم) الهمزة : حرف نداء مبنى ، لا محلّ له من الإعراب. ظلوم : منادى مبنى على الضم فى محل نصب. والجملة الفعلية (أهدى السّلام) فى محل نصب ، نعت لرجل. (تحية) نائب عن المفعول المطلق ، فهو مرادف ، ويجوز أن يكون حالا من السّلام مؤكدة. (ظلم) خبر إن مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

(٢) أمالى المرزوقى ٢٤٢ / شرح التسهيل ٣ ـ ١٢٥.

الجرع والأجرع والجرعاء : الرملة لا تنبت.

(٣) شرح التسهيل ٣ ـ ١٢٥.

٤٦٦

أى : استعانة العبد الإله ، فيكون (مستعان) مصدرا ميميا ، فاعله (العبد) ، ومفعوله (الإله). والمصدر الميمى مبتدأ ، خبره الجملة الفعلية (يريه).

ومن ذلك أن تقول : مفتتح الرئيس المعرض أكسبه شهرة. أى : افتتاح الرئيس المعرض.

مسمعك الأغانى الفاحشة إثم. أى : سماعك.

مستخرج العرب البترول قد أطمع الدول الاستعمارية المتكالبة عليهم. أى :استخراج.

مقالنا : إنّ الحقّ فوق القوّة أصبح غير كاف بدون العزيمة والمثابرة ، أو موجد القوة. أى : قولنا ... أو : وجود ...

الحكم الإعرابى لتابع المضاف إلى المصدر :

عرفنا أنه يغلب استعمال المصدر مضافا ، وإضافته تكون إما إلى فاعله ، فيكون مجرورا لفظا ، مرفوعا محلّا ، وإما إلى مفعوله ، فيكون مجرورا لفظا ، منصوبا محلا ، حينئذ ؛ إذا نعت المجرور أو عطف عليه فإن النعت أو المعطوف يجوز فيه أن يعامل على لفظ المجرور ، فيكون مجرورا ، أو أن يعامل على المحلّ ، فيكون مرفوعا إذا كان المتبوع فى محلّ رفع ، ويكون منصوبا ؛ إن كان المتبوع فى محلّ نصب (١).

نحو : عجبت من ضرب زيد الظريف ، بالجر ، على اللفظ ، وإن شئت رفعت على المحل ، فقلت : الظريف.

مما جاء فيه التابع معربا على المحل قول لبيد بن ربيعة :

حتى تهجّر فى الرّياح وهاجها

طلب المعقّب حقّه المظلوم (٢)

__________________

(١) التسهيل ١٤٢ شرح التسهيل ٣ ـ ١١٩ شرح ابن الناظم ٤٢٠.

(٢) المقتصد فى شرح الإيضاح ١ ـ ٥٦٣. شرح ابن يعيش ٢ ـ ٢٤ ، ٦ ـ ٦٦ شرح ابن الناظم ٤٢٠ / العينى ٣ ـ ٣١٥ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٩٠ ضياء السالك ٣ ـ ٩ شرح التصريح ٢ ـ ٦٥.

تهجر : سار فى الهاجرة ، الروح : ما بين الزوال إلى الليل ، هاجها : أثارها. (حتى) للغاية. فاعل تهجر ضمير مستتر يعود إلى الحمار الوحشى ... والضمير فى (هاجها) للأتان المصاحبة للحمار الوحشى ، وهما يطلبان الماء والكلأ فى الهاجرة.

٤٦٧

وفيه أضيف المصدر (طلب) إلى فاعله (المعقب) ، فيكون (المعقب) مجرورا لفظا مرفوعا محلا ، لذا جاز فى نعته (المظلوم) الوجهان ، وقد جاء مرفوعا على المحل.

(حق) مفعول المصدر ، و (طلب) نائب عن المفعول المطلق من الفعل (هاج).

ومثله قول الشاعر :

يا لعنة الله والأقوام كلّهم

والصّالحون على سمعان من جار (١)

أضيف المصدر (لعنة) إلى فاعله لفظ الجلالة ، فلما عطف عليه جاز فى المعطوف الجرّ على اللفظ ، والرفع على المحلّ ، فكان المعطوف (الصالحون) مرفوعا بالعطف على محلّ لفظ الجلالة.

وقول زياد العنبرى ، وينسب كذلك إلى رؤبة :

قد كنت داينت بها حسّانا

مخافة الإفلاس واللّيانا (٢)

(مخافة) مصدر ، أضيف إلى مفعوله (الإفلاس) ، فيكون مجرورا لفظا ، منصوبا محلا ، فلما عطف عليه (الليان) نصب على المحل.

أما المصدر فهو مفعول لأجله منصوب.

ومنه : عجبت من أكل الخبز واللحم ، لك فى اللحم أن تجرّه على اللفظ ، وأن تنصبه على المحل ؛ لأنه مضاف إلى المصدر (أكل) مجرور لفظا ، منصوب محلا ؛ لأنه المفعول به.

أما قول الشاعر :

هويت ثناء مستطابا مؤبّدا

فلم تخل من تمهيد مجد وسوددا (٣)

__________________

(١) الكتاب ٢ ـ ٢١٩ ، وفيه : والصالحين ابن الشجرى ١ ـ ٣٢٥ شرح ابن يعيش ٢ ـ ٢٤ ، ٢ ـ ٤٠ ، ٨ ـ ١٢٠ شرح التسهيل ٣ ـ ١٢٠ العينى ٤ ـ ٢٦١.

(لعنة) مبتدأ مرفوع ، لأن التقدير : يا قوم ، فلم يقع النداء عليها.

(٢) الكتاب ١ ـ ١٩١ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٢٤٣ / المقتصد فى شرح الإيضاح ٢ ـ ٥٦١ شرح ابن يعيش ٦ ـ ٦٥ شرح التسهيل ٣ ـ ١٢٠ شرح ابن الناظم ٤٢١ شرح الكافية الشافية ٢ ـ ١٠٢٢ مغنى اللبيب ٢ ـ ٥٤٨ / شرح التصريح ٢ ـ ٦٥ الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٩١ ، حسان : اسم رجل ، بها : أى : القينة ، الليان : المماطلة بالدين. وهو بالفتح والكسر ، والفتح أكثر.

(٣) شرح التسهيل ٣ ـ ١٢٠ مغنى اللبيب ٢ ـ ٥٤٨.

٤٦٨

ففيه (مجد) مضاف إلى المصدر (تمهيد) ، وهو مفعوله ، فكان مجرورا لفظا منصوبا محلّا ، فعطف عليه (سودد) منصوبا على المحل.

ومنه قول الراجز :

ما جعل امرا القوم سيدا

إلا اعتياد الخلق الممجّدا (١)

(الخلق) مضاف إلى المصدر (اعتياد) ، وهو مفعول فى المعنى ، فهو مجرور لفظا للإضافة ، منصوب محلا للمعنى ، فجاءت صفته (الممجدا) منصوبة على المحل.

يذكر ابن مالك فى شرحه للتسهيل :«ونبّهت بقولى : فإن كان مفعولا ليس بعده مرفوع بالمصدر ؛ على ثلاثة أوجه فى تابع المجرور من نحو : عرفت تطليق المرأة ؛ فى نعت المرأة والمعطوف عليها :الجر على اللفظ ، والنصب على تقدير المصدر بفعل الفاعل ، والرفع على تقديره بفعل ما لم يسمّ فاعله ، وفى الحديث : أمر بقتل الأبتر وذو الطفيتين ، على تقدير : أمر بأن يقتل الأبتر وذو الطفيتين» (٢).

فى المثل الذى ذكره : عرفت تطليق المرأة ، تقديره : عرفت أن طلّقت المرأة ، فالمرأة أضيفت إلى مصدر ما لم يسمّ فاعله ، فيجوز فى تابع المرأة ثلاثة أوجه ، فتقول : عرفت تطليق المرأة الفاسدة وصديقتها ، بالرفع على أن المصدر لفعل مبنى للمجهول ، فتكون المرأة مجرورة لفظا ، مرفوعة محلا.

وتنطقها بالنصب على أن المصدر لفعل مبنى للمعلوم ، فتكون المرأة مجرورة لفظا ، منصوبة محلا ، هذا إلى جانب الجرّ فيهما على اللفظ.

وكذلك إذا قلت : ساءنى ضربك وأخيك ، والتقدير : أن ضربت وأخوك ، فيجوز فى المعطوف (أخيك) الجرّ على اللفظ ، والنصب على فعل الفاعل ، والرفع على فعل النائب عن الفاعل.

__________________

(١) شرح التسهيل ٣ ـ ١٢٠ المساعد على التسهيل ٣ ـ ١٢٠.

(٢) شرح التسهيل ٣ ـ ١٢١.

٤٦٩

من أمثلة إعمال المصدر :

 ـ يؤذينى سبّك صديقك الآن ، أو أمس.

أى : ما سببت الآن ، أو أمس ، أو : أن سببت أمس.

وعذّبه الهوى حتّى براه

كبرى القين بالسّفن القداحا (١)

أى : كما يبرى القين ... ، أو : كما برى.

 ـ مدمن البغى يأخذه با

ريه أخذه لثمود وعادا

أى : كما أخذ ثمود وعادا.

 ـ قوله تعالى : (تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) [الروم : ٢٨].

 ـ قوله تعالى : (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) [النساء : ١٦١].

 ـ قول عمرو بن معد يكرب الزّبيدى :

أعاذل إنما أفنى شبابى

إجابتى الصّريخ إلى المنادى (٢)

 ـ (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى) [النحل ٩٠].

 ـ (بِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً) [النساء : ١٥٦].

 ـ (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ) [البقرة : ٨٥].

 ـ (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) [البقرة : ٢٢٦].

 ـ (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) [الجاثية : ٣٤].

 ـ (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) [المائدة : ٨٩].

__________________

(١) شرح التسهيل لابن مالك ٣ ـ ١١٠.

القين : الحداد ، السفن : ما ينحت به كلّ شىء ، كالحجر ، أو القطع الخشنة من الجلد وغيره.

(٢) هامش شرح الشذور ٣٨٣.

٤٧٠

فلا تكثرا لومى فإن أخاكما

بذكراه ليلى العامرية مولع

ملحوظات

أولا : وجوب ذكر مفعول المصدر :

إذا أضيف المصدر إلى مرفوع أو إلى منصوب ، وكان أصل أحدهما مبتدأ ؛ لم يجز حذف الآخر المطلوب ـ منصوبا كان أم مرفوعا ـ.

وإن كان فاعل المصدر يحتاج إلى فاعل ومفعولين ، أو إلى فاعل وثلاثة مفعولات ؛ وأضيف المصدر إلى أحدها ؛ فإنه يجب أن يذكر المطلوب الباقى بعد ذكر المصدر وما أضيف إليه.

من ذلك : عرفت كون زيد صديقك (١). حيث أضيف المصدر (كون) إلى مرفوعه (زيد) ، فهو اسمه لو كان فعلا (كان) ، والأفعال الناقصة لا تستغنى عن أخبارها ، حال نقصانها ؛ ولذا فإنه يجب ذكر منصوبها الخبر ، وهو (صديق).

وكذلك القول : تبيّنت صيرورة عمرو خصما لك ، حيث أضيف المصدر (صيرورة) إلى مرفوعه ، وهو لا يستغنى عن منصوب بعدهما ، فلزم ذكر المنصوب (خصما).

ومن ذلك : عرفت كون صديقك زيد أو زيدا.

سرّنى إضحاء الشمس مشرقة.

أعجبت بعلمك محمدا مجتهدا.

أضيف المصدر (علم) إلى فاعله ضمير المخاطب ؛ لكنه يحتاج إلى منصوبين ، أحدهما كان مبتدأ ، والثانى كان خبرا ، فيلزم ذكرهما ؛ لذا لزم ذكر المنصوبين :(محمدا ، مجتهدا).

ومنه : أعجبت بإعلامك عليّا محمدا مجتهدا.

حيث المصدر (إعلام) المضاف إلى مرفوعه يحتاج إلى ثلاثة مفعولات. فلزم ذكرها.

__________________

(١) يرجع إلى : شرح التسهيل لابن مالك ٣ ـ ١١٧.

٤٧١

ثانيا : إعمال المصدر فى صوره الثلاث :

لم يتفق النحاة اتفاقا كاملا على إعمال أى نوع من أنواع المصادر فى صوره الثلاث : مضافة ، ومنونة ، ومعرفة بالأداة.

والمصدر فى هذه الصور التركيبية أو البنيوية إنما هو مصدر متصرف فى التركيب ، حيث يتنوع بين المصدرية وغيرها من المواقع الإعرابية المحتملة ، وغير المخالفة لقوانين التركيب.

وهم فى تعليلهم لآرائهم لا يكادون يتفقون على المعوّل الرئيس للإعمال وعدمه ، فقد تستخدم الاسمية أداة للقبول ، ومعولا للمنع ، وقد يكون التنوين سبيلا إلى المتناقضين ، كما تكون أداة التعريف والإضافة كذلك.

وقد ورد التراث اللغوى حافظا بين مأثوراته ، وناقلا إلينا إعمال المصدر فى صوره الثلاث ، عدا كونه مؤكدا ، أو مبينا لمرات الفعل ، أو علما على المصدرية ، ولكن الاستعمال فى اللغة ينطوى على نسبة شيوع غير محفوظة بين ثلاث الصور ، ذلك لصعوبة فى الاستخدام اللغوى ، من حيث النطق والأداء الصوتى ، واللبس فيما إذا كان المصدر معرفا ، بدرجة أقلّ فى الصعوبة واللبس إذا كان منونا ، وبدرجة تكاد تنعدم فيما إذا كان مضافا ؛ لذا كانت درجات الشيوع مطردة طردا عكسيا مع درجات الصعوبة فى النطق والأداء الصوتى ووجود اللبس.

ثالثا : درجات قياسية إعمال المصدر :

يجعل النحاة ـ معظمهم ـ المصادر على ثلاث مراتب فى الإعمال ، وقياسيته (١) :

الأولى : للمنون ؛ لأنه يكون نكرة كالفعل ، وهو مشبه به فى الإعمال ، والمنون يكون نكرة لفظا ومعنى.

والثانية : للمضاف ؛ لأنه مشبه للفعل معنى ، من حيث إن الإضافة فى نية الانفصال ، لكنه يخالفه لفظا ؛ لأن ظاهره مشاكل لما يكون إضافته حقيقة.

__________________

(١) المقتصد فى شرح الإيضاح ١ ـ ٥٦٥ شرح ابن يعيش ٦ ـ ٥٩ ، ٦٠.

٤٧٢

والثالثة : للمعرف بالأداة ؛ لأن أداة التعريف تخرج المصدر من الشبه بالفعل.

رابعا : ذكر المصدر دون معمولاته :

قد يجىء المصدر الصالح للعمل دون ذكر أىّ معمول له ، لا مرفوع ولا منصوب (١) ، ومن ذلك قوله تعالى : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) [الزمر : ٧] ، أى : أن يكفروا ، فلم يذكر مرفوع بالمصدر ، ولا متعلق به.

خامسا : إعمال المصدر غير الدال على المفرد :

شرط بعضهم الإفراد فى إعمال المصدر ، فلا يعملونه مثنى ولا مجموعا ، ولم يشترطه بعضهم ، ومنهم ابن عصفور ، وابن مالك.

وقد يجمع المصدر ، ويؤدى عمل الفعل متى توافرت فيه الشروط المذكورة.

وهو قليل.

ومنه قول الشاعر :

وقد وعدتك موعدا لو وفت به

مواعد عرقوب أخاه بيثرب (٢)

حث نصب (أخاه) بالمصدر المجموع (مواعد) ، وهو جمع موعد ، بمعنى (وعد).

ويرى : مواعيد ، على أنه جمع (ميعاد) ، بمعنى (وعد). ويروى : كموعود عرقوب أخاه ، وموعود مصدر على وزن مفعول (٣).

ومنه قول العرب : تركته بملاحس البقر أولادها ، ملاحس ، جمع ملحس ، وهو بمعنى لحس ، وفى القول محذوف ، والتقدير : تركته بموضع ملاحس ، فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، و (أولاد) مفعول به للمصدر المجموع (ملاحس).

__________________

(١) شرح التسهيل ٣ ـ ١١٢.

(٢) الكتاب ١ ـ ١٣٧ شرح ابن يعيش ١ ـ ١١٣ شرح التسهيل لابن مالك ٣ ـ ١٠٧ المساعد على التسهيل ٢ ـ ٢٢٧. ينسب إلى الشماخ ، أو إلى الأشجعى أو (علقمة بن عبدة التميمى).

(٣) يرجع إلى : شرح التسهيل لابن مالك ٣ ـ ١٠٧.

٤٧٣

ومنه قول الشاعر :

قد جرّبوه فما زادت تجاربهم

أبا قدامة إلا المجد والفنعا (١)

حيث (تجارب) جمع المصدر (تجربة) قد أضيف إلى ضمير الغائبين ، وهو الفاعل ، ونصب المفعول به (أبا). والتقدير : أن جرّبوا أبا قدامة.

سادسا : إعمال المصدر جانب دلالى فى التركيب :

أرى أن إعمال المصدر واسم المصدر إنما ينبع من جانب دلالى ، لا تركيبى لفظى ؛ حيث إن المصدر يعمل متى كان دالا على الفعلية وهى الحدثية ، وأرى أنه فى هذا البناء ، أو فى هذا السياق الدلالى ، يتضمن حدثا وفاعله ، فهو بمثابة اسم الفعل ، واسم المفعول.

أى : يدلّ المصدر على إعمال ما قد حدث ، أو يحدث ، أو سيحدث.

لذلك فإن المصادر غير العاملة لا يكون فيها هذا الجانب الدلالى ، إذ إن المصدر المؤكد إنما هو تكرار لحدث سابق مذكور. داخل فعل وفاعل ، فليس المقصود منه إعمال عمل ، وإنما الإعمال المقصود يذكر فيما سبق هذا المؤكد ، وهو الفعل.

والمصدر المبين للعدد لا يؤتى به للإعمال ، وإنما ليبين عدد مرات الفعل السابق.

إذن ؛ فهو ليس معبرا عن حدث ما وإنما يكون لغرض دلالى معين.

والمصادر الأعلام كالأسماء الأعلام لا يصحّ لها أن تعمل ؛ لأنها قد وضعت لدلالة خاصة لا تحيد عنها ، وهى المصدرية. كما أن ألفاظ الأعلام إنما وضعت للدلالة على العلمية ـ لا غير.

فالأعلام : (محمّد ، ومحمود ، وتأبّط شرّا ، وينقل ، وينبع ... إلخ) لا تعمل بوضعها البنيوى ، والذى يختلف بين اسم الفاعل ، واسم المفعول ، والجملة ، والفعل ، وذلك لنقلها من هذه الأصول البنيوية إلى دلالة أخرى ، وهى العلمية.

__________________

(١) الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٨٧. تجاربهم : جمع تجربة ، الفنع : الخير ، والكرم ، والفضل ، والثناء.

٤٧٤

فالجانب الدلالى من اللفظة المستخدمة فى التركيب هو المعول فى أثرها النحوى.

والمصدر بوضعه الأصلى البنيوى يدلّ على الحدثية لا غير ، لكنه يكتسب جانبا دلاليا آخر من التركيب ، سواء أكان هذا الجانب ظاهرا فى اللفظ ، إذا ذكر معه معمولاته ، أم كان مقدرا ، حيث يستتر فى تركيبه ، ويفهم من الخاصة الدلالية للمصدر ، إن متعديا إلى واحد أو أكثر ، وإن لازما ، وإن احتاج إلى متعلق.

فإذا قلت :

 ـ (الضرب) : فهذا مصدر دالّ على الحدثية ، وهى معنى الضرب.

 ـ أساءنى الضرب : فهذا يدلّ على حدث وقع بالضرورة ، ثم اكتسب الحدث من خلال التركيب جانبا دلاليا آخر ، وهو الفاعلية ؛ لأن كل حدث فى تركيب مفهوم لا بدّ له من محدث فاعل.

 ـ أساءنى ضربك : فهذا يدلّ على ضرب ، أى : حدث وقع عليك ، أو منك.

 ـ أساءنى ضربك أخاك : فهذا يدلّ على ضرب وقع منك على أخيك.

لهذا فإن النحاة يضطرون إلى أن يجعلوا من شروط إعمال المصدر أن يصحّ إحلال (ما) والفعل ، أو (أن) ومعموليها ، محلّه ، وكلّها فيها معنى الحدثية التى تتضمن فاعلها.

* * * *

٤٧٥
٤٧٦

الصفات المشتقة التى تعمل عمل الفعل

الصفات المشتقة التى تعمل عمل الفعل تكون على ثلاث مراتب :

أ ـ صفات تجرى على أفعالها ، فى : البنية ، والتثنية أو الجمع ، والتأنيث أو التذكير ، والمعنى ، مطلقا ، فهذه تعمل عمل الفعل ، وهى أقوى من غيرها من الصفات فى العمل ؛ وهذه الصفات هى : اسم الفاعل ، وصيغ المبالغة ، واسم المفعول.

ب ـ صفة مشبهة باسم الفاعل ، فهى أقلّ فى منزلة الإعمال من سابقتها ؛ لأن المشبه بالشىء أضعف منه فيما وقع فيه الشبه ، وهو الإعمال.

ج ـ صفة أخرى مشبهة بالمشبهة ، وهذه لا تعمل عمل الفعل ، من رفع فاعل ظاهر مطلقا ، ونصب مفعول به. وإنما يجوز أن تعمل فى المنصوبات الأخرى ، عدا المفعول المطلق ـ على الأرجح ـ ، وذلك إن تحمّل التركيب ، وهذه هى اسم التفضيل.

ملحوظة :

أما الصفات المشتقة الأخرى ـ وهى اسم الزمان ، واسم المكان ، واسم الآلة ـ فإنها لا تعمل عمل الفعل.

وهاك تفصيلا للصفات المشتقة التى تعمل عمل الفعل.

* * * *

٤٧٧

اسم الفاعل

اسم الفاعل صفة تدلّ على الحدث والحدوث وفاعله (١) ، جارية مجرى الفعل فى اللفظ والمعنى.

وذلك أن اسم الفعل يجرى على مضارعه فى حركاته وسكناته ، ويدلّ على الحدث فى المعنى ، وعلى الذات التى قامت بهذا الحدث ، كما أنه يدلّ على الحدوث ، أى : القيام بهذا الحدث.

ويظهر فى بنيته جنس الذات وعددها.

وذلك نحو : خارج ، مكرم ، مقتتل ، مستخرج ، مساند ... إلخ.

والفرق بين قولنا : يكرم ، ومكرم ، هو أن الكلمة الأولى تدل على حدثية وزمن ، أما الثانية فإنها تدلّ على حدثية وزمن ، إلى جانب الدلالة على من قام بالحدثية ، فهى صفة تجمع كل هذه المعانى.

عمله :

يعمل اسم الفاعل عمل فعله لما بينهما من المشاكلة ، حيث :

أ ـ تماثلهما فى اللفظ والمعنى ـ كما ذكرنا ـ.

ب ـ وتلحق اسم الفاعل علامة التثنية والجمع ، وتعلم أنهما يلحقان بالفعل ؛ لكنهما يكونان مع اسم الفاعل للدلالة على الفاعلية والإسناد. فتقول : فاهمان ، وفاهمون ، ويفهمان ، ويفهمون.

ج ـ كما أن اسم الفاعل والفعل المضارع يشتركان فى الدلالة على الحال والاستقبال (٢) ، فإذا كان اسم الفاعل مقرونا بأداة التعريف فإنه يدلّ على الماضى ، كالفعل الماضى ، إلى جانب دلالته على الحال والاستقبال.

__________________

(١) شرح التصريح ٢ ـ ٦٥.

(٢) شرح ألفية ابن معطى ٢ ـ ٩٧٩.

٤٧٨

البنية التى يكون عليها اسم الفاعل فى الجملة :

لاسم الفاعل ثلاث أحوال (١) فى الجملة :

إحداها : أن يكون محلّى بأداة التعريف.

ثانيتها : أن يكون منونا عاملا مرادا به الحال أو الاستقبال.

ثالثتها : أن يكون مضافا.

ولا يضاف المتعدى منه إلّا إلى المفعول دون الفاعل ؛ لئلّا يلزم إضافة الشىء إلى نفسه.

أ ـ اسم الفاعل المعرف بالأداة :

يعمل اسم الفاعل عمل فعله مطلقا إذا كان محلّى بالألف واللام (٢) ، سواء أكان فى الماضى ، أم فى الحال ، أم فى الاستقبال ، دون شرط الاعتماد على شىء ، وهذا باتفاق النحاة. ذلك نحو :

هذا الفاهم درسه أمس ، أو الآن ، أو غدا. حيث (الفاهم) اسم فاعل معرف بالأداة ، فجاز إعماله فى الماضى والحال والاستقبال ، ويكون (درس) مفعولا به لاسم الفاعل منصوبا ، وهو خبر المبتدإ (هذا).

ويجوز إعماله وهو محلّى بالأداة ، دون الاعتماد على شىء ، فتقول : الفاهم درسه الآن ـ أو أمس أو غدا ـ محترم ، فيكون اسم الفاعل مبتدأ ، ناصبا مفعوله (درس) ، أما خبره فهو محترم.

وفى اسم الفاعل فى الحالتين ضمير مستتر هو الفاعل.

ومنه : جاء الضارب زيدا أمس ، أو الآن ، أو غدا.

واسم الفاعل المحلّى بأل بمثابة صلة الموصول ، حيث يجعلون (أل) فى هذا البناء موصولا ، وما بعده صلته ، فلمّا كان كذلك أغنى اسم الفاعل المعرف بالأداة

__________________

(١) شرح ألفية ابن معطى ٢ ـ ٩٨٦.

(٢) الكتاب ١ ـ ١٨١.

٤٧٩

بمرفوعه عن الجملة الفعلية ؛ لذلك فإنه أشبه الفعل معنى واستعمالا ، فأعطى حكمه فى العمل (١). وعمل فى معنى الأزمنة الثلاثة.

وقد أعطى اسم الفاعل المحلّى بالأداة حكم الفعل فى جواز عطف الفعل عليه ، مما يدلّ على مدى تماثلهما ، وقد جاء ذلك فى قوله تعالى : (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) [الحديد : ١٨](٢).

حيث عطف الفعل الماضى (أقرضوا) على اسم الفاعل المعرف بالأداة (المصدقين) (٣) ؛ لأنه لمّا عرّف بالأداة صلح للأزمنة الثلاثة.

ومثل ذلك قوله تعالى : (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (٣) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) [العاديات : ٣ ، ٤](٤) حيث عطف الجملة الفعلية (أثرن) على اسم الفاعل المعرف بالأداة (المغيرات). وزمن الفعل ماض.

ومنه قول امرئ القيس :

القاتلين الملك الحلاحلا

خير معدّ حسبا ونائلا (٥)

__________________

(١) شرح ابن الناظم ٤٢٥.

(٢) المصدقين : أصلها : المتصدقين ، قلبت التاء إلى صاد ، وأدغمت فى الصاد. ومثلها : المصدقات : وهما من الصدقة.

(الله) مفعول به أول منصوب. (قرضا) نائب عن المفعول المطلق منصوب ، فيكون المفعول الثانى لأقرض محذوفا ، تقديره : مالا وصدقة ، ويجوز أن تجعل قرضا بمعنى المقروض ، فيكون مفعولا به ثانيا. الجملة الفعلية (يضاعف لهم) فى محل رفع ، خبر إن ، وشبه الجملة (لهم) فى محل رفع ، نائب فاعل. ويجوز أن تجعل نائب الفاعل محذوفا تقديره ضمير التصديق. (ولهم أجر) جملة اسمية مكونة من خبر مقدم شبه جملة ، ومبتدأ مؤخر ، والجملة معطوفة على خبر إن ، فى محل رفع.

(٣) يذكرون لجملة (أقرضوا) وجهين آخرين ، هما :

أ ـ أنها معترضة بين اسم إن وخبرها.

ب ـ صلة لموصول محذوف لدلالة الأول عليه.

(الدر المصون ٦ ـ ٢٧٨).

(٤) نقعا : الغبار ، أو الصياح. (صبحا) ظرف زمان منصوب ، والعامل فيه اسم الفاعل (المغيرات). (نقعا) مفعول به منصوب للفعل أثار. (أثرن) فعل ماض مبنى على السكون ، ونون النسوة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل.

(٥) شرح الشذور ٣٨٦ / شرح قطر الندى رقم ١٦٧. الحلاحل : السيد الشجاع ، نائلا : عطاء وجودا.

٤٨٠