النحو العربي - ج ٣

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٣

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٦٠٨

والتقدير : أن ننقل جبالا ، فأول المصدر الصريح بـ (أن) المصدرية والفعل ، وزمنه دالّ على المستقبل ، (جبالا) مفعول به للمصدر. (راسيات) نعت لجبال منصوب ، وعلامة نصبه الكسرة وقول الشاعر :

أمن بعد رمى الغانيات فؤاده

بأسهم ألحاظ يلام على الوجد (١)

المصدر (رمى) يمكن أن يؤول إلى (أن رمت) ، أى : أمن بعد أن رمت الغانيات فؤاده. فهو دالّ على الزمن الماضى ، وقد أضيف المصدر إلى فاعله ، ونصب مفعوله (فؤاد). وشبه الجملة (بأسهم) متعلقة بالمصدر (رمى).

وتقول : عجبت من ضربك زيدا أمس. أى : أن ضربت.

عجبت من ضربك زيدا غدا. : أى : أن تضرب.

إحلال (أن) المخففة ومعموليها محلّ المصدر العامل :

المصدر الذى يقدر بـ (أن) المخففة ومعموليها يكون زمانه دالا على الماضى أو الحال أو الاستقبال ، حيث يجوز دلالته على أحد الأزمنة الثلاثة.

من ذلك قول الشاعر :

علمت بسطك بالمعروف خير يد

فلا أرى فيك إلا باسطا أملا (٢)

أى : علمت أنه بسطت بالمعروف. أو : أنك قد بسطت. شبه الجملة (بالمعروف) متعلقة بالمصدر (بسط) ، و (خير) منصوب به. فالمصدر المؤول دال على الزمن الماضى ، وهو مضاف إلى الفاعل.

أما قول الراجز :

لو علمت إيثارى الذى هوت

ما كنت منها مشفيا على القلت (٣)

__________________

(١) شرح التسهيل لابن مالك ٣ ـ ١١٠.

(٢) شرح التسهيل ٣ ـ ١١٠ / الدرر ٢ ـ ١٢٣.

(٣) ينظر الموضعان السابقان. القلت : الهلاك.

٤٤١

أى : أنه أوثر الذى هوت ... والمصدر المؤول دال على الزمن الحاضر. الاسم الموصول (الذى) مفعول به للمصدر ، والمصدر (إيثار) مضاف إلى فاعله.

أما دلالته على الاستقبال فإنه يتضح فى قول الشاعر :

لو علمنا إخلافكم عدّة السّد

م عدمتم على النجاة معينا (١)

أى : لو علمنا أنكم ستخلفون عدة السّلم ...

(عدة) مفعول به للمصدر (إخلاف) ، وهو مضاف إلى فاعله.

 ـ إحلال (ما) والفعل محلّ المصدر العامل :

المصدر الذى يقدّر بالحرف المصدرى (ما) والفعل بعده يكون زمانه دالا على الماضى أو الحاضر أو المستقبل ، حيث يجوز دلالته على أحد الأزمنة الثلاثة.

من ذلك قوله تعالى : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) [البقرة ٢٠٠](٢). أى : كما ذكرتم آباءكم ، فالمصدر دال على الماضى.

المصدر (ذكر) مجرور بحرف الجر (الكاف) ، وهو مضاف إلى فاعله : ضمير المخاطبين ، أما (آباء) فهو مفعول به للمصدر.

ونستنتج الدلالة على الحاضر فى قول جميل :

وددت على حبّى الحياة لو انّها

يزاد لها فى عمرها من حياتيا (٣)

__________________

(١) شرح التسهيل ٣ ـ ١١٠.

(٢) (أشدّ) فيه النصب والجر : أما النصب فعلى أنه معطوف على (آباء) ، أو بالعطف على محل الكاف فى (كذكركم) ؛ لأنها نعت لمصدر محذوف ، تقديره : ذكرا كذكركم آباءكم ، أو إضمار فعل الكون ، والتقدير : فاذكروه ذكرا أشدّ ، أو بإضمار فعل الكون ، والتقدير : أو كونوا أشد ذكرا ، أو على الحالية من ذكرا ؛ لأنه لو تأخر عنه لكان صفة له. والأول عندى الأرجح ؛ لأنه يحقق المراد من المعنى دون تأويلات. أما الجر فإنه يؤول بالعطف على (ذكركم) ، والتقدير : أو كذكر أشد ذكرا أو العطف على الضمير المضاف إليه المصدر ، والتقدير : كذكر قريش آباءهم أو قوم أشد منهم ذكرا. ينظر : الدر المصون ١ ـ ٤٩٨ ، / ٤٩٩.

(٣) شرح التسهيل لابن مالك ٣ ـ ١١١ / ديوانه ١٢٠.

٤٤٢

أى : على أننى أحبّ الحياة. المصدر (حب) مجرور بحرف الجر (على) ، وهو مضاف إلى فاعله (ياء المتكلم) ، (الحياة) منصوب بالمصدر على المفعولية.

أما قول الشاعر :

ومن يمت وهو لم يؤمن يصل غدا

شواظ نار دوام النار فى سقرا (١)

ففيه دلالة الزمن على الاستقبال ، وفيه قرائن : الشرط ، والظرف المستقبلى (غدا) ، وارتباط المصدر بفعل جواب الشرط ، والمصدر منصوب على الظرفية ، وهو مضاف إلى اسمه (النار) ، وخبره شبه الجملة (فى سقر).

ذكرنا أن إحلال الأحرف المصدرية الثلاثة محلّ المصدر العامل ليس شرطا واجبا ، أو لازما ؛ بل إنه غالب.

وقد ورد المصدر العامل غير مقدر بأحد الأحرف المصدرية.

من ذلك :قول لبيد :

عهدى بها الحىّ الجميع وفيهم

قبل التفّرق ميسر وندام (٢)

لا يؤول المصدر الصريح (عهد) بحرف مصدرى ، وقد (نصب) المفعول به (الحى). والمصدر مبتدأ مضاف إلى فاعله ضمير المتكلم. وقد سدّت الجملة الاسمية الحالية (فيهم ميسر) مسدّ الخبر. وقولهم : «سمع أذنى زيدا يقول ذاك» (٣). المصدر (سمع) غير مؤول ، وهو مبتدأ مضاف إلى فاعله (أذن). (زيدا) مفعول به للمصدر ،

__________________

(١) شرح التسهيل لابن مالك ٣ ـ ١١١. جملة (وهو لم يؤمن) جملة اسمية فى محل نصب على الحالية ، (شواظ) مفعول به ، (سقر) اسم مجرور بعد فى ، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة ؛ لأنه ممنوع من الصرف للعملية والتأنيث مع تحريك الوسط.

(٢) ديوانه ٢٨٨ / الكتاب ١ ـ ١٩٠ / شرح ابن يعيش ٦ ـ ٦٢ / شرح التسهيل لابن مالك ٣ ـ ١١١.

(٣) مثل قوله تعالى : (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى) [طه ١١٨].

٤٤٣

وقد سدّت الجملة الحالية (يقول ذاك) مسدّ خبر المبتدإ ، ولا يسوغ القول : أن تسمع أذنى ؛ لأن الحال لا يسد مسدّ خبر المبتدإ الذى هو حرف مصدرى والفعل.

وكذلك رجز رؤبة :

ورأى عينىّ الفتى أخاكا

يعطى الجزيل فعليك ذاكا (١)

المصدر (رأى) مبتدأ ، مضاف إلى فاعله (عينىّ) ، ومفعوله (الفتى). وقد سدّت الجملة الحالية (يعطى) مسدّ الخبر.

وما يمثلون به من القول : ضربى زيدا قائما ، إنّ إكرامك زيدا حسن ، كان تعظيمك زيدا حسنا.

فلا يجوز تأويل ما بعد إن وكان بمصدر مؤول من الحرف والفعل إلا بعد الفصل بينهما (٢).

ومنه قول بعض العرب : اللهمّ إنّ استغفارى إيّاك مع كثرة ذنوبى للؤم ، وإن تركى الاستغفار مع علمى بسعة عفوك لغىّ.

صوره البنيوية

المصدر الذى يعمل عمل الفعل يأتى فى التركيب فى أربعة مبان :

أولا : ما يجوز إحلال الحرف المصدرى وما يكمل المصدر المؤول محلّه ـ غالبا ـ وله صور فى التركيب.

ثانيا : ما ينوب مناب فعله فى معان محصورة.

ثالثا : اسم المصدر.

رابعا : المصدر الميمى.

وهاك تفصيلا لكل نوع من أنواع المصادر الأربع العاملة :

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ١٩١ / شرح التسهيل لابن مالك ٢ ـ ١١١ / المساعد ٢ ـ ٢٣٠.

(٢) يرجع إلى الموضعين السابقين.

٤٤٤

أولا : المصدر الصريح الذى يجوز إحلال الحرف المصدرى وما يكمله محلّه وصوره فى التركيب : المصدر الصريح الذى يجوز تأويله بـ (ما) والفعل ، أو (أن) والفعل ، أو (أن) ومعموليها هو المصدر غير المؤكّد ، وغير المبين للعدد ، وغير النائب مناب فعله ، وغير اسم المصدر ، وغير المصدر الميمى ، وهذا المصدر يأتى فى التركيب فى ثلاث صور : إما أن يكون مضافا ، وإما أن يكون معرفا بالأداة ، وإمّا أن يكون مجردا من الإضافة وأداة التعريف ، فيكون منونا ، وللصور الثلاث درجات فى نسبة شيوع الإعمال ، حيث إعماله مضافا أكثر من إعماله منونا ، وإعماله منونا أكثر من إعماله مقرونا بالإداة.

كما أن لها درجات من حيث القياس ، حيث يكون المنوّن أقيس من المضاف ، والمضاف أقيس من المعرّف بالأداة. فالمعرف بأل قليل فى الاستعمال ، ضعيف فى القياس.

١ ـ المصدر المضاف :

ذكرنا أن إعمال المصدر المضاف أكثر من إعمال الآخرين ، وهو أكثر قياسا ، ذلك ؛ لأن المضاف والمضاف إليه بمثابة الكلمة الواحدة ، فيكون كلّ منهما كالجزء من الآخر ، ويمثّلان بالفعل والفاعل ، ويكون المضاف ـ حينئذ ـ كالفعل فى عدم قبوله التنوين ، فكان إعماله أكثر.

ومن النحاة من يجعل المصدر المضاف من حيث قياسية الإعمال يأتى بعد المصدر المنون ، ذلك لأن الإضافة من خصائص الأسماء ، وبابها التعريف والتخصيص ، وذلك مما لا يكون فى الأفعال (١).

٢ ـ المصدر العامل المضاف يأتى مضافا (٢) إمّا :

أ ـ إلى فاعله ، ثم يأتى مفعوله بعدهما :

وهو كثير فى الاستعمال اللغوى نحو قوله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) [البقرة : ٢](٣).

__________________

(١) المقتصد فى شرح الإيضاح ١ ـ ٥٦٤ / شرح ابن يعيش ٦ ـ ٦٠.

(٢) يرجع إلى : الكتاب ١ ـ ١٩٠ ، ١٩٣ / المقتضب ١ ـ ١٤ ، ١٦ / المقرب ١ ـ ١٢٩ / شرح التسهيل ١ ـ ١١٧.

(٣) خبر المبتدإ (دفع) محذوف وجوبا ، تقديره : كائن ، ثابت .. إلخ. (بعض) الأولى بدل من الناس منصوب ، وهو بدل بعض من كل.

٤٤٥

حيث المصدر (دفع) ، وهو مبتدأ ، وأضيف إلى لفظ الجلالة ، وهو فاعل الدفع ، و (الناس) منصوب ؛ لأنه مفعول به للدفع. والتقدير : لولا أن دفع الله الناس ...

ومنه قوله تعالى : (لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ) [المائدة : ٦٣].

أضيف المصدر (قول) إلى فاعله ضمير الغائبين ، وذكر بعدهما مفعوله ، وهو (الإثم). ومثله فى (أكلهم السّحت).

وقوله تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) [النساء : ١٥٥](١).

تلحظ إضافة المصدر إلى فاعله ، ثم ذكر مفعوله منصوبا بعدهما فى : نقضهم ميثاقهم ، قتلهم الأنبياء. قولهم قلوبنا غلف. أما المصادر الثلاثة فهى مجرورة.

ومنه القول : «ولم أكن أفهم دهشة زملائى لرفضى دخول الفرقة ، وهم يتحرقون شوقا إلى دخولها» (٢) وموضع الشاهد : رفضى دخول.

ومنه أمثلة سيبويه : «عجبت من ضربه زيدا ، عجبت من كسوة زيد أباه» (٣).

المصدران (ضرب ، وكسوة) مضافان إلى الفاعل ، وكلّ منهما : نصب مفعولا به مذكورا : (زيدا ، وأبا).

__________________

(١) (فبما) : ما : إما زائدة مؤكدة ، فيكون (نقض) مجرورا بحرف الجر ، وإما نكرة تامة فى محل جر بالباء ، بمعنى شىء ، و (نقض) بدل منه مجرور. شبه الجملة (بآيات) متعلقة بالكفر. شبه جملة (بغير حق) فى محل نصب على الحالية ، أو المتعلقة بحال محذوفة. الجملة الاسمية (قلوبنا غلف) فى محل نصب ، مقول للمصدر (قول). (قليلا) منصوب إما على النيابة عن المفعول المطلق ، وإما على النيابة عن ظرف الزمان ، والتقدير : إلا إيمانا قليلا ، أو : إلا زمانا قليلا. (بل) حرف إضراب انتقالى مبنى ، لا محل له من الإعراب. شبه الجملة (عليها) متعلقة بالطبع ، وشبه الجملة (بكفرهم) متعلقة بالطبع كذلك ، والباء فيها للسببية.

(٢) يسألونك : ٦٤. الجملة الفعلية (أفهم) فى محل نصب ، خبر كان. (وهم يتحرقون) جملة اسمية فى محل نصب على الحالية من زملاء. أو استئنافية لا محل لها من الإعراب. (شوقا) مفعول لأجله منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، ويجوز أن يكون منصوبا على أنه نائب عن المفعول المطلق. والتقدير : وهم يتشوقون شوقا.

(٣) الكتاب ١ ـ ١٩٠.

٤٤٦

ومنه قول لبيد :

عهدى بها الحىّ الجميع وفيهم

قبل التّفرّق ميسر وندام (١)

ومن أمثلة ابن الناظم : بلغنى تطليق زيدا امرأته.

ومنه قول عمرو بن الأطنابة :

أبت همّتى وأبى بلائى

وأخذى الحمد بالثّمن الرّبيح

وإقدامى على المكروه نفسى

وضربى هامة البطل المشيح (٢)

ويبدو ذلك فى المصادر : (أخذ ، إقامة ، ضرب) ، وهى مضافة إلى فواعلها (ياءات المتكلم) ، ثم ذكرت بعدها مفعولاتها : (الحمد ، نفس ، هامة) على الترتيب.

والمصادر الثلاثة مرفوعة بالعطف على المصدر. الفاعل (بلاء).

وقول بعض الأزارقة :

وسائلة بالغيب عنى ولودرت

مقارعتى الأبطال طال نحيبها (٣)

المصدر المضاف إلى فاعله هو (مقارعة) المضاف إلى ضمير المتكلم ، ومفعوله المذكور بعدهما هو (الأبطال).

ب ـ إلى مفعوله ، ثم يأتى بعدهما فاعله :

استعمال هذا التركيب فى اللغة قليل. من ذلك ما جاء فى الحديث الشريف :«وحجّ البيت من استطاع إليه سبيلا» (٤).

حيث (حج) مصدر مضاف إلى مفعوله (البيت) ، ثم ذكر بعدهما فاعل المصدر الاسم الموصول (من).

__________________

(١) ديوانه ٢٨٨ / الكتاب ١٩٠٠١ / شرح ابن يعيش ٦ ـ ٦٢. الميسر : القمار ، النادم : المنادمة.

(عهد) مبتدأ ، وجملة الحال (وفيهم ميسر) سدت مسد الخبر. (الجميع) نعت للحى منصوب.

(٢) شرح الشذور رقم ٧٤ / أوضح المسالك رقم ٥٠٤ / شرح قطر الندى رقم ١١٧.

(٣) هامش شرح الشذور ٣٨٣.

(٤) صحيح مسلم ، إيمان ١ ـ ٢٠ / سنن النسائى ، باب الصيام.

٤٤٧

وقول الأقيشر الأسدى :

أفنى تلادى وما جمّعت من نشب

قرع القواقيز أفواه الأباريق (١)

أضيف المصدر (قرع) إلى مفعوله (القواقيز) ، ثم ذكر فاعله (أفواه). أى : قرعت أفواه الأباريق القواقيز.

والمصدر (قرع) فاعل (أفنى).

وقول الشاعر :

ألا إنّ ظلم نفسه المرء بيّن

إذا لم يصنها عن هوى يغلب العقلا (٢)

أى : ظلم المرء نفسه ، فالمصدر (ظلم) أضيف إلى مفعوله (نفس) ، ثم ذكر بعدهما فاعل المصدر (المرء). والمصدر اسم إن.

ومن أمثلة ابن الناظم : «بلغنى تطليق هند زيد» (٣). وهذا التركيب يستعمل أقلّ مما يستغنى فيه عن الفاعل ، فلا يذكر.

ومنه قول الفرزدق :

تنفى يداها الحصى فى كلّ هاجرة

نفى الدّنانير تنقاد الصّياريف (٤)

__________________

(١) المقرب ١ ـ ١٣٠ / شرح الشذور ٣٨٣. القواقيز : جمع قاقوزة ، أو قازوزة ، وهى أقداح يشرب فيها الخمر ، تلاد : مال قديم ، نشب : مال وعقار.

(٢) شرح التسهيل ٣ ـ ١١٨ / شرح التصريح ٢ ـ ٦٣. (ألا) حرف استفتاح مبنى ، لا محلّ له من الإعراب. (بين) خبر إن مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. الجملة الفعلية (يغلب العقل) فى محل جر ، نعت لهوى.

(٣) شرح ابن الناظم ٤١٩.

(٤) الكتاب ١ ـ ٢٨ / المقتضب ٢ ـ ٢٥٨ / الكامل ١٤٣ / الخصائص ٢ ـ ٣١٥ / شرح ابن يعيش ٦ ـ ١٠٦ / شرح ابن الناظم ٤٩ / شرح التصريح ٢ ـ ٣٧٠ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٨٩ /. تنفى : الضمير الفعال للناقة ، هاجرة : وقت اشتداد الحر فى الظهيرة تنقاد : مصدر نقد ، الصياريف : جمع صيرفى. (تنفى) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة. (يداها) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الألف ؛ لأنه مثنى. وهو مضاف ، وهاء المخاطبة ضمير مبنى فى محل جر ، مضاف إليه. (الحصى) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة. (فى كل هاجرة) جار ومجرور ومضاف إليه ، وشبه الجملة متعلقة بتنفى. (نفى) مفعول مطلق منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

٤٤٨

أضيف المصدر (نفى) إلى مفعوله (الدنانير) ، ثم ذكر بعدهما الفاعل (تنقاد).

ج ـ إلى فاعله دون ذكر مفعوله :

من ذلك قوله تعالى : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) [التوبة : ١١٤](١). أضيف المصدر (استغفار) إلى فاعله (إبراهيم) ، ولم يذكر مفعوله ، والتقدير : استغفر إبراهيم ربّه. والمصدر اسم (كان) مرفوع.

وقوله تعالى : (رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ) [إبراهيم : ٤٠]. أى : دعائى إياك ، فأضيف المصدر (دعاء) إلى فاعله ضمير المتكلم ، والمصدر مفعول به.

وقوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود : ١٠٢](٢). حيث إضافة المصدر إلى فاعله فى : أخذ ربك ، أخذه ، ولم يذكر المفعول به فى الموضعين. والمصدر المؤول الأول مبتدأ مؤخر ، وخبره المؤخر شبه جملة (كذلك) ، والمصدر المؤول الثانى اسم إن منصوب.

وقوله تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) [الرعد : ٦].

(فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ) [التوبة : ١١١]. (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللهِ) [الروم : ٤ ، ٥].

د ـ إلى مفعوله دون ذكر فاعله :

نحو قوله تعالى : (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) [فصلت : ٤٩]. أى : من أن يدعو الخير ، فالمصدر (دعاء) مضاف إلى مفعوله (الخير) ، ولم يذكر فاعله.

والمصدر مجرور بحرف الجر (من).

__________________

(١) (إبراهيم) مضاف إلى (استغفار) مجرور ، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة ؛ لأنه ممنوع من الصرف ، وهو الفاعل. شبه الجملة (لأبيه) متعلقة بالمصدر (استغفار). وشبه الجملة (عن موعدة) فى محل نصب خبر كان ، أو متعلقة بخبرها المحذوف. (إياه) ضمير مبنى فى محل نصب ، مفعول به ثان. والجملة الفعلية (وعدها إياه) فى محل جر ، نعت لموعدة.

(٢) الجملة الاسمية (وهى ظالمة) فى محل نصب ، حال. (شديد) خبر ثان لإن. (إذا) ظرف زمان مبنى ، فى محل نصب ، متعلق بالمصدر (أخذ). يجوز أن تجعل المصدر الأول والفعل (أخذ) يتنازعان المفعول به (القرى) ، فتخرج هذا الموضوع من هذا التركيب.

٤٤٩

وقوله تعالى : (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ ...). فالمصدر (استبدال) مضاف إلى مفعوله ، ولم يذكر فاعله. والمصدر مفعول به.

وقوله تعالى : (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ) [النساء : ١٠٤]. أى : فى أن تبتغوا القوم.

(وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ) [الأنبياء : ٧٣].

كلّ من المصدر (فعل ، وإقام ، وإيتاء) مضاف إلى مفعوله ، ولم يذكر فاعل أىّ منها.

(قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ) [ص : ٢٤].

ه ـ إلى الظرف :

يضاف المصدر إلى الظرف كثيرا ، ومنه : ما يمثل به النحاة من قولهم : أعجبنى انتظار يوم الجمعة الرعية الأمير (١) ، حيث (انتظار) مصدر مضاف إلى الظرف (يوم) ، وفاعل المصدر (الرعية) ، أما مفعوله فهو (الأمير) ، والمصدر (انتظار) فاعل (أعجب).

ومما تمثّل به سيبويه : عجبت من ضرب اليوم زيدا. فأضاف المصدر (ضرب) إلى الظرف (اليوم).

ومنه قوله تعالى : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ)(٢) [النساء : ٩٢].

 ـ (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ) [سبأ : ٣٣].

__________________

(١) شرح ابن عقيل ٣ ـ ١٠٢ / تهذيب التوضيح ١ ـ ٢١٨.

(٢) (من) اسم شرط جازم مبنى فى محل رفع ، مبتدأ ، خبره جملتا الشرط والجواب. (صيام) مبتدأ مرفوع ، خبره محذوف ، تقديره : عليه. أو : خبر لمبتدإ محذوف ، والتقدير : فواجبه صيام ، أو فاعل لفعل محذوف ، والتقدير : فيجب عليه الصيام. والجملة فى محل جزم جواب الشرط. (توبة) مفعول لأجله منصوب ، وفيها وجها النيابة عن المفعول المطلق ، والحالية ، والأول أوضح.

٤٥٠

٢ ـ المصدر المنوّن :

يأتى المصدر منونا ، ويكون عمله أقيس ، لشبهه الفعل ـ حينئذ ـ فى التنكير (١) ، أو لشبهه بالفعل المؤكد بالنون (٢) ، وهو من حيث نسبة الشيوع فى الاستخدام اللغوى أقلّ من المضاف.

والكوفيون يمنعون إعماله ، ويجعلون المعمول المذكور بعده بفعل مقدر. ومن إعمال المنوّن قوله تعالى : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ) [البلد :

١٤ ، ١٥] حيث (يتيما) مفعول به للمصدر المنوّن (إطعام). ولم يذكر فاعله.

وقول المرار بن منقذ :

بضرب بالسيوف رؤوس قوم

أزلنا هامهنّ عن المقيل (٣)

المصدر المنون (ضرب) نصب المفعول به (رؤوس) والمصدر مجرور بحرف الجر الباء ، يلحظ أنه لم يذكر فاعله ، وشبه الجملة (بالسيوف) متعلقة بالمصدر.

وقول الآخر :

فلولا رجاء النصر منك ورهبة

عقابك قد صاروا لنا كالموارد (٤)

(رهبة) مصدر منون ، نصب المفعول به (عقاب). والمصدر مرفوع بالعطف على المبتدأ (رجاء).

وقول الشاعر :

أخذت بسجلهم فنفحت فيه

محافظة لهنّ إخا الذّمام (٥)

__________________

(١) شرح ابن يعيش ٦ ـ ٦٠ / شرح الشذور ٣٨٢ / ضياء السالك ٣ ـ ٥.

(٢) شرح التسهيل لابن مالك ٣ ـ ١١٥.

(٣) الكتاب ١ ـ ١١٦ ، ١٩٠ / شرح ابن يعيش ٦ ـ ٦١ / شرح ابن الناظم ٤١٧ / شرح ابن عقيل رقم ٢٤٦ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٨٤.

(٤) الكتاب ١ ـ ١٨٩ / المقتصد فى شرح الإيضاح ١ ـ ٥٥٦ / شرح ابن يعيش ٦ ـ ٦١. أى : لولا أننا نرجو النصر ، ونرهب عقابك ، لوطئناهم كما نطأ الموارد. (رجاء) مبتدأ مرفوع ، وخبره محذوف وجوبا ، وهو مضاف إلى مفعوله (النصر) ، شبه الجملة (كالموارد) خبر (صار) ، أو متعلقة بخبرها المحذوف.

(٥) الكتاب ١ ـ ١٨٩. السجل : الدلو المملوء بالماء ، نفح : أعطى ، إخا : إخاء الذمام : الحق والحرمة.

٤٥١

أى : لأن حافظت إخاء الذمام ، فيكون (إخاء) مفعولا به منصوبا بالمصدر المنون (محافظة).

وقول زياد الأعجم :

ببذل فى الأمور وصدق بأس

وإعطاء على العلل المتاع (١)

شبه الجملة (فى الأمور) متعلقة بالمصدر المنون (بذل) ، (المتاع) مفعول به منصوب بالمصدر المنون (إعطاء) ، والألف للإطلاق.

٣ ـ المصدر المعرف بالأداة :

قد يأتى المصدر معرفا بالألف واللام ، وهو قليل فى الاستعمال اللغوى ، ضعيف فى القياس من حيث العمل ؛ لأنه بأداة التعريف يفترق عن الفعل فى سمة يبتعد عنها الفعل تماما ؛ وهى التعريف ، والألف واللام لا تكون فى أسماء الأجناس التى هى أصول إلا معرفة ، فلذلك ضعف إعمالها (٢).

ومما جاء منه عاملا قول الشاعر :

ضعيف النّكاية أعداءه

يخال الفرار يراخى الأجل (٣)

وفيه المصدر (النكاية) معرف بالألف واللام ، وقد نصب المفعول به (أعداء).

والمصدر مضاف إلى (ضعيف) مجرور.

وقول الشاعر :

فإنك والتّأبين عروة بعد ما

دعاك وأيدينا إليه شوارع (٤)

__________________

(١) شرح التسهيل ٣ ـ ١١٦.

(٢) شرح ابن يعيش ٦ ـ ٦٠.

(٣) الكتاب ١ ـ ١٩٢ / المقتصد فى شرح الإيضاح ١ ـ ٥٦٣ / شرح ابن الناظم ٤١٧ / شرح التصريح ٢ ـ ٦٣ / شرح الشذور ٣٨٤ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٨٤.

النكاية : الأثر فى الخصم ، يراخى ـ يؤجل.

(يخال) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، ينصب مفعولين ، أولهما (الفرار) ، والثانى جملة (يراخى الأجل). (ضعيف) خبر لمبتدإ محذوف ، تقديره : هو.

(٤) شرح ابن عقيل ٣ ـ ٩٦ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٨٤. التأبين : الثناء على الميت ، وذكر

٤٥٢

(عروة) مفعول به للمصدر المعرف بالأداة (التأبين).

ومنه قول المرار الأسدى ، وينسب لمالك بن زغبة :

لقد علمت أولى المغيرة أنّنى

كررت فلم أنكل عن الضرب مسمعا (١)

(مسمع) اسم رجل ، وهو فى البيت مفعول به للمصدر (الضرب) ، وهو معرف بالألف واللام. ومجرور بحرف الجر (عن).

والكوفيون يمنعون إعمال المصدر المحلّى بـ (أل) ، ويجعلون ما جاء بعده معمولا لفعل مقدر.

كما علمنا أنهم منعوا إعمال المنوّن ، ويقدرون فعلا عاملا قبل المنصوب المذكور بعده.

ومنع البغداديّون ـ كذلك ـ إعمال المحلّى بأداة التعريف.

ثانيا : المصدر النائب مناب فعله :

المصدر الذى ينوب مناب فعله هو الذى يصحّ أن يوضع موضعه فعل عار من حرف مصدرى ، ويمتنع أن يباشره عامل ظاهر ، أى : لا يجوز أن يوضع قبله فعله ظاهرا. ويكون منونا دائما.

ويقع المصدر النائب مناب فعله وقد جاء متعدّيا فى معانى :

__________________

محاسنه ، شوارع : جمع شارعة ، أى : مرتفعة. (التأبين) منصوب على أنه مفعول معه ، حيث الواو واو المعية ، ويجوز أن تكون واو العطف ، فيكون معطوفا على اسم إن. (بعد ما دعاك) بعد : ظرف زمان منصوب متعلق بالتأبين. ما : حرف مصدرى مبنى لا محل له من الإعراب. دعاك : فعل ماض مبنى على الفتح المقدر. وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو. وضمير المخاطب مبنى فى محل نصب ، مفعول به. والمصدر المؤول فى محل جر بالإضافة ، والتقدير : بعد دعائه إياك. والجملة الاسمية (أيدينا شوارع) فى محل نصب ، حال. وشبه الجملة (إليه) متعلقة بشوارع.

 (١) الكتاب ١ ـ ١٩٣ / المقتضب ١ ـ ١٤ / جمل الزجاجى ١٣٦ / شرح ابن يعيش ٦ ـ ٦٤ / شرح التسهيل ٣ ـ ١١٦ / شرح ابن الناظم ٤١٨ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٨٤. وفيه رواية (لحقت) ، فلا يكون فيه شاهد. لم أنكل : لم أعجز ، أولى المغيرة : أول الخيل المغيرة ، مسمع : اسم رجل. جملة (كررت) فى محل رفع ، خبر أن (أولى) فاعل علمت مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة.

٤٥٣

١ ـ الأمر ـ وهو كثير :

ومنه أن تقول : إكراما محمدا. (إكراما) مصدر نائب مناب فعل منصوب ، وفيه ضمير مستتر تقديره : أنت ، هو فاعل المصدر. (محمدا) مفعول به للمصدر ، منصوب.

ومنه قول أعشى همدان :

على حين ألهى النّاس جلّ أمورهم

فندلا زريق المال ندل الثّعالب (١)

حيث (ندلا) مصدر ناب مناب فعل الأمر (اندل) ، فنصب المفعول به (المال).

وهو مصدر منصوب.

وقول الشاعر :

هجرا المظهر الإخاء إذا لم

يك فى النّائبات جدّ معين (٢)

وفيه المصدر (هجرا) ناب مناب فعله الأمرى (اهجر) ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت ، (المظهر) مفعول به للمصدر منصوب. والتقدير : اهجر المظهر الإخاء.

ويمكن أن تعطف على الأمر معنى النهى ، نحو :مذاكراة دروسك ، لا إهمالها.

استعدادا للموقف ، لا تأنّيا ، ولا تراخيا.

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ١١٦ / الخصائص ١ ـ ١٢٠ / المساعد على شرح التسهيل ٢ ـ ٢٤٢ /. العينى ٣ ـ ٤٦ ، ٥٢٣ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ١١٦. ينسب للأحواص ، ولجرير.

ندلا : اختطافا وسلبا ، زريق : علم قبيلة. الجملة الفعلية (ألهى) فى محل جر إلى حين. (جل) فاعل إلهى مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (زريق) منادى مبنى على الضم فى محل نصب ، والتقدير : يا زريق ندلا المال ندل. (ندل) مفعول مطلق منصوب ، والعامل فيه المصدر السابق.

(٢) شرح التسهيل ٣ ـ ١٢٥.

(الإخاء) مفعول به منصوب لاسم الفاعل (المظهر). (يك) فعل مضارع ناقص ناسخ مجزوم ، وعلامة جزمه السكون على النون المحذوفة من آخره. (جد) خبر كان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

٤٥٤

٢ ـ الدّعاء :

نحو : سقيا لك ، رحمة له ، أى : سقاك الله ، رحمه الله ... ومنه قول الشاعر :

يا قابل التّوب غفرانا مآثم قد

أسلفتها أنا منها مشفق وجل (١)

أى : اغفر مآثم ، فيكون (غفرانا) مصدرا منصوبا ناب مناب فعله الأمرى الذى يفيد الدعاء. وفاعله ضمير مستتر ، تقديره : أنت. (مآثم) مفعول به للمصدر منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، ولم ينون ؛ لأنه ممنوع من الصرف ، صيغة منتهى الجموع. ومنه قول الشاعر :

إعانة العبد الضعيف على الذى

أمرت فيمقات الجزاء قريب (٢)

المصدر (إعانة) نائب مناب فعله الأمرى الذى يخرج إلى معنى الدعاء (أعن) ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت ، (العبد) مفعول به منصوب للمصدر.

٣ ـ الوعد بالأسلوب الخبرى ، نحو قول الشاعر :

قالت نعم وبلوغا بغية ومنى

فالصادق الحبّ مبذول له الأمل (٣)

(بغية) مفعول به منصوب للمصدر النائب مناب فعله (بلوغا) والتقدير : وتبلغ ...

__________________

(١) شرح التسهيل ٣ ـ ١٢٦ / شرح الكافية الشافية ٢ ـ ٢٥ / المساعد ٢ ـ ٢٤٢ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٨٥.

(قابل) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. وهو مضاف ، و (التوب) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة الجملة الفعلية (قد أسلفتها) فى محل جر نعت لمآثم. (أنا) ضمير مبنى فى محل رفع ، وعلامة رفعه الضمة. (وجل) خبر ثان مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة الاسمية فى محل نصب ، نعت ثان لمآثم ، ويجوز أن تجعلها فى محل نصب ، حال من مآثم ؛ لأنه نكرة تخصصت بالصفة الأولى ، ويجوز أن تجعل وجلا توكيدا لفظيا لمشفق ، وهو توكيد بالمرادف. فوجل بمعنى مشفق ، وهو خائف.

(٢) شرح التسهيل ٢ ـ ١٢٦.

(ميقات) مبتدأ مرفوع ، خبره (قريب).

(٣) شرح التسهيل ٣ ـ ١٢٧ / المساعد ٢ ـ ٢٤٣.

(الصادق) مبتدأ مرفوع ، وخبره مبذول ، (الحب) مضاف إليه ، أو مفعول به له ، حيث يجوز جره ، ونصبه. (الأمل) نائب فاعل لاسم المفعول مبذول ، مرفوع.

٤٥٥

٤ ـ التوبيخ بالأستفهام وبغيره ، نحو قول الشاعر :

وفاقا بنى الأهواء والغىّ والهوى

وغيرك معنىّ بكلّ جميل (١)

أى : توافق بنى الأهواء ... ، (وفاقا) مصدر منصوب ، ناب مناب فعله ، والأسلوب توبيخى ، (بنى) مفعول به منصوب ، للمصدر (وفاقا) ، وعلامة نصبه الياء ، وهو مضاف ، و (الأهواء) مضاف إليه مجرور. ومنه أن تقول : أإهمالا دروسك وقد قرب الامتحان؟!

وقول المرار الأسدى :

أعلاقة أمّ الوليد بعد ما

أفنان رأسك كالثّغام المخلس (٢)

(أمّ) مفعول به منصوب للمصدر المنصوب النائب مناب فعله (علاقة).

وقول الآخر :

أبغيا وظلما من علمتم مسالما

وذلا وخوفا من يجاهركم حربا (٣)

أى : أتظلمون من علمتم ... أتخافون من يجاهركم ، فيكون الاسم الموصول فى الموضعين مفعولا به للمصدرين النائبين مناب فعليهما ، وهما (ظلما ، خوف) ، وينازعهما المصدران (بغيا ، وذلا) فى المفعولين.

__________________

(١) شرح التسهيل ٣ ـ ١٢٦ / المساعد على التسهيل ٢ ـ ٢٤٣ / هامش تهذيب التوضيح ١ ـ ٢٧. وفيه رواية : الونى.

(غيرك معنى) اسمية ، فى محل نصب ، حال من فاعل المصدر. شبه الجملة (بكل) متعلقة بمعنى.

(٢) الكتاب ١ ـ ١١٦ ، ١٦٨ / ٢ ـ ١٣٩ / المقرب ١ ـ ١٢٩ / شرح التسهيل ٣ ـ ١٢٦ / شرح الكافية الشافية ٢ ـ ١٠٢٦ / المساعد ٢ ـ ، ٢٤٣

(أفنان) مبتدأ مرفوع ، خبره شبه الجملة (كالثغام) ، أو ما تعلقت به ، والجملة الاسمية فى محل جر بالإضافة إليه.

(٣) شرح التسهيل ٣ ـ ١٢٦.

(مسالما) مفعول ثان لعلم منصوب. (حربا) منصوب على نزع الخافض والأصل بحرب ، ويجوز أن تجعلها حالا ، والتقدير : محاربا. الجملة الفعلية (علمتم) صلة الموصول لا محل لها من الإعراب ، ومثلها الجملة الفعلية (يجاهركم).

٤٥٦

 ـ وقد يكون فى معنى الإنشاء للدلالة على معنى كامن فى النفس ينشئه المتحدث ، من ذلك : حمدا وشكرا ، ولا جحودا ولا كفرا.

وتقول : عجبا ، إذا أبصرت شيئا يتعجب منه.

ومنه قول الشاعر :

حمدا لله ذا الجلال وشكرا

وبدارا لأمره وانقيادا (١)

أى : أحمد الله ... ، وأشكره ، وأبادر لأمره ، وأنقاد. فيكون فيه معنى الخبر ، ويكون (حمدا) مصدرا منصوبا نائبا عن فعله ، ولفظ الجلالة مفعول به منصوب للمصدر. ومثله المصادر : شكرا ، بدارا ، انقيادا.

ويجوز أن تجعل هذه المصادر فى معنى الأمر ، وسياق الموقف والحال أو سياق النظم هو الذى يحدد الاتجاه المعنوى.

ومنهم من يجعل البيت السابق : (قالت نعم بلوغا بغية ...) من هذا المعنى الخبرى (٢).

قياسية إعمال المصدر النائب مناب فعله :

من الشواهد السابقة أدركنا أن المصدر الذى ينوب مناب فعله جاء عاملا عمل فعله فى معانى الأمر والوعد ، والدعاء ، والتوبيخ مع الاستفهام ، أو بدونه ، والإنشاء.

وهذه الأنواع عند أبى الحسن الأخفش ، وأبى زكريّا الفراء مطردة صالحة للقياس على ما سمع منها (٣) وأكثر المتأخرين يزعمون قصرها كلّها على السّماع.

وابن مالك يصحح القياس ويختاره ؛ لكثرته فى كلام العرب ، ولما فيه من الاختصار والإيجاز (٤).

__________________

(١) شرح التسهيل ٣ ـ ١٢٦ / المساعد على التسهيل ٢ ـ ٢٤٣.

(٢) شرح التسهيل ٣ ـ ١٢٦ ، ١٢٧.

(٣) شرح التسهيل ٣ ـ ١٢٧.

(٤) الموضع السابق.

٤٥٧

ويدلل على أن سيبويه ذهب إلى القياس فى الأمر والدعاء والتوبيخ والإنشاء ، ويذكر لذلك من أقوال سيبويه ، وذلك فى بابى : «هذا ما ينصب من المصادر على إضمار الفعل غير المستعمل إظهاره» (١).

و (هذا باب ما ينصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره من المصادر فى غير الدعاء) (٢).

ولا يستطيع النحاة أن يتخلصوا أو ينسلخوا من عمل المصدر النائب مناب فعله.

العامل فى المنصوب بعد المصدر النائب مناب فعله :

يختلف النحاة فيما بينهم فى عامل النصب فيما بعد المصادر التى تنوب

مناب فعل بين رأيين عريضين (٣) :

أولهما : يذهب أصحابه إلى أن النصب يكون بالأفعال المضمرة ، وعلى رأس هؤلاء المبرد والسيرافى ، ووافقه كثير من النحويين ، ويذكر ابن يعيش أن عليه المحققين ، ولا يبعد عنده أن يكون هذا المصدر عاملا لنيابته عن الفعل ، لا بحكم أنه مصدر ، ويمثله بالقول : زيد فى الدار قائما ، حيث العامل فى الحال الظرف الموجود ، لا الفعل العامل فيه لنيابته عن الفعل (٤).

والآخر : ينسبونه إلى سيبويه ، ويصححه ابن مالك ، ويختاره مدافعا عنه (٥) وهو أنّ النصب بعد هذه المصادر يكون بها أنفسها ، لا بالأفعال المضمرة ؛ وهو قول الزجاجى والفارسى ـ أيضا ـ.

ثالثا : اسم المصدر (٦) :

اسم جنس دالّ على الحدث ، لكنه لم يجر مجرى الفعل فى جمع كلّ وحداته الصوتية ؛ لذلك فإنه لا يدلّ على المصدر لفظا.

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ٣١١.

(٢) الكتاب ١ ـ ٣١٨.

(٣) يرجع إلى : شرح ابن يعيش ٦ ـ ٥٩ / شرح التسهيل ٣ ـ ١٢٨.

(٤) شرح ابن يعيش ٦ ـ ٥٩.

(٥) شرح التسهيل ٣ ـ ١٢٨ ، ١٢٩.

(٦) يرجع فى ذلك إلى : الكتاب ٤ ـ ٣٢ ، ٤٣ ، ٣ ـ ٢٧٤ / المقتضب ٢ ـ ١١٩ / التسهيل ١٤٢ / شرح التسهيل ٣ ـ ١٢١ / شرح الشذور ٤١١ / أوضح المسالك ٢ ـ ١١٩ / شرح ابن عقيل ٣ ـ ٩٨ / شرح التصريح ٢ ـ ٦٣ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٣٨٨.

٤٥٨

فاسم المصدر يطلق على المصادر التى تخرج عن قياسية المصدر ، وهذا يكون فى مصادر الأفعال الرباعية ، وما هو أزيد منها.

ودلالة اسم المصدر على الحدث إنما تكون بواسطة دلالته على المصدر.

فإذا عرفنا أن المصدر من طهر هو طهرا أو طهورا ، فهذا مصدر صريح وحقيقى ، أما إذا استخدم هذا المصدر للتعبير عن التّطهّر ، فقيل : تطهّر طهرا ، فإنه يصبح اسم مصدر ؛ لأنه ـ حينئذ ـ لم يجمع كلّ حروف الفعل ، فلم يجر المصدر مجرى فعله.

ومنهم من يذهب إلى أن المصادر الأعلام تكون اسماء مصادر لا مصادر. نحو :سبحان ، برّة ، فجار ، وهى مصادر الأفعال : سبّح ، أبرّ ، أفجر.

فأسماء المصادر خروج على البنى القياسية المعهودة للمصادر فيما هو أكثر من الثلاثى ، وتجد أن بعضها جامد لا يتصرف ، حيث لا يخرج عن المصدرية.

نجد أن أسماء المصادر تنقسم إلى قسمين :

أولهما : أسماء مصادر أعلام.

والآخر : أسماء مصادر تنشأ من نقص فى أصوات البنية المعهودة فى القياس ، وتنتهى إلى مصادر ، لا تجمع كلّ حروف فعل المصدر القياسى.

ويميل كثير من النحاة إلى أن يجعلوا المصدر الذى خرج عن بنى المصادر المعهودة ، وبدئ بميم ضمن أقسام اسم المصدر ، لكننا آثرنا أن نجعله نوعا من المصادر خاصا ، ويدرس فى قسم يختصّ به.

إعمال اسم المصدر : ذكرنا أن اسم المصدر يأتى على ضربين :

أ ـ أن يكون علما على المصدرية ،

وهذا لا يعمل ـ اتفاقا (١) ـ ، وهو لا يضاف ، ولا يقبل أداة التعريف ، ولا يحلّ محلّ الفعل ، ولا محلّ ما يوصل به

__________________

(١) شرح التسهيل ٣ ـ ١٢١ / أوضح المسالك ٢ ـ ١١٩.

٤٥٩

الفعل ، ولا يوصف ، وهو لا يقوم مقام المصدر الأصلى فى توكيد الفعل ، أو بيان نوعه ، أو عدده.

ب ـ أن يكون ناشئا عن نقص فى لفظ المصدر :

وهذا النوع من اسم المصدر يعمل ـ على الأرجح ـ ، يذكر ابن مالك :«ويعمل عمله ـ أى المصدر ـ اسمه ـ أى : اسم المصدر ـ غير العلم» (١).

كما يذكر فى ألفيته :

إن كان فعل مع أن أو ما يحل

محلّه ولاسم مصدر عمل

ويتخذ بعض الشرّاح من تنكيره (عملا) دليلا على أن إعمال اسم المصدر قليل (٢) ، لكنه لم يفصح بذلك فى التسهيل. ويقول ابن الناظم : «وليس ذلك ـ يقصد العمل ـ بمطرد فى اسم المصدر ، ولا فاش فيه» (٣).

والكوفيون والبغداديون يذهبون إلى إعمال اسم المصدر غير العلم ، ولكن البصريين يذهبون إلى أنه لا يعمل إلا فى ضرورة.

ولكننا نلحظ أن اسم المصدر غير العلم ما هو إلا مصدر لم يلتق التقاء كاملا مع جميع أصوات فعله المستخدم فى الموضع المقصود. فعندما يقال بعدم إعماله ـ فإننى أرى أنه يكون هناك تناقض بين جوازهم إعمال المصدر وعدم جوازهم إعمال اسم المصدر.

وقد جاء اسم المصدر عاملا مع كثير من أسماء المصادر التى جاءت فى العربية من طريق نقص فى البنية ؛ ولذلك فإننى أرى إعمال هذا النوع من أسماء المصادر.

ولا بد من التنويه إلى أن معظمهم يجعلون المصدر الميمى من أنواع اسم المصدر ، ويجيزون إعماله بلا خلاف.

__________________

(١) شرح التسهيل ٣ ـ ١٢١.

(٢) الصبان على الأشمونى على الألفية ٢ ـ ٢٨٨.

(٣) شرح ابن الناظم ٤١٩.

٤٦٠