النحو العربي - ج ٣

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٣

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٦٠٨

أسماء الأصوات (١)

يلحق بأسماء الأفعال أسماء الأصوات ، وهو مصطلح يطلق على ألفاظ فى اللغة تشير إلى معان ودلالات اصطلح عليها المجتمع اللغوى ، وهى مكونة من الأصوات التى تتكون منها اللغة ، ليحاكى بها أصوات بعض الحيوانات والطيور التى يألفها الإنسان ، أو التى توجد فى بيئته ، ووجد فى نفسه حاجة أن يكون له علاقة لغوية بها ، أو يعبر بها عن أصوات عارضة لأحوال معينة تعتريه ، كالسّعال والتعجب والتأفّف ...

وأسماء الأصوات وأسماء الأفعال متواخية ؛ لاشتراكهما فى دلالة الزجر (٢) ، والأمر ، والتعبير عن مشاعر.

وأسماء الأصوات ليست أسماء أفعال ؛ لأن اسم الفعل له فاعل مستتر أو ظاهر ، لكن اسم الصوت لا يكون له ذلك.

فاسم الصوت يكون لفظا منفردا يعطى دلالة معينة بمفرده ، دون حاجته إلى لفظ آخر.

فأسماء الأصوات من قبيل المفردات ، وأما أسماء الأفعال فمن قبيل المركّبات.

وهى ليست أسماء مطلقة ؛ لأنها لا يجوز أن تدخل عليها ما يدخل على الأسماء من عوامل ، كما أنه يكتفى بها لحدوث الأداء الدلالى المفهوم من الإحداث اللغوى.

لكن الاسم يحتاج إلى غيره لإحداث هذا الأداء.

__________________

(١) يرجع فى هذه الدراسة إلى : الكتاب ٣ ـ ٢٩٨ وما بعدها / ٤ ـ ٢٢٩. شرح ابن يعيش ٤ ـ ٧٥ / شرح ابن الناظم ٦١٤ / المساعد على تسهيل الفوائد ٢ ـ ٦٥٨ / شرح التصريح ٢ ـ ٢٠٠ / الصبان على الأشمونى ٣ ـ ٢٠٨ / النحو الوافى ٤ ـ ١٦٢.

(٢) شرح ابن يعيش ٤ ـ ٧٦.

٤٢١

وليست حروفا ؛ لأنه يكتفى بها ، أما الحرف فإنه لا بدّ له من معمول ، كما أنه لا يؤدى أداءها الدلالى فى اللغة.

وليست أفعالا ؛ لأنها لا تتضمن حدثا ولا زمانا كما هو فى الأفعال.

وإنما هى شبيهة بأسماء الأفعال فى أنه يكتفى بها لإحداث الدلالة المقصودة التى تفهم ، دالة على خطاب ما لا يعقل ، أو من هو فى حكمه ، أو دالة على حكاية بعض الأصوات الصادرة ، وليست أسماء أفعال صريحة ـ كما ذكرنا.

أسماء الأصوات جميعها مبنية ، ولا محلّ لها من الإعراب ، ويعلّل لبنائها بما يأتى :

١ ـ إما لأنّ منها ما وضعه وضع الحروف فى بنيته.

٢ ـ وإما لوقوعها موقع الجملة ، حيث أداؤها المعنوى ، والجملة لا تمكّن لها فى الأصل.

٣ ـ وإما لأن منها ما هو نائب مناب فعل الأمر ، وفعل الأمر مبنى.

٤ ـ ومنهم من يرى أن سبب بنائها هو أنه ليس فيها معنى ، فجرت مجرى بعض حروف الاسم ، وبعض حروف الاسم مبنى.

لكن هذه الألفاظ ؛ وإن كانت لا تنتمى ـ فى غالبها ـ إلى مادة معنوية معينة ؛ فهى ذات دلالات مصطلح عليها ، تؤديها بين طرفى الحديث ، وبذلك تكون قد حقّقت الوضع اللغوى ، أو الهدف من اللغة ، فلا بدّ أن نقرنها دائما بالمعنى الذى وضعت له ، لا أن نجردها من المعنى ، فليس فى اللغة ألفاظ غير ذات معنى.

 ـ وإما لشبهها الحرف المهمل فى كونها غير عاملة ولا معمولة (١)

وما وضع من أسماء أصوات فى كتب اللغة والنحو تدور فى أربع دوائر دلالية :

١ ـ إما أن تكون لدعاء مالا يعقل لأداء عمل ما مطلوب.

٢ ـ وإما أن تكون لزجر مالا يعقل عن أداء ما ، أو نهره.

__________________

(١) المساعد على التسهيل ٢ ـ ٦٦٣ / الصبان على الأشمونى ٣ ـ ٢١١.

٤٢٢

٣ ـ وإما أن تكون محاكاة لصوت حيوان أو طير ، إما أن يكون صوته الذى يستعمله. وإما أن يكون صوته أثناء أداء عمل ما ، كالشرب إلخ.

٤ ـ وإما أن تكون محاكاة لصوت فعل ما ، ينشأ عن إحداثه صوت يميّزه ، فيتفاعل له الإنسان.

أ ـ ما يستعمل لزجر ما لا يعقل :

هال ، هلا : لزجر الخيل ، أى : توسّعى أو تنحّى ، أو : لزجر الخيل عن البطء ، واستحثاثها.

ومنه قول الشاعر :

وأىّ جواد لا يقال له هلا (١)

وقد تكون للإبل ، وقد تسكّن بها الإناث عند دنو الفحل منها.

وقد يستخدم لاستحثاث العاقل ، ومنه قوله :

ألا حييا ليلى وقولا لها هلا ....

عدس : لزجر البغل عن الإبطاء.

قال يزيد بن مفرغ :

عدس مالعبّاد عليك إمارة

أمنت وهذا تحملين طليق

حيث زجر بغلته بقوله : عدس ، فلقد أمنت ، ومالعباد عليك إمارة بعد.

هيد ، هيد ، هاد : لزجر الإبل ، وقد تكسر دال (هيد).

قال الراجز :

باتت تبادى شعشعات ذبلّا

فهى تسمّى زمزما وعيطلا

حتى حدوناها بهيد وهلا

حتى يرى أسفلها صار علا (٢)

__________________

(١) شرح ابن يعيش ٤ ـ ٧٩. الصبان على الأشمونى ٣ ـ ٢٠٨.

(٢) شرح ابن يعيش ٤ ـ ٨٠. شعشعات : طوال النوق ، ذبّل : ذبلت من طول السير ، زمزم وعيطل : اسمان لناقة واحدة.

٤٢٣

حيث (هيد وهلا) اسما صوت لزجر ناقته.

وقال ابن هرمة :

حتى استقامت له الآفاق طائعة

فما يقال له هيد ولا هاد (١)

أى : لا يزجر أثناء سيره.

جه : صوت لزجر السبع ليكفّ وينتهى.

ومنه : جهجهت بالسبع ، إذا قلت له : جه. فيقال : تجهجه عنى ، أى : طاوع وانته.

وح ، حو ، قس : لزجر البقر.

ده : بكسر الدال وفتحها ، زجر للحث على الضرب ، هذا أصله ، ثم استخدام مثلا فى كل شىء لا يقدم عليه الرجل ، وقد حان حينه ، وهى فارسية ، وأصله أن الموتور كان يلتقى واتره ، فلا يتعرض له ، فيقال له ذلك (٢).

عاج ، حل : زجر للناقة.

يقال : حلحلت بالناقة ، إذا قلت لها : حل حل. وقد يدخله تنوين التنكير.

حل : لزجر البعير.

حوب : بفتح الباء ، وضمّها ، وكسرها ، بدون تنوين ، وبالتنوين فى جميع لغاتها ، ويقال : حوّبت بالإبل ، إذا قلت لها ذلك.

هيج (بكسر الهاء وفتحها وسكون الياء ، مع كسر الجيم وسكونها) : صوت الحادى يزجر به إبله.

عاه ، عيه ، هاب : لزجر الإبل.

عاى ، حاى : لزجر الإبل ، وغيرها من المواشى.

وقد يكونان بالهمزة : عاء حاء.

__________________

(١) شرح ابن يعيش ٤ ـ ٨٠.

(٢) شرح ابن يعيش ٤ ـ ٨١.

٤٢٤

سع : لزجر المعز ، يقال لها : سع سع. ويقال : سعسعت بالمعز ، إذا زجرتها.

حب : صوت يزجر به الجمل عند البروك.

يقولون : حب لا مشيت. والإحباب فى البعير هو أن يبرك. وتقول : أحب البعير إذا برك ، فلم يبرح ، أو إذا أصابه كسر أو مرض فلم يبرح مكانه حتى يبرأ ، أو يموت.

إسّ ، هسّ (بفتح ففتح مشدّد) : صوت يزجر به الراعى الغنم. وفيهما إسكان السين.

حج ، عه ، عيز : صوت يزجر به الضأن.

هجّ ، فع ، فاع : صوت لزجر الغنم.

يقال : فعفع بالغنم ، إذا قال لها ذلك.

وقيل : قاع ، بالقاف.

هجا ، هج : صوت لزجر الكلب. وقيل : للغنم. وينون للتنكير.

جاه (بكسر الهاء ، وتنوينها) : صوت يزجر به البعير دون الناقة ، أو : هو زجر للسبع.

عز (بفتح فسكون) عيز (بفتح أوله وكسره ، مع فتح آخره وكسره) أو بفتح الأول وكسر الأخير) ، حز (بفتح فسكون) ، حيز (بفتح فسكون ففتح) : لزجر العنز.

حرّ (بفتح فكسر مشدد) : لزجر الحمار عن الإبطاء ، واستحثاثه على السرعة.

كخّ ، كخّ (بكسر فتشديد مع السكون أو الكسر ، أو التنوين ، أو تخفيف الخاء ، وجواز فتح الكاف) : لزجر الطفل عن تناول شىء.

ومنه أن الحسن ـ رضى الله عنه ـ أخذ تمرة من تمر الصدقة ، وجعلها فى فيه ، فقال له صلّى الله عليه وسلّم : «كخ ، كخ ، فإنها من الصدقة» ، فألقاها من فيه.

٤٢٥

ب ـ ما يستعمل لدعاء ما لا يعقل :

جوت : دعاء الإبل لتشرب ، وقيل : مثلثة التاء ، قد يدخلها الألف واللام ، فيقال : الجوت.

جئ : صوت لدعاء الإبل للشرب.

فيقال : جأجأت بالإبل لتشرب جأجأة ، وقد تكرر ، فيقال : جئ جئ ، والاسم منها : الجىء.

حئ (بكسر فسكون) : دعاء للحمار ليشرب.

هئ : دعاء الإبل للعلف.

يقال : هأهأت بالإبل ، إذا دعوتها للعلف.

هدع (بكسر ففتح فسكون) : صوت تسكن به صغار الإبل إذا تفرقت. وقد تسكن الدال وتكسر العين.

دوه (بفتح فسكون فكسر) : دعاء للرّبع ، وهو الفصيل ينتج فى الربيع.

وهو أول النتاج. يقال : ما له ربع ولا هبع ، والهبع : ما ينتج فى آخر النتاج.

نخّ ، نخ (بكسر أو فتح ففتح مشدّد ، أو بكسر أو بفتح فسكون) : صوت يقال لإناخة البعير ، يقال : نخنخت الناقة ، فتنخنخت. أى : أبركتها فبركت.

ومنه قول العجاج : ولو أنخنا جمعهم تنخنخوا (١) هيخ ، إيخ : صوت لإناخة البعير.

بس (بضم الباء وتثليتث السين مع تشديدها ، أو سكون السين) : صوت يدعى به الغنم إذا أشليتها إلى الماء.

وقال ابن عبيد : يقال : بسست الإبل وأبسستها لغتان ، إذا قلت لها : بس بس ، وصدره الإبساس ، وهو صوت للراعى يسكّن به الناقة عند الحلب (٢).

__________________

(١) شرح ابن يعيش ٤ ـ ٨٤.

(٢) شرح ابن يعيش ٣ ـ ٨٤.

٤٢٦

ثئ ، تؤ ، تأ : دعاء التّيس للسفاد.

دج (بفتح فسكون) : صوت يدعى به الدجاج.

يقال : دجدجت بالدجاجة ، إذا قلت لها ذلك.

سأ ، تشؤ : صوتان يدعى بهما الحمار إلى الشرب.

يقال : سأسأت بالحمار ، إذا دعوته إلى الشرب ، وشأشأت به ، إذا دعوته فقلت له : تشؤ تشؤ.

قوس (بضم طويل فسكون) : صوت يدعى به الكلب. وقد تكسر السين (قوس).

عوه (بفتح فسكون فكسر) : للجحش.

أو. آو : للفرس.

ج ـ ما يستعمل حكاية لأصوات الحيوان :

شيب (بكسر طويل فكسر) : حكاية صوت شرب الإبل الماء ، فهو يحاكى صوت مشافرها عند الشرب ، أو صوت جذبها للماء ، ورشفها له عند الشرب ، وقد تدخله الألف واللام ، فيقال : الشيب.

ومنه قول ذى الرمة :

تداعين باسم الشيب فى متثلّم

جوانبه من بصرة وسلام (١)

ماء : (مكسور الهمزة ، وقد تمال الميم) : حكاية صوت بغام الظباء ، إذا دعت أولادها.

وقد يدخل عليه الألف واللام ، ومنه قول ذى الرمة :

__________________

(١) شرح ابن يعيش ٣ ـ ١٤ ، ٤ ـ ٨٢ / الصبان على الأشمونى ـ ٣ ـ ٢١١.

متثلم : الحوض ، بصرة : الحجارة تكون رخوة ، وفيها بياض ، سلام : بوزن كتاب ، جمع سلمة ، وهى الحجارة.

٤٢٧

لا ينعش الطّرق إلا ما تخوّنه

داع يناديه باسم الماء مبغوم (١)

وبلا أداة تعريف جاء قوله :ونادى بها ماء إذا ثار ثورة.

غاق (مكسور الآخر) : حكاية صوت الغراب.

وقد ينون للتنكير ومنه قول القلاخ :

معاود للجوع والإملاق

يغضب إن قال الغراب غاق (٢)

ما يستعمل حكاية لأصوات غير حيوانية :

طيخ (بكسر طويل فسكون أو كسر أو فتح : حكاية صوت الضاحك.

عيط (بكسر طويل فسكون الطاء) : حكاية صوت الصبيان إذا تصايحوا للعب ، ومنه : عطعط القوم ، إذا تصايحوا ، والمصدر : العطعطة.

مض ، (بكسر فكسر) : حكاية صوت الشفتين عند التمطّق ، حيث يحدث اللسان مع الغار الأعلى صوتا. نتيجة ضمّ إحدى الشفتين إلى الأخرى. يقال ذلك عند ردّ ذى الحاجة ، والمراد به الردّ مع إطماع. وقد يقال بها عند الإقرار بحقّ ، وفى المثل : إن فى مض لمطمعا ، وإذا سأل الرجل الرجل حاجة فقال المسؤول : مض ، فكأنه قد ضمن قضاءها. ومنه قول الراجز : سألتها الوصل فقالت مض (٣) طاق (مكسور القاف) : حكاية صوت الضرب.

طق (ساكن القاف) : حكاية صوت وقع الحجارة بعضها على بعض.

يقال : طقطقت الحجارة ، إذا جاء صوتها : طق طق.

قب (ساكن الباء) : حكاية صوت وقع السيف على الضريبة.

__________________

(١) الخصائص ٣ ـ ٢٩ / شرح ابن يعيش ٣ ـ ١٤ / الصبان على الأشمونى ٣ ـ ٢١٢ / لسان العرب (بغم).

(٢) شرح ابن يعيش ٤ ـ ٨٥.

(٣) شرح ابن يعيش ٤ ـ ٧٨ لسان العرب (مضض).

٤٢٨

خاز باز : للذباب.

خاق باق : للنكاح ، أى : للصوت الحادث من اصطكاك الأجرام عند النكاح.

قاش ماش ، جاث باث : للقماش.

إعرابها :

ذكرنا أن أسماء الأصوات مبنية ، لا محلّ لها من الإعراب ، لكنها قد تعرب فى الكلام ، وذلك إذا وضعت موضع الاسم المتمكن ، ويكون من طريق :

 ـ وضعها موضع الاسم المتمكن الذى يصدر منه الصوت ، كأن يوضع موضع الغراب (غاق).

 ـ وضعها موضع الاسم المتمكن الذى يزجر به ، أو يدعى به ، كأن يحلّ (عدس) محلّ البغل ، أو (هيّد) محلّ الإبل ، أو : (جئ جئ) محلّ الإبل.

 ـ التعبير عنها على أنها أشياء موجودة ، أى : كلمات لها تعريف وذاتية ، أى :

التعبير عن ذاتها.

كأن يقال : جوت اسم صوت يدعى به الإبل للشرب.

فتكون (جوت) مبتدأ ، إما أن تعربه ، وإما أن تبنيه.

من ذلك قول الشاعر :

إذا حملت بزّتى على عدس

على الذى بين الحمار والفرس

فلا أبالى من غزا ومن جلس (١)

ففيه (عدس) يعنى البغل ، أى : سمّى بصوته ، فيكون اسم الصوت قائما مقام الاسم المتمكن ، ويعرب مجرورا بحرف الجر

وقول الشاعر

إذ لمّتى مثل جناح غاق (٢)

__________________

(١) شرح ابن يعيش ٤ ـ ٧٩.

(٢) الصبان على الأشمونى ٣ ـ ٣١١. لمتى : شعر رأسى.

٤٢٩

أى : مثل جناح غراب ، لأن (غاق) اسم صوت الغراب ، فيكون (غاق) مضافا إلى جناح مجرورا ، وتحتمل كسرته أن تكون كسرة بناء.

ومنه أن تقول : ربّينا دجا كثيرا ، أى : دجاجا ، فيكون (دجا) مفعولا به منصوبا ؛ لأنه قام مقام الاسم المتمكن الذى يدعى به.

أما قول ذى الرمة :

تداعين باسم الشيب فى متثلّم

جوانبه من بصرة وسلام (١)

فإن (الشيب) فيه هو الصوت نفسه ، دعت الإبل بعضهن بعضا به. فيكون هنا مضافا إليه مجرورا.

ويجوز البناء فى المواضع السابقة على الحكاية ، ويكون الموضع أو المحلّ.

هو الذى يحمل الفرع الإعرابىّ المستحق.

لكن الأستاذ عباس حسن يختار فيما سبق من الحالتين الأولى والثانية وجوب الإعراب فيهما ، حيث يرى أنه أوضح وأقدر على أداء المعنى ، فيحسن الاقتصار عليه (٢) وهو فى ذلك يذهب إلى ما ذهب إليه الأزهرى (٣) حيث يجعل الأزهرى اسم الصوت فى التركيب منقولا عن معناه ليكون اسما للمحكىّ صوته ، أو للمصوت له به ، فيكون ـ حينئذ ـ مرادفا لاسم متمكن.

ويختار جواز البناء والإعراب إذا قصد لفظها نصا ، ويضرب لذلك المثل : فلان لا يرعوى إلا بالزجر ، كالبغل لا يرعوى إلا إذا سمع : عدس أو : عدسا. بالبناء ، والإعراب.

ولعلّه فى ذلك قد اختار ما ذكره الأزهرىّ فى الموضع السابق ، حيث إنه لم يوجب فى مثل هذا الموضع الإعراب ، وإنما صدّره بالقول : (ربّما). حيث

__________________

(١) شرح ابن يعيش ٣ ـ ١٤ ، ٤ ـ ٨٢ الصبان على الأشمونى ٣ ـ ٢١١.

(٢) النحو الوافى ٤ ـ ١٦٥.

(٣) شرح التصريح ٢ ـ ٢٠٣.

٤٣٠

اسم الصوت يكون موجودا فى التركيب بلفظه ، ومعناه مقصود ، وذكر الأزهرى لذلك :

 ....... كما رعت بالحوب الظماء الصواديا

يروى (الحوب) بالوجهين على الحكاية وعدمها ، أى : كما رعت بهذا اللفظ الذى يصوّت به وهو : حوب (١).

وقول ذى الرمة السابق يماثل ذلك ، حيث ذكر التداعى بالشيب ، وهو الصوت نفسه.

لكنه من الملاحظ أن اللغة العربية تعامل مثل ذلك إما على الحكاية ، فيكون مبنيا ، وإما على الإعراب بخروجه عمّا وضع له فى اللغة. والسياق هو الذى يوضح استخدامه صوتا أو كناية عن صاحبه ، أو ما يوجّه إليه. ويرجح البناء حتى يفرق بين الاسم الأصلى واسم الصوت. فعندما تقول : رأيت غاق ، ببناء (غاق) على الكسر ؛ فإنه لا بد أن يعلم أن المقصود به صاحبه ، وهو الغراب.

وقد ذكرنا أن كسرة (غاق) فى البيت المذكور سابقا تحتمل أن تكون كسرة بناء (٢).

ملحوظات :

أولا : يلحظ أن أسماء الأصوات من حيث أصولها الدلالية تنقسم إلى مجموعتين :

إحداهما : ألفاظها محاولة لمحاكاة أصوات طبيعية ، تصدر من الحيوان ، أو غيره.

نحو : شب ، طاق ، طق ، قاش ، ماش ، ماء ، غاق ... إلخ.

والأخرى : ألفاظها ناشئة من الوضع الاصطلاحى بين أبناء المجتمع اللغوى ، نحو : عدس ، كخ ، هيد ، عاج ، حل ... وسائر ما يستعمل للزجر أو للدعاء لعمل شىء ما.

__________________

(١) شرح التصريح ٢ ـ ٢٢٠.

(٢) ينظر : حاشية يس على التصريح ٢ ـ ٢٠٢.

٤٣١

ثانيا : يخلط بعض النحاة (١) بين أسماء الأفعال وأسماء الأصوات فى بعض الألفاظ ، وهى : كخّ (٢) : أتكره. أخّ (٣) : أكره وأتكرّه.

وى (٤) : أعجب وأتندم ، صوت يقال فى حال الندم والإعجاب.

بس (٥) : اكتف واقطع ، ارفق.

ثالثا : لا جدال فى أن أسماء الأصوات لا تحتفظ بصورة نطقية واحدة ، حيث إنها قابلة للانحراف الصوتى عمّا بنيت عليه أوّلا ، ويتناقلها الأبناء بالانحراف نفسه عن الآباء. لذلك فقد تعددت لغاتها ، وإن شئت لهجاتها ، ولا يمكن إحكام حركة كثير من أصواتها بين الفتح والضم والكسر ، أو إسكان وسطها أو تحريكه.

وما دامت أسماء الأصوات محاكاة ؛ فإنها تكون قابلة للتغير من شخص إلى آخر. وأرى أن هذا سبب فى تعدّد لهجاتها.

رابعا : يجب ألا تقتصر أسماء الأصوات على ما هو متوارث فى اللغة ؛ وذلك ـ كما يقول الأستاذ عباس حسن : «لأن إنشاء الأصوات واستحداثها جائز فى كل عصر» (٦).

وإن ما استحدث فى هذا الزمان من وسائل إعلامية تعايشنا ، وما هو عليه من وسائل اتصال مقربة ، تجعل المجتمعات كلّها بمثابة المجتمع الواحد ، وما ينتج من جرّاء ذلك من تقارض لغوى ، وأيسر المقترضات اللغوية ، وأسرعها محاكاة وتقليدا ، إنما هو أسماء الأصوات ؛ لأنها سمة كلّ المجتمعات اللغوية ؛ لذا يجب ألا تقتصر الكتب التى تعرض أسماء الأصوات على ما هو متوارث ومنقول.

__________________

(١) ينظر : شرح المفصل لابن يعيش ٤ ـ ٧٦.

(٢) ابن يعيش ٤ ـ ٧٩ / المساعد على التسهيل ٢ ـ ٢٥٢.

(٣) ابن يعيش ٤ ـ ٧٩ / المساعد على التسهيل ٢ ـ ٢٥٢.

(٤) ابن يعيش ٤ ـ ٧٦ / المساعد على التسهيل ٢ ـ ٦٥١.

(٥) شرح بن يعيش ٤ ـ ٧٨ / المساعد على التسهيل ٢ ـ ٦٤٩.

(٦) النحو الوافى ٤ ـ ١٦٤.

٤٣٢

المصدر (١)

المصدر هو اسم المعنى الذى يدل على الحدث الجارى على الفعل ، وهو دالّ بالأصالة على معنى قائم بفاعل ، أو صادر عنه حقيقة أو مجازا ، أو واقع على مفعول. نحو : حسن ، وفهم ، وحكمة ، فكلّ منها معنى قائم بفاعل.

وخطّ ، وخياطة ، وضرب ، وكتابة ، كلّ منها معنى صادر عن فاعل.

أما نسبة العدم إلى المعدوم ، والموت إلى الميت ، والإيراق إلى الشجرة فهى مجازية. والمصدر الواقع على مفعول هو مصدر ما لم يسمّ فاعله.

يعمل المصدر عمل الفعل ؛ لأن المصدر أصل ، والفعل فرعه ، وذلك عند جمهور النحاة ، فالمصدر ـ لديهم ـ أصل المشتقات.

لذلك فإن المصدر يعمل دون التقيد بزمان ، فهو يعمل فى الماضى والحاضر والمستقبل ؛ لأنه أصل لكل فعل من هذه الأفعال ، بخلاف اسم الفاعل ، فإنه يعمل للشبه ، فتقيّد عمله بما هو شبهه ، وهو المضارع.

عمل المصدر :

ذكرنا أن المصدر يعمل عمل فعله ، أى : إنه يرفع فاعلا ، أو نائب فاعل ، أو اسم كان ، وإذا كان فعله متعديا فإنه يتعدى بحسب تعدّى فعله ، إلى واحد ، أو إلى اثنين ، أو إلى ثلاثة. كما أنه ينصب الحال وغيره ، حسبما يأتى به التركيب ، وإن كان فعله لازما فإنه يلزم.

__________________

(١) يرجع فى هذه الدراسة إلى : الكتاب ٤ ـ ٥ / ١ ـ ١٨٩ وما بعدها / المقتضب ١ ـ ١٣ / شرح ابن يعيش ٦ ـ ٥٩ / شرح الإيضاح ١ ـ ٥٥٣ / شرح ألفية ابن معطى ٢ ـ ١٠٠٧ / التسهيل ١٤٢ / شرح التسهيل لابن مالك ٣ ـ ١٠٦ / شرح ابن الناظم ٤١٦ / المقرب ١ ـ ٢٩ / شرح ابن عقيل ٣ ـ ٩٣ / المساعد على التسهيل ٢ ـ ٢٢٦ الجامع الصغير ١٥٠ / شرح الشذور ٣٨٢ / شرح التصريح ٢ ـ ٦١ / الصبان على الأشمونى. ٢ ـ ٢٨٣.

٤٣٣

وهو يعمل ـ على الوجه الأرجح ـ فى الماضى والحال والاستقبال.

وفى رفع المصدر نائبا عن الفاعل خلاف (١) ، حيث يمنعه الأخفش والشلوبين وغيرهما ، لوجود اللبس بين كون المرفوع نائبا عن الفاعل ، أو فاعلا ، ويجيزه أبو حيان فيما إذا كان الفعل ملازما للبناء للمجهول ، نحو : زكم ، ومصدره : زكام.

وأجازه البصريون ، وذهب إليه ابن مالك (٢).

وأجاز بعضهم ذلك فى حال عدم وقوع اللبس.

وأرى أنه يجوز أن يرفع المصدر نائب فاعل ـ لفظا ، أو محلا ـ ، ويحدد السياق كونه فاعلا أو نائبا عنه.

وإذا حدث لبس فإننا نأخذ بالأكثر حيطة حيث نتوجّه إلى السياق العام ، لا سياق الجملة بمفردها. وسنورد أمثلة لإعمال المصدر فيما لم يسمّ فاعله.

ومن أمثلة عمل المصدر :

 ـ سررت من قراءتك الدرس.

(الدرس) مفعول به منصوب للمصدر (قراءة) ، وهو متعدّ إلى واحد. والمصدر مجرور بحرف الجر.

 ـ خروجك من القاعة أثناء المحاضرة غير لائق.

(خروج) مصدر فعل لازم ؛ لذا لم يتعدّ ؛ لكنّ شبه الجملة (من القاعة) متعلقة به. والمصدر مبتدأ. مضاف إليه فاعله (كاف المخاطب).

 ـ من برّك إعطاؤك الفقير صدقة.

(إعطاء) مصدر فعل يتعدى إلى اثنين ؛ لذا فإنه قد تعدى إلى (الفقير) ، وهو مفعول به أول ، وإلى (صدقة) ، وهو مفعول به ثان ، وأما المصدر فهو مبتدأ مؤخر. مضاف إليه فاعله (كاف المخاطب).

__________________

(١) الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٨٣.

(٢) شرح التسهيل ٣ ـ ١٢١.

٤٣٤

ومنه القول : عجبت من إعطائك زيدا درهما.

 ـ قدّرت إعلامك محمدا عليا بريئا.

(إعلام) مصدر الفعل (أعلم) ، وهو يتعدى إلى ثلاثة مفعولين ؛ لذا فقد تعدى المصدر إلى كلّ من : (محمدا) ، وهو مفعول أول ، و (عليا) ، وهو مفعول به ثان ، و (بريئا) ، وهو مفعول به ثالث.

أما المصدر فهو مفعول به للفعل (قدر). وهو مضاف إليه فاعله كاف المخاطب.

 ـ من أمثلة ابن مالك :

من نعم الله كون المقهور عدوّنا ، كون عدونا المقهور ، الكون عدوّنا المقهور (١).

حيث المصدر (كون) رفع اسمه فى المواضع الثلاثة ، ونصب خبره فى الموضع الثالث. والمصدر الأول مضاف إلى الخبر ، والثانى مضاف إلى اسم كان ، والثالث معرف بالأداة. ولك أن تقول :

 ـ كونك مجتهدا شيء مرض ؛ لكننا نطلب صيرورتك متواضعا.

(مجتهدا) خبر المصدر (كون) ، و (متواضعا) خبر المصدر (صيرورة). والمصدر (كون) مبتدأ ، وأما (صيرورة) فهو مفعول به للفعل (نطلب) ، وكلّ من المصدرين مضاف إلى اسمه ، وهو فى الأصل مبتدأ قبل دخول المصدر عليه.

 ـ من الأمثلة التى تذكر (٢) : ساءنى ضربك ، والتقدير : أن ضربت ، بالبناء للمجهول ، أو لما لم يسمّ فاعله.

فيكون ضمير المخاطب مضافا إلى المصدر ، لكنه فى محل رفع ، نائب عن الفاعل.

أما المصدر فهو فاعل.

__________________

(١) شرح التسهيل ٣ ـ ١٠٩.

(٢) شرح المفصل لابن يعيش ٦ ـ ٦٠ / شرح التسهيل ٣ ـ ١٢١ / المساعد ٢ ـ ٢٣٨.

٤٣٥

عرفت تطليق المرأة ، والتقدير : أن طلّقت .. بالبناء لما لم يسمّ فاعله ، فتكون (المرأة) مضافا إليه مجرورا لفظا ، وهو فى محل رفع ، نائب عن الفاعل. والمصدر مفعول به منصوب.

وكذلك : عجبت من تطليق المرأة.

ومنه قوله تعالى : (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) [الروم : ٣] ، أى : من بعد أن غلبوا ، فيكون ضمير الغائبين المضاف إلى المصدر نائبا عن الفاعل.

ولك أن تقول : هالنى أكل الخبز كلّه ، أى : أن أكل الخبز.

أعجبنى قراءة القصة ، أى : أن قرئت ، كى لا يحدث لبس بين البناء للمجهول أو للمعلوم ، تقول : نما إلىّ قراءة القصة ، أى : أن قرئت ...

شروط إعمال المصدر :

يشترط فى المصدر الذى يعمل عمل فعله ما يأتى :

١ ـ ألا يكون المصدر مضمرا :

فلا يجوز القول : فهمه هذا الدرس واسع ، وهو الدرس السابق أوسع.

على أن الضمير (هو) يعود على المصدر (فهم) ؛ لأن الإضمار يقوى جانب الاسمية ، فيبعد عن شبهه بالفعلية.

وقد شذّ منه قول زهير بن أبى سلمى :

وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم

وما هو عنها بالحديث المرجّم (١)

أى : وما الحديث عنها بالحديث. فتكون (عن) متعلقة بضمير المصدر. ويخرج على أن شبه الجملة متعلقة بالحديث المذكور ، والتقدير : وما هو الحديث عنها بالحديث ، ثم حذف الأول وبقى المتعلق به.

__________________

(١) شرح التسهيل ٣ ـ ١٠٦ / المساعد على التسهيل ٢ ـ ٢٢٦ / حاشية يس على شرح التصريح ٢ ـ ٦٢ / شرح المعلقات السبع ٥٦.

٤٣٦

وقد أجاز الكوفيون إعماله مضمرا ، فيقولون : مرورى بزيد حسن ، وهو بعمرو قبيح ، فيعلقون الباء بهو ، ويستدلون على ذلك ببيت زهير السابق (١).

٢ ـ ألا يحدّ بتاء التأنيث.

نحو : ضربة ، وطعنة ، وخلافه ، وهو ما كان دالا على المرّة ؛ لأنه يخرج بالمصدر عن الصيغة التى اشتقّ منها الفعل ـ كما يرى البصريون.

وما جاء من ذلك فهو شاذ ، كما ورد فى قول الشاعر :

يحايى به الجلد الذى هو حازم

بضربة كفّيه الملا نفس راكب (٢)

حيث نصب (الملا) باسم المرّة (ضربة) ، فيكون مفعولا به ، وهو شاذ. والتقدير : بضرب كفيه التراب.

وفى قول ابن الزبير الأسدى :

كأنك لم تنبأ ولم تك شاهدا

بلائى وكرّاتى الصنيع ببيطرا (٣)

جاء (كرّات) جمع (كرة) ، وهو اسم مرة ، ناصبا للمفعول به (الصنيع). فجمع (كرات) بين كونه جمعا ، وكون مفرده اسم مرة.

فلو أن المصدر الذى يأتى على مثال (فعلة) لا يدلّ على الوحدة لكان عاملا كالمصدر الذى يكون بدون التاء.

من ذلك قول الشاعر :

__________________

(١) المساعد على التسهيل ٢ ـ ٢٢٦.

(٢) شرح التسهيل ٣ ـ ١٠٨ / المساعد على التسهيل ٢ ـ ٢٢٨ / شرح الكافية الشافية ٢ ـ ١٠١٥ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٨٦ / حاشية يس على شرح التصريح ٢ ـ ٦٢.

يحايى : يحيى ، الجلد : القوى ، به : أى : الماء ... الملا : التراب.

يصف الشاعر مسافرا كان معه ماء ، فتيمّم ، وأحيى به نفس راكب كاد يموت عطشا.

(يحايى) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، وفاعله (الجلد) مرفوع ، وعلالمة رفعه الضمة ومفعوله (نفس) ، منصوب وعلامة نصبه الفتحة.

(٣) شرح التسهيل لابن مالك ٣ ـ ١٠٧.

٤٣٧

فلولا رجاء النصر منك ورهبة

عقابك قد كانوا لنا كالموارد (١)

وفيه (رهبة) مصدر ينتهى بالتاء ، ولكنه لا يدلّ على المرّة ، أو الوحدة ، ولذلك فقد نصب (عقاب). بل هو مصدر مبنى على فعلة ، كرحمة ، ورغبة.

٣ ـ ألا يكون مصغرا :

لأن التصغير يخرج المصدر عن الصيغة التى هى أصل الفعل ، فيلزم منه نقص المعنى. أى : يخرجه عن الصيغة التى اشتقّ منها الفعل ؛ ولأن التصغير يقوى جانب الاسمية ، كما تقوى بالإضمار.

فلا يجوز القول : فهيمك الدرس ، أو : ضريبك الطفل أغضبنى.

٤ ـ ألا يكون متبوعا قبل العمل.

أى : ألا يكون المصدر متبوعا قبل تمامه ، أى : إعماله.

فلا يجوز القول : أعجبنى فهمك الواسع الدرس أمس.

يمثّل عدم تقدم نعت المصدر على معموله بعدم تقدم نعت الموصول على صلته.

فإن ورد خلاف ذلك فإنه يقدر فعل بعد النعت يتعلّق به المعمول المتأخر ، من ذلك قول الحطيئة :

أزمعت يأسا مبينا من نوالكم

ولن ترى طاردا للحرّ كاليأس (٢)

حيث ورد فيه (يأسا) مصدر منعوت ، وذكر بعد نعته شبه الجملة (من نوالكم) ، مما يوهم تعلقها بالمصدر المنعوت ، وهذا غير جائز ؛ لذا فإنه يقدر فعل قبلها من المصدر المذكور : ويكون التقدير : يئست من نوالكم.

فإن تقدم معمول المصدر على نعته جاز التركيب ، من ذلك قول الشاعر :

إنّ وجدى بك الشديد أرانى

عاذرا من عهدت فيك عذولا (٣)

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ١٨٩ / شرح ابن يعيش ٦ ـ ٦١ / شرح التسهيل لا بن مالك ٣ ـ ٣ ـ ١٠٨ / حاشية يس على شرح التصريح ٢ ـ ٦٢.

(٢) ديوانه ١٠٧ / شرح التسهيل لابن مالك ٣ ـ ١٠٩ / حاشية يس على شرح التصريح ٢ ـ ٦٣.

(٣) شرح التسهيل ٣ ـ ١٠٩ / العينى ٣ ـ ٣٦٦ / شرح التصريح ٢ ـ ٢٧. ـ الجملة الفعلية (أرانى) فى محل رفع ، خبر إن. (عاذرا) مفعول به ثان لأرى منصوب.

٤٣٨

حيث المصدر (وجد) ، معموله شبه الجملة (بك) ، ونعته (الشديد) ، وتقدم معمول المصدر على نعته ، فجاز ذلك ، ولم يمتنع إعماله.

وحكم بقية التوابع حكم النعت (١) ، فلا يجوز أن تعطف ، أو تؤكد أو تبدل على المصدر العامل قبل إتمام عمله ، فإن تمّ عمله ؛ ونصب مفعوله ؛ فإنه يجوز ذكر التابع.

٥ ـ ألا يكون مؤخرا عن معموله :

لا يتأخر المصدر عن معموله ، سواء أكان مرفوعا أم منصوبا ، أم متعلقا ، كما أنه لا يجوز الفصل بينهما ، ويعلّل لذلك بأن معمول المصدر بمثابة الصلة ؛ لذا منع تقديمه وفصله (٢).

فإذا ذكر ما يدلّ على غير ذلك فإن النحاة يقدرون مصدرا محذوفا لدلالة المذكور عليه ، مقدرا موضعه قبل المعمول المتقدم على المصدر المذكور ، كى يكون العامل فى المعمول المتقدم. أو قبل المعمول المنفصل عن المصدر ؛ ليكون عامله.

ويجعلون من ذلك قوله تعالى : (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) [الطارق : ٨ ، ٩]. حيث الظاهر أن يوما منصوب بالمصدر المذكور رجع ، وقد فصل بينهما بخبر (إن) لقادر ، فيقدرون عاملا محذوفا قبل يوم ، والتقدير : يرجعه يوم تبلى السرائر (٣).

ومن تقدم المعمول قول عمر بن أبى ربيعة :

طال عن آل زينب الإعراض

للتعدّى وما بنا الإبعاض (٤)

الظاهر أن شبه الجملة (آل زينب) متعلقة بالمصدر المتأخر عنها (الإعراض) ، ولا يجيزون ذلك ، فيقدرون مصدرا قبل شبه الجملة يدلّ عليه المصدر المذكور.

والتقدير : طال الإعراض عن آل زينب الإعراض.

__________________

(١) المساعد على التسهيل ٢ ـ ٢٢٩.

(٢) شرح التسهيل ٣ ـ ١١٣.

(٣) فى نصب «يوم» تعليل آخر ، وهو النصب على المفعولية لفعل محذوف. تقديره : اذكر.

(٤) ديوانه ٣١٥ / شرح التسهيل ٣ ـ ١١٤.

٤٣٩

ومنه قول الفند الزمانى :

وبعض الحلم عند الجه

ل للذلّة إذعان (١)

والتقدير : إذعان للذلة إذعان.

٦ ـ ألا يكون محذوفا.

٧ ـ يبقى ـ هنا ـ شرط غالب لإعمال المصدر ، وليس شرطا واجبا فيه (٢) ، وهو أن يصحّ حلول (أن) والفعل ، أو (ما) والفعل ، أو (أن) المخففة مع معموليها محلّه.

وهذا الشرط ليس مطلوبا ـ ألبتّة ـ فى المصدر النائب مناب فعله ؛ لأنه لا يصحّ أن يحلّ محلّه مصدر مؤول.

وعلى هذا لا يكون المصدر المؤكد للفعل والمصدر المبين لهيئته ولعدد مراته عاملة ؛ حيث إنه لا يصح تأويلها بمصدر مؤول.

ومعظمهم يجعل ذلك شرطا لازما (٣). بل إنهم يتحدثون عنه بلا ذكر اتفاق أو اختلاف بينهم ، ولكن ابن مالك يجعله شرطا غالبا ، ويذكر شواهد على إعمال المصدر الصريح دون تقديره بمؤول.

إذن ؛ فى هذا المصدر غير المؤكّد وغير المبيّن للعدد وغير النائب مناب فعله شرط غالب ليس بلازم ، وهو صحة إحلال مصدر مؤول محلّه ، وذلك على النحو الآتى :

 ـ إحلال (أن) والفعل محلّ المصدر العامل :

المصدر الذى يقدر بـ (أن) والفعل يكون زمنه ماضى المعنى ، أو مستقبل المعنى.

من ذلك قول الفرزدق :

فرم بيديك هل نسطيع نقلا

جبالا من تهامة راسيات (٤)

__________________

(١) شرح التسهيل ٣ ـ ١١٤ / شرح الكافية الشافية ٢ ـ ١٠١٩ / المساعد على التسهيل ٢ ـ ٢٣٣.

(٢) شرح التسهيل ٣ ـ ١١١ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٨٥.

(٣) شرح ابن يعيش ٦ ـ ٦٠ / شرح ابن الناظم ٤١٦.

(٤) ديوانه ١ ـ ١٢٨ / شرح التسهيل ٣ ـ ١١٠ / الدرر ٢ ـ ١٢٣.

٤٤٠