النحو العربي - ج ٣

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٣

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٦٠٨

الفاعل (ثانى) من أصل عدده اثنين ، وهو حال من ضمير الغائب المذكر المفعول به فى (أخرجه) ، ليدلّ على أنه صلّى الله عليه وسلّم واحد ضمن اثنين فى الغار. فالعددان من لفظ واحد فيذكّران معا ، أو يؤنثان معا فى العدد (اثنين) ، ويطابق الأول الموصوف فى التذكير والتأنيث ، وهو ما جاء على وزن فاعل ، أما الثانى الذى أضيف إليه فيتبع قواعد العدد فى التذكير والتأنيث. إذن ؛ الأول صفة مطابقة ، والثانى عدد مقيد بأحكام العدد.

ج ـ أن يستعمل اسم الفاعل من عدد ما من الأعداد السابقة سوى العدد اثنين ـ على الوجه الأرجح ـ مع العدد الذى يسبقه مباشرة ليفيد التتميم ، مع ملاحظة أن العدد اسم الفاعل يتفق مع موصوفه فى التذكير والتأنيث ، ما عدا العدد اثنين المضاف إلى اسم الفاعل فإنه يتفق كذلك ، فتقول : خامس أربعة ، سادسة خمس ، وثالثة اثنتين ، وسابع ستة ، وعاشرة تسع. ويمتنع ثانى واحد ، وأجازه بعضهم ، تتطابق الصفة مع المعدود فى التذكير والتأنيث ، ويحكم العدد بأحكامه.

ومنه قوله تعالى : (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) [الكهف : ٢٢](١).

__________________

فاعل. (كفروا) جملة الصلة لا محل لها من الإعراب ، وجملة أخرجه الذين فى محل جر بالإضافة. (ثانى) حال من الضمير فى أخرجه ، منصوبة وعلامة نصبها الفتحة. (اثنين) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الياء ؛ لأنه ملحق بالمثنى (إذ) ظرف زمان مبنى على السكون بدل من (إذ) الأولى. (هما) ضمير مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (فى الغار) جار ومجرور ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر المبتدإ ، أو متعلق بخبر محذوف. والجملة فى محل جر بالإضافة. (إذ) بدل ثان من الأول. (يقول) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : هو ، والجملة الفعلية فى محل جر بالإضافة. (لصاحبه) اللام : حرف جر مبنى لا محل له. صاحب : اسم مجرور بالباء ، وعلامة جره الكسرة ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة ، وشبه الجملة متعلقة بالقول. (لا) حرف نهى مبنى ، لا محل له من الإعراب. (تحزن) فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : أنت. والجملة الفعلية فى محل نصب ، مقول القول. (إن) حرف توكيد ونصب مبنى لا محل له. (الله) لفظ الجلالة اسم إن منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (معنا) جار ومجرور ، وشبه الجملة فى محل رفع خبر إن. وكسرت همزة (إن) ؛ لأنها مسبوقة بتعليل محذوف ، والتقدير : لأن الله معنا.

 (١) (سيقولون) السين : حرف استقبال مبنى ، لا محلّ له من الإعراب ، يقولون : فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. (ثلاثة) خبر لمبتدإ محذوف ،

٣٤١

وقوله تعالى : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا) [المجادلة : ٧].

د ـ يستخدم العدد مع ما هو أدنى منه مباشرة ليؤدى معنى التتميم فى ثلاث صور :

الأولى : صورة التركيب الإضافى ، كما فى : رابع ثلاثة ، وسادسة خمس.

الثانية : صورة التركيب الوصفى ، كما فى الآيتين السابقتين.

الثالثة : صورة تركيب الشبيه بالمضاف ، كأن تفصل بين المضاف والمضاف إليه بالتنوين ، فتقول : هذا رابع ثلاثة ، بتنوين (رابع) ، ونصب (ثلاثة) ، وهى خامسة أربعا ، بتنوين (خامسة) ، ونصب (أربع). والتقدير : هذا جاعل ثلاثة أربعة ، وهذه جاعلة أربعا خمسا ، حيث يمكن القول : ثلّث الاثنين ، وربّعت الثلاث ، وسبّع الثمانية ، وتسّعت الثمانى.

ملحوظة :

أسماء الفاعلين من الأعداد واحد وعشرة وما بينهما لا بدّ لها من أفعال تكون مشتقة منها ، وهى كما يأتى : بفتح العين فى الماضى : ثنيت أثنى ، ثلثت أثلث (بكسر العين) ، ربعت أربع (بفتح العين) ، خمست أخمس (بكسر العين) ، سدست أسدس (بكسر العين) ، سبعت أسبع (بفتح العين) ، ثمنت أثمن (بكسر العين) ، تسعت أتسع (بفتح العين) ، عشرت أعشر (بكسر العين) ، حيث تفتح العين فى الماضى ، وتفتح فى مضارع أربع وسبع وتسع وتكسر فى البواقى.

__________________

تقديره : هم ، والجملة فى محل نصب ، مقول القول. (رابعهم) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائبين مبنى فى محل جر بالإضافة. (كلبهم) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائبين مبنى فى محل جر بالإضافة ، والجملة فى محل رفع ، صفة لثلاثة. (ويقولون خمسة سادسهم كلبهم) إعرابها كإعراب سابقتها. (رجما) مصدر واقع موقع الحال منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. والتقدير : راجمين. أو منصوب على المصدرية لفعل محذوف من لفظه ، والتقدير : يرجمون رجما ، أو : أنه مفعول لأجله. (بالغيب) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالرجم. (ويقولون سبعة) إعرابها كسابقتها. (وثامنهم كلبهم) الواو إما : للعطف ، وإما : استئنافية ، وإما : دلالة على لصوق الصفة بالموصوف ، وإما : واو الثمانية الخاصة بقريش ، ثامنهم كلبهم : جملة اسمية.

٣٤٢

ثانيا : الأعداد المركبة :

يصاغ الصدر من الأعداد المركبة (١١ ـ ١٩) على مثال اسم الفاعل ، فيستعمل مع الأعداد المركبة على النحو الآتى ـ دلاليا وتركيبيا :

أ ـ أن يستعمل العدد المركب بمفرده فى اللفظ ليفيد الاتصاف بمعناه مجردا ، فتذكّر اللفظين مع المذكر ، وتؤنثهما مع المؤنث ؛ لأنهما صفة. فتقول : امتحن الطالب السادس عشر ، والطالبة السادسة عشرة ، أجبت عن السؤال الرابع عشر ، وانتهيت من كتابة الصفحة الثامنة عشرة. وكل من (السادس والسادسة عشرة) صفة لما قبلها مبنية على فتح الجزأين فى محل رفع. (ومحل الرفع تجاوزا لأن الثانى مضاف إلى الأول فى محل جر). أما (الرابع عشر والثامنة عشرة) فكلّ منهما مبنى على فتح الجزأين فى محل جرّ.

ب ـ أن يستعمل على الصورة السابقة من البناء مع أصل العدد الذى اشتقّ منه ليدلّ على أن العدد المركب الأول منحصر فى الثانى أو بعضه ، أى : هو واحد منه ، وذلك مثل : ثالث ثلاثة ، وخامسة خمس ، وهو فى هذه الدلالة يأتى على ثلاث صور من التركيب :

أولاها : وهى الأصل ، أن يؤتى بالعددين المركبين وجزء كلّ منهما مبنىّ ، عدا الجزء الأول من اثنى عشر واثنتى عشرة ، على أن يكون العدد المركب الأول مطابقا للموصوف فى التذكير والتأنيث ، أما العدد المركب الثانى فإنه يخضع لقاعدة التذكير والتأنيث فى الأعداد المركبة ، حيث يختلف الصدر ويتطابق العجز ، مع ملاحظة تطابق العددين المركبين من اثنى عشر. فتقول : إنه ثانى عشر اثنى عشر ، وهى ثانية عشرة اثنتى عشرة ، بإعراب الصدر الأول من العددين ، وبناء الثانى على الفتح ، مع إضافة الثانى إلى الأول. وتقول : هو رابع عشر أربعة عشر ، وهى رابعة عشرة أربع عشرة. ببناء الأجزاء الأربعة على الفتح ، مع إضافة العدد المركب الثانى إلى العدد المركب الأول.

٣٤٣

ومنه : هو حادى عشر أحد عشر ، وهى حادية عشرة إحدى عشرة. (بتوافق جميع أجزاء العددين مع الموصوف فى التذكير والتأنيث ، مع بنائها جميعا على الفتح).

ثانيتها : الاقتصار على صدر المركب الأول الذى هو على مثال فاعل ، ويكون معربا لأنه ليس مركبا ، ويضاف إليه العدد المركب الثانى الذى هو أصل المشتق ، ويكون مبنيّا على فتح الجزأين. فتقول : هو حادى أحد عشر ، وهى ثانية اثنتى عشرة ، إنه ثانى اثنى عشر ، وهى ثانية اثنتى عشرة ، وهو رابع أربعة عشر ، وهى رابعة أربع عشرة. وذلك بإعراب الصدر المذكور أولا المحذوف عجزه ، وبناء جزأى العدد المركب الثانى على الفتح ، عدا الجزء الأول من اثنى عشر ، فإنه يكون معربا. وأعتقد أن هذا التركيب أكثر قياسا وملاءمة للأحكام النحوية مع عدم إخلاله بالجانب المعنوى ؛ إذ إن العدد المركب الثانى يغنى عن العجز المحذوف من الأول.

ثالثتها : الاقتصار على العدد المركب الأول مع بناء الجزأين ، أو إعرابهما ، مثل :

حادى عشر ، وحادية عشرة (١). فتقول : إنه رابع عشر ، وهى رابعة عشرة ، فالبناء إن اعتقدت الاقتصار على العدد الأول ، والإعراب إن اعتقدت أنك أخذت من العدد الأول صدره ، ومن العدد الثانى عجزه.

ج ـ أن يستعمل مع ما دونه مباشرة ليفيد معنى التتميم ، فتقول : هو ثانى عشر أحد عشر ، وهى ثانية عشر إحدى عشرة ، وهو تاسع عشر ثمانية عشر ، وهى سادسة عشرة خمس عشرة. وهذه الدلالة لهذا التركيب لا يجيزها بعض النحاة ، بل يمنعونها.

ثالثا : ألفاظ العقود :

تصاغ الأعداد (١ ـ ١٠) ـ واحد وعشرة وما بينهما ـ على مثال (فاعل) ، لتستعمل مع ألفاظ العقود ، فتتقدمها وتعطف عليها العقد ، وتؤدى :

__________________

(١) ينظر : شرح ابن الناظم ٧٣٦ ، ٧٣٧.

٣٤٤

أ ـ دلالة الاتصاف بها ، نحو : عولج المريض الحادى والعشرون ، وينتظر المريض الثانى والعشرون ، فكلّ من (الحادى والثانى) صفة لـ (المريض) مرفوعة ، وعلامة رفعها الضمة المقدرة ، وعطف على كلّ منهما بالواو لفظ العقد (العشرون). كما تقول : أصبنا الهدف فى الدقيقة السادسة والثلاثين ، وخرجت من الملعب الدقيقة السابعة والستين.

ب ـ انحصار العدد فى المذكور ، وأنه ضمنه ، نحو : هو رابع وخمسون أربعة وخمسين ، وهى تاسعة وعشرون تسعا وعشرين.

ج ـ التتميم بذكر ما دونه مباشرة ، نحو القول : هو ثالث وأربعون اثنين وأربعين ، وهى ثامنة وسبعون سبعا وسبعين ، وهو خامس وستون أربعة وستين.

* وأرى أن التركيبين السابقين لا بدّ فيهما من الإعمال بالنصب ؛ لأنّ الصفة يجب أن تنون فيهما ، كما أنه يعطف عليها بالعقد المذكور أولا ، وهذان مانعان من الإضافة ، لذا فإنه يجب نصب العدد الثانى نيّفه وعقده.

* ويجوز القول فى المعنيين السابقين : هذا رابع ثلاثة وأربعين ، (بالإضافة) ، ورابع ثلاثة (بتنوين رابع ، ونصب ثلاثة). كما تقول : هى سادسة خمس وسبعين ، وسادسة خمسا وسبعين ، بالإضافة فى أولهما ، وبإعمال النصب فى ثانيهما).

وجازت الإضافة هنا لأنه جاز حذف التنوين من الأول ، ولا فاصل بينه وبين النيف الثانى وعقده بحذف العقد الأول ، فجاز إضافة النيف إلى النيف ، وعطف العقد الثانى على نيفه.

تعريف العدد :

يعرّف العدد بالأداة (أل) ، فتتبع الأحكام البنائية الآتية :

العددان (١ ، ٢) ، واحد واثنان :

يسرى عليهما فى تعريفهما ما يسرى على النعت ، فتدخل عليهما (ال) تبعا لتعريف المنعوت. فتقول : هذا الجزء الأول ، وقرأت السطر الثانى من الصفحة الأولى ، وأجبت عن الثانى من الأسئلة.

٣٤٥

العدد المضاف :

ذكرنا أن الأعداد المضافة هى ما دون الأحد عشر ، سوى الواحد والاثنين ، وما بعد التسع والتسعين ، وإذا أردنا تعريف العدد المضاف فإننا ندخل أداة التعريف على الجزء الثانى من الإضافة (التمييز) ، حيث لو دخلت على الجزء الأول منها لامتنعت الإضافة (١). فتقول : لبست ثلاثة الأثواب ، وكافأت خمسة الطلاب ، فهمت سبع الفتيات ، أغلقت أربع النوافذ ، ويجوز عند بعض النحاة ـ وهم الكوفيون ـ أن يعرف الجزءان معا ، فيقال : اشتريت الأربعة الكتب المطلوبة ، وتسلمت الخمس الكراسات.

العدد المركب :

العدد المركب بمثابة الاسم الواحد ، والاسم الواحد لا يعرّف من مكانين ، لذا فإن أداة التعريف تدخل على الجزء الأول منه دون الثانى ، فلا تدخل على الجزأين معا ، كما لا تدخل على الجزء الثانى بخاصة ؛ لأن التعريف لا يدخل حشو الكلمة. فتقول : أغلق الأربعة عشر بابا ، والسبع عشرة نافذة. فأنت ترى دخول (أل) على الجزء الأول من العددين (الأربعة ـ والسبع). وتقول : حضر الثمانية عشر مدعوا ، والثلاث عشرة مدعوّة ، ذكرت آراء الثلاثة عشر عالما ، وفسّرت معانى الخمس عشرة كلمة ، شذّب البستانىّ الإحدى عشرة شجرة ، والاثنتى عشرة نخلة.

العددان المتعاطفان :

المعطوف والمعطوف عليه يستقلّ كل واحد منهما بنفسه ، وكأنهما جملتان مستقلتان ؛ لذا فإن أداة التعريف تدخل على كلّ من العددين المتعاطفين.

فتقول : كوفئ الخمسة والأربعون طالبا ، والستّ والثلاثون طالبة. فأنت ترى دخول أداة التعريف على جزأى العدد المتعاطفين.

وتقول : استوعبت الاثنين والعشرين موضوعا ، والإحدى والثلاثين فكرة.

__________________

(١) يمتنع دخول (ال) فى الجزء الأول من الإضافة (المضاف) إلا فى خمسة مواضع ، يشترط فى كلّ منها شرطان ، أحدهما عام فى المواضع الخمسة ، وهو أن يكون الجزء الأول صفة مشتقة عاملة فيما بعدها ، والآخر واحد من : أن يكون الجزء الأول مثنى ، أو جمع مذكر سالما ، أو أن يكون الجزء الثانى معرفا بالأداة ، أو مضافا إلى معرف بها ، أو مضافا إلى ضمير يعود على اسم سابق.

٣٤٦

حذف التمييز

أولا : يجوز أن يحذف تمييز العدد أو يستغنى عنه فى حالتين :

أولاهما : الحذف لقصد الإبهام :

يجوز أن يحذف التمييز إذا قصد الإبهام ، أو كان فى الكلام ما يدل عليه ، كالبدل فى قوله تعالى : (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) [الكهف : ٢٥](١). بالتنوين فى (ثلاثمائة) ، إذ التقدير : ثلاثمائة وقت أو زمان ، حذف التمييز المضاف إلى ما قبله ، وهو : (وقت ، أو زمان) ، وأبدل منه (سنين).

ومنه قوله تعالى : (وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً) [الأعراف : ١٦٠]. إذ التقدير : اثنتى عشرة فرقة أسباطا ، فحذف التمييز (فرقة) ، وأبقى البدل منه (أسباطا).

إذا حذف التمييز وكان مقصودا فالأفصح أن يكون العدد كما لو كان التمييز مذكورا ، فتقول : صمت ستة ، وأنت تقصد أياما ؛ كما تقول : سريت أربعا ، تريد :(ليالى).

ملحوظة :

أ ـ لذاك فإنه إذا حذف تمييز العدد ـ وكان العدد دالّا على التذكير ـ فإنه يجوز أن تذكر التاء الدالة على التأنيث فى العدد ، ويجوز ألا تذكر. فتقول : مكثت عشرا ، وأنت تعنى (ليالى). فإذا أردت بها الأيام فإنه يجوز ألا تذكر التاء. ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم : «من صام رمضان وأتبعه ستّا من شوّال كان كصيام الدهر» (٢). حيث يكون

__________________

(١) (لبثوا) فعل ماض مبنى على الضم ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع فاعل. (فى كهفهم) جار ومجرور ومضاف إلى المجرور مبنى ، وشبه الجملة متعلقة باللبث. (ثلاثمائة) ثلاث منصوب وعلامة نصبه الفتحة. مائة : مضاف إلى ثلاث مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (سنين) بدل من ثلاثمائة ، أو عطف بيان له منصوب ، وعلامة نصبه الياء ؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. (وازدادوا) الواو : ابتدائية. ازدادوا : فعل ماض مبنى على الضم ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. (تسع) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

(٢) رواه الجماعة إلا البخارى والنسائى ومسلم ، باب الصيام ، وفى سنن أبى داود (الصوم) ، وفى مسند ابن حنبل : ٣ ـ ٣٠٨ ، ٣٢٤ ، ٣٤٤ / ٥ ـ ٤١٧ ، ٤١٩. وهو مختلف فى بعض ألفاظه.

٣٤٧

الصوم فى اليوم وليس فى الليل ، والعدد مع اليوم يؤنّث ، لكنه لمّا حذف التمييز المذكر جاز أن يذكر العدد بلا تاء ، ويمكن أن يكون منه قوله تعالى : (يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً) [طه : ١٠٣]. أى : عشرة أيام ، ويجوز أن يكون المقصود بها عشر ليال ، فتكون كما لو ذكر التمييز ، ولكن ما يؤيد كون التمييز يوما هو ما ذكر فى الآية التى تليها من قوله تعالى : (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) [طه : ١٠٥].

ب ـ إذا قصد مجرد العدد فى التركيب فإنه يستعمل بالتاء مطلقا ، فتقول : ستة نصفها ثلاثة ، وفى صرفها ومنعها من الصرف خلاف بين النحاة ، لكن الأكثر شيوعا منعها ـ حينئذ ـ من الصرف ، لعلميتها وتأنيثها.

ثانيتهما : الاستغناء عن التمييز للإضافة إلى مستحق المعدود :

إذا أضيف العدد إلى مستحقّ المعدود أو مالكه فإنه يجوز أن يستغنى عن المعدود (التمييز) (١). فإذا قلت : هذه عشرون ناقة لزيد ، تقول فى حال إضافة العدد إلى مستحقّ المعدود ؛ هذه عشرو زيد ، فتستغنى عن التمييز ، وتفعل ذلك فى الأعداد المركبة إلا اثنى عشر ، فتقول : هذه ستة عشرك ، وأحد عشره ، أخذت ثلاثة عشرى ، وأربع عشرتك ، أعجبت بسبعة عشرك ، وثمانى عشرته. ولا يكون ذلك فى (اثنى عشر) ؛ لأن عشرا منها بمثابة نون اثنين ، فلا تجتمع مع الإضافة ولا تحذف ليقال : (اثناك) حتى لا تلتبس بإضافة اثنين بلا تركيب.

وللنحاة فى نطق العدد ـ حينئذ ـ ثلاثة آراء :

أولها : ما يذهب إليه البصريّون وجمهور النحاة من أنه فى حالة إضافة العدد المركب فإن الجزأين يبنيان.

ثانيها : ما يراه الكوفيون من إعراب الصدر وجرّ العجز بالإضافة. فيقولون :هذه خمسة عشرك ، (برفع خمسة على الخبرية ، وجر عشر على الإضافة).

ويقولون : أعطيتك أربع عشرتك (بنصب أربع وجر عشرة) ، وأعجبت بسبعة عشرك (بجر سبعة وعشر).

__________________

(١) شرح ابن الناظم ٧٣٤.

٣٤٨

ثالثها : إضافة الجزء الثانى إلى الجزء الأول مع بناء الأول ، وهى لغة رديئة (١).

ثانيا : حذف المعدود والتذكير والتأنيث :

إذا حذف المعدود فإنه يجب أن يراعى تذكيره أو تأنيثه فى الأعداد ثلاثة وعشرة وما بينهما ، وتجرى القواعد السابقة على العدد. ولنلحظ :

قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) [النور :٤٥] ، حيث حذف المعدود المؤنث (أرجل) ، فذكر العدد (أربع).

(وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) [النساء : ١٧١](٢). أى : ثلاثة آلهة ، جمع (إلاه) ، فلما حذف المعدود المذكر أنث العدد (ثلاثة).

(عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) [المدثر : ٣٠](٣). أى : تسعة عشر ملكا.

(فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ) [القصص : ٢٧]. أى : عشر حجج ، جمع :حجة ، لذلك ذكر العدد (عشر).

(وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ) [القصص : ٢٧]. أى : بعشر ليال ، جمع ليلة ، فذكر العدد.

(سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) [الكهف : ٢٣](٤).

__________________

(١) شرح ابن الناظم ٧٣٤.

(٢) (ثلاثة) خبر لمبتدإ مضمر ، والجملة الاسمية فى محل نصب ، مقول القول. والتقدير : ولا تقولوا آلهتنا ثلاثة ، أو : الأقانيم ثلاثة ، أو : المعبود ثلاثة ، أو : الله ثالث ثلاثة. (خيرا) منصوب على المفعولية ، والتقدير : وأتوا خيرا ، أو على أنه نائب عن المفعول المطلق ، والتقدير : آمنوا إيمانا خيرا لكم.

(٣) (تسعة عشر) مبتدأ مؤخر مبنى على فتح الجزأين ، فى محل رفع.

(٤) كل من (ثلاثة ، وخمسة ، وسبعة) خبر لمبتدإ محذوف ، تقديره : هم. وكل جملة اسمية فى محل نصب مقول القول السابق لها. (رجما) منصوب لأنه مفعول لأجله ، أو لأنه مصدر واقع موقع الحال ، والتقدير : راجمين ، أو لأنه مفعول مطلق لفعل محذوف من لفظه.

٣٤٩

ثالثا : حذف التمييز وموافقة تابعه مع العدد :

يلاحظ أنه إذا حذف تمييز العدد ، وحلّ محلّه تابعه ، فإنه يتوافق مع العدد المذكور عدديا ، وفى التذكير والتأنيث ، يمكن أن تلحظ ذلك فيما يأتى :

قوله تعالى : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) [الأنفال : ٦٥]. إذ التقدير : عشرون مقاتلا أو مؤمنا صابرا ، فلما حذف التمييز ، وحلّت صفته للعدد ، اتفقت مع العدد فى الجمع (صابرون). والمطابقة فى التذكير ملحوظة قبل الحذف وبعده.

أما قوله تعالى : (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) [الأنفال : ٦٦] ، فالأصل : مائة مقاتل صابر ، فلما حذف التمييز وأقيمت صفته صفة للعدد ، تطابقت مع العدد فى التأنيث ، أما العدد فإنه دلّ على الوحدة ، حيث يكون مائة المقاتل وحدة واحدة.

وتلحظ ذلك فى :

قوله تعالى : (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ) [آل عمران : ١٢٤].

(فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) [الأنفال : ٩].

(يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) [آل عمران : ١٢٥].

(يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ) [يوسف : ٤٣ ، ٤٦].

(وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً) [النبأ : ١٢].

كما نلحظ ذلك فى آيتى الكهف (٢٥) ، والأعراف (٦٠) ، المذكورتين فى الصفحات السابقة ، حيث أبدل (سنين) من وقت أو زمان لتتلاءم مع العدد ثلاثمائة ، وأبدل (أسباطا) من (فرقة) لتتلاءم عدديا مع اثنتى عشرة.

* * * *

٣٥٠

القسم الثانى : ما يكنى به عن العدد كم

 ـ (كم) اسم لأنها قد تقع مبتدأ ، ومفعولا به ، ومجرورة بالإضافة ، فتقول :كم رجل عندك؟. وتضاف إلى غيرها ، فتقول : صاحب كم كتاب من هذه الكتب؟ ، كما يدخل عليها حرف الجر ، فيجوز القول : بكم ...؟ ، وإلى كم ...؟ وعلى كم ...؟ ، كما أنها يبدل منها الاسم ، فتقول : كم معك؟ ، أعشرون أم ثلاثون؟.

 ـ وهى اسم لعدد مجهول المقدار والجنس ، ولذا كان لا بد لها من تمييز كالعدد ، وقد يحذف للعلم به من السياق ، فيقال : كم سرت؟.

 ـ تأتى (كم) فى الجملة العربية على نوعين : استفهامية ، وخبرية ، وهى فى كلا النوعين كناية عن العدد.

(كم) الاستفهامية :

تأتى (كم) استفهامية دالة على عدد مسئول عنه ، تكون الإجابة عنه بذكر العدد ، فهى كناية عن عدد مبهم الجنس والمقدار. فمعناها : (أى عدد؟).

خصائصها فى التركيب :

 ـ لها الصدر فى الجملة.

 ـ تحتاج إلى جواب.

 ـ يكون تمييزها مفردا لا غير منصوبا.

 ـ يكون تمييزها نكرة.

 ـ إن سبقت بحرف الجرّ جاز فى مميّزها النصب والجرّ.

 ـ قد يفصل بينها وبين مميزها بشبه الجملة ، ظرفا أو جارا ومجرورا.

٣٥١

 ـ المبدل منها يقرن بهمزة الاستفهام ، ولا بد من العطف عليه باستخدام (أم) المعادلة.

فتقول : كم جنيها أنفقت اليوم؟. تلحظ أن تمييز (كم) الاستفهامية (جنيها) مفرد منصوب ، أما (كم) فهى اسم استفهام مبنى فى محل نصب مفعول به ، وإن جعلتها فى محل رفع ، مبتدأ فإنك تقدر ضميرا محذوفا فى (أنفقت) يعود عليها ، ويكون خبرها جملة (أنفقت). وتلزم الإجابة عن هذا السؤال ، فتقول : أنفقت خمسة وعشرين جنيها.

وتقول بعد دخول حرف الجرّ عليها : بكم جنيه اشتريت هذا الكتاب؟ وبكم جنيها اشتريته؟ ، حيث يجوز نصب تمييز (كم) الاستفهامية وجرّها ، والنصب على التمييز ، أما الجرّ فإنه على تقدير (من) الجارة محذوفة ، أو بتقدير الإضافة إلى (كم) ، وهو رأى مرجوح ومردود عليه.

وتقول : كم عندك كتابا؟ وكم لك أخا؟ ، فتفصل بين (كم) الاستفهامية مميّزها (كتابا ، وأخا) بشبه الجملة الظرف (عندك) ، والجار والمجرور (لك) ، فإذا قلت : كم لك غلمانا؟ فإنك تقدر التمييز محذوفا ؛ لأن تمييز (كم) الاستفهامية لا يكون جمعا. والتقدير : كم ولدا لك غلمانا؟ أو : كم نفسا ...؟ وتكون (كم) استفهامية مبنية فى محل رفع ، مبتدأ ، تمييزه محذوف ، وخبره شبه الجملة (لك) ، و (غلمانا) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة ، والعامل فى الحال ما استقر فى شبه الجملة من محذوف.

وتقول : كم كتابا معك اليوم؟ أثلاثة أم أربعة؟ ، حيث (كم) الاستفهامية اسم مبنى فى محل رفع ، مبتدأ ، خبره شبه الجملة (معك). أبدل منه (ثلاثة) فكان بدلا مرفوعا ، وعلامة رفعه الضمة ، فقرن بهمزة الاستفهام ، ولا بد ـ تركيبيّا من العطف عليه باستخدام حرف العطف (أم) المعادلة ، فأربعة معطوف على (ثلاثة) مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

٣٥٢

حذف تمييز (كم) الاستفهامية :

يجوز أن يحذف تمييز (كم) الاستفهامية لدليل عليه (١) ، كما جاز أن يحذف مع العدد ، ويقدر تبعا للسياق الذى ذكرت فيه (كم) ، فتقول : كم مالك؟ أى : كم جنيها مالك؟ وتكون (كم) فى محل رفع ، خبر مقدم ، والمبتدأ مال ، أو فى محل رفع مبتدأ ، خبره مال.

كم أبناؤك؟ أى : كم ابنا؟ أو : نفسا ، أو شخصا ... وإعراب (كم) مثل سابقتها.

كم زرتنى؟ أى : كم مرة ...؟ كم وقتا؟ كم زورة؟ وتكون (كم) فى محلّ نصب على الظرفية أو على المصدرية.

كم أنت ماكث؟ أى : كم يوما ، أو شهرا ...؟ ، وتكون (كم) فى محل نصب على الظرفية.

كم جاءك محمد؟ أى : كم مرة ، أو : كم جيئة ، وتكون (كم) فى محل نصب على الظرفية ، أو : المصدرية.

ومن حذف تمييز (كم) الاستفهامية لدلالة الجواب عليه قوله تعالى : (كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) [البقرة : ٢٥٩] ، وقوله تعالى : (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) [الكهف : ١٩].

(كم) الخبرية :

تأتى (كم) فى الجملة العربية خبرية ، فتكون لها الخصائص التركيبية الآتية :

 ـ لها الصدر فى الكلام أو الجملة (٢).

__________________

(١) ينظر : شرح المفصل ٤ ـ ١٢٨.

(٢) لها الصدارة فى الكلام لسببين :

أولهما : مضارعتها لكم الاستفهامية.

والآخر : أنها نقيضة (رب) ؛ لأنها تفيد التكثير ، و (رب) تفيد التقليل ، فحمل النقيض على نقيضه.

٣٥٣

 ـ لا تحتاج إلى جواب ، وإنما يؤتى بها للدلالة على الكثرة.

 ـ تمييزها يكون نكرة.

 ـ تمييزها يكون مجرورا دائما ، إما بالإضافة إليها ، وإما بمن الجارة ، ويكون مفردا أو مجموعا. وبنو تميم قد يجرون (كم) الخبرية مجرى (كم) الاستفهامية ، فينصبون مميّزها.

 ـ لأنها اسم موضوع للكثرة ، يجوز أن يعود الضمير إليه مرة على اللفظ فيفرد ، وأخرى على المعنى فيجمع.

 ـ إذا فصل بين (كم) الخبرية وبين تمييزها فإن التمييز ينصب.

 ـ يجوز أن يحذف تمييزها لدليل عليه.

فتقول : كم صديق زارنى. وكم من صديق زارنى ، كم أصدقاء زارونى ، وكم من أصدقاء زارونى. ولتلحظ أن (كم) فى هذه الأمثلة خبرية تفيد الكثرة ، فتقدير المفهوم : كثير من الأصدقاء زارونى ، ولها الصدارة فى الجملة. ولتلحظ أن تمييز (كم) ورد مفردا مرة ، ومجموعا أخرى ، مجرورا بالإضافة مرة ، ومجرورا بحرف الجرّ (من) مرة أخرى.

وقد ورد تمييزها جمعا مجرورا فى قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) [النجم : ٢٦](١).

__________________

(١) (كم) خبرية تفيد الكثرة اسم مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (من ملك) جار ومجرور ، وهو تمييز كم. (فى السموات) جار ومجرور ، وشبه الجملة فى محل جر ، صفة لملك. (والأرض) الواو : حرف عطف مبنى ، الأرض : معطوف على السموات مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (لا) حرف نفى مبنى ، لا محل له. (تغنى) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة. (شفاعتهم) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائبين مبنى فى محل جر بالإضافة. والجملة الفعلية فى محل رفع خبر كم. (شيئا) نائب عن المفعول المطلق منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، والتقدير : شيئا من الإغناء. (إلا) حرف استثناء مبنى لا محل له. (من بعد) من : حرف جر مبنى لا محل له. بعد : اسم مجرور بمن ، وعلامة جره الكسرة. وشبه الجملة متعلقة بالإغناء. (أن) حرف مصدرى ونصب مبنى لا محل له. (يأذن) فعل مضارع منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (الله) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والمصدر المؤول فى محل جر بالإضافة إليه. (لمن) اللام : حرف جر مبنى ، من :

٣٥٤

حيث الضمير فى (شفاعتهم) دالّ على الجمع إما باعتبار لفظ (ملك) جمعا ، وإما باعتبار (كم) ، فهى دالة على الكثرة. وقرئت (شفاعته) بالإفراد اعتبارا للفظى (كم وملك) مفردين ، وقرئت (شفاعاتهم) اعتبارا للجمع. و (كم) فى الآية الكريمة اسم دال على الكثرة مبنى فى محل رفع ، مبتدأ ، وخبره الجملة الفعلية : (لا تغنى شفاعتهم).

أما قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) [الأعراف : ٤]. ففيه ورد الضمير العائد على تمييز (كم) مرة بالإفراد فى (أهلكناها ، فجاءها) ، وأخرى بالجمع فى : (هم قائلون). و (كم) اسم يفيد الكثرة مبنى فى محلّ رفع مبتدأ (١) ، خبره الجملة الفعلية (أهلكناها) ، وتمييزه المجرور (قرية).

الفصل بين (كم) الخبرية وبين مميزها :

لا يفصل بين (كم) الخبرية وبين مميزها إلا ضرورة. وقد ذكرنا أنه يجوز الفصل بينهما بشبه الجملة ـ ظرفا أو جارا ومجرورا ، لكنه يختار ـ حينئذ ـ نصب المميّز ، فتقول : (كم فى الدار رجلا) ، وأنت تقصد الكثرة ، لتكون (كم) خبرية ، فتنصب تمييزها ، لأنك قد فصلت بينها وبين تمييزها ، ويقبح الفصل بين المضاف والمضاف إليه ؛ لأنهما بمثابة الكلمة الواحدة ، فلما كان الفصل بينهما عدلوا إلى لغة من ينصب تمييز (كم) الخبرية ، وهم بنو تميم. من ذلك قول زهير يمتدح سنانا :

__________________

اسم موصول مبنى فى محل جر باللام ، وشبه الجملة متعلقة بالإذن. (يشاء) فعل وفاعل مستتر ، والجملة صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب. (ويرضى) حرف عطف ، وجملة فعلية معطوفة على جملة يشاء لا محل لها.

 (١) قد تعرب (كم) مبنية فى محل نصب مفعول به على الاشتغال ، والتقدير : وكم من قرية أهلكنا أهلكناها ، فيقدر الفعل بعدها ، حيث لها الصدارة ، ويفسر بالفعل المذكور. (بأس) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (بياتا) مصدر واقع موقع الحال منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، والتقدير : بائتين. (أو) حرف عطف مبنى لا محل له. (هم قائلون) جملة اسمية فى محل نصب بالعطف على (بيات).

٣٥٥

تؤمّ سنانا وكم دونه

من الأرض محدودبا غارها (١)

حيث فصل الشاعر بين (كم) الخبرية تمييزها (محدودبا) بالفاصل الظرف (دونه) ، والجار والمجرور (من الأرض) ، فنصب التمييز ، وكان حقّه الخفض.

فالأصل : كم محدودب ...

فإذا كان الفصل بين (كم) الخبرية وبين تمييزها بالجملة وجب النصب ، كما فى قول القطامى :

كم نالنى منهم فضلا على عدم

إذ لا أكاد من الإقتار أجتمل (٢)

__________________

(١) الكتاب ٢ ـ ١٦٥ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٣٢٣ / المحتسب ١ ـ ١٣٨ / شرح ابن يعيش ٤ ـ ١٢٩ ، ١٣١ / ابن الناظم ٧٤٣.

غار : الغائر من الأرض المطمئن.

(تؤم) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره (هى) يعود على الناقة.

(سنانا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (وكم) الواو : للحال أو للابتداء ، كم : خبرية اسم مبنى يدل على الكثرة في محل رفع ، مبتدأ. (دونه) ظرف مكان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة ، وشبه الجملة فى محل رفع خبر (كم) ، أو متعلقة بخبر محذوف. (من الأرض) جار ومجرور ، وشبه الجملة فى محل نصب ، حال من محدوب.

(محدودبا) تمييز كم منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (غارها) فاعل محدودب مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائبة مبنى فى محل جر بالإضافة.

(٢) الكتاب ٢ ـ ١٦٥ / المقتضب ٣ ـ ٦٠ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٣٢٣ / شرح المفصل لابن يعيش ٤ ـ ١٣١ / الصبان على الأشمونى على الألفية ٤ ـ ٨٢. أجتمل : اجتمال الشحم إذابته ، الإقتار : الفقر والعدم. (كم) خبرية اسم مبنى على السكون فى محل رفع ، مبتدأ. (نالنى) فعل ماض مبنى على الفتح ، فاعله ضمير مستتر تقديره : هو يعود على التمييز (فضل) ، والنون للوقاية حرف مبنى لا محل له من الإعراب ، وضمير المتكلم مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، والجملة فى محل رفع خبر كم. (منهم) جار ومجرور وشبه الجملة متعلقة بنال. (فضلا) تمييز كم منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (على عدم) جار ومجرور ، وشبه الجملة فى محل نصب ، حال من ضمير المتكلم. (إذ) ظرف زمان مبنى على السكون فى محل نصب. (لا) حرف نفى مبنى ، لا محل له من الإعراب. (أكاد) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، واسمه ضمير مستتر تقديره : أنا. (من الإقتار) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بأجتمل. (اجتمل) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنا ، والجملة الفعلية فى محل نصب ، خبر أكاد. وجملة (أكاد) فى محل جر بالإضافة.

٣٥٦

وفيه (كم) خبرية فصل بينها وبين مميزها (فضلا) بالجملة الفعلية (نالنى) ، وشبه الجملة (منهم) ، فنصب التمييز بدلا من جرّه ، إذ يقبح الفصل بين المضاف والمضاف إليه. والأصل : كم فضل نالنى منهم.

وقد يجر تمييز (كم) الخبرية مع الفصل بينهما. كما فى قول الفرزدق :

كم فى بنى سعد بن بكر سيد

ضخم الدسيعة ماجد نفّاع (١)

حيث فصل بين (كم) الخبرية وبين تمييزها المجرور (سيد) بشبه الجملة (فى بنى سعد بن بكر) ، وتلحظ جرّ التمييز.

كما جرّ التمييز كذلك فى قول أنس بن زنيم :

كم بجود مقرف نال العلا

وكريم بخله قد وضعه (٢)

(مقرف) تمييز مجرور لـ (كم) الخبرية ، وقد فصل بينهما بشبه الجملة (بجود).

ملحوظة :

قول الفرزدق يهجو جريرا :

كم عمة لك يا جرير وخالة

فدعاء قد حلبت علىّ عشارى (٣)

__________________

(١) ضخم الدسيعة : عظيم العطية ، نفاع : عظيم النفع.

(٢) الكتاب ٢ ـ ١٦٧ / المقتضب ٣ ـ ٦٢ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٣٢٤ / شرح ابن يعيش ٤ ـ ١٣٢ / المقرب ٦٨ / شرح ابن الناظم ٤٧٤. المقرف : النذل اللئيم الأب. (كم) اسم مبنى للكثرة فى محل رفع ، مبتدأ. (بجود) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالنوال. (مقرف) تمييز كم مجرور بالإضافة ، وعلامة جره الكسرة. (نال) فعل ماض مبنى على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو ، والجملة الفعلية فى محل رفع خبر المبتدإ كم. (العلا) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، الواو : حرف عطف مبنى لا محل له إعرابيا. (كريم) تمييز لكم المقدرة مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (بخله) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة. (قد) حرف تحقيق مبنى لا محل له إعرابيا. (وضعه) فعل ماض مبنى على الفتح ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : هو ، وضمير الغائب مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدإ ، والجملة الاسمية (بخله قد وضعه) فى محل رفع ، خبر المبتدإ (كم).

(٣) الكتاب ٢ ـ ٧٢ ، ١٦٢ ، ١٦٦ / المقتضب ٣ ـ ٥٨ / شرح ابن يعيش ٤ ـ ١٣٣ / المقرب ٦٨ / شرح ابن الناظم ٧٤١ / شرح التصريح ٢ ـ ٢٨٠ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٣٢٢. فدعاء : اعوجت أصابعها من كثرة الحلب ، عشار : جمع عشر ، أو الناقة التى أتت عليها عشرة أشهر من زمان حلبها ، واحدتها عشراء.

٣٥٧

قد ينشد بجرّ (عمة) ، وبنصبها ، وبرفعها :

 ـ فالجرّ على اللغة المشهورة ، على أن (كم) خبرية تفيد الكثرة ، و (عمة) تمييزها مجرور بالإضافة ، وتكون (كم) مبتدأ ، خبره الجملة الفعلية (قد حلبت).

 ـ والنصب على أن (كم) خبرية أيضا ، لكنها نصبت التمييز على لغة بنى تميم ، وتكون (كم) فى محل رفع ، مبتدأ ، خبره الجملة الفعلية (قد حلبت).

 ـ والرفع على أن (عمة) مبتدأ موصوف بشبه الجملة (لك) ، أما (كم) فإنها تكون مبنية فى محل نصب على المصدرية ، والتقدير : كم مرة ، أو : كم حلبة ، وقد تكون فى محلّ نصب على الظرفية ، ويكون التقدير : كم يوما ، أو : كم شهرا ، أو غير ذلك.

ومثله قول الشاعر السابق :

كم بجود مقرف نال العلا

وكريم بخله قد وضعه

حيث يجوز فى (مقرف) الجرّ والنصب والرفع :

 ـ الجرّ على أنه تمييز لكم ، والفصل بينه وبين كم بشبه الجملة ضرورة ، وتكون (كم) مبتدأ ، خبره (نال العلا).

 ـ النصب على أنه تمييز لكم الخبرية ، ونصب للفصل بينه وبين كم ، والفصل قبيح بين المتضايفين ، وتكون (كم) مبتدأ ، خبره الجملة (نال العلا).

 ـ الرفع على أنه مبتدأ ، خبره (نال العلا) ، وتكون (كم) ظرفية متعلقة بنال. أو فى محل نصب على المصدرية. أو يكون (مقرف) مبتدأ خبره (كم). أو يكون (كم) مبتدأ خبره (مقرف).

حذف تمييز (كم) الخبرية :

ذكرنا أن تمييز (كم) الخبرية يكون مجرورا بالإضافة إليها ، ويقبح حذف جزء الإضافة وإبقاء الجزء الآخر ، لكن النحاة قد ذكروا حذف تمييز (كم) الخبرية (١) ، فإذا

__________________

(١) ينظر : المقتصد فى شرح الإيضاح ٢ ـ ٧٥٠ / شرح المفصل لابن يعيش ٤ ـ ١٢٩.

٣٥٨

قلت : كم جاءك فلان. فإن تمييز (كم) محذوف ، فإذا احتسبتها استفهامية فإن التمييز المقدر يكون منصوبا ـ كما ذكرنا سابقا ـ وإذا احتسبتها خبرية فإن التمييز المقدر يكون مجرورا ، ويكون التقدير : كم مرة ، أو : كم جيئة ، بجر (مرة وجيئة) ، وتكون (كم) فى محل نصب على الظرفية ، أو على المصدرية ، ويجوز أن تقدر المحذوف (يوما ، أو يوم). ومنه ما ذكرناه ـ سابقا ـ فى تقدير وجه الرفع فى قول الفرزدق (كم عمة) ، وفى قول الشاعر (كم بجود مقرف).

ملحوظة :

تعامل (غير ومثل) مضافين معاملة التمييز النكرة ؛ لأنهما اسمان موغلان فى الإبهام والتنكير ، فلا تكسبهما الإضافة تعريفا ، فتقول (١) : كم غيره لك؟ وكم مثله اشتريت؟ ، فتنصب (غير ومثل) على أنهما تمييزان لـ (كم) الاستفهامية ، وتكون (كم) فى المثال الأول اسما مبنيا فى محل رفع ، مبتدأ ، خبره شبه الجملة لك ، وتكون فى المثال الآخر مفعولا به فى محل نصب ، أو فى محلّ رفع ، مبتدأ ، خبره الجملة الفعلية (اشتريت) ، والرابط محذوف ، والتقدير : اشتريته.

ومثل (غير ومثل) فى ذلك (خير) ، فتقول : كم خيرا منه لك؟ فتنصب (خيرا) على التمييز ، لأنه نكرة.

وأرى أنه يجوز أن تجر (غير ومثل وخير) فى الأمثلة السابقة لتجعل (كم) خبرية ، وتأخذ الجملة أحكامها.

إعراب (كم):

إذا أردت إعراب (كم) الاستفهامية و (كم) الخبرية فى موقعهما الإعرابى ، فما عليك إلا أن تجعل همزة الاستفهام موضع (كم) الاستفهامية ، ويكون موقع تمييزها بعد همزة الاستفهام هو موقع (كم) قبل إبدالها بالهمزة. أما (كم) الخبرية فعليك أن تضع موضعها كلمة (كثير) ، ويكون إعراب كلمة (كثير) هو إعراب (كم). لكن هناك قواعد دلالية تحكم الموقع الإعرابىّ لـ (كم) بنوعيها فى جملتها ، ذلك على النحو الآتى :

__________________

(١) ينظر : شرح المفصل ٤ ـ ١٣٣.

٣٥٩

موضع الرفع :

لا تكون (كم) بنوعيها فى موقع الفاعلية ؛ لأن لهما الصدارة فى الكلام ، ولا يقع الفاعل فى صدر الجملة عند جمهور النحاة ، وبخاصة البصريون.

وتكون (كم) فى موقع الرفع علي الابتدائية إذا كانت مجردة من عوامل الجرّ ، ولم يذكر بعدها ما يتطلب منصوبا ، ويكون ذلك فى المواضع الآتية :

أ ـ إذا لم يذكر بعدها فعل ، كأن تقول : كم مالك؟ ، وكم صديق لك. (كم) فى الموضعين اسم مبنى فى محلّ رفع ، مبتدأ ، الأولى استفهامية ، والأخرى خبرية ، خبره (مال ، وشبه الجملة لك). ويجوز أن تجعل الاسم المعرفة بعدها مبتدأ مؤخرا ، على أن تكون (كم) الاستفهامية خبرا مقدما.

ب ـ إذا كان الفعل الذى يذكر بعدها لازما. كأن تقول : كم رجلا خرج من عنده؟ حيث (كم) استفهامية اسم مبنى فى محل رفع ، مبتدأ ، خبره الجملة الفعلية (خرج) ، أما شبه الجملة (من عنده) فهى متعلقة بالخروج ، و (رجلا) تمييز منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

وتقول : كم من فارس كبا على الأرض ، (كم) خبرية اسم مبنى فى محل رفع ، مبتدأ ، خبره الجملة الفعلية (كبا) وهى فى محل رفع ، وشبه الجملة (على الأرض) متعلقة بـ (كبا) ، وتمييز كم (من فارس).

ج ـ إذا كان الفعل الذى يذكر بعدها متعديا وقد ذكر ما يتطلبه من منصوب.

كأن تقول : كم موضوعا ذاكرته اليوم؟ حيث (كم) استفهامية اسم مبنى فى محل رفع ، مبتدأ ، خبره الجملة الفعلية (ذاكرته) ، و (موضوعا) تمييز كم منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

وتقول : كم زائر أكرمته ، حيث (كم) خبرية فى محلّ رفع على الابتداء ، وخبرها الجملة الفعلية (أكرمت) ، و (زائر) تمييز لكم مجرور بالإضافة إليها.

تلحظ أن الفعل المذكور بعد (كم) فى الموضعين (ذاكر ، أكرم) فعل متعدّ إلى واحد ، وقد ذكر المفعول به (ضمير الغائب) فى الموضعين.

٣٦٠