النحو العربي - ج ٣

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٣

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٦٠٨

حيث قدم التمييز (ذرعا) ـ وهو منصوب ـ على عامله الفعل المضارع (أضيق).

وقول الراجز :

ونارنا لم ير نارا مثلها

قد علمت ذاك معدّ كلّها (١)

فقدم (نارا) ـ وهو تمييز منصوب ـ على عامله الاسم الجامد (مثل).

وقول ربيعة بن مقدوم الضبى :

وواردة كأنها عصب القطا

تثير عجاجا بالسنابك أصهبا

رددت بمثل السّيد نهد مقلص

كميش إذا عطفاه ماء تحلبا (٢)

(ماء) تمييز منصوب ، تقدم على عامله الفعل الماضى (تحلّب) ، ومنهم من يجعل (عطفاه) مرفوعا بفعل محذوف يفسره المذكور ، ويجعل (ماء) منصوبا بالمحذوف.

ومثل السابق قول الشاعر نفسه :

إذا المرء عينا قرّ بالعيش مثريا

ولم يعن بالإحسان كان مذممّا

فعلى مذهب الكوفيين يكون (المرء) مبتدأ ، وجملة (قر عينا) خبره. وعلى مذهب البصريين يجعلون (المرء) فاعلا لفعل محذوف يفسره الفعل المذكور ، فلا شاهد فيه ؛ إذ يكون العامل فى التمييز متقدما عليه ، وهو الفعل المحذوف المقدر.

__________________

(١) (نارنا) مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة ، وضمير المتكلمين مبنى فى محل جر ، مضاف إليه. (لم ير) لم : حرف نفى وجزم وقلب مبنى لا محل له. ير : فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة. (نارا) تمييز منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (مثلها) نائب فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائبة مبنى فى محل جر بالإضافة ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدإ. (قد) حرف تحقيق مبنى لا محل له من الإعراب. (علمت) فعل ماض مبنى على الفتح ، والتاء للتأنيث حرف مبنى لا محل له. (ذاك) اسم إشارة مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (معد) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (كلها) توكيد لمعد مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائبة مبنى فى محل جر بالإضافة.

(٢) العجاج : الغبار ، أصهب : أحمر ، واردة : زراد بها القطيع من الخيل ، السيد : الذئب ، نهد : ضخم ، مقلص : طويل القوائم ، ماء : المقصود به العرق ، تحلب : أى : سال.

٣٠١

وقول الشاعر :

ضيّعت حزمى فى إبعادى الأملا

وما ارعويت ورأسى شيبا اشتعلا (١)

حيث تقدم التمييز (شيبا) على العامل (اشتعل) ومميزه الضمير المستتر فاعل (اشتعل). وقول الشاعر :

أنفسا تطيب بنيل المنى

وداعى المنون ينادى جهارا (٢)

فقد تقدم التمييز (نفسا) على عامله (تطيب).

لكنّ بعض النحاة يجيز تقديم التمييز على مميزه وعامله إذا كان فعلا متصرفا ، وعلى رأس هؤلاء الكسائى وأبو عثمان المازنى والمبرد ، ويحتجون لذلك بقول المخبل السعدى :

أتهجر ليلى بالفراق حبيبها

وما كان نفسا بالفراق تطيب

حيث تقدم التمييز المنصوب (نفسا) على عامله (تطيب) ، ومميزه وهو الجملة.

قال أبو إسحاق : الرواية : (وما كان نفسى بالفراق تطيب) (٣) ، وعلى هذه الرواية لا شاهد فى هذا الموضع ولا تقديم لتمييز ؛ لأن (نفس) أصبحت اسم (كان) مرفوعا.

كما يستشهدون لتقديم التمييز على عامله بقول الشاعر :

__________________

(١) (الأملا) مفعول به للمصدر إبعاد ، منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، والألف للإطلاق حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. (رأس) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، خبره الجملة الفعلية (اشتعل).

(٢) (أنفسا) الهمزة للاستفهام حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. نفسا : تمييز مقدم منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (تطيب) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت.(بنيل) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بتطيب. (المنى) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر. (وداعى) الواو : ابتدائية لا محل لها. داعى : مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة. (المنون) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (ينادى) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدأ. (جهارا) حال منصوبة وعلامة نصبها الفتحة.

(٣) المقتصد ٢ ـ ٦٩٤.

٣٠٢

ضيّعت حزمى فى إبعادى الأملا

وما ارعويت وشيبا رأسى اشتعلا (١)

حيث قدم التمييز (شيبا) على عامله (اشتعل) ، ومميّزه الفاعل المستتر (هو).

٢ ـ توسط التمييز بين عامله ومميزه :

يجوز توسط التمييز بين عامله ومميّزه إذا كان فعلا متصرفا ، أو ما يعمل عمله.

فتقول : طاب نفسا زيد. (توسط التمييز نفسا بين العامل طاب ، والمميز زيد).

حسن وجها عمرو. (توسط التمييز وجها بين العامل حسن ، والمميّز عمرو).

تفقأ شحما خالد. (توسط التمييز شحما بين العامل تفقأ والمميز خالد).

ومنه : محمد مشتعل شيبا رأسه ؛ علىّ خلقا محمود.

فإذا كان العامل غير متصرف فلا يجوز التوسط ، فتقول : ما أجمل الربيع وردا ، وما أطيبه هواء ، وأجمل به منظرا.

لكن الخلاف قائم فيما إذا كان التمييز بعد تشبيه مركب من المبتدإ والخبر دون ذكر أداة الشبه ، حيث يجيز الفراء التوسط ، فتقول : محمد حسنا القمر ، فاطمة إشراقا الشمس ، على أن يكون كل من (محمد وفاطمة) مبتدأ ، وكلّ من (القمر والشمس) خبرا.

ويستشهد أبو حيان بقول الشاعر الذى وصفه بأنه محدث (٢) :

رشا أتانا وهو حسنا يوسف

وغزالة فى صحبة بلقيس

حيث توسط التمييز (حسنا) بين المشبه المبتدإ (هو) ، والمشبه به الخبر (يوسف).

ثانيهما : الرتبة وتمييز النسبة :

يختلف النحاة فيما بينهم فى جواز تقديم التمييز على مميزه فى تمييز النسبة بين مجيز ومانع ، وذلك على النحو الآتى :

__________________

(١) المساعد على التسهيل ٢ ـ ٦٦ / شرح ابن عقيل رقم ١٩٥ / الصبان على الأشمونى على الألفية ٢ ـ ٢٠١.

(٢) الارتشاف ٢ ـ ٣٨٦.

٣٠٣

 ـ إذا كان الفعل متصرفا ، والتمييز منقول ، فإن أغلب النحاة وعلى رأسهم سيبويه يمنعون التقديم.

 ـ ولكن الكسائى والجرمى والمازنى والمبرد يجيزونه ، واختاره ابن مالك.

 ـ وإن كان الفعل غير منصرف ، والتمييز منقول ، فإنه لا يجوز التقديم ، نحو :

زيد أحسن وجها من عمرو.

 ـ كذلك يمتنع التقديم إن كان التمييز غير منقول ، نحو : كفى بمحمد صديقا.

جر التمييز بـ (من)

ذكرنا أن (من) الجارة علم على التمييز ، إذ شرطه صحة دخول (من) عليه ؛ لذا فإنه يجوز أن يجرّ التمييز بـ (من). لكن هناك أفكارا متعلقة بهذه القضية يراد إيضاحها.

دلالة (من) الجارة فى التمييز :

يختلف النحاة فيما بينهم فى الأداء الدلالىّ لـ (من) الجارة فى التمييز ، على النحو الآتى :

منهم من يذهب إلى أنها زائدة للتبعيض ، وينسبونه إلى سيبويه ، أى : إن ما بعدها يكون منصوبا تقديرا ، ويستدلون على ذلك بالعطف على مجرورها بالنصب فى قول الحطيئة :

طافت أمامة بالرّكبان آونة

يا حسنه من قوام ما ومنتقبا (١)

__________________

(١) ينظر : شرح التصريح : ١ ـ ٣٩٨. (طافت) فعل ماض مبنى على الفتح ، والتاء حرف للتأنيث مبنى ، لا محل له من الإعراب. (أمامة) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (بالركبان) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالطواف. (آونة) ظرف زمان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (يا حسنه) يا : حرف نداء مبنى ، لا محل له من الإعراب. حسن : منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة ، والنداء يفيد التعجب. (من قوام) جار ومجرور ، وهو تمييز المتعجب منه المنادى. (ما) حرف صلة للتأكيد. (ومنتقبا) الواو : حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. منتقبا : معطوف على محل قوام وهو النصب ، وعلامة نصبه الفتحة.

٣٠٤

حيث جرّ تمييز التعجب (قوام) بـ (من) الجارة ، والأصل : يا حسنه قواما ، ثم عطف على مجرور (من) بالمنصوب (منتقبا) ، بما يدللون به على أن (من) زائدة ، وموضع مجرورها النصب.

كما أنهم يستدلون على كونها للتبعيض أنها لا تزاد فى المحول عن الفاعل فى مثل : (طاب نفسا) ؛ لأن (نفسا) ليست أعمّ من الفاعل ، ويعترض عليه بأنّ (من) الجارة لا تزاد إلا فى منفىّ.

ومنهم من يرى أنها لبيان الجنس ، وهذا هو الرأى الأرجح لديهم. ذلك لأنّ التمييز يكون نكرة مجردة ، وصفته البنيوية هذه تتلاءم مع صفات ما يدل على الجنس. كما أن التمييز ـ دلاليّا ـ لا يراد بمفهوم لفظه الدالّ عليه فى التركيب سوى بيان جهة دلالية عامة فى المبهم الذى يميزه ، وليست جهة دلالية خاصة به ، فكان ذلك أكثر تلاؤما مع دلالة الجنس ، وتسمى حينئذ (من) البيانية.

المواضع التى يمتنع فيها جر التمييز بـ (من):

يمتنع جرّ التمييز بـ (من) فى مواضع ؛ هى :

أ ـ تمييز العدد :

يمتنع جرّ تمييز العدد بمن ، ويجوز جرّ تمييز المساحة والكيل والوزن به ، فتقول :زرعت فدانا من قمح ، واشتريت كيلة من أرز ، وبعته قنطارا من قطن ، فتجرّ التمييز (قمح ـ أرز ـ قطن) بـ (من) ؛ لأنه تمييز لمساحة وكيل ووزن ، ولا يجوز ذلك فى العدد. يعلل لذلك بأن (من) المبينة هذه تفسّر مع مصحوبها اسم جنس سابقا عليها ، بحيث يحمل ما بعدها على ما قبلها معنويّا ، وتمتنع فى تمييز العدد لعدم صحة حمل ما بعدها على ما قبلها ، فالعدد متعدد ، وتمييزه مفرد فى مثل :خمسة عشر رجلا ....

ويبدو أن ذلك إنما لأن المساحة والكيل والوزن تكون لأشياء غير معدودة ، أما العدد فإنه يكون لأشياء معدودة ، والمعدود يكون محدد النهاية ، فلا يحتمل (من) الابتدائية التى لا تدلّ على انتهاء. أما معناها فإنه يتلاءم مع الأشياء غير المعدودة.

٣٠٥

فإذا أردت عدم تحديد النهاية ، فإننى أرى أنه يمكن أن تجرّ ما كان مميّزا للعدد بـ (من) ، لكنه يكون معرفا ، فأرى أنه يجوز أن تقول : رأيت أربعة من الرجال ، انتهيت من مذاكرة ستة من الدروس ....

ب ـ التمييز المحول :

يمتنع جرّ التمييز المحول بـ (من) الجارة ، سواء أكان محولا من الفاعلية ، أم المفعولية ، أم الابتدائية ، بشرط أن لا يكون التمييز عين مميّزه.

يعلل لذلك بأن (من) تربط بين اسم جنس ومفسر له صالح للحمل عليه معنويّا ، والتمييز المحول يفسر نسبة ولا يفسر لفظا ، فامتنع دخولها عليه.

قد يتوقف المعنى على التمييز

يذكر بعض النحاة أنه قد يتوقف معنى الجملة على ذكر التمييز (١) ، كأن تقول : ما طاب زيد إلا نفسا. وأنت ترى أن التمييز محصور ومقصور.

الفصل بين التمييز المضاف وعدده

أ ـ الفصل بالتنوين :

إذا جرّ التمييز بالإضافة وفصلت بين التمييز المضاف وبين مميزه بالتنوين فإنك تنصب التمييز المجرور. ذلك لأن الاسم المميّز أصبح تامّا ، فينصب ما بعده ، ففى القول : عندى ثلاثة كتب ، (كتب) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جرّه الكسرة ، يجوز أن تنوّن العدد فتفصل بين المضاف وما أضيف إليه ، فتنصب التمييز ، فتقول : عندى ثلاثة كتبا.

والنحاة يجعلون (عشرة) فى الأعداد المركبة بمثابة التنوين فى صدر العدد المركب ؛ ولذا جاء تمييزها منصوبا ؛ لأنه يعتبر فصلا.

ب ـ الفصل بنون التثنية :

إذا فصل بين التمييز المجرور بالإضافة وبين مميزه بنون التثنية فإنك تنصب التمييز المجرور ، ومنه قول الربيع بين ضبع الفزارى :

__________________

(١) ينظر : الصبان على الأشمونى على الألفية ٢ ـ ٢٠٢.

٣٠٦

إذا عاش الفتى مائتين عاما

فقد ذهب المروءة والفتاء (١)

حيث نصب الشاعر (عاما) على التمييز لـ (مائتين) ، وكان حقه أن يضاف إليها مع حذف النون منها ، فتكون (مائتى عام) ، والنصب كان نتيجة تمام الاسم المميّز (مائتين) بإثبات نون التثنية ، فكانت النون فاصلا بينها وبين ما أضيف إليها من تمييز ، فأصبح حكمه كحكم (عشرين) مع تمييزها ، وهو فى البيت ضرورة.

ج ـ الفصل بنون الجمع :

من الفصل بين التمييز ومميزه العدد تمييز ألفاظ العقود ، حيث إنها ملحقة بجمع المذكر السالم ، ولذلك فإنها تعرب إعرابه : الواو للرفع ، والياء للنصب والجر ، ولذا فإن تمييز ألفاظ العقود تكون منصوبة للفصل بينها وبين تمييزها بنون الجمع.

حيث أصبح الاسم تامّا.

توالى تمييزين :

إذا قلت : اشتريت تسعة جرامات ذهبا ، فإنّ فى المثال تمييزين ، لوجود مبهمين ، حيث العدد (تسعة) مبهم أول يحتاج إلى تمييز ، فميّز بـ (جرامات) ، وهو جمع مجرور بالإضافة ، أما الثانى فهو (ذهبا) ، حيث إنه تمييز منصوب لجرامات ، حيث الجرام ما يوزن به ، وهو محتمل الاستعمال للذهب ولغيره ، فاحتيج إلى التمييز.

__________________

(١) الكتاب : ١ ـ ١٠٦ ، ١ ـ ٢٩٣ / المقصور والممدود لابن ولاد ٨٣ / المفصل ٢١٤ / شرح التصريح ٢ ـ ٢٧٤ / الخزانة ٣ ـ ٣٠٦ /. الفتاء : الفتوة ، مصدرها الفتى. وفى رواية : اللذاذة.

(إذا) اسم شرط غير جازم مبنى فى محل نصب على الظرفية ، والعامل فيه جملة الجواب ، وهو مضاف إلى جملة شرطه. (عاش) فعل الشرط ماض مبنى على الفتح. (الفتى) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة للتعذر. (مائتين) ظرف زمان منصوب ، وعلامة نصبه الياء لأنه مثنى. (عاما) منصوب على التمييز من (مائتين). (فقد) الفاء رابطة جواب الشرط بشرطه حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. (قد) حرف تحقيق مبنى على السكون ، لا محل له من الإعراب. (ذهب) فعل جملة الجواب ماض مبنى على الفتح. (المروءة) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. وجملة جواب الشرط لا محل لها من الإعراب. (والفتاء) الواو : حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب ، الفتاء : معطوف على المروءة مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

٣٠٧

ومثله أن تقول : بعته خمسة أرادبّ قمحا ، وسبعة عشر طنّا أرزا ، وخمسة قناطير قطنا ، وزرعت ثمانية أفدنة شعيرا.

ومنه : فى المدرسة تسعمائة طالب وطالبة ، منهم خمسمائة طالب ، وأربعمائة طالبة. حيث ميزت (تسع) بـ (مائة) ، وميز الاثنان بطالب وطالبة ، مع مراعاة (مائة) وكذلك : خمس ومائة ، وطالب ، وأربع ، ومائة ، وطالبة ...

عطف التمييز :

قد يتعاطف تمييزان لمميّز واحد ؛ بحسب مراد الدلالة من التركيب على النحو الآتى :

أ ـ أن يكون التمييزان مشتركين فى مميز واحد من طريق الاندماج العددىّ ، فلا يعرف عدد كلّ منهما ، أو لا يراد عدده من الكلام ، فتقول : معى اليوم خمسة عشر كتابا وكراسة. وقد عرضنا ذلك فيما سبق.

ب ـ أن يكون التمييزان مشتركين فى مدلول مميز واحد ، وكلّ منهما مراد فى تمييزه. نحو قوله تعالى : (هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً) [مريم : ٧٤]. فكل من : الأثاث والرئى مراد به تمييز العلاقة بين ضمير الغائبين الحسن.

ومن ذلك قوله تعالى : (إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) [الفرقان : ٦٦].

هل يكون التمييز مؤكدا؟

قد يقع التمييز مؤكدا ؛ كما أن الحال قد تكون مؤكدة ، كما فى قوله تعالى :(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ) [التوبة : ٣٦](١). حيث

__________________

(١) (إن) حرف توكيد ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب. (عدة) اسم إن منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (الشهور) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (عند) ظرف زمان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وشبه الجملة متعلقة بعدة. (الله) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (اثنا) خبر إن مرفوع ، وعلامة رفعه الألف ؛ لأنه ملحق بالمثنى. (عشر) مضاف إليه مبنى على الفتح فى محل جر ، (شهرا) تمييز منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (فى كتاب) جار ومجرور ، وشبه الجملة فى محل رفع صفة لاثنى عشر.

٣٠٨

(شهرا) تأكيد للمضمون من (إن عدة الشهور). الحال تكون مؤكدة لعاملها أو لصاحبها أو لمضمون الجملة السابقة عليها ، لكن التمييز لا يكون كذلك ، فهو فى هذا الموضع ليس مؤكدا لعامله ولا لمميزه.

بين الحال والتمييز

يذكر النحاة فروقا بين الحال والتمييز (١) ، نذكر هذه الفروق مقسمة إلى ما يخص الجانب الدلالى ، وما يخص بنية كلّ منهما ، ثم ما يخص الجانب التركيبى ؛ على النحو الآتى :

أولا : ما يخص الجانب الدلالى :

 ـ تكون الحال مبينة لهيئة شىء ما أثناء إحداث فعل ؛ لذا كانت اسما أو جملة أو شبه جملة. لكن التمييز يحدد جهة دلالية لذات ما مبهمة ، أو لنسبة مبهمة فى جملة ؛ لذا كان اسما فقط.

 ـ قد تتعدد الحال ؛ لأنها بمثابة الصفة والخبر ، أما التمييز فإنه لا يتعدد ؛ ليساير ما ورد من أجله من تحديد جهة دلاليّة واحدة لما يميزه. لكنه قد يكون معطوفا على آخر.

وليس من تعدد التمييز فكرة توالى تمييزين التى ذكرناها سابقا فى مثل : زرعت أربعة فدادين قطنا.

 ـ قد تأتى الحال مؤكدة لعاملها ، أو لصاحبها ، أو لمضمون الجملة قبلها ، نحو قوله تعالى : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [العنكبوت : ٣٦] ، وقوله تعالى :(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) [يونس : ٩٩]. وقولك : هذا أبوك عطوفا. حيث الاسم المنصوب (مفسدين) حال مؤكدة لعاملها تعثى ، و (جميعا) حال منصوبة مؤكدة لصاحبها (من) ، و (عطوفا) حال منصوبة مؤكدة لمضمون الجملة (هذا أبوك).

__________________

(١) ينظر : الصبان على الأشمونى على الألفية ٢ ـ ٢٠٢.

٣٠٩

أما التمييز فإنه لا يكون مؤكدا لعامله ولا لمميّزه ، لكنه قد يكون مؤكّدا لمفهوم ما فى جملته ، كما ذكرنا سابقا.

 ـ أما ما يذكرونه من أن الحال قد يتوقف عليها المعنى فى الجملة ، وليس التمييز كذلك ؛ فإن هذا مردود بما يذكر فى هذه القضايا والملحوظات المتفرقة ، حيث يتبين أنّ المعنى قد يتوقف على التمييز كذلك. وقد بينا ذلك فى توقّف المعنى على التمييز فى الصفحات السابقة.

ثانيا : ما يخص بنية كلّ منهما :

 ـ قد تأتى الحال فى التركيب اسما وجملة وشبه جملة ، لكن التمييز لا يكون إلا اسما فقط. فتقول : حضر المدرس مبكرا وهو يحمل حقيبته تحت إبطه. حيث كل من الاسم المنصوب (مبكرا) ، والجملة (هو يحمل) ، وشبه الجملة (تحت إبطه) وهما فى محل نصب ، حال من (المدرس ، المدرس ، الفاعل الضمير المستتر فى يحمل). فأنت ترى أن الحال وردت اسما وجملة وشبه جملة.

ولكنك تقول : زرعت ثلاثة أفدنة قمحا ، حيث كل من (أفدنة ، وقمحا) تمييز ، وكلّ منهما اسم ، ولا يكون التمييز إلا اسما.

 ـ الحال أصلها أن تكون مشتقّة لتتضمّن صاحبها ، والصفة التى تراد له أن يكون عليها ، فتقول : أقبل مسرعا ضاحكا مفتونا بما حوله حذرا منه ... فكل من : (مسرعا ، ضاحكا ، مفتونا ، حذرا) حال منصوبة ، وهى مشتقة : (اسم فاعل ـ اسم فاعل ـ اسم مفعول ـ صيغة مبالغة).

لكن التمييز أصله أن يكون اسما جامدا ، فتقول : حضر خمسة عشر فردا ، منهم تسعة رجال ، وثلاث نساء ، وثلاثة أطفال ، فكل من : (فردا ـ رجال ـ نساء ـ أطفال) تمييز ، وكلها أسماء جامدة.

والحال والتمييز قد يتخالفان فى هذه الصفة ، فقد تأتى الحال اسما جامدا ، نحو : هذا ثوبك قطنا ، وأعبد الله وحده ، ادخلوا الأول فالأول ، مالت خوط بان.

فكل من (قطنا ، وحد ـ الأول ـ خوط) حال منصوبة ، وهى أسماء جامدة ، وإن كان جمهور النحاة يؤولونها بالمشتق.

٣١٠

وقد يرد التمييز صفة مشتقة ، كأن تقول : لله دره فارسا ، ويحه طالبا ، كفى بالله ناصرا ، (وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً) [الفرقان : ٥٨] ، حيث كلّ من (فارسا ـ طالبا ـ ناصرا) تمييز على أحد وجهين ، وكلّ منها مشتق (اسم فاعل).

ثالثا : ما يخص الجانب التركيبى :

أما من حيث خصائص التركيب فإن الحال قد تتقدم على صاحبها ، أو على عاملها إذا كان متصرفا ، إن فعلا ، وإن وصفا مشتقا ، ولكن التمييز لا يتقدم على عامله عند كثير من النحاة.

مواقع بين الحال والتمييز :

اختلف النحاة فيما بينهم فى توجه موقع بعض الأسماء فى تراكيبها بين الحال والتمييز ؛ منها :

 ـ القول : هذا خاتمك حديدا ، وبابك ساجا ... إلخ ، حيث كلّ من (حديدا ، وساجا) منصوب ، وهو اسم نكرة جامد ، فاختلفوا فى سبب نصبه بين الحال والتمييز ، حيث إنه حال جامدة ؛ لأنها مبينة لأصل صاحبها ، وهو من المواضع التى تأتى فيها الحال جامدة.

ومثلها إذا كانت الحال فرعا لصاحبها ، أو مبينة لنوعه ، كأن تقول : هذا قطنك ثوبا ، وهذا مالك ذهبا. ومنهم من يرى أن موضع هذه الأسماء النصب على التمييز ، حيث إنها أسماء جامدة ، ولكنها إلى الحال أرجح.

 ـ القول : كرم محمد ضيفا ، حيث (ضيفا) تنصب على التمييز ؛ لأنها تحدد النسبة فى العلاقة بين الكرم ومحمد ، ومنهم من يرى أنها تنصب على الحالية ، حيث إن الكرم حدث لمحمد وهو ضيف.

 ـ التراكيب : ـ كفى بالله ناصرا (١) ـ (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) [النساء : ٨١] ـ

__________________

(١) (كفى) فعل ماض ناقص ناسخ مبنى على الفتح المقدر. (بالله) الباء : حرف جر زائد للتوكيد والإلصاق مبنى ، لا محل له من الإعراب ، ولفظ الجلالة فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. (ناصرا) تمييز منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، والمفعول به لكفى محذوف يقدر بكفاكم.

٣١١

(كَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً) [النساء : ٤٥]. ـ (وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً) [النساء : ٧٠] ـ (كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) [الإسراء : ١٤]. وكل ما يذكر من منصوب بعد هذا الفعل أو شبهه ، وهو صفة مشتقة ، حيث توجّه إلى أنها تمييز منصوب ، ويقوى هذا الوجه من الإعراب أنه يصح دخول (من) عليه ، فيقال : من ناصر ، من وكيل ، من شهيد ... إلخ. ومنهم من يوجه نصب هذه الأسماء على الحالية ، حيث إنها أسماء مشتقة ، لكنّ الحالية فيها تقييد ، ولا يصحّ التقييد فى كثير من هذه الدلالات.

 ـ قوله تعالى : (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) [المدثر : ٣١]. (مثلا) منصوب بعد قوله تعالى : (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا ،) فعلاقته المعنوية باسم الإشارة ، وهى تحديد لجهة دلالية لاسم الإشارة المبهم ، حيث بين أنه يشار إلى مثل ، فكان منصوبا على التمييز. وقد يفهم منه بيان هيئة اسم الإشارة أثناء الإرادة ، فيكون منصوبا على الحالية.

وفى كلّ المواضع السابقة إذا أريد بالمنصوب الحالية فكأنك أردت معنى (فى حال كذا) ، وإذا أردت به التمييز فكأنك أردت (من كذا). ففى القول : هذا خاتمك حديدا ، أى : فى حال كونه حديدا ، أو : من حديد ، وبينهما تتضح إرادة الحالية أو التمييز.

فإذا أردت التمييز وخشيت اللبس بالحالية فيجوز لك أن تدخل (من) على التمييز ، فتقول : لله دره من فارس ، وما رأيت مثله من رجل ، وما أصدقه من قائل.

تحليل بعض التراكيب

القول : يا جارتا ما أنت جارة. فى (جارة) وجهان :

أولهما : أن تكون تمييزا منصوبا لأسلوب الاستفهام الذى يفيد المدح الشائع ، أو التعجب ، وكلاهما يحتاج إلى تمييز لتحديد جهة المدح ، أو جهة التعجب ، وصحّ ذلك لجواز تحمل (جارة) (من) الجارّة ، وهى من علم التمييز ، فيصح القول : ما

٣١٢

أنت من جارة ، وعليه فإن (ما) الاستفهامية فى محل رفع ، مبتدأ أو خبر مقدم ، و (أنت) ضمير مبنى فى محل رفع ، خبر ، أو مبتدأ مؤخر.

ثانيهما : أن تنصب (جارة) على الحالية ، والتقدير : ما أنت مجاورة ، كأنه يمدحها ، أو يتعجب منها فى حال مجاورتها ، وإعراب (ما أنت) كالإعراب السابق.

 ـ يجوز أن تحتسب (ما) حجازية ، فتكون عاملة عمل (ليس) ، فتكون (أنت) اسمها ، و (جارة) منصوبة على أنها خبرها.

 ـ يجوز أن ترفع (جارة) على أن (ما) نافية غير عاملة ، و (أنت جارة) جملة اسمية من مبتدإ وخبر.

 ـ ويجوز أن ترفع (جارة) ، على أن (ما) استفهامية ، فتكون مبتدأ أو خبرا مقدّما ، وركنه الآخر (أنت). ثم ترفع (جارة) على أنها خبر لمبتدإ محذوف ، ويكون التقدير : ما أنت؟ أأنت جارة؟ على سبيل الاستفهام البلاغى.

* * *

* القول : هذا خاتم حديد. فى (حديد) ثلاثة احتمالات للنطق ، يترتب عليها ثلاثة أوجه إعرابية :

أولها : النصب : حيث ينصب (حديد) على التمييز أو على الحال ، وينون (خاتم) بالضم ، فيقال : هذا خاتم حديدا ، ويعنى دلاليا : هذا خاتم حال كون أصله حديدا. أو : من حديد.

ثانيها : الرفع : حيث يرفع (حديد) مع التنوين ، فيكون صفة لخاتم ، وينون (خاتم) بالضم ، فيقال : هذا خاتم حديد ، ويعنى دلاليا : هذا خاتم صفته الحديد.

ثالثها : الجر : حيث يجر (حديد) مع التنوين ، على أنه مضاف إليه ، فيقال : هذا خاتم حديد ، ويعنى دلاليا : هذا خاتم من حديد.

* * *

٣١٣

إذا قلت : عندى جبّة خزا. فإن (خزا) فيها أوجه تبعا للمعنى :

 ـ إن أردت مقدار الخزّ فإنها تنصب على التمييز. أو : أردت جهة الأصل.

 ـ وإن أردت الصنع والخام فإنها تنصب على الحالية.

 ـ يجوز أن ترفعها على أنها نعت لما قبلها ، فتقول : عندى جبة خزّ.

 ـ يجوز أن تجرّ على الإضافة إلى ما قبلها ، فتقول : عندى جبة خزّ.

 ـ كما يجوز أن تجرّ بـ (من) التى تفيد معنى البعضية ، فتقول : عندى جبة من خزّ.

* * *

* الخلاف الدلالى للتمييز فى القول : كرم زيد أبا : إن صحّ أن يكون التمييز خبرا للاسم قبله أو لملابسه المقدّر ، نحو : كرم زيد أبا ، جاز فيه وجهان (١) :

أولهما : أن يكون (زيد) هو الأب ، والتقدير : كرم زيد نفسه أبا ، وصحته أنه يجوز أن تدخل عليه (من) الجارة ، أى : كرم زيد من أب ، وتكون (أب) تمييزا منصوبا للعلاقة بين الكرم وزيد ، ولا يكون محوّلا عن الفاعل. ويصح أن تقول : زيد أب ، أو زيد كرم.

ثانيهما : أن يكون المميز ليس زيدا ، وإنما هو أبوه ، ويكون التقدير : كرم أبو زيد ، أى : ما أكرم أباه ، ويكون تمييز نسبة محولا من الفاعل ، وصحته أنه لا يجوز أن تدخل عليه (من) الجارة.

ولا يصح أن تقول فى هذا التقدير : زيد أب ، ولا زيد كرم. فالمعنى على التقدير الأول أن زيدا هو الأب ، وهو المنسوب إليه الكرم. وعلى التقدير الثانى أن أبا زيد هو المنسوب إليه الكرم.

__________________

(١) ينظر : ارتشاف الضرب ٢ ـ ٣٧٩.

٣١٤

العدد

الأعداد أسماء مبهمة ، حيث تصلح للانتقال من اسم إلى اسم ؛ لأنها تصلح لعدّ كل ما عداها ، ولذلك فهى تحتاج إلى تحديد جهة معنوية تستخدم لها فى التركيب ، فالمبهم من التمييز تتعدّد جهاته الدلالية التى يطلق لها ، ولذا لزم العدد احتياجه إلى تمييز يبين إبهامه ، ويحدد الجهة الدلالية المستخدم لها.

واختلف النحاة فيما بينهم فى كون العدد قسيما للمقدار ، أم قسما منه ، وأرى أنّ العدد إنما هو قسم من المقادير ؛ لأن المقادير بأنواعها من الممسوحات والمكيلات والموزونات إنما هى دالة على مقدار معين محدد بما يمسح به ، أو يكال به ، أو يوزن به ، وهذه محددة ، فيمكن القول : إنها بمثابة العدد إلا أن الاختلاف فى نوع الحصر ، فهذه تحصر فى مساحات ، أو أحجام ، أو أثقال ، والمعدودات تحصر فى أعداد ، وكلها تكون معينة محددة ، وكل نوع من أنواع المقادير بما فيها الأعداد إنما هى مبهمة ؛ لأنه يمكن أن تنتقل من شىء إلى آخر ، كما أنها تجرى على أشياء كثيرة تختصّ بتحديد قدرها.

وكثير من المستعملات يمكن أن تحصر عن طريق الوزن ، فيقال : كيلو جرام برتقالا ... إلخ ، ولكنه يمكن أن تحصر بطريق آخر كالعدّ ، فيقال : ثلاث برتقالات ، وكل منهما إنما هو إرادة للحصر وإزالة الإبهام ، ويعبر عن العدد دائما بالقدر ، فيقال : أعطيته مبلغا وقدره مائة جنيه ، وسنعلم أن كثيرا مما يعبر به عن شبيه بالمقدار يستخدم شبيها بالعدد ، لأن فيه معناه ؛ لذا فالعدد قسم من المقدار لا قسيم له.

وتنقسم الأعداد إلى قسمين : أعداد صريحة ، وأخرى كناية عن العدد.

* * * *

٣١٥

القسم الأول : العدد الصريح

وهو عبارة عن الأعداد الحقيقية المحددة التى نستخدمها فى تعاملنا اللغوىّ ، نحو : واحد ، وعشرة ، ومائة ، وألف ، ومليون ...

القواعد العامة لاستخدام العدد مع ما يميزه فى التركيب :

١ ـ من حيث الجوانب الإعرابية :

العدد له موقعه الإعرابى من الابتدائية والخبرية والفاعلية والمفعولية وغيرها ، وبذلك يكون له محله الإعرابى من الرفع والنصب والجر.

والعدد من حيث الإعراب والبناء ينقسم إلى قسمين :

أولهما : أعداد مبنية ، وهى الأجزاء الأولى من الأعداد المركبة (١١ ـ ١٩) ، حيث تبنى على فتح الجزأين عدا المستخدم منها للمثنى ، وهو الجزء الأول من اثنى عشر ، فإنه يكون معربا إعراب المثنى ؛ لأن الألف والياء فيه إعراب ، ولا يجتمع الإعراب والبناء فى اسم واحد. فتقول : حضر أحد عشر رجلا ، وسبع عشرة امرأة. ببناء (أحد عشر ، وسبع عشرة) على فتح الجزأين ، وهما فى محل رفع على الفاعلية. كما تقول : كافأت ثلاثة عشر طالبا ، ببناء جزأى العدد على الفتح ، وهما فى محل نصب ، مفعول به.

ملحوظة : الجزء الثانى من العدد المركب مضاف إلى ما قبله وهو الجزء الأول ، ويكون فى محلّ جر ، لكننا تجاوزا نجعل الجزأين بمثابة الاسم الواحد المبنى على فتح الجزأين. فإذا قلنا : أجاب اثنا عشر طالبا ، وكافأنا اثنتى عشرة طالبة ، فتكون (اثنا) فاعلا مرفوعا ، وعلامة رفعه الألف ، لأنه ملحق بالمثنى ، أما (عشر) فهو مبنى على الفتح فى محلّ جر بالإضافة ، أما (اثنتا) فهو مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الياء ؛ لأنه ملحق بالمثنى ، أما (عشرة) فهو مبنى على الفتح فى محل جر بالإضافة.

والآخر : أعداد معربة ، وهى سائر الأعداد غير المركبة.

٣١٦

تذكرة :

أ ـ الأعداد واحد وعشرة وما بينهما ترفع ، وعلامة رفعها الضمة ، وتجر ، وعلامة جرها الكسرة ، وتنصب ، وعلامة نصبها الفتحة ، عدا المستخدم للمثنى فإنه يعرب إعراب المثنى بالألف والياء.

أ ـ ضبط العدد : جاء رجل واحد ، وامرأتان اثنتان ، رأيت رجالا ثلاثة ، وخمسة أولاد ، وسبع نساء ، أجبت عن أربعة أسئلة (١). ومثلها : مائة ، وألف ، ومليون.

ب ـ الأعداد الدالة على المثنى تعرب إعراب المثنى ، وهو الألف رفعا ، والياء المفتوح ما قبلها المكسور ما بعدها جرا ونصبا ، وينحصر ذلك فى العدد (اثنين) ، سواء أكان مفردا ، أم مركبا ، أم معطوفا.

ج ـ ألفاظ العقود (٢٠ ـ ٣٠ ... ـ ٩٠) تعرب إعراب جمع المذكر السالم ، وهى ملحقة به ، بالواو رفعا ، وبالياء المكسور ما قبلها المفتوح ما بعدها نصبا وجرا.

اذكر الموقع الإعرابى للعدد مع ضبط ما يمكن ضبطه : أجاب عن السؤال الأول عشرون طالبا ، وأجاب عن الثانى ثلاثة وأربعون.

صححت إجابات خمسة وثلاثين متسابقا ، وكان المصيب منهم ثمانية وعشرين متسابقا. بقريتنا خمسة آلاف (٢). ألف متقدم حضروا اليوم.

__________________

(١) (واحد) نعت لرجل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (اثنتان) نعت لامرأتين مرفوع ، وعلامة رفعه الألف ؛ لأنه ملحق بالمثنى. (ثلاثة) منصوبة بفتحتين ، نعت لرجال منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (خمسة) منصوب بفتحة واحدة ، وهو معطوف على رجال منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف. (سبع) معطوف على رجال منصوب وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف ، وفوقه فتحة واحدة. (أربعة) بكسرة واحدة ، مجرور بعن ، وعلامة جره الكسرة.

(٢) (عشرون) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. (ثلاثة) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (أربعون) معطوف على ثلاثة مرفوع ، وعلامة رفعه الواو. (خمسة) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (ثلاثين) معطوف على خمسة مجرور ، وعلامة جره الياء. (ثمانية) خبر كان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (عشرين) معطوف على ثمانية منصوب ، وعلامة نصبه الياء.

(خمسة) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، (آلاف) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، (ألف) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

٣١٧

٢ ـ من حيث علاقة العدد بتمييزه : (العددان ١ ، ٢):

العددان (واحد واثنان)

لا يحتاجان إلى تمييز استغناء بالأسماء الدالة على المفرد ، والأسماء الدالة على المثنى ، حيث يقال : رجل وامرأة ، فلا يشكّ فى وحدة كلّ منهما ، ويقال : رجلان ، وامرأتان ، فيعرف أن العدد اثنان من الرجال ، واثنتان من النساء.

قال تعالى : (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ) [يوسف : ٣٦] ، حيث عبرت الآية عن عدد الفتية ، وكانا اثنين بتثنية (فتى) ، و (فتيان) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الألف ؛ لأنه مثنى. وقال تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ ...) [الكهف : ٣٢]. وقوله تعالى : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) [النحل : ٧٦](١).

ويرى نحاة أن الواحد والاثنين ليسا بعدد ، وإنما ذكرا للاحتياج إليهما مع العشرة. لكن المنطق الرياضى يحكم عليهما أنّهما من الأعداد ، حيث يبدأ مقدار العدد الموجب الموجود من واحد ، فاثنين ، فثلاثة ... إلى غير ذلك.

__________________

(١) (ضرب) فعل ماض مبنى على الفتح. (الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (مثلا) مفعول به لضرب منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (رجلين) بدل من مثل ، منصوب وعلامة نصبه الياء ؛ لأنه مثنى. (أحدهما) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائبين مبنى فى محل جر بالإضافة. (أبكم) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، والجملة فى محل نصب صفة لرجلين. (لا) حرف نفى مبنى ، لا محل له من الإعراب. (يقدر) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله مستتر تقديره : هو ، والجملة فى محل رفع ، خبر ثان لأحد ، (على شىء) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بأبكم. (وهو) الواو : للابتداء أو للحال حرف مبنى لا محل له. هو : ضمير مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (كل) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة الاسمية فى محل نصب ، حال من الضمير المستتر فى يقدر. (على مولاه) جار ومجرور ومضاف إليه ، وشبه الجملة متعلقة بكلّ.

ملحوظة : فى (ضرب الله مثلا رجلين) وجهان آخران :

أحدهما : أن تجعل ضرب متعديا لواحد بمعنى وضع أو اعتمد مثلا. و (رجلين) مفعول به لمضمر ، تقديره : جعل ...

والآخر : أن تجعل ضرب متعديا لاثنين ، بمعنى : صيّر ، فيكون (مثلا) مفعولا أول ، و (رجلين) مفعولا ثانيا.

٣١٨

وإذا استخدم العددان (واحد واثنان) فإنهما يكونان صفة للمعدود ، والصفة تتبع موصوفها من جميع أوجه الإتباع ، فيقال : أعجبت بطالب واحد ، ولم يحضر إلا طالبان اثنان ، ولم يحضر إلا طالبة واحدة ، وفى القاعة نافذتان اثنتان ، نظفت الكرسيّين الاثنين ، وجلس عليهما الضيفان الاثنان ، والعددان (واحد واثنان) يتفقان مع المعدود فى كلّ أحواله التركيبية ، من : أعداد مفردة ، أو معطوفة ، أو مركبة.

وقد ينوب كل منهما عن معدوده ، أو موصوفه ، نحو قوله تعالى : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) [النساء : ١١]. أى : فوق امرأتين اثنتين ، فحذفت (امرأتين) ، وتكون (اثنتين) مضافا إلى (فوق) مجرورا ، وعلامة جره الياء لأنه مثنى. ومنه : (فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ) [النساء : ١٧٦]. (إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما) [يس : ١٤](الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ ...) [النور : ٢]. أى : كلّ زان واحد. (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) [النساء : ٣]. أى : فانكحوا امرأة واحدة.

* الحظ استخدام العددين (واحد واثنين) فيما يأتى :قال تعالى : (قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) [الانعام : ١٩].

(وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) [القمر : ٥٠].

(وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) [الرعد : ٣].

(إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ) [يس : ١٤].

استخدام العدد (واحد) فى التركيب :

يستخدم العدد (واحد) فى التركيب بين (واحد وأحد) ومؤنثهما على النحو الآتى :

 ـ إذا كان مفردا فإنه قد يضاف ، أو يوصف ، أو يوصف به ، أو يكون مجردا.

 ـ فإذا كان مجردا دالا على العدد مرادا ، فهو واحد وواحدة ، فتقول : رأيت من الرجال واحدا ، ومن النساء واحدة.

٣١٩

 ـ وإن كان بعد نفى أو نهى أو استفهام أو شرط فإنه (أحد) لعموم العقلاء ، وقد يكون (واحدا) بشرط ذكر مؤنثه (واحدة) ، فتقول : ما جاءنى أحد ، وما جاءنى واحد ولا واحدة. لا تهن أحدا ، لا تغظ واحدا ولا واحدة. هل رأيت أحدا؟ هل كوفئ واحد أو واحدة؟. وقد يستعمل (أحد) قليلا فى الموجب ، ومنه قوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [الإخلاص : ١]. يلحظ أن (أحدا) فى مثل هذه التراكيب يدل على المؤنث والمذكر ؛ لأنه بعد النفى والاستفهام والنهى يدل على الجنس : ذكوره وإناثه.

 ـ وإذا كان موصوفا ، أو صفة فإنه (أحد أو واحد وواحدة) ، فتقول : جاء واحد من الطلاب ، وواحدة من الطالبات ، حيث شبه الجملة (من الطلاب) صفة لواحد فى محلّ رفع ، وكذلك شبه الجملة صفة لواحدة ، كما تقول : كافأنا طالبا واحدا ، وطالبة واحدة ، ومنه قوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) [التوبة : ٦].

 ـ وإذا كان مضافا فإنه أحد وإحدى ، فتقول : استمعت إلى أحد الخطباء ، وإلى إحدى المجيبات ، أثنيت على أحدهم وعلى إحداهن. ويقال فى المثل : هو أحد الأحدين ، وهى إحدى الإحد ، جمع (إحدى) ، كناية عن الداهية ، وإحدى إحد كسدرة وسدر.

 ـ إذا كان مركبا فإنه (أحد وإحدى) ، فتقول : تسلّمت أحد عشر قلما ، وإحدى عشرة كراسة. وقد يقال قليلا : واحد عشر وواحدة عشرة ، وربما قيل :وحد عشر.

 ـ إذا كان العدد معطوفا سواء أكان مميّزا أو صفة فإنه (أحد أو واحد وواحدة أو إحدى) ، فتقول : وقّع عليه واحد وعشرون رجلا ، وواحدة أو إحدى وعشرون امرأة. كما تقول : حضر الرجل الحادى والستون ، والمرأة الحادية والسبعون. فى القاعة مائة وواحد من الطلاب ، وفى القاعة الأخرى مائتان وواحدة من الطالبات.

يلحظ أن الحادى والحادية مقلوبا الواحد والواحدة.

٣٢٠