النحو العربي - ج ٣

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٣

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٦٠٨

ومثل ذلك قوله تعالى : (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً) [الكهف ٦٨].

وقوله تعالى : (وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) [الطلاق : ١٢]. وقوله تعالى :(يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) [طه : ١١٠].

التحول من نائب الفاعل :

قد تكون موقعية التمييز فى جملته الأصلية التى تحول عنها نائب فاعل ، كأن يقال : ضرب زيد ظهرا وبطنا ، حيث انتصب (ظهرا وبطنا) على التمييز ، وأصله :ضرب ظهر زيد وبطنه ، فتحول (ظهر وبطن) من موقعية النائب عن الفاعل إلى موقعية التمييز ، وللنحاة آراء أخرى فى سبب نصب (ظهر وبطن) فى هذا التركيب.

ومثله أن يقال : فجّرت الأرض عيونا ، واستحسنت مصر هواء ، واستعذب البرتقال شرابا ، ...

التحول من المفعولية :

قد يكون التمييز المنصوب محولا من موقعية المفعولية. أى : يصحّ وقوعه مفعولا به فى الجملة التى انتصب فيها ، كما فى قوله تعالى : (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) [القمر : ١٢] ، حيث انتصب (عيونا) على التمييز ، وأصله : وفجرنا عيون الأرض.

ومن ذلك : غرست الأرض شجرا ، وحفرت الدار بئرا.

وبين النحاة فى هذا القسم خلاف بين التمييز والبدلية والنصب على إسقاط الخافض ، لكنّ التمييز أرجح ، حيث إن العلاقة بين التفجير وبين مفعوله (الأرض) علاقة تحتمل جهات دلالية متعددة ، فتتحدد إحدى هذه الجهات ويزول إبهامها ، بالتمييز المنصوب المحول من المفعولية.

ومنه أن تقول : أتريد أن تهيننى خلقا؟. فإن التأليف يزيد الأجزاء الحسنة حسنا. ومنه : ما أحسن محمدا أدبا ، وما أكرمه يدا ، وما أجمل الربيع هواء.

٢٨١

ثانيا : تمييز النسبة غير المحول :

ذكرنا أن التمييز إذا لم يصحّ له أداء موقعىّ مفهوم فى الجملة المميزة فهو تمييز غير محوّل ، ومن أمثلته : لله دره فارسا (١) ، حيث نصب (فارس) على أنه تمييز للنسبة الحاصلة من الجملة الخبرية التعجبية (لله درّه).

يمتلئ بدنه رعدة. (رعدة) تمييز منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو تمييز للنسبة الحادثة من العلاقة بين الفعل (يمتلئ) فاعله (بدنه).

ملحوظة : تلحظ أن كلا من (فارس ورعدة) لا يصحّ وضعه فى موقع من مواقع الجملة المميزة ، كما كان ملحوظا فى تمييز النسبة المحول.

ومنه كذلك : كفى به عليما ، وكفى به شهيدا ، وحسبك به ناصرا (٢).

ومنه القول : يا جارتا ما أنت جارة (٣). بنصب (جارة) على التمييز على أرجح الآراء ، سواء أجعلت (ما) تعجبية نكرة ، أم جعلتها استفهامية ، حيث يخرج الاستفهام إلى معنى التعجب.

ومن تمييز النسبة غير المحول ما جاء فى تراكيب التعجب المختلفة ، من نحو :أبرحت جارا (٤). حيث (جار) اسم نكرة جامد منصوب على التمييز من العلاقة القائمة بين الفعل وفاعله ، ومنه ما ذكر من القول : لله درّه فارسا ، ويا جارتا ما أنت جارة. وكذلك كل ما يميز ضمير الغائب فى توجه دلالىّ معين ، نذكره فيما بعد.

__________________

(١) (لله) شبه جملة فى محل رفع ، خبر مقدم. (دره) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة.

(٢) للمنصوب فى مثل هذه التراكيب وجه إعرابى آخر ، وهو الحالية.

(٣) (يا) حرف نداء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (جارتا) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، لأنه مضاف إلى ضمير المتكلم الذى قلب إلى الألف ، والتقدير : يا جارتى. (ما) تعجبية مبنية نكرة فى محل رفع ، مبتدأ. (أنت) ضمير مبنى فى محل رفع ، خبر ما. (جارة) تمييز منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وقد تكون (ما) حجازية حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. (أنت) ضمير مبنى فى محل رفع اسم ما الحجازية العاملة عمل ليس. (جارة) خبر ليس منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. وقد تكون (ما) اسم استفهام مبنى فى محل رفع ، مبتدأ أو خبر مقدم. (أنت) ضمير مبنى فى محل رفع ، خبر ما ، أو مبتدأ مؤخر لها. (جارة) تمييز منصوب.

(٤) أبرح : قيل من البراح ، ويقصد به اشتهار الأمر ـ أو : جاء بما لم يجئ به غيره ، أو : تناهى واشتهر وعظم.

٢٨٢

وكذلك : ما أحسن الحليم رجلا ، أكرم بأبى بكر ضيفا. لكنك إذا قلت : ما أحسن الحليم عقلا ، فإنه يكون محولا من المفعولية ؛ لأنه يصحّ القول : ما أحسن عقل الحليم. وكذلك : ما أفضلها مقالة ، وما أعقله رأيا ، وأفصح بها كلمة ، وما أبلغه مقالا.

أما الأساليب : يا لك ليلا ، وياله رجلا ، ويالها قصة ، فهو من سبل تمييز الضمير ، فيكون من أنواع تمييز الذات. وقد تجعله من تمييز النسبة ، حيث تمييز النسبة القائمة بين معنى التعجب والمتعجب منه.

ومن أنواع تمييز النسبة ما يذكر فى أساليب التعجب مع ذكر المتعجب منه ، كأن يقال : ما لزيد فارسا ، محمد لله درّه فارسا ، يا لمحمود رجلا. وكذلك : ويل محمود رجلا ، وويحه رجلا. وكذلك : كفى بعلىّ رجلا ، وحسبك به شهيدا وناصرا. وكذلك : حبذا سعيد رجلا ...

ملحوظة :

يقسم النحاة تمييز النسبة المحوّل أو المنقول إلى قسمين :

أولهما : تمييز نسبة متحول أو منقول ، كما ذكر فى التحول من الفاعلية والمفعولية وأمثالهما.

والآخر : تمييز نسبة غير منقول أو غير متحول ، وهذا القسم يقسمونه إلى اثنين :

أ ـ المشبه بالمنقول : ومنه : امتلأ الإناء ماء ، ونعم رجلا زيد ، حيث (امتلأ) مطاوع (ملأ) ، فكأنك قلت : ملأ الماء الإناء ، فصار الماء تمييزا منصوبا بعد أن كان فاعلا ، وقد ذكرنا أن مثل هذا من قبيل المتحول أو المنقول عن الفاعلية ، وإذا قدرنا فعل المطاوعة بمعناه فإنه يكون غير متحول ، وكذلك التقدير فى المثل الثانى : نعم الرجل زيد ، وأرى أنه لا يصح أن يتحول (زيد) من موقع الفاعلية إلا عند من يعربونه بدلا أو عطف بيان من الرجل ، فأسلوب المدح والذم لهما طبيعة خاصة من التركيب ، وذلك بذكر اسم عام يتضمن المخصوص.

٢٨٣

ب ـ غير المشبه بالمنقول أو المتحول : ومنه : حبذا رجلا زيد ، حيث (ذا) فاعل (حب) ، و (رجلا) تمييز لذا ، و (زيد) المخصوص. وأرى أن هذا التركيب لا يختلف عن القول السابق : نعم رجلا زيد ، فكلا الفعلين له فاعله الذى ميّز بالنكرة المنصوبة.

تراكيب تختلف بين نوعى التمييز :

تمييز ضمير الغائب يختلف بين كونه تمييزا للذات وكونه تمييزا للنسبة ، وهذا الأمر يتوقّف على مدلول الضمير بين الإبهام وعدم إبهامه ، ذلك على النحو الآتى (١) :

أ ـ إن كان ضمير الغائب مبهما لا يعرف المقصود منه ، حيث لم يذكر مرجعه فإنه يكون تمييزا للذات ، ذلك نحو : يا له رجلا ، يا لها قصة ، وقول على ـ كرم الله وجهه : «يا له مراما ما أبعده». وكذلك القول : ويحه رجلا ، ويله رجلا ، ما أحسنها مقالة ، لله دره رجلا جاءنى ، ويحه رجلا لقيته ويل أمه بشرا ، والقول :

كفى به عالما ، حسبك به رجلا ، وقول ذى الرمة :

ويلمّها روحة والريح معصفة

والغيث مرتجز والليل مقترب (٢)

تلحظ أن ضمير الغائب فى الأمثلة السابقة لم يذكر ما يعود عليه ، فكأن التمييز قد ذكر بغرض تفسيره عوضا من عدم ذكر مفسّره.

ولقد ذكر ابن الحاجب فى هذا الموضع تمييز ضمير المخاطب ، من مثل : يا لك ليلا. وأرى أن ضمير المخاطب فيه ما يدلّ على مرجعه ، وهو المخاطب الموجه إليه الكلام ، فضمير المخاطب يدلّ على الحضور.

ب ـ فإن كان ضمير الغائب غير مبهم بأن عرف المقصود من الضمير برجوعه إلى سابق عليه ، نحو : زارنى محمد فياله رجلا ، ولله دره فارسا ، جالست عليا فويحه

__________________

(١) ينظر : الإستراباذى على الكافية ١ ـ ٢١٨.

(٢) (ويل) مصدر منصوب نائب مناب فعله المحذوف وجوبا. (مها) أى : أمها : مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة. (روحة) تمييز منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (والريح معصفة) الواو : للحال أو للابتداء حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. الريح : مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. معصفة : خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، والجملة فى محل نصب حال. (والغيث مرتجز) جملة اسمية فى محل نصب بالعطف على ما قبلها ، وكذلك الجملة الاسمية (والليل مقترب).

٢٨٤

رجلا ، وويلمه شجاعا. فإنه يكون تمييز نسبة ؛ لأن الضمير لمّا كان المقصود به معروفا أصبح لا يحتاج إلى مفسّر ، فخلص التمييز للعلاقة القائمة بين أركان أسلوب التعجب ، أو لبيان جهة التعجب ، وهو المعنى المفاد من مجموع الأسلوب.

ج ـ وأرى أن الاسم المنصوب الذى يميز ضمير الغائب إنما هو من قبيل تمييز النسبة ؛ لأن المقصود الدلالىّ من التراكيب السابقة يكمن فى معنى التعجب ، وإنما يكون التعجب من وجود أطراف هى : المتعجب منه ، وجهة التعجب ، أما جهة التعجب فإنها تفاد من التمييز المنصوب ، ولكن المتعجب منه إن احتسب الضمير بمفرده كان ذلك من قبيل الذات أو المفرد ، وإن كان المتعجب منه من مجموع الضمير ـ وما تألف منه من كلمات وسمته وخصّته بالتعجب كحرف النداء مع اللام المفتوحة ، أو الفعل مع فاعله ، أو المصدر مع جملته الفعلية المقدرة ، ... أو غير ذلك ـ كان التمييز تمييز نسبة.

وأنوه إلى اختلاف المنصوب فى معظم هذه التراكيب بين التمييز والحال ، ويتضح ذلك فى موضعه.

د ـ ومما يختلف فيه بين النصب عن تمام الجملة والنّصب عن تمام الاسم القول : دارى خلف دارك فرسخا ، حيث يميز (فرسخا) الخلفية فقط ، فيكون تمييزا للذات ، أو : يميز العلاقة القائمة بين دارى ودارك ، وهى الخليفة ، فيكون تمييزا للنسبة ، وكونه تمييزا للنسبة أرجح.

تمييز الأسماء العاملة

الأسماء العاملة عمل الفعل تشبه الجملة الفعلية ؛ لأن الاسم العامل فيها بمثابة الفعل والركن الآخر للجملة ، أو أنه بمثابة الفعل وما أضيف إليه أو نصبه أو رفعه بمثابة الركن الآخر ، لذا فإن ما يميز هذه الأسماء يكون تمييز نسبة.

والأسماء العاملة عمل الفعل من حيث التمييز تنقسم إلى قسمين :

أ ـ المصادر. بـ ـ الصفات المشتقة.

٢٨٥

أ ـ تمييز المصادر :

المصدر مع ما أضيف إليه أو رفعه أو نصبه يمكن أن يكونا جملة ، والعلاقة بين المصدر والركن الآخر قد تكون مبهمة تحتاج إلى تفسير وتوضيح وتحديد ، ويكون هذا عن طريق التمييز. ويمكن لنا أن نتقابل مع عدة تراكيب فى الجملة العربية للتعبير عن تمييز المصدر ، يمكن أن نجملها فى قسمين :

أولهما : أن يضاف المصدر إلى تمييزه ، وحينئذ يجرّ بالإضافة. فتقول : أعجبنى طيب نفسه ، وطيب النفس ، أحب فيه كرم خلقه ، وكرم الخلق. تلحظ أن التمييز (نفسا ، وخلقا) مضاف إلى المصدر (طيب ، وكرم) فلزم الجرّ.

والآخر : أن يضاف المصدر إلى غير تمييزه ، حينئذ يجب أن ينصب التمييز ، فتقول :

أعجبنى طيبه نفسا ، وكرمه خلقا ، المصدر (طيب وكرم) أضيف كل منهما إلى ضمير الغائب ، ففصل الضمير بين المصدر وتمييزه ، فوجب نصب

التمييز (نفسا وخلقا).

ب ـ تمييز الصفات المشتقة :

الصفة المشتقة صفة عامة فى علاقتها بموصوفها ـ مهما كان موقعها الإعرابى ـ وهذه العلاقة العامة تحتاج إلى توضيح وتفسير وتحديد باستخدام ما يميزها ، فإذا قلت : هو طويل ، فإن صفة الطول تحتمل جهات دلالية عديدة ، فهى بمثابة المبهم الذى يحتاج إلى ما يميزه ، لذلك كان المنصوب الذى يحدد الجهة الدلالية للصفة المشتقة تمييزا ، حيث تقول : هو طويل يدا.

ولما كانت الصفة المشتقة ـ فى لفظها ـ جامعة بين الموصوف وصفته ؛ كانت بمثابة الجملة الفعلية ، ولذلك فهى يمكن أن تعمل عمل الفعل ، لهذا كانت من قبيل تمييز النسبة ؛ لأن ما يميّزها إنما يحدد علاقة ، وما يميز العلاقة تمييز نسبة.

من أمثلة ما ينتصب على التمييز بعد الصفات المشتقة :

١ ـ بعد صيغة اسم الفاعل :

نحو : هو متفقّئ شحما ، البيت ممتلئ خيرا ، العدو مشتعل غيظا. كلّ من الأسماء الجامدة النكرة (شحما ، وخيرا ، وغيظا) منصوب على التمييز ، وهو تمييز نسبة لأنه ورد بعد أسماء الفاعلين (متفقئ ،

٢٨٦

ممتلئ ، مشتعل) ، وهى بمثابة : تفقأ ، امتلأ ، اشتعل. ومنه : الشجرة ناضجة ثمرا ، ويانعة أوراقا ، وباسقة طولا.

ومنه ما جاء على صيغة اسم الفاعل ، وهو بمعنى اسم المفعول ، كأن تقول : بيته ممتلئ خيرا ، والبيت ممتلئ خيرا ، والأصل : مملوء.

٢ ـ ما ينتصب بعد صيغة اسم المفعول : نحو : هو فى هذه القضية محترم رأيا ، أنت معظّم قدرا فى هذه الجلسة. حيث كلّ من (رأيا ، وقدرا) منصوب على التمييز بعد صيغة اسم المفعول (محترم ، ومعظم) ، وإذا كان فيهما معنى الثبوت واللزوم فإنهما يكونان من الصفة المشبهة ، ولذلك فإنهما قيّدا بالقول : فى هذه القضية ، والقول : فى هذه الجلسة.

ومنه : الأرض مفجّرة عينا ، الحديقة مزروعة شجرا. الدرس مفهوم أفكارا.

٣ ـ ما انتصب بعد الصفة المشبهة : كقولك : هو جميل وجها ، حيث انتصب (وجها) على التمييز ، وقد ميز الجمال المسند إلى المبتدإ (هو).

ومن ذلك : هو كريم يدا ، أنت طيب نفسا ، أخوك مهذب خلقا ، إنه طاهر ثوبا ، ونقىّ عرضا ، وصاف قلبا. ومنه أن تقول : الكيس ملآن ذهبا ، والدار ملأى ضيوفا.

٤ ـ ما انتصب بعد اسم التفضيل : نحو قوله تعالى : (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) [الكهف : ٣٤] ، (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً) [الكهف : ٣٩]. (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً) [الكهف : ٤٤](١). (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً) [مريم : ٧٥]. (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) [مريم : ٧٣](٢).

__________________

(١) (هنالك) ظرف مكان إشارى مبنى فى محل نصب ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر مقدم. (الولاية) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (لله) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالولاية. (الحق) نعت أو بدل من لفظ الجلالة مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (هو) ضمير مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (خير) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (ثوابا) تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة. (وخير) الواو : حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. خير : معطوف على خير مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، عقبا : تمييز منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

(٢) (قال) فعل ماض مبنى على الفتح. (الذين) اسم موصول مبنى فى محل رفع ، فاعل. (كفروا) فعل ماض مبنى على الضم ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، والجملة صلة الموصول ،

٢٨٧

والتمييز المذكور بعد اسم التفضيل على ثلاثة أقسام من حيث العلامة الإعرابية :

أ ـ ما كان واجب النصب :

التمييز الذى يجب فيه النصب بعد اسم التفضيل يأتى فى تركيبين :

أولهما : ما كان فيه اسم التفضيل غير مضاف. وضابطه المعنوى : ما كان التمييز فى تركيبه غير المفضل ، وإنما هو جهة معنوية من جهات المفضل التى يمكن أن تتعدد ، أما ضابطه اللفظى : فهو ما لا تستطيع أن تجعل فيه التمييز خبرا عن المفضّل ، ولكنه يصح أن تخبر فيه باسم التفضيل عن التمييز ، ثم تخبر بهما سويا عن المفضل ، وإذا جعلت اسم التفضيل فعلا لأصبح التمييز فاعله ، ويجوز أن يكون المفضل فاعلا له كذلك فى كثير من التراكيب. ويمثل له بالأمثلة المذكورة سابقا ، وهذا النوع يجب فى تمييزه النصب.

ففى قوله تعالى : (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) [الكهف : ٣٤]. يكون التمييز (مالا) غير المفضل (أنا) ، ولكنه جهة من جهاته المعنوية المتعددة ، وقد تحددت العلاقة بين (أنا) وبين (الكثرة) بهذه الجهة المخصّصة. ويجوز القول فيه : كثر المال ، وكثرت مالا ، فيصبح التمييز فاعلا لاسم التفضيل ، كما يجوز أن يكون المفضل فاعلا ، ولا يصحّ : أنا مال ، ولكن يصح : أنا مالى أكثر.

مثل التحليل السابق فى : أنا أعز نفرا : عز النفر ، أو عززت نفرا. أنا أقل منك مالا وولدا : قل المال والولد ، قللت مالا وولدا ، ولا يصح أنا نفر ، وأنا مال وولد ، ...

إلخ ، ولكنه يصح أن تقول : أنا نفرى أعز ، ومالى وولدى أقل ... إلخ.

ومنه قولك : هو أعلى منزلة ، وأشرف حسبا. إننى أصدق قولا ، وأكثر إخلاصا. إنهما أشد الموجودين ثقة ، وأفضلهما إتقانا.

__________________

لا محل لها من الإعراب. (للذين) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالقول. (آمنوا) جملة فعلية صلة الموصول لا محل لها. (أى) اسم استفهام مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة. (الفريقين) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الياء ؛ لأنه مثنى. (خير) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، والجملة الاسمية فى محل نصب مقول القول. (مقاما) تمييز منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (وأحسن) الواو : حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. أحسن : معطوف على خير مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (نديا) تمييز منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

٢٨٨

فأنت ترى أنه لا يصح الإخبار بالتمييز فى الأمثلة السابقة : (منزلة ـ حسبا ـ قولا ـ إخلاصا ـ ثقة ـ إتقانا) عن المفضل (هو ـ هو ـ أنا ـ أنا ـ هما ـ هما) ، حيث لا يقال : هو منزلة ... إلخ ، ولكن يجوز : هو منزلته أعلى ، وحسبه أشرف ، أنا قولى أصدق ، وإخلاصى أكثر ، هما ثقتهما أشد ، وإتقانهما أفضل ، كما أننا لو جعلنا اسم التفضيل فعلا لصحّ جعل تمييزه فاعلا له ، فيجوز (علت المنزلة ـ شرف الحسب ـ صدق القول ـ كثر الإخلاص ـ اشتدت الثقة ـ فضل الإتقان) ، كما يجوز أن يكون المفضل فاعلا لاسم التفضيل كذلك ، فيجوز (علوت منزلة ـ شرفت حسبا ـ صدقت قولا ـ كثرت إخلاصا ـ اشتددت ثقة ـ فضلت إتقانا).

ويحلو للنحاة أن يجعلوا هذا القسم من السببى ، وهذا فيه كثير من الصواب ، إذا تذكرنا أن التمييز فى مثل هذه الأمثلة لا يصح أن يخبر به عن المفضل إذا كان مبتدأ ، بل يكون مبتدأ مضافا إلى ضمير المفضّل ، مخبرا عنه باسم التفضيل ، ثم يخبر بالجملة الاسمية عن المفضل ـ كما شرحنا سابقا.

فإذا قلت : زيد أحسن منك ثوبا ، فإنك تلحظ :

أ ـ أن الثوب (التمييز) ليس زيدا (المفضّل).

ب ـ أن التمييز جزء ينتمى إلى المفضّل.

ج ـ أنه لا يجوز الإخبار بالتمييز عن المفضّل.

د ـ أنه يخبر عن المفضّل بجملة اسمية تتكون من المبتدإ (التمييز مضافا إلى ضمير المفضل) وخبره اسم التفضيل.

ه ـ لو جعلنا اسم التفضيل فعلا لجاز أن يكون التمييز فاعله ، أو المفضل فاعلا له.

يذكر ابن مالك : «أفعل التفضيل المميز بسببى ، نحو : زيد أكثر مالا ، وعلامة السببى صلاحيته للفاعلية بعد تصيير (أفعل) فعلا ، كقولك فى زيد أكثر مالا :زيد كثر ماله ....» (١).

__________________

(١) شرح التسهيل ٢ ـ ٣٨١.

٢٨٩

من ذلك قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) [النساء ٦٦]. (تثبيتا) تمييز لاسم التفضيل (أشد) ، وهو واجب النصب.

وقوله تعالى : (فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً) [الكهف ٨١](١).

(وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) [المزمل : ٢٠](٢).

(أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) [الفرقان : ٢٤].

(أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) [المائدة : ٦٠].

(وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى) [طه : ٧١].

(إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) [طه : ١٠٤].

(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [الملك : ٢].

__________________

(١) (الفاء) بحسب ما قبلها. (أردنا) فعل ماض مبنى على السكون ، وضمير المتكلمين مبنى فى محل رفع ، فاعل. (أن) حرف مصدرى ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب. (يبدلهما) فعل مضارع منصوب بعد أن ، وعلامة نصبه الفتحة ، وضمير الغائبين مبنى فى محل نصب ، مفعول به أول. (ربهما) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائبين مبنى فى محل جر بالإضافة ، والمصدر المؤول (أن يبدلهما ربهما) فى محل نصب ، مفعول به. (خيرا) مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (منه) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بخير. (زكاة) تمييز منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (وأقرب) الواو : حرف عطف مبنى لا محل له. أقرب : معطوف على خبر منصوب وعلامة نصبه الفتحة. (رحما) تمييز منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

(٢) (ما) اسم شرط جازم مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (تقدموا) فعل الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. (لأنفسكم) اللام : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. أنفس : اسم مجرور باللام ، وعلامة جره الكسرة ، وضمير المخاطبين مبنى فى محل جر بالإضافة ، وشبه الجملة متعلقة بالتقديم. (من خير) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالتقديم. (تجدوه) فعل جواب الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، وضمير الغائب مبنى فى محل نصب ، مفعول به أول. (عند) ظرف مكان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (الله) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، وشبه الجملة متعلقة بتجد. (هو) ضمير فصل مبنى لا محل له من الإعراب. (خيرا) مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (وأعظم) الواو : حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب ، أعظم : معطوف على خبر منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (أجرا) تمييز منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

٢٩٠

والآخر : ما كان اسم التفضيل فيه مضافا إلى غير التمييز :

يجب نصب التمييز فى التركيب الذى يضاف فيه اسم التفضيل إلى غير التمييز ، أى : يفصل بين اسم التفضيل والتمييز بمضاف إليه. فتقول : هو أكرم الموجودين حسبا ، وأفضلهم خلقا. تلحظ أن التمييز (حسبا ، وخلقا) قد فصل بينه وبين اسم التفضيل الذى يميزه (أكرم ، وأفضل) بالمضاف إلى اسم التفضيل (الموجودين ، وهم) ، لذا وجب نصب تمييز اسم التفضيل.

ومنه قولك : علىّ أطول إخوته قامة ، وأفرعهم طولا.

المؤمن أفضل الناس خلقا ، وأكثرهم ميلا إلى الخير.

المثقف أكثر أبناء المجتمع معرفة بالحقوق والواجبات ، وأشدّهم التزاما بها ومحافظة عليها.

إنهما أشجع الناس رجلين ، وأصلح الناس حالا.

ب ـ ما كان واجب الجر بالإضافة :

ضابطه المعنوىّ : ما كان التمييز فى التركيب هو المفضّل فى المعنى.

أما ضابطه اللفظىّ : فهو ما تستطيع أن تجعل فيه التمييز خبرا عن المفضّل ، وتجعل اسم التفضيل صفة للتمييز. هذا التركيب يجب فيه إضافة التمييز إلى اسم التفضيل.

مثاله أن تقول : هو أكرم رجل ، وأعزّ إنسان ، تلحظ أن التمييز (رجلا وإنسانا) هو المفضل (هو) فى المعنى ، كما تستطيع أن تخبر بالتمييز عن المفضل فتقول : الرجل أكرم ، والإنسان أعزّ ، كما تستطيع أن تقول : هو رجل أكرم ، وإنسان أعزّ ، فتجعل اسم التفضيل صفة للتمييز ، لذلك وجب الجرّ دون النصب.

وتقول : إنه أفضل طالب ، فتجرّ التمييز (طالب) فلو أنك أضفت التمييز إلى غير المميز نصبت بالضرورة. فتقول : هو أكرم إخوته رجلا ، وأعزّ الموجودين إنسانا ، إنه أفضل المتقدمين طالبا.

٢٩١

ج ـ ما احتمل النصب والجرّ بالإضافة :

ضابطه المعنوى : أن يكون التمييز فى التركيب هو المفضّل فى المعنى.

أما ضابطه اللفظى : فهو أن يصحّ أن يكون التمييز خبرا عن المفضل وتجعل اسم التفضيل صفة للتمييز ، ويجب أن يكون التمييز صفة مشتقة ، وليس اسما جامدا ، وهذا الضابط الأخير يفترق به هذا القسم عما سبقه مما هو واجب الجر ، حينئذ تفصل بين اسم التفضيل التمييز بالتنوين ظاهرا أو مقدّرا. كما هو فى قوله تعالى : (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يوسف : ٦٤]. حيث (حافظا) تمييز ـ على الوجه الأرجح ـ لاسم التفضيل (خير) ، فهو تمييز نسبة ، وقراءة الأعمش بجرّ (حافظ) بالإضافة (خير حافظ).

ملحوظة :

إذا قلت : (هو أكرم أب) ؛ فإنه هو الأب ؛ لأن الإضافة تجعل المضاف والمضاف إليه بمثابة الاسم الواحد ، فكأنك قلت : هو أب أكرم. أما إذا قلت : (هو أكرم أبا) ؛ فإنه ليس الأب ، ولكنه ابن هذا الأب الذى ميّز به اسم التفضيل. حيث أراد المتحدث أن يبيّن أن فيه جهة من معنى الكرم ، فميّزها بالأب ، فنصب على التمييز. أما إذا عددت (أبا) حالا ؛ حيث يكون اسما جامدا مؤوّلا بالمشتقّ ؛ فإنه يكون الأكرم فى حال احتسابه أبا ، أو بالنظر إلى أبوّته.

فلتلحظ كيف يتفق التوجه الإعرابىّ مع التوجّه المعنوىّ ، مع الخلاف فى العلامة الإعرابية أو الاتفاق فيها.

 ـ وكذلك كل ما يعمل عمل الفعل من اسم الفعل ، وأساليب التعجب ، والنداء التعجبى وغيرهما. نحو : حسبك بالقرآن كتابا. يا لعلىّ أبا ، ويلمّ لذات الشباب معيشة.

* * *

٢٩٢

قضايا متفرقة فى التمييز

فى هذا القسم من دراسة التمييز تعرض بعض القضايا الخاصة به ، من :التعيين (التعريف والتنكير) ، والمطابقة فى العدد بين التمييز ومميّزه ، والرتبة بين التمييز ومميّزه وعامله ، وجر التمييز بـ (من) ، ومدى توقف الكلام أو المعنى على التمييز ، والفصل بين التمييز ومميّزه ، فتوالى تمييزين ، وبيان مدى كون التمييز مؤكدا ، ثم ما يفرق بين الحال والتمييز ، وذكر بعض المواقع التى تختلف بين الحال والتمييز بقصد المدارسة والتنبيه ، ولهذا الغرض تذكر بعض التراكيب الخاصة لمناقشة ما بها من أوجه إعرابية.

التعيين فى التمييز

مذهب البصريين أن التمييز لا يكون إلا نكرة (١) ، وحجتهم فى ذلك أن التمييز تبيين للجنس ، وهذا لا يحصل إلا بالتنكير. ويؤولون كلّ ما جاء تمييزا بلفظ المعرفة إلى النكرة ، أو تحويلا يحول النصب عن وجه التمييز إلى عامل آخر.

أما الكوفيون والمازنى والمبرد وابن الطراوة فإنهم يجيزون أن يرد التمييز بلفظ المعرفة ، وحجتهم فى ذلك ما جاء فى اللسان من معارف منصوبة على وجه التمييز.

ومما يستشهد به الكوفيون ومن ذهب مذهبهم فى جواز تعريف التمييز قول رشيد اليشكرى :

رأيتك لمّا أن عرفت وجوهنا

صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو(٢)

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ٢٠٥ / الجمل ٢٤٢.

(٢) الحلل فى شرح أبيات الجمل ٣٣٢ / شرح ألفية ابن معطى ١ ـ ٥٨١ / شرح التصريح ١ ـ ٣٩٤ / الدرر ١ ـ ٥٣. وفى بعض المصادر رواية أخرى لا تؤثر فى موضع الشاهد : (لما أن رأيت جلادنا ... رضيت .. يابكر. (رأيتك) فعل ماض مبنى على السكون ، وتاء المتكلم ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، وكاف المخاطب

٢٩٣

حيث ورد تمييز النسبة المنصوب (النفس) معرفا بالألف واللام ، لكن البصريى ومن نحا نحوهم يؤولونها إلى النكرة (نفسا) ، أو أنهم يجعلون الألف واللام زائدتين فيصبح التمييز نكرة.

كما يحتجون بقول الشاعر :

علام ملئت الرعب والحرب لم تقد

لظاها ولم تستعمل البيض والسمر (١)

حيث (الرعب) اسم جامد نكرة معرف بالألف واللام ، وهو منصوب على أنه تمييز نسبة لعلاقة الفعل (ملئ) بفاعله (تاء المخاطب). لكنها تؤول إلى النكرة (رعبا) ، أو أنها منصوبة على نزع الخافض.

__________________

مبنى فى محل نصب ، مفعول به أول. (لما) حرف فيه معنى الشرط مبنى ، لا محل له من الإعراب. (أن) حرف زائد مبنى ، لا محل له من الإعراب. (عرفت) فعل ماض مبنى على السكون ، وتاء المخاطب ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، والجملة شرط (لما) لا محل لها إعرابيا ، وجملة الجواب محذوفة دل عليها جملة (صددت). (وجوهنا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وضمير المتكلمين مبنى فى محل جر بالإضافة. (صددت) فعل ماض مبنى على السكون ، وتاء المخاطب مبنى فى محل رفع ، فاعل ، والجملة فى محل نصب ، حال من المفعول به كاف المخاطب فى رأيتك. أو فى محل نصب ، مفعول به ثان لرأى. (وطبت) الواو حرف عطف مبنى لا محل له. طاب : فعل ماض مبنى على السكون ، وتاء المخاطب مبنى فى محل رفع ، فاعل. (النفس) تمييز منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (يا) حرف نداء مبنى لا محل له إعرابيا. (قيس) منادى مبنى على الضم فى محل نصب. (عن) حرف جر مبنى ، لا محل له إعرابيا. (عمرو) مجرور بعن ، وعلامة جره الكسرة. وشبه الجملة متعلقة بالصد.

 (١) (علام) على : حرف جر مبنى ، لا محل له من الإعراب. ما : اسم استفهام مبنى فى محل جر بعلى ، وشبه الجملة متعلقة بالملء. (ملئت) فعل ماض مبنى على السكون مبنى للمجهول. وتاء المخاطب ضمير مبنى فى محل رفع ، نائب فاعل. (الرعب) تمييز منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وقد يكون منصوبا على نزع الخافض. (والحرب) الواو : واو الحال أو واو الابتداء حرف مبنى لا محل له إعرابيا. الحرب : مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (لم) حرف نفى وجزم وقلب مبنى لا محل له. (تقد) فعل مضارع مجزوم بلم ، وعلامة جزمه السكون ، وحذف أوسطه لتوالى الساكنين. (لظاها) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، وضمير المخاطبة مبنى فى محل جر بالإضافة. والجملة الفعلية (لم تقد لظاها) فى محل رفع ، خبر المبتدإ (الحرب). والجملة الاسمية فى محل نصب ، حال. (ولم) الواو : حرف عطف مبنى لا محل له إعرابيا. لم : حرف نفى وجزم وقلب مبنى ، لا محل له إعرابيا. (تستعمل) فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون مبنى للمجهول. (البيض) نائب فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (والسمر) الواو : حرف عطف مبنى. السمر : معطوف على البيض مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

٢٩٤

أما قولهم : «كم ناقة وفصيلها» ، حيث إن (فصيلا) معرفة معطوفة على محل التمييز (ناقة) وهو النصب ، على أن الواو واو العطف. لكنها تؤول إلى النكرة (وفصيلا لها) ، أو أن الواو تؤول إلى معنى المعية ، فتكون (فصيل) المعرفة منصوبة على أنها مفعول معه.

أما أقوالهم : سفه نفسه ، وغبن رأيه ، وبطر عيشه ، وألم بطنه ، ووفق أمره ، ورشد أمره ، وزيد الحسن الوجه ، فقد جعلوا فيها الأسماء المعرفة المنصوبة (نفسه ، رأيه ، عيشه ، بطنه ، أمره ، أمره ، الوجه) تمييزا لما سبق عليها.

لكنّ البصريين يؤولون ذلك على عدة أوجه (١) :

أحدهما : أن تجعل الإضافة فيه منوية الانفصال ، فيحكم على المضاف بأنه نكرة.

الثانى : أن يضمّن الفعل المذكور اللازم معنى فعل متعد ، فيصير المنصوب منصوبا على المفعولية ، كأنه قيل : سفّه بالتضعيف ، سوّأ رأيه ، ...

الثالث : أن ينصب المنصوب بإسقاط حرف الجر ، كأنه قيل : غبن فى رأيه ، ألم فى رأسه ، وجع فى بطنه ، ... ثم أسقط حرف الجر ، فتعدى الفعل ، فنصب.

الرابع : أن يكون المنصوب منصوبا على التشبيه بالمفعول به ، ويحمل الفعل اللازم على الفعل المتعدى.

المطابقة بين التمييز ومميّزه

تدور قضية المطابقة بين التمييز وما يميزه فى ثلاثة محاور : المطابقة بينهما ، والمخالفة فى التطابق ، وجواز المحورين السابقين ، والمقصود بالمطابقة أن يكون التمييز مماثلا لمميّزه فى العدد : (الإفراد والتثنية والجمع) ، وفى النوع : (التذكير والتأنيث) (٢).

__________________

(١) ينظر : شرح التسهيل لابن مالك ٢ ـ ٣٨٧.

(٢) ينظر : ارتشاف الضرب ٢ ـ ٣٨٠.

٢٩٥

أولا : مواضع المطابقة بين التمييز ومميّزه :

يتطابق التمييز مع ما يميزه فى العدد والنوع فى التراكيب الآتية :

أ ـ إن كان التمييز هو المميز ، أى : إن كان التمييز عين المميز ، أى : اتحدا معنى ، وتطابقا فى النوع والعدد. وضابطه أنه يمكن أن يكون أحدهما بدلا من الآخر ، أو صفة له مع مراعاة شروط التعريف والتنكير ؛ فتقول : كرم محمد رجلا ـ كرمت سعاد امرأة.

كرم المحمدان رجلين ـ كرمت السعادان امرأتين.

كرم المحمدون رجالا ـ كرمت السعادات نسوة.

تلحظ التطابق بين التمييز (رجلا ـ رجلين ـ رجالا ـ امرأة ـ امرأتين ـ نسوة) وما ميّزه (محمد ـ المحمدان ـ المحمدون ـ سعاد ـ السعادان ـ السعادات) فى العدد : إن إفرادا أو تثنية أو جمعا ، وفى النوع : إن تذكيرا أو تأنيثا.

ب ـ إن كان التمييز بعضا أو جزءا عينيّا من ما يميّزه ؛ فإن المطابقة بينهما فى العدد قائمة ؛ فتقول :

جمل محمد وجها ـ جملت فاطمة وجها.

جمل المحمدان وجهين ـ جملت الفاطمتان وجهين.

جمل المحمدون وجوها ـ جملت الفاطمات وجوها.

ج ـ فإن كان التمييز فى صيغتى التعجب (ما أفعله وأفعل به) وكان التمييز اسم عين أو ذات ، أو كان جزءا عينيا أو بعضا مما يميّزه تطابق التمييز مع المميّز فى العدد ؛ فتقول :ما أجمله وجها ـ ما أجمل وفاء وجها.

ما أجملهما وجهين ـ ما أجمل الوفاءان وجهين.

ما أجملهم وجوها ـ ما أجمل الوفاءات وجوها.

٢٩٦

د ـ إن كان التمييز فى باب التعجب باستخدام التراكيب ذات الأفعال أو المصادر الدالة مع ما تسند إليه وتمييزها ؛ من مثل : حسبك ، وكفيك ، ونهيك ، وكفاك ، ونهاك ، وحسبك ، وويحه ، فإنه يتطابق مع مميّزه فى النوع والعدد ؛ فتقول :

حسبك بأخيك ناصرا ـ حسبك بأختك شاهدة.

حسبك بأخويك ناصرين ـ حسبك بأختيك شاهدتين.

حسبك بإخوتك ناصرين ـ حسبك بأخواتك شاهدات.

وتقول :

ويحه رجلا ـ ويحها امرأة.

ويحهما رجلين ـ ويحهما امرأتين.

ويحهم رجالا ـ ويحهن نساء أو نسوة.

ه ـ إن كان التمييز اسم معنى (مصدرا) وأريد بالتركيب اختلاف أنواعه لاختلاف محالّه فإنه يكون جمعا كمميزه. مثل ذلك قوله تعالى : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) [الكهف : ١٠٣]. حيث (أعمالا) جمع للمصدر (عمل) ، وهو منصوب على التمييز ، وجاء مجموعا لتنوعه ، فوافق تمييزه اسم التفضيل المجموع (الأخسرين).

ومنه : تخالف الناس آراء ، وتعاظموا قوى ، لقد تفتحوا عقولا ، وانشرحوا قلوبا ، وتجمعوا أيادى.

ثانيا : مواضع وجوب إفراد التمييز :

يلزم التمييز الإفراد فى التراكيب الآتية :

أ ـ إن كان المميّز أفعل التفضيل ، والتمييز اسم معنى ، فإن التمييز يلزم الإفراد ، ما لم يقصد بيان أنواعه ـ كما ذكرنا سابقا ـ فتقول :

٢٩٧

محمد أفضلهم رأيا ـ فاطمة أفضلهن رأيا.

المحمدان أفضلهم رأيا ـ الفاطمتان أفضلهن رأيا.

المحمدون أفضلهم رأيا ـ الفاطمات أفضلهن رأيا.

فإن قصد باسم المعنى التمييز بيان أنواعه فإنه يتطابق ؛ فتقول :

علىّ الأفضل قولا ـ زينب الفضلى قولا.

العليان الأفضلان قولين ـ الزينبان الفضليان قولين.

العليون الأفضلون أو الأفاضل أقوالا ـ الزينبات الفضليات أقوالا.

ب ـ إن كان التمييز فى صيغتى التعجب (ما أفعله وأفعل به) ، وهو اسم معنى فإنه يلزم الإفراد ما لم يقصد بيان أنواعه ؛ فتقول :

ما أوجهه رأيا ـ أوجه بها قولا.

ما أوجههما رأيا ـ أوجه بهما قولا.

ما أوجههم رأيا ـ أوجه بهنّ قولا.

فإن قصد باسم المعنى التمييز بيان أنواعه فإنه يتطابق ؛ فتقول :

ما أقسى عليا تأويلا ـ ما أقسى فاطمة تأويلا

ما أقسى العليّين تأويلين ـ ما أقسى الفاطمتين تأويلين.

ما أقسى العليّين تأويلات ـ ما أقسى الفاطمات تأويلات

ج ـ إن لزم إفراد معنى التمييز فإنه يفرد لفظا ، كأن تقول : كرم هؤلاء الرجال أصلا. حيث (أصلا) تمييز نسبة ، تفرده لتبيّن أن الرجال المذكورين جميعا أصلهم واحد.

أو تقول : نجح المؤمنون سعيا ؛ حيث (سعيا) تمييز نسبة ، تفرده لأنك لا تقصد بيان أنواعه.

٢٩٨

ثالثا : مواضع جواز إفراد التمييز :

أ ـ يجوز إفراد التمييز وتطابقه مع مميّزه إن كان المميز اسم تفضيل والتمييز اسم عين أو ذات ، بخلاف ما إذا كان اسم معنى فقد ذكرنا أنه يلزم الإفراد ما لم يقصد بيان أنواعه. فتقول :

محمد أحسن الموجودين وجها ـ وفاطمة أحسنهن وجها.

المحمدان أحسن أو أحسنا الموجودين وجها ، أو وجهين.

الفاطمتان أحسن أو حسنيا الموجودين وجها أو وجهين.

المحمدون أحسن أو أحسنو الموجودين وجها أو أوجها.

الفاطمات أحسن أو حسنيات الموجودين وجها أو أوجها.

ب ـ يجوز إفراد التمييز وتثنيته وجمعه بحسب حقيقته التى يريدها المتحدث له ؛ فتقول : دارى خلف دارك فرسخا ، أو فرسخين ، أو فراسخ ، حيث يكون (فرسخا) وما يضاعفه تمييزا منصوبا مفردا أو مثنى أو مجموعا حسب الواقع.

وتقول : حسن الزيدان دارين ، أو دارا ، أو دورا. فتجمع أو تثنى أو تفرد حسب واقع ما للزيدين من عدد الدور.

وتقول : حسن محمد عسلا وماء وشايا ...

كما تقول : كرم المحمدون آباء ، حيث تجمع (آباء) ولا تريد المطابقة بقدر ما تريد أن تبيّن أنّ أباهم ليس واحدا.

ولكنك تقول : حسن المحمدون أبا ، فتفرد التمييز (أبا) لتبين أن أباهم واحد.

فإذا كان لمحمد ثوب واحد فإنك تقول : نظف محمد ثوبا ، فتفرد التمييز (ثوبا) ، وكأنك تودّ أن تبيّن أن له ثوبا واحدا ، يكون نظيفا دائما ، وقد يحتمل أن له أثوابا أخرى.

لكنك إذا أردت أن تبيّن نظافته فى كثرة أثوابه فإنك تقول : (نظف محمد أثوابا) ، فتجمع التمييز المنصوب (أثوابا).

٢٩٩

قضية الرتبة فى التمييز

تدرس قضية الرتبة فى التمييز من جانبين تبعا لقسميه :

أولهما : الرتبة وتمييز الذات :

ينظر إلى رتبة تمييز الذات من حيث أركان التركيب ، حيث احتمال تقدم التمييز على العامل ، أو توسطه بين العامل والمميّز.

١ ـ تقدم التمييز على عامله ومميزه :

يتفق جمهور النحاة ـ وعلى رأسهم سيبويه ـ على أن التمييز لا يتقدم على عامله ومميزه ، وكذلك كلّ ما انتصب عن تمام الاسم ، ويعللون لذلك بأن عامل التمييز ضعيف ، ومشابهته للفعل مشابهة ضعيفة ، كما أنّ التمييز فاعل فى المعنى ، ولا يجوز أن يتقدم الفاعل على فعله. فتقول : أنفقت خمسة وعشرين جنيها ، لا يجوز تقديم التمييز (جنيها) على مميّزه العدد (خمسة وعشرين) ، وكذلك سائر أقسام تمييز المفرد. وما ذكر من شواهد لتقديم التمييز على عامله ومميّزه يرفضه جمهور النحاة ، ويجعلونه شاذّا لا يقاس عليه.

أما إذا كان الفعل غير متصرف فإنهم يمنعون تقديم التمييز مطلقا.

ومن الشواهد التى يذكرها النحاة لتقديم التمييز على عامله ، ويجعلونها ضرورة قول أبى الهول الحميرى :

ولست إذا ذرعا أضيق بضارع

ولا يائس عند التّعسّر من يسر (١)

__________________

(١) (لست) ليس : فعل ماض ناقص ناسخ مبنى على السكون ، وضمير المتكلم مبنى فى محل رفع ، اسم ليس. (إذا) ظرف زمان مبنى ، فى محل نصب متعلق مضارع. (ذرعا) تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة. (أضيق) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنا. والجملة الفعلية فى محل جر بالإضافة. (بضارع) الباء : حرف جر زائد ، ضارع : خبر ليس منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. (ولا يائس) الواو : حرف عطف مبنى لا محل له ، لا : حرف نفى لتأكيده مبنى لا محل له. يأس : معطوف على ضارع منصوب مقدرا. (عند) ظرف زمان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، متعلق باليأس. (التعسر) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (من يسر) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة باليأس.

٣٠٠