النحو العربي - ج ٣

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٣

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٦٠٨

لكننا إذا أمعنا التركيب الذى يرد فيه الحال نجد أن الحال إنما تنصب لإسقاط حرف الجر السابق عليها فى كل صورها اللفظية.

وأستدلّ على ذلك بما فهمه النحاة من أن الحال مفعول فيها الأمر ، فعندما أقول : جئت راكبا ؛ فإن الأصل : جئت فى حال ركوب ، وأن الحال حدث ، ولا بد من التعبير بالحدث ومحدثه ؛ ولذا فإن التقدير الأكثر صحة أن يكون : جئت فى حال راكب ، حذف حرف الجر ، فنصب ما بعده على نزع الخافض ، ولأن لفظ الحال تدل بمدلولها على ما يؤديه سياق كلمة (راكب) ، وعلاقتها بما قبلها ، فكأننى أكرر اللفظ مرتين فى الجملة ، مرة بلفظه ، وأخرى من المقام والسياق ، فآثرت العربية حذف اللفظ ، فانتقلت العلامة الإعرابية الدالة على حذف الخافض إلى ما يليه ، فأصبح الحال فى حال نصب دائم (١). وهذه الفكرة مفصلة فى كتاب : نزع الخافض ـ دراسة فى عوامل النصب فى التراث النحوى.

ثانيا : العوامل التى يجوز لها أن تنصب الحال :

جمهور النحاة يذهبون إلى أن العامل فى الحال هو العامل فى صاحبها.

والعوامل التى تعمل النصب فى الحال ما يأتى :

 ـ الفعل المتصرف : نحو : انطلق محمود مسرعا.

(مسرعا) حال منصوبة من الفاعل (محمود) ، والعامل الفعل المتصرف (انطلق).

 ـ الصفة المشتقة المتصرفة : (اسم الفاعل وصيغ المبالغة ، واسم المفعول والصفة المشبهة) ، نحو : إنها محمودة الخلق ساميا ـ على كاتب الدرس دقيقا ـ هو شرّاب الدواء مرا ـ إنه حذر الخطر وهو يؤدى اللّعبة ـ هو طاهر الثوب مصليا.

(ساميا) حال من (الخلق) والعامل فيها اسم المفعول (محمودة) ، و (دقيقا) حال من (الدرس) ، والعامل فيها اسم الفاعل (كاتب) ، و (مرا) حال من (الدواء) ، والعامل

__________________

(١) ينظر : المقتضب ٤ ـ ١٦٦ ، ٤٠٠.

٢١

فيها صيغة المبالغة (شراب) ، والجملة الاسمية (وهو يؤدى) فى محل نصب ، حال من الفاعل المستتر فى (حذر) ، والعامل فيها صيغة المبالغة (حذر) ، و (مصليا) حال من الضمير المستتر فى (طاهر) ، والعامل فيها الصفة المشبهة (طاهر).

 ـ المنسوب : وهو شبيه بالصفة المشتقة ، نحو : أنا قرشىّ مفتخرا ، وأنا إسلامىّ عزيزا ، وهو مصرىّ معتزا.

كل من : (مفتخرا ، وعزيزا ، ومعتزا) أحوال منصوبة ، والعامل فيها الأسماء المنسوبة : (قرشى ، وإسلامى ، ومصرى).

 ـ مثل : الفعل الجامد : نحو : نعم ، وبئس ، وحبذا ، ولا حبذا ، وفعلى التعجب ، ولا يعمل فى الحال من الأفعال الجامدة (ليس وعسى) ، وذلك نحو : ما أسرع محمدا لاعبا ـ حبذا محمود شارحا ـ نعم المتحدث محمود صادقا ـ بئس المبلّغ سميرا كاذبا.

(لاعبا) حال من المفعول به (محمدا) ، والعامل فيها فعل التعجب الجامد (أسرع) ، و (شارحا) حال من المخصوص بالمدح (محمود) ، والعامل فيها فعل المدح (حب) ، و (صادقا) حال من (محمود) ، والعامل فيها فعل المدح (نعم) ، و (كاذبا) حال من (سميرا) ، والعامل فيها فعل الذم (بئس).

 ـ الصفة المشتقة الشبيهة بالفعل الجامد : وهى اسم التفضيل ، حيث يقصر عن الصفة المشتقة المتصرفة فى عدم قبوله العلامة الدالة على العدد أو النوع مطلقا ، نحو : هو أطولهم قامة منتصبا.

(منتصبا) حال من الضمير المستتر فى (أطول) ، والعامل فيها اسم التفضيل (أطول).

 ـ ويلحق بالصفات المشتقة غير المتصرفة (مثل وشبه) : فتقول : إنه مثل أخيه محترما ، وأنت شبه علىّ ماهرا ، وفلان قائما مثله قاعدا ، وفلان قائما مثلك قاعدا. (محترما) حال من الضمير الغائب ، والعامل

٢٢

فيها (مثل) ، حيث إنها بمعنى (مثيل) أو (يماثل) ، وكذلك العامل فى الحال (ماهرا) شبه ، والعامل فى الحالين (قائما وقاعدا) مثل ما سبق.

 ـ والمصادر : سواء أكانت صريحة ، نحو : تنظيمى الكتب مرتّبة. حيث (مرتبة) حال من (الكتب) ، والعامل فيها المصدر الصريح (تنظيم). أم مقدرة بالحرف المصدرى والفعل ، نحو : أعجبنى نظرتك إليه مقدّرا. ، أى : أن تنظر. (مقدرا) حال من كاف المخاطب فى المضاف إلى (نظرة) ، والعامل فيها المصدر (نظرة).

 ـ اسم الفعل : نحو : نزال مسرعا ، صه ملتزما ، إليك الكتاب جديدا ، عليك زيدا راكبا. كلّ من : (مسرعا وملتزما وجديدا وراكبا) حال ، والعامل فيها أسماء الأفعال : (نزال ، وصه ، وإليك ، وعليك).

 ـ ما تضمن معنى الفعل دون حروفه ، نحو : أسماء الإشارة ، وحرف التشبيه (كأن) ، وحرف الرجاء (لعل) ، وحرف التمنى (ليت) ، وحروف الجر ، والظروف ، وحرف النداء ، والاستفهام التعظيمى ، والتعجب التعظيمى ، والتنبيه ، والتشبيه بدون حروفه.

من ذلك : هذا هو الأول فاهما ، كأنه الأسد إقداما ، لعله صديقى مصافيا ، ليته محمد مقبلا ، الطفل فوق الكرسىّ باكيا ، على عند أخيه زائرا ، يا ربنا منعما حقق آمالنا ، يا جارة ما أنت جارة ، يا له كريما.

(فاهما) حال من (الأول) ، والعامل فيها اسم الإشارة (هذا).

(إقداما) حال من ضمير الغائب فى (كأنه) ، والعامل فيها حرف التشبيه (كأن).

(مصافيا) حال من ضمير الغائب اسم (لعل) ، والعامل فيها حرف الرجاء.

(مقبلا) حال من اسم (ليت) ، والعامل فيها حرف التمنى.

(باكيا) حال من (الطفل) ، أو من الضمير فى الخبر المحذوف ، والعامل فيها شبه الجملة الظرفية (فوق الكرسى). وكذلك (زائرا) حال عاملها الظرف (عند).

(منعما) حال من المنادى (رب) ، والعامل فيها حرف النداء (يا).

(جارة) حال من الضمير ، والعامل فيها الاستفهام التعظيمى (ما أنت؟).

٢٣

(كريما) حال من ضمير الغائب ، والعامل فيها التعجب التعظيمى (يا له).

ومنه قول النابغة :

كأنه خارجا من جنب صفحته

سفّود شرب نسوه عند مفتأد (١)

وكذلك : ها أنا زيد قائما عند من جوّز مجىء حرف التنبيه بدون اسم الإشارة (٢). إذ الصواب الراجح أن تقول : ها أنا ذا زيد قائما.

محمد كعلى فاهما ـ محمد كعلىّ مقبلا.

ومنه قوله تعالى : (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً). [هود : ٧٢].

محمد قائما كمحمود قاعدا. حيث (فاهما) حال ، عاملها حرف التشبيه ، و (مقبلا) حال ، العامل فيها التشبيه دون حروفه ، حيث التقدير : (محمد يشبه عليا مقبلا).

الحظ العامل فى الحال (شيخا) ، وهو اسم الإشارة ، والعامل فى الحالين (قائما وقاعدا) ، وهو حرف التشبيه.

 ـ معنى التنبيه والتعريف : فيما إذا قيل : «هو زيد منطلقا فى حاجتك ، وأنا زيد منطلقا فى حاجتك». (منطلقا) فى الموضعين منصوبة على الحالية من الخبر (زيد) ، والعامل فيها معنى التنبيه والتعريف. كالإشارة فى المبهمات فيما إذا قلت : هذا زيد منطلقا فى حاجتك.

__________________

(١) السفود : الحديدة التى يشوى بها الكباب ، شرب : جمع شارب ، مفتأد : المشتوى والمطبخ.

(كأنه) حرف تشبيه مبنى ، لا محل له من الإعراب ، وضمير الغائب مبنى فى محل نصب ، اسم كأن.

(خارجا) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة. (من جنب) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالخروج. (صفحته) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة. (سفود) خبر كأن مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (شرب) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (نسوه) فعل ماض مبنى على الضم المقدر ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، وضمير الغائب مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، صفة لسفود ، والتقدير : سفود شرب منسى. (عند) ظرف مكان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (مفتأد) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، وشبه الجملة متعلقة بالنسيان.

(٢) الرضى على الكافية : ١ ـ ٢٠١.

٢٤

مبنى صاحب الحال

يجب أن يكون مبنى صاحب الحال معرفة ، ذلك لأن صاحب الحال محكوم عليه بما فيه معنى الحال ، والمحكوم عليه يجب أن يكون معرفة حتى يفيد فى المعنى العام ؛ لأن الحكم على النكرة لا يفيد غالبا (١).

ولقد ذكرنا أن الحال بمثابة الخبر للمبتدإ الذى هو بمثابة صاحب الحال ، والمبتدأ يكون معرفة لأداء معنى المعلومية لدى طرفى الحديث ، وكى يبنى عليه معنى الإسناد ، إسناد الخبر إليه ، فالإسناد إلى مجهول أو الإخبار عنه لا يفيد ؛ لذا وجب أن يكون معرفة ، أو ما فيه معنى المعرفة ، كأن يكون نكرة متخصصة. وتتخصص النكرة إما عن طريق إفادتها العموم والشمول ، وإما عن طريق تخصيص معناها بتضييق إبهامها معنويا.

مواضع مجىء الحال من النكرة :

لا يكون صاحب الحال نكرة إلا بمسوّغ يجعلها قريبة من المعرفة ، وهو فى ذلك بمثابة المبتدإ نكرة حيث يحتاج إلى مسوغ ، إما أن يخصصه ويحدده فلا يجعله فى مجمل المبهمات ، وإما أن يجعله يفيد العموم والشمول بالمعنى أو بالنفى المطلق.

ومسوغات مجىء صاحب الحال نكرة هى :

أ ـ تقدم الحال على صاحبها لفظا :

فالتقدم يفيد معنى التخصيص والاهتمام ، وهو مسوغ لتقريب النكرة من المعرفة ، ومثاله قول كثيّر عزة :

لمّية موحشا طلل

يلوح كأنّه خلل (٢)

فـ (موحشا) حال من (طلل) ، وهو نكرة ، إلا أنه لما تقدمت الحال على صاحبها جاز أن يكون نكرة.

__________________

(١) ينظر : شرح التصريح ١ ـ ٣٧٥.

(٢) (لمية) اللام حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب ، مية : اسم مجرور بعد اللام ، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة ؛ لأنه ممنوع من الصرف ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر مقدم. (طلل) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (يلوح) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله ضمير مستتر

٢٥

ومنه قول الشاعر :

وما لام نفسى مثلها لى لائم

ولا سدّ فقرى مثل ما ملكت يدى (١)

حيث نصبت (مثل) على الحالية من النكرة (لائم) ، ذلك لأن الحال تقدمت عليها.

ومنه ما ذكره سيبويه من قول الشاعر :

وبالجسم منى بيّنا لو علمته

شحوب وإن تستشهدى العين تشهد (٢)

(بيّنا) حال من النكرة (شحوب) ، والمسوغ تقدم الحال على صاحبها.

ومنه أن تقول : فيها قائما رجل.

__________________

تقديره : (هو) ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، نعت لطلل. (كأنه) حرف تشبيه مبني ، لا محل له من الإعراب ، وضمير الغائب مبنى فى محل نصب ، اسم (كأن). (خلل) خبر كأن مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة الاسمية المنسوخة (كأنه خلل) فى محل نصب ، حال من الضمير المستتر فى (يلوح).

 (١) المساعد ٢ ـ ١٩ / شرح ابن عقيل ٢ ـ ٢٥٧.

(نفسى) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها مناسبة الكسرة لضمير المتكلم ، والياء ضمير مبنى فى محل جر بالإضافة. (لى) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل نصب ، حال من لائم ، تقدمت الصفة على الموصوف النكرة فأصبحت حالا. (لائم) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (فقرى) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، وضمير المتكلم فى محل جر بالإضافة. (مثل) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (ما) اسم موصول مبنى فى محل جر بالإضافة. (ملكت) فعل ماض مبنى على الفتح ، والتاء للتأنيث حرف مبنى لا محل له من الإعراب.

(يدى) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، وضمير المتكلم فى محل جر بالإضافة ، والجملة الفعلية صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب.

(٢) الكتاب ٢ ـ ١٢٣ / شرح ابن الناظم ٣١٩ / المساعد ٢ ـ ١٩ / ابن عقيل ٢ ـ ٢٢٥.

(بالجسم) جار ومجرور ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر مقدم. (لو) حرف شرط غير جازم مبنى ، لا محل له من الإعراب. (علمته) فعل الشرط ماض مبنى على السكون ، وتاء المخاطبة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، وضمير الغائب مبنى فى محل نصب ، مفعول به. وجملة جواب الشرط محذوفة ، والتقدير : لو علمته لأنقذتنى. ويجوز أن تجعل (لو) حرفا للتمنى لا محل له من الإعراب ، والجملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب ، وعندئذ لا يحتاج (لو) إلى جواب. (الواو) استئنافية لا محل لها من الإعراب. (إن) حرف شرط جازم ، مبنى لا محل له من الإعراب. (تستشهدى) فعل الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف النون ، وياء المخاطبة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. (العين) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (تشهد) فعل جواب الشرط مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون ، وحرك بالكسر من أجل الروى ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : (هى).

٢٦

ومن النحاة من يرى وجوب تقدم الحال ـ حينئذ ـ لأنها لو تأخرت لالتبست بالصفة (١).

ومنه قول ذى الرمة :

وتحت العوالى فى القنا مستظلّة

ظباء أعارتها العيون الجآذر (٢)

أراد : (ظباء مستظلة) ، فلما تقدمت الصفة (مستظلة) على الموصوف النكرة (ظباء) نصبت على الحالية.

ب ـ أن يتخصص صاحب الحال النكرة ، إما :

١ ـ إما بوصف :

كما ورد فى قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ) [البقرة : ٨٩]. بنصب (مصدقا) فى قراءة ابن أبى عبلة ، وكما هو فى مصحف أبىّ (٣) ، وهو حال من (كتاب) ، وجاز مجىء الحال من صاحبها النكرة حيث تخصصت بالصفة شبه الجملة (من عند الله) ، و (مصدق) بالرفع صفة ثانية لكتاب.

__________________

(١) ينظر : شرح جمل الزجاجى ١ ـ ٣٣٩ / الإيضاح فى شرح المفصل ١ ـ ٢٤٢ / شرح الكافية لابن الحاجب ١ ـ ٤٠.

(٢) الكتاب ٢ ـ ١٢٣ / شرح المفصل ٢ ـ ٦٤.

(تحت) ظرف مكان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (العوالى) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة المقدرة ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر مقدم. (فى القنا) جار ومجرور ، وعلامة جره الكسرة المقدرة ، وشبه الجملة توكيد لشبه الجملة السابقة ، أو فى محل نصب ، حال من العوالى. (مستظلة) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة ، وهى حال من ظباء. (ظباء) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (أعارتها) فعل ماض مبنى على الفتح ، والتاء للتأنيث حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب ، وضمير الغائبة مبنى فى محل نصب ، مفعول به أول. (العيون) مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (الجآذر) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، والجملة الفعلية (أعارتها العيون الجاذر) فى محل رفع ، نعت للظباء.

(٣) ينظر : إعراب القرآن للنحاس ١ ـ ٢٤٦ / إملاء ما من به الرحمن ١ ـ ٥٠ / الجامع لأحكام القرآن ٢ ـ ٢٦ / تفسير الفخر الرازى : ٣ ـ ١٦٣ / الكشاف ١ ـ ٦٤ / المحرر الوجيز ١ ـ ٣٨٩ / البيضاوى ١ ـ ٧٥ / الدر المصون ١ ـ ٢٩٧.

٢٧

ومنه قول الشاعر :

نجّيت يا ربّ نوحا واستجبت له

فى فلك ماخر فى اليمّ مشحونا

حيث نصب (مشحونا) على الحالية من النكرة (فلك) ، وهى مختصة بالصفة (ماخر) ، فلما وصفت قربت من المعرفة.

ومنه قوله تعالى : (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ) [الشعراء ٥].

٢ ـ وإما بإضافة إلى نكرة :

كما هو فى قوله تعالى : (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ) [فصلت ١٠].

العامّة على نصب (سواء) ، إما على الحالية من ضمير الغائبة فى (فيها) ، أو فى (أقواتها) ، وهو عائد على الأرض فى الآية السابقة.

وإما على الحالية من (أربعة) ، وهى نكرة تخصصت بالإضافة إلى (أيام) ، فالأيام الأربعة مستوية للسائلين ، لا زيد ولا نقص ، ويقوّى الرأى الأخير قراءة سواء بالجر ، فتكون صفة لأربعة أيام (١).

٣ ـ وإما بإعمال صاحب الحال النكرة فيما بعده :

قد يكون تخصيص النكرة ناشئا من ذكر معمولها بعدها ؛ لأن المعمول يحدد الجهة المعنوية للعامل الاسم النكرة ، فيخصصه ويقربه من المعرفة ، كأن تقول : عجبت من طالب الامتحان متكاسلا ، بنصب (متكاسلا) على الحالية من (طالب) وهى نكرة ، لكنها تخصصت بذكر معمولها (الامتحان) ، حيث حدد جهتها المعنوية.

__________________

(١) ينظر : الكشاف ٢ ـ ٣٢٦ / البيان فى غريب إعراب القرآن ٢ ـ ٣٣٧ / الدر المصون ٦ ـ ٥٧.

وفى (سواء) قراءة بالرفع على أنها خبر لمبتدإ محذوف ، والتقدير : هى سواء للسائلين.

وتوجه قراءة النصب كذلك على أن (سواء) مصدر لفعل محذوف ، والتقدير : تستوى استواء.

٢٨

ومثل ذلك : أعجبت بمقبل على الخير مخلصا ، وله عشرون جنيها كاملة.

٤ ـ وإما باسم التفضيل المقرون بحرف الجر (من):

قد يكون تخصص النكرة باستخدام اسم التفضيل المقرون بحرف الجرّ (من) ، حيث إن التفضيل يحتاج إلى مفضل ، ومفضل عليه ، فإذا كان أحدهما نكرة ، والآخر معرفة ، فإن النكرة تتخصص بمقارنتها بالمعرفة بوساطة معنى التفضيل ، فإذا قلت : أعجبت بخير من علىّ مجيبا ، فإن النكرة (خير) قد تخصصت بتفضيلها على المعرفة فى حال كون صاحب النكرة مجيبا ، فجاز مجىء الحال من النكرة ـ حينئذ ـ لأنها تخصّصت.

٥ ـ وإما بعطف المعرفة على النكرة ، وهما صاحبا الحال :

يتخصص صاحب الحال النكرة إذا عطف عليه صاحب الحال نفسه المعرفة ؛ لأن المعطوف والمعطوف عليه يشتركان فى جهات معنوية واحدة ، فإذا قصر أحدهما فى جهة التنكير ، فإن الآخر يقوّيه إذا كان معرفة ، فإذا قلت : جاء أصدقاء وأحمد راكبين ، فإن صاحب الحال (أصدقاء) ، وهو نكرة ، يتخصص بعطف صاحب الحال ـ نفسها ـ المعرفة (أحمد) عليه ، فهما ـ أى : النكرة والمعرفة ـ يشتركان فى أنهما ـ معا ـ صاحب الحال (راكبين) ، فجاز أن تأتى الحال من النكرة ـ حينئذ.

ومن الأمثلة : هذا رجل وعبد الله منطلقين ، وهؤلاء ناس وعبد الله منطلقين.

ج ـ أن يسبق صاحب الحال النكرة بنفى أو نهى :

إذا سبق صاحب الحال النكرة بنفى أو نهى فإنه يتخصص ، ويصبح قريبا من المعرفة ، ذلك لأن النفى أو النهى مع النكرة يفيد معنى الشمول والعموم ، وهو معنى يدل على الاستغراق ، والاستغراق بمثابة التحديد.

ففى قوله تعالى : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) [الحجر : ٤] ، فإن الجملة (ولها كتاب معلوم) فى محل نصب على الحالية من (قرية) ، وصاحب الحال نكرة تخصصت بسبقها بالنفى بواسطة الحرف (ما) ، فأعطى معها معنى الاستغراق ، ولذلك فقد سبقت النكرة بـ (من) الاستغراقية.

٢٩

ويمثل لوقوع صاحب الحال نكرة بعد النفى بقول الراجز :

ما حمّ من موت حمى واقيا

ولا ترى من أحد باقيا (١)

حيث نصب (واقيا) على الحالية من (حمى) وهو نكرة ، لكنها سبقت بالنفى (ما) ، فقربت من المعرفة ، حيث شمل معناها الاستغراق والشمول.

وإذا احتسبنا (ترى) بصرية فإن (باقيا) تكون حالا من النكرة (أحد) ، وقد شملت الاستغراق والشمول ، حيث سبقت بأداة النفى (لا) ، كما أنها سبقت بحرف الجر الاستغراقىّ (من).

ومن مجىء الحال من صاحبها النكرة قوله تعالى : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) [الشعراء : ٢٠٨] ، حيث إن الجملة الاسمية (لها منذرون) فى محل نصب على الحالية من النكرة (قرية) ، وقد سوغ مجىء صاحب الحال نكرة فى هذا الموضع سبقه بحرف النفى (ما).

ومنه قوله تعالى : (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها) [الأنعام ٥٩] ، حيث الجملة الفعلية (يعلمها) فى محلّ نصب على الحالية من النكرة (ورقة) ، وتلحظ سبق صاحب الحال بحرف النفى (ما) وحرف الاستغراق الزائد (من).

ومثال النكرة التى سبقت بنهى ، فتخصصت ، فقربت من المعرفة ، فصحّت صاحبا للحال قول قطرى بن الفجاءة ، وينسب للطرماح :

لا يركنن أحد إلى الإحجام

يوم الوغى متخوّفا لحمام (٢)

__________________

(١) (حم) فعل ماض مبنى على الفتح مبنى للمجهول. (من موت) شبه جملة متعلقة بـ (واقيا) ، (حمى) نائب فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر. (لا) حرف نفى مبنى ، لا محل له من الإعراب ، (ترى) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، وفاعله مستتر تقديره : أنت. قد تحسب ترى بصرية فتحتاج إلى مفعول واحد ، وقد تحسب علمية فتحتاج إلى مفعولين. (من) حرف جر زائد مبنى ، لا محل له من الإعراب. (أحد) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد ، (باقيا) منصوب على الحالية من أحد حيث ترى بصرية ، أو منصوب على أنه مفعول به ثان لترى العلمية.

(٢) ينظر : شرح ابن عقيل ٢ ـ ٢٦٢ / المساعد ٢ ـ ١٨ / شرح ابن الناظم ٣٢٠ / شرح التصريح ٢ ـ ٣٧٧ / معجم الشواهد العربية ١ ـ ٣٧٦.

٣٠

حيث (متخوفا) حال من (أحد) ، وهو نكرة تخصصت بالنهى السابق عليها (لا) ، فأصبح معناها فيه الاستغراق والشمول مما يقربها إلى المعرفة.

ومنه كذلك : «لا يبغ امرؤ على امرئ مستسهلا» ، حيث (مستسهلا) حال من الفاعل النكرة (امرؤ) ، وهو مسبوق بـ (لا) الناهية ، فأصبح معناه فيه استغراق وشمول ، فيكون قريبا من المعرفة.

د ـ أن يسبق صاحب الحال النكرة باستفهام :

إذا سبقت النكرة باستفهام جاز أن تكون صاحبة للحال ، ذلك لأن النكرة ـ حينئذ ـ تلبس معنى الاستغراق أو الشمول ، ولذلك فإنها غالبا تسبق فى هذا الموضع بـ (من) الاستغراقية ، فتقول : هل يوجد أحد فاهما؟ وهل يوجد من أحد فاهما؟ (١). وكلمة (أحد) فى الموضعين تعنى : (أى أحد) ، وهذا يؤدى معنى الاستغراق والشمول ، ذلك لأن السؤال ليس مخصصا بمعين ، ولا بواحد مبهم ، وإنما يشمل كلّ الأفراد الموجودين ، والسؤال عن حال كون أىّ منهم فاهما ، و (فاهما) فى كلا الموضعين حال منصوب.

ويمثلون لذلك بقول الطائى :

يا صاح هل حمّ عيش باقيا فترى

لنفسك العذر فى إبعادها الأملا (٢)

__________________

(لا) حرف نهى مبنى ، لا محل له من الإعراب. (يركنن) فعل مضارع مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المباشرة ، فى محل جزم ، ونون التوكيد حرف مبنى لا محل له من الإعراب. (أحد) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (إلى الإحجام) شبه الجملة متعلقة بيركن.

(يوم) ظرف زمان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة متعلق بيركن. (الوغى) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة المقدرة. (لحمام) شبه جملة متعلقة بالتخوف.

 (١) من الأمثلة التى تسبق فيها النكرة باستفهام ويستحب سبق النكرة بحرف الاستغراق (من) أن تقول : هل من إله غير الله؟ هل من خالق غير الله؟ ...

(٢) (يا) حرف نداء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (صاح) منادى مبنى على الضم المقدر ، فتقديره : يا صاحب. (هل) حرف استفهام مبنى ، لا محل له من الإعراب. (حم) فعل ماض مبنى على الفتح مبنى للمجهول. (عيش) نائب فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (باقيا) حال منصوبة من عيش ، وعلامة نصبها الفتحة. (فترى) الفاء حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب ، ترى : فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، وفاعله مستتر تقديره : أنت ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر لمبتدإ ـ محذوف ، والتقدير : فأنت ترى. وهى جواب الاستفهام : هل حم عيش. (لنفسك) جار ومجرور ومضاف إليه مبنى ، وشبه الجملة متعلقة بالرؤية. (العذر) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (فى إبعادها) جار ومجرور ومضاف إليه مبنى ، وشبه الجملة متعلقة بالعذر. (الأملا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة والألف للإطلاق.

٣١

حيث (باقيا) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة ، وصاحب الحال النكرة (عيش) وهو نائب فاعل ، وهو نكرة سبقت بحرف الاستفهام (هل) ، فقرّب الاستفهام النكرة من المعرفة ، لأنه جعلها تعنى الاستغراق والشمول.

ه ـ أن تكون جملة الحال مصدرة بالواو :

يذكر بعض النحاة أن جملة الحال إذا كانت مصدرة بواو الابتداء أو واو الحال فإنّ صاحبها يجوز أن يكون نكرة ، ويقيد النحاة الحاجة إلى ذلك فى الإيجاب لا النفى ، ذلك لأن النفى مسوغ لمجىء الحال من النكرة ، لكنه لا مانع من وجود مسوغين فى الجملة الواحدة.

يمثل لذلك بقوله تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها)(١).

[البقرة ٢٥٩]. حيث الجملة الاسمية (هى خاوية) المكونة من المبتدإ (هى) ، والخبر (خاوية) ، جملة فى محل نصب على الحالية ، وصاحب الحال (قرية) ، وهو نكرة ، ذلك لأن جملة الحال مصدرة بواو الحال أو الابتداء.

__________________

(١) فى قوله تعالى : (وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) عدة أوجه إعرابية :

أحدها : ما ذكر فى أعلى الصفحة.

ثانيها : أنها فى موضع جر ، نعت لقرية ، والواو لإلصاق الصفة بالموصوف ، أو لشبهها بالجملة الحالية.

و (على عروشها) متعلقة بخاوية.

ثالثها : (على عروشها) بدل من (على قرية) فى محل نصب ، وتكون جملة (وهى خاوية) اعتراضية ، أو حالية. والتقدير : على قرية على عروشها.

رابعها : (على عروشها) صفة لقرية ، والتقدير : على قرية ساقطة على عروشها.

خامسها : أن تكون جملة (وهى خاوية) حالا من العروش ، أو حالا من المضاف إليه : فى عروشها ، والأخير ضعيف مع جوازه. ينظر : الإملاء ١ ـ ١٠٩ / الدر المصون ١ ـ ٦٢٢.

سادسها : أن تكون حالا من فاعل (مر).

٣٢

ومنه قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ). [البقرة : ٢١٦](١).

حيث كلّ من جملتى (هو خير لكم ، هو شر لكم) فى محل نصب على الحالية من النكرة (شيئا) فى الموضعين ، ذلك لأن كلا منهما صدّر بواو الابتداء أو واو الحال.

ومثل ذلك أن تقول : خرجت عجوز من دارها وهى تهرول ، فالجملة الاسمية (وهى تهرول) حال من النكرة (عجوز) ، وقد جاز ذلك حيث صدرت جملة الحال بالواو ، أما شبه الجملة (من دارها) فهى متعلقة بالخروج.

وقول الشاعر ـ وينسب إلى قيس بن ذريح :

مضى زمن والناس يستشفعون بى

فهل لى إلى ليلى الغداة شفيع (٢)

__________________

(١) يرى ابن جنى والزمخشرى أن كلا من جملتى : (وهو خير لكم) ، و (هو شر لكم) فى محل نصب على الصفة من (شيئا) ، وذكرت الواو فى صدر الجملة لأن صورتها صورة الحال ، فكما تدخل الواو عليها وهى حالية ، تدخل عليها وهى صفة ، والواو لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف ، لكن النحاة يردون ذلك.

ينظر : الكشاف ١ ـ ٥١١ / إملاء ما منّ به الرحمن ١ ـ ٩٢ / الدر المصون ١ ـ ٥٧٦ ، ٥٢٧.

(القتال) نائب فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة. (عليكم) شبه جملة متعلقة بالكتابة.

(وهو كره لكم) الواو ابتدائية أو حالية حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب ، ضمير الغائب مبنى فى محل رفع ، مبتدأ ، (كره) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، والجملة الاسمية فى محل نصب ، حال من القتال. (لكم) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل رفع ، نعت لكره.

(٢) ينظر : المساعد ٢ ـ ١٩ / مغنى اللبيب ٢ ـ ٤٣٢.

(مضى) فعل ماض مبنى على الفتح المقدر. (زمن) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (والناس) الواو للابتداء أو للحال ، حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب ، الناس مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

(يستشفعون) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدإ (الناس) ، والجملة الاسمية (والناس يستشفعون) فى محل نصب حال ، (بى) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالفعل (يستشفع). (الفاء) تعقيبية لا محل لها من الإعراب. (هل) حرف استفهام مبنى لا محل له من الإعراب. (لى) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر مقدم ، أو فى محل نصب ، حال ، (إلى ليلى) جار ومجرور وعلامة جره الفتحة المقدرة ، حيث منعه من الصرف ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر مقدم ، أو فى محل نصب حال. (الغداة) ظرف زمان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، متعلق بشفيع. (شفيع) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

٣٣

الجملة الاسمية المصدرة بالواو (والناس يستشفعون) فى محل نصب على الحالية من (زمن) ، وهو نكرة ، وجاز أن تكون النكرة صاحبة الحال فى هذا الموضع لتصدر جملة الحال بالواو.

و ـ قد تأتى الحال من صاحبها النكرة بلا مسوغ :

من الأمثلة التى ذكرها النحاة لمجىء الحال من النكرة بلا مسوغ من المسوغات السابقة قولهم : «عليه مائة بيضا» (١). حيث (بيضا) حال من (مائة) وهى نكرة ، وليس فيها مسوغ مما سبق.

لكننا نجد أن من النحاة من يجعل المسوغ مثيلا للمسوغ بالابتداء بالنكرة في هذا الموضع ، حيث المبتدأ ؛ النكرة (مائة) ، وخبره شبه الجملة المتقدمة (عليه) ، وجاز الابتداء بالنكرة ، لأنه تقدم عليها الخبر شبه الجملة فتخصصت.

كما أننا نجد أن من النحاة من يجعل (بيضا) فى هذا الموضع تمييزا للنكرة (مائة) (٢) ، ولكن الجمهور يردّ عليهم بأن تمييز (مائة) لا يكون إلا مفردا مجرورا ، و (بيضا) جمع منصوب.

وفى الأثر : عن عائشة زوج النبى ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أنها قالت : «صلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وهو شاك ، فصلى جالسا ، وصلى وراءه قوم قياما ، فأشار إليهم أن اجلسوا ...» (٣). حيث (قياما) انتصبت على الحالية من النكرة (قوم) بلا وجود مسوغ مما ذكر سابقا ، وإن كان الأثر مرويا بالمعنى فهو واقع لغوى.

ملحوظة :

صاحب الحال يرتبط بحدث فى الجملة الأساس ، ثم تأتى الحال التى تتضمنه لتربطه بحدث آخر غير الحدث الأول ، وتكون علاقته بكل حدث من الحدثين علاقة منفصلة عن الآخر ، فإذا عرفنا أن العلاقة بين أجزاء الجملة ؛ مهما كانت

__________________

(١) ينظر : الكتاب ٢ ـ ١٢٢ / شرح التصريح : ١ ـ ٣٧٨.

(٢) ينظر : الكتاب ٢ ـ ١٥٩.

(٣) الموطأ ١ ـ ١٣٥ باب (صلاة الإمام وهو جالس).

٣٤

هذه الأجزاء أساسا فى الركنين أم فضلات ، إنما هى علاقة معنوية ، فإن الحال قد تغير معنى صاحبها بالنسبة للأحداث التى يرتبط بها فى الجملة ، وقد لا تغيره. فإذا قلت : جئتك راكبا ، فإن راكبا حال من الفاعل ضمير المتكلم فى (جئت) ، وتلحظ أن صاحب الحال فاعل فى الأساس ، وفاعل فى الحال.

وإذا قلت : شاهدت الشجرة مشذبة ، فإن صاحب الحال فى الأساس وفى الحال مفعول به.

أما إذا قلت : جئتك مجبرا مضطرا ، فإن صاحب الحال فاعل فى الأساس ، ومفعول به فى الحال ؛ حيث إنه نائب فاعل.

وقولك : أكلت التفاحة ناضجة ، يجعل صاحب الحال مفعولا به فى الأساس ، وفاعلا فى اللفظفى الحال ، وإن كان مفعولا به فى المعنى فى الحال. لكن ذلك يتضح فى اللفظ والمعنى فى القول : عاقبت الطفل عابثا.

وفى يسر يمكن لك أن تدرك هذه الفكرة.

الصور التى تأتى عليها الحال

ترد الحال فى الجملة العربية على عدة صور ، حيث تكون اسما ، وجملة ، وشبه جملة.

أولا : الحال اسما :

تأتى الحال فى صورة الاسم قسما من أقسام الكلمة على عدة مبان ، تجمع بين الاشتقاق والجمود.

أ ـ الحال اسما مشتقا :

المبنى الأمثل ـ صيغيا ـ للحال أن تأتى فى صورة الصفة المشتقة ، ذلك لأنها صفة لصاحبها أثناء إحداث حدث ما ، وهذا المفهوم يكون من خلال الصفات المشتقة ؛ لأنها تدلّ على صفة وصاحبها ، فتكون الحال قد دلت على صاحبها ووصفه ، ولذلك فإنه يفترض وجود ضمير كامن فى الصفة المشتقة يعود على ما تعود عليه ، ويتطابق معه فى العدد والنوع.

٣٥

فإذا قلت : هى الدار التى خرجا منها هاربين ، ثم عادا إليها آمنين ، فإن الحالين : (هاربين ، وآمنين) يصفان ألف الاثنين فى كل من : (خرجا ، وعادا) أثناء إحداث الحدثين : (الخروج والعودة) ، وتلحظ المطابقة بين الحال وألف الاثنين فى التذكير والتثنية.

ويمكن لك أن تلحظ الحال الصفة المشتقة فى كلّ من :

تبادلنا الرسائل متفاهمين. (متفاهمين) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الياء لأنها جمع مذكر سالم ، وصاحبها ضمير المتكلمين الفاعل (نا).

استلمنا الكتاب جديدا. (جديدا) حال من (الكتاب).

(يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) [النساء : ٢٨]. (ضعيفا) حال من نائب الفاعل (الإنسان).

(وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) [الدخان : ٣٨]. (لاعبين) حال من ضمير المتكلمين الفاعل (نا).

ب ـ الحال اسما جامدا :

مجىء الحال صفة مشتقة ليس لازما ، وإنما هو غالب فيها ، ذلك لأن الحال قد تأتى اسما جامدا ، وحينئذ فإن النحاة يحصرون المواضع التى تأتى فيها على هذا الجمود ؛ لأنه مخالف لما تجىء عليه على الأصل ، وهو الاشتقاق.

والجمود فى مبنى الحال قد يكون بسبب المصدرية أو غيرها.

١ ـ الحال مصدرا :

يعترض جمهور النحاة على أن تأتى الحال مصدرا ؛ لأنها يجب أن تتحد مع صاحبها فى المعنى ، وهم يحصرون المصادر التى وردت أحوالا ، سواء أكانت :

 ـ نكرة ، نحو : قتلته صبرا ، ولقيته فجاءة ومفاجأة ، وكفاحا ، ومكافحة ، ولقيته عيانا ، وكلمته مشافهة ، وأتيته ركضا ، وعدوا ، ومشيا ، وأخذت ذلك عنه سماعا أو سمعا.

٣٦

 ـ أم كانت معرفة ، نحو : أرسلها العراك ، مررت بهم الجمّاء الغفير ، وطلبته جهدك ، آمنت بالله وحده. وهم يؤوّلون هذه المصادر : إما بالوصف المشتق ، فيكون التقدير : قتلته صابرا ، وأتيته راكضا ، وعاديا ، وماشيا ... إلخ.

وإما على حذف مضاف ، فيكون التقدير : قتلته ذا صبر ، وأتيته ذا ركض ، وذا عدو ، وذا مشى ... إلخ.

وإما على احتسابها مفعولا مطلقا لفعل محذوف ، وهو الحال ، فيكون التقدير : قتلته أصبر صبرا ، وأتيته أركض ركضا ، وأعدو عدوا ، وأمشى مشيا ... الخ.

وأكثر النحاة يذهبون إلى أن هذه المصادر موضوعة بمعنى الحال ، فيكون معنى : جاء زيد مشيا ، أى : ماشيا.

وهم يختلفون فيما بينهم بين كونها سماعية أو قياسية ، ويذهب المبرد إلى أنها قياسية بشرط دلالة الفعل على الحال. أما جمهور النحاة وعلى رأسهم سيبويه فإنهم يذهبون إلى كونها سماعية.

ولم يقرّ جمهور النحاة القياس على ما سبق من مجىء المصدر حالا إلا فى ثلاثة مواضع ، وهى :

أولها : المصدر الواقع بعد خبر معرف بالألف واللام الدالة على الكمال ، نحو : أنت الرجل علما ، هو العاقل أدبا ونبلا. المصدر (علما) وقع بعد الخبر (الرجل) ، وهو معرف بالألف واللام ، ودالّ على الكمال ، أى : معنى الرجولة الكاملة ، وتلمس ذلك فى المصدر (أدبا) المذكور بعد الخبر المعرف بالألف واللام الدالة على كمال الصفة (العاقل). ويكون التقدير : أنت الرجل فى حال علم ، وهو العاقل فى حال أدب ونبل.

ثانيها : المصدر الواقع بعد خبر يشبّه به مبتدأه ، نحو : أنت عنترة شجاعة ، حافظ زهير شعرا ، إنه حاتم كرما. فأنت تلحظ أن ضمير المخاطب (أنت) مشبه

٣٧

بعنترة فى معنى الشجاعة ، فوقع المصدر المنصوب بعد خبر مشبه به المبتدأ ، فيكون المصدر حالا ، ويكون التقدير : أنت تشبه عنترة فى حال كونك شجاعا ، أي : فى حال الشجاعة.

يتضح ذلك فى تشبيه حافظ بزهير حال كونه شاعرا ، أى : فى حال شعر ، وهو مشبه بحاتم فى حال الكرم.

ثالثها : ما وقع بعد (أمّا) نكرة فاصلا بينها وبين فاء الجزاء والجواب الملازمة لها. نحو : أمّا علما فعالم ، وأما العلم فعالم. يقال فيما إذا وصف إنسان بالعلم ، فيقال هذا لإرادة أنه : مهما يذكر إنسان فى حال علم فالذى ذكر عالم.

وكأنه ينكر ما وصف به من غير العلم.

وللعرب فى المصدر الواقع بعد (أمّا) التفصيلية فى هذا التركيب استعمالات :

 ـ إذا كان معرفة فإن بنى تميم يوجبون الرفع ، والحجازيون يجيزون فيه النصب والرفع.

أما إذا كان نكرة فإن التميميين يجيزون فيه النصب والرفع ، ويوجب الحجازيون نصبه.

وللنحاة فيه أوجه إعرابية : إذا كان معرفة منصوبة فإنه يعرب مفعولا لأجله عند سيبويه ، ومن النحاة من ينصبه على أنه مفعول به لفعل محذوف ، ويكون التقدير : مهما تذكر العلم فعالم.

أما الأخفش فإنه يجعل نصبه على المصدرية بما بعد الفاء ، ويكون التقدير : مهما يكن من شىء فهو عالم العلم. ويكون مصدرا مؤكدا (١).

أما إذا كان نكرة منصوبة فإن سيبويه يقرر نصبه على الحالية ، ويكون الناصب : إما فعل الشرط المحذوف ، والتقدير : مهما يذكر إنسان فى حال علم ... وإما أن يكون الناصب ما بعد الفاء ، فتكون حالا مؤكدة.

__________________

(١) ينظر : شرح الألفية لابن الناظم ٣١٧.

٣٨

أما الأخفش فإنه ينصبه على المصدرية كما ذكر فى المصدر المعرفة.

لكننا نذهب إلى أن الحال تكون مصدرا مطلقا فى المعنى الذى تكون فيه مبيّنة لهيئة الحدث. ذلك أن المصدر حدث ، والفعل يتضمّن الحدثية إلى جانب زمنها ، وإن ما يبين هيئة الحدث يكون حدثا مثله ، وهو المصدر ، نحو : قتلته على هذا القول جهارا غير ختل ، وعلانية غير سرّ ، لقد مات عطشا ...

فإذا استحضرنا الفكرة التى أقررناها سابقا ـ وهى أن الحال وصف لصاحبها وإخبار عنه ـ جاز لنا ذلك مع هذه الأحوال المبنية من المصادر ، وهى مبنية لهيئة الحدث ، كما إذا حوّلنا الحال السابقة إلى ما هو معهود من الخبر أو الصفة قلنا : القتل جهار غير ختل ، وعلانية غير سر ، الموت عطش ، ونقول : القتل الجهار ... الموت العطش.

نقرأ عند السّهيلى : «وإذا قلت : جاء زيد مشيا ؛ عمل فيه أيضا لا من حيث كان صفة لزيد ، فإنه لا ضمير فيه يعود على زيد ، ولكن من حيث كان صفة للمصدر الذى هو المجىء ، فيعمل فيه (جاء) كما يعمل فى المصدر» (١).

وإن كانت فكرة العمل النحوى هى الدافعة إلى ما لحظه السهيلىّ من إعمال الفعل (جاء) فى الحال المصدر (مشيا) ، فإنه ربط بين المصدر المذكور فى الفعل العامل وبين الحال المصدر والوصفية ، بما يدلّل على فكرة كون الحال صفة لما وضعت له ، ويجب أن تتضمن ما هو مثله ، فإذا بيّنّا هيئة المصدر الكامن فى الفعل فإنه يكون عن طريق المصدر ؛ لهذا صحت المصادر أحوالا على الإطلاق ، وعندها لا نحتاج إلى تقدير ضمير فى الحال ، أو تضمنها له ؛ لأنها تكون مساوية فى المبنى لصاحبها ، أى : حدث لحدث.

وعند ما أراد السهيلى أن يبين مفهوم الحال قال : «ونعنى بالحال صفة الفاعل التى فيها ضميره ، أو صفة المفعول ، أو صفة المصدر الذى عمل فيها ؛ لأن الصفة هى الموصوف من حيث كان فيها الضمير الذى هو الموصوف» (٢). فجعل الحال من المصدر قسيما للحال من الفاعل والمفعول.

__________________

(١) نتائج الفكر ٣٩٥ / وينظر : شرح القمولى : ١ ـ ٢٠١.

(٢) نتائج الفكر ٣٩٤.

٣٩

كما أنبّه إلى أن الحال تكون مصدرا إذا كانت نوعا للفعل ، أو ضربا من ضروبه. كما ذكر سابقا مما هو مسموع ، أو يكون معناه المؤول من نوع الفعل.

جعل سيبويه مجىء الحال من المصدر سماعية ، لا يجوز القياس عليها ، لكن المبرد أجاز القياس عليها فى كلّ ما كان الفعل دالا عليه ، أى : إذا ما كانت الحال نوعا للفعل ، أو ضربا من ضروبه ، فيجيز : أتانا زيد سرعة ، أى : مسرعا ، وأتانا بطئا ، أى : مبطئا (١).

٢ ـ الحال اسما جامدا غير مصدر :

تأتى الحال فى مبنى الاسم الجامد غير المصدر فى مواضع (٢) :

أولها : أن يتضمن معناها التشبيه :

وذلك بأن يكون المقصود بها فى الجملة تشبيه صاحبها بها ، وكأنه المشبه ، وهى المشبه به. مثل : كرّ زيد أسدا. (أسدا) حال من (زيد) ، وتلمس تشبيها ، حيث زيد مشبه ، و (أسدا) مشبه به ، والتقدير : كرّ زيد كالأسد ، وهم يؤولونه بشجاع ، والتقدير : كرّ زيد شجاعا.

مثل ذلك : بدت الجارية قمرا ، وتثنّت غصنا ، تبدو رجلا فى تصرفاتك ، ومنه قول الشاعر :

بدت قمرا ومالت خوط بان

وفاحت عنبرا ورنت غزالا

ومنه قوله ـ عليه السّلام : «وأحيانا يتمثل لى الملك رجلا».

فكلّ من : «قمرا ، وغصنا ، ورجلا ، وقمرا ، وخوط ، وعنبرا ، وغزالا ، ورجلا» حال ، وهى أسماء جامدة غير مصادر ، وكلّها تلمس فيها تشبيه صاحبها بها ، وأصحاب هذه الأحوال على التوالى : «الجارية ، هى ، أنت ، هى ، هى ، هى ، هى ، الملك».

__________________

(١) ينظر : الكتاب : ١ ـ ٣٧٠ / المقتضب ٢ ـ ٢٣٤ ، ٢٦٩ ، ٤ ـ ٣١٢ / التبصرة والتذكرة ١ / ٢٩٩.

(٢) ينظر فى ذلك : التسهيل ١٠٨ / نتائج الفكر ٤٠٢ / الإيضاح فى شرح المفصل ١ ـ ٣٣٨ / شرح التصريح :١ ـ ٣٦٩

٤٠