النحو العربي - ج ٣

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٣

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٦٠٨

الأبواب إلا بابين أو بابان ، بالنصب على الاستثناء ، وبالرفع على البدل من الأبواب وهو نائب عن الفاعل.

 ـ ما فتحت الأدراج إلا ثلاثة. بالنصب من جهتى الاستثناء والبدلية من الأدراج.

 ـ ما فى القاعة أحد إلا طالبان ، وإلا طالبين ، بالرفع على البدلية من المبتدإ (أحد) ، وبالنصب على الاستثناء.

 ـ ما مررت بأحد إلّا محمود ، (محمودا) ، بجر (محمود) على البدلية من أحد ، وبالنصب على الاستثناء.

هل جاءك أحد إلا محمود (محمودا). ـ لا تعاقب الطلاب إلا عليا (عليا).

والإتباع فى هذا القسم يكون على البدلية (بدل بعض من كل) عند جمهور النحاة. ولكن الكوفيين يرون أنه عطف نسق ، حيث إنهم يجعلون (إلا) من حروف العطف ، فهى بمنزلة (لا) العاطفة ، حيث إن ما بعدها مخالف لما قبلها.

والآخر : إذا كان الكلام تامّا منفيّا ، والمستثنى منقطع ، فإن للعرب فيه مذهبين :

أ ـ وجوب النصب عند أهل الحجاز ، فتقول : ما صرفت الجنيهات إلا ثلاثة أرادب.

ب ـ أما بنو تميم فإنهم يجيزون فى مثل هذا التركيب النصب على الاستثناء ، والإعراب على البدلية من المستثنى منه ، فيقولون فى المثل السابق : ما صرفت الجنيهات إلا ثلاثة أرادب ، بنصب (ثلاثة) على الاستثناء ، ونصبها على البدلية.

القسم الخامس : المستثنى الذي يجوز أن ينصب وأن يرفع :

يجوز فى المستثنى أن ينصب وأن يرفع إذا كان الاستثناء بـ (إلا أن يكون) ، تبعا لاحتساب (يكون) بين التمام فيرفع ، والنقصان فينصب ، تقول : نظفت الحجرات إلا أن يكون حجرة المكتب ، بنصب (حجرة) على أنها خبر (يكون) الناقصة ، وبرفعها على أنها فاعل (يكون) التامة.

٢٤١

القسم السادس : المستثنى الذى يعرب حسب موقعه :

يعرب المستثنى حسب موقعه فى الكلام دون نظر إلى حرف الاستثناء إذا كان الكلام ناقصا منفيا وهذا ما يسمى بالاستثناء المفرغ ، وذلك بوجود حرف نفى أو شبهه مع عدم وجود المستثنى منه ، فتقول :ما أقبل علينا إلا واحد. (واحد : فاعل مرفوع).

ما رأيت إلا محمودا. (محمودا : مفعول به منصوب).

ما أعجبت إلا بمنظر واحد. (منظر : اسم مجرور بالباء).

ما كوفئ إلا طالبان. (طالبان : نائب فاعل مرفوع).

ما أقبلت على عملى إلا مخلصا. (مخلصا : حال منصوبة).

ومنه قوله تعالى :(وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) [آل عمران : ١٤٤](١). (رسول) خبر المبتدإ (محمد) مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

(فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) [النحل : ٣٥]. (البلاغ) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، الحظ النفى من خلال الاستفهام البلاغى.

(إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) [يوسف : ٨٧]. (القوم) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، والفعل (ييأس).

(أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) [الأعراف : ١٦٩]. المصدر المؤول (ألا يقولوا) فى محل رفع بدل من (ميثاق) ، أو عطف بيان له.

(ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) [الأحقاف : ٣]. شبه الجملة (بالحق) فى محل نصب حال من (نا) المتكلمين الفاعل.

__________________

(١) الجملة الفعلية((قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ)) فى محل رفع ، نعت لرسول.

٢٤٢

(فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ) [الأحقاف : ٣٥]. (القوم) نائب فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

(أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) [الأعراف : ٩٩].

(القوم) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

(ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ) [الحديد : ٢٧]. (ابتغاء) مفعول لأجله منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

(وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) [البقرة : ٢٦]. (الفاسقين) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

ولا يكون الاستثناء المفرغ فى إيجاب ، لكنه قد يلتمس معنى النفى فيما هو موجب. كما فى قوله تعالى : (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) [التوبة : ٣٢] أى : ولا يريد ، والمصدر المؤول (أن يتم) فى محل نصب ، مفعول به.

ومثله قوله تعالى : (وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً) [الإسراء : ٩٩]. (كفورا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ؛ لأنه فى قوة :لم يفعلوا إلا كفورا.

* * *

٢٤٣

قضايا تركيبية أخرى تخص الاستثناء

فى هذا القسم تدرس سائر قضايا التركيب التى تخص الاستثناء ، ولم يعرض لها أثناء دراسة الأدوات ، أو كان ذلك فى صورة عارضة ، وهى :

أولا : حذف المستثنى :

يجوز أن يحذف المستثنى إذا وجدت قرينة دالة على خصوصية المستثنى المحذوف ، كأن تقول : فهمت هذا الدرس ليس إلّا.

ثانيا : الرتبة :

ذكرنا أن المستثنى قد يتقدم على المستثنى منه فيجب نصبه ، لكنه يمتنع تقدم المستثنى على المستثنى منه مع عامله ، أما قول الشاعر :

خلا الله لا أرجو سواك وإنما

أعدّ عيالى شعبة من عيالكا

بتقديم المستثنى مع أداة الاستثناء (خلا الله) على المستثنى منه وعامله (لا أرجو سواك) فهو ضرورة.

ثالثا : تقدم المستثنى على صفة المستثنى منه :

إذا تقدم المستثنى على صفة المستثنى منه فإن للنحاة فيه رأيين أساسين :

أولهما : ما ذهب إليه سيبويه واختاره المبرد وهو الإعراب على البدلية من المستثنى منه حيث الاعتبار بتقديم المبدل منه ، أما تقدم المستثنى لم يحدث على ذات المستثنى منه ، وإنما على صفته ، والصفة فضلة ، وكذلك جواز النصب على الاستثناء.

وثانيهما : ما اختاره المازنى ، وهو وجوب النصب على الاستثناء ، ذلك لأن الصفة والموصوف بمثابة الشّىء الواحد.

٢٤٤

 ـ ومن النحاة من جوّز الوجهين.

تقول : ما أتانى أحد إلا أبوك خير من زيد ، يرفع (أبو) على البدلية من أحد ، ويجوز أن تنصبه على الاستثناء ، وقد تقدم المستثنى (أبو) على صفة المستثنى منه (خير).

ومثله أن تقول : ما وقف طالب إلا أحمد أفضل فى إجابته من على ، برفع (أحمد) على البدلية ، وبنصبه على الاستثناء.

ما قابلت أحدا إلا سميرا أطول من محمود ، بنصب (سمير) على وجهى البدلية والاستثناء.

وتقول : ما مررت بأحد إلا عمرو خير من زيد. حيث (عمرو) مستثنى من (أحد) ، و (خير من زيد) صفة للمستثنى منه ، فيجوز أن تخفض (عمرا) على البدلية من (أحد) ، ويجوز أن تنصبه على الاستثناء.

وتقول : ما أعجبت بإجابة طالب إلا رفيقا أكمل من إجابة الأول ، بنصب المستثنى (رفيق) على الاستثناء ، وبجره على البدلية من (طالب) ، مع ملاحظة أنه قد تحتسب المستثنى محذوفا مقدرا بإجابة.

ما قرأت كتابا إلا كتاب النحو خيرا من كتاب الرياضيات.

رابعا : الاستثناء المفرغ باعتبار الصفات :

الاستثناء المفرغ حكمه معنويا نقض الحكم عن كلّ ما عدا المستثنى ، ويصحّ أن يكون فى الصفات ، بأن يكون الغرض منه إظهار الصفة دون غيرها. فتقول : ما جاءنى أحد إلا قائم ، وما صادقت أحدا إلا أخلاقه حسنة ، وما مررت بأحد إلا زيد خير منه. فكلّ من : (قائم ، أخلاقه حسنة ، زيد خير منه) صفة لما قبل (إلا) ، وجاز أن تستثنى بـ (إلا) لإظهارها صفة فيه دون الصفات الأخرى ، مع ملاحظة أن الاستثناء ناقص منفى فهو مفرغ ، فتعرب كل هذه الصفات تابعة لموصوفها ،

٢٤٥

فـ (قائم) صفة لأحد مرفوعة ، و (أخلاقه حسنة) فى محلّ نصب صفة للمفعول به المنصوب (أحدا) ، والجملة الاسمية (زيد خير منه) فى محل جر نعت للمجرور بحرف الجر الباء (أحد).

ولكننا نجد من النحاة من يرى أنه لا يلى (إلا) نعت ما قبلها ، حيث لا يفصل بين الصفة والموصوف ، فإذا ذكر ما يوهم الصفة فإنها تكون حالا لما قبلها ، أو تعرب صفة على البدل من المذكور. كأن تقول : ما لقيت رجلا إلا راكبا ، فـ (راكبا) حال من رجل ، أو صفة لمحذوف بدل منه ، والتقدير : إلا رجلا راكبا.

ولكن من النحاة من يجيز الفصل بـ (إلا) بين الموصوف وصفته ، وعليه فإن ما بعدها فى المثال السابق يعرب صفة ، ويفصل بين النعت والمنعوت بفواصل خاصة ، قد نجعل منها (إلا) الاستثنائية ؛ لأنها ـ حينئذ ـ تكون غير مؤثرة إعرابيا.

خامسا : تأويل الفعل المستثنى بالاسم :

يكون الفعل فى موضع الاسم مستثنى مذكورا بعد الأداة ، كأن تقول : أنشدك الله إلا فعلت ، أى : أنشدك الله فعلك. ومثله : ما تأتينى إلا قلت خيرا ، وما تكلّم أحمد إلا ضحك ، ويقدّر ما بعد (إلا) بالاسم ، فيكون : إلا قائلا خيرا ، وإلا ضاحكا. وقد ذكر ذلك سابقا ، إلا أننى أردت التنبيه إليه.

سادسا : العامل فى المستثنى :

يختلف النحاة فيما بينهم فى العامل فى المستثنى (١) ، وعندما نتعرض للعامل ـ هنا ـ فإنما نتعرض للعامل فى المستثنى المنصوب ، أما أوجه الإعراب الأخرى فى المستثنى كالبدلية أو الفاعلية أو المفعولية أو غيرها فإن العامل فيها يوجّه تبعا لما ذكر فى مواضعها الخاصة بكلّ منها ، ذلك على النحو الآتى :

أ ـ يرى جمهور النحاة وعلى رأسهم سيبويه والسيرافى والفارسى وابن الباذش أن المستثنى المنصوب إنما نصب بالفعل الذى يسبقه ، أو ما هو فى معنى الفعل ،

__________________

(١) ينظر : المقتضب ٤ ـ ٣٩٠ / كشف المشكل ١ ـ ٥٠٦ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ٧٦ / شرح الجمل لابن عصفور ٢ ـ ٢٥٣ المساعد ١ ـ ٥٥٦.

٢٤٦

كالابتداء. وإنما أثر الفعل فى المستثنى بوساطة (إلا) ، فهو على هذا مشبه بالمفعول به. فإذا قلت : جاء الجميع إلا محمدا ، فإن ناصب (محمد) هو الفعل (قام) بوساطة حرف الاستثناء (إلا). وعند ما تقول : ما فى الحجرة أحد إلا عليّا ، فإن ناصب (على) هو الابتداء الذى رفع (أحدا) بواسطة (إلا).

وأصحاب هذا الرأى يجعلون الناصب هو الفعل الموجود ـ متعديا كان أم لازما ـ حيث يقوى باعتماده على (إلا) ، فتعدى إلى المستثنى ، فنصبه.

ب ـ وفريق آخر ـ وعلى رأسهم ابن خروف ـ يسير على نهج هؤلاء ؛ إلا أنهم يجعلون الفعل المتقدم عاملا ناصبا بدون وساطة (إلّا) ، وذلك كنصب العامل لـ (غير) بلا واسطة. فإذا قلت : قام القوم إلا زيدا ، فإن الناصب هو الفعل بلا وساطة (إلا) ، كما تقول : قام القوم غير زيد.

ج ـ ويذهب نحاة إلى أن ناصب المستثنى إنما هو (إلا) نفسها ، دون ما سبقها ، ودونما تأويل لها ، أو تقدير بعدها ، وإليه ذهب ابن مالك ، ونسبه إلى سيبويه والمبرد.

د ـ يذهب طائفة أخرى من النحاة ـ وعلى رأسهم الزجاج وبعض الكوفيين ، وينسب إلى المبرد ـ إلى أن عامل النصب فى المستثنى إنما هو (إلا) النائبة عن الفعل (أستثنى). فإذا قيل : أتانى المدعوون إلا سميرا ، فإن ناصب سمير إنما هو الفعل أستثنى الذى ناب منابه (إلا) ، والتقدير : أتانى المدعوون أستثنى سميرا.

ويردّ على هؤلاء بأنه إذا قلت : «قام القوم غير زيد ، فإن (غير) منصوب بما انتصب به (زيد) فى قوله : قام القوم إلا زيدا ، فإن كان منصوبا بأستثنى بطل المعنى ، فإنه إذا قيل : أستثنى غير زيد ، فيكون المستثنى ليس بزيد ، وزيد هو المستثنى» (١).

وأصحاب الرأى السابق يرون أن الوساطة فى مثل هذا ، أى : غير ، إنما هو معنى (إلا) الذى تضمنته (غير) ، فـ (غير) منصوبة بالفعل بوساطة ما تضمنته من معنى (إلا) ، ولا بد من وساطتها إما لفظا ومعنى ، أو معنى لا لفظا.

__________________

(١) المنتخب الأكمل ١ ـ ١٠٣.

٢٤٧

ومما يرد به النحاة المخالفون لهؤلاء أنه لو جاز نصب المستثنى بفعل محذوف تقديره (أستثنى) لجاز نصب العطف على تقدير : (أعطف) ، والنفى على تقدير :

(أنفى) إلى غير ذلك.

ه ـ يرى بعض الكوفيين ـ وعلى رأسهم الفراء ـ أن العامل إنما هو (إنّ) الناصبة الاسم الرافعة الخبر ، المكسورة الهمزة. فكأن (إلا) عندهم مركبة من كلمتين : (إنّ) المشددة و (لا) النافية ، فخففت نون (إن) ، وأدغمت فى اللام فصارت (إلا) ، فنصبت فى الإيجاب على إعمال (إن) ، وعطفت فى النفى باحتساب (لا) ، فكأنها عملت عملين من جهتى تركيبها. ويرد على هذا بأنها لا تنصب دائما فى حال الإيجاب ، ومنهم من ينسب هذا القول إلى الفراء مع تخفيف (إن).

و ـ يذهب قوم حكاية عن الكسائى إلى أنّ العامل فى المستثنى إنما هو (أنّ) المفتوحة الهمزة المشددة النون ، المضمرة بعد (إلا) ، كأنك تقول : قام القوم إلا أنّ زيدا لم يقم ، ولكن هذا منتفى بأن (أن) لا تضمر ، كما أن ما بعد (إلا) لا يكون منصوبا دائما.

ز ـ يذهب رأى إلى أن المستثنى إنما نصب لتمام الكلام ، كما انتصب درهم بعد عشرين فى القول : معى عشرون درهما.

ح ـ يذهب رأى آخر إلى أن عامل النصب فى المستثنى إنما هو المخالفة ، وحكى ذلك عن الكسائى.

* * *

٢٤٨

تحليل بعض التراكيب فى الاستثناء

نلفت ـ فى هذا الجزء ـ النظر إلى تحليل بعض التراكيب الخاصة فى الاستثناء ، لأن فى تحليلها إعمالا للفكر ، والتدريب على كيفية الربط بين التوجيه المعنوى والتوجيه النحوى ، والجانبان أساس كل تركيب لغوى.

فى قوله تعالى : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) [هود : ٤٣]. يجوز توجيه الاستثناء فى هذه الآية إلى أربعة أوجه (١) : وجهان يكون فيهما الاستثناء متصلا ، ووجهان يكون الاستثناء فيهما منفصلا منقطعا.

فأما وجها الاستثناء المتصل فهما :

الأول : أن يكون (من رحم) بمعنى : الراحم ، وسائر التركيب على حقيقته ، فيكون الكلام : لا عاصم اليوم من أمر الله إلا الراحم ، و (من رحم) مستثنى مبنى فى محل نصب ، أو يعرب على البدلية من اسم (لا) النافية للجنس ؛ لأن الراحم من جنس العاصم ، فالعاصم ينطلق على ابن آدم ؛ لأنه يجوز أن يعصم من يرحمه.

الثانى : أن يكون (عاصم) بمعنى المعصوم ، و (من رحم) بمعنى المرحوم ، ويكون الكلام : لا معصوم اليوم إلا المرحوم ، والمرحوم من جنس المعصوم ، وداخل تحته فى معناه.

ومنهم من يجعل عاصما بمعنى معصوم على معنى النسب ، أى : ذا عصمة ، فيكون (لا عاصم) (لا ذا عصمة).

لكنهم يختلفون فيما بينهم فى جواز حمل فاعل بمعنى مفعول على النسب ، فيوجد من يجيز ذلك ، ويوجد من لا يجيزه. أما الذين لا يجيزون أن يكون فاعلا بمعنى مفعول على معنى النسب فإنهم يشترطون أن يكون فاعلا على بابه فى اسم

__________________

(١) ينظر : الكتاب ٢ ـ ٣٢٥ / المقتضب ٤ ـ ٤١٢ / الخصائص ١ ـ ١٥٢ / المنتخب الأكمل / ١٣٢ / الدر المصون ٦ ـ ٣٣٢.

٢٤٩

الفاعل ، ومنه : امرأة مرضع ، أى : ذات رضاع ، وحائض ، أى : ذات حيض.

ولكن غيرهم يرون أن معنى النسب يكون فى اسم الفاعل ، سواء أكان على معنى فاعل أم على معنى مفعول ، يذكر ابن جنى فى الآية السابقة : «وكذلك قوله تعالى : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) أى : لا ذا عصمة ، وذو العصمة يكون مفعولا كما يكون فاعلا ، فمن هنا قيل : إن معناه : لا معصوم ، وذو الشىء قد يكون مفعولا كما يكون فاعلا ، وعلى ذلك عامة باب طاهر وطالق وحائض ، وعلى هذا قول الله تعالى : (فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) [الحاقة : ٢١ ، القارعة : ٧] ، أى :ذات رضا ، فمن هنا صارت بمعنى مرضية» (١).

وفى كلا التقديرين يكون استثناء متصلا ، المعصوم فيه من جنس المرحوم ، وداخل فى معناه ، فيأخذ الحكم الإعرابىّ للاستثناء المنفىّ التام غير المفرغ ، فينصب ما بعد إلا على الاستثناء ، أو يكون تابعا للمستثنى منه (عاصم) على البدلية.

أما وجها الاستثناء المنقطع فهما :

الأول : أن تجعل عاصما على بابه من اسم الفاعل ، أما (من رحم) فيكون بمعنى اسم المفعول ، ويكون الكلام : لا عاصم اليوم من أمر الله إلا المرحوم ، فلا يدخل المرحوم تحت جنس العاصم ، فيكون الاستثناء منقطعا غير مفرغ ، فينصب ما بعد (إلا) على الاستثناء لا غير.

الثانى : أن يكون (عاصم) بمعنى معصوم ، و (من رحم) بمعنى (راحم) ، فيكون الكلام : لا معصوم اليوم من أمر الله إلا الراحم ، فيكون استثناء منقطعا ، ويجب نصب المستثنى ـ حينئذ.

* * *

القول فى : (لا إله غير الله) (٢).

(لا) حرف ناف للجنس مبنى ، لا محل له من الإعراب.

__________________

(١) الخصائص ١ ـ ١٥٢ ، ١٥٣.

(٢) ينظر : النكت للأعلم ١ ـ ٦٢٥ ، ٦٢٦.

٢٥٠

(إله) اسم لا النافية للجنس مبنى على الفتح فى محل نصب.

(غير) بالرفع من أربعة أوجه ؛ لأنه خبر لا النافية للجنس مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. ومن النحاة من يجعل الرفع على أن خبر (لا) النافية للجنس محذوف ، و (غير) بدل منه مرفوع. أو أن (غيرا) توكيد مرفوع لخبر (لا) المحذوف المرفوع. أو أن (غيرا) بدل من موضع (لا) مع اسمها وهو الرفع.

ومنهم من يجعل (غير) منصوبة على وجهين :

خبر (لا) محذوف تقديره (لنا) أو (للناس) ، فتم الكلام ، ثم استثنى لفظ الجلالة ، فنصب.

أو على تقدير أن (غيرا) صفة لاسم (لا) النافية ، أما خبرها فهو محذوف.

(الله) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

* * *

إذا قال لك قائل : «لى عندك مائة إلا درهمين» فأردت جحد ما ادعاه قلت :

ما لك عندى مائة إلا درهمين بالنصب ، فيكون هذا بمنزلة قولك : ما لك عندى الذى ادّعيته ، ولو رفعت الدرهمين لكنت مقرّا بالدرهمين جاحدا لثمانية وتسعين ، إذ الرفع بمنزلة قولك : ما لك عندى إلا درهمان ، وهذا الشرط مأخوذ من كلام ابن السراج ، ولم يتعرض لهذا سيبويه ولا المغاربة» (١).

* * *

فى قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها) [البقرة : ٢٨٢](٢). قرئت (تجارة) بالنصب

__________________

(١) المساعد ١ ـ ٥٥٩.

(٢) (إلا) حرف استثناء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (أن) حرف مصدرى ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب. (تكون) فعل مضارع منصوب بأن ، وعلامة نصبه الفتحة ، واسمها ضمير مستتر تقديره : هى. (تجارة) خبر كان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، والمصدر المؤول فى محل نصب على الاستثناء. (حاضرة) صفة لتجارة منصوبة ، وعلامة نصبه الفتحة. (تديرونها) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه

٢٥١

والرفع (١). ووجه النصب أن الفعل (تكون) ناقص ، فأضمر اسمه ، وتقديره :التجارة ، أو المداينة والمعاملة أو غير ذلك ، و (تجارة) خبره. أما وجه الرفع فعلى احتساب (تكون) فعلا تاما ، و (تجارة) فاعله.

* * *

قوله تعالى : (لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ (٨) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ (٩) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ) [الصافات : ٨ ـ ١٠].

(من) اسم موصول مبنى فى محل رفع على البدلية من الواو فى (لا يسمعون) ، ولم يذكر الزمخشرى النصب ألبتة فى هذا الموضع ؛ لأن الاستثناء متراخ ، فإذا تراخى المستثنى عن المستثنى منه حسن الإتباع.

* * *

قوله تعالى : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) [النمل :٦٥]. فيه أوجه إعرابية :

 ـ أن يكون الاسم الموصول (من) فى محل رفع على الفاعلية ليعلم ، و (الغيب) منصوب مفعول به. (الله) لفظ الجلالة بدل من الاسم الموصول الفاعل (من) مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وهو استثناء منقطع على لغة بنى تميم.

__________________

 ـ ثبوت النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، وضمير الغائبة مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، والجملة فى محل نصب ، نعت ثان لتجارة ، ويجوز أن تجعلها فى محل نصب ، حال منها ؛ لأنها نكرة موصوفة. (بينكم) ظرف منصوب ، ومضاف إليه ، وشبه الجملة متعلقة بالإدارة. (فليس) الفاء : حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. ليس : فعل ماض ناقص ناسخ مبنى على الفتح. (عليكم) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل نصب ، خبر ليس مقدم. (جناح) اسم ليس مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (ألا) أن : حرف مصدرى ونصب مبنى ، لا محل له. لا : حرف نفى مبنى. (تكتبوها) فعل مضارع منصوب ، وعلامة نصبه حذف النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، وضمير الغائبة مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، والمصدر المؤول فى محل نصب بنزع الخافض ، والتقدير : فى ألا تكتبوها. وأرى أن المصدر المؤول (أن تكون تجارة) فى محل رفع ، مبتدأ ، خبره الجملة المقرونة بالفاء(فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) ، والجملة المستثناة فى محل نصب. وحسن اقتران الخبر بالفاء لأن الكون معنى عام.

(١) ينظر : الكشف عن وجوه القراءات ١ ـ ٣٢١ ، ٣٢٢ ، ٣٨٦ / الدر المصون ١ ـ ٦٨٣.

٢٥٢

 ـ ويجوز الإعراب السابق ، ويكون لفظ الجلالة بدلا أو عطف بيان للاسم الموصول ، على أنه استثناء متصل باعتبار الجمع بين الحقيقة فى تضمن (من) من فى السموات والأرض ، والمجاز فى تضمنها له ـ سبحانه وتعالى ـ (من) اسم موصول مبنى فى محل نصب ، مفعول به. و (الغيب) بدل منه ، ولفظ الجلالة (الله) فاعل مرفوع.

* * *

القول : (اهجر بنى فلان وبنى فلان إلا من صلح). (من) مستثنى من الجميع ، حيث لا موجب للاختصاص.

* * *

قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) [مريم : ٧١](١).

ففيه تقديران :

أولهما : أن يكون التقدير : (وإن أحد منكم إلا واردها) فتكون شبه الجملة (منكم) فى محل رفع ، صفة لمحذوف مبتدإ ، وخبره (واردها) ، ويكون الاستثناء مفرغا.

والآخر : أن يكون التقدير : وإن منكم إلا من هو واردها. فتكون شبه الجملة (منكم) فى محل رفع خبر مقدم ، والمبتدأ الاسم الموصول المحذوف ، وصلته الجملة الاسمية ذات المبتدإ المحذوف ، والخبر (واردها).

* * *

فى قوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (١٤٥) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ)

__________________

(١) (إن) حرف نفى مبنى ، لا محل له من الإعراب. (كان) فعل ماض ناقص ناسخ ، مبنى على الفتح ، واسمه محذوف تقديره : هو. (على ربك) جار ومجرور ، ومضاف إليه ، وشبه الجملة متعلقة بحتم ، فهو فى معنى اسم المفعول محتوم. (حتما) خبر كان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (مقضيا) نعت لحتم منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

٢٥٣

[النساء : ١٤٥ ، ١٤٦]. (الذين) اسم موصول مبنى مذكور بعد (إلا) الاستثنائية ، فى موقعه الإعرابى أوجه :النصب على الاستثناء من المنافقين.

مستثنى من الضمير المجرور فى (لهم) ، فيكون بدلا منه ، أو منصوبا على الاستثناء.

الرفع على الابتداء ، وخبره الجملة الاسمية (فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) ، وحسن دخول الفاء على الخبر ؛ لأن المبتدأ اسم عام ، أو فيه معنى الشرط.

قوله تعالى : (فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) [يونس : ٣٢](١). (ماذا بعد الحق إلا الضلال) الاستفهام يخرج إلى معنى النفى ، والضلال مستثنى من اسم الاستفهام (ماذا) إن كان اسما واحدا ، ومن الاسم الموصول (ذا) إن احتسبناه اسمين ، بتقدير (ما الذى) ، ولذا فإن الضلال بدل من أىّ منهما مرفوع.

* * *

فى قوله تعالى : (وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) [التوبة : ٧٤].

الاستثناء ناقص منفى ، فهو مفرغ ، فيعرب ما بعد (إلا) حسب موقعه فى الإعراب ، والمصدر المؤول بعد (إلا) يجوز فيه تقديران :

__________________

(١) (ذلكم) اسم إشارة خطابى مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (الله) لفظ الجلالة خبر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (ربكم) خبر ثان ، أو بدل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (الحق) خبر ثالث ، أو بدل ، أو نعت مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. ويجوز أن تجعل كلا من (الله والحق) خبر المبتدإ محذوف ، والتقدير : هو ربكم ، هو الحق. (فماذا) الفاء تعقيبية عاطفة حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. (ماذا) اسم استفهام مبنى فى محل رفع ، مبتدأ ، خبره شبه الجملة (بعد الحق) ، أو ما تعلقت به من محذوف. ويجوز أن تجعل (ماذا) كلمتين : اسم الاستفهام (ما) مبنى فى محل رفع ، مبتدأ أو خبر مقدم. (ذا) اسم موصول مبنى فى محل رفع ، خبر (ما) ، أو مبتدإ مؤخر ، وشبه الجملة (بعد الحق) صلة الموصول ، أو متعلقة بمحذوف صلة. (إلا) حرف استثناء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (الضلال) بدل من اسم الاستفهام ، أو من الموصول مبنى ، لا محل له من الإعراب. (فأنى) الفاء : للتعقيب. أنى : اسم مبنى فى محل نصب على الحالية من واو الجماعة فى يصرفون. (تصرفون) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، نائب فاعل.

٢٥٤

أولهما : أن يكون المعنى : ما كرهوا إلا إغناء الله لهم ، وعليه فإن المصدر المؤول يعرب مفعولا به فى محلّ نصب.

والآخر : أن يكون مفعولا لأجله فى محلّ نصب ، ويكون التقدير : وما نقموا منهم الإيمان إلا لإغناء الله ...

* * *

فى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) [الأحزاب : ٥٣]. الاستثناء فى هذه الآية استثناء مفرغ ، فهو ناقص منفى ، والمصدر المؤول (أن يؤذن) يكون فى محل نصب على الحالية من واو الجماعة الفاعل ، والتقدير : مؤذنا لكم. وقد يكون فى محلّ نصب بإسقاط الخافض ، والتقدير : إلا بأن يؤذن لكم.

* * *

قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) [سبأ : ٢٨].

الاستثناء مفرغ فيعرب ما بعد (إلا) حسب موقعه ، وفى نصب (كافة) أوجه :أنه نائب عن المفعول المطلق ، على أنه صفة لمصدر محذوف ، والتقدير : إلا إرسالة كافة ، أى : عامة.

أو أنه منصوب على المصدرية ، حيث إنه مصدر على مثال (فاعلة) كالعاقبة والعافية. أو أنه حال من كاف (أرسلناك) ، والمعنى : إلا جامعا للناس ، أو حال من (الناس) وهو مردود.

* * *

فى قوله تعالى : (وَما) أرسلناك (مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) [الحج : ٥٢]. فى هذا الاستثناء وجهان :

أولهما : قد يكون مفرغا ، فتعرب الجملة التى بعد (إلّا) فى محلّ نصب على الحالية من (رسول). وجاز مجىء الحال من النكرة هنا لأنها مسبوقة بالنفى ،

٢٥٥

و (من) الاستغراقية. وإما أن تجعلها صفة لرسول فى محل جرّ على اللفظ ، وفى محلّ نصب على المحلّ.

ثانيهما : قد يكون استثناء منقطعا ، فتكون الجملة المستثناة فى محلّ نصب على الاستثناء.

* * *

فى قوله تعالى : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ) [الأحزاب : ٥٢]. الاستثناء منفى تام متصل ، فما بعد (إلا) وهو الاسم الموصول (ما) يعرب على وجهين :

إما أن يكون منصوبا على الاستثناء.

وإما أن يكون بدلا من (النساء) ، فيكون فى محل رفع ، وإما أن يكون بدلا من (أزواج) فيكون فى محل جر.

* * *

فى قوله تعالى : (فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ) [هود : ١١٦]. الاستثناء يوجّه تبعا لمدلول التحضيض على النحو الآتى :إذا فهم التحضيض على معناه الذى وضع لفظه له فإن الاستثناء يكون منقطعا ، والتقدير : ولكن قليلا ممن أنجينا منهم ، فيكون منصوبا على الاستثناء.

إذا فهم التحضيض على معنى النفى فإن الاستثناء يكون متصلا ، والتقدير : ما كان من القرون أولو بقية إلا قليلا ، ويكون النصب على الاستثناء ، وإن كان الرفع على البدلية أرجح.

مثل ما سبق قوله تعالى : (وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً) [الأحزاب : ١٤]. أى : إلا تلبثا يسيرا ، أو : إلا زمانا يسيرا.

٢٥٦

وقوله تعالى : (وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً) [الأحزاب : ١٦]. أى : إلا تمتعا قليلا ، أو : إلا زمانا قليلا.

وكذلك : (وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً) [الأحزاب : ٢٠].

وكذلك : (وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً) [الأحزاب : ١٨].

* * *

قوله تعالى : (فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ) [النمل : ٥٨]. الاستثناء ناقص منفى ، فهو مفرغ ، فيعرب المستثنى (قليلا) حسب موقعه ، وحينئذ يجوز فيه ثلاثة أوجه ، وفيها جميعا النصب ، وهى :

أن يقدر الكلام : سكنا قليلا ، فيكون منصوبا على النيابة عن المفعول المطلق.

أن يقدر : زمنا قليلا ، فيكون منصوبا على الظرفية الزمانية.

أن يقدر : مكانا قليلا ، فيكون منصوبا على الظرفية المكانية.

* * *

فى قوله تعالى : (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) [مريم : ٨٧] المستثنى الاسم الموصول (من) فى إعرابه أوجه تتعلق بما يدل عليه الضمير (واو الجماعة) ، على النحو الآتى (١) :

 ـ إن كانت الواو علامة للجمع ، وليست ضميرا ، بل هى من قبيل لغة :(أكلونى البراغيث) ؛ فإن (من) يعرب اسما موصولا مبنيا فى محل رفع فاعل.

 ـ فإذا احتسبنا الواو ضميرا فإن مرجعه يحدد نوع الاستثناء ، فإذا كان مرجعه الخلق جميعا ، أو المتقين والمجرمين ، أو المتقين فإن الاستثناء يكون متصلا ، وحينئذ يكون الاسم الموصول المستثنى فى محل نصب على الاستثناء ، ويجوز أن يكون بدلا من الواو فى محل رفع.

__________________

(١) يرجع إلى الدر المصون ٤ ـ ٥٢٧.

٢٥٧

 ـ وإذا كان الضمير عائدا إلى المجرمين فقط فإنه يكون استثناء منقطعا ، ويكون الاسم الموصول فى محل نصب على الاستثناء عند الحجازيين والتميميين ، ويجوز أن يكون بدلا من الواو فى محل رفع عند تميم.

* * *

فى قوله تعالى : (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [الأنعام : ٥٩]. توالى استثناءان : أولهما : «إلا يعلمها» ، وثانيهما : (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) ، وليس أىّ منهما مستقلا عن الآخر.

أما الأول فإنه فى محل نصب ، حال من (ورقة) ؛ لأنه استثناء مفرغ. وجاز أن يكون حالا من النكرة لأنها خصصت بالنفى و (من) الاستغراقية. وجاز أن تجعل الجملة فى محل رفع أو جر نعتا لورقة ؛ لأن (ورقة) فاعل (تسقط) مرفوع مقدرا ، وهو مسبوق بمن الزائدة الجارة.

وأما الثانى فإنه يكون توكيدا للاستثناء الأول ؛ لأن (فى كتاب مبين) يؤدى معنى (يعلمها) (١).

أما قراءة الرفع فى (حبة ، ورطب ويابس) فإنها توجه الاستثناء الثانى على أنه خبر للمبتدإ : (حبة ورطب ويابس) ، أو أنه توكيد للأول على أن يعرب الثلاثة معطوفات على محل (ورقة) ، وهو الرفع. لكننى أرى ـ والله أعلم ـ أن الإسقاط يتلاءم مع الورقة ، أما الحبة فى ظلمات الأرض والرطب واليابس فيتلاءم معها الوجود والثبوت والخلق ، وهذا فى كتاب مبين.

* * *

فى قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) [الزخرف : ٢٦ ، ٢٧]. الاسم الموصول (الذى) بعد (إلا) فيه أوجه :

__________________

(١) ينظر : الدر المصون ٣ ـ ٨٠.

٢٥٨

إذا احتسبت الاستثناء منقطعا فإنه يكون فى محلّ نصب على الاستثناء.

إذا احتسبت الاستثناء متصلا فإنه يكون فى محلّ نصب على الاستثناء كذلك ، فإن روعى معنى (براء) ، وهو النفى ، كما فى (يأبى) فإنه يجوز فيه الإبدال من الاسم الموصول المجرور (ما).

إذا احتسبت (ما) نكرة موصوفة ؛ فقد تحتسب الاسم الموصول (الذى) بدلا من (ما) فى محل جرّ ، على أن الاستثناء متصل فيه معنى النفى.

أمثلة للمستثنى

 ـ (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَ) [الأنعام : ٥٧].

 ـ (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) [الأنعام : ٥٠].

 ـ (أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) [هود : ٢٦].

 ـ (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) [الأنعام : ٥٩].

 ـ (هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) [الأنعام : ٤٧].

 ـ (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) [الأنعام : ٤٨].

 ـ (أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [الأنعام : ٤٠].

 ـ (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) [الأنعام : ٣٨].

 ـ (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) [هود : ٢٧].

 ـ (وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) [الأعراف : ٨٢].

 ـ (وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ) [التوبة : ١٨].

 ـ (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [التوبة : ٣١].

 ـ (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) [التوبة : ٣٢].

٢٥٩

 ـ (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً) [التوبة : ٤٧].

 ـ (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) [التوبة : ٥٢].

 ـ (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى) [التوبة : ٥٤].

 ـ (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (٢٢٦) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [الشعراء : ٢٢٤ ـ ٢٢٧].

 ـ (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) [يس : ٢٩].

 ـ (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) [يس : ٦٩].

 ـ (إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) [الزخرف : ٢٠].

 ـ (وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ) [القصص : ٨٠].

 ـ (قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) [ص : ٦٥].

 ـ (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦].

 ـ (وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) [القصص : ٨٦].

 ـ (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) [العنكبوت : ١٤].

 ـ (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ) [العنكبوت : ٢٤].

 ـ (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) [العنكبوت : ٤٣].

 ـ (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) [سبأ : ١٤].

 ـ (فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) [التوبة : ٣٨].

 ـ (إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) [ص : ٧٠].

 ـ (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) [ص : ٨٧].

٢٦٠