النحو العربي - ج ٣

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٣

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٦٠٨

قد تكون (إلا) بمعنى (ولا) ، ويكون التقدير : وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا لا عمدا ولا خطأ.

 ـ فى قوله تعالى : (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) [البقرة :

١١٤](١). الاستثناء مفرغ ، فيكون إعراب (خائفين) منصوبا على الحالية من (واو الجماعة) الفاعل فى (يدخلوها) ، وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم.

 ـ فى قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) [الأنعام : ١٥٨]. (أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) مصدر مؤول فى محل نصب ، مفعول به ؛ لأن الاستثناء مفرغ ، وتلحظ أن الاستفهام يفيد الإنكار ، ففيه معنى النفى.

 ـ فى قوله تعالى : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) [الإسراء : ٥٩]. الاستثناء مفرغ ، وقد تسلط العامل (منع) على المصدر المؤول بعد (إلا) ، فهو فاعل (منع) فى محلّ رفع.

 ـ ومثله قوله تعالى : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) [الإسراء : ٩٤]. (أن قالوا) مصدر مؤول فى محل رفع ، فاعل.

 ـ (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) [الإسراء : ٥٩]. الاستثناء مفرغ ، فتعرب (تخويفا) مفعولا لأجله منصوبا ، وعلامة نصبه الفتحة. وقد يعرب حالا منصوبة ، حيث وقع المصدر موقع الحال ، إما من الفاعل (نحن) فى نرسل ، والتقدير :مخوفين ، وإما من المفعول به (بالآيات) ، والتقدير : مخوّفا بها.

 ـ (فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً) [الإسراء : ٦٠]. (طغيانا) مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، ومثله : (وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) [الإسراء : ٨٢].

__________________

(١) (أولئك) اسم إشارة مبنى فى محل رفع مبتدإ. (ما) حرف نفى مبنى لا محل له من الإعراب. (كان) فعل ماض ناقص ناسخ مبنى على الفتح. (لهم) جار ومجرور مبنيان. وشبه الجملة خبر كان مقدم فى كل نصب ، (أن يدخلوها) حرف مصدرى مبنى ، وفعل مضارع منصوب ، وعلامة نصبه حذف النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فاعل فى محل رفع. وضمير الغائبة مبنى مفعول به فى محل نصب. والمصدر المؤول فى محل رفع اسم كان مؤخر. (إلا) حرف استثناء يفيد الحصر والقصر ؛ مبنى لا محل له من الإعراب.

(خائفين) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الياء ، لأنها جمع مذكر سالم ، وصاحبها واو الجماعة.

٢٠١

 ـ (هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) [الإسراء : ٩٣]. (بشرا) خبر كان منصوب وعلامة نصبه الفتحة ؛ لأن الاستثناء متفرغ.

 ـ فى قوله تعالى : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) [الحجر : ٤].

(ولها كتاب) جملة اسمية وقعت بعد (إلا) فى استثناء مفرغ منفى ، فيكون إعرابها :فى محل نصب ، حال من (قرية) ، والواو للحال ، وقد جاز مجىء الحال من النكرة هنا لأنها مخصصة بحرف الاستغراق (من) ، ومسبوقة بالنفى.

ويجوز أن تجعلها فى محل جر ، صفة لقرية على اللفظ ، أو فى محل نصب ، صفة لها على المحل ، وتكون الواو داخلة على الصفة لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف.

 ـ فى قوله تعالى : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) [الشعراء : ٢٠٨]. (لها منذرون) جملة اسمية بعد أداة الاستثناء (إلا) ، والاستثناء مفرغ ، فيكون موقع الجملة المستثناة فى محل جر ، صفة لقرية على اللفظ ، أو فى محل نصب ، صفة لها على المحل. ويجوز أن تجعلها فى محل نصب حالا ؛ لأنّ النكرة قد خصّصت بـ (من) ، ومسبوقة بالنفى. ومن الأفضل أن تجعل الجملة المسبوقة بالواو حالا ، والمجردة منها نعتا.

 ـ ومثل ذلك قوله تعالى : (وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها) [الزخرف : ٤٨].

 ـ (وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً) [طه : ١٠٨]. الاستثناء مفرغ ، فيعرب المستثنى (همسا) مفعولا به.

 ـ (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) [النور : ٣]. الاستثناء مفرغ فى الموضعين ، ولذلك فإن ما بعد (إلا) يعرب حسب موقعه ، فـ (زانية) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، و (زان) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة.

٢٠٢

 ـ (إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ) [الشعراء : ١١٣].

 ـ (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) [الشعراء : ١٣٧].

 ـ (إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ) [النمل : ٨١].

 ـ (إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً) [الأحزاب : ١٣].

 ـ فى قوله تعالى : (وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) [الآعراف : ٢٠]. (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) استثناء مفرغ ، فيعرب ما بعد (إلا) مفعولا لأجله. بتقدير : إلا كراهة أن تكونا ، أو بتقدير : إلّا ألّا تكونا ....

 ـ فى قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [البقرة : ٢٨٦]. (إلا وسعها) استثناء مفرغ ، و (وسع) مفعول به ثان منصوب.

 ـ (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) [طه : ١٠٤].

الاستثناء مفرغ ، ويكون (يوما) منصوبا على الظرفية. والعامل فيه (لبث) ، و (إن) نافية.

 ـ قوله تعالى : (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النمل : ٩٠]. الاستثناء منفى ناقص ، فهو مفرغ ، والاستفهام فيه فى معنى النفى ، ولذا فإن (ما) فيها وجهان إعرابيان تبعا للتقدير الموقعى :إما أن يكون منصوبا على نزع الخافض ، أو على التوسع ، والتقدير : تجزون بما كنتم.

وإما أن يكون مفعولا به ثانيا.

 ـ ومثله قوله تعالى : (فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [القصص : ٨٤].

 ـ قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) [القصص : ٥٩].

٢٠٣

الاستثناء مفرغ ، فتكون الجملة (وَأَهْلُها ظالِمُونَ) فى محلّ نصب على الحالية من (القرى).

 ـ (وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ) [القصص : ٨٠]. (الصابرون) نائب فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ؛ لأنه جمع مذكر سالم ؛ لأن الاستثناء مفرغ.

 ـ فى قوله تعالى : (فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً) [الإسراء : ٩٩]. (أبى) أى : لم يوافق ، ففيه نفى ، فيكون الاستثناء مفرغا ، ويعرب ما بعد (إلا) مفعولا به منصوبا. ومنه : (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) [الإسراء : ٨٩].

 ـ ومن الاستثناء المفرغ قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) [سبأ : ٣٤]. فالجملة المذكورة بعد (إلا) : (قال مترفوها) فى محل نصب ، حال من قرية ، وصح ذلك لأنها فى سياق النفى.

تكرار إلا :

إذا تكرّرت (إلّا) فى التركيب فإنها تقع فى ثلاثة معان طبقا للتركيب الذى تكرر فيه ، ذلك على النحو الآتى :

أولها : تكون مؤكدة :

تكون (إلا) مؤكدة للمذكورة قبلها مع عطف البيان وعطف النسق والبدل ، وهذه يكون عملها ملغى ، وما بعدها يكون تابعا لما ذكر بعد (إلا) التى تسبقها تبعية عطف بيان أو بدل أو عطف نسق ، مثال ذلك : حضر الجميع إلينا إلا أخاك إلا أبا علىّ. (أخاك) مستثنى منصوب وعلامة نصبه الفتحة ، لأن الكلام تامّ مثبت فهو غير مفرّغ. و (أب) تابع للمستثنى ؛ لأنه إما بدل أو عطف بيان له.

ومثال لعطف النسق أن تقول : فهم جميع الطلبة إلا طالبا وإلا طالبة. (طالبا) مستثنى منصوب وعلامة نصبه الفتحة ، أما (طالبة) فمعطوف على (طالب) منصوب وعلامة نصبه الفتحة ، و (إلا) حرف زائد لتأكيد الاستثناء لا محلّ له من الإعراب.

٢٠٤

ومن ذلك قول أبى ذؤيب :

هل الدّهر إلّا ليلة ونهارها

وإلا طلوع الشمس ثمّ غيارها (١)

(ليلة) خبر المبتدإ (الدهر) مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، (طلوع) معطوف على (ليلة) مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

ومن ذلك أن تقول : ما فهمنا إلا درسا إلا باب الاستثناء ، (باب) بدل كلّ من كل من (درسا) ، أو عطف بيان له. ما قرأت إلا الشعر العباسىّ إلا شعر أبى تمام ، ما أعجبنى إلا محمود إلا اجتهاده. ما رأيت إلا رجلا إلا رأسه. واجتمع العطف والبدل فى قول الشاعر :

ما لك من شيخك إلا عمله

إلا رسيمه وإلا رمله (٢)

(عمل) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وخبره شبه الجملة المقدمة (لك) ، أما (رسيم) فهو بدل بعض من كل من (عمل) مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. و (رمل) معطوف على (رسيم) مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. و (إلا) الأخيرتان زائدتان لتأكيد الاستثناء الأول.

فإذا قلت : ما جاءنى إلا زيد إلا أبو محمد ، فأبو محمد مرفوع على البدلية من زيد ، أو عطف بيان له. وزيد فاعل مرفوع. فزيد هو أبو محمد.

ثانيها : تكون استثنائية مرتبطة بسابقتها :

تكون (إلّا) المكررة مؤدية معنى الاستثناء فى غير بابى العطف والبدل ، أى : أنه إذا كان ما بعد (إلّا) التى كررت لا يصلح أن يكون عطف بيان أو عطف نسق أو

__________________

(١) شرح ابن يعيش : ٢ ـ ٢١ / شرح ابن الناظم ٣٠٠ / الأشمونى ٢ ـ ١٥١.

(هل) حرف استفهام مبنى ، لا محل له من الإعراب. (الدهر) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (إلا) حرف استثناء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (ليلة) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (وإلا) الواو : حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. إلا : حرف استثناء مبنى ، لا محل له من الإعراب ، وهو لتأكيد الاستثناء. (طلوع) معطوف على ليلة مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (غيارها) معطوف على طلوع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائبة مبنى فى محل جر بالإضافة.

(٢) الكتاب ١ ـ ٣٧٤ / شرح ابن الناظم ٣٠١ / شرح التصريح ١ ـ ٣٥٦ / شرح الأشمونى ٢ ـ ١٥١ / الهمع ٣ ـ ٢٦٦ / الدرر : ٣ ـ ١٦٧. الشيخ هنا الجمل ، الرسيم والرمل ضربان من السير ، وفى رواية : مالك من شنجك ...

٢٠٥

بدلا فإنه يكون مستثنى استثناء حقيقيا ، ويكون المستثنى بالمكررة مرتبطا معنويا بالمستثنى بإلا التى تسبقها ، وحينئذ تطبق قواعد الاستثناء المذكورة سابقا على واحد فقط من المستثنيات ، أما ما عداه فإنه يجب نصبه ، ذلك على النحو الآتى :

أولا : إن كان الاستثناء مفرغا ، أى : أن الكلام ناقص منفىّ ، فإنك تشغل العامل المفرغ بواحد من المستثنيات المتعددة ، وتنصب سائرها ، فتقول :

ما حضر إلا أحمد إلا سميرا إلا محمدا ، برفع (أحمد) ، أو (سمير) ، أو محمد ، ونصب الآخرين.

ما عاقبنا إلا عليّا إلا إسماعيل إلا محمودا. بنصب واحد من المستثنيات الثلاثة على المفعولية للفعل (عاقب) ، ونصب الآخرين على الاستثناء.

ما كوفئ إلّا محمود إلا عليا إلا سميرا. برفع (محمود) أو أحد المستثنيات على النيابة عن الفاعل ، ونصب الآخرين على الاستثناء. ذلك لأن ما بعد المستثنى الأول كأنه بعد إيجاب أو إثبات ، فالنفى ينتقض بأداة الاستثناء الأولى ، ومن هنا وجب نصب المستثنيات الأخرى.

ثانيا : إذا كان الاستثناء تامّا موجبا ، أى : غير مفرغ وليس به أداة نفى ؛ فإنك تنصب كلّ المستثنيات على الاستثناء ، فتقول : حضر الجميع إلا محمودا إلا هشاما إلا ثابتا. بنصب كل من «محمود وهشام وثابت» على الاستثناء ، ويفهم من المعنى أن جميع هؤلاء مستثنون ، وكلهم لم يأتوا ، على اعتبار أن حكم جميع ما بعد (إلا) مستثنى من حكم المستثنى منه.

ثالثا : إن كان الاستثناء تامّا منفيا ، أى : غير مفرغ ، وبه أداة نفى ، فإنك تطبق قاعدة الاستثناء الخاصة بهذا النوع من الكلام على واحد من المستثنيات ، وتوجب النصب فى سائرها ، أى : أنه يجوز أن يعرب واحد من المستثنيات على الإتباع من المستثنى منه بدل بعض من كلّ ، ويجب نصب ما سواه ، فتقول : ما حضر الأقارب إلا أبوك إلا أخاك إلا عمّك. برفع (أب) على الإبدال من المستثنى منه (الأرقاب) ، وهو فاعل مرفوع ، ونصب كل من (أخ) و (عم) على الاستثناء ،

٢٠٦

وعلامة نصب الأول الألف لأنه من الأسماء الستة ، وعلامة نصب الثانى الفتحة. كما يجوز نصب الجميع على الاستثناء. ويجوز الوجهان فى أى واحد من المستثنيين الآخرين ، فلهذه الجملة ستة أوجه للنطق : الوجهان السابقان ، ثم برفع (أخ) أو نصبه مع نصب الآخرين ، أو برفع (عم) أو نصبه مع نصب الآخرين.

ومثل ذلك : ما أقبل أحد إلا أباك إلا أخاك إلا عمّك. برفع (عم) على البدلية من (أحد) ، أو نصبه على الاستثناء ، أو اتباع الوجهين فى كل واحد من المستثنيين الآخرين.

ملحوظة :

قد يفهم أن الاستثناء المكرر إنما هو استثناء من المستثنى السابق عليه ، ويكون هذا واضحا فى الأعداد ، كأن تقول :

عندى عشرة إلا أربعة إلا ثلاثة. فتقرّ له بتسعة ، حيث استثنيت الأربعة من العشرة ، فالإقرار بعد الاستثناء الأول يكون بستة ، ثم تقر بثلاثة أخرى استثنيت حكمها من حكم ما سبقها من مستثنى ، وهو المخالفة فى الإقرار ، فيكون حكمها بالإقرار ، فتضاف إلى الستة التى أقررت بها ، فيصير مجموع ما أقرّ به تسعة.

أما فى القول : عندى عشرة إلا خمسة سوى ستة ، فهذا لا يجوز لدى النحاة ؛ لأن المستثنى الثانى أكبر من المستثنى الأول ، لكنه ذكر عن الفراء جوازه على أن يكون تقدير المعنى : له عندى عشرة إلا خمسة سوى ستة كانت له عندى ، وبذلك يكون مقرا له بأحد عشر. فالاستثناء من الموجب سالب ، والاستثناء من السالب موجب.

هذا يقتضى القول بأن يجعل كلّ وتر داخلا ، وكلّ شفع خارجا ، وما اجتمع فهو الحاصل (١). فإذا قلت : له مائة إلا عشرة إلا ثلاثة إلا اثنين إلا واحدا ، كان كلّ من : (عشرة واثنين) خارجا من العدد ، وكلّ من : (ثلاثة وواحد) داخلا فى العدد ، فيكون الحاصل اثنين وتسعين. وما كان من ذلك فهو مذهب أهل البصرة والكسائى ، وذهب بعضهم إلى جوازه.

__________________

(١) المساعد ١ ـ ٥٧٦.

٢٠٧

لكن بعضهم قد جوّز أن يعود كل المستثنيات من الاسم الأول ، فلو أنك استثنيت كلّ عدد من سابقه بادئا من العدد الأخير فإنك تصل إلى النتيجة التى يتوصل منها عن طريق إدخال الوتر ، وإخراج الشفع. لذلك فإننى أرى أن أيّا من الطريقتين فهو جائز.

يختلف النحاة فيما بينهم اختلافا بيّنا فيما إذا كان العدد المستثنى فى الوتر أو الشفع بعد العدد المستثنى الأول أكبر من سابقه :

فمن مجوّز لذلك مع إدخال الوتر وإخراج الشفع.

ومن مخرج كلّها من الأول ، أو إخراج كل عدد مما يتبقى من العدد الأول. فإذا قلت : له عندى عشرة إلا ثلاثة إلا أربعة. فعلى الأول يكون الإقرار بثلاثة ، وعلى الثانى يكون الإقرار بأحد عشر فى الاحتمالين.

ويبطل الاستثناء إذا كان المستثنى الأول أكبر من المستثنى منه.

ثالثها : أن تكون استثنائية منفصلة عن سابقتها :

قد تكرر (إلا) لكن المستثنى بها غير مرتبط معنويا بالمستثنى بإلا التى تسبق المكرّرة ، فكلّ من المستثنيات منفصل عن الآخر معنويا ، فكأنّ التركيب الواحد الذى تكرر فيه (إلا) عدة جمل استثنائية ، لكلّ منها قاعدته حسب المعنى الذى وضع له ، ومن ذلك قوله تعالى : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) [العنكبوت : ٤٦]. تكررت (إلا) فى الآية الكريمة ، والثانية تمثل استثناء مستقلا معنويا عن الاستثناء الأول ، فالأول استثناء مفرغ ، حيث تكون شبه الجملة (بالتى هى أحسن) فى محل نصب على الحالية من واو الجماعة ، والتقدير : جادلوهم مستعينين بالتى هى أحسن ، وقد تحتسب متعلقة بالمجادلة ، أما الاستثناء الآخر فهو استثناء متصل ، والتقدير : إلا الظلمة ، وهو مستثنى من (أهل الكتاب) ، ويكون موقع الاسم الموصول (الذين) إما فى محلّ نصب على البدلية من (أهل) ، وإما فى محل نصب على الاستثناء.

٢٠٨

ومن ذلك القول : ما أكل أحد إلا الخبز إلا زيدا (١). بنصب (الخبز) لأن الاستثناء معه ناقص منفى ، فما قبله من عامل مفرغ له ، فينصب على المفعولية ، فكأن المعنى : كلّ الناس أكل الخبز إلا زيدا. وينصب (زيد) كذلك ؛ لأن الاستثناء معه يعدّ مثبتا تاما ، فهو غير مفرغ ، ومثبت لأن أداة النفى (ما) مع (إلا) التى سبقت الخبز بمثابة الإثبات ، والتقدير : أكل الناس كلّ الخبز إلا زيدا.

إشارات تركيبية لـ (إلا):

أولا : قد تستثنى الجملة بـ (إلا):

قد يستثنى باستخدام (إلا) الجملة بأنواعها المتعددة ، حيث يجوز أن يلى (إلا) المسبوقة بنفى فعل مضارع بلا شروط ، كما يليها فعل ماض مسبوق بفعل قبل (إلا) أو مسبوق بقد ، وكلّ فعل يمثل جملة فعلية (٢). مثال ذلك :

ما جاء محمد إلا يبطئ فى مشيه. فالجملة الفعلية ذات الفعل المضارع (يبطئ) إنما هى فى محل نصب ، حال من الفاعل (محمد).

ما سمع علىّ الدرس إلا كان ينصت باهتمام. الجملة المستثناة (كان ينصت) فى محل نصب ، حال من الفاعل (على) ، وهو مسبوق بالفعل (سمع).

ومنه قوله تعالى : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) [يس : ٣٠].

الجملة المستثناة : (كانوا به يستهزئون) فى محل رفع ، صفة على المحل ، أو فى محل جر ، صفة له على اللفظ ، أو فى محل نصب ، حال منه ؛ لأنه نكرة تخصصت بمن الزائدة.

وأن تقول : ما قلت ذلك إلا قد تأكدت منه. الجملة (قد تأكدت منه) فى محل نصب ، حال من ضمير المتكلم الفاعل (التاء). ومنه قول الشاعر :

ما المجد إلا قد تبيّن أنه

بندى وحلم لا يزال مؤثّلا (٣)

__________________

(١) ينظر : المقتصد ٢ ـ ٧٠٥ / شرح الخفاف ٩١.

(٢) ينظر : ارتشاف الضرب ٢ ـ ٣١٥.

(٣) المساعد ١ ـ ٥٨١ / الدرر : ١ ـ ١٩٥.

(ما) حرف نفى مبنى ، لا محل له من الإعراب. (المجد) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (إلا) حرف

٢٠٩

الجملة الفعلية (قد تبين أنه بندى) فى محلّ رفع ، خبر للمبتدإ (المجد).

ومنه أن تقول : ما شرحت درسا إلا وأحمد حاضر. الجملة (وأحمد حاضر) فى محلّ نصب على الحالية.

يمكن أن يكون من ذلك (١) قوله تعالى : (لَسْتَ عَلَيْهِمْ) بمسيطر (٢٢) (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ) [الغاشية : ٢٢ ـ ٢٤]. الجملة (من تولى ...

فيعذبه) جملة اسمية مستثناة فى محلّ نصب ، المبتدأ فيها الاسم الموصول (من) فى محلّ رفع ، والخبر هو الجملة الفعلية (فيعذبه الله) فى محل رفع ، وقرنت بالفاء لأن المبتدأ اسم عام فهو اسم موصول.

ويجعلون من ذلك قوله تعالى : (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) [البقرة : ٢٤٩].

برفع (قليل) (٢) على أن قليلا مبتدأ حذف خبره ، وتقديره : لم يشربوا ، هذا على رأى الفراء ، وتكون الجملة مستثناة فى محلّ نصب (٣).

ومنه قول أبى نواس لمحمد الأمين :

يا خير من كان ومن يكون

إلا النبىّ الطاهر الميمون

حيث (النبى) مبتدأ مرفوع حذف خبره ، وتقديره : فإن الأمين لا يفضله.

__________________

استثناء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (قد) حرف تحقيق مبنى ، لا محل له من الإعراب. (تبين) فعل ماض مبنى على الفتح. (أنه) أن : حرف توكيد ونصب مبنى ، وضمير الغائب مبنى فى محل نصب ، اسم أن. (بندى) حرف جر مبنى ، ومجرور بكسرة مقدرة منع من ظهورها التعذر. وشبه الجملة متعلقة بمؤثل (وحلم) عاطف ومعطوف على ندى مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (لا يزال) لا : حرف نفى مبنى ، لا محل له من الإعراب. يزال : فعل مضارع ناقص ناسخ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، واسمه ضمير مستتر تقديره : هو. (مؤثلا) خبر لا يزال منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وجملة لا يزال مع معموليها فى محل رفع ، خبر أن. والمصدر المؤول من أن ومعموليها فى محل رفع ، فاعل تبين. والجملة الفعلية (تبين أنه) فى محل رفع ، خبر المبتدأ (المجد).

 (١) ينظر : شرح التصريح وحاشية الشيخ يس علي ١ ـ ٣٤٨ ، ٣٤٩.

(٢) قراءة عبد الله وأبى بالرفع ، وقراءة النصب هى المشهورة. ينظر : الدر المصون ١ ـ ٦٠٥

(٣) فى الدر وجه آخر ، حيث يذكر : «أن هذا الكلام ؛ وإن كان موجبا لفظا فهو منفى معنى ، فإنه فى قوة :

لم يطيعوه إلا قليل منهم ، فلذلك جعله تابعا لما قبله فى الإعراب». الدر المصون ١ ـ ٦٠٥.

٢١٠

وقوله صلّى الله عليه وسلّم : «كل أمتى معافى إلا المجاهرون» أى : المجاهرون بالمعاصى لا يعفون.

وقول أبى قتادة : «كلهم أحرموا إلا أبو قتادة لم يحرم». فصرح بالخبر للمبتدإ المرفوع بعد (إلا).

وإذا جاز لنا أن نوافق على رأى جمهور النحاة فى تبعية المرفوع المستثنى بإلا للمرفوع الذى يسبقه المستثنى منه ، أو حمله على الاستثناء المنقطع كما ذهب إليه الكوفيون ، فإن هذا لا يجوز فى الأمثلة التى صرّح فيها بالخبر ، وعليه فإن الجملة قد تكون مستثناة بـ (إلا).

 ـ قوله تعالى : (وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (١٧) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ) [الحجر ١٧ ، ١٨]. فى (من) بعد (إلّا) عدة أوجه :

أن تكون فى محلّ نصب على الاستثناء ، وهو استثناء تام مثبت متصل ، غير مفرغ.

أن نحتسب الاستثناء منقطعا ، فتكون مستثنى منصوبا.

قد تكون مبتدأ فى محل رفع ، وخبره الجملة الفعلية (فأتبعه شهاب) ، ودخلت عليها الفاء لأن المبتدأ اسم عام اسم شرط إن احتسبت (من) شرطية ، وفيه معنى الشرط إذا كانت موصولة ، وتكون الجملة فى محل نصب على الاستثناء.

ملحوظة :

قد تدخل (إلا) على الفعل الماضى إذا تقدمهما قسم ، أو ما فيه معنى القسم الذى فيه معنى الطلب. ومثلها (لمّا) المشددة الميم (١). نحو : نشدتك بالله إلا فعلت. وفيه يكون اللفظ الدال على القسم متضمنا معنى النفى ، وتكون (إلا) أو (لما) لنقض النفى ، فالتقدير : ما نشدتك بالله إلا فعلت. ويقدر ما بعد (إلا) باسم ، أى : إلا فعلك ، ويكون مفعولا به للطلب السابق الكامن فى اللفظ الدال على

__________________

(١) ينظر : الاستراباذى على الكافية لابن الحاجب. ١ ـ ٢٥٠ ، ٢٥١ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٣١٥.

٢١١

القسم. وجاء فى صيغة الماضى لقصد المبالغة فى الطلب. ومنه أن تقول : أقسمت عليك إلا زرتنى ، عزمت عليك إلا نفّذت ما طلبته منك. بالله إلا ذهبت إلى صديقك.

ومنه قوله : عمرتك الله إلّا ما ذكرت لنا ... ومعناه : ذكرتك وسألتك به ، وهو مثبت فيه معنى النفى (١).

ومنه أن تقول : أقسمت بالله عليك إلا صالحت أخاك. مثل (إلا) فى هذا الموضع (لمّا) استثنائية ، لكنها لا تجىء إلا فى الاستثناء المفرغ ، ويجب أن يسبقها نفى ظاهر أو مقدر (٢).

ومنه قوله تعالى : (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ). [يس : ٣٢].

(إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ)(٣) [الطارق : ٤]. على أن (إن) نافية ، و (لمّا) استثنائية بمعنى (إلا) ، ويكون التقدير : ما كلّ إلا جميع ... ، وما كلّ نفس إلا عليها حافظ.

ثانيا : قد تكون (إلّا) صفة :

كما أن (غيرا) تحمل على (إلّا) فى الاستثناء لأنه أصل (إلا) ، فإن (إلّا) تحمل على (غير) فى النعت لأنه أصل (غير) ، حيث قد ينعت بها كما ينعت بغير. إلا أن بينهما فرقين :

أولهما : أن (إلا) لا يجوز حذف موصوفها ، كما يجوز ذلك فى موصوف (غير). فيقال : جاءنى غير محمد ، ولا يجوز : جاءنى إلا محمد ، ونظير (إلا) فى ذلك الجمل وأشباه الجمل ، حيث إنها قد تقع صفات ، ولا يجوز أن تنوب عن موصوفاتها.

__________________

(١) ينظر : ارتشاف الضرب ١ ـ ٣١٦.

(٢) الاستراباذى على الكافية ١ ـ ٢٥١.

(٣) فى (لما) فى الموضعين تخفيف الميم ، ويوجه على أن (إن) المخففة من الثقيلة ، واللام الفارقة ، وما مزيدة. أما الكوفيون فيجعلون (إن) نافية ، واللام بمعنى (إلا).

٢١٢

والآخر : أنه لا يوصف بـ (إلا) إلا فى موضع يصحّ فيه الاستثناء ، فيجوز القول : معى جنيه إلا ربع ؛ لأنه يجوز القول : معى جنيه إلا ربعا. لكنه لا يجوز القول : معى جنيه إلا كامل ؛ لأنه لا يصح الاستثناء فى هذا الموضع. ويجوز القول : معى جنيه غير منقوص.

 ـ القول فى قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢].

التقدير : لو كان فيهما آلهة غير الله لفسدتا ، فأخذت الكلمتان (إلا الله) معنى (غير الله) ، وبذلك يأخذان حكمهما ، وحكم (غير) فى هذا الموضع صفة لآلهة مرفوعة ، فيكون حكم (إلا الله) صفة لآلهة ، ومجموع (إلا) مع (الله) هى الصفة ، ولأن (إلا) حرف ، والحرف لا يحمل العلامة الإعرابية ، فقد انتقل إعراب الصفة إلى ما بعد (إلا) وهو لفظ الجلالة. ويماثل ذلك قول عمرو بن معدى كرب :

وكلّ أخ مفارقه أخوه

لعمر أبيك إلّا الفرقدان

والتقدير : وكل أخ إلا الفرقدان ، أى : غير الفرقدين ، فتكون (إلا الفرقدان) صفة لـ (كلّ أخ).

ملحوظتان :

أ ـ تقول : عندى درهم إلا جيد. يجب أن يعرب المستثنى فى مثل هذا التركيب تابعا للمنعوت ، فترفعه ، ولا يجوز النصب على الاستثناء لفساد المعنى ، حيث لا يجوز استثناء الصفة من صاحبها.

ب ـ لو قال قائل : له عشرة إلا درهم ... فقد أقر له بالعشرة ، لأن الدرهم المستثنى غير العشرة ، والتقدير : له عشرة غير درهم. ولكن إذا قال : له عشرة إلا درهما (بالنصب) فإنه يقر له بتسعة.

ثالثا : (إلا) وإعمال ما قبلها وما بعدها :

ما بعد (إلا) لا يعمل فيما قبلها مطلقا ، كما أن ما قبلها لا يعمل فيما بعد المستثنى بها ، إلا أن يكون مستثنى منه أو تابعا للمستثنى.

٢١٣

رابعا : لا تعمل أداة استثناء فى شيئين :

لا يستثنى بأداة واحدة شيئان بلا عطف ، خلافا لقوم (١). فلا يقال : ما ضرب أحد أحدا إلا زيد عمرا ، على أن كلا الاسمين مستثنى بإلا المذكورة. وأجاز ذلك قوم ، فيجوز لديهم القول : ما أخذ أحد إلا زيدا درهما ، وما ضرب القوم إلا بعضهم بعضا (٢).

خامسا : (إلا) وعملها اللفظى والمعنوى :

تعمل (إلا) لفظا ومعنى إذا استثنيت بها ، ونصبت المستثنى.

وتعمل معنى فقط إذا استثنيت بها دون عمل النصب.

سادسا : الاستثناء من النكرة الموجبة :

لا يستثنى من النكرة فى الموجب إلا إذا أفادت ، ومن أمثلة الاستثناء من النكرة قوله تعالى : (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) [العنكبوت : ١٤]. فالكلام تام موجب غير مفرغ متصل ، واستثنى (خمسين) من النكرة اسم العدد (ألف) ، فوجب النصب.

سابعا : الضمير بعد (إلّا):

إذا ذكر الضمير بعد (إلا) فلا يكون إلا منفصلا. حيث إن (إلا) توافق الفعل معنى ، فلم تعمل الجرّ.

ومن ذلك قوله تعالى : (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) [طه : ١٤](ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ) [الإسراء : ٦٧](وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) [يونس : ١٠٧] ، (فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء : ٨٧].

__________________

(١) الاستراباذى على الكافية ١ ـ ٢٤٠.

(٢) ارتشاف الضرب ١ ـ ٣٠٩.

٢١٤

غير وسوى

ترد (غير وسوى) فى التركيب ذاتى دلالات مختلفة ، وبين هذه الدلالات تختلف النظرة إليهما من حيث قوانين التركيب المختلفة من : أداء دلالى ، أو موقع إعرابىّ ، أو علامة إعرابية ، أو إضافة ظاهرة أو مقدرة ، أو غير ذلك.

غير وسوى فى الاستثناء :

يراعى فى التركيب الاستثنائى بغير وسوى ملحوظتان :

أولاهما : أنهما اسمان ملازمان للإضافة ، ولذلك فإنهما يخفضان ما بعدهما دائما ، فالمستثنى بهما مجرور بالإضافة إليهما.

ثانيتهما : لأنهما اسمان فهما لهما موقعهما الإعرابى ، ويعربان ـ دائما ـ إعراب الاسم الواقع بعد (إلا) ، فكأنهما بمثابة (إلا) وما استثنى بها من اسم مجتمعين ، وحقّ ذلك لأن المضاف والمضاف إليه بمثابة الاسم الواحد ، فهما وما أضيف إليهما بمثابة الاسم الواحد.

إعراب (غير وسوى):

يلاحظ فى إعراب (غير وسوى) ما لوحظ فى إعراب الاسم الواقع بعد (إلا) حيث ينظر إلى :

أ ـ نوع الكلام أو الأسلوب بين النفى والإثبات.

ب ـ ما قبل (غير وسوى) ونوعه من حيث التفرغ وعدم التفرغ ، أى : وجود المستثنى منه وعدم وجوده ، وهو ما يسمى بالتمام والنقصان.

وبالنظر إلى ما سبق يكون إعراب (غير وسوى) على النحو الآتى :

أولا : إذا كان الكلام مثبتا وما قبلهما مفرّغ لهما بعدم وجود المستثنى منه ، أى :كان الكلام ناقصا موجبا أو مثبتا ، فإنهما يعربان حسب موقعهما فى الكلام ، بين الفاعلية أو المفعولية أو ما أشبه أحدهما ، أو المجرور بحرف الجر أو غير ذلك من المواقع ، وذلك بحسب ما يقتضيه ما قبلهما من عوامل ، فتقول :

٢١٥

أقبل غير واحد. (غير : فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة).

أكرمت غير واحد. (غير : مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة).

أعجبت بغير واحد. (غير : اسم مجرور بعد الباء ، وعلامة جره الكسرة).

يهان غير المخلصين. (غير : نائب فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة).

ومنه قوله تعالى : (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) [القصص : ٣٩](١) (غير : اسم مجرور بالباء).

ثانيا : إذا كان الكلام مثبتا ، وما قبلهما غير مفرغ لهما ، أى : لا يحتاج إلى مرفوعه أو منصوبه أو مجروره ؛ ويكون ذلك بوجود المستثنى منه ، أى : كان الكلام تاما مثبتا ، فإنهما ينصبان على الاستثناء ، فتقول :حضر جميع المتفرجين غير اثنين (غير : منصوب على الاستثناء ، وعلامة نصبه الفتحة).

أقبل الجميع غير واحد. (غير : منصوب على الاستثناء ، وعلامة نصبه الفتحة).

أكرمت الجميع غير واحد. (مثل السابق).

أعجبت بالجميع غير واحد (مثل السابق).

يهان الحاضرون غير المخلصين (مثل السابق).

وقد أريد بـ (غير) فى هذه الأمثلة الاستثناء لا غير. أذكر ذلك حتى لا يعتقد الوصفية فى (غير) فى المثل الأخير.

ثالثا : إذا كان الكلام ناقصا منفيا : أى : يوجد قبل (غير وسوى) أداة نفى ، وكان ما قبلهما مفرغا لهما ، أى : كان الكلام ناقصا ، بعدم وجود المستثنى منه

__________________

(١) (استكبر) فعل ماض مبنى على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو. (هو) ضمير مؤكد مبنى فى محل رفع. (وجنوده) حرف عطف مبنى ، ومعطوف على الفاعل مرفوع ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة. (فى الأرض) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة باستكبر. (بغير) جار ومجرور ، وشبه الجملة فى محل نصب ، حال. (الحق) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

٢١٦

فإنهما يعربان حسب موقعهما فى الكلام ، بين الفاعلية والمفعولية وما أشبههما والمجرور ... ، وذلك بحسب ما يقتضيه ما قبلهما من عوامل ، فالكلام فى مثل هذا التركيب ناقص منفىّ. فتقول :

ما فهم غير طالب. (غير : فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة).

ما علمت غير خبر واحد. (غير : مفعول به منصوب).

ما منع من الدخول غير اثنين (غير : نائب فاعل مرفوع).

ما غاب غير اثنين. (غير : فاعل مرفوع).

ما كوفئ غير المجيبين عن السؤال. (غير : نائب فاعل مرفوع).

لم ينل غير جائزتين. (غير : مفعول به منصوب).

ما استمعت لغير متحدثين. (غير : اسم مجرور بعد اللام).

لم يعجب بغير مشهدين. (غير : اسم مجرور بالباء).

ومنه أن تقول :

هل علمت غير هذا الخبر؟

أأجبت عن غير السؤال الثانى؟

ألم تؤدّ غير هذا الواجب؟

هل حضر إليك اليوم غير سمير؟

رابعا : إذا كان الكلام منفيا ، وما قبلهما غير مفرغ لهما ، أى : كان الكلام تامّا منفيا بوجود المستثنى منه وأداة النفى ، فإنه ـ حينئذ ـ لا يحتاج إلى مرفوعه أو منصوبه أو مجروره ، فيعربان إعراب الاسم الواقع بعد (إلا) فى مثل هذا الموضع ، حيث يجوز فيهما الإتباع بالبدلية من المستثنى منه ، والنصب على الاستثناء ، فتقول :

ما أجاب طالب على السؤال غير أحمد. (برفع غير على البدلية من طالب ، وبالنصب على الاستثناء).

٢١٧

ما كافأت أحدا غير محمود (بنصب غير على البدلية أو الاستثناء).

ما أعجبت بإجابة أحد غير علىّ. (بجر غير على البدلية من أحد وبنصبها على الاستثناء).

ما أكرم أحد من الحاضرين غير المخلص (برفع غير على البدلية من أحد ، وبنصبها على الاستثناء).

ما غاب المتفرجون غير اثنين. (برفع غير ، وبنصبها).

ومنه أن تقول :

هل قام الطلاب غير محمد؟ (برفع غير على البدلية من الطلاب ، وبنصبها على الاستثناء).

أحضر أحد من أسرة علىّ غير محمود وأولاده؟

مع ملاحظة أن الاستفهام يخرج من معناه الحقيقىّ إلى معنى آخر بلاغىّ ، وهو النفى.

مما سبق يمكن أن تلحظ أن التراكيب التى تكون فيها (غير وسوى) فى الاستثناء تكون على النحو الآتى :

أ ـ الكلام ناقص منفى : أى : لا يوجد المستثنى منه ، وبه أداة نفى ، فتعرب (غير وسوى) حسب موقعهما فى الكلام.

ب ـ الكلام تام مثبت : أى : يوجد المستثنى منه ، ولا توجد أداة نفى ، فتعرب (غير وسوى) منصوبتين على الاستثناء.

ج ـ الكلام تام منفى : أى : يوجد المستثنى منه ، وتوجد أداة نفى ، تعرب (غير وسوى) إما بالإتباع على البدلية من المستثنى منه ، وإما بالنصب على الاستثناء.

د ـ إذا سبق المستثنى المستثنى منه نصب (غير سوى) مطلقا على الاستثناء ، فتقول :

ما جاء غيرك أحد. بنصب (غير) على الاستثناء لا غير ؛ لأن المستثنى (غيرك) تقدم على المستثنى منه (أحد) ، فانتفى الإتباع للتقديم.

٢١٨

تركيب (ليس غير):

النطق المحتمل لـ (غير) فى التركيب : جاءنا محمد ليس غير.

أولا : يجوز أن تنطق (غير) مضمومة بلا تنوين ، ويجوز فيها ـ حينئذ ـ ثلاثة تقديرات :

أ ـ أن تكون مبنية على الضمّ فى محلّ نصب ؛ لأنها تعرب خبر (ليس) ، والتقدير : ليس الجائى غيره. فهى ـ حينئذ ـ مقطوعة عن الإضافة لفظا لا معنى.

ب ـ أن تجعلها اسم (ليس) مبنية على الضمّ فى محلّ رفع ، والتقدير : ليس غيره الجائى.

ج ـ فإن جعلت (غيرا) معربة ـ على ما ذهب إليه الأخفش ، حيث يجعل التنوين ساقطا لنية الإضافة ـ فإن (غيرا) تكون اسم (ليس) ، والمحذوف الخبر.

ثانيا : فإن جعلت التعبير السابق بفتح الراء فإن (غيرا) تكون خبر (ليس) ، والتقدير : ليس الجائى غيره.

ثالثا : وقد تنون (غير) فى التعبير السابق ، وتكون فى حال الرفع اسم (ليس) ، وفى حال النصب (خبرها).

رابعا : وقد تنطق (غير) مضافة إلى ضمير الغيبة ، فتكون (ليس غيره) ، مضمومة أو مفتوحة ، وهى على التأويلين السابقين.

تكرار (غير):

إذا تكررت (غير) فإن الأحكام التى ذكرت فى تكرار المستثنى بإلا تطبق عليها ، أى : يكون حكم (غير) فى التكرير حكم المستثنى بـ (إلا) فى التكرير ، فتطبق الأحكام الإعرابية للمستثنى بمراعاة نوع الكلام من تام أو ناقص ومثبت أو منفى ، ومفرغ وغير مفرغ على واحد من (غير) المكررة ، وتوجب النصب فى سائرها ، فتقول : جاء الطلاب غير أحمد غير على. ما أحد يذكر ذلك غير زيد غير

٢١٩

عمرو. بنصب (غير) الأولى على الاستثناء ، ورفعها على البدلية من الفاعل الضمير المستتر فى (يذكر) ، وبنصب (غير) الثانية فى حال رفع الأولى ، وبرفع الثانية فى حال نصب الأولى (١) ، وأرى أنه يجوز نصب (غير) الأولى على الاستثناء و (غير) الثانية على الاستثناء مطلقا ، حيث إن رفع الثانية جاز عند ما نصبت الأولى ، لكنه فى حال رفع الأولى وجب نصب الثانية على الاستثناء ، وبذا فإن النصب فى الاثنين قائم ، حيث وجوبه فى واحدة منهما ، وجوازه فى الأخرى.

 ـ القول : ما جاءنى أحد غير زيد غير عمرو. يذكر الخفاف أنه لا يجوز نصبهما جميعا إلا بالواو ، ويجوز رفع أحدهما ، ولا يجوز رفعهما جميعا إلا بالواو (٢).

وأنت ترى أن المستثنى منه موجود ، فالاستثناء تام منفى غير مفرغ متصل ، والمستثنى منه متقدم ، فجاز لك أن تطبق قوانين هذا التركيب على أحد المستثنيين ، وتوجب النصب فى الآخر ، وعليه فإن بدلية أحدهما بالرفع من المستثنى منه جائزة ، ووجب النصب فى الآخر ، كما أن النصب على الاستثناء جائز فى أحدهما ، مع وجوب النصب فى الآخر.

لذلك فإن احتمالات النطق لغير فى هذا التركيب فى الموضعين هى :جواز إتباع إحداهما بالرفع ، ووجوب نصب الأخرى.

جواز نصب إحداهما ، ووجوب نصب الأخرى.

لكن الرفع فى الاثنتين لا يكون إلا بالواو العاطفة.

القول : ما أحد يقول ذلك غير على غير محمد. (غير) الأولى تكون بالرفع على النعت لأحد أو على البدل من فاعل (يقول) ، وبالنصب على الاستثناء ، مع تبادل نصب الثانية ورفعها مع الأولى.

__________________

(١) شرح الخفاف (٩١).

(٢) المنتخب الأكمل على شرح الجمل ٩١.

٢٢٠