النحو العربي - ج ٣

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٣

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٦٠٨

١
٢

الحال (١)

لفظة الحال تؤنث وتذكر لفظا ومعنى ، ويرجح التذكير فى اللفظ ، والتأنيث فى المعنى. جمعها (أحوال) ، وتصغيرها (حويلة) ، لذلك فإن الألف فيها منقلبة عن واو (٢).

حدها :

الحال وصف فضلة يذكر لبيان هيئة ما وضع له من صاحبه أثناء إجراء حدث ما ، أو ما فيه معنى الحدث ، فقد تكون الحال لبيان هيئة الفاعل ، أو المفعول به ، أو الاسم المجرور ، أو غيرها ، أو اثنين أو أكثر منها معا ، أو لتأكيده ، أو لتأكيد عامله ، أو تأكيد مضمون الجملة قبله.

ويضاف إلى ما سبق أن تكون مبينة لهيئة وقوع الحدث ، ولذلك فإنها سميت حالا لاقترانها بحدوث الحدث.

ويصح السؤال عن الحال باسم الاستفهام (كيف) ، وتكون موافقة لعاملها فى الزمان الواقع فيه.

مثال ذلك : عدت إليه آمنا ، (فآمنا) حال من ضمير المتكلم (التاء) ، وهو فاعل ، وتلحظ معى أن (آمنا) تدل على هيئة المتكلم أثناء حدوث الإتيان ، لذلك

__________________

(١) اعتمدت هذه الدراسة على المصادر الآتية : الكتاب ١ ـ ٣٤٠ ، ٢ ـ ٥٤ وما بعدهما / المقتضب ٢ ـ ٦٥ ، ٣ ـ ٢٣٦ ، ٤ ـ ٢٥ ، ١٢٢ ، ٣٠٨ وما بعد كل منها / الأصول فى النحو ١ ـ ٢١٣ / الإيضاح العضدى ٢٢٠ / المقتصد ١ ـ ٦٧١ / نتائج الفكر ٣٩٤ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٢٩٧ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ٥٥ / الإيضاح فى شرح المفصل لابن الحاجب ١ ـ ٣٢٦ / المقرب ١ ـ ١٤٤ ، ١٥٢ / الكافية فى النحو ١ ـ ١٩٨ / شرح الكافية الشافية ٢ ـ ٧٢٦ / التسهيل ١٠٨ / عمدة الحافظ ٣٠٣ / شرح ألفية ابن معطى ١ ـ ٥٥٣ / شرح المقدمة النحوية ٢٥٣ / شرح الألفية لابن الناظم ٣١١ / المساعد على التسهيل ٢ ـ ٥ / شرح ابن عقيل ٢ ـ ٢٤٢ / شفاء العليل ٢ ـ ٥٢١ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٣٣٤ / شرح شذور الذهب ٢٤٥ / شرح التصريح ١ ـ ٣٦٥ / الفوائد الضيائية ١ ـ ٣٨١ / الهمع ١ ـ ٢٣٦ / الأشباه والنظائر ٢ ـ ١٨٩ / شرح القمولى ١ ـ ١٨٩ / الصبان على الأشمونى على ألفية ابن مالك ٢ ـ ١٦٩ / النحو القرآنى ٣٣٧.

(٢) التصغير وجمع التكسير يردان الأشياء إلى أصولها ، فباب أبواب وبويب ، وناب أنياب ونييب.

٣

فإنك تلمس أن الحال بمثابة جملة فاعلها صاحبها ، وهو فاعل الحدث الأول ، وتقديرها : (وقد أمنت) ، أو : (وأنا آمن).

ومن أمثلة الحال :

* (تركت كتبى منظمة) ، فمنظمة تبين هيئة الكتب ، وهى مفعول به أثناء تركى لها ، وهو الحدث.

* استمعت إلى الدرس مفهوما ، فالحال (مفهوما) بينت هيئة الدرس أثناء الاستماع إليه.

* قابلت صديقى مبتسمين ، فالحال (مبتسمين) بينت هيئة تاء المتكلم والصديق ، وهما الفاعل والمفعول به أثناء حدوث المقابلة.

* تناقشت مع أخى متفاهمين ، الحال (متفاهمين) بينت هيئة تاء المتكلم وأخى : الأول فاعل ، والثانى اسم مجرور ، وذلك أثناء حدوث التناقش.

* لقد مات عطشا ، (عطشا) حال منصوبة بينت هيئة الفاعل الضمير المستتر فى (مات) ، على تأويلها بـ (عطشان) ، أو بينت حال الحدث فى الفعل (مات) ، وهو الموت.

* جئت وأخى راكبا ، (راكبا) حال منصوبة بينت هيئة المفعول معه (أخى) أثناء إحداث المجىء ، ويجوز أن تجعلها حالا من الفاعل ضمير المتكلم.

الصفات الواجب توافرها فى الحال مبنى ومعنى :

مما ذكر من أمثلة يتبيّن لنا أن المعنى الواقع حالا يجب أن يتوافر فيه صفات ، هى :

أولاها : أن تكون منتقلة :

وهى صفة معنوية ، أى : تكون الصفة فيها غير ثابتة فيما وضعت له ، بل هى متجددة متغيرة منتقلة مع تغير إحداث صاحبها ، ولذلك فإن الحال لا يجوز أن تكون خلقة ، فلا يجوز أن تقول : أقبل أحمد أحمر ، ولا طويلا ... إلخ.

٤

فالحال إنما سميت بذلك ـ فى رأى ـ لما فيها من معنى التحوّل ، وهو التنقل ، فإذا قيل : أقبل صديقى مبتسما ، فإن الحال (مبتسما) تصف هيئة الصديق أثناء إجراء حدث الإقبال ، فإذا انتهى الحدث فى التعبير تنتهى معه صفة الابتسام ؛ لذلك تكون الحال منتقلة متحولة متجددة غير ثابتة.

لكن النحاة يثبتون مواضع تأتى فيها الحال صفة ثابتة فى صاحبها ، ملازمة له ، وهى ثلاث (١) :

أ ـ أن تكون الحال مؤكدة لما قبلها. كأن تكون مؤكدة لعاملها ، نحو : (وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) [مريم : ٣٣] ، فالحال المنصوبة (حيا) تؤكد معنى الفعل (أبعث) ، حيث المعنى واحد ، فمعناها مستفاد بدونها.

أو تكون مؤكدة لصاحبها ، نحو قوله تعالى : (لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) [يونس : ٩٩] ، الحال (جميعا) مؤكدة لصاحبها الدالّ على العموم ، فالجمعية مستفادة بدون ذكرها.

أو تكون مؤكدة لمضمون الجملة قبلها ، نحو : هذا أبوك رحيما ؛ فالحال (رحيما) مؤكدة لمضمون الجملة السابقة عليها ؛ إذ إن الرحمة مستفادة من معنى الأبوة.

وأنت تلحظ أن الحال فى المواضع الثلاثة التى تفيد فيها التأكيد حال ثابتة ملازمة.

ب ـ أن تكون الحال لعامل يدلّ على تجدد. إما أن يكون التجدد فى ذات صاحب الحال ، كما هو فى القول : خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها (٢) ،

__________________

(١) ينظر : شرح التصريح ١ ـ ٣٦٧.

(٢) الكتاب : ١ ـ ١٥٥ / شرح الجمل لابن عصفور ١ ـ ٢٢٧ / شرح الكافية الشافية : ٢ ـ ٧٢٨.

(يديها) بدل من الزرافة منصوب ، وعلامة نصبه الياء ؛ لأنه مثنى ، وضمير الغائبة مبنى فى محل جر بالإضافة. (أطول) وبالنصب ، حال من يديها منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة. (من رجليها) جار ومجرور ومضاف إليه ، وشبه الجملة متعلقة بأطول.

قد ينطق ما سبق بالرفع ، فيكون : يداها أطول من رجليها ، وحينئذ يكون الإعراب على الوجه الآتى :

(يداها) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الألف ؛ لأنه مثنى ، وضمير الغائبة فى محل جر بالإضافة. (أطول) بالرفع خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة الاسمية فى محل نصب ، حال من الزرافة ، وقد تكون فى محل نصب ، صفة للزرافة على أن الزرافة محلاة بأل الجنسية.

٥

حيث الحال المنصوبة (أطول) تبين هيئة الزرافة فى خلق يديها ، وهى صفة ملازمة للزرافة ، وفيها تجدد يأتى من النّموّ المتدرج ، وينمو معه وبنسبته الحال الملازمة.

ومنه : ولد زيد أسود (١). ومنه قول الشاعر :

وجاءت به سبط العظام كأنما

عمامته بين الرجال لواء (٢)

حيث (سبط) حال من ضمير الغائب فى (به) ، وهى صفة ثابتة ملازمة ، لكن صاحبها متجدد فى النمو والكبر ، ويتجدد معه معنى الحال بنسبته فى الحجم ، فكلما كبر حجمه كبر معه معنى سبط العظام.

وأرى أنه يمكن أن يكون من ذلك ـ أى الحال الملازمة الثابتة لعامل يدلّ على تجدد ـ قولهم : أخذت الزكاة شاة لكلّ أربعين ، حيث تنصب (شاة) على الحالية ، وهى شاة واحدة فيما إذا كان عدد الشاة أربعين وكلّما تضاعف العدد تضاعف مقدار عدد شاة الزكاة ، وهكذا نلمس فى المثل تجددا كالتجدد الحادث فيما سبق من أمثلة.

ومنه قوله تعالى : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً). [النساء : ٢٨] ، حيث إن ضعف الإنسان يساير تطور حياته ، فهى حال ثابتة ملازمة.

ج ـ من الحال الملازمة ما كان مرجعه السماع ، ولا ضابط يحدّه.

يذكر من ذلك : (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً)(٣) [الأنعام : ١١٤] (مفصلا) حال من الكتاب.

__________________

(١) شرح الجمل لابن عصفور ١ ـ ٣٣٨.

(٢) (عمامته) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة. (بين الرجال) بين : ظرف مكان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، والرجال : مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، وشبه الجملة فى محل نصب ، حال من (لواء) ، حيث تقدمت الصفة على الموصوف النكرة. (لواء) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

(٣) (هو) ضمير مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (الذى) اسم موصول مبنى فى محل رفع ، خبر المبتدإ. (أنزل) فعل ماض مبنى على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو ، والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. (إليكم) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالانزال. (الكتاب) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

٦

 ـ (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ)(١) [آل عمران : ١٨] ، حيث يعرب (قائما) حالا من فاعل (شهد) ، وهو (الله) تعالى.

 ـ ومنه : دعوت الله سميعا. فصفات الله ـ تعالى ـ غير منتقلة.

 ـ (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً) [البقرة : ٩١].

 ـ (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) [هود : ١٠٨](٢) ، والخلود فى الجنة دائم ملازم.

 ـ بعت الشاة شاة ودرهما ، وأصله : شاة بدرهم ، أى : شاة مع درهم ، فنصبوا شاة نصب يد فى القول : بايعته يدا بيد ، وأصله : يدا ويدا ، وأبدلوا من واو المصاحبة باء ، فوجب أن يعرب ما بعدها إعراب ما قبلها (٣).

ثانيتها : أن تكون الحال مشتقة :

الحال وصف لصاحبها أثناء إحداث حدث ما ، وبذلك فإنها يجب أن تكون مطابقة له فى العدد والنوع ؛ لذا فإن الغالب فى الحال أن تكون مشتقة ، واشتقاقها يؤدى ذلك ، حيث إن المشتقّ يتضمن ضميرا يطابق صاحبه فى النوع والعدد ، أما الإعراب والتعيين (التعريف والتنكير) فإنها تلزم فيهما نوعا واحدا ، وهو النصب والتنكير.

__________________

(١) (لا إله إلا هو) جملة فى محل رفع خبر (أن) ، والمصدر المؤول فى محل نصب ، مفعول به.

(الملائكة) معطوف على لفظ الجلالة مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. أو فاعل لفعل محذوف تقديره : (شهد) ، أو مبتدأ خبره محذوف. (أولو) معطوف على الملائكة مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم.

(٢) (أما) حرف فيه معنى الشرط مبنى ، لا محل له من الإعراب. (الذين) اسم موصول مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (سعدوا) فعل ماض مبنى على الضم مبنى للمجهول ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، نائب فاعل ، والجملة صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب. (ففى) الفاء جواب وجزاء حرف مبنى واقع فى جواب (أما) ، لا محل له من الإعراب. (فى) حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. (الجنة) اسم مجرور بعد (فى) ، وعلامة جره الكسرة ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر الاسم الموصول ، أو خبر لمبتدإ محذوف تقديره (هم) ، والجملة الاسمية فى محل رفع ، خبر الاسم الموصول.

(٣) ينظر : شرح ابن الحاجب على الإيضاح ٣٤٠ / شرح الكافية ١ ـ ٣٠٨ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ٦٢.

٧

تقول : أكرمت الطالب مرتفعة درجاته ، تحترم الفتاة كريما خلقها.

هذا إلى جانب أن تقول : استمعت إلى الدرس فاهما ، وصنعت الباب واسعا.

لكن النحاة ذكروا أن الحال قد تأتى من الاسم الجامد ، سواء أكان مصدرا أم غير مصدر ، مؤولا بالمشتقّ أو غير مؤول. كما يذكر فى الصور التى تأتى عليها الحال فى موضعها من الدراسة.

ثالثتها : أن تكون الحال نكرة :

من الصفات التى تكون عليها الحال أن تكون نكرة ؛ لأنها جواب عن السؤال باسم الاستفهام (كيف) ، و (كيف) سؤال عن نكرة ، فيكون جوابها نكرة ، وكذلك لأن صاحبها يغلب أن يكون معرفة ، فيكون مبناها نكرة ؛ لئلا تلتبس بالصفة تابعة أو مقطوعة ، فيما إذا قلت : رأيت محمدا الراكب ، أعجبت بمحمد الفاهم (بالنصب) ، وجاء محمد المسرع (بالنصب) على سبيل قطع الصفة عن الموصوف ، حيث إن الموصوف وصفته يتطابقان فى التعريف والتنكير. كما أن الحال بمثابة خبر ثان ، والخبر نكرة ، وهى تشبه التمييز فكانت نكرة مثله.

«والحال زيادة فى الفائدة ، والفائدة فى الخبر نكرة ؛ لأنه لو كان معرفة لم يستفده المخاطب ، ألا ترى أنك لو أخبرت المخاطب بما يعلمه لم تكن فيه فائدة؟ إنما الفائدة أن تخبره بما لا يعلم» (١).

فتقول فى الحال : رأيت محمدا راكبا ، وأعجبت بمحمد فاهما ، وجاء محمد مسرعا.

والفرق فى هذه الأمثلة بين الصفة والحال ـ كما أرى ـ أن الصفة ترتبط بموصوفها ارتباطا كليا ، أما الحال فإنها ترتبط بالحدث المسند إلى صاحب الحال ، أو الذى له علاقة معنوية ما بصاحب الحال.

__________________

(١) التبصرة والتذكرة : ١ ـ ٢٩٧.

٨

ففى حال الصفة وقعت الرؤية على محمد الذى هو راكب ، ولكنه فى الحال وقعت الرؤية على محمد حينما كان راكبا ، فالرؤية فى حال الصفة مطلقة على محمد ، ولكنها فى حال الحال مقيدة بالركوب.

وأنت تأتى بالصفة لتفرق بين الموصوف بها وغيره ممن يماثله. وتأتى بالحال لتبين هيئة صاحبها أثناء ارتباطه بحدث ما.

من هنا كان الفرق المعنوىّ بين الصفة والحال ، وهو ما أدّى إلى الفرق فى المبنى من حيث التعريف والتنكير.

هذا إلى جانب أن هناك فرقا معنويا بين صاحب الحال والموصوف ، حيث إن صاحب الحال مقصود بذاته فى معناه فى الجملة ، أما الموصوف فإنه لا يقصد فى المعنى بذاته دون اعتبار صفته معه ، فكأن صاحب الحال منفصل عن الحال ، وليس كذلك الموصوف مع صفته ، وإنما كانت الحال لتبين كيف كان الحدث مع صاحبها ، وما دامت علاقتها بالحدث علاقة أكيدة أوجب ذلك أن تكون نكرة ؛ لأن فيها معنى المصدرية ، أى الحديثة مع فاعلها ، أو مفعولها ، أو غيرهما ، والمصدرية تنكير ، فالحال بمثابة الحدث ، فتقدير : جاء محمد راكبا ، أى : يركب ، أو : وهو يركب ، أو : وقد ركب ... لذا كانت الحال نكرة.

فإذا ورد مبنى الحال معرفة فإن النحاة يؤولونها بالنكرة ، «محافظة على ما استقرّ لها من لزوم التنكير» (١) ، ويجعل جمهور النحاة الحال التى تأتى فى مبنى المعرفة ليست معرفة ، وإنما هى فى صورة المعرفة ، وقد تأتى الحال معرفة سواء أكانت مصدرا أم جامدا غير مصدر.

ومن الأحوال التى جاءت معرفة وأوّلت بالنكرة :

 ـ جاء وحده ، أى : منفردا ، أعبد الله وحده ، وما ورد فى حديث أبى ذرّ أنه يمشى وحده ، ويموت وحده (٢).

__________________

(١) ينظر شرح التصريح : ١ ـ ٣٧٣.

(٢) (وحده) منصوب على الحالية فى جميع كلام العرب إلا فى خمسة مواضع ، فإنه يخفض فيها بإضافته إلى ما قبله ، وهى :

٩

 ـ رجع عوده على بدئه. أى : عائدا من الجهة التى بدأ منها.

 ـ ادخلوا الأول فالأول ، أى : مترتبين.

 ـ جاءوا الجمّاء الغفير. أى : جميعا ، ويعنى بها جيئة تستوعبهم وتشملهم جميعا.

 ـ أرسلها العراك ، أى : معتركة ، أو معاركة.

 ـ رجع عوده على بدئه ، أى : رجع عائدا من الجهة التى بدأ منها.

 ـ مررت بهم ثلاثتهم.

 ـ طلبته جهدك وطاقتك.

 ـ تفرقوا أيادى سبا ، أى : مثل أيادى سبا.

ومن ذلك قول لبيد :

فأرسلها العراك ولم يذدها

ولم يشفق على نغض الدّخال (١)

أى : فأرسلها معتركة ، أو معاركة.

ومنه قول الشماخ بن ضرار الذبيانى :

__________________

فلان نسيج وحده ، (لمن يطبع طبعا لم يجبل عليه العامة).

 ـ فلان رجيل وحده.

 ـ فلان قريع وحده (القريع : الفحل من الإبل شبه به الرجل).

 ـ وهو جحيش وحده ، وعيير وحده. (لمن لا يخالط الناس ، ولا يشاورهم ، وفيه مهانة وضعف)

وقد يثنى ويجمع فيقال : هما نسيجا وحدهما ، ونسيجو وحدهم ، وهما عييرا وحدهما ، وأعيار وحدهم ، وهما جحيشا وحدهما ، وأجحش وحدهم.

ينظر فى ذلك : شرح ألفية ابن معطى : ١ ـ ٥٦٩ / شرح القمولى على الكافية : ١٩٨ / مجمع الأمثال للميدانى : ١ ـ ٤٠ ، ٢ ـ ١٣.

 (١) ينظر : الكتاب ١ ـ ٣٢٧ / المقتضب ٣ ـ ٢٣٧ / أسرار العربية ١٩٣ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ٦٢ / شرح التصريح ١ ـ ٣٧٣ / همع الهوامع ١ ـ ٢٧٩ / ديوانه ٦.

يصف إبلا أو عيرا وأتنها حين ورودها الماء ، وهى مزدحمة معاركة ، وكان عليه أن يمنعها لئلا يتكدر الماء بسبب ازدحامها وعراكها ، فلا تتم الشرب.

١٠

أتتنى سليم قضّها بقضيضها

تمسّح حولى بالبقيع سبالها (١)

حيث (قضها) مصدر معرف بالإضافة إلى الضمير منصوب واقع موقع حال ، ويقدر المعنى : منقضا آخرهم على أولهم.

ويجعل من ذلك (زهرة) فى قوله تعالى : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) [طه : ١٣١] حيث (زهرة) حال من ضمير الغائب فى (به).

ويخرّج على ذلك قوله تعالى : (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) [المنافقون : ٨].

ببناء الفعل للمجهول ، مع رفع الأعزّ ، ونصب الأذل ، فيكون التقدير : ليخرجن الأعز منها ذليلا ، وينصب (الأذل) على الحالية ، وهو معرفة.

وتقرأ بالبناء للمعلوم مع النون (لنخرجن) ، ونصب كلّ من الأعزّ والأذل ، على أن (الأعز) مفعول به ، و (الأذل) حال ، أى : لنخرجن الأعزّ منها ذليلا. وهى قراءة الحسن وابن أبى عبلة.

أما قراءتها بالبناء للمعلوم ، مع الياء المضمومة ، فإن (الأذل) يكون مفعولا به.

وهى قراءة العامة.

__________________

(١) ديوانه ٢٩٠ / الكتاب ١ ـ ٣٧٤ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ٦٣ / الأغانى ٨ ـ ١٠٠ سبالها : جمع سبلة ، وهى مقدم اللحية ، ومسح اللحى كناية عن التهديد والوعيد.

(أتتنى) أتى : فعل ماض مبنى على الفتح المقدر. والتاء حرف تأنيث مبنى لا محل له من الإعراب.

والنون حرف وقاية مبنى ، لا محل له من الإعراب. وضمير المتكلم الياء مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (سليم) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعة الضمة. (قضها) قض : مصدر واقع موقع الحال منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. وهو مضاف ، وضمير الغائبة مبنى فى محل جر ، مضاف إليه. (بقضيضها) جار ومجرور ومضاف إليه ، وشبه الجملة متعلقة بالقض. (تمسح) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. وفاعله ضمير مستتر تقديره : هى. (حولى) ظرف مكان منصوب مضاف ، وضمير المتكلم مضاف إليه. وشبه الجمله متعلقة بالتمسح. (بالبقيع) جار ومجرور وشبه الجملة متعلقة بالتمسح. (سبالها) سبال : مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف وضمير الغائبة فى محل جر ، مضاف إليه ، والجملة الفعلية فى محل نصب ، حال ثانية.

١١

* آراء النحاة فى إعراب المعارف التى تقع حالا : للنحاة فى إعراب مثل هذه المعارف التى ذكرناها سابقا مذاهب ، هى :

أ ـ أنها أحوال تؤول بالنكرة ، على غرار ما وضحنا سابقا. كما تؤول بالمشتق ، فهى تؤول بالنكرة المشتقة.

ب ـ ذهب المبرد والأخفش فى أحد قوليه إلى أنها مفعول مطلق بفعل مقدر ، والحال هو الجملة من الفعل والفاعل والمصدر ، ويكون التقدير فى القول : أرسلها العراك ، أرسلها تعترك العراك ، فجملة : (تعترك العراك) فى محلّ نصب على الحالية.

ج ـ ذهب آخرون إلى أنها معمول لاسم فاعل مقدر منصوب على الحالية ، ويكون التقدير : أرسلها معتركة العراك ، ومررت به منفردا وحده ، وطلبته مجتهدا جهدى ...

د ـ ذهب قوم إلى أنها منصوبة على الحالية بنيّة حذف مضاف هو الحال ، وإقامتها مقامه ، فهى من باب إقامة المضاف إليه مقام المضاف ، فيتخذ إعرابه ، ويكون التقدير : أرسلها ذات اعتراك ، ومررت به ذا توحد ، وأتيته ذا مشى ، فى القول : أتيته ماشيا ... إلخ.

رابعتها : أن تشمل صاحبها فى معناها ولفظها :

الحال صفة لصاحبها فى حدث معين ، وإخبار عنه فى إحداث هذا الحدث ، والصفة والخبر يشملان الموصوف والمبتدأ ، فعندما تقول : محمد الطويل جاء ، فالطويل محمد ، وكذلك إذا قلت : محمد فاهم ، فالفاهم هو محمد ، وكذلك قولك : علىّ المسرع أبطأ ، فالمسرع و (أبطأ) يشمل كلّ منهما محمدا ، من هنا وجب أن تشمل الحال صاحبها فى المعنى ، فإذا قلت : أقبل محمد مسرعا ، فإن محمدا هو المسرع ، والمسرع هو محمد ، وتضمنت الحال (مسرعا) الضمير العائد على صاحبها ؛ لذا كانت الحال وصفا شاملا فى مبناه ما وضع له ، أو ما يبين هيئته.

١٢

وقد ذكرنا مجىء مبنى الحال من المصدر والاسم الجامد غير المصدر.

خامستها : هذا إلى جانب ما ذكر فى حد الحال من كونها :

 ـ جوابا لكيف؟

 ـ تذكر بعد كلام تام ، أو فى حكم التام ، نحو : فهمى الدرس مشروحا.

 ـ تقع بعد المعرفة ، حيث إن صاحبها يكون معرفة غالبا.

 ـ منصوبة لفظا أو محلّا.

 ـ تقدر بفى ، لشبهها بالظرف ، مع مراعاة الفروق اللفظية والمعنوية بينهما.

 ـ فضلة.

بين الحال وغيرها مما يوصف به معنويا :

يلحظ أن الحال بوضعها هذا فى التركيب العربى تتداخل مع الخبر والنعت والتمييز فى أحد أقسامه ، وقد يكون النائب عن المفعول المطلق فى بعض معانيه ، حيث إن الخبر والنعت يشتركان مع الحال فى معنى الوصفية.

فإذا قلت : محمد قائم ، فـ (قائم) خبر المبتدإ (محمد) ، حتى إذا قلت : أجاب محمد قائما ، تحول الخبر إلى الحال ، وذلك لإجراء حدث ، وهو الإجابة ، وكون الخبر (قائم) فضلة ، فبيّن القيام حال محمد الفاعل أثناء إجراء الحدث (الإجابة).

وإذا قلت : أجاب محمد القائم ، فـ (القائم) نعت للفاعل (محمد) ؛ لأن كلمة القائم لا تبين هيئة محمد أثناء إجراء الإجابة ، وليس المقصود بها فى التركيب ذلك ، وإنما خصصت محمدا وحددته من غيره غير القائم ، فكأنما أريد بـ (محمد) و (القائم) كلمة واحدة تؤديان معا معنى الفاعلية.

فالسمة الفارقة بين الحال والنعت إنما هى بيان الهيئة أثناء إحداث ما ، وهى التى تميز الحال ، أما تخصيص الموصوف بالصفة فإنما تجعله معها كاسم واحد.

١٣

فالصفة تفرق بين اسمين مشتركين فى اللفظ ، أما الحال فهى زيادة فى الفائدة والخبر ، فإذا قلت : أقبل محمد المبتسم ، يعنى هذا أن هناك من يسمى محمدا آخر ، ففرقت بالصفة ، لكنك إذا قلت : أقبل محمد مبتسما ، زدت فى الإخبار بالحال.

كما أن الحال تشترك مع تمييز النسبة غير المحول فى معنى الوصفية. فإذا قلت : لله دره فارسا ، فإن التمييز (فارسا) وإن كان يلمس فيه معنى الوصفية إلا أنه لا يقصد به بيان الهيئة ، وإنما بيان جنس المتعجب منه (١). فبعد أن تعجبت منه بالقول : (لله دره) ميزت جهة التعجب بالمعنى المفهوم من (فارسا). فالسمة الفارقة بين الحال وبعض أنواع التمييز إنما هى بيان الهيئة التى تميّز الحال.

أما ما يميز الحال عن بعض معانى النائب عن المفعول المطلق التى يمكن أن تتداخل معها إنما هو الوصفية ؛ لأن معانى النائب عن المفعول المطلق لا يلمس فيها معنى الوصفية. فإذا قيل : رجع القهقرى ، فإن (القهقرى) ليس صفة ، وإنما هى لبيان نوع الرجوع ، وليس هيئته.

والتشابه المعنوى قائم ـ بقوة ـ بين الخبر والنعت والحال ، ولذلك فإنه يمكن لك أن تحول كلا من الحال والخبر والنعت إلى الآخر عن طريق التغيير فى بنية الجملة أو التركيب المنشأ. مثال ذلك :

 ـ أكلت البرتقالة ناضجة (حال منصوبة).

 ـ البرتقالة ناضجة (خبر مرفوع).

 ـ أكلت البرتقالة الناضجة (نعت منصوب).

 ـ البرتقالة الناضجة مأكولة (نعت مرفوع).

 ـ أمسكت ببرتقالة ناضجة (نعت مجرور).

ولك أن تجرى هذه التغييرات والعلاقات المعنوية فى كلّ مما يأتى :

 ـ محمد وسمير مبتسمان.

__________________

(١) ينظر شرح الألفية لابن الناظم : ٣١١.

١٤

 ـ أقبل محمد السريع فى مشيه.

 ـ استمعت إلى الخطبة جيدا إلقاؤها.

ملحوظة فى الخبر والحال :

«امتنع أبو الحسن أن يقول : لو لا هند جالسة لقمت ، ونحو ذلك ، قال : لأن هذا موضع قد امتنعت العرب أن تستعمل فيه الخبر ، والحال ضرب من الخبر ، فلا يجوز استعمالها فيه لذلك» (١).

ولم تستعمل العرب فى هذا التركيب الخبر المختصّ ، وإنما استعملوه خبرا عامّا ، أى : دالا على الكينونة والوجود ، ذلك لأن المبتدأ مذكور بعد (لولا) التى تفيد امتناع وقوع معنى جملة جواب الشرط لوجود معنى جملة الشرط.

ملحوظة فى الحال والتمييز :

إذا قلت : هو الجميل وجها ، وهو الجميل تبسما ، فإنك تجد أن المنصوب فى كلّ من التعبيرين يتغير إعرابه بتغير المبنى ، حيث إن (وجها) اسم جامد ، فهو يميز ويوضح ويفسر جهة الجمال فيه ، فتكون تمييزا ، ويكون التقدير : هو الجميل وجهه. أما (تبسّما) فإنها تبين هيئة الجمال فيه ، حيث يكون التقدير : هو الجميل فى حال تبسمه ، فتكون منصوبة على الحالية ، وقد تجعلها منصوبة على التمييز إذا قصدت بالتبسم معنى المصدرية ، فهو اسم جامد.

قد تكون الحال غير فضلة معنويا :

يراد بالفضلة فى تركيب الجملة العربية ما ليس ركنا أساسيا من ركنى الجملة ، وعليه فإنه يمكن الاستغناء عنها من حيث المعنى المفهوم من الجملة ، لكن الحال قد تأتى فى التركيب على غير هذا المفهوم للفضلة ؛ حيث لا يستغنى ركنا الجملة عن معناها ، وبذلك يكون معناها لازما فى معنى الجملة ، ومن ذلك :

__________________

(١) المحتسب ٢ ـ ٣٠٧.

١٥

أ ـ أن يرتبط معنى ركنى الجملة بمعنى الحال بمعنى وسيط ، مثل : النفى ، فى قوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) [الدخان : ٣٨](١) ، إذ إن معنى النفى الواقع على خلق السموات والأرض استوجب وجود معنى الحال ، كما أن معنى الحال يستلزم وجود معنى النفى.

ومثل ذلك قوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) [الأنبياء : ١٦].

ومنه قوله تعالى : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) [لإسراء : ٣٧] ، (٢) حيث نفى المشى يستوجب وجود معنى الحال (مرحا).

ومن الحال التى لا يستغنى عنها قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى)(٣) [النساء : ٤٣]. حيث الجملة الاسمية المصدرة بالواو (وأنتم سكارى) فى محلّ نصب على الحالية من الفاعل واو الجماعة فى (لا تقربوا) ، ولا يجوز حذف الحال معنويّا فى هذا التركيب ، لأنها المقصودة بالإنشاء.

__________________

(١) (ما) الأولى حرف نفى مبنى لا محل له من الإعراب ، و (ما) الثانية اسم موصول مبنى فى محل نصب بالعطف على السموات. (خلقنا) فعل ماض مبنى على السكون لإسناده إلى ضمير المتكلمين ، و (نا) ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، الحظ بناء الفعل الماضى على السكون حال إسناده إلى ضمير المتكلمين ، وبناءه على الفتح حال اتصاله به مفعولا. (السموات) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الكسرة ؛ لأنه مجموع بالألف والتاء المزيدتين. (الواو) حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب.

(الأرض) معطوف على السماوات منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (بينهما) ظرف مكان منصوب ، وضمير مبنى فى محل جر بالإضافة ، وشبه الجملة صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب ، أو متعلقة بصلة محذوفة.

(٢) (لا) حرف نهى مبنى لا محل له من الإعراب. (تمش) فعل مضارع مجزوم بعد لا الناهية ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره أنت.

(٣) (يا) حرف نداء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (أيها) منادى مبنى على الضم فى محل نصب ، وها وصلة لا محل لها من الإعراب ، (الذين) اسم موصول مبنى فى محل رفع صفة لأى. (آمنوا) فعل ماض مبنى على الضم ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، والجملة صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب. (لا) حرف نهى مبنى (تقربوا) فعل مضارع مجزوم بعد لا الناهية ، وعلامة جزمه حذف النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. (الصلاة) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

١٦

ب ـ ومن الحال التى لا يستغنى عنها والتى يكون معناها هو المقصود من إنشاء الجملة ـ الحال التى تكون فى جملة صلة ومعناها فاصل بين مدلولات ما دل عليه الموصول ، إذ الموصول من المبهمات ، وتكوّن مع الاسم الموصول تحديدا وتخصيصا للمقصود من الموصول. يظهر ذلك فيما إذا قلت : الذى جاء ماشيا يحصل على كوب عصير (١). حيث (ماشيا) حال من الفاعل الضمير المستتر فى (جاء) ، ومعناها هو الفاصل بين مدلولات الاسم الموصول ، إذ إن (الذى جاء) يطلق على كثيرين ، ولكن المقصود منهم نوع واحد ، وهو الماشى ، والذى يخصص ذلك إنما هو الحال ، من هنا لا يستغنى عن الحال ، وتصبح لازمة.

من ذلك قول الشاعر :

إنما الميت من يعيش كئيبا

كاسفا باله قليل الرجاء (٢)

ج ـ وتكون الحال لازمة إذا لم يوجد أحد ركنى الجملة ، ويكون ذلك فى الجملة الاسمية ، كأن تكون الحال قائمة مقام الخبر إذا لم يوجد فى الجملة الاسمية خبر ، حيث إن المعنى المذكور لا يصلح أن يتمم معنى المبتدإ ، فينصب لفظه لدلالته على الحالية من متعلق بما قبله. كأن تقول : زيد بك واثقا (٣). حيث (واثقا) حال منصوبة من (زيد) ، وهى قائمة مقام الخبر ، حيث (زيد) مبتدأ ، ولا تصحّ شبه الجملة خبرا عن المبتدإ لعدم إفادتها معنى فيه ، ولكنها متعلقة بالوثوق.

ومنه : شربى العصير مستساغا ، مشاهدتى المنظر مؤثّرا.

__________________

(١) جملة (يحصل) فى محل رفع خبر المبتدإ (الذى).

(٢) (إنما) حرف توكيد ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب (ما) كافة لإن عن عملها حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. (الميت) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (من) اسم موصول مبنى على السكون فى محل رفع ، خبر المبتدإ. (يعيش) فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : (هو) ، والجملة الفعلية صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب. (كثيبا) حال من الفاعل المستتر منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة ، (كاسفا) حال ثانية منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة (باله) فاعل لاسم الفاعل كاسف مرفوع وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة. (قليل) حال ثالثة منصوبة وعلامة نصبها الفتحة. (الرجاء) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

(٣) حاشية التصريح : ١ ـ ٣٧٨.

١٧

د ـ كما قد تكون الحال لازمة إذا كانت فى سؤال ، فكأنها هى المقصود بها السؤال ، أى : تلمس فى مفهوم السؤال أنها المسئول عنها ، سواء أكان حقيقيا ، أم أكان سؤالا للتوبيخ والتقريع ، وهذا هو الشائع ، ويبدو ذلك فى قوله تعالى : (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ)(١) [المائدة : ٨٤]. الجملة الفعلية (لا نؤمن بالله) فى محلّ نصب ، حال ، ويذكر أنها لازمة لا يتمّ المعنى إلّا بها.

ومثل ذلك قوله تعالى : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) [المدثر : ٤٩].

ه ـ تكون الحال لازمة إذا كان معناها هو المقصود من إنشاء التركيب الشرطىّ ، حيث تجد أن جملتى الشرط والجواب بلفظ واحد ، وتجد الحال متعلقة بجملة الجواب ، فيكون معنى الحال هو المقصود.

ذلك فى قوله تعالى : (وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) [الشعراء : ١٣٠].

ف (جبّارين) حال من الفاعل ضمير المخاطبين فى (بطشتم) ، ولا يجوز حذفها ، حيث معناها هو المقصود.

ومنه قوله تعالى : (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) [النساء : ١٤٢](٢). حيث (كسالى) حال منصوبة بفتحة مقدرة منع

__________________

(١) (ما) اسم استفهام مبنى فى محل رفع مبتدأ ، خبره شبه جملة (لنا). (لا) حرف نفى مبنى لا محل له من الإعراب. (نؤمن) فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : (نحن) ، والجملة الفعلية فى محل نصب ، حال. (بالله) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالإيمان. (وما) الواو حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب ، (ما) اسم موصول مبنى فى محل جر بالعطف على لفظ الجلالة. (جاءنا) فعل ماض مبنى على الفتح ، وفاعله مستتر تقديره : هو ، وضمير المتكلمين مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، والجملة الفعلية صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب. (من الحق) جار ومجرور ، وشبه الجملة فى محل نصب ، حال من فاعل (جاء) ، أو متعلقة بـ (جاء) ويجوز أن تجعل (ما) مبتدأ ، وخبره شبه الجملة (من الحق) ، والجملة فى محل نصب ، حال.

(٢) (يراءون) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، والجملة الفعلية إما حال من فاعل (كسالى) ، وهو مستتر فيه ، وإما بدل من (كسالى) ، وهى فى محل نصب فى التقديرين ، وإما استئنافية لا محل لها من الإعراب. (لا يذكرون) معطوفة على (يراءون) معربة تبعا لتقدير الإعراب فى الأولى. (قليلا) إما التقدير : ذكرا قليلا فتكون منصوبة نائبة عن المفعول المطلق ، وإما : زمنا قليلا ، فتكون منصوبة على الظرفية.

١٨

من ظهورها التعذر ، ولا يستغنى عنها فى تركيبها ؛ لأن معناها هو المقصود من إنشاء الشرط ، وتلحظ التكرير اللفظى بين جملتى الشرط والجواب.

و ـ أو أن تكون الجملة الاسمية مكتملة الركنين ، لكن معنى الحال هو المقصود من إنشائها ، تجد ذلك فى تركيب الجملة الاسمية التى يكون المبتدأ فيها هو الخبر لفظا ، أو ما يشبه اللفظ ، كالضمير وما يعود عليه ، أو اسم الإشارة وما يشار به إليه ... إلخ. ذلك فى قوله تعالى : (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) [هود : ٧٢]. تلمس أن المبتدأ اسم الإشارة (هذا) ، والخبر هو المشار إليه (بعلى) ، و (شيخا) حال منصوبة ، وهى لازمة ؛ لأن معناها هو المقصود من إنشاء الجملة الاسمية بركنيها.

ز ـ أو تكون الحال فى إجابة عن سؤال عن الحال ، فيكون معناها فى الجواب لازما ، وتكون ـ حينئذ ـ لازمة. ذلك نحو : كيف جئت؟ فيجاب : راكبا ، أو : جئت راكبا ، فتجد أن المستخبر عنه إنما هو الحال ؛ لذا كان وجودها فى الجملة ضرورة.

إعرابها

الحال تكون منصوبة دائما ، أو فى محل نصب إذا كانت جملة ، أو شبه جملة.

يعلل النحاة لنصبها بأنها فضلة ، والنصب إعراب الفضلات ، لكننا نناقش هذه الفكرة ـ فى كثير من الإيجاز ـ أثناء عرض فكرة العامل فى الحال.

 ـ قد تجرّ الحال بحرف الجرّ الزائد الباء إذا كان عاملها منفيا. ذكر ذلك فى قول الشاعر :

كائن دعيت إلى بأساء داهمة

فما انبعثت بمزءود ولا وكل

والأصل : فما انبعثت مزءودا ولا وكلا ، فأسبق الشاعر الحال بحرف الجرّ الزائد الباء ، والجار أقوى العوامل النحوية ، حيث يجب إظهار الجرّ بعده ، فتصبح الحال بعده منصوبة بفتحة مقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحلّ بحركة حرف الجرّ الزائد.

١٩

ومثله قول القحيف بن سليم العقيلى :

وما رجعت بخائبة ركاب

حكيم بن المسيّب منتهاها (١)

أى : وما رجعت خائبة.

العامل فى الحال :

ذكرنا أن الحال منصوبة دائما أو فى محلّ نصب ، وتدرس قضية العامل بمناقشة فكرتين أساسين :

أولاهما : لماذا تنصب الحال؟

ثانيتهما : العوامل التى يجوز لها أن تنصب الحال.

أولا : لماذا تنصب الحال؟

اختلف فى سبب نصب الحال ؛ فقيل : من قبيل نصب المفعول به ، وقيل : من قبيل نصب الشبيه بالمفعول به ، وقيل : من قبيل نصب الظروف ، ومن النحاة من يلحقها بالمفعول فيه.

ويقرن سيبويه (٢) الحال بالصيرورة فيه ، أو الحدوث فيه ، ويعبر عنها بأمثال : حال مستقر فيها ، فصار حالا وقع فيه أمر ... الخ. كما يربط بينها وبين الظرف ، كما يسميها فى بعض المواضع مفعولا فيها.

وينهج المبرد ذلك النحو (٣) ، كما ينهجه كثير من النحويين.

فتلمس أن جلّ النحاة يجعلون الحال منصوبة لشبهها بالمفعول فيه ، وتعريف النحاة (٤) للحال ، وحرصهم على تضمينها ما فيه معنى (فى) يؤكد شيوع هذا الاتجاه.

__________________

(١) شرح الشافية ٢ لكافية ٢ ـ ٧٢٨.

(٢) ينظر : الكتاب ١ ـ ٣٨٤ ، ٤ / ٢ ـ ٨٩ ، ٩٢ ، ١٨.

(٣) ينظر : المقتضب ٤ ـ ١٦٦ ، ٤٠٠.

(٤) ينظر : الكتاب ١ ـ ٣٨٤ ، ٤٠٠ / ٢ ـ ٨٩ ، ٩٢ ، ١١٨.

٢٠