النحو العربي - ج ٣

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٣

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٦٠٨

ومثل ذلك قوله تعالى : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) [الدخان : ٥٦](١).

* علاقات دلالية تحفظ بين المستثنى والمستثنى منه (٢) :

أولا : لا تستثنى النكرة المجهولة لدى السامع من النكرة غير العامة ، لا على الاتصال ، ولا على الانقطاع ، إلّا إذا خصصت ، أو عممت ، فلا يقال : قام رجال إلا رجلا ، ولكن يقال : قام رجال كانوا فى دارك إلا رجلا منهم ، وذلك على سبيل تخصيص كلّ منهما.

وإن عمت النكرة جاز الاستثناء ، فتقول : ما جاءنى أحد إلا رجلا.

ثانيا : لا تستثنى المعرفة من النكرة غير العامة أو غير المخصصة ، فلا يقال : قام رجال إلا زيدا ، ولكن يقال : ما قام أحد إلا زيدا ، حيث عمت النكرة. ويقال :قام رجال كانوا عندك إلا زيدا ، حيث خصّت النكرة بالصفة.

ثالثا : لا تستثنى النكرة التى لم تخصص من المعرفة. فلا يقال : قام القوم إلا رجلا ، إلا إذا أردت الصفة (منهم) ، فيكون المنطوق أو المقدر : قام القوم إلا رجلا منهم.

رابعا : يتفق جمهور النحاة على أن المستثنى لا يستغرق المستثنى منه ، والخلاف بينهم قائم فى مدى النسبة المراعاة بينهما.

__________________

استثناء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (أن تكون) أن : حرف مصدرى ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب ، تكون : فعل مضارع منصوب بعد أن ، وعلامة نصبه الفتحة ، واسمه ضمير مستتر تقديره :هى. (تجارة) خبر تكون منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، والمصدر المؤول فى محل نصب على الاستثناء. ملحوظة : فى (تجارة) قراءة بالرفع ، على أن (تكون) فعل مضارع تام ، (تجارة) فاعل مرفوع ، والمصدر المؤول مستثنى منصوب. (عن تراض) جار مبنى ، ومجرور وعلامة جره الكسرة المقدرة ، وشبه الجملة فى محل نصب صفة لتجارة ، أو فى محل رفع صفة لها. (منكم) شبه جملة متعلقة بالتراضى.

 (١) تفسر فى الاستثناء المنقطع.

(٢) ينظر : ارتشاف الضرب ٢ ـ ٢٩٥.

١٦١

فى الاستثناء المنقطع

الانقطاع فى الاستثناء هو ألا يكون المستثنى بعض المستثنى منه حقيقة أو مجازا ، ويتحقق ذلك بطرق :

إحداها : ألا يكون المستثنى من جنس المستثنى منه ، نحو : جاء القوم إلا حمارا.

ثانيتها : ألا يدخل المستثنى تحت أفراد المستثنى منه ، نحو : جاء أبناؤك إلا ابن أخيك.

ثالثتها : ألا يناقض ما بعد (إلا) حكم ما قبلها ، نحو : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) [الدخان : ٥٦].

ويمكن أن يكون على قسمين عند النحاة (١) :

أولهما : استثناء منقطع يمكن أن يتسلط فيه العامل على المستثنى ، أى : يتوجّه إليه ، وذلك إذا جاز أن ينطلق فيه لفظ المستثنى منه على المستثنى عن طريق المجاز ، ويجوز أن يحلّ محلّه فى التركيب. كأن تقول : ما جاءنى أحد إلا حمارا ، ما فى الدار أحد إلا ثورا. ذلك أن الحمار والثور مما يتصل بالآدميين ، ومما يكون موجودا معهم ، مختلطا بهم ، فالمستثنى ـ وإن لم يكن من جنس المستثنى منه ـ فهو داخل تحته مجازا بالاختلاط واحتمالية الدخول تحت الحكم الأول ، حيث إن الدار تجمع الآدميين والدوابّ وما يخالطهم ، وكأن المتحدث نفى فى الدار الوجود الخاص بمن يعقل فى ظلّ التعبير بأحد على من يعقل وما لا يعقل مما يتصل بالآدميين ، وذلك عن طريق المجاز ، ثم استثنى شيئا مما لا يعقل. كما أنه يمكن القول : ما جاءنى إلا حمار ، فأمكن إطلاق المستثنى موضع المستثنى منه فى التركيب ؛ وهذا يقسم إلى قسمين : استثناء منقطع مجازى موجب. استثناء منقطع مجازى منفى.

والآخر : استثناء منقطع لا يمكن فيه أن يتسلط العامل على المستثنى ، وذلك إذا لم يجز أن ينطلق فيه لفظ المستثنى منه على المستثنى على سبيل المجاز ، إلى جانب

__________________

(١) ينظر : المنتخب الأكمل ١٢٩.

١٦٢

الحقيقة. كأن تقول : ما جاء المسلمون إلا الكافرين ، وما جاء المضروبون إلا الضاربين ، وما حضر الراسبون إلا الناجحين ....

وحقيقة ذلك أن ما بعد (إلّا) لا يجوز أن يندرج تحت ما قبلها ، لا ذاتا ولا حكما ، ولا مجازا ولا حقيقة. ويمثلون له بالقول : ما نفع خالد إلا ما ضرّ ، إذ لا يقال : نفع الضر ، فالضرّ لا يدخل تحت النفع لا حقيقة ولا مجازا ، و (ما) فيه مصدرية.

ومثله : ما زاد إلا ما نقص ، والتقدير : ما زاد إلا النقص ، فالنقص لا يدخل تحت الزيادة. وهناك آراء أخرى للنحاة فى (ما) :حيث يزعم أبو سعيد السيرافى أن المصدر المنسبك من (ما) والفعل فى موضع رفع على الابتداء ، وخبره محذوف. وزعم أبو على أن المصدر مفعول به حقيقة ، لكن ابن الطراوة يرى أن (ما) زائدة.

والبصريون يقدرون الاستثناء المنقطع بـ (لكنّ) (١) ، فإذا كان كذلك فهى تقدر ثقيلة أو خفيفة ، وعلى التثقيل يكون ما بعدها اسمها وخبرها ، وعلى التخفيف يكون ما بعدها مبتدأ وخبرا ، فإن قال قائل : ما فى الدار أحد إلا حمارا ، فإن التقدير على لغة من يثقل : ولكنّ فيها حمارا ، وعلى لغة من يخفف : ولكن فيها حمار ، ولذلك فإنه لا يمكن القول : استثنيت الحمار منهم.

أما الكوفيّون فإنهم يرون أن الاستثناء المنقطع يكون على سبيل تقدير (سوى) ، ويكون التقدير : .... سوى حمار.

يذكر ابن الحاجب : «وتأويل البصريين أولى ؛ لأن المستثنى المنقطع يلزم مخالفته لما قبله نفيا وإثباتا كما فى (لكن) ، وفى (سوى) لا يلزم ذلك ؛ لأنك تقول : لى عليك ديناران سوى الدينار الفلانى ، وذلك إذا كان صفة ، وأيضا معنى (لكن) الاستدراك ، والمراد بالاستدراك فيها رفع توهم المخاطب دخول ما بعدها فى حكم ما قبلها ؛ مع أنه ليس بداخل فيه ، وهذا هو معنى الاستثناء المنقطع بعينه» (٢).

__________________

(١) ينظر : الكتاب ٢ ـ ٣١٩ / الأصول ١ ـ ٢٩٠.

(٢) الاستراباذى على الكافية ١ ـ ٢٢٧.

١٦٣

وحاصل ما سبق من توضيح للاستثناء المنقطع أنه يمكن لنا أن نتلمس ثلاثة تراكيب :

١ ـ أن يكون الاستثناء منقطعا مجازيا موجبا وقد تأخر المستثنى عن المستثنى منه ، ويمكن فيه تسلط العامل على المستثنى ، أى : يمكن أن يوضع المستثنى موضع المستثنى منه ، أى : يجوز أن تطلق لفظ المستثنى منه على المستثنى مجازا ، وهذا يجب فيه نصب المستثنى ، نحو : جاء أولادك إلا أولاد أخيك. فأولاد أخيك مستثنى بإلا ، وهو غير داخل فى المستثنى منه ، لكنه يمكن أن يوضع مكان المستثنى ، ففيه إمكانية تسلط العامل عليه ، فوجب نصبه ، وتلحظ أن الاستثناء موجب.

أما قول الأخطل :

وبالصّريمة منهم منزل خلق

عاف تغيّر إلّا النّؤى والوتد (١)

حيث رفع (النؤى والوتد) وهما مستثنيان بـ (إلا) من الضمير المستتر الفاعل فى (تغير) على سبيل الإبدال ، والاستثناء منقطع موجب ، لكنه يوجه على حمل (تغير) على معنى (لم يبق على حاله) ، ففيه النفى ، فجاز الرفع على البدلية على مذهب بنى تميم ، كما يذكر فى التركيب الآتى.

٢ ـ أن يكون الاستثناء منقطعا مجازيّا منفيّا وقد تأخر فيه المستثنى ، ويمكن أن يسلط العامل فيه على المستثنى ، نحو قوله تعالى : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) [النساء : ١٥٧]. حيث يمكن أن يوضع المستثنى موضع المستثنى منه ، فيجوز أن ينطلق لفظ المستثنى منه على المستثنى مجازا.

__________________

(١) ديوانه ١٦٨ / شرح التصريح ١ ـ ٣٤٩ / الارتشاف ٢ ـ ٣١٣ / شرح أبيات المغنى ٥ ـ ١٢٦ / الأشمونى ٢ ـ ١٤٤.

(بالصريمة) جار ومجرور ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر مقدم. (منهم) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل نصب حال من الصريمة. (منزل) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (خلق) صفة لمنزل مرفوعة ، وعلامة رفعها الضمة. (عاف) صفة ثانية لمنزل مرفوعة ، وعلامة رفعها الضمة المقدرة. (تغير) فعل ماض مبنى على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، صفة ثالثة لمنزل فى محل رفع. (إلا) حرف استثناء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (النؤى) بدل من فاعل تغير مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (والوتد) الواو : حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. الوتد : معطوف على النؤى مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

١٦٤

وللعرب فى التركيبين السابقين مذهبان :

الحجازيون يوجبون نصب المستثنى ، أما بنو تميم فإنهم يرجحون النصب ، ويجيزون الإتباع ، يذكر سيبويه : وأما بنو تميم فيرفعون هذا كله فيجعلون اتباع الظن علمهم (١). ومنه قول جران العود :

وبلدة ليس بها أنيس

إلا اليعافير وإلا العيس (٢)

حيث رفع (اليعافير) على البدلية من اسم (ليس) (أنيس) ، وذلك على مذهب بنى تميم ، لكن الحجازيين يوجبون النصب ، على أنه استثناء منقطع.

ومنه قول ضرار بن الأزور :

عشيّة لا تغنى الرماح مكانها

ولا النبل إلا المشرفىّ المصمّم (٣)

__________________

(١) الكتاب ٢ ـ ٣٢٣.

(٢) معانى القرآن للفراء ١ ـ ٤٧٩ / المقتضب ٢ ـ ٣١٩ ، ٣٤٧ ، ٤ ـ ٤١٤ / ابن يعيش ٢ ـ ٨٠ ، ١١٧ / ٧ ـ ٢١ / شرح ابن الناظم ٢٩٧ / شذور الذهب ٢٦٥ / شرح التصريح ١ ـ ٣٥٣ / الأشمونى ٢ ـ / ١٤٧. اليعافير : جمع يعفور ، وهو ولد البقرة الوحشية ، العيس : جمع عيساء ، وهى الإبل البيض يخالطها شىء من الشقرة. (وبلدة) الواو : واو رب حرف جر شبيه بالزائد مبنى ، لا محل له من الإعراب. بلدة : مبتدأ مرفوع. وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. (ليس) فعل ماض ناقص ناسخ مبنى على الفتح. (بها) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل نصب ، خبر ليس مقدم. (أنيس) اسم ليس مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وجملة ليس ومعموليها فى محل رفع ، خبر المبتدإ. (إلا) حرف استثناء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (اليعافير) بدل من أنيس مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (وإلا) الواو : حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. إلا : حرف استثناء مبنى زائد للتأكيد. (العيس) معطوف على اليعافير مرفوع وعلامة رفعه الضمة.

(٣) شرح الناظم ٢٩٧ / الخزانة ٢ ـ ٥ مكانها : أى : مكان الحرب المشرفى : السيوف تنسب إلى قرى مشارف المصمم : الماضى.

(عشية) ظرف زمان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو متعلق بما قبله. (لا) حرف نفى مبنى ، لا محل له من الإعراب. (تغنى) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة. (الرماح) فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة. والجملة الفعلية فى محل جر بالإضافة. (مكانها) منصوب على الظرفية ، أو على نزع الخافض ، وهو متعلق بتغنى ، وضمير الغائبة مبنى فى محل جر بالإضافة. (ولا النبل) الواو : حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. لا : حرف نفى زائد لتأكيد النفى. النبل : معطوف على الرماح مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (إلا) حرف استثناء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (المشرفى) بدل من الرماح مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (المصمم) صفة للمشرفى مرفوعة ، وعلامة رفعها الضمة.

١٦٥

(إلا المشرفى) استثناء منقطع فى كلام منفى ، ورفع على الإبدال من المستثنى منه (الرماح والنبل) على لغة بنى تميم ، وإن كان واجب النصب عند أهل الحجاز.

وكذلك قول الفرزدق :

وبنت كرام قد نكحنا ولم يكن

لنا خاطب إلا السنان وعامله (١)

(إلا السنان) استثناء منقطع وما قبله منفى ، وقد رفع على البدلية من المستثنى منه (خاطب) على مذهب بنى تميم.

ومنه ما ذكره سيبويه من القول : ما له عليه سلطان إلا التكلف.

وفى قول النابغة :

وقفت فيها أصيلانا أسائلها

عيّت جوابا وما بالرّبع من أحد

إلا أوارىّ لأيا ما أبينها

والنّؤى كالحوض بالمظلومة الجلد (٢)

__________________

(١) شرح الناظم ٢٩٧ / الأشمونى ٢ ـ ١٤٧ / ديوانه ٧٣٧. السنان : سنان الرمح ، عامله : ما يلى السنان.

(بنت) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وناصبه محذوف يفسره الظاهر ، وقد يكون الظاهر ، ويكون مفعولا به مقدما. وهو مضاف ، و (كرام) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (قد) حرف تحقيق مبنى ، لا محل له من الإعراب. (نكحنا) فعل ماض مبنى على السكون ، وضمير المتكلمين مبنى فى محل رفع ، فاعل. والجملة مفسرة للجملة المحذوفة ، لا محل لها من الإعراب. (ولم) الواو : واو الابتداء أو واو الحال حرف مبنى ، لا محل لها من الإعراب. لم : حرف نفى وجزم وقلب مبنى لا محل له من الإعراب. (يكن) فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون. (لنا) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل نصب ، خبر كان مقدم. (خاطب) اسم كان مؤخر ، مرفوع وعلامة رفعه الضمة. والجملة فى محل نصب على الحال. (إلا) حرف استثناء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (السنان) بدل من خاطب مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (وعامله) الواو : حرف عطف ، مبنى لا محل له من الإعراب. عامل : معطوف على السنان مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة.

(٢) (وقفت) فعل ماض مبنى على السكون ، وضمير المتكلم مبنى فى محل رفع ، فاعل. (فيها) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالوقف. (أصيلانا) منصوب على الظرفية ، متعلق بالوقوف. (أسائلها) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنا ، وضمير الغائبة مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، والجملة فى محل نصب على الحالية من ضمير المتكلم الفاعل. (عيت) فعل ماض مبنى على الفتح ، والتاء للتأنيث حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب ، والفاعل ضمير

١٦٦

(وما بالرّبع من أحد إلا أوارىّ) استثناء منقطع ؛ لأن (الأوارى) وهو جمع آرى وهو المعلف ليست من جنس (أحد) ، وهو كلام منفى تام ، يمكن أن يتسلط فيه العامل على المستثنى ، فتعرب (أوارى) على وجهين :

أولهما : النصب على الاستثناء من (أحد).

ثانيهما : الرفع على البدلية من موضع (أحد) وهو الرفع ، وإن كان الاستثناء منقطعا فإن الأوارىّ تتصل بالأحدين ، حيث ينتفع بها دوابّهم ، وفى (أوارى) روايتا الرفع والنصب.

٣ ـ أن يكون الاستثناء منقطعا لا يمكن تسلط العامل فيه على المستثنى ، وذلك بأنه لا يمكن وضع المستثنى موضع المستثنى منه ، حتى لا يفسد المعنى ، أى : لا يمكن أن ينطلق لفظ المستثنى منه على المستثنى ، لا حقيقة ولا مجازا. ويستشهد لذلك بقولهم : ما نفع خالد إلا ما ضرّ ، إذ لا يقال : نفع الضرّ ، (ما) مصدرية فى موضع نصب على الاستثناء ، وفى مثل هذا التركيب يجب أن ينصب المستثنى مطلقا.

ومنه قوله تعالى : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) [هود : ٤٣]. أي :إلا المرحوم ، فلا يصح أن يوضع المستثنى موضع المستثنى منه ، وهنا يجب نصب الاسم الموصول المستثنى (من) ، وفى هذا الموضع آراء أخرى تذكر فيما بعد.

__________________

مستتر تقديره : هى. (جوابا) تمييز منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (وما) الواو : للابتداء أو للحال. ما : حرف نفى مبنى ، لا محل له من الإعراب. (بالربع) جار ومجرور ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر مقدم. (من أحد) من : حرف جر زائد مبنى ، لا محل له من الإعراب. أحد : مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد ، والجملة الاسمية فى محل نصب ، حال ، أو معطوفة على سابقتها. (إلا) حرف استثناء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (أوارى) مستثنى من أحد منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، أو بدل من موضع أحد مرفوع. (لأيا) مصدر واقع موقع الحال منصوب ، وعلامة نصبة الفتحة. (ما) حرف زائد مبنى ، لا محل له من الإعراب. (أبينها) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنا ، وضمير الغائبة مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، والجملة فى محل نصب أو رفع لأنها صفة لأوارى. (والنؤى) الواو : حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. (النؤى) معطوف على أوارى مرفوع أو منصوب. (كالحوض) جار ومجرور ، وشبه الجملة فى محل نصب ، حال من النؤى. (بالمظلومة) جار ومجرور ، وشبه الجملة فى محل نصب حال من الحوض. (الجلد) صفة للمظلومة مجرورة ، وعلامة جرها الكسرة.

١٦٧

 ـ فى قوله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) [النساء : ٩٢](١). (إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) استثناء منقطع ، فالمصدر المؤول المستثنى فى محلّ نصب على الاستثناء.

 ـ قوله تعالى : (فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (٩٧) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) [النساء : ٩٧ ، ٩٨](٢). فيه (إلا المستضعفين) استثناء منقطع ، حيث المتوفّون ظالمى أنفسهم من الكفار فى قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) هم المستثنون منهم ، فلا يدخل هؤلاء المستثنون فيهم ، فيجب نصب المستثنى (المستضعفين).

ومنه قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ)

__________________

(١) (من) اسم شرط جازم مبنى على السكون فى محل رفع ، مبتدأ. (قتل) فعل الشرط ماض مبنى على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو. (مؤمنا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (خطأ) إما مصدر واقع موقع الحال ، وإما نائب عن المفعول المطلق ؛ لأنه صفته ، وكلاهما منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (فتحرير) الفاء : واقعة فى جواب الشرط للربط أو للإلفات والتركيز حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. تحرير : إما خبر لمبتدإ محذوف ، والتقدير : فالواجب عليه تحرير ، وإما مبتدأ خبره محذوف ، وكلاهما مرفوع وعلامة رفعه الضمة. والجملة الاسمية فى محل جزم جواب الشرط. (رقبة) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (مؤمنة) نعت لرقبة مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (ودية) الواو : حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. دية : معطوف على تحرير مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. ويجوز أن تجعلها جملة معطوفة على جملة. (مسلمة) نعت لدية مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (إلى أهله) جار ومجرور ، ومضاف إلى المجرور. وشبه الجملة متعلقة بالتسليم. (إلا) حرف استثناء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (أن يصدقوا) أن : حرف مصدرى ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب. يصدقوا : فعل مضارع منصوب ، وعلامة نصبه حذف النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع فاعل. والمصدر المؤول فى محل نصب على الاستثناء. أو فى محل رفع ، مبتدأ خبره محذوف ، والجملة فى محل نصب على الاستثناء. والتقدير : إلا التصدق يعفيه من الدية.

(٢) (أولئك) اسم إشارة مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (مأواهم) مبتدأ ثان مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، أو خبر مقدم. وضمير الغائبين مبنى فى محل جر بالإضافة. (جهنم) خبر المبتدإ الثانى مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، أو مبتدأ ثان مؤخر ، والجملة الاسمية فى محل رفع ، خبر المبتدإ الأول. (وساءت) الواو : حرف استئناف مبنى لا محل له. ساء : فعل ماض مبنى على الفتح ، والتاء : للتأنيث. والفاعل ضمير مستتر تقديره : هى. (مصيرا) تمييز منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

١٦٨

[النساء : ٢٢](١). فـ (ما قد سلف) مستثنى منقطع مخرج مما يفهم ممّا قبله ، فيكون منصوبا على الاستثناء. أو مبتدأ خبره محذوف ، والجملة مستثناة فى محل نصب ، وفيه وجه آخر يذكر فى موضعه.

أما قوله تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) [الحجر : ٤٢](٢). فإن فيه (من اتبعك) مستثنى منقطع ، حيث لا يدخل فى العباد الذين أضافهم الله ـ تعالى ـ إليه ، والتقدير : إن عبادى ليس لك عليهم سلطان ، ولا على غيرهم إلا من اتبعك ...

ومن الاستثناء المنقطع أن يقال (٣) : له علىّ ألف إلا ألفين. إن لفلان مالا إلا أنه شقىّ. ما زاد إلا ما نقص. ما نفع إلا ما ضرّ. جاء الصالحون إلا الطالحين. ما فى الأرض أحببت منه إلا إياه.

__________________

(١) (لا) حرف نهى مبنى ، لا محل له من الإعراب. (تنكحوا) فعل مضارع مجزوم بعد لا الناهية ، وعلامة جزمه حذف النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. (ما) اسم موصول مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (نكح) فعل ماض مبنى على الفتح. (آباؤكم) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

وضمير المخاطبين مبنى فى محل جر بالإضافة. والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. وقد تكون ما مصدرية ، وهى مع الجملة الفعلية مصدر مؤول فى محل نصب ، مفعول به. (من النساء) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالنكاح. (إلا) حرف استثناء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (ما) اسم موصول مبنى فى محل نصب على الاستثناء. وجملة (قد سلف) صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب.

(٢) (إن) حرف توكيد ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب. (عبادى) اسم إن منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها مناسبة الكسرة لضمير المتكلم. وضمير المتكلم مبنى فى محل جر بالإضافة. (ليس) فعل ماض ناقص ناسخ مبنى على الفتح. (لك) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل نصب ، خبر ليس مقدم. (عليهم) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل نصب ، حال من سلطان. (سلطان) اسم ليس مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. وجملة ليس فى محل رفع ، خبر إن. (إلا) حرف استثناء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (من) اسم موصول مبنى فى محل نصب على الاستثناء. (اتبعك) فعل ماض مبنى على الفتح. فاعله ضمير مستتر تقديره : هو. وضمير المخاطب مبنى فى محل نصب مفعول به. والجملة الفعلية صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب. (من) حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. (الغاوين) اسم مجرور بعد من ، وعلامة جره الياء ؛ لأنه جمع مذكر سالم. وشبه الجملة فى محل نصب ، حال من ضمير الغائب. ويجوز أن تعرب المستثنى مبتدأ خبره محذوف. والجملة فى محل نصب على الاستثناء. والتقدير : الذين يتبعونك لك عليهم سلطان.

(٣) شرح ابن الناظم ٢٩٠.

١٦٩

قوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (١٤٥) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) [النساء : ١٤٥ ، ١٤٦](١).

من أوجه إعراب الاسم الموصول المذكور بعد أداة الاستثناء أن يكون مبتدأ خبره الجملة الاسمية (فأولئك مع المؤمنين) ، وحسن دخول الفاء على الخبر لأن المبتدأ اسم عام ، أو فيه معنى الشرط ، ويكون استثناء منقطعا.

(الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ) [الحج : ٤٠]. (إلا أن يقولوا) استثناء منقطع ، لا يمكن توجه العامل فيه إلى ما بعد (إلا) ، فوجب نصب المستثنى ، فالمصدر المؤول (أن يقولوا) فى محلّ نصب على الاستثناء.

تأول الاتصال والانقطاع :

إن الاتصال والانقطاع فى الاستثناء إنما هما يدوران مع تأول المعنى السياقى للتركيب الاستثنائى ؛ لذلك فإنك تجد فى كثير من مواضع الاستثناء جواز التأول بين الاستثناء المنقطع والاستثناء المتصل. من هذه المواضع :قوله ـ تعالى : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) إِلَّا إِبْلِيسَ ...) [ص :٧٣ ، ٧٤ ، الحجر : ٣٠ ، ٣١](٢). حيث ينصب المستثنى (إبليس) ؛ لأن الكلام تام مثبت متصل ، فهو استثناء غير مفرغ. وقد يكون استثناء منقطعا ، وهو واجب النصب كذلك ، حيث لا يراد أن يكون إبليس من الملائكة.

__________________

(١) إن حرف توكيد ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب ، (المنافقين) اسم إن منصوب ، وعلامة نصبه الياء ، (فى الدرك) شبه جملة فى محل رفع ، خبر إن. (من النار) شبه جملة فى محل نصب ، حال من الدرك ، أو من ضمير أسفل. (لهم) شبه جملة متعلقة بنصير. (نصيرا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (بالله) شبه جملة متعلقة بالاعتصام. (لله) شبه جملة فى محل نصب ، حال. (أولئك) اسم إشارة مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (مع) ظرف مكان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، (المؤمنين) اسم مجرور بالإضافة ، وعلامة جره الياء ؛ لأنه جمع مذكر سالم ، وشبه الجملة خبر المبتدأ فى محل رفع ، خبر المبتدأ ،. والجملة الأسمية فى محل رفع خبر المبتدإ (الذين).

(٢) (كلهم) توكيد للملائكة مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائبين مبنى فى محل جر بالإضافة. (أجمعون) تأكيد ثان مرفوع وعلامة رفعه الواو. يلحظ أن (كل) التوكيدية يكثر توكيدها بأجمع.

١٧٠

ومثل ذلك قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) [البقرة ٣٤]. فاستثنى (إبليس) من واو الجماعة الفاعل فى (سجدوا) ، فوجب نصبه.

ومثله قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ ...) [الكهف ٥٠].

 ـ قوله تعالى : (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) [البقرة ٢٤٩]. الاستثناء تامّ موجب متصل غير مفرّغ ، فوجب نصب المستثنى (قليلا) على الاستثناء ، لكن قراءة عبد الله وأبى إلا قليل بالرفع تحتاج إلى تعليل معنوى ، وليس ذلك إلا أن الكلام وإن كان موجبا فى اللفظ فهو منفى فى المعنى ، حيث إنه يقدر : (لم يطيعوه إلا قليل منهم) ؛ لذلك كانت قراءة الرفع ؛ على أن ما بعد (إلا) يجوز فيه أن يكون تابعا للمستثنى منه لتأوّل معنى النفى. ومنهم من قدّر أن الرفع فى (قليل) لابتدائيته ، أما خبره فمحذوف تقديره : لم يشرب ، ويكون التقدير العام : إلا قليل منهم لم يشرب ، وتكون الجملة فى محل نصب على الاستثناء ، ويكون استثناء منقطعا.

 ـ قوله تعالى : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) [النساء :١٤٨]. (من ظلم) استثناء من (أحد) الفاعل المقدر للمصدر (الجهر) ، فيكون استثناء متصلا تاما منفيا ، فيعرب (من) فى محلّ رفع على البدل من (أحد) ، أو فى محل نصب على الاستثناء. ويجوز أن يكون الاستثناء مفرغا ، فتكون (من) فى محل رفع على الفاعلية للمصدر (الجهر). وقد يكون استثناء منقطعا ، والتقدير :لكن من ظلم ، فينصب (من) وجوبا على الاستثناء.

 ـ قوله تعالى : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) [النساء : ١١٤]. يتوقف نوع الاستثناء على التوجيه المعنوىّ للنجوى :إذا أريد بها المصدر فإنه يكون استثناء منقطعا ، وينصب المستثنى (من).

إذا أريد بالنجوى المتناجون فإنه يكون متصلا ، ويعرب (من) على الإتباع ، أو منصوبا على الاستثناء.

١٧١

وإذا قدر محذوف قبل (من) ، يكون التقدير : إلا نجوى من أمر ؛ فإنه يكون استثناء متصلا.

 ـ قوله تعالى : (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [الزخرف : ٨٦]. استثناء (من شهد) بإلّا استثناء متصل تامّ منفى ، فالمقصود بمن شهد بالحق الملائكة ، فيكون (من) فى محل رفع على البدلية ، أو فى محل نصب على الاستثناء. ويجوز أن يستثنى (من شهد) من مفعول محذوف تقديره : ولا يملكون الشفاعة فى أحد إلا من شهد ... ، وعليه فإنه يحتمل الوجهين الإعرابيّين السابقين.

ويجوز فيه الانقطاع على أن (إلا) بمعنى (لكن) ، والتقدير : لكن من شهد بالحق يشفع فيه هؤلاء ... ، ويكون (من) واجب النصب على الاستثناء.

 ـ فى قوله تعالى : (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [يونس : ٩٨](١). الاستثناء منقطع ، حيث إن المستثنى (قوم) لا يدخل فى المستثنى منه (قرية) ، فوجب نصب قوم. ومنهم من يرى أنه استثناء متصل باعتبار المحذوف ، والتقدير : إلا قرية قوم يونس ، أو باعتبار المجاز ، على تقدير : أن المراد بالقرى أهاليها. والانقطاع يبدو فى صحة وضع (لكن) موضع (إلا).

 ـ في قوله تعالى : (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ) بمسيطر (٢٢) (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ) [الغاشية : ٢١ ـ ٢٤](٢). المستثنى (من) ، والمستثنى منه مفعول (فذكر) ، ولذلك فإنه استثناء متصل مثبت غير مفرغ ، فيجوز إتباع المستثنى للمستثنى منه فينصب على البدلية ، ويجوز أن ينصب على الاستثناء.

__________________

(١) (لولا) حرف تحضيض مبنى ، لا محل له من الإعراب. (كانت) فعل ماض تام مبنى على الفتح ، والتاء للتأنيث. (قرية) فاعل لكان مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (آمنت) فعل ماض مبنى على الفتح ، والتاء للتأنيث ، والجملة فى محل رفع ، صفة لقرية. (نفعها إيمانها) جملة معطوفة على سابقتها. (يونس) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة ؛ لأنه ممنوع من الصرف.

(٢) (إنما) ما : كافة لإن عن عملها حرف مبنى لا محل له من الإعراب ، فتكون (أنت مذكر) جملة اسمية من مبتدإ وخبر. (عليهم) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بمصيطر. (بمصيطر) الباء حرف جر زائد مبنى ، لا محل له من الإعراب. (مصيطر) خبر ليس منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. (العذاب) مفعول مطلق منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

١٧٢

وقد يجعل بعضهم هذا الاستثناء منقطعا ، فمن مستثنى من ضمير (عليهم) ، فحكم ما بعد (إلا) غير حكم ما قبلها فكان منقطعا ، فوجب نصب الجملة المستثناة على الاستثناء ، وهى : (من تولى فيعذبه) ، ويصح تقدير (لكن) موضع (إلا).

 ـ قوله تعالى : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) [الدخان : ٥٦].

استثناء منقطع ، مع أن الموتة الأولى بعض الموت ، ذلك لأن (الموت) جمعا لا وجود له فيما يعود إليه الضمير فى (فيها) ، وهى الجنة ، فهو غير موجود ، وغير مذاق. وقد يكون استثناء متصلا فيما إذا جعلنا الذوق بمعنى العلم ، ويكون المعنى :«لا يتعلق علمهم بشىء من مسمّى الموت لعدمه فيها ؛ لأنها دار البقاء ، إلا الذى سبق علمهم به فى الدنيا» (١).

 ـ ومثله قوله تعالى : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً) [مريم : ٦٢].

 ـ ومن ذلك قوله تعالى : (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ) [هود : ٨١](٢). قرئت (امرأتك) بالرفع والنصب (٣) :

__________________

(١) المساعد : ٢ ـ ٥٥٠.

(٢) (أسر) فعل أمر مبنى على حذف حرف العلة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت. (بأهلك) الباء : حرف جر مبنى ، لا محل له من الإعراب ، أهل : اسم مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة ، وضمير المخاطب مبنى فى محل جر بالإضافة ، وشبه الجملة متعلقة بالإسراء ، أو فى محل نصب حال من الفاعل المستتر ، أى : مصاحبالهم. (بقطع) جار ومجرور ، وشبه الجملة فى محل نصب ، حال من أهلك ، أى : مصاحبين للظلمة. وقد تكون شبه الجملة متعلقة بالإسراء على أن الباء بمعنى (فى). (من الليل) جار ومجرور ، وشبه الجملة فى محل جر ، صفة لقطع. (ولا) الواو حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب ، لا :

حرف نهى مبنى لا محل له. (يلتفت) فعل مضارع مجزوم بلا الناهية ، وعلامة جزمه السكون. (منكم) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل نصب ، حال لأحد. (أحد) فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة. (إلا) حرف استثناء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (امرأتك) مستثنى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وضمير المخاطب مبنى فى محل جر بالإضافة. وتعرب امرأة مرفوعة على البدلية من أحد.

(إنه) إن : حرف توكيد ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب ، والضمير مبنى فى محل نصب ، اسم إن. (مصيبها) خبر إن مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائبة مبنى فى محل جر بالإضافة إلى مصيب. (ما) اسم موصول مبنى فى محل رفع ، فاعل لاسم الفاعل (مصيب) .. (أصابهم) جملة فعلية من فعل ماض وفاعل ضمير مستتر ، وضمير الغائبين فى محل نصب مفعول به ، والجملة صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب.

(٣) ينظر : الدر المصون : ٤ ـ ١١٩.

١٧٣

يوجه النصب على : أن (امرأة) مستثنى من (أهلك) ، أو من أحد ، أو أنه استثناء منقطع.

أما الرفع فإنه يوجه على : أن (امرأة) بدل من (أحد) ، فهو استثناء متصل ، أو :مبتدأ خبره محذوف ، تقديره : إلا امرأتك يجرى لها ما أصابهم ، فهو استثناء منقطع.

 ـ قوله تعالى : (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ)(١). [النساء : ١٩]. فى الاستثناء (إلا أن يأتين) تقديران :

أولهما : أن يكون استثناء منقطعا ، فيكون فى محل نصب.

والآخر : أن يكون استثناء متصلا من وقت مقدر ، أو حال مقدر ، أو علة مقدرة ، فيكون التقدير : ولا تعضلوهن فى وقت من الأوقات ، أو فى حال من الأحوال ، أو لعلة من العلل ، إلا وقت أو حال أو علة إتيانهن بفاحشة ، وعليه فإنه يكون فى محلّ نصب ؛ لأنه يكون استثناء منفيا متصلا فى حكم التام لكن المستثنى منه ترك ، وهو مقدر ، فيجب نصب المستثنى.

 ـ قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) [النساء : ٢٢]. فى هذا الاستثناء وجهان ، تقديرهما فى إيجاز :

__________________

(١) (لا) حرف نهى مبنى ، لا محل له من الإعراب. (تعضلوهن) فعل مضارع مجزوم بعد لا الناهية ، وعلامة جزمه حذف النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، وضمير الغائبات مبنى فى محل نصب ، مفعول به. والجملة معطوفة على سابقتها. ويجوز أن تجعل الفعل منصوبا بالعطف على سابقه.

(لتذهبوا) اللام : للتعليل حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. تذهبوا : فعل مضارع منصوب بعد لام التعليل ، أو بأن المضمرة ، وعلامة نصبه حذف النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، واللام متعلقة بتعضل. (ببعض) الباء : حرف جر مبنى ، لا محل له من الإعراب ، بعض : اسم مجرور وعلامة جره الكسرة ، وشبه الجملة متعلقة بالذهاب. (ما) اسم موصول مبنى فى محل جر بالإضافة.

(آتيتموهن) فعل ماض مبنى على السكون ، وضمير المخاطبين مبنى فى محل رفع ، فاعل ، وضمير الغائبات مبنى فى محل نصب ؛ مفعول به ، والجملة صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب. أو تكون (ما) نكرة موصوفة بمعنى شىء فى محل جر بالإضافة ، وجملة آتيتموهن فى محل جر ، نعت لما. (إلا) حرف استثناء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (أن) حرف مصدرى ونصب. (يأتين) فعل مضارع مبنى على السكون لإسناده إلى نون النسوة ، فى محل نصب. ونون النسوة ضمير مبنى ، فاع فى محل رفع ، والمصدر المؤول فى محل نصب على الاستثناء. ويجوز أن يكون فى محل رفع ، مبتدأ حذف خبره.

(بفاحشة) شبه جملة متعلقة بالإتيان. (مبينة) صفة لفاحشة مجرور ، وعلامة جرها الكسرة.

١٧٤

أنه استثناء منقطع ، إذ الماضى لا يجامع المستقبل ، فيكون المستثنى فى محلّ نصب.

أنه استثناء متصل : إما على حمل النكاح على الوطء ، وإما على معنى : ولا تنكحوا مثل نكاح آبائكم فى الجاهلية. وفى كل منهما يكون المستثنى فى محل نصب ، وبين المفسرين واللغويين آراء وتحليلات كثيرة فى هذا الموضع.

ولكننى أرى ـ والله أعلم ـ من سياق الآيات السابقة واللاحقة بهذه الآية الكريمة أن (ما) مصدرية فى الموضعين ، ويكون التقدير : ولا تنكحوا نكاحا كنكاح آبائكم من النساء فى الجاهلية إلا نكاحا قد سلف ، أى : هو قائم قبل نزول الآية الكريمة. وعليه فإنه استثناء تام منفى متصل غير مفرغ ، وما بعد (إلا) يكون بدلا ، أو مستثنى منصوبا.

ومثله قوله تعالى : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) [النساء : ٢٣].

 ـ قوله تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) [الحجر : ٤٢]. يجوز أن يكون هذا الاستثناء على وجهين :

أولهما : أن يكون استثناء متصلا ، حيث إن المراد بالعباد عاصيهم وطائعهم ، وعليه فإن (من) المستثنى يجوز أن يكون فى محل جرّ على البدلية من ضمير الغائبين فى (عليهم) ، أو فى محل نصب على البدل اسم إن (عبادى) ، وهو عند الكوفيين فى الحالين عطف نسق ، حيث إنهم يجعلون (إلا) حرف عطف ؛ بمثابة (لا) النافية ، أو أن يكون منصوبا على الاستثناء.

ثانيهما : أن يكون استثناء منقطعا ، حيث إن الغاوين لم يندرجوا تحت (عباد) المنسوبة إلى الله تعالى ، فالمراد بهم العباد الخلّص ، وعليه فإن (من) يجب فيها النصب على الاستثناء عند الحجازيين ، ويجوز فيها النصب على الاستثناء والإعراب على الإتباع عند التميميين.

 ـ قوله تعالى : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي) [البقرة : ١٥٠]. الاسم الموصول (الذين) مستثنى بإلّا ، والاستثناء فى هذا الموضع يمكن أن يفسر على وجهين :

١٧٥

أولهما : استثناء متصل ، حيث استثنى (الذين ظلموا) من المستثنى منه (الناس) ، والمقصود بهم اليهود ، وعليه فإن الكلام يكون تاما منفيا متصلا غير مفرغ ، فيكون الاسم الموصول المستثنى تابعا للناس ، أو منصوبا على الاستثناء.

ثانيهما : استثناء منقطع ؛ على أن الحجة هى الدليل الصحيح ، فيكون استثناء منقطعا حيث إن حجة الذين ظلموا شبهة ، فتكون من غير جنس الحجة التى تعنى الدليل الصحيح ، وعليه فإن المستثنى الاسم الموصول يكون منصوبا على الاستثناء عند الحجازيين ، ويجوز أن يكون تابعا للمستثنى عند التميميين ؛ لأنه يمكن تسلط العامل على المستثنى.

 ـ قال تعالى : (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (٥) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) [التين : ٥ ، ٦](١). الاستثناء (إلا الذين) استثناء تامّ مثبت غير مفرغ ، قد يكون متصلا ، وقد يكون منقطعا ، وفى الحالين يكون الاسم الموصول وخبره فى محل نصب.

 ـ قوله تعالى : (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ). [الإسراء : ٦٧] المستثنى (إياه) ضمير منفصل مبنى فى محل نصب على الاستثناء ، سواء احتسب الاستثناء متصلا ، أم منقطعا ، والتقدير على الاتصال : أنهم كانوا يلجأون إلى الله ـ تعالى ـ مع آلهتهم ، وعلى الانقطاع المراد آلهتهم دون الله تعالى.

 ـ قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى) [يونس : ٣٥]. تقدير الكلام : أم من لا يهدى غيره لكنه يحتاج إلى أن يهدى ، فيكون استثناء منقطعا ، ويكون المصدر المؤول (أن يهدى) فى محل نصب على الاستثناء. ويجوز أن تقدر الكلام بأن فيهم قابلية الهداية فيكون متصلا ، فيكون المصدر المؤول المستثنى منصوبا على الاستثناء ، أو على نزع الخافض ، والتقدير ـ والله أعلم ـ : يهدى غيره بهداية نفسه.

__________________

(١) (أسفل) حال من ضمير الغائب المفعول منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وقد يكون صفة لظرف مكان محذوف ، والتقدير : مكانا أسفل. (الذين) اسم موصول مبنى فى محل رفع ، مبتدأ ، خبره الجملة الاسمية المقرونة بالفاء (فلهم أجر) ، وجملة (الذين) وخبره فى محل نصب على الاستثناء. (غير) صفة لأجر مرفوعة ، وعلامة رفعها الضمة. (ممنون) مضاف إليه مجرور.

١٧٦

 ـ فى قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣) إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ) [التوبة : ٣ ، ٤]. (إلا الذين عاهدتم من المشركين) استثناء فيه ثلاثة أوجه :

 ـ أن يكون استثناء منقطعا ، فيكون الاسم الموصول فى محلّ نصب على الاستثناء.

 ـ أو أنه استثناء جملة اسمية ، والتقدير : إلا الذين عاهدتم ... فأتموا ، فيكون الاسم الموصول مبتدأ ، خبره الجملة الفعلية المقرونة بالفاء : (فأتموا).

 ـ قد يحتسب استثناء متصلا ، ومنهم من يرى ـ حينئذ ـ تقدير جملة محذوفة :اقتلوا المشركين المعاهدين إلا الذين عاهدتم ...

 ـ وقوله تعالى : (وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً) [لأنعام : ٨٠](١).

الاستثناء (إلا أن يشاء) جعلوه على وجهين :

أولهما : استثناء متصل ، والمستثنى منه محذوف يقدر بالزمان ، أو بالحال.

ثانيهما : استثناء منقطع ؛ لأنه إما ليس من الأول السابق عليه ، وإما لأنه يقدر بـ (لكن) ، أى : لا أخاف شيئا لكننى أخاف مشيئة الله بضر.

 ـ فى قوله تعالى : (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [التوبة : ٧]. الاستثناء (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ) فيه تأويلان :

أولهما : أن يكون منقطعا ، والتقدير : لكن الذين عاهدتهم ...

والآخر : أن يكون متصلا ، ـ وحينئذ ـ يكون الاسم الموصول منصوبا على الاستثناء من المشركين ، أو مجرورا على البدلية منه ، على أن الاستفهام (كيف ...؟) يخرج إلى معنى النفى ، والتقدير : لا يكون للمشركين ...

__________________

(١) (ما) اسم موصول مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، صلته جملة (تشركون). (به) شبه جملة متعلقة بالإشراك. (شيئا) إما منصوب على المصدرية ، بتقدير المشيئة ، وإما منصوب على المفعولية ، بتقدير :

الأشياء أو الذوات والمعانى.

١٧٧

 ـ قوله تعالى : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللهُ) [يونس : ٤٩].

فى الاستثناء وجهان :

أولهما : أنه متصل ، والتقدير : إلا ما شاء الله أن أملكه.

والآخر : أنه منقطع ، والتقدير : ولكن ما شاء الله منه كائن.

وفى الوجهين : (ما) مستثنى مبنى فى محل نصب ، فى تحليلين ، وبدل من (ضر ونفع) فى محل نصب.

 ـ قوله تعالى : (وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (١٧) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ) [الحجر : ١٧ ، ١٨]. فى إعراب الاسم الموصول (من) بعد (إلّا) أوجه تختلف باختلاف نوع الاستثناء :

فقد يكون الاستثناء متصلا ، فيكون (من) فى محلّ نصب على الاستثناء.

وقد يكون الاستثناء منقطعا ، فيكون (من) فى محل نصب على الاستثناء ، أو فى محل رفع ، مبتدأ ، خبره الجملة الفعلية (فأتبعه) ، وهو استثناء جملة.

 ـ قوله تعالى : (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) [إبراهيم : ٢٢]. فى هذا الاستثناء وجهان :

أولهما : أنه استثناء منقطع ، حيث دعوة الشيطان ليست من جنس السلطان ، فما الدعوة إلّا عرض دون فرض.

والآخر : إذا اعتبرنا أن وسوسة الشيطان تسلط ، فهى أقوى أثرا من الدعوة فإنه يكون استثناء متصلا. لكن الوجه الأول أوضح وأظهر.

١٧٨

أدوات الاستثناء والتركيب

فى هذا الجزء من الدراسة نفصل القول فى أدوات الاستثناء من حيث أحكامها فى التركيب الاستثنائى ، والخصائص الاستثنائية لكلّ منها ، وما قد تخرج أىّ منها إلى خصائص تركيبية أخرى غير التركيب الاستثنائى ، مع ربط الأحكام الإعرابية بغيرها من خصائص تتعلق بها.

(إلا):

يلحظ فى التركيب الاستثنائى بـ (إلا) ما يأتى :

* (إلّا) حرف ، ولذلك فإن ما بعدها يخضع لكونها غير مؤثرة إعرابيا على الوجه الأرجح.

* نوع الكلام الذى توجد فيه بين النفى والإثبات أو الإيجاب.

* ما قبل (إلا) ونوعه من حيث التفرغ وعدم التفرغ ، والتفرغ هو طلب ما قبل (إلا) لمرفوع ، أو منصوب أو مجرور فلا يجده فيما قبلها ، فيتفرغ لما بعدها. وعدم التفرغ هو عدم طلب ما قبل (إلا) لأحد من هذه ، حيث وجوده فيما قبلها.

ويكون التفرغ وعدم التفرغ بانعدام المستثنى منه ووجوده على الترتيب.

ويسمى الكلام المفرغ ، أى : الكلام الذى لا يوجد فيه المستثنى منه كلاما ناقصا ، والآخر يسمى كلاما تاما.

وطبقا لما سبق يكون إعراب المستثنى بـ (إلا) حسب الآتى :

أولا : إذا كان الكلام تاما مثبتا :

أى : غير مفرغ وغير منفى ، أى : يوجد به المستثنى منه ، ولا يوجد به أداة نفى ، وكان المستثنى مؤخرا ، فإنّ ما بعد (إلا) ينصب على الاستثناء سواء أكان الاستثناء متصلا أم منقطعا.

١٧٩

فمثال المتصل : حضر الطلاب إلا طالبين ، جاء القوم إلا آل يوسف. فكلّ من : (طالبين وآل) مستثنى منصوب ؛ لأن المستثنى منه موجود (الطلاب ، والقوم) ، ولا توجد أداة نفى ، وهو استثناء متصل حيث يدخل ما بعد (إلّا) فى معنى ما قبلها ، أى : إنّ المستثنى يصح أن يكون جزءا من المستثنى منه ، ومن ذلك قوله تعالى : (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) [البقرة : ٢٤٩] ، حيث نصب المستثنى (قليلا) ؛ لأن الكلام تام موجب وهو استثناء متصل ، فهو استثناء غير مفرغ مثبت متصل.

فى قوله تعالى : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ) [آل عمران : ٩٣](١). (ما حرّم) مستثنى من اسم (كان) الضمير المستتر فيها ، أو من الضمير المستتر فى (حلا) ، فالاستثناء تام مثبت غير مفرغ ، ومتصل ـ على الوجه الأرجح ـ فصحّ أن يكون الاسم الموصول المستثنى (ما) فى محلّ نصب على الاستثناء.

فى قوله تعالى : (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء : ٦٢]. الاستثناء تام موجب متصل غير مفرغ ، فيكون ما بعد (إلا) وهو المنصوب (قليلا) منصوبا على الاستثناء من (ذرية).

 ـ أما قوله تعالى : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً) [المزمل : ٢ ، ٣]. ففى الموقع الإعرابى لـ (قليلا) ، و (نصفه) أوجه ، منها :

__________________

(١) (كل) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (الطعام) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (كان) فعل ماض ناقص ناسخ مبنى على الفتح ، واسمه ضمير مستتر تقديره : (هو). (حلا) خبر كان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. وجملة (كان) مع اسمها وخبرها فى محل رفع ، خبر المبتدإ (كل).

(لبنى) اللام : حرف جر مبنى ، لا محل له من الإعراب ، بنى : اسم مجرور بعد اللام ، وعلامة جره الياء. (إسرائيل) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة ؛ لأنه ممنوع من الصرف.

(إلا) حرف استثناء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (ما) اسم موصول مبنى ، فى محل نصب على الاستثناء. (حرم) فعل ماض مبنى على الفتح. (إسرائيل) فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة. والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. (على نفسه) جار ومجرور ومضاف إليه ، وشبه الجملة متعلقة بالتحريم.

١٨٠