النحو العربي - ج ٣

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٣

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٦٠٨

أمل) ، والمصدر (ركضا) حال من الفاعل ضمير الغائب فى (يؤدى) ، والفاعل (واو الجماعة) فى (سعوا) ، والفاعل ضمير الغائب فى (توجّه) ، وتلحظ أن أصحاب الأحوال معارف.

ومن ذلك أن تقول : فهمت الدرس مشروحا ، شربت من الإناء نظيفا تقابل علىّ مع محمود مبتسمين ، (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) [هود : ٧٢].

ب ـ الحال من النكرة :

لا تأتى الحال وصاحبها نكرة إلا إذا كانت نكرة مخصصة ، والتخصيص إما أن يكون : بالإضافة ، أو بالصفة ، أو بتقدم الحال على صاحبها ، أو بمعمول ، أو فى سياق نفى أو نهى أو استفهام. من أمثلة ذلك :

هذا كتاب نحو مفتوحا أمامى. استمعت إلى درس جديد مشوقا موضوعه.

قوله تعالى : (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) [آل عمران : ١٥] ، شبه الجملة (عند ربهم) فى محلّ نصب ، حال من (جنات) ؛ لأنها صفة لها ، فلما تقدمت الصفة على الموصوف نصبت على الحالية.

له عندى سبعون جنيها كاملة ، (كاملة) حال من (سبعون) ، وهو نكرة ، وجاز ذلك لتخصصه بمعموله (جنيها) ...

وهذه مفصلة فى موضعها من الدراسة.

عاشرا : أقسام الحال من حيث صورها اللفظية :

تأتى الحال فى الجملة العربية فى ثلاث صور لفظية مدروسة بالتفصيل فى موضعها ، وهى ـ فى إيجاز ـ : الحال الاسم ، الحال شبه الجملة ، الحال الجملة.

أ ـ الحال الاسم :

تكون مشتقة ، وقد تكون اسما جامدا مصدرا وغير مصدر. مثال ذلك :استمعت إلى الأذان مجيبا ـ لقد أدّى هذا وحده ـ أقبل إلينا عدوا ـ لقد دخلوا فردا فردا.

١٤١

كلّ من (مجيبا ، ووحد ، وعدوا ، وفردا فردا) حال منصوبة ، وكلها أسماء ، الأول منها صفة مشتقة ، والأسماء الأخرى جامدة بين المصدرية وغير المصدرية.

ب ـ الحال شبه الجملة :

من صور الحال أن تأتى شبه جملة ، كما هو فى قول النابغة الذبياني :

إلا أوارىّ لأيا ما أبينها

النؤى كالحوض بالمظلومة الجلد

شبه الجملة (كالحوض) فى محل نصب ، حال من (النؤى) ، وشبه الجملة (بالمظلومة) فى محل نصب ، حال من الفاعل (الحوض).

ج ـ الحال الجملة :

قد تأتى الحال فى صورة الجملة اسمية أو فعلية ، كما فى قوله تعالى :(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ) [القلم : ٣٠]. الجملة الفعلية (يتلاومون) فى محل نصب ، حال من الفاعل (بعضهم).

وقوله تعالى : (فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ) [القلم : ١٩] ، الجملة الاسمية (وَهُمْ نائِمُونَ) فى محل نصب على الحالية من ضمير الغائبين فى (عليهم).

وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [البقرة :١٣٢](١). حيث الجملة الاسمية المصدرة بالواو (أنتم مسلمون) فى محل نصب حال من الفاعل واو الجماعة المحذوفة لالتقاء الساكنين فى (تموتن).

حادى عشر : أقسام الحال من حيث مطابقتها لصاحبها فى المعنى :

يجب أن تتضمن الحال صاحبها لفظا حتى ترتبط به معنى ، فلا تكون أجنبية عنه ، وهذا يتحقق من كون الحال صفة مشتقّة ، والصفة المشتقة تتضمن الصفة

__________________

(١) (اصطفى) فعل ماض مبنى على الفتح المقدر ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر إن. (لكم) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجمله متعلقة بالاصطفاء. (لاتموتن) لا : حرف نهى مبنى لا محل له من الإعراب. تموتن : فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف النون ، وفاعله واو الجماعة المحذوفة لالتقاء الساكنين ، والنون للتوكيد حرف مبنى.

١٤٢

المعنوية وموصوفها ، أو تكون جملة ترتبط بصاحبها بالضمير ، أو الواو ، أو بالضمير والواو معا ، وشبه الجملة تؤول بالجملة ، ولا يتحقق الربط بين الحال وصاحبها فيما إذا كانت مصدرا أو اسما جامدا ، والنحاة يؤولون ذلك بالصفة المشتقة ، فإذا ما أخذنا بالرأى الذى يذهب إلى أن الحال قد تكون من الحدث الكامن فى الفعل أو ما يشبه الفعل فإن ذلك لا يجعلنا نؤول الحال المصدر بالصفة المشتقة. وهذه الأفكار مفصلة فى مواضعها.

فإذا أخذنا بالرأى السائد فى أن الاسم الجامد يؤول بمشتقّ ، فإن الحال من حيث هذا الاتجاه تنقسم إلى قسمين : حال تتضمن صاحبها لفظا ومعنى تضمنا صريحا ملفوظا به ، وأخرى تتضمنه تأويلا أو تقديرا.

والأولى تتمثل فى الحال الصفة المشتقة ، والحال الجملة وشبه الجملة ، والأخرى تتمثل فى الحال الاسم الجامد ، من مصدر ، وغير مصدر.

ثانى عشر : تقسيم الحال بالنسبة لقيمة معناها فى الجملة :

تنقسم الحال بالنسبة لقيمتها المعنوية وارتباطها بركنى الجملة إلى قسمين ، حال فضلة ، وأخرى غير فضلة فى المعنى.

أ ـ الحال الفضلة :

الحال فى حقيقتها وصف فضلة ، أى : وصف زائد عن ركنى الجملة الأساسين ، فهى إخبار بعد إخبار ، ولذلك فإن أساس الجملة المعنوىّ يمكن أن يستغنى عنها.

فتقول : جاء أخى منطلقا ، فتكون منطلقا حالا من الفاعل (أخى) ، ولكن معنى الجملة يتم بذكر الفعل وفاعله ، حيث يفيدان معا مجىء الأخ ، أما الحال (منطلقا) فهى زيادة فى الإخبار ، حيث تفيد كيفية المجىء المسند إلى الفاعل ، لكن الجملة تعتمد على معنى أساس ، وهو مجىء محمد ، لذلك فهى فضلة.

ب ـ الحال غير الفضلة معنويا :

قد لا تفيد الجملة بركنيها الأساسين معنى بدون ذكر الحال ، بل ربما يتعدى عدم جدوى المعنى إلى ذكر بعض الفضلات الأساس فى الجملة ، كالمفعول به ، وذلك

١٤٣

فى تراكيب معينة ، وقد ذكرت ـ تفصيليّا ـ فى موضعها ، مفادها : أن تنتقض العلاقة المعنوية الإيجابية بين ركنى الجملة بالنفى ، ذلك لأن هذا النفى يتطلب معنى سالبا يتلاءم معه ، فيقيم تصحيح العلاقة الإيجابية السابقة مع وجود النفى ومعنى الحال. كأن تقول : ما قرأت الدرس إلا مستوعبا. ومثل النفى النهى.

 ـ أو أن تكون فى سياق سؤال ، ومعناها هى الأساس فى المعنى المسئول عنه.

ذلك فى قوله تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون : ١١٥]. فالمسئول عنه إنما هو الخلق العابث ، وليس الخلق بمفرده.

 ـ وقد تكون الحال غير مستغنى عنها فى جملة الصلة ، أو فى التركيب الشرطى ، أو الجملة الاسمية التى يكون الخبر فيها هو المبتدأ ، حيث يراد

الإخبار عن المبتدإ بالخبر فى حال معينة ، أو فى الإجابة عن سؤال بـ (كيف). فتقول : الذى يحلّ المسألة أسرع يحصل على أعلى درجة ، إن أؤدّ الواجب أؤدّه متقنا ، إنه أخى كريما ، حامدا الله ؛ إجابة عن السؤال : كيف أنهيت طعامك؟

 ـ وتكون الحال غير فضلة إذا أغنت عن الخبر ، كأن تقول : إعجابى بالمنظر جميلا.

أمثلة للحال

 ـ قوله تعالى : (كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا) [الفجر : ٢١] (دكا دكا) إما مصدر ، وإما منصوبان على الحالية ، وهو أفضل.

 ـ (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [العنكبوت : ٦٥].

 ـ (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [الفجر : ٢٢].

 ـ (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) [لقمان : ٦].

 ـ (قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً) [الأعراف : ١٨].

 ـ (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا) [المؤمنون : ٤٤] ، أى : متواترين ، أى : واحدا بعد واحد متتابعين.

١٤٤

 ـ (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً) [الفجر : ٢٨].

 ـ (وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [العنكبوت : ٥٣].

 ـ (فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) [يونس : ٢٣]. (بغير الحق) شبه جملة فى محلّ نصب على الحالية من الفاعل واو الجماعة فى (يبغون).

 ـ (وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ) [لقمان : ١٣].

 ـ (فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ) [القلم : ٢٣] الجملة الاسمية المصدرة بالواو (وهم يتخافتون) فى محلّ نصب على الحالية من الفاعل واو الجماعة فى (انطلقوا) ، والرابط واو الحال ، والضمير (هم).

 ـ (إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ) [القلم : ١٧].

 ـ (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ) [القلم : ٤٨ ـ ٤٩] (وهو مكظوم) ، و (هو مذموم) جملتان اسميتان فى محل نصب ، حال.

 ـ (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً) [الأحقاف : ١٢]. (إماما ورحمة) حالان من (كتاب موسى).

 ـ (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) [الرعد : ١٥]. (طوعا وكرها) حالان منصوبتان من الاسم الموصول (من) ، وهو فاعل (يسجد).

 ـ (ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً) [البقرة : ٢٦].

 ـ (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) [محمد : ٣٥].

 ـ (ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً) [نوح : ٨].

 ـ (يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ) [غافر : ٢٩].

١٤٥

 ـ (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) [غافر : ٣٣].

 ـ (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء : ٩٢]. بنصب (أمة واحدة) على أنها حال مؤكدة لمضمون الجملة السابقة عليها. ومن النحاة من يرى أنها منصوبة على أنها بدل من اسم (إن) اسم الإشارة (هذه) ، وقد فصل بين البدل والمبدل منه بخبر) (إنّ) (١).

 ـ (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [غافر : ٤١].

 ـ (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) [الزمر : ٦٠].

 ـ (فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ) [ص : ٢٢].

 ـ (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) [الطور : ٢٥].

 ـ (هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا) [يوسف : ٦٥].

 ـ (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ) [الزخرف : ٥٥].

 ـ (لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [النمل : ١٨].

 ـ (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ) [الزلزلة : ٦].

 ـ (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين : ٤].

 ـ (وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ) [يوسف : ١٦].

 ـ (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) [لقمان : ٢٠].

__________________

(١) فى الآية قراءات أخرى ، أظهرها :

أ ـ رفع (أمة واحدة) على أنها بدل من خبر (إن) (أمتكم) ، أو أنها خبر لمبتدإ محذوف.

ب ـ بنصب (أمتكم) على أنها بدل من اسم (إن) ، أو عطف بيان له.

ينظر : المحتسب ٢ ـ ٦٥ / الإتحاف ٣٧٨ / الدر المصون ٥ ـ ١٠٧.

١٤٦

 ـ (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) [النساء : ٩٠].

 ـ (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) [يونس : ٤٥]. الجملة الاسمية المنسوخة (كأن لم يلبثوا) حال من المفعول به ضمير الغائبين فى (نحشرهم). والجملة الفعلية (يتعارفون) حال من الفاعل واو الجماعة فى (لم يلبثوا) ، والجملة الفعلية (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا) إما استئنافية لا محل لها من الإعراب ، وإما منصوبة بقول مقدر ، والقول المقدر فى محل نصب ، حال من المفعول به ضمير الغائبين فى نحشرهم ، أو من الفاعل واو الجماعة فى (يتعارفون). يلحظ أن الحال فى الآيات الثلاث جملة فعلية فعلها ماض خلا من (قد). والجمهور على أنه لا حاجة إلى (قد) فى مثل هذا الموضع ، لكن ابن عصفور وغيره من المغاربة المتأخرين يرون أنه لا بد من (قد) ظاهرة أو مقدرة ، كما حكى بالتقدير عن الفراء والمبرد.

 ـ (فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) [النساء : ٧١].

 ـ (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) [الحديد : ١٢].

 ـ (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ) [التوبة : ٤٠].

 ـ (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ) [الرحمن : ١٩].

 ـ (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) [الرحمن : ٢٤].

 ـ قول النابغة الذبيانى :

وقفت فيها أصيلانا أسائلها

عيّت جوابا وما بالرّبع من أحد

الجملة الفعلية (أسائلها) فى محل نصب ، حال من تاء الفاعل فى (وقفت) ، والرابط الفاعل الضمير المستتر فى (أسائلها).

 ـ وقوله :

إلّا أوارىّ لأيا ما أبيّنها

والنّؤى كالحوض بالمظلومة الجلد

١٤٧

(لأيا) مصدر واقع موقع الحال من الفاعل الضمير المستتر فى (أبينها). أما شبه الجملة (كالحوض) فهى حال من (النؤى) ، وشبه الجملة (بالمظلومة) فى محل نصب ، حال من (الحوض).

 ـ قول عبيد بن الأبرص :

نحمى حقيقتنا وبعض ال

قوم يسقط بين بينا

شبه الجملة (بين بين) فى محل نصب ، حال من الفاعل المستتر فى (يسقط) ، والجملة الاسمية المصدرة بالواو (وبعض القوم يسقط) فى محل نصب ، حال من الفاعل المستتر ضمير المتكلمين فى (نحمى).

 ـ فى قول الأعشى :

تولّى حثيثا كأنّ الصّوا

ر يتبعه أزرقىّ لحم

(حثيثا) يمكن أن تلمس وجهين فى نصبه :

أولهما : أن يكون نائبا عن المفعول المطلق ، والتقدير : تولى توليا حثيثا.

والآخر : أن يكون حالا من الفاعل الضمير المستتر فى (تولى) ، والتقدير : تولى فى هذه الحال.

 ـ قول الشاعر :

وإنى لتعرونى لذكراك هزة

كما انتفض العصفور بلّله القطر

الجملة الفعلية (بلله القطر) فى محل نصب ، حال من العصفور ، ومن النحاة من يرى تقدير (قد) قبل الماضى.

 ـ قول الشاعر :

فما بال النجوم معلقات

بقلب الصّبّ ليس لها براح

(معلقات) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الكسرة من (النجوم) ، وجملة (ليس لها براح) فى محل نصب ، حال ثانية ، أو حال من الضمير (معلقات).

١٤٨

 ـ وقول مجنون ليلى :

ما بال قلبك يا مجنون قد هلعا

من حبّ من لا ترى فى نيّله طمعا

الجملة الفعلية (قد هلعا) فى محل نصب ، حال من (قلب).

 ـ قول جرير :

ما بال جهلك بعد الحلم والدين

قد علاك مشيب حين لا حين

الجملة الفعلية (وقد علاك مشيب) فى محل نصب ، حال من ضمير المخاطب فى (جهلك).

 ـ وقول الشاعر :

فما بال قلبى هدّه الشوق والهوى

وهذا قميصى من جوى الحزن باليا

الجملة الفعلية (هده الشوق) فى محل نصب ، حال من (قلبى). و (باليا) حال من (قميص) ، والعامل فيها اسم الإشارة.

 ـ قول أبى العتاهية :

ما بال دينك ترضى أن تدنّسه

وثوب دنياك مغسول من الدّنس

جملة (ترضى أن تدنسه) فى محل نصب ، حال من (دينك).

 ـ قول ذى الرمة :

ما بال عينك منها الماء ينسكب

الجملة الاسمية (منها الماء ينسكب) فى محل نصب ، حال من (عينك).

 ـ قول امرئ القيس :

فجئت وقد نضّت لنوم ثيابها

لدى الستر إلا لبسة المتفضل

 ـ قول طرفة :

يقول وقد ترّ الوظيف وساقها

ألست ترى أن قد أتيت بمؤيد؟!

١٤٩

 ـ قول الشاعر :

لاحت هلالا وفاحت عنبرا وشذت

مسكا وماست قضيبا وانثنت غصنا

 ـ وقول الآخر :

سفرن بدورا وانتقبن أهلّة

ومسن غصونا والتفتن جآذرا

 ـ وقول امرئ القيس :

نظرت إليها والنجوم كأنها

مصابيح رهبان تشبّ لقفّال

 ـ وقوله :

خالى ابن كبشة قد علمت مكانه

أبو يزيد ورهطه أعمامى

 ـ وقول عنترة :

فرأيتنا ما بيننا من حاجز

إلا المجنّ ونصل أبيض مفصل

 ـ (فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ) [المؤمنون : ٤٧].

 ـ (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) [النبأ : ٣٩].

 ـ قوله تعالى : (وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ) [القلم : ٢٥]. (على حرد) شبه جملة فى محل نصب ، حال من الفاعل واو الجماعة فى (غدوا). (قادرين) حال ثانية من (واو الجماعة) منصوبة ، وعلامة نصبها الياء.

 ـ قوله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) [النحل : ٩٧].

 ـ (وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ) [النمل : ٢٤].

 ـ (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) [الصف : ٤].

شبه الجملة (فى سبيله) ، والمصدر (صفا) ، والجملة المنسوخة (كأنهم بنيان) أحوال من الفاعل واو الجماعة فى (يقاتلون).

١٥٠

 ـ (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) [الأنعام : ٥٩] ، الجملة الفعلية المنفية (لا يعلمها إلا هو) فى محل نصب على الحالية من (مفاتح).

 ـ (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) [الأنعام : ٦١] ، الجملة الاسمية (وهم لا يفرطون) فى محل نصب على الحالية من (رسل).

 ـ (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (٧) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ ...)

(القمر : ٧ ، ٨). الجملة الاسمية المنسوخة (كأنهم جراد) ، والصفة المشتقة (مهطعين) حالان من الفاعل واو الجماعة فى (يخرجون).

 ـ (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ) [القلم : ٤٢ ، ٤٣]. (خاشعة أبصارهم) ، (ترهقهم ذلة) حالان من الفاعل واو الجماعة فى (يستطيعون). (وهم سالمون) جملة فى محل نصب ، حال من واو الجماعة فى (يدعون) ، (أبصار) فاعل لاسم الفاعل (خاشعة) ، و (ذلة) فاعل (ترهق).

 ـ قوله تعالى : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) [الصف : ٨]. الجملة الاسمية (والله متم نوره) فى محلّ نصب ، حال من فاعل (يريدون) ، أو فاعل (ليطفئوا) ، أما الجملة (ولو كره الكافرون) فى محلّ نصب ، حال من الحال السابقة.

 ـ ومما جاء حالا من حال قوله تعالى : (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) [الأعراف : ٧٣]. حيث (آية) حال منصوبة من (ناقة) ، أما شبه الجملة (لكم) فهى فى محلّ نصب ، حال من (آية) ؛ لأنها لو تأخرت عنها لكانت نعتا لها ، فلما تقدمت عليها وهى نكرة أصبحت حالا منتصبة.

 ـ من الحال أن تقول : ناصرت أحمد وقد أخرج من قريته مطرودا. حيث الجملة الفعلية (وقد أخرج) فى محل نصب على الحالية من المفعول به (أحمد) ، و (مطرودا) منصوب على الحالية من الضمير النائب عن الفاعل فى (أخرج).

١٥١

 ـ وكذلك قولك : فهمت الدرس وأنا أذاكره بعناية. حيث الجملة الاسمية (وأنا أذاكره) فى محلّ نصب على الحالية من الفاعل ضمير المتكلم ، أما شبه الجملة (بعناية) فى محل نصب على الحالية من الضمير الفاعل فى (أذاكر).

 ـ أما قوله تعالى : (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ) [المائدة : ٨٤]. ففيه الجملة الفعلية (لا نؤمن بالله) فى محل نصب ، حال من ضمير المتكلمين فى شبه الجملة الخبر (لنا) ، أما الجملة الاسمية المصدرة بالواو (وما جاءنا من الحق) فهى فى محل نصب ، حال من الفاعل ضمير المتكلمين المستتر فى (نؤمن) ، والتقدير : وما لنا لا نؤمن بالله والحال أن الذى جاءنا من الحق (١).

ويمكن أن نؤول عليه قول الشاعر :

ذكرتك والخطّىّ يخطر بيننا

وقد نهلت منا المثقفة السمر

الجملة الاسمية (والخطى يخطر) فى محل نصب ، حال من الفاعل (تاء المتكلم) ، والمفعول به (ضمير المخاطبة) معا ، أما الجملة الفعلية (وقد نهلت منا) فيجوز أن تكون حالا من ضمير المتكلمين فى (بيننا) ، فتكون حالا من حال ويجوز أن تجعلها فى محل نصب على الحال الأولى.

 ـ (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها) [يس : ٣٣]. (آية) مبتدأ ، خبره شبه الجملة (لهم) ، و (الأرض) مبتدأ خبره جملة (أحييناها) ، والجملة الثانية مفسرة للأولى.

ويجوز : (آية) خبر مقدم ، وشبه الجملة (لهم) صفة له ، و (الأرض) مبتدأ مؤخر ، وجملة (أحييناها) فى محل نصب ، حال من الأرض.

 ـ ومثل ذلك قوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) [يس : ٣٧].

 ـ قوله تعالى : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ) [آل عمران : ٣٩]

__________________

(١) ويجوز أن تجعل الواو حرف عطف عاطفا اسما على اسم ، فيكون (ما) اسما موصولا معطوفا على لفظ الجلالة فى محل جر ، وتكون شبه الجملة (من الحق) فى محل نصب ، حال من فاعل (جاء). من فاعل (جاء).

١٥٢

(وهو قائم) جملة حالية من ضمير الغائب المفعول به «لنادى». أما (يصلى) فإنهم يذكرون فيه أوجها (١) :

 ـ أن يكون خبرا ثانيا عند من يرى تعدد الخبر.

 ـ أنه حال ثانية من مفعول النداء عند من يجوز تعدد الحال.

 ـ أنه حال من الضمير المستتر فى (قائم) فيكون حالا من حال.

وأرى أن الوجه الثانى لا يصحّ ـ معنويا ـ حيث إن المعنى يستلزم وجود العلاقة بين القيام والصلاة ، وبذلك فإن جملة (يصلى) تكون حالا من فاعل (قائم) ، أو خبرا ثانيا للمبتدإ (هو). ولذلك فإنه لا يصح القول : فنادته الملائكة يصلى ....

 ـ فى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً) [الفرقان ٦٤]. (يبيتون) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون ، وهو فعل ناقص ناسخ ، ويمكن أن يعدّ فعلا تاما بمعنى الدخول فى المبيت ، (واو الجماعة) ضمير مبنى فى محل رفع ، اسم (يبيت) على النقصان ، وفى محل رفع فاعل على التمام. (لربهم) جار ومجرور ومضاف إليه ، وشبه الجملة متعلقة بالسجود والقيام ، أو فى محل نصب خبر (يبيت). (سجدا) خبر (يبيت) منصوب وعلامة نصبه الفتحة ، ويجوز أن تكون حالا منصوبة من (واو الجماعة) إذا كان (يبيت) فعلا تاما ، أو كانت شبه الجملة فى محل نصب خبر الفعل الناقص (يبيت).

وأرى أن شبه الجملة فى محل خبر (يبيت) ، (وسجدا وقياما) حالان ، حيث يكون المبيت لله ، ثم يقيّد المعنى بالحالين المتضادتين فى المعنى حالى السجود والقيام ، أى : حالى الصلاة وعددها فى المبيت ثلاث ، وحال القيام من غير صلاة ، وربما يتضامنان فى معنى واحد وهو الصلاة ، حيث السجود لا يكون إلا فى صلاة ، والقيام يكون فيها ، ويعبر عنها به. ويحسن ـ كذلك ـ أن نجعل المبيت فعلا تاما ، حتى يعطى معنى الدخول فى المبيت ، وهو تغير فى الأوقات والأحوال ، وفيه صلاتان ، فتكونان لله معبرا عنهما بالسجود والقيام.

__________________

(١) الدر المصون ٢ ـ ٨٢.

١٥٣

 ـ من أمثلة السهيلى : «أتشتم زيدا وهو أمير محسنا إليك؟!». (نتائج الفكر ٣٩٧). فتكون الجملة الاسمية (وهو أمير) حالا من المفعول به (زيد) ، وتكون الصفة المشتقة (محسنا) حالا ثانية. ولو قدمت فقلت : أتشتم زيدا محسنا إليك وهو أمير. لتوهم أن الإحسان يكون فى هذه الحال ، أى : وهو أمير. ويربط بين هذا التحليل الأسلوبى وبين قوله تعالى : (وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ) [البقرة : ٩١] فيجعل الجملة الاسمية (وهو الحق) حالا من المجرور فى (بما) ، كما أن (مصدقا) حال ثانية منه. والتقدير : كيف تكفرون بما وراءه ، وهو فى هذه الحال (هو الحق) ، وهو فى هذه الحال مصدق لما معهم.

 ـ إذا قلت : «فيك زيد راغب» فإن شبه الجملة لا يصح أن تنصب على الحالية ؛ لأن المعنى لا يسمح بذلك ، حيث لا يصح القول : زيد فيك ، أى : لا تصلح شبه الجملة فى هذا التركيب أن تكون خبرا ، وإنما تكون متعلقة بالرغبة.

 ـ فى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً) [المائدة ٣].

جملة (يبتغون) تكون عند الجمهور فى محل نصب على الحالية من الضمير فى اسم الفاعل (آمين) (١) ، وهو ناصب للبيت على المفعولية.

ولكن الكوفيين ومعهم مكى بن أبى طالب يجعلونها فى محل نصب على النعت من (آمّين) ، ولكن البصريين يردون النصب على الوصفية نظرا لأن اسم الفاعل (آمين) قد نصب (البيت) ، ولا يعمل اسم الفاعل إذا وصف.

__________________

(١) آمين : قاصدين ، والتقدير : ولا تحلوا قوما آمين البيت الحرام ، أو : لا تحلوا قتال قوم آمين.

١٥٤

الاستثناء (١)

المصطلح لغويا :

الاستثناء مصدر الفعل ، (استثنى) ، وهو مأخوذ من : ثنيت الشىء إذا رددته ، وذلك أنك بالاستثناء تردّ الحكم الذى وقع على الأول ـ وهو ما قبل الأداة ـ عن ما بعد الأداة ، فتحدث مخالفة فى الحكم بين ما بعد الأداة وما قبلها ، لذلك ؛ فإن الأداة المستثنى بها تردّ حكم المستثنى منه عن حكم المستثنى ، فلا يحتويه. فإذا قلت : فهمت الدروس إلا درسا ، فقد ردّت (إلّا) الحكم الذى وقع على الدروس عن أن ينطلق إلى الحكم الذى يقع على ما بعدها ، فأثنتها عنه. أو لأنك بالاستثناء تضاعف الخبر مرتين ، واحدة فيما قبل الأداة ، والأخرى فيما بعدها. ولذلك فإنهم يجعلون الاستثناء تخصيصا ، حيث يخصص ما بعد أداة الاستثناء بمخالفته فى الصفة أو الحكم عما قبلها ، وما قبلها يتضمن ما بعدها ، فكأنك خصّصته بالحكم المناقض لحكم الجمع.

المصطلح نحويا (٢) :

يحلو لبعض النحاة أن يذكروا فى حدّ المستثنى أنه «عبارة عن لفظ متصل بجملة لا يستقلّ بنفسه دالّ بحرف (إلّا) أو أحد أخواتها على أن مدلوله غير مراد

__________________

(١) يرجع إلى : الكتاب ١ ـ ٤٣٠ / ٢ ـ ٣٠٩ / ٣ ـ ٣٢ / ٤ ـ ٢٣١ / المقتضب ٤ ـ ٣٨٩ / الأصول ١ ـ ٣٤٢ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٣٧٥ / شرح عيون الإعراب ١٧٤ / المفصل ٦٧ / المقتصد فى شرح الإيضاح ٢ ـ ٦٩٩ / شرح الكافية ١ ـ ٢٢٤ / شرح المفصل لابن يعيش ٢ ـ ٧٥ / شرح ألفية ابن معطى ١ ـ ٥٩٢ / شرح الألفية لابن الناظم ٢٨٧ / الإيضاح فى شرح المفصل ١ ـ ٣٩٥ / المنتخب الأكمل فى شرح الجمل ٨٦ مخطوط بجامعة أم القرى ـ مكة المكرمة / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٢٩٤ / عمدة الحافظ ٢٧٠ / التسهيل ١٠١ / المساعد على شرح التسهيل ١ ـ ٥٤٨ / شرح ابن عقيل : ٢ ـ ٢٠٩ / شرح اللمحة البدرية ٢ ـ ٢١٢ / شرح الشذور ٢٦٢ / الصبان على الأشمونى على الألفية ٢ ـ ١٤١ / شرح التصريح ١ ـ ٣٤٦.

(٢) يجعل بعض النحاة عنوانا لهذا الباب (الاستثناء) ذلك نظرا إلى الجانب الدلالى الحدثىّ فى هذا التركيب ، فاستعملوا مصدر الفعل (استثنى). أما النحاة الذين يجعلون عنوان هذا الباب (المستثنى) فإنهم ينظرون إلى جانب الدلالة الواقعة على ما بعد الأداة مع ما وقعت عليه ، فكان لا بدّ من استخدام صيغة اسم المفعول.

١٥٥

مما اتصل به» (١). أو أنه : «المخرج تحقيقا أو تقديرا من مذكور أو متروك بـ (إلا) ، أو ما فى معناها بشرط الفائدة (٢)». فيجمع بذلك بين المستثنى المتصل والمنقطع ، والتامّ والمفرغ ، كما يجمع بين الأداة (إلا) وغيرها مما يستثنى به.

ولو أمعنا النظر فى حقيقة الاستثناء لوجدنا أنه مخالفة استدراكية فى الحكم ؛ لذا فإن الاستثناء هو : إخراج حكم المستثنى من حكم المستثنى منه بأدوات مخصوصة ، هى : (إلا) وما جرى مجراها من أسماء وأفعال وحروف ، وهذا الإخراج يدور مع الحكم ـ إن نفيا وإن إثباتا.

فعندما تقول : شذّبت الأشجار إلا شجرة. فأنت تخرج الحكم الواقع على الشجرة مما دخل فيه مجموع الأشجار من حكم ، فالحكم الأول المخرج منه هو التشذيب ، والحكم الآخر المخرج هو عدم التشذيب ، وهو واقع على شجرة واحدة.

وإذا قلت : ما جاء من الطلاب إلا محمد. فأنت مخرج الحكم الواقع على (محمد) من الحكم الواقع على الطلاب ، والأول حكم منفىّ ، فيكون الثانى حكما مثبتا ، وهو مجىء محمد.

ولو أنك قلت : ما جاء إلا علىّ. فإنك تلمس أن الحكم الواقع على (علىّ) يخالف الحكم المذكور قبل الأداة (إلا) التى استثنى بها ، فما قبلها منفىّ ، وما بعدها مثبت لعلىّ وهو المجىء.

فأنت ترى أن الاستثناء مخالفة استدراكية فى الحكم ، والاستدراك يحقق تضاعف الخبر ؛ لهذا فإن الاستثناء فى الحقيقة إنما هو فى الأفعال ، فهى التى تفيد الحكم.

تنبيه :

إنشاء الاستثناء غير الإخبار بالاستثناء (٣). فإنشاء الاستثناء يكون باستخدام أدوات الاستثناء لإفادة معنى الاستثناء ، فتطبق فى كل منها قواعد التركيب الخاصة بها ، كما يفاد منه المعانى التى نوجهها فى التركيب الاستثنائى.

__________________

(١) المنتخب ٩٦.

(٢) شرح التصريح ١ ـ ٣٤٦.

(٣) ينظر : شرح الجمل للخفاف ١ ـ ١١٢.

١٥٦

لكننا فى الإخبار بالاستثناء نستخدم تركيبا واحدا يدل على إحداث الاستثناء ، فله فاعله ومفعوله ، وفاعله هو المستثنى ، بكسر النون (اسم فاعل) ، ومفعوله هو المستثنى بفتح النون (اسم مفعول). ومثال الإخبار بالاستثناء قول النابغة الذبيانى :

ولا أرى فاعلا فى الناس يشبههه

ولا أحاشى من الأقوام من أحد

حيث الفعل (أحاشى) ـ أى : أستثنى ـ إخبار بالاستثناء لا إنشاء له ، فيأخذ ما بعده الحكم الإعرابى للجملة الفعلية.

ويجوز لك أن تطبق كلّ قواعد التركيب فى الجملة المخبر بها بلفظ الاستثناء دون خضوع لقواعد تركيب الاستثناء ، كالعطف عليها ، واستخدام حروف المعانى المختلفة ، وليس ذلك فى الجملة المنشأ فيها الاستثناء ، فإنها تختص بقواعد تركيب الاستثناء فقط. فيجوز لك أن تقول مخبرا : استثنيت محمدا من الذين خاصمتهم ، تحاشيت قول الزور ، ...

أركان الاستثناء

تختلف التراكيب التى يأتى عليها أسلوب الاستثناء تبعا لما يريده المتحدث من معنى ، ويتحكم فى ذلك ما يتلفظ به المتحدث ، وهو ما يكوّن أسلوب الاستثناء ، ويحدد نوعه ، ويوجّه لذلك إعراب ما يذكر بعد أداة الاستثناء.

وأركان أسلوب الاستثناء هى :

أ ـ المستثنى منه :

هو الاسم الذى يختصّ بالحكم الذى يسبق أداة الاستثناء سبقا ملفوظا به أو مقدّرا سياقيا ، وينقسم أسلوب الاستثناء من جهة المستثنى منه إلى نوعين :

 ـ استثناء تامّ ؛ إن كان المستثنى منه موجودا.

 ـ استثناء ناقص ؛ إن كان المستثنى منه غير موجود.

والاستثناء التامّ يكون غير مفرّغ ، أى : لا يحتاج ما يسبق الأداة إلى ما بعدها ليرفعه أو ينصبه أو يجرّه ، كأن تقول : ألقيت ما فى يدى إلا واحدا ، ولعب جميعهم فى نشاط إلا لاعبين ، واستمعت إلى كلّ الأفكار إلا الأخيرة.

١٥٧

أما الاستثناء الناقص فإنه يكون مفرغا ، حيث يفرغ فيه العامل لما بعد (إلا) ، فلا يشغله ما قبل (إلا) ، وتجد أن ما قبل (إلا) يحتاج إلى مرفوع ، أو منصوب ، أو مجرور ، يتمثل فيما بعد (إلا) من مستثنى ، وتلحظ أنه لا بد من نفى ما قبل (إلا) حتى يستقيم الأسلوب. فالاستثناء المفرغ هو أن يكون ما قبل (إلا) طالبا لما بعدها ، لكونه لم يستوف ما يقتضيه ، فتقول : ما رأيت إلا رجلين ، وما تألّق إلا شاعران ، وما سررت إلا من مجيبين.

وأنت تلمس دلاليا أن الاستثناء المفرغ يعنى نقض الحكم المذكور عن كل ما عدا المستثنى ، مع ملاحظة أن نقض النفى إثبات.

ب ـ الحكم :

هو المعنى الذى يختصّ به المستثنى منه ، كالقراءة فى قولك : ما قرأت إلا درسا ، وكالفهم فى قولك : فهمت كلّ ما قيل إلا الفكرة الأولى ، ويكون حكم ما بعد أداة الاستثناء مخالفا لحكم ما قبلها ، وما سمى الاستثناء استثناء إلا لهذه المخالفة.

والحكم يحتاج إلى محكوم عليه ، والمحكوم عليه هو المستثنى منه ، سواء أكان ملفوظا به ، أم ملحوظا من الكلام ، وكذلك المستثنى المذكور بعد أداة الاستثناء.

ج ـ أدوات الاستثناء :

هى الواسطة التى تربط بين المستثنى والمستثنى منه ، فتحدد العلاقة المعنوية بينهما ، وهى معنى المخالفة فى الحكم ؛ ولهذا فإنها تفيد معنى النفى.

وتنقسم أدوات الاستثناء فى الجملة العربية من حيث البنية الصرفية من جهة أقسام الكلمة إلى أربعة أقسام :

١ ـ حرف : وهو (إلا):

(إلا) حرف أريد به الاستثناء بخاصة فى الجملة العربية ؛ ولذلك فإنه يشتهر به باب الاستثناء ، وهو مع المستثنى بمثابة الاسم الواحد ؛ ولذلك فإن الأسماء من أدوات الاستثناء تأخذ إعراب الاسم الواقع بعد (إلا).

١٥٨

٢ ـ اسم : وهو : غير وسوى (بكسر السين):

هما اسمان ملازمان للإضافة يفيدان معنى الاستثناء السابق توضيحه ، أى :إخراج ما أضيف إليهما مما قبلهما فى الحكم المعنوى ، فيعطيان لذلك معنى المخالفة المعنوية ، سمع فى سوى ضمّ السين ، كما جاء فيها (سواء) بفتح السين وكسرها (١) ، ومن النحاة من يرى أن فى (سوى) وما جاء من مادتها معنى الظرفية ، ويعنون بذلك معنى كلمة (مكان) ، أو (بدل) ، فعندما تقول : قام الجميع سوى محمد ، أى : قام الجميع بدل محمد ، أى : عوضا منه ، فيكون فيها معنى المخالفة.

لكننا نرى أن (سوى) مثل (غير) فى أسلوب الاستثناء معنى وتركيبا ؛ ولذلك فإن النحويين الذين يرون أنها ظرف يجيزون التوسع فيها ، فيجعلونها مثل (غير) ، فإذا أعربت كان إعرابها مثل (غير) (٢).

٣ ـ فعل : وهو : ما خلا ، وما عدا ، وليس ، ولا يكون ، وإلّا أن يكون :

شرط الأولين سبقهما بـ (ما) المصدرية ، فتكون (ما) مع (خلا ، أو عدا) مصدرا مؤوّلا.

٤ ـ متردد بين الفعلية والحرفية : وهو : عدا وخلا وحاشا ، وسمع فيها : حاش وحشا :

وهى كلّها قد تحتسب أفعالا ، كما أنها قد تحتسب حروفا جارة.

والمشهور عن سيبويه أن (حاشا) لا ينصب بها ، وإنما هى حرف جر ، لكن الأخفش والجرمى والمازنى والمبرد وجماعة يذهبون إلى أنها مثل (خلا) ، ينصب بها ، وذكر النصب بها الفراء وأبو زيد الأنصارى والشيبانى. يفصل القول فيها فيما بعد.

د ـ المستثنى :

هو ما يذكر بعد أداة الاستثناء فيخالف ما سبقها فى حكمه ، ويدور فى هذه المخالفة نفيا أو إثباتا ، فالمخالفة بين حكمى المستثنى والمستثنى منه دائرة وقائمة ، ولا

__________________

(١) ينظر : الكتاب ١ ـ ٣١ / المقتضب ٤ ـ ٣٤٩ / الإنصاف ١ ـ ٢٩٥ / شرح المفصل لابن يعيش ٢ ـ ٨٤ / شرح الكافية الشافية ٢ ـ ٧١٦.

(٢) ينظر : شرح الجمل للخفاف ١ ـ ٩٩.

١٥٩

اعتداد بسبق (إلا) مع المستثنى للمستثنى منه ، فالرتبة محفوظة مع هذا الحكم. إذا قلت : كتبت الصفحة إلا سطرين ، فإن المعنى المفهوم هو إثبات الكتابة لما قبل (إلا) وهو الصفحة ، ونفيها عما بعدها وهو (السطران). فإذا قلت : ما كتبت الصفحة إلا سطرين ، فإن المعنى المفهوم هو نفى الكتابة عما قبل (إلا) وهو الصفحة ، وإثباتها لما بعدها ، وهو (السطران). لذلك فإن المخالفة فى الحكم بين المستثنى والمستثنى منه قائمة ـ إن نفيا وإن إثباتا.

ويقسم أسلوب الاستثناء بالنسبة للمستثنى إلى قسمين :

١ ـ استثناء متصل :

وهو ما كان فيه المستثنى بعض المستثنى منه محكوما عليه بنقيض حكمه ، نحو :ما أرى من الرجال إلا واحدا ، فالواحد بعض الرجال ، أو : منهم.

والحكم الذى حكم عليه به مناقض لحكم المستثنى.

٢ ـ استثناء منقطع :

وهو ما لم يكن فيه المستثنى بعض المستثنى منه ، سواء أكان من غير جنسه ، أم كان غير داخل تحت أفراده ، أو ما فقد فيه المستثنى المخالفة فى الحكم لما قبله.

مثال الأول : أقبل الجميع إلا سيارة ، وجاء بنوك إلا ابن محمد ، فابن محمد المستثنى لا يدخل فى أبناء المخاطب.

ومثال الثانى : قوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) [النساء : ٢٩](١). فالمستثنى منه (أموال) منتفى أكله بالباطل ، ثم يستثنى من كل ذلك التجارة فى حلال ، فيفهم من الاستثناء المنقطع المعنى : لكن تجارة عن تراض منكم جائزة ، أو : لكن كون تجارة عن تراض منكم حلالا لكم.

__________________

(١) (لا) حرف نهى جازم مبنى ، لا محل له من الإعراب. (تأكلوا) فعل مضارع مجزوم بعد لا الناهية ، وعلامة جزمه حذف النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. (أموالكم) أموال : مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف ، وضمير المخاطبين مبنى فى محل جر ، مضاف إليه. (بينكم) ظرف مكان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، متعلق بالأكل ، وضمير المخاطبين مبنى فى محل جر ، بالإضافة. (بالباطل) جار ومجرور ، وشبه الجملة فى محل نصب على الحالية. (إلا) حرف

١٦٠