النحو العربي - ج ٣

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٣

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٦٠٨

 ـ يذهب سيبويه إلى أنها معمولة لمحذوف وجوبا يقدر بعد الخبر ، والتقدير :

أحقه ، أو أعرفه ، أو أحقنى ، أو أعرفنى.

 ـ يذهب الزجاج إلى أن العامل هو الخبر بتأوله بمسمّى أو مدعو ، وقد يكون هذا التأول إذا جاء الخبر علما. ويضعف هذا الرأى لاستلزامه المجاز.

 ـ ويذهب آخرون ـ على رأسهم ابن خروف ـ إلى أن العامل هو المبتدأ لتضمنه معنى الانتباه. ويضعف هذا لجواز تقديم الحال على الخبر ـ حينئذ ـ وهو يمتنع لعدم تمام الجملة.

فلا يبقى إلا الأخذ بالرأى الأول.

ثانيا : أقسام الحال من حيث مساحة معناها فى الكلام :

المقصود بالمساحة المعنوية للحال فى الكلام مدى انتقال معناها من صاحب إلى صاحب آخر ، ويقابل ذلك الحال التى ترتبط بصاحبها ارتباطا كلّيا فى أطواره المتتالية.

والحال من هذا الجانب نوعان : حال منتقلة ، وأخرى ثابتة لازمة.

أ ـ الحال المنتقلة :

هى الحال التى تنتقل وتتبدل من صاحب إلى آخر ، حيث تكون مقترنة بالحدث أو ما يشبهه مما هو مقترن بصاحبها ، نحو : جاء محمد راكبا ، حيث (راكبا) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة ، وهى حال من محمد أثناء المجىء ، فهى مقيدة لصاحبها أثناء إحداثه شيئا ما ، وتزول هيئة الصاحب على هذه الحال بزوال الحدث أو ما أشبهه. لذلك تسمى بالحال المقيدة.

ب ـ الحال الملازمة :

أو الحال الثابتة ، وهى نقيض السابقة ، وإن كانت الحال تبين هيئة صاحبها أثناء إحداث حدث ما أو شبهه ، ثم تزول بزواله ، فإن الحال الملازمة تلزم صاحبها ، وتثبت معه ، ولا تزول بزوال ما ذكرت معه من حدث أو شبهه. كأن تقول :

١٢١

دعوت الله سميعا ، حيث (سميعا) حال منصوبة من لفظ الجلالة تعالى ، وهى مبينة للهيئة أثناء الدعاء ، لكن هذه الهيئة أو هذه الصفة لا تزول بزوال الحدث ، وإنما تظلّ ثابتة للخالق تعالى ، ملازمة له.

وفيها مواضع قياسية ، وأمثلة سماعية تذكر بالتفصيل فى هذه الدراسة.

ثالثا : أقسام الحال من حيث القصد بها :

تبنى الحال وتنشأ لتقصد لذاتها ، أو يقصد بها غيرها ، الأولى تكون حالا مقصودة ، والثانية تكون حالا موطئة. فالحال تنقسم من هذا الجانب إلى نوعين : حال مقصودة ، وأخرى موطئة.

أ ـ الحال المقصودة :

هى الحال التى تبنى وتنشأ لتقصد لذاتها ، أى : إن المتحدث إنما أنشأ هذه الحال لتتضامن مع الحدث فى بيان هيئة صاحبها بمعناها ذاته ، فهى المقصودة من إنشاء الحديث ، مثل ما ذكر.

ومن أمثلتها : أبلغت الخبر مبتسما ، حيث (مبتسما) حال منصوبة من الفاعل ضمير المتكلم فى (أبلغت) ، وهى مقصودة من إنشائها فى ذاتها.

ب ـ الحال الموطئة :

وهى الحال الجامدة الموصوفة ، ولا تكون مقصودة لذاتها من إنشائها فى الجملة ، وإنما تذكر توطئة لصفتها التى تذكر بعدها ، فصفتها هى المقصودة ، وهى موطئة لها ، وتسمى الحال المهيئة أو الممهدة ، فإنما تذكر تمهيدا وتهيئة وتوطئة للحال الحقيقية ، وهى صفتها. ومثالها قوله تعالى : (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) قُرْآناً عَرَبِيًّا) [الزمر : ٢٧ ، ٢٨](١). حيث (قرآنا) حال

__________________

(١) فى نصب (قرآن) ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون منصوبا على المدح.

الثانى : أن يكون منصوبا بفعل محذوف تقديره : أعنى ، أو : أذكر.

الثالث : أن يكون حالا موطئة.

النصب على الحالية من القرآن. يرجع إلى : الدر المصون : ٦ ـ ١٣.

١٢٢

من (هذا القرآن) منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة ، لكنها ليست الحال المقصودة ، وإنما المقصود صفتها (عربيّا) ، فالحال الحقيقية (عربيا).

ومثل ذلك أن تقول : جاء محمود رجلا صالحا ، (رجلا) حال من (محمود) ، لكن المقصود صفتها (صالحا) ، ويمكن أن تسمى هذه الحال المؤكدة ، حيث إن الحال فى هذا التركيب وهو اسم جامد يؤكد صاحب الحال قبلها.

فى قوله تعالى : (قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [البقرة : ١٣٣]. (إلها) يمكن أن تعرب حالا منصوبة ، وتكون حالا موطئة ، حيث المقصود بالحال ـ معنويّا ـ الصفة المنصوبة (واحدا) ، ويجوز أن تعربها على البدلية من (إله) السابقة.

ومن الحال الموطئة القول : رأيتك رجلا صالحا. حيث (رجلا) حال منصوبة من ضمير المخاطب الكاف فى (رأيتك) ، وهى حال موطئة لمعنى الصفة (صالحا) ، فهى المقصودة معنويا.

رابعا : أقسام الحال من حيث مرفوعها :

المقصود بالمرفوع ما يكمن فى الحال من ضمير رفع ، أو ما يوجد معها من اسم ظاهر ، حيث إن الحال وصف مشتق ، والوصف المشتق يتضمن الصفة وما تقع عليه.

والحال تنقسم من هذا الجانب إلى قسمين : حال حقيقية ، وأخرى سببية.

أ ـ الحال الحقيقية :

يجب أن تعود الحال على صاحبها ، ويكون ذلك من خلال تضمنها ـ وهى صفة مشتقة ـ ضميرا يربطها به ، فإذا تضمنت الحال هذا الضمير تضمنا ظاهرا أو متأولا فإنها تكون حالا حقيقية ، ونلحظ أن الضمير المتضمن فى الحالتين ضمير مستتر.

١٢٣

مثالها : فهمت الدرس مشروحا. فـ (مشروحا) حال منصوبة من الدرس ، وهى تتضمن ضميرا يعود عليه تقديره (هو). فهو تضمّن ظاهر.

أما تضمن الحال للضمير تضمنا متأولا فإنه يظهر فى الحال إذا كانت مصدرا أو اسما جامدا ، نحو قوله تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة ٢٧٤](١). حيث (سرا وعلانية) حالان من الفاعل واو الجماعة فى (ينفقون) ، وهما مصدران يؤولان بالمشتق ، تقديرهما : مسرين ، ومعلنين ، فتضمن الضمير هنا تضمن متأوّل.

ومنها قوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [الفجر : ٢٢] ، حيث (صفا صفا) حال بعد حال من الفاعل (ربك) وما عطف عليه (الملك) ، والحالان اسمان جامدان لكنهما يؤولان بصفة مشتقة. والتقدير : مصطفين. وفيهما الضمير الذى يعود على صاحب الحال وتقديره : هم ، فالتضمن هنا متأول.

__________________

(١) (الذين) : اسم موصول مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (ينفقون) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. (أموالهم) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وضمير الغائبين مبنى فى محل جر بالإضافة إلى أموال. (بالليل) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالإنفاق. (والنهار) حرف عطف مبنى ، ومعطوف على الليل مجرور. (سرا) مصدر واقع موقع الحال من واو الجماعة منصوبة وعلامة نصبها الفتحة. (وعلانية) حرف عطف مبنى ، ومعطوف على (سرا) منصوب. (فلهم) الفاء واقعة فى خبر المبتدإ للتوكيد وربط الخبر به ، وكل مبتدإ دل على اسم عام أو مبهم أو كان فيه معنى الشرط ، فلك أن تجعل خبره مقرونا بالفاء. (لهم) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل رفع خبر مقدم.

(أجرهم) مبتدأ مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائبين مبنى فى محل جر بالإضافة إلى أجر ، والجملة الاسمية المقرونة بالفاء فى محل رفع خبر الاسم الموصول. (عند) ظرف مكان منصوب وعلامة نصبه الفتحة ، متعلق بالأجر ، أو فى محل نصب حال منه. (ربهم) مضاف إلى عند مجرور وعلامة جره الكسرة ، وضمير الغائبين مضاف إلى رب فى محل جر. (ولا) الواو حرف عطف جملة على جملة مبنى ، لا : حرف نفى مبنى. (خوف) مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة. (عليهم) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل رفع خبر المبتدإ ، والجملة الاسمية معطوفة على جملة خبر الاسم الموصول فى محل رفع. (ولا) الواو حرف عطف ، لا : حرف نفى مبنى. (هم) ضمير مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (يحزنون) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدإ (هم) ، والجملة الاسمية فى محل رفع بالعطف على خبر الاسم الموصول.

١٢٤

ومنه قوله تعالى : (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف : ٥٦]. حيث (خوفا وطمعا) حالان منصوبتان من الفاعل واو الجماعة فى (ادعوه) ، وهما مصدران يؤولان بمشتقّ تقديره : خائفين وطامعين ، فيتضمنان ضميرا عن طريق التأول.

ومنه قوله تعالى : (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ) [إبراهيم : ٣١](١). حيث (سرا وعلانية) حالان منصوبتان من الفاعل واو الجماعة فى (ينفقوا) (٢).

ب ـ الحال السببية :

هى الحال التى لا تتضمن ضميرا تضمنا ظاهرا أو متأولا فترفعه ، وإنما ترفع اسما ظاهرا يكون منتميا إلى صاحب الحال انتماء جزئيّا أو سببيّا ، ويجب أن يضاف إلى ضمير عائد إلى صاحب الحال ، وبه ترتبط الحال بصاحبها.

مثالها : قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) [الأنعام : ١٤١](٣). حيث (مختلفا) حال منصوبة من (الزرع) ، لكنها ترفع اسما ينتمى إلى الزرع ، وهو (أكل) ، وهو مضاف إلى ضمير الزرع ، وهو فاعل لاسم الفاعل (مختلفا) مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

__________________

(١) (يقيموا) فعل مضارع مجزوم فى جواب الطلب ، أو جواب شرط محذوف ، وعلامة جزمه حذف النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع فاعل. وقد يكون جزم الفعل المضارع (يقيموا) على تقدير لام الأمر محذوفة ، والتقدير : ليقيموا ، أو على تقدير أمر محذوف : قل أقيموا يقيموا. أو : إن تقل أقيموا يقيموا. (أن يأتى يوم) مصدر مؤول فى محل جر بالإضافة إلى قبل. (لا بيع فيه) جملة فى محل رفع صفة ليوم.

(٢) فى نصب (سرا وعلانية) ثلاثة أوجه :

الأول : على الحالية بتقدير : مسرين ومعلنين ، أو : ذوى سر وعلانية ، أو سرا وعلانية على أنها مصدران واقعان موقع الحال.

الثانى : على المصدرية بتقدير : يسرون سرا ويعلنون علانية.

الثالث : علي النيابة عن المفعول المطلق ، بتقدير : رزقا سرا.

(٣) (الذى) اسم موصول مبنى فى محل رفع خبر المبتدإ (هو). (غير) معطوف على معروشات منصوب وعلامة نصبه الفتحة.

١٢٥

ومنه أن تقول : أكرمت الطالب فاهما درسه ، وقدرت الفتاة كريما خلقها ، حيث الحال (فاهما) من الفاعل (الطالب) تنصب المفعول به (درس) المضاف إلى ضمير صاحب الحال ، وكذلك الحال (كريما) ترفع (خلق) المضاف إلى ضمير صاحب الحال (الفتاة).

وتقول : كافأت الطلاب مرتفعة درجاتهم ـ أنشأت الباب واسعا مدخله.

ومنه قول الشاعر :

إنما الميت من يعيش كئيبا

كاسفا باله قليل الرجاء (١)

وموضع الشاهد الحال المنصوبة (كاسفا) ، حيث رفعت الفاعل (بال) المضاف إلى الضمير العائد على صاحب الحال (الميت) ، فهى حال سببية.

خامسا : أقسام الحال من حيث زمنها :

يقوم هذا القسم من الحال على ارتباط الحال بالحدث العامل فيها زمنيّا مع صاحبها ، وهى تجرى فى هذا الجانب على ما يقسم إليه الزمن من المضىّ والحالى والاستقبالى ، لذلك فإن الحال بهذا النظر تأتى فى ثلاثة أنواع : مقارنة ، ومقدرة ، ومحكية.

أ ـ الحال المقارنة :

وتسمى الحالية ، والمقصود بها الحال المقارنة لحدوث حدثها ، فهى الحال التى تبين هيئة صاحبها أثناء حدوث الحدث القائم فى الجملة ، فالزمن رابط بين الحدث مع صاحب الحال والحال ؛ لذا كانت هذه الحال هى الغالبة من أنواع الحال ؛ لأن الحال تقترن زمانا بعاملها مع صاحبها.

__________________

(١) (إنما) حرف حصر وقصر مبنى لا محل له من الإعراب. (الميت) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعها لضمة.

(من) اسم موصول مبنى فى محل رفع ، خبر المبتدإ. (يعيش) جملة فعلية صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب. (كئيبا) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة. (كاسفا) حال ثانية منصوبة. (باله) فاعل لكاسف مرفوع وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة. (قليل) حال ثالثة منصوبة. (الرجاء) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

١٢٦

ومثالها : أتأمل الكون مؤمنا بقدرة الله ، فـ (مؤمنا) حال منصوبة من الفاعل ضمير المتكلم المستتر فى (أتكلم) ، وتقديره (أنا) ، وتلحظ الاقتران الزمنى بين الحال والحدث (التأمل) الحادث من صاحبها.

فى قوله تعالى : (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ) [القصص : ٢١]. حيث (خائفا) والجملة الفعلية (يترقب) حالان من الفاعل الضمير المستتر فى (خرج) ، وهى حال مقارنة دون النظر إلى زمن عاملها وزمنها فى الماضى ؛ لأن النظرة تكون إلى الاقتران الزمنىّ بين الحال وعاملها مع صاحبها ، وزمن الاثنين فى الماضى ، وهما مقترنان زمنيا.

ب ـ الحال المقدرة :

وتسمى المستقبلة أو المنتظرة أو المترقّبة ، والمقصود بها الحال التى ينتظر زمنها ، أو يستقبل بالنسبة لزمن عاملها مع صاحبها ، فهى حال مترقّبة بالنسبة لعاملها ، تتضح هذه الحال فى قوله تعالى : (وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ) [الزمر : ٧٣]. (خالدين) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الياء. وصاحبها الفاعل واو الجماعة فى (ادخلوها) ، والعامل فعل الأمر (ادخل) ، والحال هنا مقدرة ، حيث زمنها مستقبل بالنسبة إلى زمن عاملها مع صاحبها ؛ لأن الخلود ـ وهو معنى الحال ـ يأتى بعد دخول الجنة.

ومثل ذلك فى القرآن الكريم مواضع كثيرة منها :

(قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) [الزمر : ٧٢].

(وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) [إبراهيم : ٢٣].

(فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) [النحل : ٢٩].

(لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) [الفتح : ٥].

١٢٧

(وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) [الصافات : ١١١] ، حيث (نبيّا) حال منصوبة من (إسحاق) ، والعامل (بشّر) ، وأنت تلحظ أن زمن الحال ، وهو زمن النبوة ، يكون بعد زمن العامل مع صاحبه ، وهو زمن التبشير.

ومن ذلك أن تقول : ابر هذه الخشبة قلما ، ابن هذا المكان بيتا ، خط هذا الثّوب قميصا. كلّ من (قلما ، بيتا ، قميصا) حال منصوبة ، وزمنها يكون بعد زمن العامل (ابر ـ ابن ـ خط) ، فهى أحوال مقدرة.

ويجوز أن يكون منه قوله تعالى : (وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً) [الأعراف : ٧٤].

حيث (بيوتا) حال من المفعول به (الجبال) ، وهى حال مقدرة (١).

ج ـ الحال المحكية :

هى الحال التى لا يتفق زمنها مع زمن عاملها وصاحبها ، كما هو الحال فى المقدرة ، إلا أن المقدرة يكون زمنها فى المستقبل بالنسبة لزمن العامل ، أما المحكية فإن زمنها يكون فى الماضى بالنسبة لزمن عاملها ، لذلك سمّوها محكية.

ومثالها أن تقول : وقد صادفوا الناس وقد انتظموا معانى الحب والوفاء. فالجملة الفعلية «وقد انتظموا» فى محل نصب ، حال من (الناس) ، والعامل فيها : (قد صادفوا) ، وتلحظ أن زمن انتظام معانى الحب والوفاء قبل زمن مصادفتهم للناس ، فزمن العامل بعد زمن الحال.

ومنها أن تقول : أعرض عليه القضية وقد حكم فيها. الجملة الفعلية (وقد حكم) فى محل نصب ، حال من (القضية) ، أو من ضمير الغائب فى (عليه) ، وزمنها يسبق زمن العامل فيها ، وهو (أعرض).

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ٥ ـ ٩٤ / الدر المصون ٣ ـ ٢٩٣.

فى إعراب هذه الآية أوجه :

 ـ أن تكون الجبال منصوبة على نزع الخافض ، أى : من الجبال ، فتكون (بيوتا) مفعولا به.

 ـ أن يضمن (تنحتون) معنى الفعل المتعدى إلى مفعولين ، أى : تتخذون ، أو تصيرون ، فيكون كلّ من الجبال وبيوت مفعولا به ، والتقدير : تتخذون الجبال بيوتا.

 ـ أن يكون (الجبال) هو المفعول به.

١٢٨

سادسا : أقسام الحال من حيث موقعية صاحبها :

لابدّ للحال من صاحب له موقع فى الجملة تبين هيئته أثناء جريان حدث ما ، أو تؤكد علاقة معنيين يرتبطان من خلال إنشاء جملة اسمية ، والحال تنقسم من هذا الجانب إلى أنواع :

أ ـ الحال من الفاعل :

هى الحال التى تبين هيئة الفاعل أثناء إحداثه العامل فى الحال ، نحو : أقبل على الإجابة واثقا بنفسه. (واثقا) حال منصوبة من الفاعل الضمير المستتر فى (أقبل).

رفع محمد وعلى الثقل مشتركين. (مشتركين) حال منصوبة من الفاعل والمعطوف عليه (محمد وعلى).

أنهى اللاعبون المباراة ولياقتهم عالية. الجملة الاسمية (ولياقتهم عالية) فى محلّ نصب ، حال من الفاعل (اللاعبون).

ب ـ الحال من المفعول به :

هى الحال التى تبين هيئة المفعول به أثناء جريان الفعل العامل فى الحال عليه ، نحو : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) [الفتح : ٨]. كل من (شاهدا ، ومبشرا ، ونذيرا) حال منصوبة من المفعول به كاف المخاطب فى (أرسلناك).

(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) [الروم : ٤٦]. (مبشرات) حال منصوبة من المفعول به (الرياح).

ألزمتهما البيع متضامنين. (متضامنين) حال منصوبة من المفعول به ضمير الغائبين فى (ألزمتهما).

ويجوز أن يكون منه قوله تعالى فى أحد الأوجه الإعرابية : (وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً) [الأعراف : ٧٤] ، حيث (بيوتا) حال مقدرة منصوبة من المفعول به (الجبال) ، وإن كانت الحال جامدة فهى بمعنى المشتقة ، والتقدير : مسكونة.

١٢٩

ج ـ الحال من الفاعل والمفعول به معا :

قد تبين الحال هيئة الفاعل والمفعول به معا أثناء جريان الحدث العامل فيها ، والجارى من الفاعل ، وعلى المفعول به. وهى ـ حينئذ ـ تدل على أكثر من واحد ، نحو : قابل علىّ محمودا مبتسمين. (مبتسمين) حال منصوبة من الفاعل (على) والمفعول به (محمودا) معا.

ويمكن أن يكون مثالا لذلك قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) [الأنفال : ١٥]. حيث (زحفا) مصدر واقع موقع الحال يصح أن يكون من الفاعل ضمير المخاطبين فى (لقيتم) ، ومن المفعول به الاسم الموصول (الذين كفروا) ، بتضامنهما معا ، حيث إن كلّا منهما يزحف إلى الآخر (١).

وقد يكون لكلّ من الفاعل والمفعول به حال خاصة به تفترق عن الأخرى ، لكن الحالين تشتركان فى الحدث ، فتقول : رأت هند معجبة عليّا مارّا بمنزلها.

ملحوظة : فى قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) [الأعراف : ٥٧]. نجد أن المصدر المنصوب (بشرا) يحتمل أن يكون فى موضع الحال من الفاعل الضمير المستتر فى (يرسل) ، ويحتمل أن يكون فى موضع الحال من المفعول به (الرياح).

د ـ الحال من الفاعل والمفعول معه معا :

من أمثلة بعض النحاة (٢) : «جئتك أنا وزيدا راكبين». حيث (راكبين) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الياء ؛ لأنها دالة على مثنى ، وصاحبها الفاعل ضمير المتكلم فى (جئتك) ، والمفعول معه المنصوب (زيدا) معا.

ومنه أرى أنه يمكن أن نأتى بالحال من المفعول معه ، إذ يصح القول : ذهبت أنا ومحمدا محمولا ، حيث (محمولا) حال من المفعول معه (محمد).

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ٥ ـ ٢٩٢.

(٢) شرح القمولى ١ ـ ١٩٠.

١٣٠

ه ـ الحال من المجرور :

قد يكون صاحب الحال مجرورا ، سواء أكان مجرورا بحرف الجر ، أم أكان بالإضافة بشروط.

من أمثلة صاحب الحال المجرور بحرف الجر قوله تعالى : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) [الصافات : ١١٢]. حيث (نبيا) حال منصوبة من الاسم المجرور (إسحاق).

وقوله تعالى : (وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ) [المائدة : ٤٦]. (مصدقا) حال منصوبة من المجرور (عيسى) ، والجارّ (الباء).

ومنه قول الشاعر (سويد بن خذاق) :

إذا المرء أعيته المروءة ناشئا

فمطلبها كهلا عليه شديد (١)

حيث (كهلا) حال منصوبة من الضمير المجرور فى (عليه).

 ـ أما الحال من الاسم المجرور بالإضافة فإنه لا يجوز أن تأتى الحال من المضاف إليه ؛ لأن العامل فى الحال يكون غير العامل فى صاحبها ـ حينئذ ـ وهذا ممتنع ، حيث ذكرنا من قبل أن الحال يجب أن تتضمن صاحبها ، فيجب أن يكون العامل فيهما واحدا.

لكنه يجوز أن تأتى الحال من المضاف إليه فى المواضع الآتية :

١ ـ أن يكون المضاف بعض المضاف إليه ، نحو قوله تعالى : (وَنَزَعْنا ما فِي)

(صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً) [الحجر : ٤٧]. (إخوانا) حال منصوبة من ضمير الغائبين فى (صدورهم) ، و (صدور) المضاف بعض (هم) ضمير الغائبين المضاف إليه.

ومنه أيضا قوله تعالى : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) [الحجرات : ١٢].

(ميتا) حال منصوبة من (أخ) ، وهو مضاف إليه ، واللحم بعض من الأخ. ومن النحاة من يرى أن (ميتا) منصوب بفعل محذوف ، تقديره : أمدح (٢).

__________________

(١) الصبانى على الأشمونى ٢ ـ ١٧٨.

(٢) البحر المحيط ٦ ـ ٤٨٩.

١٣١

ومنه : أعجبنى وجهها مسفرة ، وقول النابغة الجعدى :

كأنّ حواميه مدبرا

خضبن وإن لم تكن تخضب

(مدبرا) حال من المضاف إليه ضمير الغائب فى (حواميه) ، وتلحظ أن المضاف بعض المضاف إليه ، حيث الحوامى جمع حامية ، وهى ما فوق الحافر.

٢ ـ أن يكون المضاف كبعض من المضاف إليه ، وذلك إذا صحّ الاستغناء عنه بالمضاف إليه ، ومنه : قوله تعالى : (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [النحل : ١٢٣]. حيث (حنيفا) حال منصوبة من (إبراهيم) ، وهو مضاف إليه ، والملة كجزء أو كبعض من (إبراهيم) ، ولذلك يصحّ الاستغناء عنها به ، فيمكن القول : اتبع إبراهيم حنيفا. ومن النحاة من يرى أن (حنيفا) حال من (ملة) ، وهى بمعنى الدين ، فذكّر الحال لذلك (١).

ومن ذلك قوله تعالى : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) [الحجر : ٦٦]. (مصبحين) حال منصوبة من اسم الإشارة (هؤلاء) ، وهو مضاف إليه ، الذى يصح الاستغناء عنه به.

ومن النحاة من يرى أن (مصبحين) حال من الضمير المستكن فى مقطوع (٢).

٣ ـ أن يكون المضاف اسما عاملا فى الحال ، وذلك بأن يكون المضاف صفة مشتقة عاملة أو مصدرا ، ويكون هو العامل فى الحال ، نحو : أعجبتنى كتابتك دقيقا ، حيث (دقيقا) حال منصوبة من ضمير المخاطب المضاف إليه ، والعامل فيها المصدر المضاف.

ومنه أن تقول : سررت من قراءتك ضابطا ، أعجبنى انطلاقك منفردا. ومنه :هذا شارب السّويق ملتوتا ، حيث (ملتوتا) حال منصوبة من (السويق) ، وصاحب الحال مجرور بالإضافة إلى (شارب) ، والمضاف اسم فاعل عامل فى الحال.

__________________

(١) البحر المحيط ٦ ـ ٦١١.

(٢) البحر المحيط ٦ ـ ٤٨٩.

١٣٢

وقوله تعالى : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) [يونس : ٤]. (جميعا) حال من ضمير المخاطبين فى (مرجعكم) ، وصاحب الحال مجرور بالإضافة ، وهو عامل فى الحال.

ومنه قوله تعالى : (قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها) [الأنعام : ١٢٨]. حيث (خالدين) حال من ضمير المخاطبين المضاف إليه ، والعامل فيها (مثوى) ؛ لأنه مصدر ميمى ، أى : مقام ، مصدرا لا اسم مكان.

ومنه : أعجبنى ركوب الفرس مسرجا ، وقيام زيد مسرعا (١).

و ـ الحال من الفاعل والمجرور معا :

قد تأتى الحال من الفاعل والمجرور معا ، أى : إن الحال تبين هيئة الفاعل مع هيئة المجرور أثناء جريان الحدث العامل فيها ، نحو : فرح علىّ بمحمد صديقين ، حيث (صديقين) حال منصوبة تبين هيئة الفاعل (على) مع هيئة المجرور (محمد) أثناء إحداث الإعجاب.

أعطى محمد الكتاب إلى علىّ مبتسمين ، حيث (مبتسمين) حال من الفاعل (محمد) ، والمجرور (على).

هذا إلى جانب ما يمكن أن يكون لكلّ من الفاعل والمجرور حال خاصة المعنى ، لكن الاشتراك فى العامل فيهما ، حيث يقال : مرّ محمود سريعا بسمير واقفا.

ز ـ الحال من المفعول به والمجرور معا :

قد تبنى الحال لتبين هيئة المفعول به والمجرور معا أثناء حدوث الفعل ، سواء أكانت الحالان متحدتى اللفظ والمعنى ، أم مختلفتين فى اللفظ والمعنى ، فتقول : تسلّم الشرطىّ الجانى مع المجنىّ عليه مقيدين ، حيث (مقيدين) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الياء ؛ لأنها مثنى ، وهى حال من المفعول به (الجانى) ، والمجرور (المجنى عليه).

__________________

(١) البحر المحيط ٩٦ ـ ٥٢٠.

١٣٣

رأيت فى الحجرة مضاءة محمدا يذاكر ، حيث (مضاءة) حال من المجرور (الحجرة) ، والجملة الفعلية (يذاكر) حال من المفعول به (محمدا) ، والحالان مشتركتان فى حدث واحد.

ح ـ الحال من المبتدإ :

اختلف النحاة فيما بينهم فى جواز مجىء الحال من المبتدإ ، ففى قوله تعالى :

(وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً) [الأحقاف : ١٢]. نجد أن (إماما ورحمة) حالان منصوبتان ، ولا جدال فى أنهما حالان من (كتاب) ، لكن بحث النحاة عن العامل فى الحالين يجعل صاحبهما ضميرا يعود على الكتاب ، حيث يقدرون العامل ما عمل فى شبه الجملة (من قبله) ، وهنا إن عدّ استقرارا التبس الفاعل بالمبتدإ ، فيكون التقدير : واستقر من قبله كتاب موسى إماما ورحمة ، وإن قدّر بـ (كان) فيكون التقدير : وكتاب موسى كان من قبل القرآن فى حال كونه إماما (١).

وفى كلّ تقدير تكون الحالان من ضمير (كتاب موسى) ، ولا يوجد أمامنا إلا (كتاب موسى) دون ضميره ، فالحالان الظاهرتان من المبتدإ الظاهر الموجود.

ومثله قوله تعالى : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ) [غافر : ١٨]. حيث (كاظمين) حال منصوبة من القلوب ، وجمعت جمع مذكر سالما ؛ لأنه لما أسند إليها ما أسند إلى العقلاء جمعت جمعهم (٢) ، لكن اختلافهم فى صاحب الحال ينحصر فى كونه :

 ـ الضمير المستكن فى العامل المحذوف فى شبه الجملة الخبر (لدى الحناجر).

 ـ القلوب.

 ـ أصحاب القلوب على المعنى.

 ـ ما أبدل منه القلوب ، أو ما أضيف إليه ، والمراد : قلوب الناس.

 ـ ضمير الغائبين فى (أنذرهم) ، وهى فى هذا التقدير حال مقدرة.

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ٩ ـ ٤٣٨ / الدر المصون ٦ ـ ١٣٧.

(٢) ينظر : البحر المحيط ٩ ـ ٢٤٦ / الدر المصون ٦ ـ ٣٥.

١٣٤

لكن كثيرا من النحاة جوّزوا مجىء الحال من المبتدإ إذا كان فيه فائدة ، ويكون ذلك إذا دخله التنبيه والتعريف ، كأن تقول : هو زيد منطلقا فى حاجتك ، وأنا زيد منطلقا فى حاجتك. لكنهم يمنعون القول : زيد منطلقا فى حاجتك ، حيث لم يكن فيه تنبيه ولا تعريف (١).

لكننا إذا أمعنّا النظر فى تركيب الجملة الاسمية فإننا نجد أن المبتدأ فيها يجب أن يخبر عنه بخبر ، والخبر واحد من الصفة المشتقة ، وفيها معنى الفعل ، أو المصدر الذى يؤول بمشتق ، وفيه ـ كذلك ـ معنى الفعل ، أو هو هو المبتدأ ، فيقوى المبتدأ بتكرار ذاته فى الخبر أو شبه جملة أو جملة وفيهما الفعل أو ما يشبهه ، إذا أدركنا ذلك ؛ فلماذا نشكّ فى مجىء الحال من المبتدإ ، ونحن نلمس أنه لا بدّ له من الإخبار عنه بواحد مما سبق أو غيره؟!.

وأذكر ـ هنا ـ بما ذكره النحاة من مجىء الحال المؤكدة من جملة اسمية المبتدأ فيها والخبر اسمان جامدان ، نحو : هو علىّ شجاعا بطلا مغوارا ...

ومن قبيل مجىء الحال من المبتدإ مجيئها مما أصله المبتدأ ، من نحو : اسم (إنّ) ، أو اسم (كان) أو غير ذلك. ففى قوله تعالى : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [القلم : ٣٤] ، شبه الجملة (عند ربهم) فى محل نصب على الحالية من اسم (إن) المؤخر (جنات النعيم) ، أو أن يكون ظرفا للعامل فى شبه الجملة الخبر المقدم (للمتقين) (٢).

ط ـ الحال من الخبر :

قد تكون الحال مبينة لهيئة الخبر أثناء قرنه بالمبتدإ ، كما هو فى قوله تعالى :(هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) [الأعراف : ٧٣]. حيث (آية) حال من الخبر (ناقة الله) ، وإن كانوا يختلفون فى العامل فى الحال هنا بين اسم الإشارة ، ومعنى التنبيه ، وعامل مضمر تقديره : انظروا إليها ....

__________________

(١) ينظر : الكتاب ٢ ـ ٧٨ ـ ٨١ / شرح القمولى ١ ـ ١٩١.

(٢) ينظر : إملاء ما من به الرحمن ٢ ـ ٢٦٧ / الدر المصون ٦ ـ ٣٥٧.

١٣٥

وقد تأتى الحال مبينة لهيئة ما أصله خبر المبتدإ ، أى : ما كان خبرا للأحرف الناسخة أو الأفعال الناسخة ، وذلك أثناء قرنه بما أصله المبتدأ وهو اسم هذه الأحرف ، أو هذه الأفعال. من ذلك قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [الصف : ٦](١). حيث كلّ من (مصدقا) و (مبشرا) حال منصوبة من (رسول) ، و (رسول) خبر (إن) مرفوع.

 ـ ويجوز أن تكون حالا مؤكدة (٢) ، والعامل فيها (رسول) ، أو ما دل عليه الكلام.

 ـ وهناك من يجعلها حالا من (عيسى) (٣).

 ـ وهناك من يجعلها حالا دون ذكر صاحبها (٤).

 ـ لكنه ـ من الأرجح ـ أن تكون حالا من (رسول) ، لدواع صناعية لفظية ، وأخرى معنوية.

فمن حيث المعنى يرجح ربط التصديق بالرسالة ، وذلك أظهر من ربط التصديق بعيسى ـ عليه السّلام ـ أما من حيث الصنعة واللفظ فإن (مصدقا) فيها ما يدل على المتكلم ، وهو ما يتعلق بها من قوله (لما بين يدىّ) ، و (عيسى) للغائب ، ويوجد بعده ما يدل على التكلم ، وهو (إنى رسول) ، كما أننا لو جعلناها حالا مؤكدة فهى إما مؤكدة لمضمون الجملة (إنى رسول) ، والخبر (رسول) غير جامد ، وإما مؤكدة للعامل ، وهما يختلفان معنى إذا جعلنا العامل رسولا ، وإما مؤكدة لصاحبها ، وهو إما ضمير المتكلم (اسم إن) فى (إنى) ، وإما الخبر (رسول). ومن

__________________

(١) الجملة الفعلية (يأتى) والجملة الاسمية (اسمه أحمد) فى محل جر نعت لرسول ، حيث إنه نكرة ، ويجوز أن تجعل الثانية حالا من النكرة (رسول) لأنها وصفت بالجملة الفعلية ، ويجوز أن تجعلها حالا من الفاعل الضمير المستتر فى يأتى.

(٢) ينظر : التبيان فى إعراب القرآن ٢ ـ ١٢٢.

(٣) ينظر : مشكل إعراب القرآن ٢ ـ ٣٧٤.

(٤) ينظر : إعراب القرآن للنحاس ٤ ـ ١٢٠ / البحر المحيط ١٠ ـ ١٦٥.

١٣٦

حيث الأول تكون مؤكدة لما هو مبتدأ ، ونجعل العامل رسولا ، ومن حيث الثانى تكون مؤكدة للخبر ، ويكون العامل ما فيه معنى الفعل من لفظ التوكيد ، أو غير ذلك.

لذا يرجح أن تكون حالا من الخبر (رسول) ، سواء أجعلتها حالا مؤكدة ، أم حالا مبينة ، وهو الأرجح عندى ، وفى رأيى ـ كذلك ـ أن نجعلها حالا مؤكدة لمضمون الجملة السابقة عليها ، وهى (إنى رسول الله) ، باحتساب (رسول الله) اسما جامدا.

ى ـ الحال من المبتدإ والخبر معا :

قد تأتى الحال مبينة لهيئة قرن الخبر بالمبتدإ ، وقرنهما معا يتمثل فى الحكم الكامن فى الخبر والمسند إلى المبتدإ ، أو المخبر به عن المبتدإ ، فتأتى الحال لتبين هيئة هذا الاقتران ، وهذه الهيئة تكمن فى معنى الحال ، وفى هذا التركيب يكون ركنا الجملة الاسمية اسمين جامدين ، فأقول : هو محمد كريما ، حيث أخبرت عن الغائب المتحدث عنه أنه محمد ، ثم بينت هيئة هذا الاقتران بأنه فى حال كرم.

ومثل ذلك أن تقول : أنا خالد بطلا شجاعا ، وهو أخوك عبد الله رحيما.

ولك أن تقول : إنه محمود عالما. هو أبوك عطوفا ، إنه أخوك مناضلا ، وهذه هى الحال المؤكدة لمضمون الجملة.

ك ـ الحال من الفعل :

يذكر السهيلى : «نعنى بالحال صفة الفاعل التى فيها ضميره ، أو صفة المفعول ، أو صفة المصدر الذى عمل فيها ... ثم يذكر : وإذا قلت : جاء زيد مشيا ، عمل فيه أيضا ، لا من حيث كان صفة لزيد ؛ لأنه لا ضمير فيه يعود على زيد ، ولكن من حيث كان صفة للمصدر الذى هو المجىء ، فيعمل فيه (جاء) كما يعمل فى المصدر» (١).

__________________

(١) نتائج الفكر ٣٩٤ ، ٣٩٥.

١٣٧

مما سبق نلحظ أن الحال قد تأتى مبينة لهيئة الحدث الذى فى الفعل العامل فيها ، ويشترط فيها ـ حينئذ ـ أن تكون مصدرا لا غير ، حيث إن الحال تكون صفة ، وذكر السهيلى فى موصوف الحال أن يكون فاعلا أو مفعولا أو مصدرا ، وموصوف الحال يكون أكثر من ذلك ، لكن الذى يعنينا من قوله أن الحال قد تكون صفة للمصدر ، ويقصد بالمصدر الحدث الكامن فى الفعل ، وأذكر أن الفعل يتضمن الحدث وزمنه.

فيقال : جاء محمود ركضا ، حيث (ركضا) حال منصوبة تبين هيئة المجىء المسند إلى محمود ، والنحاة يؤولون المصدر هنا بصفة مشتقة ، حتى تشمل الصفة وصاحبها ، فتتضمن الحال لذلك ـ الصفة وموصوفها ، وتقديره فى المثل : راكضا ، لكننا إذا رأينا أن الحال قد تبين هيئة الحدث الموجود فى فعل الجملة بمفرده فإننا لا نحتاج إلى تأويل ، ونجعل المصدر حالا من المصدر الكامن فى الفعل ، أو من الفعل على سبيل المجاز.

ولا يستطيع النحاة أن يتجاوزوا مجىء الحال مصدرا من طريق السماع ، ومن طريق القياس ، والقول فى هذا مفصّل فى موضعه.

ومن أمثلة ذلك سماعا : كلمته مشافهة ، ولقيته فجاءة وفجأة ، وكفاحا ومكافحة ، وأتيته ركضا وعدوا ومشيا ... إلخ.

أما ما جاء من ذلك عن طريق القياس فهو على مثال قولك : هو الرجل شهامة ، إنه البارودى شعرا ، أما أدبا فمؤدب.

سابعا : أقسام الحال من حيث الاشتقاق والجمود :

تنقسم الحال من حيث تصنيفها تحت المشتق والجامد إلى نوعين : الحال المشتقة ، والحال الجامدة.

أ ـ الحال المشتقة :

وهو أصل مبنى الحال ، حيث يجب أن تتضمن الحال موصوفها وصفته منصوبة لتبين هيئة وترتبط به ، مثال ذلك : نظرت إليه مترقّبا ، (مترقبا) حال منصوبة من الفاعل ضمير المتكلم (التاء) فى (نظرت) ، وهى صفة مشتقة اسم فاعل ، والحال

١٣٨

المشتقة تكون اسم فاعل ، أو اسم مفعول ، أو صيغة مبالغة ، أو صفة مشبهة ، أو اسم تفضيل.

ب ـ الحال الجامدة :

قد تأتى الحال جامدة من ثلاث طرق :

الأولى : أن تأتى مصدرا عن طريق السماع ، كما ذكرنا ـ سابقا ـ من مجىء الحال مصدرا ، كما فى القول : أخذت ذلك عنه سماعا أو سمعا ، لقيته عيانا ، أتيته عدوا ... إلخ.

الثانية : أن تأتى مصدرا عن طريق القياس ، كما إذا قلت : أنت الحكيم رأيا ، هو الرجل تصرفا ، إنه قسّ بلاغة ، والمتنبى شعرا ، أما أدبا فمؤدب ، وأما جهلا فجاهل.

الثالثة : أن تأتى اسما جامدا غير مصدر فى مواضع قياسية ، من نحو : يبدو طفلا فى سلوكه ، قسم عليهم المال أرباعا ، قاله رأيا عاقلا ، شرحت الموضوع فكرة فكرة ، محمد علما أحسن منه أدبا ، إنه خاتمك حديدا ، وهى ملابسك قطنا ، وهذا قطنك ثوبا ، كلمته فاه إلى فىّ ، مررت بالحطب زرعا ، ثم مررت به رمادا ... إلخ.

وهذه الأنواع مفصلة فى موضعها.

ثامنا : من حيث التعيين فيها (تعريفها وتنكيرها):

تأتى الحال فى التركيب من حيث تعيينها ، أى : تعريفها وتنكيرها على نوعين :حال نكرة ، وأخرى معرفة.

أ ـ الحال النكرة :

الغالب فى الحال أن تكون نكرة ؛ لأن صاحبها يغلب فيه أن يكون معرفة ، فوجب المخالفة حتى لا تلتبس الحال بالصفة إذا توافرت المطابقة بينها وبين صاحبها.

١٣٩

ومثل ذلك ما ذكر من أمثلة سابقة ، ونحو : يقف الجنود على الحدود يقظين متأهبين للدفاع. فكل من (يقظين ، ومتأهبين) حال منصوبة من الفاعل (الجنود) ، وتلحظ فيها أنها نكرة.

ب ـ الحال المعرفة :

سمع فى اللغة أحوال جاءت معرفة ، لكن جمهور النحاة يؤولونها بنكرة ، من ذلك : أرسلها العراك ، أى : معتركة ، أعبد الله وحده ، أى : منفردا ، طلبته جهدك ، أى : مجتهدا.

ومنه قوله تعالى : (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) [المنافقون : ٨] فى قراءة الحسن وابن أبى عبلة : «لنخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ» بإسناد الفعل إلى ضمير المتكلمين ، مع نصب (الأعز والأذل) ، فيكون (الأعز) مفعولا به ، و (الأذل) حال منصوبة ، ويؤولونها بنكرة (ذليلا).

تاسعا : أقسام الحال من حيث تعيين صاحبها :

ذكرنا أن هناك مخالفة بين الحال وصاحبها فى التعيين (التعريف والتنكير) ، ومن المنطق أن يكون صاحب الحال هو المعرفة ؛ لأنه محور أساس بين المتحدث والمستمع ليقام عليه معنى الحال ، ولكننا نجد أن الحال ـ فى التركيب العربى ـ تنقسم إلى قسمين من حيث هذا الجانب : حال من المعرفة ، وأخرى من النكرة.

أ ـ الحال من المعرفة :

تأتى الحال نكرة وصاحبها معرفة ، وهذا هو الأصل ـ كما ذكرنا ـ سواء كان موقعه الإعرابى ، نحو : أقبل الطالب على دروسه فى شغف ، فشبه الجملة (فى شغف) فى محلّ نصب على الحالية من الفاعل (الطالب) ، وتلحظ أنه معرفة بالأداة.

تلحظ ذلك فيما إذا قلت : إنه يؤدى عمله مخلصا ، لقد سعوا إلينا وكلّهم أمل ، توجّه إلى كليته ركضا. كلّ من : (مخلصا) ، والجملة الاسمية (وكلهم

١٤٠