النحو العربي - ج ٣

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٣

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٦٠٨

 ـ أن يكون العامل حروف التنبيه ، أو التحضيض ، أو العرض :

فكلّها تتضمن معنى الفعل دون حروفه. نحو : ها ضاحكا ذا زيد ، على أن العامل فى الحال ما فى (ها) من معنى التنبيه ، ولا يجوز أن تجعل العامل ما فى اسم الإشارة من معنى الفعل.

 ـ أن يكون العامل الاستفهام المقصود به التعظيم :

نحو : يا جارتا ما أنت جارة (١). حيث تنتصب (جارة) على الحالية ، والعامل (ما) فى قوله (ما أنت) من معنى التعظيم ، والتقدير : كرمت جارة ، أو : عظمت ، أو : نبلت.

 ـ أن تكون الحال فى تركيب استفهامى حقيقى أو بلاغىّ :

نحو : مالك واقفا؟ وما شأنه غضبان؟. حيث كلّ من (واقفا ، وغضبان) حال منصوبة ، والعامل فيها ما فى الخبر من معنى الفعل ، والمقصود بالخبر فى الأول : شبه الجملة ، وفى الثانى : (شأن).

ومنه قوله تعالى : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) [المدثر : ٤٩]. حيث (معرضين) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الياء ، وصاحبها ضمير الغائبين المجرور فى شبه الجملة الخبر (لهم) ، وهى حال لازمة.

ومثله قوله تعالى : (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ) [المائدة : ٨٤]. حيث الجملة الفعلية (لا نؤمن بالله) فى محل نصب ، حال من ضمير المتكلمين فى شبه الجملة الخبر (لنا).

__________________

(١) فيه أحوال إعرابية أخرى : ـ أن تكون (جارة) منصوبة على التمييز ، إلى جانب الحالية ، مع كون (ما) استفهامية فى محل رفع ، مبتدأ ، أو خبر مقدم ، و (أنت) خبر ، أو مبتدأ مؤخر.

 ـ قد تحتسب (ما) نافية ، فتكون (أنت) مبتدأ أو اسمها ، و (جارة) منصوبة لأنها خبر (ما) ، أو مرفوعة لأنها خبر المبتدإ ، وكلها فيها معنى التعظيم مع التعجب.

١٠١

قضية الرتبة فى الحال

للحال علاقة لفظية ومعنوية بوحدتين من وحدات الجملة ، العامل ، وصاحب الحال. لذا فإن قضية الرتبة فى الحال المؤسسة تعالج بالنظر إلى هاتين الوحدتين من خلال ثلاثة أحكام : الجواز ـ وجوب التقدم ـ وجوب التأخر.

أولا : الرتبة بين الحال والعامل :

أ ـ جواز تقدم الحال على عاملها :

يذهب البصريون دون الجرمى والأخفش والكوفيين إلى جواز تقدم الحال على عاملها إذا كان فعلا متصرفا ، أو صفة تشبه الفعل المتصرف ، يذكر المبرد : «اعلم أن الحال إذا كان العامل فيها فعلا صحيحا جاز ما يجوز فى المفعول به من التقديم والتأخير ، إلا أنها لا تكون إلا نكرة» (١). والصفة المشتقة المتصرفة هى اسم الفاعل ، واسم المفعول ، والصفة المشبهة ، وفى اسم التفضيل خلاف.

فيجيزون : راكبا جاء محمد ، وجاء محمد راكبا ، ومحمد منطلق مسرعا ، ومسرعا محمد منطلق ، ومحمد مسرعا منطلق. وأكلت فجّة الفاكهة ، وأكلت الفاكهة فجّة ، وفجّة أكلت الفاكهة.

ويجعلون منه قوله تعالى : (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) [القمر : ٧](٢). حيث (خشّعا) حال منصوبة من الفاعل واو الجماعة فى (يخرجون) ، وقد تقدمت الحال على عاملها الفعل المتصرف (يخرج).

__________________

(١) المقتضب ٤ ـ ١٦٨.

(٢) فيها قراءة الإفراد بالتذكير (خاشعا) ، والإفراد بالتأنيث (خاشعة) ، وكلها تنصب على الحالية. وتخرج على أنها صفة لمفعول به محذوف لـ (يدعو) ، والتقدير : يدعو الداعى قوما ، أو فريقا خشعا ، أو : خاشعا ، أو : خاشعة أبصارهم. كما تخرج على أنها حال من الضمير فى (كأنهم). والصفة متى تقدمت على الجماعة جاز فيها الجمع والإفراد بنوعيه. الجمع لموافقته لما بعده من جمع ، وهو على تقدير : يخشعن أبصارهم ، والإفراد مع التذكير على تقدير : يخشع أبصارهم ، أما الإفراد مع التأنيث فعلى تقدير : تخشع أبصارهم. ينظر : البحر المحيط ١٠ ـ ٣٦.

١٠٢

ومن أمثلة التقديم قول الشاعر :

سريعا يهون الصعب عند أولى النّهى

إذا برجاء صادق قابلوه البأسا (١)

حيث (سريعا) حال منصوبة من (الصعب) ، وقد تقدمت على عاملها (يهون) ، وهو فعل متصرف.

وفى قول يزيد بن مفرغ الحميرى :

عدس ما لعبّاد عليك إمارة

نجوت وهذا تحملين طليق (٢)

حيث (تحملين) جملة فعلية فى محل نصب ، حال من الفاعل الضمير فى (طليق) ، والعامل (طليق) ، وهو صفة مشبهة.

والفراء وبعض المغاربة يمنعون تقدم الحال إذا كانت جملة مصدرة بالواو ، لكن الجمهور يجيزون ذلك.

والكوفيون لا يجيزون تقدم الحال على عاملها وصاحبها إذا كان ظاهرا ، ويعللون لذلك بأن فيها ضميرا يعود على الظاهر ، ولا يجوز تقديمه على الظاهر ، وأجازوا التقدم إذا كان صاحب الحال مضمرا ، نخو : مسرعا جئت (٣).

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ١٠ ـ ٣٦.

(٢) ديوانه ١٧٠ / معانى القرآن للفراء ١ ـ ١٣٨ / أمالى ابن الشجرى ٢ ـ ١٧٠ / المفصل ١٥٠ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ١٦ ، ٤ ـ ٢٣ ، ٧٩ / شرح التصريح ١ ـ ٣٨١ / الخزانة ٢ ـ ٢١٦ ، / ٥١٤. (عدس) اسم صوت مبنى على السكون ، لا محل له من الإعراب. (ما) حرف نفى مبنى ، لا محل له من الإعراب. (لعباد) اللام حرف جر مبنى ، لا محل له من الإعراب. عباد : اسم مجرور بعد اللام وعلامة جره الكسرة ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر مقدم. (عليك) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالإمارة ، ويجوز أن تجعلها فى محل نصب على الحالية. (إمارة) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (نجوت) فعل ماض مبنى على السكون ، وضمير المخاطبة مبنى فى محل رفع ، فاعل ، والجملة الفعلية فى محل نصب على الحالية ، (وهذا) الواو واو الحال أو الابتداء حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب ، (هذا) اسم إشارة مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (تحملين) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون ، وياء المخاطبة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، والجملة الفعلية فى محل نصب على الحالية من الضمير المستكن فى طليق.

(طليق) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعة الضمة. والجملة الاسمية فى محل نصب على الحالية. والتقدير : وهذا طليق حال كونه محمولا. وهذا إعراب البصريين فى (هذا تحملين) ، أما الكوفيون فيجعلون (هذا) اسما موصولا مبنيا فى محل رفع ، مبتدأ ، وجملة (تحملين) صلة الموصول لا محل لها إعرابيا.

(٣) شرح القمولى ٢٠٦.

١٠٣

ب ـ وجوب تقدم الحال على عاملها :

يجب أن تتقدم الحال على عاملها إذا كانت مما يستحق الصدارة فى الجملة ، ولا يفيد تأخيرها المعنى الذى وضعت من أجله ، نحو : كيف أضعت الفرصة؟. حيث (كيف) اسم استفهام مبنى فى محلّ نصب على الحالية من الفاعل ضمير المخاطب فى (أضعت) ، ويجوز أن تكون من (الفرصة) ، والذى يحدد ذلك الجواب.

ونحو : كيفما اجتهدت فلك الأجر من الله ، حيث (كيفما) اسم شرط مبنى فى محلّ نصب على الحالية من الفاعل ضمير المخاطب فى (اجتهدت) ، والعامل فيها (اجتهد).

كما يجب أن تتقدم الحال على صاحبها إذا اشتمل على ضمير يعود على جزئها (١) ، كأن تقول : حلّ ضيف زيد صاحبه ، والتقدير : حل صاحب زيد ضيفا عليه ، فوجب تقديم الحال المنصوبة (ضيف) على صاحبها (صاحب) لاشتماله على ضمير يعود على ما أضيف إلى الحال ويمكن أن تقول : حلّ ضيفّا على زيد صاحبه.

والقول : سار منقادا لعمرو طالبه.

والأصل : سار طالب عمرو منقادا له ، فوجب تقدم الحال (منقادا) على صاحبها (طالب) ؛ لاشتماله على ضمير يعود على المجرور الذى تعلق بالحال ، وهو (عمرو).

ج ـ وجوب تأخر الحال عن عاملها :

يجب أن تتأخر الحال عن عاملها إذا كان عاملها واحدا من :

١ ـ الفعل الجامد :

إذا كان العامل فى الحال فعلا جامدا فإنها يجب أن تتأخر عنه ؛ لأن الفعل الجامد غير متصرف ، فلا يعمل فيما قبله ، وجميع الأفعال الجامدة تعمل فى الحال إلا (ليس وعسى) ، فإنهما لا يعملان فيها.

__________________

(١) ينظر : شرح الشافية الكافية ٢ ـ ٧٤٣.

١٠٤

ومن الأفعال غير المتصرفة : نعم ، وبئس ، وحبذا ، ولا حبذا ، وفعل التعجب.

إلى جانب (ليس وعسى) اللذين لا يعملان فى الحال.

ومن أمثلته : ما أروع البدر ساطعا. حيث (ساطعا) حال من (البدر) ، والعامل فعل التعجب (أروع) ، ولذلك وجب تأخر الحال عنه.

ومثل ذلك : حبذا زيد راكبا ، فـ (راكبا) حال منصوبة من (زيد) ، والعامل فيها فعل المدح غير المتصرف (حبّ).

٢ ـ الصفة المشتقة التى تشبه الفعل الجامد :

إذا كان عامل الحال صفة مشتقة تشبه الفعل الجامد فإنه يمتنع تقديمها عليه ، وهذه الصفة هى اسم التفضيل ؛ حيث لا يقبل علامة التثنية أو الجمع ، ولا علامة التذكير والتأنيث قبولا مطلقا ، فصار الاسم غير متصرف ، فأشبه الفعل الجامد ، فتقول : هذا أفصح الناس خطيبا ، حيث (خطيبا) حال من الضمير المستتر فى اسم التفضيل (أفصح) ، والعامل فيه (أفصح) ، فوجب تأخر الحال عنه.

ويستثنى من ذلك ما كان عاملا فى حالين مفضّلا إحداهما ، نحو : سليمان عبادة أحسن منه معاملة ، محمد صامتا خير من أحمد متحدثا. ومثله : سمير أقوى الناس إقناعا مجادلا. (مجادلا) حال من الضمير المستتر فى (أقوى) ، ووجب تأخرها عنه لكونه اسم تفضيل ، يفضل حالا عن أخرى لمفضل واحد.

ومن الصفات غير المتصرفة : (مثل وشبه) ، لا يجوز تقديم الحال عليها ، فتقول : محمد مثل علىّ مهذبا ، وهو شبه رفيق عالما.

٣ ـ المصدر المقدر بالفعل والحرف المصدرى :

إذا كان العامل فى الحال مصدرا مؤوّلا مقدرا بالفعل وحرف مصدرىّ فإنها يجب أن تتأخر عنه ، نحو : سرنى مجيئك سالما ، والتقدير : أن جئت سالما ، فـ (سالما) حال منصوبة من كاف المخاطب فى (مجيئك) ، والعامل المصدر الصريح (مجىء) ، وهو مقدر بـ (أن) والفعل (جاء) ، فيجب أن تتأخر الحال عن عاملها المصدر ، حيث صح (أن) والفعل موضعه.

١٠٥

ومثله أن تقول : يفرحنى جلوسك معى مناقشا ، والتقدير : (أن تجلس) ، ما كان يجب ردّك خائبا ، والتقدير : أن تردّ ، كل من (مناقشا) و (خائبا) حال منصوبة ، والعامل فيهما مصدر مقدر من أن والفعل ، العامل فى الأولى : (جلوس) ، والعامل فى الثانية (رد) ، فوجب تأخر الحالين.

فإن لم يقدر المصدر بالحرف المصدرى والفعل جاز تقديم الحال على صاحبها ، فتقول : جديدا شراء الكتاب ، أى : شراء الكتاب جديدا. فـ (جديدا) حال منصوبة من (الكتاب) ، والعامل فيها المصدر الصريح (شراء) ، وهو مصدر نائب مناب فعله ، ليس مقدّرا بالحرف المصدرى والفعل ، فلا تقول : أن تشترى الكتاب جديدا ، فجاز تقديم الحال على المصدر.

٤ ـ اسم الفعل :

إذا كان العامل فى الحال اسم فعل فإنه يجب أن تتأخر عنه ؛ لأن اسم الفعل لا يقوى على العمل فيما قبله ، حيث إنه دون الفعل ، فى قوة العمل ، فتقول : دراك مسرعا ، حيث (مسرعا) حال من الفاعل المستتر فى اسم الفعل (دراك) ، والعامل فيها اسم الفعل فوجب تأخرها عنه.

ومثله أن تقول : قراء واعيا ، سماع منتبها ، نزال مبطئا. كل من : (واعيا ، ومنتبها ، ومبطئا) حال من الفاعل المستتر فى اسم الفعل قبله ، والعامل فيها اسم الفعل ، فوجب تأخرها عنه.

٥ ـ ما تضمّن معنى الفعل دون حروفه :

إذا كان العامل فى الحال لفظا مضمّنا معنى الفعل دون حروفه ، وهو ما يسمى بالعامل المعنوى فإنه يجب أن تتأخر الحال عنه ؛ لأن ما ضمّن معنى الفعل دون حروفه لا يقوى فى العمل قوة الفعل ، فلا يقوى على العمل فيما قبله ، فهو أضعف من العامل اللفظىّ.

ومما ضمّن معنى الفعل دون حروفه : أسماء الإشارة ، وحرف التشبيه (كأن) ، وحرف الرجاء (ليت) ، وحرف التمنى (لعل) ، والظروف ، وحروف الجر ، والاستفهام التعظيمى ، وحرف النداء.

١٠٦

مثال ذلك : ليت عليّا أخوك كريما ، كأنّ الجندىّ أسد مدافعا ، هذا محمد مقبلا ، لعلك محمود سريعا ، كلّ من (كريما ، مدافعا ، مقبلا ، سريعا) حال من :

(عليا ، الجندى ، محمد ، كاف المخاطب) ، والعامل فيها : (ليت ، كأن ، هذا ، لعل) ، وكلّها من الألفاظ التى ضمّنت معنى الفعل دون حروفه ، فوجب تأخر الحال عن العامل.

ومنه قول امرئ القيس :

كأنّ قلوب الطير رطبا ويابسا

لدى وكرها العنّاب والحشف البالى (١)

(رطبا ويابسا) حالان من (قلوب) ، والعامل فيهما حرف التشبيه (كأن) ، فوجب تأخرهما عنه.

وقولك : محمد فى الدار جالسا ، علىّ عند أخيه مقيما.

وقول النابغة :

قالت بنو عامر خالوا بنى أسد

يا بؤس للجهل ضرّارا لأقوام (٢)

حيث (ضرارا) حال منصوبة من الجهل ، والعامل فيها حرف النداء بما ضمنه من معنى الفعل.

يستثنى من ذلك حرف التشبيه إذا عمل فى حالين ؛ لأنه يجب تقدم أحدهما ، كما جاء فى قول الشاعر :

تعيّرنا أننا عالة

ونحن صعاليك أنتم ملوكا (٣)

__________________

(١) (كأن) حرف تشبيه مبنى ، لا محل له من الإعراب. (قلوب) اسم كأن منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

(الطير) مضاف إلى قلوب مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (رطبا) حال من قلوب منصوبة ، وعلامة نصبه الفتحة. (ويابسا) حرف عطف ومعطوف على (رطبا) منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

(لدى) ظرف مكان مبنى فى محل نصب ، وشبه الجملة فى محل نصب على الحالية من (العناب).

(وكرها) وكر : مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، وضمير الغائبة مبنى فى محل جر بالإضافة.

(العناب) خبر كأن مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (والحشف) حرف عطف ومعطوف على العناب مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (البالى) صفة للحشف مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة للثقل.

(٢) (خالوا) فارقوا وقاطعوا. (يا بؤس للجهل) أسلوب تعنيف.

(٣) (تعيرنا) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هى ، وضمير المتكلمين

١٠٧

والأصل : ونحن صعاليك كأنكم ملوكا ، والتقدير : نحن فى حال صعلكتنا كأنكم فى حال ملككم ، فكلّ من (صعاليك ، وملوكا) حال من : (نحن ، وأنتم) على الترتيب ، والعامل فيهما حرف التشبيه ، فيكون عمله كعمل أفعل التفضيل.

ومن النحاة من يخرّج المنصوبين على أنهما خبرا (كان) المحذوفة ، والتقدير : إذ كنا صعاليك وإذ كنا ملوكا.

 ـ ومن النحاة من يرى أن يستثنى من ذلك شبه الجملة بنوعيها إذا كانت خبرا متأخرا عن المبتدإ ، فيجوز أن تتوسط الحال بينهما بقلة ، ويجعلون من ذلك قول الشاعر :

بنا عاذ عوف وهو بادئ ذلة

لديكم فلم يعدم ولاء ولا نصرا (١)

حيث (بادئ) حال منصوبة من الضمير فى الظرف ، والعامل فيه الظرف ، وقد توسطت الحال بين المخبر عنه الضمير العائد على عوف والمخبر به العامل (لديكم). ولكن جمهور البصريين يمنعون ذلك ، ويجعلونه فى هذا البيت ضرورة.

__________________

مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (أننا) حرف توكيد ونصب ناسخ مبنى ، لا محل له من الإعراب ، وضمير المخاطبين مبنى فى محل نصب ، اسم أن. (عالة) خبر أن مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، والمصدر المؤول فى محل نصب بنزع الخافض ، ويجوز أن تجعله فى محل جر بتقدير وجود حرف الخافض ، ويكون متعلقا بتعير : (ونحن) الواو واو الحال ، نحن : ضمير مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (صعاليك) حال من نحن منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة. (أنتم) ضمير مبنى فى محل رفع ، خبر المبتدأ (ملوكا) حال من أنتم منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة ، والجملة فى محل نصب على الحالية.

 (١) (بنا) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالعوذ. (عاذ) فعل ماض مبنى على الفتح.

(عوف) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (وهو) الواو واو الحال ، هو : ضمير مبنى فى محل رفع مبتدإ. (بادئ) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة. (ذلة) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

(لديكم) ظرف ومضاف إليه ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر المبتدإ ، أو متعلقة بمحذوف خبر ، والجملة الاسمية فى محل نصب على الحالية من عوف. (فلم) الفاء تعقيبية حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب ، لم : حرف نفى وجزم وقلب مبنى ، لا محل له. (يعدم) فعل مضارع مجزوم بعد لم ، وعلامة جزمه السكون ، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره : هو. (ولاء) مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، (ولا) الواو حرف عطف مبنى ، لا : حرف نفى مبنى زائد لتأكيد النفى. (نصرا) معطوف على ولاء منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

١٠٨

ويخرجون قوله تعالى : (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا) [الأنعام : ١٣٩]. بنصب (خالصة) (١) بدلا من أن تكون حالا متوسطة بين المبتدإ (ما) وخبره شبه الجملة (لذكورنا) ، وهى العامل فيها ، تكون معمولا لصلة (ما) ، فتكون حالا من الضمير المستتر فى شبه الجملة.

وكذلك قوله تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) [الزمر : ٦٧](٢). بنصب (مطويات) (٣) ، فبدلا من جعلها حالا توسطت بين المبتدإ (السموات) وخبره شبه الجملة العاملة فيها (بيمينه) ، يجعلونها معمولة لفعل مضمر.

ومثلهما قوله تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الإسراء : ٨٢](٤). بنصب (شفاء ورحمة) فى قراءة زيد بن على ، حيث يخرجان على أنهما منصوبان بفعل محذوف عند من يمنع تقديم الحال على عاملها المعنوى من شبه الجملة (٥).

وقول النابغة :

رهط ابن كوز محقبى أدراعهم

فيهم ورهط ربيعة بن حذار (٦)

__________________

(١) فى قراءة عباس والأعرج وقتادة وابن جبير. (البحر المحيط ٤ ـ ٦٦٠).

(٢) (حق) نائب عن المفعول المطلق منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (جميعا) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة. والعامل فيها ما دل عليه قبضته ، أى : مقبوضته. (قبضته) خبر المبتدإ (الأرض) مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة ، والجملة الاسمية : (الأرض قبضته) فى محل نصب على الحالية من لفظ الجلالة تعالى. (يوم) ظرف زمان متعلق بالقبضة. (بيمينه) جار ومجرور ومضاف إليه ، وشبه الجملة متعلقة بمطويات ، أو حال من الضمير المستتر فيها.

(٣) فى قراءة عيسى والجحدرى. (البحر المحيط ٩ ـ ٢٢٠).

(٤) (من القرآن) شبه جملة متعلقة بالتنزيل. (ما) اسم موصول مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (هو شفاء) جملة اسمية من مبتدإ وخبر ، صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. (للمؤمنين) شبه جملة متعلقة بالشفاء ، أو فى محل رفع ، صفة لشفاء ورحمة.

(٥) البحر المحيط ٧ ـ ١٠٣ / الدر المصون ٤ ـ ٤١٦.

(٦) (رهط) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وخبره شبه الجملة (فيهم). (ابن) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (رهط) الثانية معطوف على رهط الأولى مرفوع ، أو مبتدأ مرفوع ، خبره محذوف ـ دل عليه خبر الأولى. (ربيعة) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف. (ابن) بدل من ربيعة ، أو عطف بيان له ، أو نعت له مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (حذار) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

١٠٩

وفيه (محقبى) منصوبة على الحالية ، وعلامة نصبها الياء ، وحذفت النون للإضافة ، والعامل فيها معنوىّ ، وهو شبه الجملة من الجارّ والمجرور (فيهم) ، ولكنّ جمهور النحاة يمنعون التقديم ، ويخرج النصب على أنه بفعل محذوف.

٦ ـ اسم الفاعل واسم المفعول الموصولان بالألف واللام :

إذا كان العامل فى الحال اسم فاعل أو اسم مفعول موصولا بالألف واللام فإنه يكون بمثابة الاسم الموصول ، حيث لا يعمل فيما قبله ، ولذا فإنه يجب أن تتأخر الحال عنهما إذا عملا فيها. نحو : هذا المكرمك قائما ، هو المضروب نائما. كلّ من (قائما ونائما) حال منصوبة من (المكرم أو الكاف ، والمضروب) ، والعامل فيهما اسم الفاعل (المكرم) ، واسم المفعول (المضروب) ، وكلّ منهما موصول بالألف واللام ؛ لذا وجب تأخر الحال عنهما ، وامتنع تقديمها عليهما.

٧ ـ العامل المذكور بعد حروف الابتداء :

إذا كان العامل فى الحال مذكورا بعد حروف الابتداء ، وأقصد بها الحروف التى لا يعمل ما بعدها فيما قبلها ؛ لأنها ابتدائية ، فما بعدها لا يخترقها إلى ما قبلها ، فإن الحال يمتنع تقدمها على عاملها. ومن هذه الأحرف الابتدائية : لام الابتداء ، ولام القسم ، وحروف التنبيه ، والتحضيض ، والعرض ، مثال ذلك : لأعظك ناصحا ، والله لأعظنّك ناصحا ، إنى لأجلس متأدبا ، لأقدمنّ ممتثلا ، ألا تأتينى مسرعا ، هلا ذاكرت معى مخلصا ، وكلّ من (ناصحا ، ناصحا ، متأدبا ، ممتثلا ، مسرعا ، مخلصا) حال منصوبة ، والعامل فيها مسبوق بحرف ابتدائى (لام الابتداء ، لام القسم ، لام الابتداء ، اللام الموطئة للقسم ، حرف التنبيه أو العرض ، حرف التحضيض) ، وكلّها حروف تحجب العامل الذى يليها أن يعمل فيما قبلها ، فامتنع تقدم الحال عليه.

١١٠

٨ ـ العامل الاسم المفهم تشبيها :

نحو : زيد مثلك شجاعا ، حيث (شجاعا) حال منصوبة ، والعامل فيه الاسم المفهم التشبيه (مثل) ، فوجب تأخرها عنه. ومنه أن تقول : هو شبهه كريما.

ثانيا : الرتبة بين الحال وصاحبها :

أ ـ جواز تقدم الحال على صاحبها :

الأصل فى الحال أن تتأخر عن صاحبها ما لم يكن هناك مانع من أحوال وجوب تقدمها ، ولكن البصريّين يجيزون أن تتقدم الحال على صاحبها ، فيجوز القول : أقبل محمود ضاحكا ، وأقبل ضاحكا محمود. حيث (ضاحكا) حال منصوبة من الفاعل المرفوع (محمود) ، فتأخرت عنه ، وتقدمت عليه.

كما يجوز القول : أكلت الفاكهة ناضجة ، وأكلت ناضجة الفاكهة. حيث (ناضجة) حال منصوبة من المفعول به المنصوب (الفاكهة) ، فجاز تأخرها وتقدمها.

ومنه قول طرفة بن العبد :

فسقى ديارك غير مفسدها

صوب الربيع وديمة تهمى (١)

حيث (غير مفسدها) حال من الفاعل (صوب) ، وقد تقدمت عليه.

لكن الكوفيين لا يجيزون تقدم الحال على صاحبها إذا كان مرفوعا ظاهرا ، ويعللون لذلك بأن فى الحال ضميرا يعود على صاحبها الظاهر ، ولا يجوز تقديمه

__________________

(١) (سقى) فعل ماض مبنى على الفتح المقدر ، منع من ظهوره التعذر. (ديارك) ديار : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف ، وضمير المخاطب مبنى فى محل جر مضاف إليه. (غير) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة ، وغير مضاف (ومفسد) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، وهو مضاف ، وضمير الغائبة (ها) مبنى فى محل جر مضاف إليه. (صوب) فاعل سقى مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وهو مضاف و (الربيع) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (وديمة) الواو : حرف عطف مبنى لا محل له من الإعراب. ديمة : معطوف على صوب مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (تهمى) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة منع ظهورها الثقل. وفاعله ضمير مستتر تقديره : هى.

والجملة الفعلية فى محل رفع ، نعت لديمة.

١١١

على الظاهر ، وأجازوا تقدم الحال على صاحبها إذا كان مضمرا ، نحو : مسرعا جئت.

وقيل : يمنع تقدم الحال على صاحبها عندهم مطلقا.

كما منع الكوفيون تقديم الحال على صاحبها إذا كان منصوبا ، حتى لا يتوهم البدلية نحو : أتضرب زيدا راكبا ، فعندهم إذا قدمت راكبا على زيد لتوهّم بدلية زيد من راكب.

ب ـ وجوب تقدم الحال على صاحبها :

يجب أن تتقدم الحال على صاحبها إذا كان صاحبها محصورا ، فالمحصور هو الملفوظ به ثانيا بعد المحصور عليه ، فتقول : ما أجاب فاهما إلا علىّ. حيث (فاهما) حال منصوبة من (علىّ) ، وتقدمت الحال على صاحبها تقديم وجوب لما أريد حصره عليها ، فذكر بعد (إلا) الاستثنائية المسبوقة بالحرف النافى (ما).

ومثله أن تقول : ما أقبل مسرعا إلا أحمد ، ما رأيت ناضجا إلا البرتقال ، ما قرأت متمعنا إلا الفصل الخامس.

ومن طرق الحصر (إنما) ، فتقول : إنما أقبل مسرعا محمد ، وإنما أغلقت محكما الباب.

ج ـ وجوب تأخر الحال عن صاحبها :

يجب أن تتأخر الحال عن صاحبها وجوبا فى مواضع ، يراعى فيها الجانب المعنوى أو الجانب اللفظىّ ، وهى :

١ ـ أن تكون الحال محصورة :

ذلك أن المحصور يكون ثانيا بالنسبة للمحصور عليه ، ويكون ذلك من قبيل قصر الموصوف على الصفة. من ذلك قوله تعالى : (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) [الأنعام : ٤٨ ، الكهف : ٥٦]. حيث (مبشرين ومنذرين) حالان من المفعول به المنصوب (المرسلين) ، وقد حصرت الحال باستخدام النفى (ما) مع

١١٢

الاستثناء (إلا) ، ولما أريد حصرها ذكرت ثانيا بعد (إلا) ، فوجب تأخرها لهذا الغرض المعنوى (الحصر) الذى دلّ عليه دليل لفظى (النفى مع الاستثناء).

ومنه أن تقول : ما رأيت أحمد إلا آكلا ، وما سمعته إلا مقهقها ، وما أحسست به إلا عطوفا. وتقول : إنما أدّوا أعمالهم مخلصين.

٢ ـ أن يكون صاحب الحال مجرورا :

إذا كان صاحب الحال مجرورا بحرف جرّ أو بالإضافة فإنه يمتنع تقدم الحال على صاحبها عند جمهور النحاة ، نحو : خرجت من الدار مفتوحة ، حيث (مفتوحة) حال منصوبة من (الدار) ، وصاحب الحال مجرور بحرف الجر (من) ، فوجب تأخرها عند الجمهور.

ونحو : أعجبنى إجابتك فاهما ، حيث (فاهما) حال منصوبة من كاف المخاطب فى (إجابتك) ، وهو فى محل جر مضاف إليه ، فتأخرت الحال عن صاحبها.

ومما يستشهدون به لذلك : أعجبنى وجهها مسفرة ، حيث (مسفرة) حال من ضمير الغائبة المضاف إليه. وكذلك : هذا شارب السويق ملتوتا.

ولا يجوز أن تتقدم الحال على صاحبها المجرور بالإضافة ؛ لأن المضاف إليه لا يتقدم على المضاف. وإنما يجوز أن تتقدم الحال بجواز تقدم صاحبها.

وما جاء من تقدم الحال على صاحبها المجرور يخرجونه على أوجه أخرى ، ففى قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) [سبأ : ٢٨](١).

حيث (كافة) بمعنى (جميعا) حال منصوبة ، والواضح أنها من المجرور باللام (الناس) ، ـ ولكن الجمهور يخرجونها على أنها : ـ حال من (كاف المخاطب) المفعول به فى (أرسلناك) ، وتكون (كافة) بمعنى (جامعا للناس) ، والتاء فيه للمبالغة ، ولكن غيرهم يردون هذا.

 ـ ويجعلها الزمخشرى نائبة عن المصدر ، فيقدرها : إرسالة كافة للناس.

__________________

(١) بشيرا ونذيرا : حالان من ضمير المخاطب المفعول به.

١١٣

 ـ ومنهم من يجعلها مصدرا جاءت على مثال فاعلة.

ويعللون لعدم جواز تقدم الحال على صاحبها المجرور بأن تعلق العامل بالحال ثان لتعلقه بصاحبها ، فحقه أن يتعلق بهما بواسطة واحدة ، لكنه يمنع من ذلك أن الفعل لا يتعلق بحرف واحد إلى شيئين ، فجعلوا عوضا عن ذلك التزام تأخير الحال ، ولكنه يبدو أن السبب غرض معنوى ، حيث الالتباس المعنوىّ بين الحال وصاحبها.

لكن كثيرا من النحاة يجيزون تقدم الحال على صاحبها المجرور (١) ، ومنهم الأخفش وأبو على الفارسى وابن جنى وابن كيسان وابن برهان وابن ملكون ، وبعض الكوفيين واختاره ابن مالك.

ومما يستشهدون به على جواز التقديم ما ذكره أبو على من المثل : زيد خير ما يكون خير منك ، التقدير : زيد خير منك خير ما يكون ، فجعل (خير ما يكون) حالا من الكاف فى (منك) ، وقدمها عليه.

ويستشهدون كذلك بقول الشاعر :

تسلّيت طرّا عنكم بعد بينكم

بذكركم حتّى كأنكم عندى

حيث (طرا) بمعنى (جميعا) حال من ضمير المخاطبين فى (عنكم) ، وهو فى محل جر بحرف الجر (عن) ، وقد تقدمت عليه. والجمهور يجعلون ذلك ضرورة.

ومما يستشهدون به على التقدم قول المخبل السعدى :

إذا المرء أعيته المروءة ناشئا

فمطلبها كهلا عليه شديد (٢)

__________________

(١) ينظر : عمدة الحافظ ٤٢٤ / شرح الكافية للرضى ١ ـ ٢٠٦ / البحر المحيط ٨ ـ ٥٤٩ / شرح التصريح ١ ـ ٣٧٩ / شرح القمولى ١ ـ ٢٧.

(٢) (إذا) اسم شرط غير جازم مبنى فى محل نصب على الظرف ، مضاف إليه ، العامل فيه الجواب. (المرء) فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده ، وعندى أنه مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، حيث ذكر الاسم بعد أداة شرط غير جازمة. (أعيته) فعل ماض مبنى على الفتحة المقدرة ، والتاء للتأنيث ، وضمير الغائب مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (المروءة) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة الفعلية مفسرة ـ للمحذوف ، لا محل لها من الإعراب ، وعلى الرأى الآخر تكون الجملة فى محل رفع ، خبر المبتدإ.

(ناشئا) حال من المرء منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة. (فمطلبها) الفاء واقعة فى جواب الشرط للربط حرف مبنى لا محل له. (مطلب) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائبة مبنى فى محل جر بالإضافة إليه. (كهلا) حال من ضمير الغائب فى (عليه) منصوبة. (علية) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالشدة. (شديد) خبر المبتدأ مطلب مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وجملة الجواب لا محل لها من الإعراب.

١١٤

حيث (كهلا) حال من الضمير المجرور فى (عليه) ، وقد تقدمت عليه.

كما يذكرون شواهد لتقديم الحال على صاحبها والعامل ، منها قول الشاعر :

مشغوفة بك قد شغفت وإنما

حمّ الفراق فما إليك سبيل

أى : شغفت بك مشغوفة ، حيث : (مشغوفة) حال من كاف المخاطب فى (بك) ، وهو فى محل جر بالباء ، وقد تقدمت الحال على صاحبها ، وعلى العامل.

وقول الشاعر :

غافلا تعرض المنية للمر

ء فيدعى ولات حين إباء (١)

أى : تعرض المنية للمرء غافلا ، حيث (غافلا) حال من (المرء) ، وهو اسم مجرور باللام ، وقد تقدمت الحال على صاحبها وعلى العامل.

ويستثنى من ذلك ما إذا كان حرف الجرّ زائدا امتنع حذفه ، أو قليلا ما يحذف ، كقولك : أجمل بمحمود مقبلا ، كفى بأحمد مساعدا ، فلا يجوز تقديمها (٢).

والكوفيون يجيزون تقديم الحال على صاحبها فيما إذا كان مجرورا بحرف جر زائد ، نحو : ما جاء راكبا من رجل (٣).

__________________

(١) (لات) حرف نفى عامل عمل ليس مبنى ، لا محل له من الإعراب ، اسمها محذوف وجوبا تقديره : الحين. (حين) خبر لات منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (إباء) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

(٢) ينظر : شرح القمولى ١ ـ ٢١٠.

(٣) الأشمونى على الألفية : ١ ـ ٤٢٢.

١١٥

٣ ـ أن يكون العامل فى صاحبها ليت أو لعل أو كأن أو فعل التعجب أو حرف النداء :

لا تتقدم الحال على صاحبها إذا كان منصوبا بالأحرف الناسخة : ليت ولعل وكأن ، أو كان منصوبا بفعل التعجب ، أو كان منصوبا بحرف النداء. وقد مثلنا لذلك من قبل.

٤ ـ أن تكون الحال جملة مقرونة بالواو (١) :

إذا كانت الحال جملة مصدرة بواو الابتداء أو بواو الحال فإنه يجب أن تتأخر عن صاحبها ، وذلك رعاية للأصل من الواو ، وهو العطف ، والمعطوف يأتى ثانيا بعد المعطوف عليه. فتقول : أقبل صديقى وإنه يحمل ما طلبته منه. حيث جملة (وإنه يحمل) فى محلّ نصب ، حال من الفاعل (صديقى) ، وهى جملة مصدرة بالواو ، فوجب تأخرها حتى لا يحدث التباس بين صاحب الحال وموقعه الإعرابى وبين موقع إعرابى آخر.

٥ ـ أن تكون الحال متعددة :

إذا تعددت الحال فإنها يجب أن تتأخر عن صاحبها ، قياسا على تعدد الخبر ووجوب تأخره عن المبتدإ (٢). فيقال : أكلت الرمّان حلوا حامضا. حيث (حلوا حامضا) حالان من المفعول به (الرمان) ، فوجب تأخرها عن صاحبها.

وقد يكون تعدد الحال عن طريق حرف العطف ، فيقال : ارتشفت القهوة ساخنة ومضبوطة.

٦ ـ أن يكون صاحب الحال ضميرا مستكنا فى الصفة الموصولة بالألف واللام :

إذا كان صاحب الحال ضميرا كائنا فى اسم فاعل أو اسم مفعول أو غيرهما وهو صلة للألف واللام فإنه يمتنع تقدم الحال على صاحبها ، كأن تقول : القاصد لى سائلا زيد (٣) ـ الواضح له مفهوما هذه المسألة.

__________________

(١) هامش شرح التصريح ١ ـ ٣٧٨

(٢) هاش شرح التصريح ١ ـ ٣٧٨.

(٣) شرح القمولى ١ ـ ٢١٣.

١١٦

أنواع الحال

تنقسم الحال إلى عدة أقسام بالنظر إلى جوانب مختلفة تحدد أنواعها من حيث هذه الأقسام ، من نحو : جوانب المعنى ، والزمن ، والقصد منها ، وصاحبها ، والاشتقاق والجمود ... إلى غير ذلك.

نحاول فى هذا القسم من الدراسة أن نعرض كثيرا من أقسام الحال ، وأنواعها من خلال كل قسم.

أولا : أقسام الحال من حيث الأداء المعنوى فى الجملة :

المقصود بالأداء المعنوى للحال فى الجملة القيمة المعنوية التى تؤتى الحال من أجلها فى الجملة المنشأة. والحال من هذا الجانب نوعان : حال مبينة أو مؤسسة ، وأخرى مؤكدة.

أ ـ الحال المبينة :

تسمى الحال المؤسسة ، وهى التى لا يستفاد معناها بدون ذكرها ، حيث تعطى معنى جديدا فى صاحبها أثناء إحداثه الفعل ، فالحال المبينة أو المؤسسة تبين هيئة صاحبها كما أرادها له منشئها.

ومثالها : رأيت الكتاب مفتوحا ، حيث (مفتوحا) حال منصوبة من (الكتاب) ، وهى حال مؤسسة أو مبينة ؛ لأنها تبين هيئة صاحبها ، كما لا يستفاد معناها بدون ذكرها.

تأمل الأمثلة الآتية للحال المبينة أو المؤسسة :

اجتاز السباح المسافة سريعا ، أنهى المتصارعان الجولة متعانقين ، قرأت كتاب التفسير كاملا.

ب ـ الحال المؤكدة :

هى الحال التى يستفاد معناها بدون ذكرها ، وقد أنكرها بعض النحاة وجعلوها من نوع الحال المبينة ، فالحال المؤكدة إنما تجد معناها فيما سبقها ، وإنما تذكر لتؤكد كلمة سابقة ، أو مضمون جملة سابقة. وتأتى على ثلاثة أنواع :

١١٧

١ ـ الحال المؤكدة لعاملها :

هى الحال التى تكون من لفظ عاملها أو معناه ، فإذا كانت الحال من لفظ عاملها ومعناه فهى مؤكدة له لفظا ومعنى ، نحو قوله تعالى : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) [النساء : ٧٩]. فـ (رسولا) حال من المفعول به كاف المخاطب فى أرسلناك ، وهى من لفظ العامل (أرسل) ومعناه ، فهى مؤكدة لفظا ومعنى.

ومثل ذلك قول الشاعر :

أصخ مصيخا لمن أبدى نصيحته

والزم توقّى خلط الجدّ باللعب (١)

(مصيخا) حال منصوبة من الفاعل المستتر فى (أصخ) ، وتقديره : (أنت) ، وهى من لفظ العامل (أصخ) ومعناه.

وإذا كانت الحال من معنى عاملها دون لفظه فهى مؤكدة له معنى فقط ، ومن ذلك قوله تعالى : (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها) [النمل : ١٩] ، حيث (ضاحكا) حال من الفاعل المستتر فى تبسم ، وهى من معنى التبسم دون لفظه ، فهى حال مؤكدة للعامل (تبسم) معنى. ومن النحاة من يرى أن الضحك غير التبسم

فتكون حالا مبينة.

ومن ذلك قوله تعالى : (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) [التوبة : ٢٥]. وقوله تعالى :(وَلَّى مُدْبِراً) [النمل : ١٠ ، القصص : ٣١]. كلّ من (مدبرين ، ومدبرا) حال من الفاعل : ضمير المخاطبين فى (وليتم) وضمير الغائب المستتر فى (ولى) ، لكنهما من معنى العامل (ولى) دون لفظه.

ومنه قوله تعالى : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [البقرة : ٦٠ ، الأعراف :٧٤ ، هود : ٨٥ ، الشعراء : ١٨٣ ، العنكبوت : ٣٠]. حيث (مفسدين) حال من الفاعل (واو الجماعة) فى (تعثوا). وهى مؤكدة لمعنى الفعل (تعثى) ، وهو بمعنى الفساد ، ففهم معناها من معنى عاملها.

__________________

(١) شرح التصريح ١ ـ ٣٨٧.

١١٨

٢ ـ الحال المؤكدة لصاحبها :

هى الحال التى لا يقصد بها بيان الهيئة أثناء الحدث بقدر ما تبين توكيد صاحبها أثناء الحدث ، لذلك فإنها تبنى من لفظ مؤكد. كما فى قوله تعالى : (لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) [يونس : ٩٩]. فـ (جميعا) حال منصوبة وعلامة نصبها الفتحة ، من الفاعل الاسم الموصول (من) المؤكد بلفظ التوكيد (كلهم).

ونجعل من ذلك قوله تعالى : (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ...) [المائدة : ٣٢]. حيث تنصب (جميعا) إما على الحالية ، وإما على التوكيد. وأنت ترى أنهم لم ينفكّوا عن معنى التوكيد ، ويكون توكيدا لصاحب الحال فيما إذا احتسبت حالا ، وهو (الناس).

ومنه قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) [النساء : ١٤] ... (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً ...) [إبراهيم : ٢١].

٣ ـ الحال المؤكدة لمضمون الجملة :

ضابط هذا التركيب أن تبنى حال بعد جملة اسمية مكونة من معرفتين جامدتين ، وليس أحدهما فى تأويل المشتق ، وتجد أن الخبر هو المبتدأ ؛ لأنه يكون بمثابة تعريف له ، والغرض المعنوى للحال فى مثل هذا التركيب يكون واحدا من :

 ـ التعظيم ، نحو : أنت الرجل مهيبا كاملا ، هو أحمد فارسا مغوارا ، هو علىّ مقداما.

 ـ التصغير والتحقير ، نحو : هو علىّ مدحورا مقهورا.

 ـ تصاغر النفس وتواضعها ، نحو : أنا عبد الله آكلا كما يأكل العبيد ، وأنا عبدك فقيرا إليك.

 ـ الفخر ، نحو : أنا علىّ بطلا شجاعا ، أنا أحمد كريما.

١١٩

ومنه قول سالم اليربوعى :

أنا ابن دارة معروفا بها نسبى

وهل بدارة يا للناس من عار (١)

حيث (معروفا) حال مؤكدة لمضمون الجملة الاسمية (أنا ابن دارة).

 ـ بيان اليقين ، نحو : هو محمود معلوما مشهورا ، ومنه قوله تعالى : (وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ) [البقرة : ٩١] وقوله تعالى :

(وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) [فاطر : ٣١].

 ـ الوعيد والتهديد ، نحو : هو سمير متمكنا منك ، هو الحجاج سفاكا للدماء ، ومنه قول الشاعر :

أنا أبو المرقال عقا فظّا

لمن أعادى مدسرا دلظّا (٢)

حيث (عقا فظا) حالان منصوبتان مؤكدتان لمضمون الجملة السابقة ، ويعطيان معنى الوعيد والتهديد.

 ـ وقد يكون لغير ذلك من المعانى ، نحو : هو أبوك عطوفا. تلحظ أن معنى الحال المؤكدة إنما هو لتأكيد معنى خبرها ، وتقرير مؤداه ، ولذلك فإنك تجد العلاقة المعنوية قائمة بين الحال وخبر الجملة ، فالعطف يؤكد صفة الأبوة ، والفقر إلى المعبود من صفات العبد.

والحال المؤكدة لمضمون الجملة يجب أن تتأخر عنها ؛ لأن المؤكّد لا يسبق المؤكّد ، ويلزم إضمار عاملها.

ويختلف النحاة فيما بينهم فى العامل فى الحال المؤكدة لمضمون الجملة التى تسبقها على النحو الآتى :

__________________

(١) سبق إعرابه ص (٩٤).

(٢) المساعد ٢ ـ ٤٢.

المدسر : الدفّاع ، فالدّسر : الطعن والدفع الشديد ، الدلظّ : الغليظ الخلق ، فالدلظ : الضرب والوكز واللهز وشدة الدفع.

١٢٠