النحو العربي - ج ٢

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٢

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٧١

حيث (أتاك أتاك اللاحقون) من باب التوكيد ، إذ لو قصد به تنازعا فى العمل لقال : أتوك أتاك اللاحقون ، أو أتاك أتوك ...

وليس منه كذلك :

فهيهات هيهات العقيق ومن به

وهيهات خلّ بالعقيق نواصله (١)

بل هو من قبيل التوكيد ، حيث أتى بـ (هيهات) الثانية لتقوية وتأكيد الأولى.

والاختلاف قائم فى قول كثير عزّة :

قضى كلّ ذى دين فوفّى غريمه

وعزّة ممطول معنى غريمها (٢)

هل قوله : (ممطول معنى غريمها) فيه تنازع أم لا؟

الأصح أنه تنازع فيه لزوال الارتباط ، فلو قصد به التنازع لأسند أحدهما إلى السببى ، والآخر إلى ضميره ، فيلزم عدم ارتباط رافع الضمير بالمبتدإ ؛ لأنه لم يرفع ضميره ، ولا ما التبس بضميره.

إعراب المتنازع فيه

تدور فكرة إعراب المتنازع فيه من خلال أطراف التنازع الثلاثة ، حيث تبنى قضية الإعراب على عدة أسس :

أولها : حكم إعمال أىّ من العاملين فى الاسم الظاهر المتنازع فيه.

ثانيها : أى من العاملين أولى بالإعمال.

ثالثها : علاقة كلّ من العاملين أو العامل الآخر غير العامل فى الاسم الظاهر المشغول عنه بالضمير الشاغل ، أو بما تضمن هذا الضمير.

ومراعاة لاجتماع هذه الأسس الثلاثة فإن قضية الإعراب فى باب التنازع تعالج كما يأتى :

__________________

(١) شرح التصريح ١ ـ ٣١٨ / ضياء السالك ٢ ـ ١١٠.

(٢) الجامع الصغير ٨٦ / شرح التصريح ١ ـ ٣١٩ / ضياء السالك ٢ ـ ١١١.

٤٤١

أولا : بادئ ذى بدء نعلم أن النحاة (١) يتفقون على جواز إعمال أىّ من العاملين فى الاسم الظاهر المتنازع فيه ، لكن الخلاف قائم فى كون أىّ منهما أولى بالإعمال :

ـ فالبصريون يرون أن الثانى أولى بالإعمال لقربه من الاسم.

ـ أما الكوفيون فإنهم يرون أن الأول أولى بالإعمال لتقدمه وسبقه.

ويختار جمهور النحاة إعمال الثانى ، فهو أسهل (٢).

ثانيا : إن احتسب العمل لأىّ من العاملين فى الاسم ، ذلك المتنازع فيه فإن النحاة يذكرون أن الآخر يعمل فى ضمير هذا الاسم على النحو الآتى :

أ ـ فى حال إعمال العامل الأول :

إن عملت العامل الأول فإن العامل الثانى يذكر معه ضمير الاسم مطلقا ، سواء أكان مرفوعا أم منصوبا أم مجرورا.

فيقال : جاء وشرح علىّ ، على أن (عليا) فاعل (جاء) ، فيكون فى (شرح) ضمير مستتر فاعل تقديره : هو.

وتقول : قدم وحيّى الصديق ، يكون (الصديق) فاعلا للفعل الأول (قدم) ، وفى (حيّى) ضمير مستتر تقديره : هو.

لذلك فإنه يقال : قدم وحيّيا الصديقان. حيث التقدير : قدم الصديقان وحيّيا ، حيث أسند العامل الأول إلى الفاعل الظاهر ، وذكر الضمير العائد إلى المتنازع فيه الظاهر مع العامل الثانى (حيّيا).

وعلى ذلك فإنك تقول معملا الأول :

قدم ـ وحيّوا ـ الأصدقاء. (واو الجماعة فاعل).

قدمت ـ وحيّت ـ الصديقة. فى (حيت) ضمير تقديره : هى.

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ٨ / المقتضب ٣ ـ ١١٢ / ٤ ـ ٧٧ ، ٧٨ / الرد على النحاة ٩٣.

(٢) الكتاب ١ ـ ٧٤ / المقتضب ٣ ـ ١١١.

٤٤٢

قدمت ـ وحيّيتا ـ الصديقتان. (ألف الاثنين فاعل).

قدمت ـ وحيّين ـ الصديقات. (نون النسوة فاعل).

ويمكن لك أن تلحظ ما يأتى على إعمال الأول.

ـ استمع ـ وفهم ـ الطالب. استمع ـ وفهما ـ الطالبان.

ـ استمع ـ وفهموا ـ الطلاب. استمعت ـ وفهمت ـ الطالبة.

ـ استمعت ـ وفهمتا ـ الطالبتان. استمعت ـ وفهمن ـ الطالبات.

ومثله أن تقول معملا الأول :

استقبلت ـ وأكرمته ـ الضيف. استقبلت ـ وأكرمتهما ـ الضيفين.

استقبلت ـ وأكرمتهم ـ الضيوف. استقبلت. وأكرمتها ـ الأخت.

استقبلت ـ وأكرمتهما ـ الأختين. استقبلت ـ وأكرمتهن ـ الأخوات

وتقول فى الضمير الشاغل المجرور معملا الأول فى الاسم الظاهر :

حضر ـ وسلمت عليه ـ الصديق.

حضر ـ وسلمت عليهما ـ الصديقان.

حضر ـ وسلمت عليهم ـ الأصدقاء.

حضرت ـ وسلمت عليها ـ الصديقة.

حضرت ـ وسلمت عليهما ـ الصديقتان.

حضرت ـ وسلّمت عليهن ـ الصديقات.

وتقول : زيد مادح ـ وإياه معظّم ـ عمرا. أى : زيد مادح عمرا ، وإياه معظم ، فتضمر المفعول به فى الثانى.

فالقاعدة فى حال إعمال الأول فى قضية التنازع أن تجعل المتنازعين جملتين مستقلتين ، ثم تنطق ، فقولك : أكرمت وجاء عليا ، كأنك قلت : أكرمت عليا وجاء ، فيكون (على) مفعولا به منصوبا للفعل.

٤٤٣

الأول (أكرم) ، ويكون الفعل الثانى (جاء) فيه ضمير مستتر تقديره : (هو) ، وهو الفاعل.

وعليه فى حال مراعاة العدد والجنس تقول :

أكرمت ـ وجاءا ـ العليّين. بظهور الفاعل فى العامل الثانى ، وهو ألف الاثنين.

أكرمت ـ وجاؤوا ـ العليّين ، بظهور واو الجماعة الفاعل فى العامل الثانى.

وتقول : أكرمت وجاءت فاطمة. أكرمت ـ وجاءتا ـ الفاطمتين. أكرمت ـ وجئن ـ الفاطمات.

ويرى الكسائىّ وغيره من أمثال هشام الضرير والسهيلى من الكوفيين بوجوب حذف الضمير المرفوع على الفاعلية ؛ هربا من الإضمار قبل الذكر (١) ، ويناصر ذلك ابن مضاء القرطبى (٢) ، ويقول : «من الدليل على صحة مذهب الكسائىّ قول علقمة :

تعفّق بالأرطى لها وأرادها

رجال فبذّت نبلهم وكليب

إذ لم يقل : (تعفّقوا) على تقدير إعمال الثانى ، ولا (أرادوها) على تقدير إعمال الأول.

أما الفراء (٣) فإنه يذهب إلى استواء العاملين فى طلب المرفوع ما دام العطف بالواو ، حيث يكون العمل لهما ؛ لأنه لمّا كان مطلوبهما واحدا كانا كالعامل الواحد ، فتوجّه العاملان معا إلى اسم واحد ، فتقول :

__________________

(١) شرح التصريح ١ ـ ٣٢١.

(٢) الرد على النحاة ٨٧ / المقرب ١ ـ ٢٥١ / شرح التصريح ١ ـ ٣٢١ / ضياء ال ـ سالك ٢ ـ ١١٦ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ١٠٢. الأرطى : شجر ، بذّت : غلبت وسبقت ، الكليب : جماعة الكلاب ، تعفق : استتر ، يصف الصيادين وقد تخفّوا البقرة.

(٣) ينظر : شرح السيرافى على الكتاب ١ ـ ٤٥٥ / التسهيل ٨٦ / شرح التصريح ١ ـ ٣٢١ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ١٠٣ / الهمع ٢ ـ ١٠٩.

٤٤٤

كتب ـ وقرأ ـ محمد. فيكون العاملان (كتب وقرأ) متسلطين على (محمد) معا.

أما إذا اختلف العاملان عملا فى المتنازع عليه ؛ وكان الأول يحتاج إلى مرفوع ؛ فمذهب الفراء أنك تضمره مؤخرا.

فتقول : احترمنى ـ واحترمت عليا ـ هو.

وتلحظ أن فاعل العامل الأول (احترم) هو الضمير (هو) المذكور مؤخرا.

فإن كان الأول يطلب منصوبا مع طلب الثانى مرفوعا وأعملت الأول فإن مرفوع الثانى يضمر فيه. فتقول : احترمت واحترمنى ـ عليا.

(بنصب على).

لكنك إذا أهملت الأول فلا إضمار ، نحو : احترمت ، واحترمنى علىّ. (برفع على).

ويقال : إن مذهب الفراء حال اختلاف المتنازعين هو وجوب إعمال الأول.

فتقول :

احترمنى ـ واحترمت ـ علىّ.

احترمت واحترمنى ـ عليا.

برفع (على) فى المثال الأول ؛ لأن الفعل الأول يحتاج إليه فاعلا مرفوعا ، ونصب (على) فى المثال الثانى ؛ لأن الفعل الأول يحتاج إليه مفعولا به منصوبا.

ويسرى ذلك على المنصوب العمدة ـ أى : الذى هو مبتدأ أو خبر فى الأصل ، كخبر (كان) ومفعولى (ظن) ـ حيث يجب الإضمار متصلا أو منفصلا ، تقول على إعمال الأول :

كنت ـ وكان محمود إياه ـ صديقا. والتقدير : كنت صديقا وكان محمود إيّاه. (أى : صديقا).

٤٤٥

كان محمد وعلىّ ـ وكان سمير وأحمد إيّاهما ـ صديقين.

كان الطلاب ـ وكان الأساتذة إياهم ـ متفاهمين.

كان محمود ـ وكنت إيّاه ـ صديقا.

ظننت ـ وظنّنى إياه ـ محمودا منطلقا.

أو : ظننت ـ وظنّنيه ـ محمودا منطلقا.

ظننت ـ وظنانى متصالحا ـ أخويك متصالحين.

ظنّ أخواك ـ وظننتهما متصالحين ـ إيّاى متصالحا.

أعلمت ـ وأعلمنيه إيّاه ـ زيدا عمرا منطلقا.

أعلمت ـ وأعلمانيهما إياهما ـ الزيدين العمرين منطلقين.

أعلمت ـ وأعلمونيهم إياهم ـ الزيدين العمرين منطلقين.

ويرى ابن مضاء (١) أن هذه المسائل لا تجوز ؛ لأنه لم يأت لها نظائر فى كلام العرب ، وقياسها على الأفعال الدالة على مفعول به واحد قياس بعيد ؛ لما فيه من الإشكال بكثرة الضمائر والتأخير والتقديم.

ومن الشواهد على إعمال الأول قول عاتكة بنت عبد المطلب :

بعكاظ يعشو الناظري

ن إذا هم لمحوا شعاعه (٢)

__________________

(١) الرد على النحاة ٩٠.

(٢) المقرب ١ ـ ٢٥١ / ابن عقيل رقم ١٦١ / ضياء السالك ٢ ـ ١١٤ / شرح التصريح ١ ـ ٣٢٠.

(بعكاظ) الباء حرف جر مبنى ، لا محل له من الإعراب : عكاظ : اسم مجرور بعد الباء ، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة ؛ لأنه ممنوع من الصرف ، وشبه الجملة متعلقة بفعل سابق (جمعوا). (يعشى) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة. (الناظرين) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم. (إذا) ظرف زمان تضمن معنى الشرط مبنى فى محل نصب. (هم) تأكيد لضمير متصل بفعل الشرط المحذوف ، والتقدير : إذا لمحوا هم ـ على رأى جمهور النحاة ـ (لمحوا) فعل ماض مبنى لها على الضم ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. والجملة مفسرة للمحذوفة لا محل لها من الإعراب. (شعاعه) بالرفع فاعل يعشى مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة.

٤٤٦

برفع (شعاع) ، وهو متنازع فيه بين العاملين (يعشو ، ولمح) ، وهو مطلوب للأول فاعلا ، وللثانى مفعولا به ، فلما كان رفعه دلّ ذلك على إعمال الأول.

ومنه قول المرار الأسدى :

فردّ على الفؤاد هوى عميدا

وسوئل لو يبين لنا السؤالا

وقد نغنى بها ونرى عصورا

بها يقتدننا الخرد الخدالا (١)

وأنت تلمح أن الروىّ ـ وهو اللام المفتوحة ـ منصوب ؛ لذا كان التقدير اللفظى : «نرى الخرد الخدال يقتدننا» (٢) ، ولما كان التنازع بين العاملين (نرى ، ويقتاد) فى المعمول (الخرد) دلّ النصب على إعمال الأول (نرى) ، حيث إن المتنازع فيه مطلوب له مفعولا به ، ومطلوب للثانى (يقتاد) فاعلا ، فلو أنه أعمل الثانى لقال : (تقتادنا الخرد الخدال) بالرفع.

ومنه قول عمر بن أبى ربيعة :

إذا هى لم تستك بعود أراكة

تنخّل ـ فاستاكت به ـ عود إسحل (٣)

ببناء (تنخّل) للمجهول ، ورفع (عود) فيكون نائب فاعل له ، بما يدل على إعمال الأول ، وعدم إعمال الثانى (استاك) فى المتنازع فيه (عود) ، ولو أنه أعمل الثانى لقال : فاستاكت بعود إسحل.

ومنه قول الشاعر :

أساء ولم أجزه عامر

فعاد وحلمى له محسنا (٤)

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ٧٨ / المقتضب ٤ ـ ٧٦ ، ٧٧ / الإنصاف ٨٥ ، ٨٦. الهوى العميد : العشق القادح ، الخرد :جمع خريدة ، وهى المرأة الطويلة السكوت ، الخدال : جمع خدلة (بفتح فسكون) وهى الغليظة الساق المستديرتها.

(٢) المقتضب ٤ ـ ٧٧.

(٣) ملحقات ديوانه ٤٩٠ / الكتاب ١ ـ ٧٨ / الهمع ١ ـ ٦٦ / شرح الأشمونى ٢ ـ ١٠٥. تنخل : اختير ، الإسحل : شجر يستاك به.

(٤) شفاء العليل ١ ـ ٤٤٨. (أساء) فعل ماض مبنى على الفتح (ولم) حرف عطف مبنى لا محل له من

٤٤٧

والأصل : أساء عامر ولم أجزه. حيث تنازع العاملان (أساء ، ولم أجز) المعمول (عامر) ، حيث طلبه الأول بالرفع على الفاعلية ، وطلبه الثانى بالنصب على المفعولية ، ولما كان مرفوعا دلّ ذلك على إعمال الأول ، وإهمال الثانى ، ولكنه ذكر ضميره فى (أجزه).

ب ـ فى حال إعمال الثانى :

إذا تنازع عاملان معمولا واحدا فإنه قد يختار إعمال الثانى ، كما يذهب إليه البصريون ، وعليه جمهور النحاة ، كما هو فى قول الفرزدق :

ولكنّ نصفا لو سببت وسبّنى

بنو عبد شمس من مناف وهاشم (١)

حيث تنازع العاملان (سببت ، وسبنى) المعمول (بنو) ، وهو مطلوب للأول مفعولا به ، ومطلوب للثانى فاعلا ، ولما كان رفعه وعلامة رفعه الواو ؛ دل ذلك على إعمال الثانى.

وكمتا مدمّاة كأنّ متونها

جرى فوقها واستشعرت لون مذهب (٢)

تنازع العاملان (جرى ، واستشعر) المعمول (لون) ، وهو مطلوب للأول فاعلا ، ومطلوب للثانى مفعولا به ، فلما كان نطقه بالفتح دلّ على إعمال الثانى ؛ حيث نصبه مفعولا به.

__________________

الإعراب. وحرف جزم ونفى وقلب مبنى لا محل له. (أجزه) فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون. والفاعل ضمير مستتر تقديره : أنا ، وضمير الغائب مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، وهو العائد على عامر التالى. والجملة معطوفة على سابقتها. (عامر) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

(فعاد) الفاء تعقيبية عاطفة حرف مبنى لا محل له. عاد : فعل ماض مبنى على الفتح ، وفاعله مستتر تقديره : هو. (وحلمى) الواو : للابتداء أو الحال حرف مبنى لا محل له. حلمى : مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، وضمير المتكلم مبنى فى محل جر بالإضافة. والخبر محذوف ، والأفضل أن يكون (محسنا) حالا سدت مسد الخبر (. له) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بمحسن. والجملة الاسمية فى محل نصب ، حال. (محسنا) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة ، وهى سادة مسد الخبر.

(١) ديوانه ٢ ـ ٣٠٠ / الكتاب ١ ـ ٧٧ / المقتضب ٤ ـ ٧٤ / الإنصاف ٨٧.

(٢) الكتاب ١ ـ ٧٧ / المقتضب ٤ ـ ٧٥ / الإنصاف ٨٨ / شرح ابن يعيش ١ ـ ٧٧ ، ٧٨.

الكمت : جمع كميت ؛ خيل تضرب حمرتها إلى سواد ، مذهب : به صفرة.

٤٤٨

وإذا أعمل الثانى فإن الاسم المتنازع فيه تكون علاقته النحوية والمعنوية ضابطة لوجوب الإضمار أو عدمه ، وتفصل تلك الأحكام على النحو الآتى :

١ ـ إذا كان الفعل الأول الذى لم يعمل فى المتنازع فيه يحتاج إلى عمدة ـ الفاعل ، أو الخبر فى باب (كان) ، أو المبتدإ أو الخبر فى باب (ظن) ـ فإنه يجب الإضمار.

فإذا كان فاعلا كان الضمير متصلا ، نحو : أكرمنى وأكرمت الصديق ، بنصب (الصديق) على أنه مفعول به للعامل الثانى ، (أكرمت) وفى العامل الأول (أكرمنى) ضمير مستتر تقديره : (هو) فاعل.

فإذا أردنا المخالفة فى العدد والجنس فى الجملة السابقة فإننا نقول :

أكرمانى ، وأكرمت الصديقين.

أكرمونى ، وأكرمت الأصدقاء.

أكرمتنى ، وأكرمت المدرسة.

أكرمتانى ، وأكرمت المدرستين.

أكرمننى ، وأكرمت المدرسات.

ومثله تقول : زارنى واستقبلت الضيف. (بنصب الضيف لإعمال الثانى ، فيكون مفعولا به).

زارانى ، واستقبلت الضيفين.

زارونى ، واستقبلت الضيوف.

زارتنى ، واستقبلت الأخت.

زارتانى ، واستقبلت الأختين.

زرننى ، واستقبلت الأخوات.

ألقى علىّ السّلام ، وحيّيت الصديق.

ألقيا علىّ السّلام ، وحيّيت الصديقين.

٤٤٩

ألقوا علىّ السّلام ، وحيّيت الأصدقاء.

ألقت علىّ السّلام ، وحيّيت الصديقة.

ألقتا علىّ السّلام ، وحيّيت الصديقتين.

ألقين علىّ السّلام ، وحيّيت الصديقات.

وإذا عدت إلى قول طفيل الغنوى السابق (جرى فوقها واستشعرت لون مذهب) وقد اتضح فيه إعمال الثانى ، تجد أنه يجب أن تقدر ضميرا مستترا فى (جرى) حيث إنه عمدة ، فوجب الإضمار.

ومن ذلك قول الشاعر :

جفونى ولم أجف الأخلاء إننى

لغير جميل من خليلى مهمل (١)

وقول الآخر :

هويننى وهويت الغانيات إلى

أن شبت فانصرفت عنهن آمالى (٢)

وقول الشاعر :

خالفانى ولم أخالف خليلىّ

فلا خير فى خلاف الخليل (٣)

__________________

(١) شرح التصريح ١ ـ ٣٢١ / ضياء السالك ٢ ـ ١١٥ / الأشمونى ٢ ـ ١٠٤.

(٢) (هويتنى) هوى : فعل ماض مبنى على السكون المقدر لإسناده إلى نون النسوة ، وهو ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، وهو العائد على الغانيات ، وضمير المتكلم مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (وهويت) حرف عطف مبنى ، وفعل ماض مبنى على السكون المقدر ، وضمير المتكلم مبنى فى محل رفع ، فاعل.

والجملة معطوفة على سابقتها. (الغانيات) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الكسرة. (إلى) حرف جر مبنى لا محل له. (أن) حرف مصدرى ونصب مبنى على السكون لا محل له. (شبت) فعل ماض مبنى على السكون. وضمير المتكلم مبنى فى محل رفع ، فاعل. والمصدر المؤول فى محل جر بإلى ، وشبه الجملة (إلى أن شبت) متعلقة بهوى. (فانصرفت) الفاء تعقيبية عاطفة حرف مبنى. انصرف : فعل ماض مبنى على الفتح. والتاء حرف تأنيث مبنى لا محل له من الإعراب. (عنهن) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالانصراف. (آمالى) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة. وضمير المتكلم مبنى فى محل جر بالإضافة.

(٣) (خالفانى) فعل ماض مبنى على الفتح ، وألف الاثنين ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، والنون للوقاية حرف مبنى لا محل له ، وضمير المتكلم مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (ولم) الواو : حرف

٤٥٠

تنازع الفعلان (خالف ، ولم أخالف) معمولا واحدا هو (خليلىّ) مثنى مضافا إلى ضمير المتكلم ، الأول طلبه فاعلا مرفوعا ، والثانى طلبه مفعولا به منصوبا ، فلما أعمل الثانى بدليل نصب المعمول المتنازع فيه المثنى أضمر فى الأول ، ووجب الإضمار بألف الاثنين ؛ حيث حاجة الأول إلى عمدة ، وهو المتنازع فيه الفاعل للأول.

ويكون الإضمار مؤخرا فى بابى (كان وظن) فى حال إعمال الثانى. فتقول :

كنت ـ وكان محمود صديقا ـ إياه.

كنت ـ وكان محمود وعلىّ صديقين ـ إياهما.

كنت ـ وكان الزملاء أصدقاء ـ إياهم.

ظنّنى ـ وظننت محمودا فاهما ـ إياه.

ظنّانى ـ وظننت الزميلين فاهمين ـ إيّاهما.

ظنّونى ـ وظننت الزملاء فاهمين ـ إيّاهم.

أعطانى ـ وأعطيت الصديق جنيها ـ إياه.

أعطيانى ـ وأعطيت الصديقين كتابا ـ إياهما.

أعطونى ـ وأعطيت الأصدقاء كتابا ـ إياهم.

وكذا فى حال الجرّ (١) ، فتقول :

__________________

عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. لم : حرف نفى وجزم وقلب مبنى ، لا محل له من الإعراب. (أخالف) فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : أنا. والجملة معطوفة على سابقتها. (خليلى) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الياء ؛ لأنه مثنى ، وحذفت النون للإضافة ، وضمير المتكلم مبنى فى محل جر بالإضافة. (فلا) الفاء تعقيبية حرف مبنى لا محل له من الإعراب. لا : حرف ناف للجنس مبنى ، لا محل له من الإعراب. (خير) اسم لا النافية للجنس مبنى فى محل نصب. (فى خلاف) جار ومجرور ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر لا النافية للجنس ، أو متعلقة بخبرها المحذوف. (الخليل) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

(١) ينظر : شرح التصريح ١ ـ ٣٢١.

٤٥١

استعنت ـ واستعان علىّ صديقى ـ به.

استعنت ـ واستعان علىّ صديقاى ـ بهما.

استعنت ـ واستعان علىّ أصدقائى ـ بهم.

ومن النحاة من يضمر مقدما فى باب (ظنّ) ، فيقال : ظنّنى إياه ، وظننت محمدا فاهما.

ومنهم من يجيز اتصال الضمير ، فيقول : ظننتنيه.

وقيل : لا يضمر ولا يظهر الضمير بل يحذف ، فيذكر ابن عصفور : «وحذف أحد المفعولين فى باب (ظننت) اختصارا جائز ، إلا أن ذلك قليل جدا» (١).

ويذكر ابن مضاء (٢) على التعليق بالثانى :

أعلمت ، وأعلمنى زيد عمرا منطلقا.

أعطيت ، وأعطانى زيد درهما.

ظننت ، وظنّنى زيد شاخصا.

٢ ـ إذا كان الأول لا يحتاج إلى عمدة فلا يجوز الإضمار معه ، فتقول :

أكرمت ، وأكرمنى محمد.

أكرمت ، وأكرمنى المحمدان.

أكرمت ، وأكرمنى المحمدون.

وإذا عدنا إلى قول الفرزدق السابق (لو سببت وسبّنى بنو عبد شمس) فإننا نجد إعمال الثانى (سبنى بنو) ، ولم يضمر فى الأول ؛ لأن المتنازع فيه مطلوب له مفعولا به منصوبا ، فهو ليس بعمدة.

وتقول : ضربنى ، وضربت أخاك.

__________________

(١) المقرب ١ ـ ٢٥١.

(٢) الرد على النحاة ٩٦ ، ٩٧ ، ٩٨.

٤٥٢

ضربانى ، وضربت أخويك.

ضربونى ، وضربت إخوتك.

احترمتنى ، واحترمت الأخت.

احترمانى ، واحترمت الأختين.

احترمننى ، واحترمت الأخوات.

حيث الإضمار فى الأول لاحتياجه إلى عمدة وهو الفاعل ، وعدم الإضمار فى الفضلة التى احتاج إليها ، وهو المفعول به.

وعليه تقول :

كتب ، وقرأ علىّ الدرس.

كتبا ، وقرأ العليان الدرس. كتبوا ، وقرأ العليّون الدرس.

كتبت وقرأت زينب الدرس.

كتبتا وقرأتا الزينبان الدرس. كتبن ، وقرأت الزينبات الدرس.

وتقول على إعمال الثانى : زيد مادح ، ومعظّم عمرا ، حيث إن الأول لا يحتاج إلى عمدة ، بل إلى مفعول به.

ويجعل جمهور النحاة إظهار الضمير المنصوب وهو فضلة فى الشعر ضرورة ، من ذلك قول الشاعر (١) :

إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب

جهارا فكن فى الغيب أحفظ للودّ

__________________

(١) مغنى اللبيب ١ ـ ٣٦٥ / المساعد على تسهيل الفوائد ١ ـ ٤٥٦ / شرح ابن عقيل ٢ ـ ١٦٣ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ١٠٥ / شرح التصريح ١ ـ ٣٣٢.

(إذا) اسم شرط غير جازم مبنى فى محل نصب على الظرفية ، (كنت) فعل الشرط ماض مبنى على السكون ، وضمير المخاطب مبنى فى محل رفع ، اسم كان ، والجملة فى محل جر ، مضاف إليه. (ترضيه) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها الثقل. والفاعل ضمير مستتر تقديره :أنت ، وضمير الغائب مبنى فى محل نصب ، مفعول به. والجملة الفعلية فى محل نصب ، خبر كان.

(ويرضيك) حرف عطف مبنى ، وفعل مضارع مرفوع مقدرا ، وضمير المخاطب مبنى فى محل

٤٥٣

حيث أضمر المنصوب فى (ترضيه) ، وقد أعمل الثانى ؛ لأن المتنازعين (ترضى ويرضى) يتنازعان المعمول (صاحب) ، والأول يطلبه مفعولا به منصوبا ، والثانى يطلبه فاعلا مرفوعا ، فلما كان مرفوعا فى البيت دلّ ذلك على إعمال الثانى ، وحينئذ لا يضمر فى الأول إلا العمدة ، فإضمار المنصوب فى الأول ـ هنا ـ مخالف لما ذكره النحاة ، وهو من قبيل الضرورة.

كما ذكر الضمير مجرورا حال إعمال الثانى فى قول الشاعر :

وثقت بها وأخلفت أمّ جندب

فزاد غرام القلب إخلافها الوعدا (١)

تنازع العاملان (وثق ، وأخلف) المعمول (أم جندب) ، والأول يطلبه مجرورا بحرف الجر ، والثانى يطلبه فاعلا ، وقد عمل الثانى فيه بالرفع ، وأضمر فى الأول مسبوقا بحرف الجر.

فى قوله تعالى : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) [النساء : ١٧٦] ، حيث تنازع العاملان (يستفتون ، ويفتى) المعمول شبه الجملة (فى الكلالة) ، وقد أعمل الثانى فيها ، ولم يضمر فى الأول.

__________________

نصب ، مفعول به. (صاحب) فاعل ـ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (جهارا) مصدر واقع موقع الحال منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، أو نائب عن المفعول المطلق. (فكن) الفاء حرف رابط الشرط بجوابه مبنى ، لا محل له من الإعراب. كن : فعل أمر مبنى على السكون ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت.

(فى الغيب) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالحفظ. (أحفظ) خبر كان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (للود) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالحفظ.

(١) شفاء العليل ١ ـ ٤٤٨.

(وثقت) فعل ماض مبنى على السكون ، وضمير المتكلم مبنى فاعل فى محل رفع. بها جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالوثوق. (وأخلفت) الواو حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب.

أخلفت : فعل ماض مبنى على الفتح ، والتاء حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. وأم مجرور ، وعلامة الجر الكسرة. (فزاد) الفاء : حرف عطف مبنى لا محل له من الإعراب. زاد : فعل ماض مبنى على الفتح. (غرام) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف ، و (القلب) مضاف إليه مجرور ، وعلامة الجر الكسرة. (إخلافها) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. وضمير الغائبة مبني فى محل جر بالإضافة. (الوعدا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، والألف للإطلاق

٤٥٤

ويجوز أن يكون من باب الإعمال أو التنازع قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا). [البقرة : ٣٩] ، حيث يتنازع العاملان (كفروا ، وكذبوا) شبه الجملة (بآياتنا) ، وهو من إعمال الثانى.

فإذا كان الأول لا يحتاج إلى عمدة فإن حذف الضمير أولى من ذكره إذا لم يمنع مانع ، كأن تقول : استعنت به واستعان علىّ زيد ، إذ إنه لو لم يذكر الضمير مع العامل الأول لالتبس بين (به وعليه) ، وبينهما تناقض فى المعنى.

ومثل ذكر الضمير مع الأول للضرورة المعنوية أن تقول : ملت إليه ومال عنى محمود.

انصرفت إليه وانصرف عنى محمود.

٣ ـ إذا نتج عن ذكر الضمير فيما أصله مبتدأ وخبر فى باب (ظن) عدم مطابقة بين الضمير ومفسره ؛ فإن النحاة يذكرون أنه يجب ذكر اسم ملائم بدلا من الضمير.

فإن قلت : أظنّ ـ ويظنّانى ـ محمدا ومحمودا أخوين. بإعمال الأول (أظن) ، فيكون التقدير الترتيبى : أظن محمدا ومحمودا أخوين ، ويظنانى ، وهنا يجب الإضمار فى الثانى ؛ لأن المحتاج إليه عمدة ، فلو قلت : (إياه) لكان مخالفا لمفسره ، وهو (أخوين) فى العدد ، ولو قلب إلى (إياهما) لكان مخالفا لما يخبر عنه ، وهو ضمير المتكلم فى (أظن) ، فيؤتى باسم من جنس المفسر فى اللفظ والمعنى ومطابق للمبتدإ فى العدد ، فيقال :

أظن ـ ويظنانى أخا ـ محمدا ومحمودا أخوين.

أما الكوفيون (١) فيجيزون حذف الضمير ، كما يجيزون الإضمار مع مراعاة الموافقة مع المبتدإ المخبر عنه ، فيقال : إياه.

مسائل أخرى فى التنازع

أولا : تنازع عاملين فى معمولين بمثابة معمول واحد :

قد يتنازع عاملان فى معمولين ، فيحذفان على إعمال أحد المتنازعين ، فتقول :

__________________

(١) ينظر : شرح التصريح ١ ـ ٣٢٣.

٤٥٥

متى رأيت أو قلت زيدا منطلقا ، على إعمال الأول ، وتقول : زيد منطلق على إعمال الثانى (١).

حيث (رأى) العلمية تستلزم مفعولين ، أما القول فإنه يحتاج إلى جملة مفعول به ، وهو مقول القول. فتنصب الاثنين على إعمال (رأى) ، وترفع الاثنين على الابتداء والخبر ، على أن الجملة الاسمية تكون فى محل نصب ، مقول القول.

وعليه يمكن القول : أعلمت أو قلت : محمد مجتهد ، برفع الاثنين (محمد ، ومجتهد) على إعمال القول ، وبنصبهما على إعمال (علم).

وتقول : أقلت أم خلت : الأستاذ حاضر اليوم؟ بالرفع وبالنصب.

ثانيا : تنازع عاملين مختلفين فى عدد المعمول

قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ) [آل عمران : ١٨٠].

يجوز أن تجعله من باب الإعمال أو التنازع ، حيث الفعل (يحسب) مسند إلى الاسم الموصول (الذين) ، وهو يتطلب مفعولين ، أما الفعل (يبخل) ، فإنه يتطلب مفعولا به بحرف جر ، ونجدهما قد تنازعا (بِما آتاهُمُ اللهُ) ، وقد سبق بحرف الجرّ (الباء) على إعمال الثانى (يبخل) ، وهو يحتاج إلى حرف الجرّ للتعدية إليه ، أما المفعول به الثانى للعامل الأول (يحسب) فهو (خيرا) ، ولم يتنازع فيه ؛ لأنه خاص بالأول ، والضمير (هو) ضمير فصل ، لا محلّ له من الإعراب.

ثالثا : قد يكون التنازع بين أكثر من عاملين :

من ذلك قول الحماسى :

طلبت فلم أدرك بوجهى فليتنى

قعدت ولم أبغ النّدى عند سائب (٢)

__________________

(١) يرجع إلى : الكتاب ١ ـ ٧٩ / شفاء العليل ١ ـ ٤٥٠.

(٢) الصبان على الأشمونى ٢ ـ ١٠١.

٤٥٦

وفيه تنازع العوامل الثلاثة (طلب ، أدرك ، أبغ) المعمولين (الندى ، عند سائب) ، وكلّ منها طلبهما بالنصب على المفعولية فى المعمول الأول ، وعلى الظرفية فى المعمول الثانى.

ومنه قول الشاعر :

تمنّت وذاكم من سفاهة رأيها

لأهجوها لمّا هجتنى محارب (١)

حيث تنازعت العوامل : (تمنت ، أهجو ، هجا) المعمول محارب ، وقد طلبه الأول فاعلا ، والثانى طلبه مفعولا به ، والثالث طلبه فاعلا.

فإذا كان التنازع بين ثلاثة عوامل فإنهم قد تحدثوا عن جواز إعمال الأول أو الثالث ، وسكتوا عن إعمال الأوسط.

من إعمال الأول قوله :

كساك ولم تستكسه فاشكرن له

أخ لك يعطيك الجزيل وناصر (٢)

__________________

(١) المساعد على تسهيل الفوائد ١ ـ ٤٤٨.

(تمنت) فعل ماض مبنى على الفتح المقدر. والتاء حرف تأنيث مبنى لا محل له من الإعراب. والفاعل :إما (محارب) على إعمال الأول ، وإما ضمير مستتر تقديره : هى ، على إعمال الثالث. (وذاكم) الواو :حرف عطف مبنى لا محل له من الإعراب. (ذاكم) اسم إشارة خطابى مبنى فى محل رفع ، مبتدأ (من سفاهة) جار ومجرور ، وعلامة جره الكسرة ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر المبتدإ ، أو متعلقة بخبر محذوف. (رأيها) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، وضمير الغائبة مبنى فى محل جر بالإضافة. والجملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب. (لأهجوها) اللام حرف تعليل مبنى ، أهجو : فعل مضارع منصوب بعد لام التعليل ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : أنا. وضمير الغائبة مبنى فى محل نصب ، مفعول به. والمصدر المؤول فى محل جر باللام ، وشبه الجملة متعلقة بالتمنى. (لما) حرف فيه معنى الشرط مبنى لا محل له من الإعراب. ومن النحاة من يجعلها فى محل نصب على الظرفية.

يقتضى جملتين فعليتين ، أولاهما (هجتنى محارب) ، والأخرى محذوفة دل عليها (تمنت). (هجتنى) فعل ماض مبنى على الفتح المقدر ، والتاء للتأنيث ، والنون للوقاية ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : هى.

وضمير المتكلم فى محل نصب ، مفعول به. (محارب) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

(٢) (كساك) فعل ماض مبنى على الفتح المقدر للتعذر ، والكاف ضمير مبنى فى محل نصب ، مفعول به أول. والمفعول به الثانى محذوف. (ولم) حرف عطف ، وحرف نفى وجزم وقلب مبنيان ، لا محل لهما من الإعراب. (تستكسه) فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة ، والفاعل ضمير مستتر

٤٥٧

فقد تنازع العوامل الثلاثة (كسا ، تستكسى ، اشكرن) المعمول (أخ) ، فكان العمل للأول بدليل رفع المعمول ، وهو مطلوب للأول بالرفع ، وللثانى والثالث بالنصب ، كما أنه أضمر فى الثانى والثالث ، مما يدلّ على إعمال الأول.

ومن إعمال الثالث قوله :

جئ ثم خالف وقف بالقوم إنهم

لمن أجاروا ذوو عزّ بلا هون (١)

فقد تنازعت العوامل (جئ ، خالف ، قف) المعمول شبه الجملة (بالقوم) ، وقد أضمر فى الأول والثانى ، وتعدى الثالث بواسطة حرف الجرّ (الباء) ، بما يدلّ على أن شبه الجملة تعلقت بالوقوف ، وهو العامل الثالث. وفيه رواية : «وثق بالقوم».

وحكى بعض النحاة الإجماع على جواز إعمال كلّ من العوامل الثلاثة (٢).

ومنه قول جزء بن ضرار أخى الشماخ بن ضرار الذبيانى :

أتانى فلم أسرر به حين جاءنى

كتاب بأعلى القنّتين عجيب (٣)

__________________

تقديره : أنت. وضمير الغائب فى محل نصب مفعول به أول. والثانى محذوف. (فاشكرن) الفاء حرف تعقيب وعطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. اشكرن : فعل أمر مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المباشرة ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : أنت ، والنون حرف توكيد مبنى لا محل له من الإعراب. (له) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالشكر. (أخ) فاعل كسا مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

(لك) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل رفع ، نعت لأخ. (يعطيك) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : أنت. وكاف المخاطب ضمير مبنى فى محل نصب مفعول به أول. (الجزيل) مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. والجملة الفعلية فى محل رفع ، نعت ثان لأخ. (وناصر) حرف عطف مبنى ، ومعطوف على أخ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

(١) ينظر : الأشمونى ٢ ـ ١٠٢.

(لمن) جار واسم موصول مبنى فى محل جر ، وشبه الجملة متعلقة بذوى. (ذوو) خبر إن مرفوع ، وعلامة رفعه الواو. (عز) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (بلا) الباء حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. (هون) اسم مجرور بعد الباء ، وعلامة جره الكسرة. وشبه الجملة فى محل جر ، نعت لعز.

(٢) الموضع السابق.

(٣) شرح ديوان الحماسة ١ ـ ٣٤٣ / شفاء العليل ١ ـ ٤٤٦ / العينى ٣ ـ ٣٤٨.

(بأعلى) شبه جملة فى محل رفع ، نعت لكتاب. (القنتين) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الياء لأنه مثنى. (عجيب) نعت ثان لكتاب مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

٤٥٨

حيث تنازعت الأفعال (أتى ، أسرر ، جاء) معمولا واحدا ، هو (كتاب) ، فطلبه الأول فاعلا مرفوعا ، وطلبه الثانى مجرورا بحرف الجر (الباء) ، وطلبه الثالث فاعلا مرفوعا.

وقول الآخر :

ما صاب قومى وأصباه وتمّمه

إلا كواعب من ذهل بن شيبانا (١)

تنازعت الأفعال (صاب ، وأصبى ، وتمم) المعمول (كواعب) ، وكلّ منها طلبه فاعلا مرفوعا.

وقول آخر :

ما صاب قومى وأصباه وتمّمه

إلا كواعب من ذهل بن شيبانا (٢)

تنازعت الأفعال (صاب ، وأصبى ، وتمم) المعمول (كواعب) ، وكلّ منها طلبه فاعلا مرفوعا.

وقول آخر :

سئلت فلم تبخل ولم تعط نائلا

فسيّان لاحمد لديك ولا ذمّ (٣)

تنازعت العوامل (سئل ، لم تبخل ، لم تعط) المعمول (نائلا) والأول يطلبه مفعولا به ثانيا ، والثانى يطلبه مجرورا بحرف جر يقدر ، والثالث يطلبه مفعولا به منصوبا.

وقول آخر :

فكم دقّت ورقّت واسترقّت

صدور الرزق أعناق الرجال (٤)

العوامل الثلاثة (دق ، ورق ، واسترق) تنازعت المعمول (صدور) ، وكلّ منها يطلبه فاعلا مرفوعا.

__________________

(١) شفاء العليل ١ ـ ٤٤٦ / شرح التصريح ١ ـ ٣١٩.

(من ذهل) جار ومجرور ، وعلامة جره الكسرة ، وشبه الجملة فى محل رفع ، نعت لكواعب. (ابن) نعت أو عطف بيان أو بدل من ذهل مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (شيبانا) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف ، والألف للإطلاق.

(٢) شفاء العليل ١ ـ ٤٤٧.

(سيان) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الألف لأنه مثنى ، وخبره محذوف ، والتقدير : فسيان فعلك. ويجوز أن يكون خبرا لمبتدإ محذوف ، (لا) حرف نفى مبنى لا محل له من الإعراب. (حمد) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، (لديك) ظرف مكان مبنى فى محل نصب ، وضمير المخاطب مبنى فى محل جر بالإضافة. وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر المبتدإ ، أو متعلقة بخبر محذوف. ومثلها (ولا ذم).

(٣) شفاء العليل ١ ـ ٤٤٧.

٤٥٩

وقول آخر :

أرجو وأخشى وأدعو الله مبتغيا

عفوا وعاقبة فى الروح والجسد (١)

تنازعت الأفعال الثلاثة (أرجو ، وأخشى ، وأدعو) المعمول لفظ الجلالة (الله) ، وكلّ منها يطلبه مفعولا به منصوبا.

رابعا : سائر المعمولات وقضية التنازع :

يثير ابن مضاء القرطبىّ (٢) قضية عرض النحاة للفاعل والمفعول به والمجرور فى باب التنازع ، حيث تحدّثوا عن الأحكام التى تحكم العلاقات بين هذه الأسماء فى جملة التنازع ، ولكن هناك معمولات أخرى ، من نحو : المصدر ، والظرف ، والحال ، والمفعول لأجله ، والمفعول معه ، والتمييز ، والحروف ؛ فهل تقاس هذه المعمولات على المفعول به ، أم أنها لا تقاس عليه؟ يكون ذلك على النحو الآتى :

المصدر :

لا يكون المصدر من هذا الباب ؛ لأنه تأكيد للفعل ، والحذف يكون مناقضا للتأكيد.

ظرف الزمان : تقول :

قمت ، وقام زيد يوم الجمعة. (على التعليق بالثانى).

قمت ـ وقام فيه زيد ـ يوم الجمعة. (على التعليق بالأول).

والتقدير : قمت يوم الجمعة ، وقام فيه زيد.

ظرف المكان : تقول : قمت ، وقام زيد مكانا حسنا. (على التعليق بالثانى).

__________________

(١) شفاء العليل ١ ـ ٤٤٧ / شرح شذور الذهب ٤٢١.

(مبتغيا) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة. (عفوا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

(وعاقبة) حرف عطف ومعطوف على عفو منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (فى الروح) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالعفو والعاقبة ، أو فى محل نصب ، نعت لعاقبة.

(٢) الرد على النحاة ٩٢ ، ٩٣.

٤٦٠