النحو العربي - ج ٢

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٢

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٧١

ملحوظة : بين النحاة خلاف فى الاسم المشغول عنه الواقع قبل اسم الفعل أو المصدر الذى لا يصح أن يحلّ محلّه الحرف المصدرى ، نحو القول : زيد عليكه ، زيدا ضربا إياه ، حيث :

ـ يرى جمهور النحاة تعين الرفع فى الاسم المشغول عنه ؛ لكون العاملين غير صفة.

ـ يجيز الكسائى النصب ؛ لجوازه تقديم معمول اسم الفعل ، كما يجيز المبرد والسيرافى النصب ؛ لجوازهما تقديم معمول المصدر الذى لا ينحلّ بحرف مصدرى (١).

ه ـ بعد واو الحال :

إذا ذكر الاسم المشغول عنه بعد واو الحال ؛ أى : فى صدر جملة حالية ؛ فإنه يجب فيه الرفع. نحو : أقبل محمد وعلىّ يرحب به ، ذاكرت الدرس وعلىّ أشرح له. حيث وقع الاسمان المشغول عنهما (محمد ، وعلى) بعد واو الحال ، وقد تضمنت جملتا الحال العاملين المشغولين (يرحب ، أشرح) والضميرين الشاغلين (هاء الغائب) ، فوجب رفع الاسمين المشغول عنهما.

ومنه قولك : دخلت الامتحان والمادة أستوعبها ، جلست أمام المكتب والكتاب أفتحه. قرأت الكتاب وأنا أفهمه.

القسم الثالث : ما يجوز فيه النصب والرفع :

فيما عدا ما سبق ممّا ذكرناه من مواضع وجوب النصب ومواضع وجوب الرفع قسم يجوز فيه النصبّ والرفع.

وعند هذا القدر من المواضع نكون قد انتهينا من ذكر أحكام الاسم المشغول عنه إعرابيا ، ولكننا لو سايرنا النحاة فى دراستهم لهذه القضية ؛ فإننا نجد أنهم قد قسموا حكم الجواز إلى ثلاثة أقسام تختلف فيما بينها بين الترجيح والاستواء ، وتفصيل ذلك كما يأتى :

__________________

(١) الأشمونى ٢ ـ ٨٤ ، ٨٥.

٤٢١

أ ـ رجحان النصب :

يترجح نصب الاسم المتقدم المشغول عنه فى المواضع الآتية :

١ ـ أن يقع بعد الاسم فعل طلبىّ ؛ كالأمر والنهى والدعاء. ويرجح النحاة النصب مع الطلب ؛ لأن الإخبار بالجملة الطلبية خلاف الأصل ، والطلب يكون بالفعل ، فكان حمل الكلام على الأصل وهو الفعل أولى (١). لذلك فإنهم يرجحون النصب إذا ذكر طلب بعد الاسم المشغول عنه.

ذلك نحو :

شريفا أكرمه ـ رفيقا لا تهنه.

غادة أكرمها الله ووفّقها ـ حاتما لترفق به.

كل من : شريف ، ورفيق ، وغادة ، وحاتم مفعول به منصوب لفعل محذوف ، يفسره الفعل المذكور.

ويجوز أن يرفع على الابتدائية ، ويكون الخبر محذوفا يقدر من القول.

لكن النصب أرجح ـ عند النحاة ـ ولا فرق فى ذلك بين الدعاء بالأسلوب الإنشائى ، والدعاء بالأسلوب الخبرى ، كقولك : أخاك ساعده يا الله ، أخاك ساعده الله.

ومنه قولك : صديقك عد أباه ، وابنك لا تهمل رعايته ، جارنا أعان الله والده ، أستاذنا بارك الله فى عمره.

هريرة ودّعها وإن لام لائم

غداة غد أم أنت للبين واجم (٢)

__________________

(١) شرح التصريح ١ ـ ٢٩٨.

(٢) ديوانه ١٧٧ / الكتاب ٤ ـ ٢٠٥.

(هريرة) مفعول به لفعل محذوف تقديره (ودع) منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (ودعها) فعل أمر مبنى على السكون ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت ، وضمير الغائبة مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، والجملة تفسيرية لا محل لها من الإعراب. (وإن) الواو للإحاطة والشمول ، أو التوكيد حرف مبنى.

إن : حرف شرط جازم مبنى على السكون لا محل له من الإعراب. (لام) فعل الشرط ماض مبنى على الفتح. (لائم) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. وجملة الشرط محذوفة دل عليها ما سبق. (غداة)

٤٢٢

بنصب (هريرة) ، وجملة (ودّعها) جملة أمرية.

وقول أبى الأسود الدّؤلى :

أميران كانا آخيانى كلاهما

فكلا جزاه الله عنى بما فعل (١)

بنصب (كل) ، وجملة (جزاه الله) جملة دعائية.

كما يجرى مجرى الأفعال الطلبية فى قضية الاشتغال من المصادر ، نحو : زيدا جدعا له ، وعمرا غفرانا له ، والله حمدا له ، والمجرور هنا منصوب فى المعنى (٢).

كلّ من : (زيد ، وعمرو ، ولفظ الجلالة الله) اسم مشغول عنه ، والشاغل مصدر (جدعا ، غفرانا ، حمدا) ، وهو واقع موقع الفعل الطلبى ؛ لذا فإنه يرجح فى الاسم المشغول عنه النصب.

__________________

ظرف زمان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (غد) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. وشبه الجملة متعلقة بالتوديع المقدر. (أم) حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب ، عطف ما بعده على مقدر من المعنى السابق. (أنت) ضمير مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (للبين) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة باللوم. (واجم) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

(١) الكتاب ١ ـ ١٤٢ / الرد على النحاة ١٩٦ / شرح المفصل ٢ ـ ٣٨.

(أميران) خبر لمبتدأ محذوف مرفوع ، وعلامة رفعه الألف لأنه مثنى. (كانا) فعل ماض ناقص ناسخ مبنى على الفتح. وألف الاثنين ضمير مبنى فى محل رفع ، اسم كان. (آخيانى) فعل ماض مبنى على الفتح ، وألف الاثنين ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. والنون حرف وقاية لا محل له من الإعراب. وضمير المتكلم مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، والجملة الفعلية فى محل نصب ، خبر كان ، وجملة كان فى محل رفع ، نعت للخبر. (أميران). (كلاهما) توكيد لألف الاثنين مرفوع ، وعلامة رفعه الألف لأنه مثنى. وضمير الغائبين مبنى فى محل جر بالإضافة.

(فكلا) الفاء حرف سببى مبنى ، لا محل له من الإعراب. كلا : مفعول به لفعل محذوف تقديره : جزى الله. (جزاه) فعل ماض مبنى على الفتح المقدر ، وضمير الغائب مبنى فى محل نصب ، مفعول به.

(الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة تفسيرية لا محل لها من الإعراب. (عنى) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالجزاء. (بما) جار ومجرور وشبه الجملة متعلقة بالجزاء.

(فعل) فعل ماض مبنى على الفتح. وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو ، والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

(٢) ينظر : ارتشاف الضرب ٣ ـ ١٠٧.

٤٢٣

ومنه القول : أما زيدا فسقيا له.

فيجوز بذلك الرأى الذى يذهب إلى أن المصدر الذى يقوم مقام فعله يعمل فيما قبله ، أما المصدر الذى ينوب مناب (أن) المصدرية والفعل فهو المصدر الذى لا يعمل فيما قبله. فيجوز لذلك القول : ضربا زيدا ، كما تقول : اضرب زيدا ، ويجوز : زيدا ضربا ، كما يجوز أن تقول : زيدا اضرب (١).

فإذا قلت : زيدا ضربا له ، كان قضية اشتغال.

ملحوظة :

إذا فصل بين الاسم المشغول عنه والطلب فإن الاسم يجب فيه الرفع ، ومن ذلك قول الشاعر :

وقائلة خولان فانكح فتاتهم

وأكرومة الحيّين خلو كما هيا (٢)

حيث رفع (خولان) ؛ لأن الطلب الذى يليه ـ وهو الأمر (فانكح) ـ قد فصل عنه بالفاء المصدرة للطلب. والتقدير : هذه خولان ، فتكون خولان مرفوعة على

__________________

(١) ينظر : البسيط فى شرح جمل الزجاجى ٢ ـ ٦٢٦.

(٢) الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٧٧. خولان : اسم قبيلة ، الحيين : أراد حى أبيها وحى أمها ، خلو : خلية عن الأزواج. (وقائلة) الواو واو رب حرف شبيه بالزائد مبنى ، لا محل له من الإعراب. قائلة : مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد ، وخبر المبتدإ محذوف. (خولان) خبر لمبتدإ محذوف ، أو مبتدأ مرفوع خبره ما بعده. (فانكح) الفاء استئنافية على الرأى الأول ، وواقعة فى خبر المبتدإ على الثانى ، وهو حرف مبنى لا محل له من الإعراب ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : أنت. (فتاتهم) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وضمير الغائبين مبنى فى محل جر بالإضافة. والجملة استئنافية لا محل لها ، أو فى محل رفع ، خبر المبتدإ (خولان). (وأكرومة) الواو للابتداء أو للحال حرف مبنى لا محل له. أكرومة : مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (الحيين) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الياء ؛ لأنه مثنى. (خلو) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة فى محل نصب ، حال. (كما هى) الكاف حرف جر مبنى ، لا محل له من الإعراب. (ما) اسم موصول مبنى فى محل جر. (هى) ضمير مبنى فى محل رفع ، مبتدأ ، وخبره محذوف ، والتقدير : كالذى هى عليه ، وشبه الجملة فى محل نصب ، حال. أو متعلقة بحال محذوفة. وقد تكون (ما) كافة لحرف الجر ، والضمير مبتدأ محذوف الخبر. وقد تكون زائدة والضمير المرفوع واقعا موقع الضمير المجرور فى محل جر.

٤٢٤

الخبرية لمبتدإ محذوف. أو مبتدأ خبره الجملة التى تليه (فانكح فتاتهم) ، وقد صدر بالفاء باعتبار معنى الشرط فى المبتدإ ، ولذا وجب رفع الاسم السابق ؛ لأن جواب الشرط لا يعمل فيما قبله.

وفى قوله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ). [النور : ٢] (الزانية والزانى) مرفوعان ، واتفق الرواة السبعة على الرفع ، وحينئذ يكونان مبتدأ فى خبره وجهان :

أولهما : أن يكون محذوفا تقديره : فيما يتلى عليكم فى الفرائض (١).

والآخر : أن يكون الخبر جملة (فاجلدوا) ، والفاء زائدة ، ويكون الخبر إخبارا بتقدير القول ، أى : مقول لهما ، أو فيهما ، أو : يقال .. ، أو بحمله على المعنى الخبرى ، كأنه يقول : الزانية والزانى كلّ واحد منهما مستحقّ للجلد (٢).

وقد ذكرت قراءة بالنصب ، ولا إشكال فى هذه القراءة من حيث ترجيح النصب.

ومثل ذلك قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) [المائدة : ٣٨].

٢ ـ إذا وقع الاسم المشغول عنه بعد حروف التحضيض والعرض فإنه يجرى مجرى ما سبق من اختيار النصب فى الاسم الذى يقع بعدها ؛ لأنها بمثابة الأمر. فتقول : لو لا محمدا أكرمته ، وهلّا عليا احترمت ابنه ، ولو ما سعيدا زرت أباه ، ألا فاطمة كافأتها.

كلّ من : محمد ، وعلى ، وسعيد ، وفاطمة ، يختار فيه النصب على المفعولية لفعل محذوف ، يفسره الفعل المذكور ، وترجح النصب لوقوع هذه الأسماء بعد أدوات العرض والتحضيض.

من ذلك قول جرير :

تعدّون عقر النّيب أفضل مجدكم

بنى ضوطرى لو لا الكمىّ المقنّعا (٣)

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ١٤٢.

(٢) البيان فى غريب إعراب القرآن ٢ ـ ١٩١.

(٣) (تعدون) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ،

٤٢٥

والتقدير : لو لا تعدون الكمىّ المقنّعا ، فنصب (الكمى) بفعل محذوف.

والرفع جائز بعد هذه الأدوات.

يلحظ أنه إذا وقع الاسم المشغول عنه قبل أدوات العرض والتحضيض فإنه يرفع ؛ ذلك لأن ما بعدها لا يعمل فيما قبلها ، لكنه إذا وقع بعدها فإن الاسم المشغول عنه والفعل المشغول يكونان قد ذكرا بعدها ، وحينئذ يجوز أن يعمل ما بعدها فيما تقدم عليه ، وهو واقع بعدها كذلك.

٣ ـ إذا عطف جملة فعلية على أخرى فعلية بلا فاصل دون العطف ، وقد تقدم الاسم المشغول عنه الجملة الثانية ، نحو : فهم علىّ ومحمدا أفهمته. حيث يترجح نصب الاسم المتقدم المشغول عنه (محمد) ، حتى لا يتوهم عطفه على سابقه ، ولكى يكون عطف الجملة من النظائر.

ومنه قوله تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٤) وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ)(١) [النحل : ٤ ، ٥].

__________________

فاعل. (عقر) مفعول به أول منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (النيب) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (أفضل) مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (مجدكم) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. وضمير المخاطبين مبنى فى محل جر بالإضافة. (بنى) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. (ضوطرى) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الفتحة المقدرة نيابة عن الكسرة. (لولا) حرف تحضيض مبنى لا محل له من الإعراب. (الكمى) مفعول به لفعل محذوف منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (المقنعا) نعت للكمى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، والألف للإطلاق.

(١) (خلق) فعل ماض مبنى على الفتح. والفاعل ضمير مستتر تقديره : هو. (الإنسان) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (من نطفة) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالخلق ، ويجوز أن تكون فى محل نصب ، حال. (فإذا) الفاء : تعقيبية عاطفة حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب : إذا : فجائية مبنية لا محل لها من الإعراب. (هو) ضمير مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (خصيم) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (مبين) صفة لخصيم مرفوعة وعلامة رفعها الضمة. (والأنعام) الواو : حرف عطف مبنى لا محل له ، الأنعام : مفعول به لفعل محذوف يفسره المذكور منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، ويجوز أن تجعله معطوفا على الإنسان. (خلقها) فعل ماض مبنى على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو ، وضمير الغائبة مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، والجملة تفسيرية لا محل لها من الإعراب ، أو مؤكدة إذا عطفت الأنعام على الإنسان. (لكم) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بخلق ، أو : متعلقة بما تعلق به فيها ، أو فى محل نصب ، حال من دفء ، أو فى محل رفع ، خبر مقدم. (فيها) جار

٤٢٦

والقول : أقبل محمد ومحمودا استقبلته.

ومنه قوله تعالى : (فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ). [الأعراف : ٣٠] ، (فريقا) الثانية منصوب بإضمار فعل تقديره : وأضلّ فريقا. ويحسن النصب هنا لعطف هذه الجملة على الجملة الفعلية السابقة (فريقا هدى) ، وشبه الجملة (عليهم) فى موضع نصب (١).

وقوله تعالى : (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً (١٢) وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) [الإسراء : ١٢ ، ١٣]. (كلّ) فى الموضعين نصبت على الاشتغال بفعل محذوف ، يقدر من المذكور ، أى : فصلنا كل شىء ، وألزمنا كل إنسان ، وقد ترجح النصب فى الموضعين للعطف على جملة فعلية : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) [الإسراء : ١٢].

ومنه قول الربيع بن ضبع الفزارى :

أصبحت لا أحمل السلاح ولا

أملك رأس البعير إن نفرا

والذئب أخشاه إن مررت به

وحدى وأخشى الريح والمطرا (٢)

حيث نصب (الذئب) بفعل مقدر من الفعل المذكور (أخشاه) ، حيث عطفت جملته على الجملة الفعلية (لا أحمل) ، فرجح نصب الاسم المشغول عنه المتقدم.

__________________

ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بدفء. أو فى محل نصب ، حال منه ، أو متعلق بما تعلق به الخبر إذا جعلت (لكم) خبرا ، أو خبرا مقدما. (دفء) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة الاسمية فى محل نصب ، حال من الأنعام. (ومنافع) الواو : حرف عطف ، منافع : معطوف على دفء مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (ومنها) الواو : حرف عطف مبنى. منها : جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالأكل. (تأكلون) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى في محل رفع ، فاعل. والجملة الفعلية فى محل نصب بالعطف على الجملة السابقة.

(١) ينظر : الكتاب ١ ـ ٨٩ / البسيط فى شرح جمل الزجاجى ٢ ـ ٦٥٨.

(٢) الكتاب ١ ـ ٨٩ / معانى القرآن للأخفش ١ ـ ٧٩ / الرد على النحاة ١٠٧ / شرح ابن يعيش ٧ ـ ١٠٥ / شرح جمل الزجاجى لابن عصفور ١ ـ ٤١٤ / شرح التصريح ٢ ـ ٣٦.

جملة (لا أحمل) فى محل نصب ، خبر أصبح. جملة جواب شرط (إن) محذوفة دل عليها ما سبق ....

وكذلك جواب (إن) فى البيت الثانى. شبه جملة (به) متعلقة بالمرور. (وحدى) حال منصوبة بالفتح المقدر ، منع من ظهوره اشتغال المحل بكسرة ضمير المتكلم. جملة (أخشى الريح) معطوفة على جملة (الذئب).

٤٢٧

فإذا فصل بين الجملتين بغير حرف العطف فإنه يختار الرفع ، كأن تقول : فهم علىّ ، أما محمد فأكرمته ، حيث يكون محمد مرفوعا على الابتدائية ، ويكون خبره الجملة الفعلية (أكرمته).

٤ ـ يترجح نصب الاسم المتقدم المشغول عنه إذا وقع بعد الأدوات التى يغلب دخولها على الأفعال ، وهى :

ـ همزة الاستفهام : ذكرنا أن أدوات الاستفهام تختص بالدخول على الجملة الفعلية ، فينصب الاسم المشغول عنه إذا وقع بعدها ، واستثنينا من ذلك الهمزة ، نحو قوله تعالى : (أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ) [القمر : ٢٤]. (بشرا) مفعول به منصوب بفعل يقدر من الفعل الموجود ، ويجوز رفعه على الابتدائية ، لكن يترجح النصب لذكره بعد همزة الاستفهام ، بشرط عدم الفصل بينهما إلا بالظرف ، فإن فصلت فالمختار الرفع كأن تقول : أفينا طالب قدّره الأستاذ؟

ـ (ما ، ولا ، وإن) النافية : إذا وقع الاسم بعد حروف النفى (ما ولا وإن) وهى حروف النفى التى لا تختص ؛ فإنه يترجح نصبه ، نحو قولك : ما مهملا احترمته ، لا طعاما تناولته ولا شرابا ، إن كاذبا احترمته.

كل من : مهمل وطعام وكاذب مفعول به لفعل محذوف يقدر من الفعل المذكور بعده ، ونصبه راجح ، لكنه قد يرفع على الابتدائية رفعا مرجوحا لوقوعه بعد أدوات النفى المذكورة ؛ وذلك لأن هذه الأدوات من النفى يقع بعدها الفعل ، وإذا وقع بعدها اسم وفعل كان الاختيار تقديم الفعل على الاسم. ففى قول جرير :

فلا حسبا فخرت به لتيم

ولا جدا إذا ازدحم الجدود (١)

وقع الاسم المشغول عنه (حسبا) بعد (لا) النافية ، فرجح نصبه.

٥ ـ أن يكون الاسم المشغول عنه مسئولا عنه فى استفهام يقع فيه منصوبا على المفعولية. كأن تقول : أيّهم كلّمت؟ فيجاب : محمدا كلمته. حيث (أى) المسئول عنه مفعول به فى السؤال ، فلما أجيب ذكر المسئول عنه فى الجواب متقدما

__________________

(١) الديوان ١٢٩ / الكتاب ١ ـ ١٤٦ / شرح ابن يعيش ١ ـ ١٠٩ / شرح الرضى على الكافية ١ ـ ١٧٣.

٤٢٨

الفعل ، ومذكورا ضميره بعد الفعل ، فأصبح مشتغلا عنه ، وهنا يترجح فيه النصب ، ويجوز الرفع على الابتدائية.

فإن قيل : أىّ تحبه؟ فيجاب : محمد أحبّه ، بالرفع (١) ؛ لأن المسئول عنه (أى) فى السؤال مرفوع على الابتدائية ، مع ملاحظة جواز نصبه ، لكن الرفع أرجح.

٦ ـ يترجح النصب فى ما إذا كان نصبه يظهر المعنى ، أو يساعد على إظهاره ، كما فى قوله تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [القمر : ٤٩] ، حيث ينصب (كل) على أنه مفعول به لفعل محذوف ، ويجوز رفعه على الابتدائية ، لكن النصب أرجح ؛ لأن الرفع يوهم أن جملة (خلقناه) صفة لشىء ، وليس كذلك فهى في محلّ رفع ، خبر (إن).

ومثل ذلك قوله تعالى : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) [يس : ١٣]. حيث يختار فى (كل) النصب ؛ لأن ذلك يقتضى أن كلّ شئ فهو محصىّ فى إمام ، أما الرفع فإنه يدلّ على أن الشئ المحصىّ فى إمام ، وفرق بين المعنيين. والسبعة على قراءة النصب.

هذا بخلاف قوله تعالى : (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ) [القمر : ٥٢] ، إذ إن جملة (فعلوه) فى محل جر ، نعت ل (شىء) ، أما خبر المبتدإ (كل) فهو شبه الجملة (فى الزبر).

٧ ـ يترجح النصب إذا وقع الاسم المشغول عنه بعد حرف شبيه بحرف العطف ، مثل : حتى ، ولكن ، حيث يعطفان المفرد على المفرد ، إذا ذكرت (حتى) بين ما يفيد الكلية والبعضية ، وذكرت (لكن) بعد نفى وشبهه ، وهما لا يعطفان الجمل لذا أشبها حروف العطف ومثال ذلك : أفهمت الطلبة حتى الأخير أفهمته ، ما استمعت إلى الطلاب لكن محمدا أفهمته.

__________________

(١) المقتضب ٢ ـ ٢٩٩.

٤٢٩

فكلّ من (الأخير ومحمد) اسم مشغول عنه ، وقع بعد (حتى ولكن) ، وهما حرفان شبيهان بحروف العطف ؛ لذا رجح النصب فيهما.

ويذكر من ذلك : أكرمت القوم حتى زيدا أكرمته. وما قام بكر لكن عمرا ضربته.

٨ ـ يترجح النصب إذا لم يذكر ضمير الاسم المتقدم ، من ذلك قولك : محمدا أكرمت ، وعليا أفهمت.

ذلك لأن الرفع يكون على الابتدائية ، هذا وتكون الجملة الفعلية (أكرمت) فى محل رفع ، خبر له ، ويستلزم هذا تقدير ضمير رابط بين المبتدإ وجملة الخبر ، وعدم التقدير فى حال النصب على المفعولية المقدمة أفضل من تقدير محذوف.

ومما ذكر مرفوعا ويترجح فيه النصب قول الشاعر :

ثلاث كلّهن قتلت عمدا

فأجزى الله رابعة تعود (١)

حيث رفع (ثلاث) وأخبر عنه بالجملة الفعلية (قتلت) ، وهى خالية من الضمير العائد ، فكان النصب فى (ثلاث) على أنه مفعول به مقدم أفضل ؛ لأنه فى حال الرفع علينا أن نقدر ضميرا عائدا إلى الاسم المتقدم يكون رابطا بين المبتدإ وخبره الجملة.

ب ـ رجحان الرفع :

يرجّح الرفع فى غير ما ذكر سابقا ، وذلك بالإخبار عن الاسم المتقدم بجملة فعلية ، تتضمن الضمير العائد عليه ، نحو قولك محمود فهمته ، حيث (محمود)

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ٨٦ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٣٢٨ / أمالى ابن الشجرى ١ ـ ٣٢٦.

(ثلاث) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفع الضمة. (كلهن) مبتدأ ثان مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. وضمير الغائبات مبنى في محل جر بالإضافة. (قتلت) فعل ماض مبنى على السكون ، وتاء المتكلم ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. وفيه ضمير محذوف رابط. والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدإ. (عمدا) مصدر واقع موقع الحال منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. أو نائب عن المفعول المطلق منصوب. (فأجزى) الفاء حرف سببى مبنى ، لا محل له من الإعراب. أجزى : فعل ماض مبنى على الفتح المقدر. (الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (رابعة) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

(تعود) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : هى. والجملة الفعلية فى محل نصب ، نعت لرابعة.

٤٣٠

يرجح رفعه على الابتدائية ؛ لأنه لم يتقدم عليه ما يطلب الفعل وجوبا أو رجحانا ، كما أنه يخبر عنه بجملة فعلية تتضمن الضمير العائد. ويجوز فيه النصب.

أما قول الحارث بن كلدة :

فما أدرى أغيّرهم تناء

وطول العهد أم مال أصابوا (١)

فيذكر فيه سيبويه : «يريد : أصابوه ، ولا سبيل إلى النصب ، وإن تركت الهاء لأنه وصف ، كما لم يكن النصب فيما أتممت به الاسم ، يعنى الصلة» (٢).

لكن الرأى أنه إذا كان فيه الرفع فإنه حكم راجح ، لكنه يجوز فيه النصب ، فالرفع بعطف (مال) على تناء ، أما النصب فإنه يكون بمعادلة ما بعد (أم) بما قبلها ، وما قبلها جملة فعلية ، فيقدر ما بعدها جملة فعلية تقدر بالقول : أم أصابوا مالا.

كما يرجّح الرفع إذا عطفت جملة الاشتغال على جملة اسمية ، خبرها مفرد أو شبه جملة ، كأن تقول : سمير مقبل ومحمود استضفته ، محمد فى القاعة وعلىّ شرحت له.

يرجح الرفع ترجيحا مطلقا فى الاسم المشغول عنه إذا وقع بعد (أمّا). ففى قوله تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) [فصلت : ١٧] حيث رفع (ثمود) وهو اسم مشغول عنه ، وكان الرفع على الابتدائية لوقوعه بعد (أمّا) ، حيث لا يليها إلا الاسم ويكون مبتدأ.

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ٨٨ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٣٢٩ / أمالى ابن الشجرى ١ ـ ٥ ، ٣٢٦ ، ٢ ـ ٣٣٤.

(فما) الفاء بحسب ما قبلها. ما : حرف نفى مبنى لا محل له من الإعراب. (أدرى) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة. والفاعل ضمير مستتر تقديره : أنا. (أغيرهم) الهمزة حرف استفهام مبنى ، لا محل له من الإعراب. غير : فعل ماض مبنى على الفتح. وضمير الغائبين مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (تناء) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة. والجملة فى محل نصب مفعولى أدرى. (وطول) الواو حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. طول : معطوف على تناء مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (العهد) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة (أم) حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. (مال) معطوف على تناء مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (أصابوا) فعل ماض مبنى على الضم ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. وفيه ضمير محذوف منصوب يعود على مال ، والجملة فى محل رفع ، صفة لمال.

(٢) الكتاب ١ ـ ٨٨.

٤٣١

وقرئ منصوبا على الاشتغال وهو قليل ، ويقدر الاسم بعدها متقدما على الفعل المقدر ، فيكون التقدير : وأما ثمود هدينا فهديناهم.

ومما ذكر منصوبا والرفع مرجّح فيه قوله :

فارسا ما غادروه ملحما

غير زمّيل ولا نكس وكل (١)

حيث نصب (فارسا) ، واختيار الرفع فيه أرجح ؛ لأن عدم الإضمار فيه أرجح من إضمار فعل ؛ لكنه يستشهد به على من منع النصب.

ج ـ استواء النصب والرفع :

يذكر حالة استواء رفع الاسم المشغول عنه ونصبه إذا ذكر بعد جملة ذات وجهين ، وهى الجملة الاسمية التى يكون خبرها جملة فعلية ، كقولك : صديقى جاء ومحمدا قابلته ، أو : ومحمد قابلته. حيث ذكر الاسم المشغول عنه (محمد) بعد الجملة الاسمية (صديقى جاء) ، وهى ذات وجهين ؛ لأن خبرها جملة فعلية (جاء).

ومنه ما يذكرونه من القول : زيد لقيته وعمرو أكرمته. أو : وعمرا أكرمته.

حيث يجوز أن تعطف جملة الاشتغال على الجملة الصغرى ، وهى فعلية ، فتنصب الاسم المشغول عنه.

كما يجوز أن تعطف على الجملة الكبرى ـ وهى اسمية ـ فترفع الاسم المشغول عنه.

__________________

(١) الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٨٢.

غادروه : تركوه ، ملحما : غشيه الحرب فلم يجد له مخلصا ، غير زميل : غير جبان ، النكس : بكسر النون الرجل الضعيف (فارسا) مفعول به لفعل محذوف يفسره المذكور ، وهو منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (ما) حرف زائد مبنى ، لا محل له من الإعراب. (غادروه) فعل ماض مبنى على المقدر ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. وضمير الغائب مبنى فى محل نصب ، مفعول به أول.

(ملحما) حال منصوبة ، والجملة تفسيرية لا محل لها. (غير) حال ثانية منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة.

(زميل) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (ولا) الواو حرف عطف مبنى ، لا : زائدة لتأكيد النفى. (نكس) معطوف على زميل مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (وكل) نعت لنكس مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

٤٣٢

فإن كان الرفع راجحا لأنه الأصل ، فإن النصب يرجح بالعطف على الجملة القريبة ، فتعادلا. ومنه قوله تعالى : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) [يس : ٣٩] ، حيث قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بالرفع ، والباقون بالنصب ، والرفع على الابتداء ، لكن النصب على الاشتغال ، والوجهان مستويان لعطف جملة التنازع هذه على جملة كبرى ذات وجهين ، وهى : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) [يس : ٣٨].

بين النحاة خلاف فى مدى تضمن جملة الاشتغال ـ إذا عطفت على الجملة الصغرى ـ ضميرا يربطها بها ، أى : تتضمن ضميرا يعود على المبتدإ فى الجملة الكبرى ، حيث ذهب قوم إلى أنه يجب أن تتضمن جملة الاشتغال ضميرا يعود على مبتدإ الجملة الكبرى ؛ لأنها شريكة الصغرى التى يجب أن تتضمن هذا الضمير ، واختار هذا الرأى الأخفش والسيرافى ، وعارضه ابن عصفور وجماعة ، ويستشهدون لرأيهم بإجماع القراء على النصب فى قوله تعالى : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (٥) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٦) وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ) [الرحمن : ٥ ـ ٧]. حيث نصب (السماء) وهو اسم مشغول عنه ، وجملة الاشتغال معطوفة على الجملة الصغرى (يسجدان) ، ولا تتضمن ضميرا يعود على المبتدإ (الشمس والقمر) ، بما يدل على عدم وجوب تضمن جملة الاشتغال المعطوفة على الجملة الصغرى ضميرا يربطها بها.

لكن غير هؤلاء يجعلون جملة الاشتغال معطوفة على الجملة الصغرى (علّم القرآن) ، وبذلك تتضمن ضميرا يربطها بها.

وذهب آخرون إلى أن الرابط يكون الواو ، فلا تحتاج إلى ضمير.

تنبيه :

تعدد الضمير الشاغل :

إذا كان فى الجملة سببان للرفع والنصب فأنت بالخيار فى أيهما شئت ، حيث يجوز أن تختار السبب الذى لأجله يختار نصب الاسم المشغول عنه ، كما يجوز لك اختيار سبب رفعه ، ولا تبالى بالتقدم أو التأخر فيهما.

٤٣٣

فإذا قلت : أمحمد كافأ أبوه أخاه؟ فإن فيه ضميرين شاغلين عائدين إلى الاسم المشغول المتقدم (محمد) ، وهما ضمير الغائب فى (أبوه) ، وضمير الغائب فى (أخاه) ، وهو فى الأول بمثابة المرفوع ؛ لأنه مضاف إلى مرفوع ، فيرفع له الاسم المتقدم المشغول.

وهو فى الثانى بمثابة المنصوب ؛ لأنه مضاف إلى منصوب ، فينصب له الاسم المشغول المتقدم (١).

__________________

(١) ينظر : الكتاب ١ ـ ١٠٣ / الرد على النحاة ٩٩ / البسيط في شرح جمل الزجاجى ٢ ـ ٦٥٩.

٤٣٤

التنازع فى المعمول (١)

يسمى (باب الإعمال) ، ويسميه سيبويه «باب الفاعلين والمفعولين اللذين كل واحد منهما يفعل بفاعله مثل ما يفعل به الآخر» (٢).

ويقصد به اشتراك عاملين مذكورين متقدمين أو أكثر فى معمول واحد أو أكثر ؛ إما بالرفع ، وإما بالنصب ، وإما بالجر ، وإما بالخلاف بينها ، فالعوامل المؤثرة نحويا تتنازع المعمولات المتأثرة نحويا ، مع التنبيه إلى أن التنازع النحوى يستتبع الطلب المعنوى.

ذلك نحو : احترمت وقدّرت محمودا. حيث يتسلط الفعل (احترم) والفعل (قدر) بالنصب على المفعول به (محمودا) ، فتنازع العاملان معمولا واحدا بالنصب.

أما القول : (جاء واستقبلت عليا) ؛ فإن فيه الفعل (جاء) يتطلب (عليا) بالرفع ؛ لأنه هو الذى جاء ، والفعل (استقبل) يتطلب (عليا)

بالنصب ؛ لأنه هو الذى استقبلته. فتنازع العاملان معمولا واحدا ، لكن أحدهما يرفعه ، والآخر ينصبه.

وكذلك القول : استقبلت وجاءنى علىّ. العامل الأول (استقبل) يطلب عليّا بالنصب ، والثانى (جاء) يطلب عليا بالرفع.

__________________

(١) يرجع إلى : الكتاب ١ ـ ٧٣ ، ٧٦ ، ٨٧ / المقتضب ٢ ـ ١١١ ـ ١١٧ / ٤ ـ ٧٢ ، ٧٩ ، ١٨٤ / شرح المقدمة المحسبة ٣٧٧ / المرتجل ١٣٦ / الرد على النحاة ٨٥ / المقدمة الجزولية فى النحو ١٦٤ / شرح الرضى على الكافية ١ ـ ٧٧ / التسهيل ٨٦ / شرح ابن الناظم ٢٥٣ / شرح ألفية ابن معطى ١ ـ ٦٥١ / شرح ابن عقيل ٢ ـ ١٥٧ / المساعد على تسهيل الفوائد ١ ـ ٤٤٨ / شفاء العليل ١ ـ ٤٤٥ / الجامع الصغير ٨٥ / شرح شذور الذهب ٤١٩ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٩٧ / الفوائد الضيائية ١ ـ ٢٦٢ / ارتشاف الضرب ٣ ـ ٨٧ / شرح اللمحة البدرية ١ ـ ١١٧ / كشف الوافية فى شرح الكافية ١٢٠ / شرح التصريح ١ ـ ٣١٥.

(٢) الكتاب ١ ـ ٧٢.

٤٣٥

حكم المتنازعين والمتنازع فيه حال اختلاف الرتبة :

ذكرنا أن العاملين المتنازعين يجب أن يتقدما الاسم المتنازع فيه ، وهو المعمول ، فيكون فى التركيب الأحكام السابقة ، لكنه قد تختلف رتب كلّ من الثلاثة كما يأتى :

أ ـ قد يتقدم المعمول على العاملين وهو مرفوع :

نحو : محمد قرأ وفهم. ولا عمل لأىّ من العاملين فيه ، ولكنه يكون مرفوعا على الابتدائية ، حيث لا يتقدم الفاعل على فعله ، ولكن تتحول الجملة إلى اسمية ، وتلحظ أن فى كل عامل ضميرا مستترا ، يعود على الاسم المتقدم عليهما.

وليس هذا التركيب قضية تنازع من هذا الباب.

ب ـ قد يتقدم المعمول على العامل وهو منصوب :

نحو : محمدا قابلت فأكرمت. فيكون العامل للأول (قابل) ، أما معمول الثانى فإنه يكون محذوفا ، دلّ عليه معمول الأول ، أو : لا معمول له. وليس هذا قضية تنازع من هذا الباب.

ج ـ قد يتوسط المعمول بين العاملين :

نحو : قابلت محمدا وأكرمت. وحينئذ يكون العامل هو السابق ، أما معمول المتأخر فمحذوف دلّ عليه السابق.

وليس هذا التركيب قضية تنازع من هذا الباب.

د ـ أما إذا تقدم العاملان المتنازعان على المعمول ، أى : تأخر المعمول عنهما ، نحو : جاء وضحك علىّ ، وحضر واستقبلت محمدا ، وزرت وحيّانى محمود ؛ فإن مثل هذه التراكيب تكون من قضية التنازع فى هذا القسم من الدراسة.

بنية المتنازعين :

يأتى العاملان المتنازعان من حيث بنية الكلمة فعلا ، أو ما يعمل عمل الفعل من اسم الفاعل ، واسم المفعول ، والصفة المشبهة ، واسم الفعل ، واسم التفضيل ، والمصدر ، وذلك فى الصور الآتية :

٤٣٦

أ ـ قد يكونان فعلين متصرفين :

نحو قوله تعالى : (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) [الكهف : ٩٦]. حيث تنازع العاملان (آتى ، وأفرغ) المعمول (قطرا) ، وطلباه بالنصب على المفعولية.

ب ـ قد يكونان اسمى فاعل عاملين :

ومنه قول الشاعر :

عهدت مغيثا مغنيا من أجرته

فلم أتّخذ إلا فناءك موئلا (١)

حيث الاسم الموصول (من) تنازعه اسما الفاعل (مغيث ، ومغن) ، وكلّ منهما طلبه بالنصب على المفعولية.

ومثله تقول : زيد مادح ومعظّم عمرا ، (مادح) و (معظم) اسما فاعل تنازعا مفعولا به واحدا (عمرا) ، فكلّ منهما يطلبه بالنصب.

ومنه قول كثير عزة :

وإنّى وإن صدّت لمثن وصادق

عليها بما كانت إلينا أزلّت (٢)

فقد تنازع العاملان اسما الفاعل (مثن ، وصادق) شبه الجملة.

ج ـ قد يكونان اسمى مفعول :

نحو القول : إنه محمود ومسموع حديثه ، حيث تنازع اسما المفعول (محمود ومسموع) المعمول النائب عن الفاعل (حديث) ، وهو مرفوع.

__________________

(١) شرح التصريح ١ ـ ٢١٦ / ضياء السالك ٢ ـ ١٠٨.

(عهدت) فعل ماض مبنى على السكون مبنى للمجهول ، وتاء المخاطب ضمير مبنى فى محل رفع ، نائب فاعل. (مغيثا) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة ، (مغنيا) حال ثانية منصوبة. (من) اسم موصول مبنى فى محل نصب ، مفعول به لمغن أو مغيث. (أجرته) فعل ماض مبنى على السكون ، وتاء المخاطب ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، وضمير الغائب مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، والجملة الفعلية صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب. (فلم) الفاء تعقيبية سببية لا محل لها من الإعراب. لم :حرف نفى وجزم وقلب مبنى ، لا محل له من الإعراب. (أتخذ) فعل مضارع مجزوم بعد لم ، وعلامة جزمه السكون. والفاعل ضمير مستتر تقديره : أنا. (إلا) حرف استثناء مبنى لا محل له من الإعراب. (فناءك) مفعول به أول منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وضمير المخاطب مبنى فى محل جر بالإضافة. (موئلا) مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

(٢) ديوانه ١٠١ / أمالى القالى ٢ ـ ١٠٩ / شفاء العليل ١ ـ ٤٤٥.

٤٣٧

د ـ أو اسمى فعل :

نحو القول : دراك ومتاع محمودا ، حيث تنازع اسما الفعل (دراك ، ومتاع) معمولا واحدا (محمودا) ، وكلّ منهما يطلبه بالنصب على المفعولية.

ه ـ أو مصدرين :

نحو القول : سررت من قراءتك وفهمك الدرس ، حيث المصدران (قراءة ، وفهم) يتنازعان المعمول المفعول به المنصوب (الدرس).

ومنه : عجبت من ذكرك وذمّك صديقا.

و ـ أو اسمى تفضيل :

نحو : محمد أكرم الناس وأسلسهم خلقا ، وأدقّهم وأضبطهم علما. حيث تنازع اسما التفضيل (أكرم وأسلس) معمولا واحدا وهو التمييز المنصوب (خلقا) ، والأمر كذلك فى اسمى التفضيل (أدق وأضبط) والمعمول (علما).

ومنه : ما أحسن وأجمل زيدا. (على إعمال الثانى) وتقول : ما أحسن وأجمله زيدا. (على إعمال الأول).

ز ـ أو صفتين مشبهتين :

نحو : علىّ حذر وكريم أبوه ، فقد تنازع العاملان الصفتان المشبهتان باسم الفاعل (حذر وكريم) المعمول (أبو) ، وهما يطلبانه بالرفع على الفاعلية.

ح ـ أو مختلفين فيما سبق :

قد يتنازع الفعل واسم الفعل معمولا واحدا ، كما فى قوله تعالى (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) [الحاقة : ١٩] ، فاسم الفعل (هاء) أمر بمعنى : (خذ) ، والميم علامة الجمع ، وهو عامل عمل الفعل ، فتنازع مع فعل الأمر (اقرؤوا) المعمول المنصوب (كتاب) ، والعاملان يطلبانه بالنصب على المفعولية.

٤٣٨

ويتنازع الفعل مع المصدر فى قول المرار الأسدى أو مالك بن زغبة :

لقد علمت أولى المغيرة أننى

لحقت فلم أنكل عن الضرب مسمعا (١)

الفعل (لقى) والمصدر (الضرب) كلّ منهما يطلب المعمول المفعول به المنصوب (مسمعا).

شروط المتنازعين :

يشترط فى العاملين المتنازعين ما يأتى :

١ ـ أن يكون الفعل منهما متصرفا.

٢ ـ أن يكون الاسم منهما مشبها بالفعل فى العمل ، كأن يكون : اسم فاعل ، أو اسم مفعول ، أو صفة مشبهة ، أو اسم تفضيل ، أو مصدرا ، أو اسم فعل.

فلا تنازع للحروف ، ولا للأفعال الجامدة ، ولا الاسم غير العامل.

٣ ـ أن يسبق كلّ من المتنازعين المعمول.

٤ ـ أن يتحقق الارتباط المعنوىّ بين المتنازعين ، فلا يصحّ معنويا القول : قام وقعد أخوك ، للتناقض المعنوى ، حيث القيام نقيض القعود. فالمتنازعان يجب أن يصحّ حدوثهما معا بالنسبة للمتنازع فيه.

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ١٩٣ / المقتضب ١ ـ ١٤ / اللمع ٢٧١ / شرح المفصل ٦ ـ ٦٤ / الأشمونى ١ ـ ٢٠٢.

ويروى : لقيت ، وكررت. أولى المغيرة : أول الخيول التى تخرج للغارة ، والمراد الفرسان ، أنكل : أجبن وأتراجع جبنا وخوفا ، مسمع : اسم رجل. (لقد) اللام حرف مبنى للتوكيد واقع فى جواب قسم محذوف. قد : حرف تحقيق مبنى ، لا محل له من الإعراب. (علمت) فعل ماض مبنى على الفتح ، والتاء حرف تأنيث مبنى ، لا محل له من الإعراب. (أولى) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة منع من ظهورها التعذر. (المغيرة) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (أننى) حرف توكيد ونصب مبنى لا محل له من الإعراب. والنون حرف وقاية مبنى لا محل له من الإعراب. وضمير المتكلم مبنى فى محل نصب ، اسم أن. (لحقت) فعل ماض مبنى على السكون ، وضمير المتكلم مبنى فى محل رفع ، فاعل. والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر أن ، والمصدر المؤول فى محل نصب مفعولى علم. (فلم) الفاء تعقيبية حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. لم : حرف نفى وجزم وقلب. (أنكل) فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون. وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنا. (عن الضرب) جار ومجرور وعلامة جره الكسرة ، وشبه الجملة متعلقة بأنكل. (مسمعا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة متنازع فيه بين لقيت ، والضرب.

٤٣٩

ويتحقق الارتباط المعنوىّ بوساطة حروف العطف دون (لا) ، و (بل).

وقد يتحقق الارتباط بين المتنازعين بإعمال أولهما فى ثانيهما ، كما فى قوله تعالى : (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً) [الجن : ٧] حيث المصدر المؤول (أن لن يبعث الله) تنازعه عاملان : (ظن) الأول ، و (ظن) الثانى ، وكلّ من العاملين يطلب معمولين وقد سدّ المصدر المؤول مسدّ مفعولى (ظن) الثانى ، أما الأول فمعمولاه محذوفان. فهو من قبيل إعمال الثانى للحذف من الأول.

وقد يكون الارتباط عن طريق أن يكون الثانى جوابا للأول ، سواء أكان فى سؤال أم شرط ، كما فى قوله تعالى (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) [النساء : ١٧٦]. حيث شبه الجملة (فى الكلالة) يتنازعها عاملان ، هما : (يستفتون ، ويفتى) ، والثانى جواب للأول جواب السؤال ، أما قوله تعالى (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) [الكهف : ٩٦] ، ففيه تنازع العاملان (آتى ، وأفرغ) المعمول (قطرا) ، والثانى جواب للأول جواب الشرط.

والموضعان السابقان من إعمال الثانى لعدم الإضمار فى الأول.

فليس من التنازع قول امرئ القيس :

ولو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة

كفانى ولم أطلب قليل من المال (١)

حيث يقرر الاكتفاء بالقليل من المال ، ثم يعود فيقول : (لم أطلب) ؛ لذا فإن عدم الطلب يجب أن يكون لغير المال ، بل يكون للملك ـ مثلا ـ حتى لا يكون هناك تناقض معنوى بين الاكتفاء بقليل من المال ، وعدم طلبه ... ويكون التقدير : كفانى قليل من المال ولم أطلب غير ذلك.

٥ ـ أن يكون المتنازعان مختلفين معنويا أو إسناديا ، حتى يتحقق التنازع لعاملين مختلفين بعيدين عن الإتباع ، فليس من التنازع قول الشاعر :

فأين إلى أين النجاة ببغلتى

أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس (٢)

__________________

(١) الجامع الصغير ٨٦.

(٢) ابن عقيل رقم ٢٩١ / شرح التصريح ١ ـ ٣١٨.

٤٤٠