النحو العربي - ج ٢

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٢

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٧١

ومن أمثلتها : قوله تعالى : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما) [البقرة : ٣٥](نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ) [الزمر : ٧٤].

(وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) [الحجر : ٦٥].

وقد تسبق بحرف الجر (من) ، وهى مبنية على الضمّ فى محلّ جر ، كما فى قوله تعالى : (كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) [الزمر : ٢٥].

(وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) [الطلاق : ٣].

(حيث) اسم مبنى على الضم فى محل جر ، وهو دال على الظرفية.

بينا ، بينما :

ذكر النحاة (١) أن (بين) ظرف زمانى ، قيل : بل هى ظرف مكانى ، وقيل : إنها بحسب ما تضاف إليه إن زمانا وإن مكانا ، وهى تدل على التخلل بين شيئين ، أو أشياء أو ما فى تقدير ذلك. وعند ما تلحقها (ما) أو الألف فإنها تخلص للدلالة الزمانية ، ويذكر بعضهم أنها بمعنى (إذ) ، وتلزم إضافتها إلى جملة اسمية أو فعلية ، ويختلف النحاة فيما بينهم فى كون الجملة مضافة إليها نفسها دون تقدير محذوف ؛ على حد رأى الجمهور ، وبين كونها مضافة إليها بتقدير محذوف ، يقدر بزمان ، على حد ما رآه الفارسى وابن جنى ، وقد يضاف إلى مصدر.

ومثالهما :

فبينا نحن جالسون إذ وقف وخرج.

بينما نأكل إذ دخل علينا فشاركنا.

كما وردت على المثال : بيناه ذاهب إذ رأى حواء. (البخلاء للجاحظ ١٣١).

* ولا يتضح معنى (بين) إلا بإضافتها إلى اثنين فصاعدا ، أو ما يقوم مقامهما ؛ لأنها تحمل معنى الخلالة بين الشيئين ووسطهما ، كما تقول : جلست

__________________

(١) ينظر : التسهيل ٩٥ / الهمع ٢ ـ ٢١١.

٣٨١

بين الأصدقاء ، والخلالة قد تكون فى المكان أو فى الزمان أو فى الصفات والأحوال : ومن الأول قوله تعالى : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) [الحديد : ١٣].

ومن الثانى قوله تعالى : (وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً) [الفرقان : ٣٨].

ومن الثالث قوله تعالى : (إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) [البقرة : ٦٨].

* إذا أضيفت إلى مجموع لتوضيح خلالتهم فإنها لا تكرر ، فتقول : ساد العدل بين القوم ، ويقول تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) [النساء : ٦٥] ، (فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا) [الأعراف : ٨٧] ، (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [المائدة : ٤٢]. (إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) [النساء : ٣٥].

* ولكنه يجب تكرارها بالعطف بالواو إذا :

أ ـ أضيفت إلى ضميرين مختلفين ، نحو :

(كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الأحقاف : ٨]. (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت : ٣٤]. (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) [آل عمران : ٦٤].

ب ـ إذا أضيفت إلى شيئين أحدهما مضمر ، نحو :

(جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً) [الإسراء : ٤٥].

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) [الأعراف : ٨٩]. (فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) [المائدة : ٢٥]. (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً) [سبأ : ١٨].

٣٨٢

لكن تمعّن فى : (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) [البقرة : ١٠٢].

(وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ) [النساء : ١٥٠].

(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) [الأنفال : ٢٤].

(اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [الشورى : ١٥].

* ومن استخدام بينا قول الحرقة بنت النعمان :

فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا

إذا نحن فيهم سوقة نتنصف

* أما (بينما) ففى قول حريث بن جبلة العذرى :

استقدر الله خيرا وارضينّ به

فبينما العسر إذ دارت مياسير

مع :

من الظروف التى لا تتصرف (١) ، وتدل على مكان الاجتماع وزمانه ، كما أنها تكون للصحبة اللائقة بالمذكور ، ومعنى الصحبة يعطى مدلول المشاركة ، وهى إذا كانت ظرفا فهى تلزم الإضافة إلى الظاهر أو المضمر إما لفظا وإما رتبة ، ويكون لها ـ حينئذ ـ ثلاثة معان :

أ ـ موضع الاجتماع ، ولهذا يخبر بها عن الذوات.

ب ـ زمان الاجتماع.

ج ـ مرادفه.

وإذا نونت فإنها تكون منصوبة على الحالية ـ على الأرجح ـ فتقول : جئنا معا ، وذهبنا معا.

والفرق الدلالى بين قولنا : جئنا معا ، وقولنا : جئنا جميعا ، هو أن الأول يعنى المجئ فى صحبة واحدة ، أما الثانى فيعنى المجئ الحادث من الجميع دون اشتراك فى زمن الحدث ، أو الصحبة.

__________________

(١) ينظر : الكتاب ٣ ـ ٢٨٦ / ٤ ـ ٢٢٨ / التسهيل ٩٨ / الجنى الدانى ٣٠٥.

٣٨٣

ومن الأسماء الظرفية التى يمكن أن تدور بين الزمان والمكان فى الجملة : قبل ـ وبعد ـ وقرب ـ وعند ـ وقريبا ـ وأى (شرطية أو استفهامية) ـ ... إلخ.

مدى احتسابها ظرفا

أولا : ما دل على الزمان

كلّ الأسماء الدالة على زمان وقوع الحدث صالحة للنصب على الظرفية ، سواء أكانت مبهمة ، أم مختصة أم معدودة.

ظروف الزمان المبهمة :

هى الأسماء الدالة على الزمان دون الدلالة على مدة معينة أو وقت معين ، وإنما هى دالة على زمان مبهم. ومنها : حين ـ مدة ـ برهة ـ زمانا ـ وقتا ـ زمنا ـ ساعة (دون الساعة المحددة بستين دقيقة) .... إلخ.

ومثال ذلك : مكثت مدة فى المنزل ـ انتظرنى برهة ـ قضينا فى مكة زمنا ...

ومنه : ليلا ، ونهارا .. ومثلهما إذا لم يدلّا على وقت بعينه ، كما فى قوله تعالى : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً) [الإنسان : ٢٦] حيث (ليلا) ظرف زمان منصوب ، وهو مبهم لأنه لا يدلّ على ليل بعينه. ومنه أن تقول : ائتنى صباحا (أى : أىّ صباح) ، (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الإنسان : ٢٥] أى : فى البكور والأصيل ، وليسا بمحددين من يوم بعينه ، وإنما يعنى بهما كل بكور وكل أصيل.

ظروف الزمان المختصة غير المعدودة :

هى الأسماء الدالة على الزمان وهى غير معدودة ، وتصلح جوابا ل (متى) ، مثل : أيام الأسبوع ، فتقول : سافرت يوم الخميس ، حيث ظرف الزمان المنصوب (يوم) مختصّ بالإضافة.

ومنه أن تقول : أقابلك عصر يوم الثلاثاء ، محاضرتنا عقب صلاة الظهر ، نلتقى قبيل المغرب.

٣٨٤

يجعلون منها شهور : رمضان ، وربيع الأول ، وربيع الآخر ، فى حال إضافتها إلى (شهر) بخاصة ، دون غيرها من الشهور الأخرى ، على احتساب أن العرب لم يضيفوا غيرها إلى كلمة (شهر).

فإذا قلت : شهر رمضان ، وشهر ربيع ؛ فهو ظرف مختصّ غير محدود.

وكذلك كل ما يخصص بالإضافة إلى كلمة (يوم) أو بالتعريف بالأداة ، أو بالصفة ، فتقول : سافرنا يوم عيد الجلاء ، أو اليوم ، أو يوما التقينا فيه.

وإذا قلت : متى تزورنى؟ فتكون الإجابة : يوم الاثنين أو يوم نجاحك ، أو : اليوم ، أو : يوم نتفق معا ، أو شهر رمضان ، أو يوما نتفق عليه.

وسميت هذه ظروفا مختصة غير معدودة ، حيث إنها محددة لزمان العامل ، ثم يجوز أن يقع العامل فى جميعه وفى بعضه ، ويعمل فيه الفعل الذى يطول ويتكرر ، ويقع دفعة واحدة ، فتقول : مات محمد يوم الجمعة ، والجمعة ، وشهر رمضان.

وكما أنك إذا قلت : صمت سنة كذا ، جاز أن يكون الصوم فى جميعها ، وفى بعضها.

نكتة دلالية نحوية

إذا قلت : «سافرت الأحد» كان السفر مستوعبا اليوم كلّه. وإذا قلت : (سافرت يوم الأحد) ، كان السفر فى بعض اليوم أو كلّه. ومن النحاة (الزجاج) من لا يرى فرقا دلاليا بين التركيبين.

ظروف الزمان المختصة المعدودة :

هى الأسماء الدالة على الزمان وهى مخصوصة معدودة ، وتصلح جوابا ل (كم) ، مثل : يوم ، يومين ، ثلاثة أيام ، أسبوع ، شهر ، سنة .... إلخ. فتقول : صمت يومين ، غبت أسبوعا ، قضينا فى أوربا سنة ، ومنه : حولا ـ ساعة (ستين دقيقة).

٣٨٥

يلحظ : أن هذا النوع من الظروف يستوعب الحدث كلّه ، ولا يعمل فيه من الأفعال إلا ما يتضمن معناه الإطالة والتكرار ، مثل : سافر ، كتب ، علم ... إلخ ، لا ما يقع من الأفعال دفعة واحدة ، مثل : مات ، ولد ... إلخ ، فكل من الفعل وظرفه الزمانى يستوعب الآخر.

فإذا قلت : كم سافرت؟ فيقال : شهرين ، كان السفر مستوعبا للشهرين لا أحدهما دون الآخر. ولا يجوز القول : كم مات على؟ لأن الموت ليس فيه معنى الإطالة أو التكرير.

ثانيا : ما دل على المكان

تنقسم الأسماء الدالة على المكان إلى ثلاثة أقسام :

ظروف مختصة ، وأخرى مبهمة ، وظروف مقدرة.

أسماء المكان المختصة :

أسماء المكان المختصة هى الأسماء التى تطلق على ما كان له أقطار تحصره ، وأبعاد وحدود تحده ، من نحو : دار ، وبيت ، ومنزل ، ومسجد ... إلخ ، وكل منها معلوم القدر والصورة. وهذه الظروف المختصة لا تنصب على الظرفية ، فالفعل لا يصل إليها إلا بواسطة حرف الجر مذكورا ، فتقول : جلست فى الدار ، ومكثت فى المنزل ، وصليت فى المسجد.

وما جاء من الظروف المختصة منصوبا بلا واسطة حرف الجر فإنه شاذ ، والنحاة على خلاف فى سبب النصب : فمنهم من يجعل (الدار) فى القول : دخلت الدار ، مفعولا به ، وقد تعدى الفعل إليها بنفسه.

ومنهم من يجعلها منصوبة على نزع الخافض ، وعلى هذا جمهور النحاة.

ومنهم من يجعلها منصوبة على الظرفية.

٣٨٦

ومن ذلك : دخلت البيت ـ ذهبت اليمن ـ ذهبت الشام.

ومنه قول ساعدة بن جؤية (١) :

لدن يهز الكف يعسل متنه

فيه كما عسل الطريق الثعلب

أى : فى الطريق.

أسماء المكان المبهمة :

هى الأسماء الدالة على مكان ليس له أقطار تحده وتحصره ، ولا جهات تحيط به.

وهى أسماء تفتقر إلى الإضافة ، كى يتضح معناها ، حيث يكون معناها فيما أضيفت إليه ، وهى الجهات الست وما فى معناها ، وهى : أمام ، ووراء ، وبين ، وشمال ، وفوق ، وتحت ، وكذلك : قدام ، وخلف ، ويسار ، وأعلى ، وأسفل ، وجنوب ، وشرق ، وغرب. ومنها كذلك : ذات اليمين ، وذات الشمال ، ودون مكان ما ، وكذلك : عند ، ولدى ، وتجاه ، وحذاء ، وبين ، ومكان ، ووسط (ساكنة السين) ... إلخ.

وكل ظرف مما هو مذكور يتضح معناه من خلال ما أضيف إليه ، فهى أماكن عامة مبهمة ، لا تتحدد ولا تتضح إلا من خلال ما أضيفت إليه ، حيث يكون معناها فيه ، فعندما تقول : جلست أمام الخطيب ؛ فإن (أمام) تتحدد من خلال (الخطيب) ؛ لأن كلمة (أمام) تصلح لأشياء كثيرة ، حيث كلّ شئ له أمام ، فالاسم المبهم ينتقل من شئ إلى شئ آخر.

وسميت الجهات الستّ ؛ لأن لكل ذات ستّ جهات ، مع التنوع فى إطلاق أكثر من كلمة على الجهة الواحدة.

يذكر أن الإبهام فى هذه الجهات الست يتأتى من جانبين :

أولهما : أن كلا منها لا يلزم مسماه ، فأمامك خلف لغيرك ، وقد تكون يمينا أو شمالا لغيركما ، فليس لكل منها حقيقة ثابتة خاصة بها.

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ٣٥ / الخصائص ٣ ـ ٣١٩ / التبصرة والتذكرة ٢ ـ ٧٩٥ / المقتصد فى شرح الإيضاح ١ ـ ٦٤٣ / شرح الرضى على الكافية ١ ـ ١٨٦ / الخزانة : ٢ ـ ٦٤٤. عسل : مشى.

٣٨٧

والآخر : أن كلّ اسم منها ليس له مدى محدود ، فخلفك ليس له نهاية محددة ، بل يمتد إلى نهاية الدنيا.

لكن الأمر المتفق عليه أن هذه الجهات الستّ إنما هى مبهمة ؛ لأنها تنتقل من اسم إلى آخر ، وهذا هو مفهوم الإبهام والمبهمات.

مثل الجهات الستّ وجميع أسمائها ما كان شبيها بها فى معناها متضمنا المدلول الظرفى ، حيث يحتمل سبقه بالحرف الظرفى (فى) ، من نحو : ناحية ، جانب ، مكان ، نحو ، تجاه ، وجهة ، بين ، عند ..

فتقول : توجهت ناحية الشمال ، جلست جانب والدى ، وضعت المقعد مكانه ، ذهبت تجاه البلدة ، وضعته مكان الآخر ، جئتك عند المدرسة ، مشيت بين الصفوف ، سرنا تجاه الشمال.

واختلفوا فى نصب (خارج) على الظرفية ، حيث يجعلون الفعل لا يصل إليه إلا بواسطة الحرف حملا على (داخل) ، وأجاز ثعلب نصبه على الظرفية.

فتقول : جلست خارج الدار ، مستدلا بقوله تعالى : (عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ) [الإنسان : ٢١] ، حيث (عالى) بمنزلة (خارج) ، وهو منصوب على الظرفية ، وقد يكون نصبه على الحالية.

ومن النحاة من يجعل «الصراط ، والطريق» وما فى معناهما ظروف مكان ، ويجعلون من ذلك قوله تعالى : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) [الأعراف : ١٦](١) على تقدير : فى صراطك.

ومن الظروف المكانية (مع) ، فتقول : جلست مع صديقى ، فتكون (مع) منصوبة على الظرفية (٢).

__________________

(١) فى نصب (صراط) ثلاثة أوجه : إما أن يكون منصوبا على نزع الخافض ، والتقدير : على صراطك ، وإما أن يكون منصوبا بالفعل بتضمنه معنى الفعل المتعدى ، والتقدير : لألزمن ... ، وإما أن يكون منصوبا على الظرفية.

(٢) قد تأتى (مع) مجردة منونة ، فتنصب على الحالية ، فتقول جئنا معا ، وجاء محمد ومحمود معا.

٣٨٨

المصادر الدالة على المكان :

ترد المصادر الدالة على المكان منصوبة على الظرفية ، وهى منصوبة بما أخذ منها من فعل أو مشتق ، ويجعلونها من ظروف المكان المبهمة. وهى تأتى فى تركيبين :

أحدهما : ما كان دالا على المكان مشتقا على صيغة اسم المكان ، وهو مشترك مع عامله فى المادة اللغوية المعجمية ، فتقول : نزلت منزل أخى ، ورميت مرمى الزميل ، ودرج الطفل مدرج أخيه ، وذهبت مذهب الحكماء ، وجريت مجرى العداء ، فكل من : منزل ، مرمى ، مدرج ، ومذهب ، ومجرى أسماء مكان منصوبة ، حيث اشتركت مع عواملها الأفعال : نزل ، ورمى ، ودرج ، وذهب ، وجرى فى المادة المعجمية.

ومن ذلك قوله تعالى : (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً)(١) [الجن : ٩].

والآخر : ما هو مسموع نصبه وهو دالّ على المكان ، وهو ما ذكر فى الأقوال التى تناقلها النحاة : هو منى مقعد القابلة ، ومزجر الكلب ، ومناط الثريا (٢) وهذه

__________________

(١) (أنا) حرف توكيد ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب ، وضمير المتكلمين مبنى فى محل نصب ، اسم (أن). (كنا) كان : فعل ماض ناقص ناسخ مبنى على السكون ، وضمير المتكلمين مبنى فى محل رفع ، اسم (كان). (نقعد) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : (نحن) ، والجملة الفعلية فى محل نصب ، خبر (كان) ، والجملة الفعلية المحولة فى محل رفع ، خبر (أن). (منها) شبه جملة. (مقاعد) منصوب على الظرفية ، وعلامة نصبه الفتحة ، وقد يكون منصوبا على نزع الخافض ، وقد يكون منصوبا على المصدرية. (للسمع) شبه جملة متعلقة بالقعود ، (الفاء) استئنافية مبنية ، لا محل لها من الإعراب. (من) اسم شرط جازم مبنى على السكون ، مبتدأ فى محل رفع خبره جملتا الشرط والجواب ، أو جملة الجواب. (يستمع) فعل الشرط مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون ، وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو. (الآن) ظرف زمان مبنى على الفتح فى محل نصب متعلق بالاستماع. (يجد) فعل جملة جواب الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : (هو) ، (له) شبه جملة متعلقة بالوجود. (شهابا) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. (رصدا) صفة لشهاب منصوبة وعلامة نصبها الفتحة ، وقد يكون مفعولا لأجله.

(٢) مقعد القابلة : دلالة على مدى القرب ، أى : فى القرب فى مقعد القابلة من النفساء ، مزجر الكلب :دلالة على التوسط ، أى : فى مزجر الكلب من الزاجر ، مناط الثريا : دلالة على مدى البعد ، أى : فى البعد فى مناط الثريا من الدبران.

٣٨٩

الأقوال شاذة ، حيث كان أسماء المكان : مقعد ، ومزجر ، ومناط ، على غير مادة عواملها ، إذ إنهم يجعلون عواملها محذوفة تقدر من مادة الاستقرار ، ولذلك فإنها شاذة ، وهذه يجعلونها مختصة.

ظروف المكان المقدرة :

المقدر من ظروف المكان هو أسماء المقادير المكانية ، نحو ميل ، كيلو متر ، متر ، فرسخ ، ذراع ... إلخ. وقد اختلف النحاة فى توجيه نصبها : فذهب الأكثرون إلى إلحاقها بظروف المكان المبهمة ، حيث إنها قريبة منها ، فإنها وإن كانت معينة المقدار فهى مبهمة المحل ، فعندما أقول : سرت ميلا ، فإن الميل محدد القدر ، لكنه مبهم المكان ؛ لأنه يصلح لأىّ مكان ، كما أن بداياته ونهاياته تتنوع ، وعندئذ يكون منتصبا.

وقد منع بعض النحاة إلحاقه بالمبهم ، فيكون منتصبا على المفعولية ، فإذا قلت : سرت ميلا ، فهو منصوب على المفعول به ، ويضمن (سرت) معنى (قطعت).

ونحاة يرون أن هذه ظروف مكان معدودة ، حيث إنها معلومة المقدار ، مجهولة الصورة.

الظروف والإضافة والإبهام

للظروف علاقة بمصطلحى الإضافة والإبهام بمفهوميهما فى النحو العربى ، من حيث النسبة فى الإضافة ، والتنقل من مسمى إلى آخر فى الإبهام ، مع استحضار لزوم الإضافة فيه.

وإذا استحضرنا مدلول الظروف ووظيفتها المعنوية فى التركيب لأدركنا أنها تجمع بين مدلولى الإضافة والإبهام ؛ لأن الظروف لا يبين معناها إلا من خلال ما تضاف إليه ، فهى ملازمة للإضافة ، سواء أكانت إضافة لفظية ، أم كانت إضافة ذهنية معنوية.

ويذكر ابن يعيش أن (أصل الظروف أن تكون مضافة) (١).

__________________

(١) شرح المفصل ٤ ـ ٨٦ ، ١٠٨.

٣٩٠

والتركيب الإضافى من التراكيب التى تزيل إبهام المبهمات ، والظروف إنما هى بيان لمكان أو زمان فى غير لفظها ؛ لذا حقها أن تكون مضافة.

لذا يمكن القول أن ما يدلّ على الزمان أو المكان يكون لتوضيح زمان حدث ما أو مكانه ، لكنه يكون جزءا من غيره ؛ لأن الحدث أو الذات لا يستغرق أحدهما الزمان كلّه ؛ أو المكان كله ، لذا فإن ما يدل على الزمان والمكان بهذين المعنيين يكون مبهما ملازما للإضافة.

فإذا قلت : قابلته صباحا أمام منزله ، فإن هذين الظرفين : أحدهما يبين زمان المقابلة ، والآخر يبين مكانها ، وكلّ منهما جزء من غيره ، فالصباح جزء من اليوم ، والأمامية جزء من المنزل أو ما يتعلق به.

ويمكن أن نقسم الظروف بنوعيها من حيث فكرة الإبهام إلى خمسة أقسام :

أولها :

ظروف ليس لها هيئة ولا حدود ، ولا تبين إلا بما تضاف إليه ، مثل : حين ، وقت ، زمن ، قبل ، بعد ، وأسماء الجهات الست وما فى معناها ، وهذه تكون مبهمة. ومنها كذلك : الآن.

ثانيها :

ظروف تدل على مقدار ،لكن هيئته وحدوده يمكن أن تتغير بالتزحزح أو التنقل المكافئ لمقداره ، نحو : ميل ، ومتر .... وهذه مبهمة.

ثالثها :

ظروف تدل على مقدر بحدود، لكنه يمكن أن ينتقل من مسمى وقت إلى مسمى وقت آخر مماثل له فى القيمة والموقع الزمنى ، ويلحظ أن وقته ليس ثابتا فى هيئته وقدره ، نحو : عصرا ، وظهرا ، وصباحا ، وغداة ، وعشية ، واليوم ، وأمس ، وغدا ... إلخ ، وهذه تكون مبهمة.

٣٩١

رابعها : ظروف مشتقة مما يدل على زمان أو مكان على صيغتى

: مفعل أو مفعل ، بفتح العين وكسرها ، أو على صيغة اسم المفعول لغير الثلاثى ، نحو : مكان ، منزل ، وممشى ، وموعد ، ومستقبل ... إلخ ، وهذه تكون مبهمة إبهام المصادر.

خامسها : ـ ظروف محدودة متمكنة ،

تدل على وقت معين أو مكان محدود ، لكل هيئته وحدوده ، نحو : البيت ـ الدار ـ المنزل ـ الخميس ـ الجمعة ... إلخ ، وهذه ليست مبهمة. فى ظاهرها ، لكننا لو استحضرنا فكرة تنقّل المبهم من مسمّى إلى آخر ، أو حاجته الملحة إلى مضاف إليه لفظى ، أو ذهنى ؛ فإنه يمكن لنا أن ننسب هذه الظروف إلى الإبهام من جانب.

وكلّ الظروف زمانية ومكانية ملازمة للإضافة ، لكن حاجتها إلى وجوب ذكر المضاف إليها تتباين بتباين مدلول الظرف ، ذلك على النحو الآتى :

ـ ظروف ملازمة للإضافة لفظا ، نحو : عند ـ لدى ـ لدن ـ حيث ـ إذ ـ إذا ـ بين ـ مذ ـ منذ ـ بينا ـ بينما ـ مع ـ ريث ـ الجهات الست وما فى معناها ، أعلى ـ أسفل ـ تجاه ـ دون ـ حذاء ـ تلقاء ـ إزاء.

ـ ظروف تكون مضافة إلى ما يبين مقدارها أو حدودها ، من مثل : كل ـ بعض ـ نصف ـ ربع ـ ذا ـ ذات ...... ، ونلحق بهذا القسم ما يكون ظرفا مميزا لعدده ، نحو : عشرين يوما ـ ثلاثين ميلا ـ ونلحق به ما يبين ماهيته من نحو : صلاة العصر ..

ـ ظروف يفهم فيها الإضافة دائما ، لكنها تضاف لفظا إذا أريد تعريفها ، ولا تضاف لفظا إذا أريد تنكيرها ، نحو : صباح ، اليوم ، مساء ومساء الخميس ، عشية وعشية الليلة ، وكذلك : ضحى ، وضحوة ، ونهارا ، وليلة ...

ـ ظروف غير مضافة فى لفظها ، لكن معناها فيه الإضافة ، نحو : قط (كل الزمان الماضى المنفى) ، عوض (كل الزمن المستقبلى المنفى) ، وكذلك : أبدا ودائما.

٣٩٢

ـ ظروف لا تضاف لأنها وضعت لمدلول تركيبى خاص بها ، وهو الاستفهام أو الشرط ، وهى : أين ، وأنى ، ومتى ، وأيان.

لكن (أيا) استفهامية أو شرطية فإنها لا يبين مدلولها إلا من خلال إضافتها ، حيث تشترك بين الدلالة على الظرفية بنوعيها ، والدلالة على العاقل ، وغير العاقل ؛ لذا لزم إضافتها.

ـ ظروف لا تضاف لأنه يراد بها التنكير والإيغال فيه ، من نحو : ساعة ـ برهة ـ زمنا ـ كيلو مترا ـ فرسخا ـ مترا ـ مرة ـ يمنة ـ يسرة ...

وأنبه إلى أن ما يدل على زمان الحدث أو مكانه وليس فى لفظه ما يدل على المكان أو الزمان فإن النحاةّ يفترضون كلمة تدل على أحدهما محذوفة مضافة إلى ما هو ملفوظ به ، من نحو : وقت ، مدة ، مكان ... ، وينتصب مما أضيف إليها بعد أن تحذف انتصابها. نحو : زرته قدوم الحاج ، أى : وقت قدوم الحاج ...

الظروف الملازمة الإضافة إلى الجملة :

الظروف التى تضاف إلى الجمل على أضرب :

أولها : ظروف واجبة الإضافة إلى الجملة بالوضع

، وهى : حيث ، وإذ ، وإذا ، وتضاف إلى الجملة الفعلية والاسمية ، وفى إضافة (إذا) إلى الاسمية خلاف. مع استحضار أنه سمع إضافة (حيث) إلى المفرد فى شاهد يردده النحاة ؛ (حيث سهيل طالعا).

ثانيها : ظروف جائزة الإضافة إلى الجملة

: نحو ظروف الزمان من مثل : يوم ، وعصر ، وساعة ... إلخ. ذلك نحو : (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) [غافر : ١٦](يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) [الذاريات : ١٣] ، (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) [القلم : ٤٢]. (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) [الطور : ٤٨].

٣٩٣

الجملتان الاسميتان (هم بارزون ، هم يفتنون) فى محلّ جرّ بالإضافة إليهما (يوم ، يوم) ، والجملتان الفعليتان (يكشف ، تقوم) فى محلّ جرّ بالإضافة إليهما (يوم ، حين). والمضاف منصوب على الظرفية.

ثالثها : ظروف تضاف إلى الجملة أو إلى المصادر المؤولة ،

وهى : ريث ، فتقول : انتظرنى ريث أقرأ هذا الدرس ، أو : ريث أن أقرأ ... ، والجملة الفعلية (أقرأ) والمصدر المؤول (أن أقرأ) فى محل جر بالإضافة إليهما الظرف الزمانى (ريث).

رابعها : ظروف تضاف إلى الجملة أو إلى الاسم

: وهى : بينا ، وبينما ، ومذ ، ومنذ. ذلك نحو : بينا أذاكر قاطعنى أخى الأصغر ، حيث الجملة الفعلية (أذاكر) فى محل جر بالإضافة إليهما الظرف (بين) ، وتقول : لم أتقابل معه منذ يوم الخميس. (يوم) مضاف إلى الظرف الزمنى المبنى (منذ). ويجوز : مذ يومان ، فيكون المضاف إلى ظرف الزمان المبنى (مذ) جملة اسمية أو فعلية ، حسب التقدير.

خامسها : ظروف تكون مع جملة تليها مصدرا مؤولا

، وهى : ما الوقتية ، وتنسحب الفكرة على (كلما). نحو : أظل أزورك ما كان أبوك موجودا. أقابلك عند المسجد ما غربت الشمس. أى : مدة وجود أبيك .. وزمن غروب الشمس.

الظروف والتصرف

الظروف ـ زمانية ومكانية ـ نوعان من حيث التصرف وعدمه.

أولهما : الظروف المتصرفة :

وهى الظروف التى يمكن أن تفارق موقع الظرفية ومعناها فى دلالتها على زمان عاملها أو مكانه إلى موقع آخر ، كالفاعلية والمفعولية والابتدائية والخبرية وما أشبه أيا منها ، والإضافة ، مثل اليوم.

٣٩٤

مثال ذلك : أن تقول : أعجبنى اليوم (فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة).

سرنى هذا اليوم ، (بدل من هذا مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة).

انتظرت يوم قدومك (مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة).

اليوم هو اليوم المنتظر ، (مبتدأ وخبر مرفوعان ، وعلامة رفعهما الضمة).

وتقول كذلك : عرفت أن اليوم يوم الخميس. اسم أن منصوب ، وخبرها (يوم) مرفوع.

كان اليوم يوما سعيدا. اسم كان مرفوع ، وخبرها (يوما) منصوب.

كما تقول : أحببت كل اليوم. سرت نصف اليوم. (اليوم) فى الموضعين مضاف إليه (كل ونصف) مجرور.

وكلّ ما كان على وزن الفعل من ظروف المكان فهو متصرف ، نحو : أعلى ، وأسفل ، وأدنى ... فيستعمل غير ظرف ، ويقع فى مواضع الرفع والنصب والجر ، فتقول : أعلى السبورة ملىء بالصور الجميلة ، وأدناها مطلىّ بالطلاء الجذاب ، كل من : أعلى ، وأدنى مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة.

ومنه قوله تعالى : (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران : ١٣٩]. (الأعلون) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ؛ لأنه جمع مذكر سالم.

ثانيهما : الظروف غير المتصرفة :

وهى الظروف التى يلزم معناها الدلالة على الزمان والمكان فى غيرها ، أى لعاملها ، وهى نوعان :

أ ـ ظروف غير متصرفة لا تفارق الظرفية : وهى : قط ، وعوض. (قط) لاستغراق الزمن الماضى المنفى. (عوض) لاستغراق الزمن المستقبلى المنفى.

٣٩٥

ب ـ ظروف غير متصرفة لا تخرج عن الظرفية : هى ظروف تخرج عن الظرفية إلى حالة شبيهة بها إذا سبقت بحرف الجر (من) بخاصة ، وهى ما تدل على الجهات الست.

قبل وبعد : من أسماء الزمان ، وما عدا ما سبق.

عند ولدن : من أسماء المكان.

وكذلك : فوق ـ تحت ـ عند ـ سوى ـ مكان ـ مع ـ حول ـ دون ـ وسط (بإسكان السين). ثمّ ـ مع ـ هنا ـ نحو.

ويجعل بعض النحاة : فوق وتحت وعند ولدن ولدى ومع ونحو وحول وهنا وصددك وبدل وسواك بمعنى مكانك ظروفا غير متصرفة أو عادمة التصرف ، وما عدا ذلك من الظروف المذكورة فى هذا القسم يجعلونها ظروفا متوسطة التصرف.

* وأجاز بعض النحاة تصرف (فوق وتحت) ، فترفعهما فيما إذا قلت : رأسك فوقك ، ورجلاك تحتك. حيث يكون كلّ من (فوق وتحت) خبر المبتدإ مرفوعا.

ملحوظات :

ـ (سحر) وهو عبارة عن قطعة من زمان يوم محدد ظرف زمان غير منصرف غير متصرف ، حيث يكون ممنوعا من الصرف للعلمية والتأنيث ، أو للعلمية والعدل عن لام العهد ، ويكون غير متصرف لا يخرج عن الظرفية سماعا ، فتقول : تهجدت الليلة سحر ، بالمنع من الصرف وعدم التصرف ، والنصب بفتحة واحدة ؛ لأنه أريد به وقت محدد من يوم محدد.

فإن أريد بسحر غير معين فإنه يتصرف وينصرف ، فتقول : لقد قضيت سحرا فى تلاوة القرآن. والمقصود سحرا ما غير معيّن ولا معهود فيتصرف وينصرف ، ويكون منصوبا بالفتحة مع التنوين.

٣٩٦

ـ أما (غدوة وبكرة) إن كانا معيّنين فهما متصرفان ، حيث يقال : سير عليه يوم الجمعة غدوة ، وغدوة بدل من نائب الفاعل (يوم) ، وهى غير منونة ؛ لأنها ممنوعة من الصرف للتأنيث والعلمية.

فإن نكرا صرفا ، كما تذكر (غدوة) بعد (لدن).

قضايا خاصة :

أ ـ قولهم : (أحقا أنّك ذاهب) (١) :

الهمزة : استفهامية لا محل لها من الإعراب.

حقا : بعضهم يرى أنها منصوبة على الظرفية ، وهى متعلقة بخبر مقدم محذوف ، والتقدير : أفى حق ذهابك ، فحذفت (فى) ، وانتصب (حقا) على الظرفية. وتكون خاصة بالإخبار عن المصادر دون الجثث ، ولذلك جعلوها للزمان.

وعلى هذا سيبويه والجمهور. وعليه فإن المصدر المؤول (أنك ذاهب) فى محل رفع ، مبتدأ مؤخر.

أما المبرد وابن مالك فيذهبان إلى أن (حقا) مصدر ناب مناب فعله ، ويكون المصدر المؤول (أنك ذاهب) فى محل رفع ، فاعل.

ويجعلون من مثل هذا التركيب : غير شك أنك قائم. جهد رأيى أنك قائم. ظنا رأيى ... أو ظنّا منى ... فى ظن منى ...

ب ـ فى القول : الصوم يوم الخميس :

يجوز فى (يوم) النصب على الظرفية ، والرفع على التوسع ، والكوفيون يمنعون النصب فيه.

ج ـ فى قول عمرو بن كلثوم :

صددت الكأس عنا أمّ عمرو

وكان الكأس مجراها اليمينا

__________________

(١) ينظر : شرح التصريح ١ ـ ٣٣٩.

٣٩٧

(مجراها اليمينا) تحتمل عدة أوجه إعرابية :

ـ قد يرفع (مجرى) مقدرا على الابتدائية ، و (اليمين) منصوب على الظرفية ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر المبتدإ ، والجملة فى محلّ نصب ، خبر كان ، والتقدير : وكان الكأس جريها فى اليمين.

ـ قد يرفع (مجرى) على البدلية من الكأس ، فينصب (اليمين) على الاتساع ، ويكون التقدير : كان جرى الكأس اليمين ، فتجعل المجرى اليمين على الاتساع.

أو تقدير الأصل ، كان مجرى الكأس مجرى اليمين ، ومجرى مصدر ميمى ، كأنه قال : وكان جرى الكأس جرى اليمين ، فتنصب جرى أو مجرى الثانية ، وتحذف ويقام اليمين مقامها ، فينصب نصبها ، فكأنه منصوب على المصدرية.

أو تنصب اليمين على الظرفية بتقدير (فى) ، والتقدير : وكان مجرى الكأس اليمين ، أى : فى اليمين ، وتكون شبه الجملة فى محل نصب ، خبر كان.

٣٩٨

الاشتغال (١)

يتغاير آراء النحاة فى بعض الظواهر التركيبية ؛ مما يؤثر فى احتساب نوع الجملة بين الاسمية والفعلية ، فيتغاير إعراب بعض أجزائها ، ويبدو ذلك واضحا فيما يسمى فى النحو بباب الاشتغال.

ماهيته :

اشتغال فعل أو ما يقوم مقام الفعل عن اسم متقدم عليه بضمير هذا الاسم ، أو بما نسب إلى ضميره أو ملابسه ، ولو تفرغ الفعل للاسم أو لما نسب إلى ضميره لنصبه لفظا أو محلا (٢).

وذلك نحو : عليا أفهمته ، صديقى أكرمت أخاه ، هذه احترمتها ، محمودا مررت به.

تلحظ أن الأفعال : (أفهم ، أكرم ، احترم ، مرّ) شغلت بالضمائر : (هاء الغائب ، هاء الغائب ، ها الغائبة ، هاء الغائب) ، وهذه الضمائر تعود إلى الأسماء السابقة على الأفعال : (على ، صديق ، هذه ، محمود).

أما قولك : أالدرس أنت فاهمه ، ففيه (الدرس) مشغول عنه بضميره فى (فاهمه) ، والعامل هو اسم الفاعل (فاهم).

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ٨٠ : ١٥٠ / المقتضب ٢ ـ ٧٦ ، ٢٩٩ / ٣ ـ ١٧٦ / الواضح ١٧٢ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٣٢٦ / المفصل ٤٥ / الهادى فى الإعراب ٨٥ / المقدمة الجزولية فى النحو ٩٩ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ٣٠ / شرح الرضى على الكافية ١ ـ ١٦٢ / المقرب ١ ـ ٨٧ / التسهيل ٨٠ / البسيط فى شرح جمل الزجاجى ٢ ـ ٦١٥ / الإرشاد إلى علم الإعراب ١٣٠ / شرح ابن الناظم ٢٣٧ / شرح ألفية ابن معطى ٢ ـ ٨٤٦ / شرح ابن عقيل ٢ ـ ١٢٨ / المساعد على تسهيل الفوائد ١ ـ ٤٠٩ / شفاء العليل ١ ـ ٤٢٥ / الجامع الصغير ٨١ / شرح شذور الذهب ٤٢٥ / شرح جمل الزجاجى لابن هشام ١٣٤ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٧١ / شرح القمولى على الكافية ١ ـ ١١٠ / الفوائد الضيائية ١ ـ ٣٥١ ارتشاف الضرب ٣ ـ ١٠٣ / كشف الوافية فى شرح الكافية ١٩٦ / شرح التصريح ١ ـ ٢٩٦.

(٢) التسهيل ٨٠ / الرد على النحاة ٩٥ / المقرب ٨٧ / الجامع الصغير ٨١ / شرح الشذور ٤٢٦ / شرح التصريح ١ ـ ٢٩٦.

٣٩٩

ومنه قول الربيع بن ضبيع الفزارى :

والذئب أخشاه إن مررت به

وحدى وأخشى الرياح والمطرا (١)

والتقدير : وأخشى الذئب أخشاه.

فجملة الاشتغال تتركب من اسم يليه جملة فعلية ، أو ما فيه معنى الفعل ، تتضمن ضميرا يعود على الاسم المتقدم ، يكون فى محلّ نصب ، أو يكون ما تضمن الضمير فى الجملة الفعلية فى محل نصب.

وآثرت دراسة قضية الاشتغال فى هذا الموضع مشتركة بين الجملتين الاسمية والفعلية لما يأتى :

ـ كثير من مسائل هذه القضية يرجع إلى باب المبتدإ والخبر على حدّ قول ابن عصفور.

ـ إعراب المشغول عنه يشترك بين المبتدإ والمفعول به ، وكلّ منهما يخصّ جملة بعينها.

ـ جملة الاشتغال اسمية فى مبناها ، ويمكن أن تكون فعلية فى معناها ، وبالتالى فى إعرابها.

شروط الاشتغال :

من تعريف الاشتغال وإدراك مدى اشتراكه بين الجملة الاسمية والفعلية يتضح لنا أن فيه ثلاثة أطراف لكلّ منها شروط ، وهى : المشغول عنه ، والعامل المشغول ،

__________________

(١) (الذئب) مفعول به لفعل محذوف ، وعلامة نصبه الفتحة ، (أخشاه) فعل وفاعل مستتر تقديره : أنا ، وضمير مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، والجملة تفسيرية للمحذوفة لا محل لها من الإعراب. (إن) حرف شرط جازم مبنى على السكون ، لا محل له من الإعراب. (مررت) فعل الشرط ماض مبنى على السكون ، وضمير المتكلم مبنى فى محل رفع ، فاعل. (به) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالمرور.

(وحدى) حال منصوبة مقدرا ، وضمير المتكلم مبنى في محل جر بالإضافة. وجملة جواب الشرط محذوفة دل عليها ما سبق. (وأخشى) حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. أخشى فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة. وفاعله مستتر تقديره : أنا ، والجملة معطوفة على جملة أخشى الأولى.

(الرياح) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (والمطرا) حرف عطف مبنى ومعطوف على الرياح منصوب ، والألف للإطلاق لا محل له من الإعراب.

٤٠٠