النحو العربي - ج ٢

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٢

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٧١

والتقدير : من حجج ومن دهر

ومنه قول امرئ القيس :

قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان

وربع عفت آثاره منذ أزمان (١)

أى : من أزمان. فكانت (منذ) لابتداء الغاية فى الزمان ، وجرّ ما بعدها.

ب ـ مذ (منذ) + اسم مجرور معرفة دال على زمان حاضر :

نحو : ما رأيته منذ يومنا ، أو : مذ الليلة.

حيث تلا (منذ) و (مذ) اسم معرفة (يومنا ، الليلة) ، وهو دال على زمن حاضر حالى ، فالزمن ينحصر فى يومنا الذى نحن فيه ، والليلة التى نحن فيها ، وهو مجرور.

يقدر النحاة كلا من (مذ ومنذ) فى هذا التركيب بحرف الجر الظرفى (فى).

فالتقدير فيما سبق : فى يومنا ، فى هذه الليلة.

ج ـ مذ (منذ) + اسم مجرور نكرة دال على زمان معدود :

نحو : ما رأيته مذ ثلاثة أيام ، .. منذ ليلتين.

حيث ذكر بعدهما اسم مجرور نكرة (ثلاثة أيام ، ليلتين) دال على زمان معدود.

__________________

(١) يرجع إلى : ديوانه ٩٨ / مغنى اللبيب ١ ـ ٣٦٧ / المساعد على شرح التسهيل ١ ـ ٥١٣ / الصبان الأشمونى ٢ ـ ٢٢٩ / شرح التصريح ١ ـ ١٧ ، وفى رواية : ورسم عفت ...

ربع عفت آثاره : منزل اندرست علاماته.

(قفا) فعل أمر مبنى على حذف النون ، وألف الاثنين ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. (نبك) فعل مضارع مجزوم ؛ وعلامة جزمه حذف حرف العلة ، وجزم لأنه جواب الأمر ، أو جواب شرط محذوف ، تقديره : إن تقفا نبك. وفاعله ضمير مستتر تقديره : نحن. (من ذكرى) جار مبنى ، ومجرور بالكسرة المقدرة مضاف ، و (حبيب) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (وربع) الواو : حرف عطف مبنى لا محل له من الإعراب ربع : معطوف على حبيب مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (عفت) فعل ماض مبنى على الفتح ، والتاء للتأنيث ، حرف مبنى لا محل له من الإعراب. (آثاره) آثار : فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وهو مضاف ، وضمير الغائب مضاف إليه فى محل جر ، والجملة الفعلية فى محل جر ، نعت لربع. (منذ) حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب ، إما بحرف الجر ، وإما بالإضافة. وعلامة جره الكسرة. وشبه الجملة متعلقة بالفعل (عفا).

٣٦١

ويقدرهما النحاة فى مثل هذا التركيب بـ (من وإلى) معا ، حيث يدلان ـ مذ ومنذ ـ على ابتداء الغاية فى الزمان وانتهائها معا ، ففى المثالين السابقين ينحصر زمان عدم الرؤية فى ثلاثة أيام ، أو ليلتين ، وهما يدلان على زمان معدود يدل على المعنى : من ابتداء هذه المدة إلى انتهائها.

الجوانب الإعرابية فى هذا التركيب :

يذكر ابن مالك : «وتتعيّن حرفيتهما ـ مذ ومنذ ـ إن وليهما مجرور» (١).

ويختلف النحاة (٢) فيما بينهم فى حكم الوجوب والصحة أو الرجحان فيما إذا وليهما مجرور بين الحرفية والظرفية ، ولكن الجمهور يذهبون إلى حرفيتهما ـ حينئذ. وذهب جماعة إلى أنهما اسم فى كل حال ، وهما دالّان على الظرفية ، فإذا جاء ما بعدهما مخفوضا فإنه يكون على الإضافة ، وإن كانا مبنيين ، وذلك كقولك : من لدن حكيم عليم ، حيث أضيف إلى (لدن).

والذين يذهبون إلى حرفيتهما حين جرّ ما بعدهما ـ وهم الجمهور ـ يدللون على ذلك بما يأتى :

ـ (مذ ومنذ) لابتداء الغاية فى الزمان ، فهما نظيرتا (من) فى المكان ، فإن كانت (من) حرفا ، فكذلك ما هو فى معناه.

يذكر ابن معطى فى ألفيته :

وإن جررت فهما حرفان

حرفا ابتداء غاية الزمان

هما كمن فى غاية المكان ....

ـ إيصالهما الفعل إلى (كم) و (متى) الاستفهاميتين ؛ كما يوصل الجارّ إليهما ، فكانا حرفين ، نحو : مذ كم سرت؟ أو : مذ متى سرت؟ ولو أنهما كانا اسمين

__________________

(١) شرح التسهيل ٢ ـ ٢١٦.

(٢) ينظر : شرح ألفية ابن معطى للموصلى ١ ـ ٣٨٤ / شرح المفصل لابن يعيش ٤ ـ ٩٤ / ٨ ـ ٤٤ / شرح التسهيل لابن مالك ٢ ـ ٢١٦ / مغنى اللبيب ١ ـ ٣٦٧ / المساعد على تسهيل الفوائد ١ ـ / ٥١٤ الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٢٨ / شرح التصريح ٢ ـ ١٧.

٣٦٢

لجاز : مذ كم سرت فيه؟ كما يجوز : يوم الجمعة سرت فيه. وامتناعهم من ذلك دليل على أنهما حرفا جر (١).

والفرق بين كونهما اسمين أو حرفين فى هذا التركيب :

ـ إذا احتسبا حرفين فإن ما بعدهما يجر بحرف الجر. أما إذا كانا اسمين فإن ما بعدهما يجر بالإضافة.

ـ إذا كانا حرفين كان الكلام جملة واحدة ، وأصبحت شبه الجملة متعلقة بما قبلها ، وإذا احتسبا هنا ظرفا أصبحا شبه جملة ـ كذلك ـ متعلقة بما قبلها ، ويصبح الكلام بجملته يدخله تصديق واحد ، أو تكذيب واحد.

لكن الأمر يختلف حال ما إذا كانا اسمين وقد رفع ما بعدهما ، حيث يصبح الكلام جملتين ، يدخل فى كل منهما التصديق والتكذيب ، دون التعلق بالأخرى.

ـ إذا كانا حرفين دلّا على أن المعنى الكائن فيما دخلتا عليه ، لا فى أنفسهما.

أما إذا كانا اسمين فإن المعنى الكائن فيهما باحتساب ما أضيفا إليه.

ملحوظة :

يذكر ابن مالك أنه قد يجرّان المستفهم به عن الوقت ، نحو : مذ متى رأيته؟ ومذ كم فقدته؟

وهو ما يتخذونه دليلا على حرفيتهما ـ كما ذكرنا سابقا ـ حيث يوصل بهما الفعل إلى اسمى الاستفهام (متى وكم). ولا يجوز عود الضمير عليهما ـ حينئذ ـ حيث لا يجيزون : مذ متى رأيته فيه؟ كما يمكن أن تقول : يوم الجمعة رأيته فيه.

التركيب الخامس : منذ (مد) + مصدر صريح معين الزمان ، أو مصدر مؤول :

يذكر ابن مالك : «ويجوز الأمران ـ الاسمية والحرفية ـ قبل أنّ وصلتها ... ويعامل المصدر المعين زمانه بعد مذ ومنذ معاملة الزمان المعين فى الرفع والجر» (٢).

__________________

(١) ينظر : المساعد على تسهيل الفوائد ١ ـ ٥١٤.

(٢) شرح التسهيل ٢ ـ ٢١٦ ، ٢١٧.

٣٦٣

ومنه يتبين لنا أنه قد يذكر بعدهما مصدر صريح ، زمنه معين ، وليس مبهما ، ذلك نحو : ما رأيته منذ قدوم زيد ، والتقدير : منذ زمن قدوم زيد ، فحذف المضاف (زمن) وأقيم المضاف إليه (قدوم) مقامه ، واحترز بالمعين فى الزمان من مبهم الزمان ، نحو : قدوم ، بلا إضافة ، أو : قدوم رجل.

وقد يذكر بعدهما مصدر مؤول ، يذكره من ذكره من النحاة بأنه من (أنّ) المفتوحة الهمزة المشددة النون دون غيره من المصادر المؤولة. ذلك نحو : ما رأيته منذ أنّ الله خلقنى. ويقدر بالقول : منذ زمن أنّ الله خلقنى (١).

أو : منذ خلق الله إياى (٢).

ويكون الإعراب على التقدير الأول ، وهو تقدير كلمة (زمن) ، أن المصدر المؤول فى محلّ جر مضاف إليه. وعلى التقدير الثانى يكون المصدر المؤول فى محل رفع ، خبر المبتدإ (منذ) ، أو فى محل جر ، مضاف إليه.

كما أنه مع فتح همزة (أن) يجوز أن يحتسبا حرفين ، ويكون المصدر المؤول بعدهما مجرورا بالحرف.

وإن كسرت همزة (إنّ) فاسميتهما متعينة ، ويكون ما بعدهما فى محل رفع.

وأرى أنه لا يمنع من أن يذكر بعدهما مصدر مؤول من غير (أنّ) ومعموليها ، حيث يجوز القول : ما زرته مذ أن سافر أخوه.

ملحوظات :

أولا : تقدير (مذ ومنذ) اسمين لا غير (٣) :

يذهب بعض النحاة إلى أن (مذ ومنذ) اسمان ، ولا يكونان إلا اسمين على كل حال ، فإذا رفع ما بعدهما كان فيه من التوجيهات الإعرابية السابقة حال الرفع ، وإذا خفض كان مجرورا بالإضافة.

__________________

(١) ينظر : شرح ألفية ابن معطى للموصلى ١ ـ ٣٨٤.

(٢) ينظر : المساعد على تسهيل الفوائد ١ ـ ٥١٤.

(٣) ينظر : شرح المفصل لابن يعيش ٨ ـ ٤٥.

٣٦٤

ثانيا : موضع اسميتهما بإجماع :

يجمع النحاة على أنه يتعين اسمية (مذ ومنذ) إذا وليهما اسم مرفوع ، أو جملة فعلية فى الغالب ، أو جملة اسمية.

يذكر ابن مالك فى ألفيته :

ومذ ومنذ اسمان حيث رفعا

أو أوليا الفعل كجئت مذ دعا

ثالثا : المعطوف على الجملة المذكورة بعدهما :

يقدر جمهور النحاة كلمة (زمن) قبل الجملة المذكورة بعد (منذ ومذ) ، وعليه فإن المعطوف على الجملة يجوز فيه الرفع والنصب والجر (١) ، ففى القول : ما رأيته مذ قام زيد ويوم الجمعة ، يجوز فى (يوم) الرفع والجر على كلمة (زمان) المقدرة ، حيث إعرابها على أوجه الرفع المذكورة ، أو الجر على الإضافة ، والنصب على معنى : مذ قام زيد ، أو على تقدير فعل آخر ، وتقديره : وما رأيته.

رابعا : حاصل الأوجه الإعرابية فى تراكيب (مذ ومنذ):

ما يحتمل أن يذكر بعد (مذ ومنذ) فى كلّ التراكيب التى يردان فيها من حيث الجانب الإعرابى أن يكون اسما مرفوعا ، أو جملة ، أو اسما مجرورا ، أو مصدرا.

ونوجز الأوجه الإعرابية فى كل احتمال سابق فيما يأتى :

أولا : إذا وليهما اسم مرفوع :

نحو : ما قابلنا منذ يوم السبت.

ما قابلنا منذ ذو الحجة.

ما قابلنا منذ أربعة أيام.

ما قابلنا منذ الربيع.

__________________

(١) يرجع إلى حاشية يس على شرح التصريح ٢ ـ ٢٠.

٣٦٥

فى إعراب (منذ) أو (مذ) والاسم المرفوع بعدهما الأوجه الإعرابية الآتية :

أ ـ أن يكونا مبتدأين ، خبرهما الاسم المرفوع بعدهما. ويكونان ـ حينئذ ـ اسمين دالين على الزمان.

ب ـ أنهما خبران مقدمان ، والمرفوعان بعدهما هو المبتدأ المؤخر. ويكونان ـ حينئذ ـ ظرفين مبنيين فى محل نصب ، وشبه الجملة خبر مقدم.

ج ـ أن المرفوع بعدهما فاعل بفعل مقدر : (كان) تامة أو : مضى. ويكون (مذ أو منذ) ظرفين فى محل نصب متعلقين بما قبلهما ، مضافين ، والجملة التى تليهما فى محل جر ، مضاف إليه.

د ـ أن يكون الخبر بعدهما مبتدأ لخبر محذوف ، تقديره : هو ، والجملة الاسمية تكون صلة (ذو) الطائية ، وهو المقطع الأخير من (منذ ومذ) ، وذلك على أنهما مكونان من : حرف الجر (من) و (ذو) ، وهو اسم موصول عند الطائيين. وتكون شبه الجملة متعلقة بما قبلها.

ثانيا : إذا وليهما جملة :

نحو : ما قابلنا منذ رجعنا من الحج.

ما قابلنا منذ هو موظف.

فيهما وفى الجملة التى تليهما وجهان إعرابيان :

أ ـ أن يكونا ظرفين مضافين إلى الجملة التى تليهما ، أو إلى محذوف يقدر بكلمة (زمن).

ب ـ أن يكونا مبتدأين ، خبرهما يقدر بكلمة (زمان) المضافة إلى الجملة التى تليهما. وعند ما يحذف المضاف يحل المضاف إليه محله ، ويتخذ إعرابه.

ثالثا : إذا وليهما اسم مجرور :

نحو : ما قابلنا منذ يوم الخميس.

٣٦٦

ما قابلنا منذ اليوم ، ليلتنا.

ما قابلنا منذ يومين ، ليلتين.

فيهما وفى المجرور بعدهما وجهان إعرابيان :

أ ـ أن يكونا حرفى جر ، وما بعدهما مجرور بهما. وشبه الجملة متعلقة بما قبلهما. ويكونان بمعنى (من) مع الزمان الماضى ، وبمعنى (فى) مع الزمان الحاضر ، وبمعنى (من) و (إلى) مع الزمان المعدود.

ب ـ أنهما فى محل نصب على الظرفية ، وما بعدهما من مجرور مضاف إليه.

رابعا : إذا وليهما مصدر مؤول أو صريح معين الزمان :

نحو : ما قابلنا منذ قدوم الحجاج.

ما قابلنا منذ أنّنا انتهينا من الدراسة.

فيهما وفى المصدر بعدهما الأوجه الإعرابية الآتية :

أ ـ إذا احتسبا اسمين فإنهما وما بعدهما يكون فيها الأوجه الإعرابية السابقة ؛ إذا وليهما مرفوع ، أو مجرور.

وهى : مبتدأ فخبر ، أو خبر مقدم فمبتدأ مؤخر.

أو : فاعل بفعل مقدر ، والجملة مضافة إليهما ، أو : خبر لمبتدإ فى محل جر بالإضافة إليهما.

ب ـ إذا احتسبا حرفين فإن ما بعدهما يكون مجرورا بهما.

ما الوقتية (١) :

تسمى بما الوقتية ، أو ما الظرفية ، ويجعلها ابن هشام زمانية ، ويجعل منها (كلّما) ، وتقدر بمصدر نائب عن ظرف الزمان ، حيث يصح أن ينوب منابها (مدة) ، وهى تربط بين حدثين ربطا زمنيا ، فهى من وسائل الاقتران الزمنى.

تليها جملة فعلية دائما.

__________________

(١) رصف المبانى ٣٨٠ / الجنى الدانى ٣٣٠ / مغنى اللبيب ٢ ـ ٦.

٣٦٧

جمهور النحاة يرى أنها حرف مصدرى ينوب عن لفظ : زمان أو مدة ، فإذا قلت : أقابلك ما طلعت الشمس ، أى : زمان طلوع الشمس ، لا أفارقك ما قام الليل والنهار ، أى : مدة دوام الليل والنهار ، وعلى الرغم من هذه النيابة فإنهم يجعلونها حرفا ؛ لأنه لا يعود عليها ضمير من صلتها.

أما بعض الكوفيين والأخفش فإنهم يجعلونها اسما. وإذا جعلتها حرفا ظرفيا فلا محلّ لها من الإعراب ، أما إذا جعلتها اسما ظرفيا فإنها تكون فى محلّ نصب ، ومع التقديرين فهى تعطى مدلول الزمان.

ومن أمثلتها قول الشاعر :

أجارتنا إن الخطوب تنوب

وإنى مقيم ما أقام عسيب

أى : مدة قيام عسيب.

ويجعلون من ذلك قوله تعالى : (يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) [هود : ٢٠] أى : مدة استطاعتهم السمع ، ومدة كونهم مبصرين (١) ، فتكون فى محل نصب على الظرفية.

ويكون من (ما) الوقتية التى تقدر بمصدر نائب عن ظرف الزمان يقدر بـ (مدة) (ما) التى يجب أن تسبق (دام) ؛ كى يكون فعلا ناقصا ناسخا.

من ذلك قوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) [هود : ١٠٨] ، حيث التقدير : مدة دوام ... فـ (ما) ظرفية وقتية.

ومنه قوله تعالى : (قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها)

__________________

(١) فى (ما) هنا أوجه أخرى ، وهى :

أ ـ أن تكون نافية.

ب ـ أن تكون مصدرية منصوبة على إسقاط الخافض ، إلى جانب ما ذكرناه من مصدريتها ودلالتها على الظرفية.

ج ـ أن تكون اسما موصولا فى محل نصب على حذف حرف الجر. والتقدير : بالذى كانوا ... ينظر : الدر المصون ٤ ـ ٨٧.

٣٦٨

[المائدة : ٢٤] ، أى : مدة دوامهم فيها. وقوله : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ) [مريم : ٣١] ، أى ، مدة دوامى حيا.

كلما :

يجعلها النحاة (١) ملحقة بما السابقة : الوقتية أو الظرفية أو الزمانية ، فتكتسب الدلالة على الظرفية الزمانية منها ، وهى باتفاق منصوبة على الظرفية ، وما بعد (كل) من (ما وما يليها من جملة) تكون على وجهين :

أ ـ إما أن تكون (ما) مصدرية حرفية ، فتكون الجملة التى تليها صلة لها ، والمصدر المؤول فى محلّ جر بالإضافة ، ومثالها : (كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ) [البقرة : ٢٥](٢) ، والتقدير : كل وقت رزق ..

ب ـ وإما أن تكون اسما نكرة بمعنى (وقت) فلا تحتاج إلى تقدير وقت ، وتكون الجملة التى تليها فى موضع جر صفة لها ، ويكون التقدير : كل وقت رزقوا فيه. حيث يقدر العائد على الموصوف ، ويبعد هذا الوجه بعض النحاة.

ومنه قول عمرو بن الأطنابة :

وقولى كلّما جشأت وجاشت

مكانك تحمدى أو تستريحى (٣)

__________________

(١) ينظر : رصف المبانى ٣٨٠ مغنى اللبيب ١ ـ ١٧١.

(٢) (كلما) : كل : نائب عن ظرف الزمان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. وهو مضاف ، و (ما) حرف مصدرى يفيد الوقت ، وصلته الجملة الفعلية (رزقوا). والمصدر المؤول فى محل جر مضاف إليه. وجملة (رزقوا) فى محل جر نعت لما. وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، نائب فاعل. (منها) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة بدل من منها. (رزقا) مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (قالوا) فعل ماض ؛ وفاعله واو الجماعة ، والجملة جواب كلما. والفعل هو العامل فى كلما. (هذا) اسم إشارة مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (الذى) اسم موصول مبنى فى محل رفع ، خبر. (رزقنا) فعل ماض ، ونائب الفاعل ضمير مبنى فى محل رفع. والجملة الفعلية صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب. (من) حرف جر مبنى ، لا محل له من الإعراب. (قبل) اسم مبنى على الضم ؛ لأنه مقطوع عن الإضافة لفظا لا معنى ، فى محل جر. وشبه الجملة متعلقة بالرزق.

(٣) جشأت : تحركت ، جاشت : فزعت. (قولى) معطوف على ما سبقه. (كلما) كل منصوبة على الظرفية ، (ما) حرف مصدرى مبنى ، لا محل له من الإعراب. (جشأت) فعل ماض مبنى على

٣٦٩

قط :

بفتح فطاء مشددة ، قد تضم الطاء بدون تشديد ، وقد تضم القاف مع ضمّ الطاء بتضعيف أو بدونه ، وقد تسكّن الطاء مع فتح القاف (قط) ، وهو لاستغراق الزمان الماضى المنفى ، فتقول : ما فعلته قط ، أى ما فعلته فى الزمن الماضى ، أى : ما فعلته فيما انقطع من عمرى ، فاشتقاقه من القط ، أى : القطع ، وهو ظرف زمان مبنىّ على الضم ـ على الأشهر ـ فى محل نصب (١).

عوض :

بفتح فسكون فضم ، وقد تفتح الضاد ، وقد تكسر. لاستغراق الزمان المستقبلى المنفى ، فتقول : لا أفعله عوض ، أى : لا أفعله فى الزمان المستقبل ، وهو ظرف زمان مبنى على الضم أو الفتح أو الكسر فى محل نصب.

و (عوض) ظرف زمان مبنى لأنه مقطوع عن الإضافة لفظا لا معنى ، كـ (قبل وبعد) ، وهو يعرب مع المضاف إليه ، فيقال : عوض العائضين ، أى : دهر الداهرين.

مرة :

يذكر سيبويه : «وقد تقول : سير عليه مرتين ، تجعله على الدهر ، أى ظرفا» (٢) ، نحو : ولقد رأيته مرة ، وقد تناول حاجة ، حيث (مرة) تدل على الظرفية الزمانية ، أى : رأيته مرة من الزمن.

__________________

الفتح ، والتاء للتأنيث حرف مبنى لا محل له من الإعراب ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : (هى) ، والجملة صلة الحرف المصدرى لا محل لها من الإعراب ، والمصدر المؤول فى محل جر بالإضافة.

(وجاشت) حرف عطف ، والجملة معطوفة على سابقتها ، لا محل لها من الإعراب. (مكانك) اسم فعل أمر مبنى ومعناه : اثبتى. والجملة فى محل نصب ، مقول القول. (تحمدى) فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف النون ؛ لأنه جواب الطلب ، وياء المخاطبة ضمير مبنى فى محل رفع نائب فاعل.

(١) تأتى (قط) فى اللغة على وجهين آخرين ، وهما :

أ ـ أن تكون بمعنى (حسب) ، وتكون مفتوحة القاف مسكونة الطاء. فيقال : قطك ، قط زيد درهم.

ب ـ أن تكون اسم فعل بمعنى (يكفى) ، فيقال : قطنى ، أى : يكفينى.

ينظر : مغنى اللبيب ١ ـ ١٩٨.

٣٧٠

ومن ظروف الزمان كذلك :

* متى ، وأيان ، (للاستفهام والشرط) ، وأى (مضافة إلى ما يدل على الزمان.

* وكذلك : ضحى ، وضحوة ، وبكرة وبكير ، وسحير ، وصباح ، ومساء ، ونهار ، وليل ، وعتمة ، وعشية ، وأمس ، وأصيل ، وبيات.

* وكذلك : (ذا وذات) مضافين إلى زمان ، نحو : ذا صباح ، ذا مساء ، ذات ليلة ، ذا نهار ، ذا صبوح ، ذات مرة.

ومن ذلك قولك : سرت به ذات مرة ، أو : ذات ليلة ، أو : ذا صباح ، أو : ذا مساء ، أو ذات ليلة ..... إلخ.

* ومنها كذلك : (دائما) للدلالة على تكرار الزمان فى الإثبات ، و (أبدا) لتدلّ على تكرار الزمان فى النفى.

* ومنها : حين ، وحينا ، وساعة ، وبرهة ، ولحظة ، وقبل ، وبعد ، وقبيل ، وبعيد ، وزمن ، وزمنا ، ...

من أمثلة ما يدلّ على الظرفية للظروف السابقة الأمثلة الآتية :

(يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) [الذاريات : ١٢] ، أى : يسألون عن زمن يوم الدين.

ف (أيان) اسم استفهام مبنى على الفتح ، فى محلّ نصب على الظرفية ، وشبه جملته فى محل رفع ، خبر مقدم ، (يوم) مبتدأ مؤخر مرفوع ، والجملة فى محلّ نصب على نزع الخافض.

أما قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) [الأعراف : ١٨٧] ففيه الجملة الاسمية (أيان مرساها) المكونة من الخبر المقدّم والمبتدإ المؤخر فى محلّ نصب على البدل من محلّ الساعة ؛ لأن التقدير : يسألونك أيان مرسى الساعة ، فالبدل هنا منصوب على نزع الخافض.

أىّ وقت تزورنى اليوم؟ وأىّ يوم تزرنى تلق رحبا وسعة ، (أى) فى الموضعين منصوبة على الظرفية ، متعلقة بما بعدها ، وهى فى الموضعين منصوبة على الظرفية ، متعلقة بما بعدها ، هى فى الأول استفهامية ، وفى الثانى شرطية.

٣٧١

(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [يونس : ٤٨] (متى) اسم استفهام مبنى فى محل نصب على الظرفية ، وشبه جملته فى محل رفع ، خبر مقدم ، والمبتدأ اسم الإشارة (هذا). والجملة الاسمية فى محلّ نصب ، مقول القول.

ومنه : متى ما تأتنى تلق خيرا ، (متى) اسم شرط جازم مبنى فى محل نصب على الظرفية.

(أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ) [الأعراف : ٩٨](١) ، (ضحى) ظرف زمان منصوب مقدرا ، وهو متعلق بالإتيان.

(وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) [مريم : ٦٢] ، بكرة وعشيا منصوبان على الظرفية ، وهما متعلقان بما فى شبه الجملة من الفعل.

ومنه : (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الأحزاب : ٤٢] ، بكرة وأصيلا ظرفا زمان منصوبان.

أصلّى دائما سحيرا ، أو سحرا ، أو سحرة ، وكلها منصوبة على الظرفية.

ملحوظة : مثل : سحر ، وبكرة ، وغدوة ، وضحوة ، وضحى ... إلخ ، إذا أريد بها وقت بعينه منع من الصرف ، وإذا كان نكرة ، أى : لا يراد به وقت بعينه فإنه يصرف.

(فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) [العاديات : ٣] ، (صبحا) ظرف زمان منصوب متعلق بالمغيرات.

__________________

(١) (أو أمن) الهمزة : حرف استفهام مبنى لا محل له من الإعراب. الواو : حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. أمن : فعل ماض مبنى على الفتح. (أهل) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. وهو مضاف ، (القرى) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (أن يأتيهم) أن : حرف مصدرى مبنى ، لا محل له من الإعراب. يأتى : فعل مضارع منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. وضمير الغائبين مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (بأسنا) بأس : فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، ومضاف إليه. والمصدر المؤول مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (ضحى) ظرف زمان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة.

(وهم) الواو : واو الحال أو الابتداء حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. هم : ضمير مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (يلعبون) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون. وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدأ. والجملة فى محل نصب ، حال.

٣٧٢

(قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً) [نوح : ٥] ، (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً) [يونس : ٥٠] كل من (ليلا ونهارا وبياتا) منصوب على الظرفية الزمانية ، والتقدير : ليلا أو نهارا. وذلك لأن بياتا قد تكون مصدرا ، أو حالا ، ولكنها فى هذا السياق تؤدى معنى الظرفية الزمانية.

(كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) [النازعات : ٤٦].

(خالِدِينَ فِيها أَبَداً) [النساء : ٥٧] ، (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً) [التوبة : ١٠٨] ، (أبدا) ظرف زمان منصوب متعلق بالخلود وعدم القيام.

(أواظب على الصلاة دائما). (دائما) منصوب على الظرفية.

(فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) [الروم : ١٧]. أقابلك أحيانا ، فأتحدث معك حينا ، (حين) منصوب على الظرفية الزمانية.

(فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) [المائدة : ١٢] ، (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) [الأنبياء : ٧] (بعد وقبل) منصوبان على الظرفية الزمانية. جملة (نوحى) فى محل نصب ، نعت لرجال.

أرجو أن تنتظرنى برهة قبيل حديثك ، فأنا مشغول هذه الساعة ، ولتنتبه لحظة بعيد تلقّى السؤال ، كل من (برهة ، قبيل ، هذه الساعة ، لحظة ، بعيد) منصوب على الظرفية.

مكثت هناك زمنا ، وكان وقتا جميلا (زمنا) منصوب على الظرفية.

ما يستعمل استعمال الظرف الزمانى :

ريث :

معناها اللغوى : البطء ، يستعمل بمعنى الزمان فيضاف إلى الفعل ، وقد تليه (ما) زائدة أو مصدرية (١) ، فتقول : توقف ريث أخرج إليك. وتقول : أبطأ عنهم ريثما يتطارحون الرأى.

__________________

(١) ينظر : التسهيل ١٥٩ / الهمع ١ ـ ٢١٣.

٣٧٣

يذكر فى لسان العرب : «ويقال : ما قعد فلان عندنا إلا ريث أن حدثنا بحديث ثم مر ، أى : ما قعد إلا قدر ذلك» (١) ، كما يذكر : «وفى الحديث : فلم يلبث إلا ريثما قلت ، أى : إلا قدر ذلك».

وأنت ترى أن (ريث) فى كل الأمثلة السابقة دلت على الزمان المتعلق بالفعل الذى يسبقها والمحدد بما يضاف إليها.

وسواء جعلتها بنفسها الدالة على الزمان ، أم جعلتها مضافة إلى دال على الزمان محذوف ، تقديره : وقت ، زمن ... إلخ ، فهى فى كل تقدير منصوبة على الظرفية.

فإن جعلت (ما) زائدة فما بعدها فى محلّ جر بالإضافة إليها ، وإن جعلت (ما) مصدرية فإنها وما بعدها مصدر مؤول فى محلّ جر بالإضافة إليها.

وما ذكره اللغويون من أمثلة لريث فى هذا المعنى : ما فعل كذا إلا ريثما فعل كذا.

ما قعدت عنده إلا ريث أعقد شسعى (سير النعل).

وقول أعشى باهلة :

لا يصعب الأمر إلا ريث يركبه

وكلّ أمر سوى الفحشاء يأتمر

وقوله معقل بن خويلد :

لا ترعوى الدهر إلا ريث أنكرها

أنئو بذاك عليها لا أحاشيها

وقول الراعى :

فقلت ما أنا ممّن لا يواصلنى

وما ثوانى إلا ريث أرتحل

__________________

(١) اللسان مادة : (ريث).

٣٧٤

القسم الثانى : ظروف المكان

من ظروف المكان التى تدور فى الجملة العربية ما يأتى :

فوق :

عادمة التصرف (١) ، لكن سيبويه (٢) ذكرها مخفوضة بحرف الجر (من) إجراء لها مجرى الأسماء المتمكنة ، حيث تضاف وتستعمل غير ظرف.

تحت :

من الظروف المتصرفة عند الخليل وسيبويه (٣) ، وقد ذكرها سيبويه مخفوضة عن الخليل (من تحت) إجراء لها مجرى الأسماء المتمكنة ، حيث تضاف وتستعمل غير ظرف. بينما يذكر الأخفش أنها لا تتصرف (٤) ، كما ذكر ذلك ابن مالك (٥).

ومثال ذلك : (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) [النور : ٤٠] ، (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى) [طه : ٦] ، (فوق ، وبين ، وتحت) ظروف مكان منصوبة.

ومنه : (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) [العنكبوت : ٥٥] ، تلحظ أن (فوق وتحت) مجروران بعد (من) وعلامة جرّهما الكسرة.

أمام ، خلف :

متوسطا التصرف ، وذكرا عند الخليل متصرفين ، حيث جرا بحرف الجر إجراء لهما مجرى الأسماء المتمكنة ، حيث يضافان ويستعملان غير ظرف ، والكوفيون يلزمون إضافتهما إلى المعرفة (٦).

ومن أمثلتهما : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) [البقرة : ٢٥٥] ، حيث كلّ من (بين وخلف) ظرف مكان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

__________________

(١) التسهيل ٩٦.

(٢) الكتاب ٣ ـ ٢٨٩.

(٣) الكتاب ١ ـ ٤١١ ـ ٣ ـ ٢٨٩.

(٤) الهمع ١ ـ ٢١٠.

(٥) التسهيل ٩٦. (٦) همع الهوامع ١ ـ ٢٠٠.

٣٧٥

وتقول : وقفت أمام الصّف. فيكون (أمام) منصوبا على الظرفية المكانية.

ويجران بحرف الجر ، مثل : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) [فصلت : ٤٢] ، فيكون كلّ من (بين وخلف) اسما مجرورا بعد (من).

وقد يستعار ظرف المكان (أمام) للزمان ، كما فى قوله تعالى : (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) [القيامة : ٥] ، حيث «المراد شهواته ومعاصيه ليمضى فيها أبدا دائما ، فأمامه منصوب على الظرف ، وأصله مكان ، فاستعير هنا للزمان» (١).

دون :

الدونية تقصير عن الغاية (٢) ، ويكون ظرفا بحيث لا يكون بمعنى ردىء (٣). وهو لا يرفع أبدا ، إلا إذا كان من الرداءة ، كأن نقول : هو دونك ، إذا جعلت الأول الآخر ، ولم تجعله رجلا ، وقد يقولون : هو دون من القوم ، وهو ثوب دون (٤) ، وهو من الجهات الست ، لكنه أشدّ إبهاما منها ؛ لأنه يحتمل كلّ جهة منها. ذكره سيبويه عن الخليل متصرفا مجرورا بالخفض والتنوين (من دون) ، فأجراه مجرى الأسماء المتمكنة ، حيث يضاف ويستعمل غير ظرف ، كما ذكر الأخفش والكوفيون تصرفه (٥) ، ولكن ابن مالك يذكر أنه نادر التصرف (٦) ، وفيه دراسة تفصيلية فى الإضافة.

ومنه قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨]. يغلب استعمالها مجرورة بحرف الجرّ (من).

حول :

فيها لغات ، حوال ـ حول ـ حوالى ـ حولى ـ أحوال.

__________________

(١) الدر المصون ٦ ـ ٤٢٦.

(٢) ينظر : الكتاب ١ ـ ٤١١ / ٤ ٣ ـ ٢٨٩ ـ ٢٣٣ / ، والتسهيل ٩٦ / الهمع ١ ـ ٢١٣.

(٣) الكتاب ٤ ـ ٢٣٤.

(٤) المرجع السابق ١ ـ ٤١٠.

(٥) ينظر : الكتاب ٣ ـ ٢٨٩ / الهمع ١ ـ ٢١٣.

(٦) التسهيل ٩٦.

٣٧٦

ومن أمثلتها : (وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) [الأنعام : ٩٢] ، (حول) ظرف مكان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. وقد يجرّ بـ (من) ، كما فى : (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران : ١٥٩].

* ومن ظروف المكان كذلك :

ـ أين ـ أنى (للاستفهام والشرط).

ـ أى (مضافة إلى ما يدل على المكان ، للاستفهام والشرط).

مثالها : (يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ) [القيامة : ١٠] ، (أين) ظرف مكان مبنى على الفتح فى محلّ نصب ، وشبه الجملة فى محلّ رفع ، خبر مقدم ، (المفر) مبتدأ مؤخر مرفوع ، والجملة الاسمية فى محلّ نصب ، مقول القول.

(أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً)(١) [البقرة : ١٤٨] ، (أينما) اسم شرط جازم مبنى على الفتح فى محلّ نصب على الظرفية ، متعلق بما بعده. و (ما) حرف زائد توكيدى توسعى ، لا محل له من الإعراب.

أىّ مكان نتقابل اليوم؟ أىّ مكان تلقنى أحييك. (أى) فى الموضعين منصوبة على الظرفية ، وهى فى الأول استفهامية ، وفى الآخر شرطية.

* ومن ظروف المكان ما يدل على جهة من الجهات الست من : يمنة ـ يسرة ـ أعلى ـ أسفل ـ يمين ـ شمال ـ يسار ـ خلف ... وما فى معناها.

ومنها كذلك :

ـ تجاه (بضم التاء وكسرها) ، وأصل التاء واو.

ـ حذاء ، من حذا يحذو ، وهو القصد ، فلامه واو ، وقد تستعمل (حذة) فى معنى حذاء.

__________________

(١) (تكونوا) فعل الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، اسم يكون ، وخبرها المقدم اسم الشرط (أينما). (يأت) فعل جواب الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة. (بكم) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالإتيان. (الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (جميعا) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة.

٣٧٧

ـ تلقاء ، وهو مما يتلقاه من الجهات ، من لقى فلامه ياء ، ومنه قوله تعالى :(وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ) [القصص : ٢٢].

ـ إزاء بمعنى قبالة وحذاء ، فتقول : جلست إزاءه ، أى قبالته ، أو حذاءه ، وتقول : آزاه ، إذا حاذاه.

ـ مع ـ بين ـ مكان ـ جهة ـ عند ناحية ـ وسط (متحركة السين) ـ وسواء.

ومن أمثلة ما سبق :

ـ تلفّتّ يمنة ثم تلفتّ يسرة لأتبيّن ما حوالىّ. (يمنة ، يسرة ، حوالىّ) ظروف مكان منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة.

ـ بحثت عن الكتاب أعلى المكتبة وأسفلها ، ويمينها وشمالها ، فلم أجده إلا يسار الحقيبة.

ـ سرت تجاهه ، ووجهته ، وجهته ، ومشيت حذاءه وحذوه ، وقبالته ، وإزاءه.

ـ حركتها جهة اليمين ، أو ناحيتها عند مثيلتها.

ـ لقد سارت وسط الطريق. وحلّت به مكان الراحلة.

* ومن ظروف المكان ما يشبهها فى الإبهام وهو دالّ على المكان ،

نحو : قريبك ، قريبا منك ، بعيدا ، بعيدا عنك ، جنبك ، بمعنى (المكان الذى هو بجانبك).

القسم الثالث : ما يتردد بين الزمان والمكان

تدور فى الجملة العربية ظروف تستعمل للتعبير عن الزمان أو للتعبير عن المكان ، ويكون دلالتها تبعا لما يفهم من السياق ، منها :

عند :

من الظروف المبهمة (١) التى تلزم الإضافة وتنصب على الظرفية ، يتخصص معناها عن طريق ما تضاف إليه ، لا تتصرف ، تفيد الحضور والدنو ، تشترك بين

__________________

(١) ينظر : الكتاب ٤ ـ ٢٣٢ / المفصل ٨٦ / التسهيل ٩٦ ، ٩٧.

٣٧٨

أداء الدلالة الزمانية والدلالة المكانية ، فعندما تقول : أكرمه عند حضوره ، فهى تفيد الدلالة الزمنية ، أما إذا قلت : أقابلك عند الكلية ، فهى دلالة مكانية. فدلالتها على الحضور والدنو إما أن يكون زمانيا ، وإما أن يكون مكانيا.

ومثالها : (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي) [النمل : ٤٠]. (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) [النجم : ١٣ ، ١٤] ، (عند) فى الموضعين ظرف مكان منصوب وعلامة نصبه الفتحة.

لدن :

من الظروف المبنية (١) ، تفيد أول غاية الزمان أو المكان ، تبعا لما أضيف إليه ، ولا يبنى عليه المبتدأ ، يسبق بحرف الجرّ (من) كثيرا ، وقلما تعدمه ، يعربه بنو قيس ، وما يليها يكون مجرورا بالإضافة ، إما لفظا إن كان مفردا ، وإما تقديرا إن كان جملة ، وتضاف إلى الضمير كثيرا.

فى (لدن) لغات : لدن ، لدن ، (بفتح اللام ففتح الدال وكسرها) مع سكون النون ، لدن لدن (فتح اللام وضمها مع سكون الدال وكسر النون).

ولدن (بضم فضم فكسر) ، ولد ولد (بضم اللام وفتحها مع سكون الدال).

وإذا ذكر بعدها (غدوة) فإنها تنصب معها على التمييز.

ومثلها (لدى) فى استعمالها ومعناها.

و (لدن ولدى) يعنيان ما بحضرتك وهو معك لا غير ، بخلاف (عند) فهى تعنى ما بحوزتك سواء أكان حاضرا أم غائبا عن حضرتك ، فيقال : المال عندك ، ولا يقال : لديك ، أو لدنك. وهما مبنيان على السكون فى محل نصب ، أو فى محل جر إن سبقا بحرف جر. ومن أمثلتها : (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) [النمل : ٦].

(كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [الروم : ٣٢].

__________________

(١) ينظر : الكتاب ٣ ـ ٢٨٦ / التسهيل ٩٧ / الهمع ١ ـ ٢١٥.

٣٧٩

(لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) [ق : ٣٥].

(وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) [النساء : ٤٠]. (رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً) [الكهف : ١٠].

وقول الشاعر فى نصب غدوة بعد لدن :

لدن غدوة حتى ألان بخفّها

بقية منقوص من الظلّ قالص

(عند ولدن ولدى) ظروف أكثر التصاقا بالمكان عنها بالزمان.

حيث :

من الظروف المبهمة غير المتمكنة (١) ، تبنى على الضم تشبيها لها بقبل وبعد ، وقد تبنى على الفتح تخفيفا ، وقد تبنى على الكسر على أصل التقاء الساكنين ، لكن الأكثر شهرة بناؤها على الضم ، تعرب فى لغة فقعس ، وقد يبدلون من يائها واوا (حوث) ، تلزم الإضافة إلى جملة ، تكون فعلية غالبا ، وإضافتها إلى الجملة الاسمية قليل ، أما إضافتها إلى المفرد فنادر ، ومنه قول الشاعر :

أما ترى حيث سهيل طالعا

نجما يضئ كالشهاب لامعا (٢)

حيث أضيف (حيث) إلى (سهيل) وهو نجم ، وهو مفرد.

تربط بين حدثين إما ربطا زمانيا ، وإما ربطا مكانيا ، فتقول : أقابلك حيث تقابلنا من قبل ، وأستمع إليك حيث تلقى المحاضرة. فالأول فيه دلالة على المكان ، وأما الآخر ففيه دلالة على الزمان.

__________________

(١) ينظر : الكتاب ٣٠ ـ ٢٢٧ / ٩٢ / التسهيل ٩٧ / الهمع ١ ـ ٢١٢.

(٢) (أما) حرف استفتاح مبنى ، لا محل له من الإعراب. (ترى) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : (أنت). (حيث) ظرف مكان مبنى على الضم ، فى محل نصب متعلق بترى. (سهيل) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (طالعا) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة ، وصاحبها سهيل. (نجما) مفعول به لفعل محذوف تقديره : أذكر ، أو أعنى ، أو أمدح. (يضىء) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله مستتر تقديره : هو ، والجملة الفعلية فى محل نصب ، صفة ل (نجما). (كالشهاب) جار ومجرور ، وشبه الجملة فى محل نصب ، حال. (لامعا) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة ، صاحبها فاعل يضىء.

٣٨٠